قال ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، عليه السلام، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، إنه بإمكاننا أن نسير على منهج الإمام الحسين عليه السلام بتمامه ولو بنسبةِ ما لنكون نحن ورثة الحسين عليه السلام.
جاء ذلك في جانب من خطبته الأولى التي ألقاها في صلاة يوم الجمعة من الصحن الحسيني الشريف بحضور حشد من المؤمنين.
وقال الكربلائي "إننا نحتاج إلى أمرين لكي نصل إلى هذه الرتبة ولو بدرجة ما" مؤكداً أن الأمر الأول هو وسيلة الارتباط بمواريث الإمام الحسين عبر إدامة الإحياء للجانب المأساوي وجانب المصيبة عند الإمام الحسين".
وأضاف "إن الأمر الثاني هو إدراك ما هو المطلوب منا خلال هذه الزيارة التي نؤديها على أن تكون مراسيم العزاء هادفة وواعية".
وفي ما يلي النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة يوم الجمعة التي ألقاها سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي داخل الصحن الحسيني الشريف:
أعوذ بالله السّميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله قريب الرحمة، سابغ النعمة، بديع الحكمة، نافذ القضاء، حسن البلاء، الذي اصطفى أولياءه على جميع خلقه فأعلى قدرهم، وميّزهم بعظيم حبائه فرفع ذكرهم، وخصّهم بجسيم بلائه ليمتحن صبرهم، ويضاعف أجرهم، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، سامع الدعاء عظيم الأسماء، الفعّال لما يشاء، وأشهد أنّ محمداً (صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، رفع في النبيّين درجته، وشرّف في العالمين عترته، صلّى الله عليه وآله نجوم الهداية وأقطاب الولاية.. أوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك أوصي نفسي بتقوى الله تعالى، فإنّها سبب نجاتكم وفوزكم الأكبر وحصنكم الآمن، واغتنموا فرصة أيّامكم هذه التي تُفتح فيها أبواب السماء، ويتجلّى الله تعالى برحمته لمن يُقيم مراسيم العزاء، ويتجدّد فيه حزن الملأ الأعلى لمصاب سيّد الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) على ولده سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، أيّها الإخوة والأخوات أعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين (عليه السلام)، السلام عليكم أيّها المقيمون لهذه المراسيم المفجوعون بمصاب سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ورحمة الله بركاته..
أيّها الإخوة والأخوات من الوسائل التي وردت للتعريف بمقام المعصومين وبيان منزلتهم وفضلهم ومناقبهم ومآثرهم، وكذلك دورهم في حفظ رسالة الإسلام هي الزيارات المتعارفة لمراقدهم (عليهم السلام)، وهذه وسائل وردت من المعصومين (عليهم السلام) تعرّفنا بمقامهم ومنزلتهم عند الله تعالى ودورهم في حفظ رسالة الإسلام وكيان المجتمع الإسلاميّ، ومن ذلك الزيارات المعروفة للإمام الحسين (عليه السلام) وأهمّها زيارة عاشوراء التي يحرص العلماءُ على المواظبة للإتيان بها وليس حرصهم على الإتيان بها بل حرصهم على المواظبة وإدامة الإتيان بهذه الزيارة لما لها من فضلٍ عظيم، وكذلك زيارة وارث التي تُعتبر الأشهر في زيارات الإمام الحسين (عليه السلام)، نلتفت الى هذه النقطة أيّها الإخوة والأخوات فقد وردت فيها العناية الخاصّة والتأكيد من المعصوم على وصف الإمام الحسين (عليه السلام) بأنّه وراث الأنبياء، وخصّ الإمام الحسين (عليه السلام) بهذه الصفة كثيراً في زيارة وارث وكذلك في زيارة عيدي الفطر والأضحى بقوله (عليه السلام) في الزيارة المعروفة (أكرمته بطيب الولادة وأعطيته مواريث الأنبياء)، أيّها الإخوة والأخوات هذا الوصف الذي ورد في هذه الزيارة -زيارة وارث- كما تقرأونها جميعاً (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبيّ الله، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله،...) وهكذا موسى كليم الله وعيسى روح الله ومحمد حبيب الله وكذلك وارث أمير المؤمنين (عليه السلام)، فالإمام الحسين (عليه السلام) جمع مواريث الأنبياء باعتبار أنّ نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) -لاحظوا التعبير- جمعت أنبل القيم السماويّة التي جسّدها الأنبياء، في مقابل ذلك معسكر الأعداء الذي جمع أخبث الصفات الشيطانية، فهنا ورد وصف وارث الأنبياء.
وتأتي هنا بعض التساؤلات أيّها الإخوة والأخوات، التفتوا الى هذه الصفة التي نأمل أن يصل اليها جميع المحبّين للإمام الحسين (عليه السلام)، هل يُمكن لنا أن نكون نحن ورثة الحسين؟!! التفتوا الى هذه الصفة الإمام الحسين (عليه السلام) هو وارث الأنبياء، بأيّ معنى نكون نحن ورثة الحسين؟ نلتفت الى ذلك وهو بمعنى: كما أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) سار على منهج الأنبياء جميعاً وجمع تلك الصفات فاختصّ بذلك أن يوصف بأنّه وارث الأنبياء، هل يمكننا نحن أن نسير على منهج الإمام الحسين (عليه السلام) بتمامه ولو بنسبةٍ ما لنكون نحن ورثة الإمام الحسين (عليه السلام)، هل يمكن ذلك؟!! نعم.. ونحتاج هنا الى أمرين لكي نصل الى هذه المرتبة ولو بدرجةٍ ما، لا نقول تماماً إنّما بدرجةٍ ما نحتاج الى أمرين، لنتعرّف على مواريث الأنبياء التي ورثها الإمام الحسين (عليه السلام)، وما هي وسيلة الارتباط بهذه المواريث وآلية الارتباط، وهل يمكن لنا من خلال الزيارة -زيارة وارث- وبقية الزيارات للإمام الحسين (عليه السلام) أن نتعرّف على هذه المواريث التي جسّدها الإمام الحسين (عليه السلام) ولو بطريق الإيحاء، فنأتي الى الأمرين أيّها الإخوة والأخوات حتى يُمكن أن نصل ولو الى مرتبةٍ من هذه الصفة وهي أن نكون ورثة الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال السير على نهجه.
الأمر الأوّل: وهي وسيلة الارتباط وآلية الارتباط لهذه المواريث، نجد أيّها الإخوة والأخوات هذه الوسيلة والآلية للارتباط بهذه المواريث كيف؟ وهل يمكن أن نتعرّف عليها؟ نعم أيّها الإخوة والأخوات وهو من خلال إدامة الإحياء للجانب المأساوي وجانب المصيبة والفاجعة عند الإمام الحسين (عليه السلام)، التي أكّد عليها أئمّة أهل البيت (سلام الله عليهم) من خلال الحثّ الشديد والتشجيع على البكاء، والحثّ الشديد على إظهار الحزن والجزع على مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام)، حتى أنّ هذا البكاء وإظهار الحزن على سيد الشهداء (عليه السلام) عُدّ عند الأئمّة عبادةً بنفسها يتقرّب بها المؤمن الى الله تعالى وورد عليها الأجر العظيم وجزيل المثوبة، أيّها الإخوة والأخوات، قد يقول قائل: ما هي الفائدة والثمرة من إحياء الجانب المأساوي والحزن على مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام)؟؟!! أيّها الإخوة والأخوات هذا الجانب المأساوي يشدّ ويقوّي العواطف والمشاعر والأحاسيس نحو الإمام الحسين (عليه السلام)، هذه المشاعر والعواطف والأحاسيس متى ما كانت قويّة فحينئذٍ سيكون الارتباط بالإمام الحسين (عليه السلام) قويّاً، وهذا الجانب المأساوي الذي حرص محبّو الإمام الحسين (عليه السلام) على إدامته خلال قرون طويلة على الرغم من المحن والتحدّيات والمصاعب التي يواجهها بسبب ذلك هو الذي أبقى النهضة الحسينية فاعلةً حارّةً مؤثّرةً في وجدان الأمّة وضميرها ومواقفها، هذه المواقف التي تصدر من محبّي الإمام الحسين (عليه السلام) ومن الأمّة الإسلامية دوامها حرارتها فاعليّتها تأثيرها في ضمير الأمّة ووجدانها ومواقفها وسيرتها إنّما جاء من خلال قوّة جانب العاطفة والأحاسيس والمشاعر التي نتج منها إظهار الحزن والبكاء والتفجّع للإمام الحسين (عليه السلام)، ولولا ذلك لكانت النهضة الحسينية بردت وضعفت واضمحلّت ولم يكنْ لها تأثير كما نشاهده في هذا العصر وفي بقيّة العصور التي سبقتنا الى يوم القيامة، لذلك أيّها الإخوة والأخوات نلاحظ عدداً كبيراً وكمّاً هائلاً من الروايات التي وردت عن الأئمّة المعصومين في التأكيد الشديد على البكاء وإظهار الحزن والجزع وإقامة مراسيم العزاء والشعائر الحسينيّة لكي تبقى، هذه العاطفة وهذه المشاعر والأحاسيس والفكر لوحده لا يكفي والعقيدة لوحدها لا تكفي بل لابُدّ أن تكون هناك عاطفة وشدٌّ قويّ وأحاسيس قويّة مرتبطة بالإمام الحسين (عليه السلام) من خلال قوّة الفاجعة وقوّة إظهار المصيبة بالإمام الحسين (عليه السلام)، هذا هو الذي أبقى هذه الحرارة في ضمير الأمّة ووجدانها على الرغم ممّا واجهته من محن ومصاعب من الظالمين ومن الطواغيت في السجون والتشريد والقتل والتنكيل الذي واجهته الأمّة، ومع ذلك بقيت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) حارّةً ومؤثّرة في وجدان الأمّة وضميرها، من هنا أيّها الإخوة والأخوات أديموا مواكب العزاء هذه وأديموا هذا البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)، هذه المجالس من المحاضرات والتوعية والعزاء وغير ذلك أديموها بقوّة لأنّها الجانب الأوّل الذي يشدّنا وهي الوسيلة والآليّة التي تشدّنا الى الإمام الحسين (عليه السلام)، ونرتبط به أقوى إنّما من خلال هذه المجالس والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام).
الأمر الثاني: مادّة الارتباط التي نرتبط بها مع الإمام الحسين (عليه السلام) لكي نكون ورثة الإمام الحسين (عليه السلام) وهو وارث الأنبياء، نحن في هذه المبادئ أيّها الإخوة والأخوات هل يمكن أن نجد من خلال زيارة وارث وبعض الزيارات الأخرى ما هي المواريث أو ما هي تلك المبادئ التي لو أنّنا عملنا على تطبيقها وإحيائها لكنّا ورثة الإمام الحسين (عليه السلام)؟؟!! نعم.. التفتوا أيّها الإخوة والأخوات المأمول من الإخوة الزائرين والزائرات أن تكون الممارسة التي يؤدّونها في الزيارة في إقامة مراسيم العزاء واعية هادفة ويكون للزائر إدراك لما هو مطلوب منه من خلال الزيارة، نأتي الى العبارات التي وردت في زيارة وارث -لاحظوا أيّها الإخوة والأخوات- الزائر حينما يسلّم على الإمام الحسين أنّه وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى تأتي العبارة التي بعدها (أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزّكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وأطعت الله ورسوله حتى أتاك اليقين) وفي عبارةٍ أخرى أيضاً (أشهد أنّك قد بلّغت ونصحت ووفيت وأوفيت وجاهدت في سبيل الله) وفي عبارةٍ أخرى (أشهد أنّك قد أمرت بالقسط والعدل ودعوت اليهما وأنّك صادقٌ صدّيق، صدقت فيما دعوت اليه) وفي عبارةٍ رابعة (أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وتلوت الكتاب حقّ تلاوته)، هذه العبارات يُراد منها شيئان أيّها الإخوة والأخوات:
الأوّل: الإقرار للإمام الحسين (عليه السلام) بأنّه اتّصف بهذه الصفات بدلالة لفظ (أشهد)، فهذا إقرار باللّسان وبالجنان (أشهد أنّك قد أقمت...).
الثاني وهو المهمّ الذي هو موضع الشاهد في كلامنا: إيحاءٌ لكم، فالعبارات توحي اليكم أنّكم لو اتّصفتم بهذه الصفات والمبادئ ستكونون ورثة الحسين (عليه السلام).
لاحظوا -إخواني- نلتفت الى هذا المعنى المطلوب، الأوّل الإقرار والثاني يُوحى اليكم أنّكم لو اتّصفتم بهذه الصفات ستكونون ورثة للإمام الحسين، ما أعظم هذه الصفة أن يكون المؤمن وارثاً للحسين بالسير على منهجه وهذا هو الإيحاء، وهذه الصفات أيّها الإخوة والأخوات اتّصف بها الإمام الحسين في مرتبة الكمال فوصل الى صفة وارث الأنبياء، أنتم اتّصفوا بها ولو بنسبةٍ ما ستكونون حاملين لهذه الصفة أيضاً بنسبةٍ ما أنّكم ورثة الحسين (عليه السلام).
نأتي الآن أيّها الإخوة والأخوات الى بعض الشرح الذي يحتاج عمقاً في التفكير ويحتاج وعياً لأن نفهم كلّ كلمة من هذه الكلمات التي وردت والتي تمثّل هذه المبادئ، أوّلاً: (أشهد أنّك قد أقمت الصلاة) لاحظوا -إخواني- أوّل شيء ورد في المبادئ إقامة الصلاة، لماذا؟ للتنبيه على أنّ أوّل أمرٍ يقوّم الدين هو الصلاة، ولكن ما هو هذا الذي يقوّم الدين بالصلاة؟ هو إقامة الصلاة لا أداء الصلاة، -إخواني- فرق بين الأمرين، هناك كثيرٌ من المصلّين هل يصحّ أن نقول إنّهم يُقيمون الصلاة؟ لا.. الذي يصحّ هو أن نقول إنّهم يؤدّون الصلاة فهناك فرق بين المعنيين، الإمام الحسين أقام الصلاة ونحن إذا أردنا أن نكون ورثةً للإمام الحسين علينا أن نُقيم الصلاة لا أن نؤدّي الصلاة -فرق بين الأمرين وسأوضح- حتى في الدعاء الذي ورد في الآية القرآنية: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي..) التعبير بـ"مقيم الصلاة"، أداء الصلاة الكثير يؤدّي الصلاة ولكن إقامة الصلاة تعني معنىً آخر أوسع وهو الوصول الى مرتبة الصلاة لأدائها بحقيقتها وجوهرها ولبّها الذي يوصل الى أنّك تجعل من صلاتك عموداً لدينك ومعراجاً اليك وقرباناً اليك كإنسانٍ متّقي، (الصلاة عمود الدين) مثل عمود الخيمة فالخيمة تقوم بالعمود وبدون العمود لا خيمة، فبناءُ الدين وقوامه بالصلاة ولكن أيّ صلاة؟ هذه الصلاة التي أقامها الإمام الحسين (عليه السلام)، متى ما وفّرنا مقدّمات الصلاة -التفتوا إخواني الى أهمّية هذا الأمر- هل مقدّمات الصلاة مهمّة في حياتنا؟ نعم.. في جميع الجوانب، -لاحظوا- في الصلاة هناك طهارة ماء الوضوء والاغتسال وإباحته، وطهارة المكان وإباحته، وطهارة الملابس وإباحتها ولو بمقدار ما يستر العورة، هذا ماذا يوفّر لنا؟ هذا يوفّر لنا الأمان لأموال الناس والأمان لحقوقهم لأنّ الإنسان المصلّي الذي يُقيم الصلاة لا يتعدّى، -إخواني- هذا الحسينيّ الصادق في ولائه وحبّه للإمام الحسين هو الذي يُقيم الصلاة، الصلاة التي يُحافظ من خلالها على طهارة مكانه وإباحة ملابسه وطهارة وإباحة ماء وضوئه، هكذا يصل الإنسان الى أن تُحترم حقوق الآخرين وتُحترم أموال الآخرين، وحتى في مسألة الوقت لاحظوا أيّها الإخوة والأخوات إقامة الصلاة تعني أنّني ألتزم بالوقت، يعني أنّني ألتزم بضبط حياتي في تنظيم وقتي مع نفسي ومع الآخرين، هذه صفة مهمّة عند الإنسان المصلّي المقيم للصلاة، أن يكون عندي احترام لوقتي وأوقات الآخرين أن أنظّم شؤون حياتي بحيث ينتظم الوقت لديّ ولدى الآخرين، ثمّ آتي الى حقيقة الصلاة متى ما أتيت بواجبات الصلاة وأركانها وأتيت بها على أنّها صلة بيني وبين الله تعالى بالوقوف بين يديه، ووسيلة اتّصال بيني وبين الله تعالى، ويتحقّق من خلال هذا الاتّصال الشعور بأنّ الله تعالى رقيبٌ عليّ وتقوية الارتباط بالآخرة في الخضوع لله تعالى والتذلّل لله تعالى الذي يوفّر الطمأنينة للإنسان المؤمن والثقة بالله تعالى حينئذٍ أقول قد أقمت الصلاة، ومتى ما قدّمت صلاتي على دنياي وعلى مغانمي الدنيويّة ومكاسبي الدنيويّة وتُقدَّم عندي على كلّ شيء حينئذٍ أقول قد أقمت الصلاة، ولاحظوا أيّها الإخوة والأخوات حتى نكون من مقيمي الصلاة ونجمع بين أداء الشعائر في هذه الأيّام وخصوصاً في الأيّام المهمّة كيوم عاشوراء وبقيّة الأيّام نذكّر دائماً بما كان عليه الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء والمعركة مشتدّة والنبال تنزل على الإمام الحسين وأصحابه كالمطر الساقط من السماء، كان الإمام الحسين (عليه السلام) قد وقف يصلّي ومعه أصحابه، كم يعتني بالصلاة؟!! كذلك نحن -إخواني- في يوم عاشوراء وفي بقية الأيّام الشيء الذي نقدّمه عند التزاحم هو أن نتوجّه الى الصلاة لنقف بين يدي الله تعالى ونؤدّي هذه الشعيرة.
(أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة) الزكاة هنا بالمعنى الأعمّ وهو الإنفاق المالي الواجب سواءً كان بالخمس أو بالزكاة المعنى الأخص، ولذلك ينبغي أيّها الإخوة والأخوات للحسينيّ الصادق في ولائه وحبّه للإمام الحسين أن يُراجع نفسه، هل يؤدّي هذه الحقوق الماليّة التي عليه من خلال فريضة الخمس والزكاة وبقيّة الفرائض أم لا؟؟ وتعلمون أيّها الإخوة والأخوات كم هو تأثير الإنفاق المالي، التفتوا الى تأثير هذا الإنفاق المالي، فبه قوام الإسلام وقدرة الإسلام على تحدّي الأزمات خصوصاً الاقتصاديّة، ووقوفه أمام المصاعب والتحدّيات إنّما هو بهذا الإنفاق المالي، وقيام كيان المجتمع الإسلامي بهذا الإنفاق المالي، فمن خلال المال يوفّر هذا المنفق تكافلاً اجتماعيّاً ويوفّر عدالة اجتماعية ويوفر نموّاً اقتصاديّاً للمجتمع الإسلامي، لاحظوا الآثار كيف تمتدّ لهذا الإنفاق المالي، هذه التأثيرات المتعدّدة قوام كيان المجتمع الإسلامي به، لذلك جاءت هذه الفريضة بعد أداء الصلاة، ثمّ (أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر).
أيّها الإخوة والأخوات من أركان النهضة الحسينية هو أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نريد أن ننبّه على أهمّية هذه الفريضة فالبعض لا يتصوّر أهمّية بعض الفرائض الإسلامية بل يتصوّر أهمّية الصلاة والصوم فقط، لاحظوا الإمام الحسين (عليه السلام) في أيّ موضعٍ وضع أداء هذه الفريضة، لاحظوا البيان الذي أصدره الإمام لماذا يُريد الخروج قال: (إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) لاحظوا طَلَبَ الإصلاح ثمّ ماذا؟ يقول: أنا سأخرج سأضحّي بنفسي وأولادي وأهل بيتي وسأعرّض نسائي -أفضل النساء- الى السبي وهي أعظم مصيبة وأعظم من مصيبة قتل الحسين هو تعرّض نساء النبوّة الى السبي، ما أعظم هذا المصاب!!! سأعرّضهم الى هذه المصيبة من أجل ماذا؟ أوّلاً من أجل طلب الإصلاح وثانياً أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، تصوّروا ما هي منزلة هذا الواجب الدينيّ، ونذكر هنا حديثاً واحداً نتصوّر من خلاله مقام ومنزلة هذا الواجب (إنّ بالأمر بالمعروف تُقام الفرائض وتأمن المذاهب وتُحلّ المكاسب وتُمنع المظالم وتُعمّر الأرض ويُنتصف للمظلوم من الظالم، ولا يزال الناس بخيرٍ ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات وسُلّط بعضهم على بعض...) مَنْ البعض الذي يُسلّط على البعض؟ هم الأشرار يُسلَّطون على الأخيار لتركهم الأمر بالمعروف، ومن نتائج ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً (...ولم يكن لهم ناصرٌ في الأرض ولا في السماء) أيّها الإخوة أيّتها الأخوات هل تريدون أن تكونوا ورثة الحسين (عليه السلام)؟ هل تريدون أن تكونوا صادقين في حبّكم؟ إذا كان لديكم الاستعداد أن تضحّوا من أجل أداء هذا الواجب وتضحّوا بالمكاسب الدنيويّة فربّما الإنسان الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر تذهب منه الكثير من المكاسب الماليّة والدنيويّة لأنّه يُحارب وتُشنّ عليه الكثير من الحملات حتّى في مجتمعه وحتى في وسط أهله وأحبّائه، فإذا كان على استعداد أن يضحّي بكلّ ذلك فهذا هو من ورثة الحسين (عليه السلام)، أمّا إذا لم يكنْ كذلك وآثر دنياه وآثر مكاسبه الدنيويّة ولم يستعدّ أن يضحّي بها وآثر الراحة والدعة وغير ذلك من الأمور، ولم يستعدّ أن يتعرّض الى حملةٍ نفسيّة أو يتعرّض الى أذىً آخر ولم يكن على استعداد أن يضحّي بالكثير من المكتسبات الدنيوية فهو بعيدٌ عن الإمام الحسين (عليه السلام) وليس بصادقٍ في ولائه وحبّه للإمام الحسين، لاحظوا هكذا يقول الإمام الحسين في بيانه –ما معناه-: أنا سأخرج وأضحّي وأتعرّض الى أبشع جريمةٍ من أجل أن أؤدّي هذا الواجب الدينيّ المهم، (أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) فمتى كانت لدينا هذه الإرادة والاستعداد كما كان الإمام الحسين (عليه السلام) ولو بمرتبةٍ تُناسب إمكاناتنا واستعداداتنا حينئذٍ نكون من ورثة الحسين ومن أنصار الإمام الحسين (عليه السلام).
ثمّ (وأطعت الله ورسوله حتى أتاك اليقين) هذه الطاعة الدائمة (حتّى أتاك اليقين) أي الى أن تنتهي حياة الإنسان، المواظبة على طاعة الله تعالى ورسوله، المقصود بالطاعة هنا هو الإتيان بالواجبات والانتهاء عن المحرّمات، لا تتصوّروا أيّها الإخوة والأخوات أنّ الطاعة المقصودة هو أن نطيع الله تعالى في أداء الصلاة والصوم فقط والانتهاء عن المحرّمات المعروفة، كلّا.. بل الطاعة لله تعالى في كلّ واجبٍ عباديّ أو غير عباديّ والانتهاء عن المعاصي والمحرّمات سواءً كانت هذه المعروفة أو في جانبٍ اجتماعيّ أو في جانبٍ اقتصاديّ أو في جانبٍ نفسيّ، كلّ المنهج الذي يشتمل على المحرّمات متى ما انتهيتُ منها حينئذٍ أكون قد اتّصفت بهذه الصفة (وأطعت الله ورسوله حتى أتاك اليقين).
