على مستوى عالمي، يتزايد القلق من مخاطر "الركود التضخمي" stagflation الذي يعرف بأنه حالة الاقتصاد الذي ترتفع فيه الأسعار بوتيرة سريعة في ظل انكماش حركة النشاط الاقتصادي وتراجع إنتاج السلع والخدمات.
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في 2022 من 6.1% الى 3.6% في آخر توقعات صدرت في 19 أبريل 2022. في نفس التقرير رفع الصندوق توقعاته للتضخم لمستوى 5.7% للعام 2022 في الاقتصادات المتقدمة مقارنة مع 3.9% في توقعات الصندوق في شهر يناير 2022.
كانت توقعات الصندوق أن يرتفع التضخم الى 8.7% للعام 2022 للاقتصادات الناشئة مقارنة مع 5.8% في توقعات يناير.
هذه التغيرات في التوقعات للصندوق مدفوعة بتطورات كبيرة حدثت خلال الفصل الأول من 2022 تمثلت في الحرب الروسية الاوكرانية والارتفاع المتسارع في أسعار الغذاء والطاقة.
وفي الولايات المتحدة ارتفع سعر الديزل مؤخراً لمستويات قياسية وبلغ سعر الجالون في المتوسط 4.4 دولار وارتفع في بعض الولايات إلى مستوى يزيد على 6 دولارات للجالون في مناطق مثل لوس أنجلوس، والتي شهدت أعلى الأسعار للوقود.
مخاوف التضخم
زاد الخوف والقلق من حالة الركود التضخمي مؤخراً في الأسواق، وفقا ما يرد على لسان مختلف الساسة وواضعي السياسات النقدية، وقادة البنوك المركزية. تعمل البنوك المركزية، على ضمان استقرار النظام المالي بإستخدام أدوات السياسة النقدية، ولقد بدأت فعليا في التصدي لمعدلات التضخم المرتفعة عالميا.
ويتوقع أن تستمر معدلات التضخم بالارتفاع، ولذلك تقوم البنوك المركزية، باستخدام الأداة التقليدية وهي "سعر الفائدة" حيث قام 22 بنكا مركزيا حول العالم برفع أسعار الفائدة خلال العام الحالي بينما خفض أثنين من البنوك المركزية أسعار الفائدة في 2022 هما روسيا والصين.
الأعلى والأقل فائدة
لا تزال أربعة بنوك مركزية حول العالم تعتمد مستوى الفائدة السالب وهي (المركزي الأوروبي والدنمارك، وسويسرا، واليابان). يسجل أعلى مستوى لسعر الفائدة في الوقت الحالي، في الأرجنتين عند 49% وقامت البلاد برفع سعر الفائدة 6 مرات خلال عام.
مع هذه الزيادة الكبرى في أسعار الفائدة في الأرجنتين بوصفها الأعلى عالميا بهذه المعدل، لا يزال معدل التضخم فيها أعلى من سعر الفائدة ويقف عند مستوى 58%. وفي سويسرا يُسجل أدنى سعر فائدة في العالم عند (سالب 0.75%) بينما التضخم فيها يقف عند مستوى 2.5%.
الفيدرالي الأميركي
كان أداء الاقتصاد الأميركي خلال الفصل الأول من 2022 هو الأسوأ منذ منتصف 2020 حيث انكمش بـ 1.4% في الفصل الأول من العام الحالي. يأتي هذا الانكماش بعد نمو سريع في العام الماضي، ومع ارتفاع مخاطر التضخم وتوقعات بزيادة سريعة في أسعار الفائدة ليصبح شبح التضخم هو الخطر الأكثر تأثيرا على الاقتصاد.
بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) وتيرة رفع سعر الفائدة في مارس 2022 بزيادة 25 نقطة أساس ثم اتبعها ب 50 نقطة أساس في مايو.
متوقع أن الفيدرالي برفع مماثل في شهري يونيو ويوليو من 2022 لتكون هذه الوتيرة من رفع الفائدة شبيهة بما قام به الفيدرالي في العام 1994 عندما رفع معدلات الفائدة 7 مرات خلال 12 شهرا ومن بينها مرتين ب 50 نقطة أساس.
الهبوط الناعم
خلال الـ 60 عاما الماضية اختبرت الأسواق 11 موجة من موجات تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي 7 منها نتج عنها تباطؤ في نمو الإقتصاد بنسبة 1% أو أقل من هذه النسبة وهو يسمى بـ "الهبوط الناعم" في معدل النمو الاقتصادي.
لكن في المرحلة الحالية، تبدو الظروف مختلفة تماما، مثلما تبدو أكثر تعقيدا، بخاصة مع تواصل تعرض الاقتصاد العالمي لتداعيات الإغلاق بسبب جائحة كورونا في 2020 وتأثيره على سلاسل الإمداد وتكلفة الشحن وزيادة الأسعار.
تسببت ظروف ما بعد الجائحة، في تعقيد مهمة البنوك المركزية، المستندة إلى تخفيض التضخم عبر رفع سعر الفائد.
وتصاعدت التحديات مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط لارتباطه شديد الصلة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت تأخذ أشكالا مستمرة في المواجهات المباشرة وغير المباشرة بين روسيا والغرب.
هذه الظروف المتشابكة والمعقدة، تعزز من فرضية أن التباطؤ الاقتصادي سيكون أكثر خشونة، بخاصة أن البنوك المركزية مصممة على مواجهة التضخم على حساب دعم نمو الاقتصادي، وهو ما يفتح الباب أمام المزيد من التباطؤ للنشاط الاقتصادي، لتتزايد توقعات دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة من الركود التضخمي.