مصبا- لغا الشيء يلغو لغوا من باب قال : بطل. ولغا الرجل : تكلّم باللغو ، وهو أخلاط الكلام ، ولغا به : تكلّم به. وألغيته : أبطلته. وألغيته من العدد : أسقطته. وكان ابن عبّاس يلغى طلاق المكره أي يسقط ويبطل. واللغو في اليمين : ما لا يعقد القلب عليه. واللغى مقصور مثل اللغو ، واللاغية : الكلمة ذات لغو. ومن الفرق اللطيف قول الخليل : اللغط : كلام لشيء ليس من شأنك.
والكذب : كلام لشيء تغر به. والمحال : كلام لغير شيء. والمستقيم : كلام لشيء منتظم. واللغو : كلام لشيء لم ترده. ولغى بالأمر يلغى من باب تعب :
لهج به ، ويقال اشتقاق اللغة من ذلك ، وحذفت اللام وعوّض عنها الهاء ، وأصلها لغوة مثال غرفة ، وسمعت لغاتهم ، أي اختلاف كلامهم.
مقا- لغو : أصلان صحيحان : أحدهما يدلّ على الشيء لا يعتدّ به. والآخر على اللهج بالشيء. فالأوّل- اللغو : ما لا يعتدّ به من أولاد الإبل في الدية.
واللغا هو اللغو بعينه. واللغو في الايمان : ما لم تعقدوه بقلوبكم. والثاني- لغى بالأمر ، إذا لهج به.
لسا- اللغو واللغا : السقط وما لا يعتدّ به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع. التهذيب : اللغو واللغا واللغوي : ما كان من الكلام غير معقود عليه ، واللغة : من الأسماء الناقصة وأصلها لغوة من لغا إذا تكلّم. وكلمة لاغية : فاحشة ، وقال قتادة أي باطلا ومأثما ، وقال مجاهد : شتما. واللغة ككرة وقلة وثبة ، كلّها لاماتها واوات. التهذيب : لغافلان عن الصواب وعن الطريق ، إذا مال عنه ، قال ابن الأعرابيّ : واللغة أخذت من هذا لأنّ هؤلاء تكلّموا بكلام مالوا فيه عن لغة هؤلاء الآخرين. واللغو : النطق. ولغوي الطير : أصواتها ، والطير تلغى بأصواتها أي تنغم.
والتحقيق
أنّ الأصل الواحد في المادّة : هو ما لا يعتدّ به ويقع من دون رويّة وفكر. وسبق في عبث : أنّ الباطل في قبال الحقّ وهو ما لا ثبات له ولا تحقّق.
واللهو ما يكون لك تمايل اليه وتلذّذ به من دون توجّه الى نتيجة.
واللغو أعم من أن يكون في كلام أو عمل أو موضوع خارجيّ. ومن مصاديقه : اليمين إذا وقعت من دون عقد قلب وتصميم كما في صورة الخطأ أو الغضب أو اللجاج وغيرها. والكلام غير المفيد. والعمل إذا لم يترتّب عليه نفع. وكلّ باطل أو لهو فهو لغو.
ومن الأصل : كلّ لغة مخصوصة بقوم ، فانّها لغو عند أقوام وملل آخرين لا يفهمون منها شيئا ، وبهذا الاعتبار تطلق اللغة على كلّ لغة يتكلّم بها جماعة ، وان كانت متفاهمة عندهم.
ولا يبعد أن تكون كلمة اللغة من مادّة لغى يلغى من باب سمع يسمع ، ناقصا يائيّا ، بمعنى اللهجة ، ثمّ اختلطت معاني المادّتين.
ولا يخفى تناسب الكلمة بلغوى الطير ، فانّ أصواتها غير مفهومة لنا ، بل هي عندنا كاللغو ، ثمّ أخذت منها لغات مختلفة للناس.
مضافا الى أنّ الكلمة قريبة من العبريّة ، ولا يبعد أخذها منها :
قع- (لعز) لغة أجنبيّة.
قع- (لاعز) تكلّم لغة اجنبيّة.
وقيد الأجنبيّة يؤيّد ما قلنا من مفهوم اللغويّة الغير المتفاهمة ، وحرف الغين غير موجود في اللغة العبريّة والسريانيّة ، ويكتب بصورة العين.
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون : 1 - 3] المؤمن هو يديم حياته تحت برنامج دين اللّه تعالى ، ويعمل على مقتضى أحكامه وأوامره ونواهيه ، وهو عبد مطيع لمولاه ، لا يغفل عن وظائف عبوديّته طرفة عين ، وهو معتقد بأنّ اللّه عزّ وجلّ يرى مقامه ويسمع كلامه ، وما يعمل مثقال ذرّة من خير أو شرّ إلّا ويصل اليه أثره في الدنيا وفي الآخرة.
فكيف يمكن له أن يشتغل بلغو يشغله عن التوجّه اليه وعن العمل بوظائف عبوديّته ، ويكون حاجبا بينه وبين ربّه.
وهذا المعنى غير مخصوص بالمؤمنين من المسلمين ، بل المؤمنون باللّه وبيوم القيامة والجزاء من أهل الكتاب أيضا مثلهم ، فانّ هذا الأمر من المسائل العقليّة والأخلاقيّة والوجدانيّة ، وعلى هذا يقول اللّه تبارك وتعالى :
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى ... وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص : 52 - 55] فيصرّحون بأنّ اللاغين لا ينبغي مصاحبتهم فانّهم جاهلون بما لهم وعليهم من خير وشرّ ، وغافلون عن ربّهم وعن وظائف العبوديّة وعن السعادة الأبديّة.
ويدلّ على أهمّيّة الإعراض عن اللغو : ذكره في المرحلة الاولى بعد ذكر شهادة الزور والتوبة الى اللّه تعالى :
{وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان : 71، 72] الكريم يجمع على كرام ، والكرامة في قبال الهوان ، يراد إنّ مرورهم عن اللغو تكريم لأنفسهم ، وحفظ لهم عن الهوان والسقوط ، وهذا أوّل مرتبة التقوى بعد تحقّق التوبة الى اللّٰه المتعال ، وفيه آية الجدّ والتصميم والاستقامة في السير والتوبة.
ويدلّ أيضا على أهمّيّة الموضوع : كونه من صفات أهل الجنّة ، وأنّ أهل الجنّة لا يسمعون فيها لغوا-. {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} [الواقعة : 25]. {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا} [النبأ : 35] فانّ في الجنّة تتجلّى حقيقة العبودية ومالكيّة الربّ تعالى ، وهذا ينافي عمل اللغو.
{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [الغاشية : 10، 11] لاغية على وزان ذاهبة ، والتأنيث باعتبار الكلمة والجملة ، أي ما يقوم اللغو به ، كما أنّ الذاهب بمعنى من يقوم الذهاب به.
وتفسيرها بالمصدر وغيره : في غير محلّه.
والتحقيق
أنّ الأصل الواحد في المادّة : هو توجّه وميل الى جهة. وهذا المعنى أخفّ ميلا من الليّ ، فانّ اللىّ انحراف كلىّ الى جانب ، كالميل بتمام البدن. وبعده الانحراف بتمام الميل. ثمّ بعده الانصراف عن جهة الى جهة اخرى.
______________________________
- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .
- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، ٦ مجلدات ، طبع مصر . ١٣٩ هـ.
- لسا = لسان العرب لابن منظور ، 15 مجلداً ، طبع بيروت 1376 هـ .
- قع = قاموس عبريّ - عربيّ ، لحزقيل قوجمان ، 1970 م .