1

وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ

في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه "يعقوب"، رجل عُرف يومًا بحكمته الراجحة ولسانه البليغ، لكنه اليوم بات شبحًا لمن كان.
نشب خلاف بين تاجرين، وارتفعت الأصوات، فتوجهت الأنظار إلى يعقوب، الذي كان الحَكم في مثل هذه النزاعات. قال أحدهم: "يا يعقوب، احكم بيننا بالعدل، كما كنت تفعل!"
رفع رأسه، عينيه تملؤهما نظرة كسيرة، ثم همّ بالكلام، لكنه سكت. صاح آخر: "هل أفقدك الجوع حكمتك يا يعقوب؟ أم أن الفقر قد أسكت لسانك؟"
ظل يعقوب صامتًا، وكأن كلماته حُبست في كهف من الحاجة. تمتم بينه وبين نفسه:
قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِي صَدۡرِي (25) وَيَسِّرۡ لِيٓ أَمۡرِي (26) وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي (27) يَفۡقَهُواْ قَوۡلِي (28)
(طه: 25-28)
لكنه أدرك أن الفقر قد غلّ عقله وأسر لسانه، وأن الهيبة التي تحيط الكلمة تُستلّ حين يتعثر صاحبها في سداد قوته. عاد إلى بيته، وعيناه نحو السماء، موقنًا أن "الله هو الغني ونحن الفقراء".
الفقر ليس مجرد عوزٍ مادي، بل قد يكون قيودًا ثقيلة تُكبّل حتى أعظم العقول. لكنه أيضًا تذكير بأن القوة الحقيقية ليست في المال، بل في غنى النفس، والرزق الذي يجود به الله على عباده.
--------------------
قال الإمام علي (عليه السلام):
"وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ"

صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ

وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ

وَالْأَدَبُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ

الْعِلْمُ وِرَاثَهٌ كَرِيمَةٌ

الراشي والمرتشي في النار

الْعَجْزُ آفَةٌ

وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ

وَالفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ

وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ

الْبُخْلُ عَارٌ

وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ

وَرَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ ضُرَّهُ

أزرى بنفسه مَن استشعر الطمع

الناصح

اتبع شغفك، وسِر بخطى ثابتة

وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ

1

المزيد
EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي