ورث بلاز شيرسيلج، البالغ من العمر 32 عاما هواية تربية النحل عن أبيه وجده، الذي كان يمتلك 10 خلايا نحل، بينما كان أبوه يمتلك 40 خلية نحل. لكن بلاز حوّل هذه الهواية إلى مهنة تدر عليه ربحا، ولدية الآن نحو 300 خلية نحل يبيع العسل الذي تنتجه.
لكن هذه الخلايا ليست مستقرة في مكان واحد. فبالرغم من أن سلوفينيا بلد صغير، إلا أنها مقسمة إلى ثلاث مناطق، يسود كل منها مناخ خاص، المناخ الجبلي ومناخ البحر المتوسط والمناخ القاري.
وتختلف مواسم الإثمار والإزهار من منطقة لأخرى. ولهذا يحرص بلاز وأبوه على نقل خلايا النحل عدة مرات سنويا من منطقة لأخرى، وفي كل مرة ينتظر حتى يحل الظلام بعد عودة النحل إلى خلاياه، ثم يغلق الخلايا ويضعها في شاحنات لنقلها إلى منطقة تبعد ساعتين أو ثلاث ساعات عن مسكنه.
ويقول بلاز إن النحل يحتاج لبضع ساعات في النهار حتى يعتاد على البيئة الجديدة، وقد ينتج العسل بعد أسبوعين أو شهرين.
لكن مصدر الخطر الأكبر للنحل، ليس لصوص النحل ولا طفيل الفاروا المدمر، إنما يقول بلاز إن الدببة هي أكبر مصدر تهديد للنحل في المنطقة.
ويعتمد بلاز على الأسوار المكهربة والضجيج لإبعاد الدببة حتى لا تحطم خلايا النحل بذراعيها القويتين.
لكن بخلاف الدببة، فإن سلوفينيا تزخر بالغابات البكر وتحظى تربية النحل فيها بشعبية كبيرة، حتى أن رئيس الوزارء السلوفيني يربي النحل في شرفة مكتبه. وتنظم الحكومة تجارة النحل حتى تحمي النحل المحلي من الأمراض.
لكن النحل يواجه تحديات في الكثير من دول العالم تسببت في تراجع أعداده، حتى في سلوفينيا. إذ أشارت دراسة حديثة إلى أن سلوفينيا كانت واحدة من الدول الأوروبية التي شهدت مؤخرا أعلى معدلات خسائر في مستعمرات النحل في فصل الشتاء.
وقد يرجع ذلك إلى ضغوط التنقل والتعرض للمبيدات الحشرية التي قد تؤدي إلى هلاك أعداد كبيرة من النحل الذي يلقح النباتات لإنتاج الطعام حول العالم.
وتلعب أساليب النحالة المرتحلة دورا محوريا في إنتاج الكثير من المحاصيل، مثل التفاح والبرسيم الحجازي. وأجرت سيبيل كاردوسو دي كاسترو، عالمة نبات بجامعة بيرنامبوكو بالبرازيل، دراسات عن النحالين المتنقلين، ولاحظت أن النحل المرتحل يسهم في تكاثر بعض الأنواع من النباتات المحلية التي تلقح من أنواع حيوانات وحشرات مختلفة، لكنها أيضا قد تزاحم الحشرات الملقحة البرية الأخرى التي تحتاجها بعض النباتات التي تتطلب ملقحات خاصة، كالطماطم والفلفل.
ويستأجر المزارعون في الصين النحالين لتلقيح محاصيلهم التي تتراوح من دوار الشمس إلى الفراولة. وتمارس النحالة المتنقلة أيضا في روسيا وكندا ومصر والهند، وغيرها من الدول.
لكن الولايات المتحدة تعد المعقل الرئيس للنحالة المتنقلة. وتُنقل في الولايات المتحدة أعداد كبيرة من خلايا النحل في شاحنات ضخمة على الطرق السريعة، إذ توضع مجموعة من الصناديق ترص بعضها فوق بعض وتغلف بالشباك، وقد تحمل الشاحنة الواحدة أكثر من 400 خلية نحل، وتضم كل مستعمرة ملكة نحل وما يتراوح بين 15 ألف و30 ألف شغالة.
وقد تقطع الشاحنات في فصل الربيع آلاف الأميال لتصل إلى بساتين اللوز في كاليفورنيا، حيث يجتمع 1,600 مربي نحل ونحو 1.5 مليون خلية نحل، فيما اشتهر بأنه أكبر تجمع لتقليح النباتات على وجه الأرض.
ويتقاضى النحال من المُزارع مبلغا عن كل خلية نحل نظير تلقيح محاصيله، وبعد خمسة أو ستة أسابيع من العمل الشاق، يُنقل النحل المتبقي على قيد الحياة إلى نوع آخر من النباتات المزهرة.
وتعود جذور هذه المناحل الجماعية في الولايات المتحدة إلى مطلع القرن العشرين، مع بداية اعتماد القطاع الزراعي على المصانع والآلات الزراعية، بالتزامن مع تطور شبكات الطرق ووسائل النقل.
وساهم في ترسيخ هذا النظام في الولايات المتحدة، الانخفاض الحاد في أعداد المُلقحات البرية، وانتشار أساليب الزراعة الأحادية التي تركز على إنتاج نوع واحد من المحاصيل، ولا سيما الذرة والصويا، التي تعتمد على المبيدات الحشرية.
لكن تدهور التربة وعدم تنوع مصادر الغذاء أثرا سلبا على صحة النحل. وتسبب جمع أعداد كبيرة من النحل لتلقيح نفس المحصول في تفشي الأمراض بين النحل وتناقص أعداده. وثمة عوامل تضعف قدرة النحل على التصدي للمخاطر، تتضمن طفيل "الفاروا" وسوء التغذية والمبيدات الحشرية.
ويؤثر السفر لمسافات طويلة أيضا على صحة النحل، إذ يتعرض للضغوط وسوء التغذية، ويحتاج النحل الذي أرهقه السفر لشراب السكروز قبل مغادرة خلية النحل وجمع حبوب اللقاح.
وتقول سامنتا آلغير، عالمة بيولوجيا بجامعة فيرمونت، إن النحالين يمدون النحل بالشراب المحلى قبل إطلاقه في مزارع اللوز، لكن هذا الشراب يفتقد للمغذيات والأحماض الأمينية والفيتامينات التي يحصل عليها النحل من رحيق الأزهار الطبيعية. ويتعرض النحل أيضا في المزارع والحقول أثناء تلقيح المحاصيل للمبيدات الحشرية التي تنتمي لطائفة "نيونيكوتينويد" الشبيهة بالنيكوتين، الذي أصبح محظورا الآن في دول الاتحاد الأوروبي.
ويصف صامويل رامساي، عالم حشرات من جامعة ميريلاند، هذه المشكلة بـ "المخيفة"، ويقول إن 33 في المئة من مستعمرات النحل في الولايات المتحدة وأحيانا نصفها تموت سنويا.
وبينما تستبعد ألغير انقراض النحل، إلا أنها ترى أن النحل الضعيف يضعف كائنات أخرى. وتقول إن النحالين المتنقلين قد يسهمون في نشر الأمراض بين النحل، فقد يعود النحل من المزارع التي يلقح محاصيلها حاملا مسببات المرض إلى المناحل الثابتة المجاورة. وقدرت ألغير وزملاؤها أعداد مستعمرات النحل التي قد تلقح نفس الأزهار في بساتين اللوز بكاليفورنيا على سبيل المثال، بنحو 56 ألف مستعمرة.
وأعلن مجلس مزارعي اللوز بكاليفورنيا عن خطة لتحسين صحة النحل، تتضمن حث المزارعين على زراعة الكلأ المغذي للنحل، ووضع خرائط لتحديد مواقع خلايا النحل رقميا لتحسين أساليب مكافحة الآفات.
ويساهم العلاج بالضوء في إبطال تأثير التسمم بالمبيدات الحشرية. وقد يلعب المستهلكون دورا أيضا في حماية النحل. وتقول ألغير إن سبب استمرار الزراعة الأحادية هو أنها تلبي طلب المستهلكين بإنتاج طعام رخيص الثمن. وربما لو زاد الطلب على المنتجات العضوية والأطعمة التي استخدمت في إنتاجها طرق الزراعة الحافظة للموارد، لانخفض استخدام المواد الكيميائية.
وتحذر ألغير من أن تربية النحل ليست كافية لحماية النحل، لأن النحل البري هو الأكثر احتياجا للمساعدة وليس النحل المربى في المناحل. وتنصح بدلا من ذلك بالحد من استخدام الكيماويات في الحدائق المنزلية واختيار الأطعمة الأفضل للبيئة، والضغط على واضعي السياسات لاتخاذ خطوات جادة لحماية النحل، مثل حظر استخدام المبيدات الحشرية الشبيهة بالنيكوتين.
وتنصح هواة تربية النحل بضرورة التعرف على أساليب مكافحة الأمراض وحماية النحل، لضمان عدم المساهمة في نشر الأمراض بين النحل البري.
ويقول بلاز إن أهم خطوة لحماية النحل هي الحفاظ على التنوع الحيوي، لأنه يسهم في زيادة تنوع المُلقحات ومصادر الطعام التي تعتمد عليها. فقد تساعد الأزهار البرية في جذب المُلقحات إلى الحقول والبساتين المحلية.
وربما يتوقف الحفاظ على صحة النحل، الذي تعتمد عليه إمدادات الغذاء العالمية، على القرارات التي نتخذها عند شراء المواد الغذائية، التي قد تكون أعلى جودة وأعلى سعرا أيضا.