ثم أيضاً (أشهد أنّك قد بلّغت ونصحت ووفيت وأوفيت) من جملة المهام هذه مهمّة كبيرة أيّها الإخوة والأخوات وهي تبليغ الأحكام الإسلامية والمنهج الإسلاميّ، الإمام (عليه السلام) في هذه الصفة له مرتبة عالية، كيف نستطيع أن نصل ولو الى جزءٍ منها؟ متى ما كان لدينا الاستعداد أن نبلّغ هذه الأحكام ونبيّنها ونوضّحها للناس في أيّ وسطٍ اجتماعي، ومتى ما كنت على استعداد لأن أضحّي في سبيل إيصال هذا التبليغ وبيان الأحكام الى المجتمع حينئذٍ أكون من ورثة الحسين (عليه السلام) ومن أنصاره، وابتداءً من البيت ثمّ السوق والدائرة والجامعة والمعهد وفي كلّ مكان يكون الإنسان متواجداً فيه، وأحياناً قد يُواجه هذا الإنسان بالرفض وعدم القبول وربّما الكلام القاسي والشديد وحملة من الإيذاء النفسيّ، فإذا كان على استعداد أن يبلّغ هذه الأحكام ابتداءً من بيته ثمّ الدائرة الأوسع اجتماعيّاً في السوق والشارع والدائرة ومحلّ العمل وغير ذلك من هذه المواقع، حينئذٍ يكون قد اتّصف بهذه الصفة وارتبط بمواريث الأنبياء التي جسّدها الإمام الحسين (عليه السلام)، ويكون قد نال مرتبةً من وراثة الإمام (عليه السلام).
(أشهد أنّك قد بلّغت ونصحت ووفيت...) للإسلام (..وأوفيت..) بهذه الالتزامات (..وجاهدت في سبيل الله..) ثم بعد ذلك (..وتلوت الكتاب)، أيضاً في مقطع آخر بعد إقامة الصلاة وإتيان الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وتلوت الكتاب حقّ تلاوته وجاهدت في الله حقّ جهاده وصبرت على الأذى في جنب الله) الجهاد في سبيل الله الآن أُتيحت أيّها الإخوة والأخوات من نِعَم الله تعالى علينا أن تُتاح الفرصة للإنسان لكي يُجاهد في سبيل الله، وها هي الفرصة قد أُتيحت في الوقت الحاضر فلا تفوتنّكم واغتنموها قبل أن تنتهي لكي تُكتبوا من الذين سرتم على درب الإمام الحسين (عليه السلام)، وها هي سوح المعارك التي يُقاتل فيها هؤلاء الأبطال المجاهدون (مِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، هذا الجهاد الذي فُتِح أمامكم الآن جهادٌ بالمال وجهادٌ بالنفس، فرصةٌ هذه أتيحت من الله تعالى ونعمة من الله تعالى وإن كانت تتطلّب بذل المال والنفس ولكن فيها عزّة الإسلام وعزّة بلدكم وحفظ مقدّساتكم وأعراضكم، فاغتنموا هذه الفرصة لكي تقتربوا من الإمام الحسين (عليه السلام) وتسيروا على نهجه وهذه صفةٌ من الصفات التي استحقّ بها الإمام الحسين (عليه السلام) وراثة الأنبياء، ففي إحدى الزيارات (وجاهدت في الله حقّ جهاده وصبرت على الأذى في جنبه محتسباً حتى أتاك اليقين).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا -إن شاء الله تعالى- من السائرين على نهج الإمام الحسين (عليه السلام)، وأن يجعلنا في مرتبةٍ من مراتب ورثة الإمام الحسين (عليه السلام) إنّه سميعٌ مجيب، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.