خديجة، امرأة تجاوزت السبعين من عمرها، تسكن في منزل صغير متواضع عند أطراف القرية. كانت حياتها تدور حول ابنتها الوحيدة "مريم"، التي أصيبت بالشلل منذ طفولتها. لم تكن خديجة تمتلك مالًا كثيرًا، ولا مجوهرات تُزين معصميها، لكن كان لديها قلبٌ يفيض بحب لا يُقدّر بثمن.
كل صباح، تستيقظ خديجة قبل شروق الشمس، تدعو ربها بخشوع، ثم تهيّئ الطعام وتغسل وجه مريم بماء دافئ. رغم تعب السنوات، لم تتذمر يومًا، ولم تسأل أحدًا العون. كانت تقول لمن يزورها: "الزهد ليس في قلة المال، بل في غنى الروح. أنا أعيش لأجل رضا الله، وما أجمل أن يرزقني نعمة خدمة مريم! هي هدية الله لي."
وفي إحدى الأمسيات، سألتها جارتها: "كيف تصبرين يا خديجة؟ ألا تشعرين بالإنهاك؟" أجابت بابتسامةٍ مشرقة:
"إن الزهد ثروة، والثروة ليست في الذهب والفضة، بل في القناعة برحمة الله. كل خدمة أقدمها لمريم هي كنز لي في الدنيا والآخرة."
تذكرت الجارة قول الله تعالى:
"وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ" (الحشر: 9)
ففهمت أن الزهد ليس في المظهر، بل في الروح المليئة برضا الله وقبول قدره.
وفي يومٍ، بينما كانت خديجة تقرأ في كتاب الله، رفعت يديها بالدعاء: "يا رب، اجعل حبي لمريم سبيلًا لدخول جنتك، واجعل رضاك أعظم ثرواتي." وظلت تلك الكلمات نداءً لكل من عرفها أن الثروة الحقيقية هي في الزهد والتضحية لمن نحب.
-------------
روي عن الإمام علي (عليه السلام):
"وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ".