في حي صغير، كان منير شابًا معروفًا بحكمته ورزانته، وصديقه زكي مشهورًا بحبه للحديث وكشف الأسرار. جلس الاثنان يومًا في ظل شجرة كبيرة يتبادلان أطراف الحديث.
قال زكي مبتسمًا: "منير، أراك دائمًا تحتفظ بأفكارك لنفسك، أما أنا فلا أستطيع كتمان أي شيء!"
ابتسم منير وقال: "يا زكي، الحكمة لا تكمن فقط فيما نقول، بل في ما نصمت عنه أيضًا. أتعلم يا زكي؟ صدر العاقل هو صندوق أسراره." ثم أضاف: "يا صديقي، إن أفشيت أسرارك لكل من هب ودب، ستفقد قيمتها، وربما تجد من يستغلها ضدك يومًا."
هز زكي رأسه مستغربًا وقال: "لكن، ألا تحتاج أحيانًا إلى أن تفرغ ما في داخلك؟"
رد منير: "بالطبع، لكن الحكمة أن تختار الشخص المناسب، وقت الحاجة. السر أمانة، وصدر العاقل يحفظ الأمانة كما يحفظ الكنز الثمين."
ومرت الأيام، حتى وقع زكي في مشكلة كبيرة عندما أفشى سرًا لأحد معارفه، فلم يتوان الأخير عن نشره بين الناس. شعر زكي بالندم، فذهب إلى منير وقال: "كنت على حق يا منير. لو احتفظت بحديثي لنفسي كما نصحتني، لما حدث ما حدث!"
ابتسم منير وقال: "الحكمة تأتي مع التجربة يا صديقي.
قال الله تعالى:
(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ)
(البقرة: 197)
والتقوى تشمل الكثير، ومنها تقوى اللسان وحفظ الأسرار. فلنصنع من تجربتنا دروسًا للمستقبل."
--------------
روي عن الإمام علي (عليه السلام):
"صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ".