المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

London Penetration Depth
9-8-2016
الحسين ومعاوية
30-3-2021
عبد الرحمن بن حسان
21-12-2017
Solid state lasers
1-12-2016
الفايتوكرومات Phytochromes
16-8-2021
التلقيح الصناعي للأبقار Artificial insemination
24-1-2022


حرب المختار  
  
1719   06:37 مساءً   التاريخ: 5-2-2018
المؤلف : الدكتور ابراهيم بيضون
الكتاب أو المصدر : التوابون
الجزء والصفحة : ص165- 186
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الدولة الاموية / الدولة الاموية في الشام / عبد الملك بن مروان /

تابعت فلول التوابين رحلة العودة الى الكوفة، وكانت أخبار المعارك الانتحارية والبطولات الخارقة التي شهدتها (عين الوردة)، قد بلغت أسماع الكوفيين فهزتهم اعجاباً، كما أن بعضهم آلمه أن تتهاوى تلك النخبة من الحزب الشيعي وتضيع جهودها هباء في غمار حرب غير متكافئة. فلما بلغوا مشارف المدينة، هرع لمواساتهم جمهور من الكوفيين، كان بينهم الامير الزبيري عبد الله بن يزيد الانصاري الذي استقبل قائدهم رفاعة معزياً ومشجعاً، ومشيداً كذلك بالدور البطولي الذي قام به التوابون في مسيرتهم النضالية الرائعة ضد (قوى الطغيان) و(زمرة الجوار) (1).

وفي الكوفة، اتصل بهم المختار من السجن معزياً: «ابشروا فقد قضيتم ما عليكم وبقي ما علينا، ولن يفوتنا منهم من بقي ان شاء الله» (2). وكتب الى زعيمهم رفاعة مبشراً بالنصر القريب، ومعاهداً على اكمال المسيرة التي بدأها سليمان ورفاقه وان كان لا يفوته ان يغمز من قناة هذا الاخير بوصفه انه ليس بالرجل الذي يمكن ان يتحقق على يديه النصر وانما هو - أي المختار - القادر على حمل راية الحزب الشيعي وتنفيذ مخططاته الثأرية وتصفية كل من شارك في مأساة كربلاء، نظاماً كان أم اشخاصاً : «أما بعد فمرحباً بالعصبة الذين عظم الله لهم الاجر ورضي فعلهم حين قتلوا، اما ورب البيت ما خطا خاط منكم خطوة ولا ربا ربوة الا كان ثواب الله أعظم من الدنيا، ان سليمان قضى ما عليه وتوفاه الله وجعل روحه مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، اني أنا الامير المأمور والامين المأمون وقاتل الجبارين والمنتقم من أعداء الدين المقيد من الاوتار، فأعدوا واستعدوا وابشروا. أدعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدم أهل البيت والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلين» (3).

نتائج حركة التوابين:

ان ثورة التوابين - كما رأينا - أخفقت عسكرياً، وتحطمت قوتها الاساسية في (عين الوردة). وسبب هذا الاخفاق يعود بدون شك الى عامل رئيسي، هو الاختلال الظاهر في توازن القوى بين الجيشين الاموي والتوابي. فبينما كان الاول، قوياً، انضباطياً ومتفوقاً بشكل بارز في امكانياته البشرية والمادية، كان الآخر ضعيفاً، اقتصر على عدد محدود من المتطوعين، الذين توفر لهم من الحماسة والفروسية والايمان، أكثر مما توفر من التنظيم والعدد والعتاد. وهذا الواقع اعترف به سليمان قبيل المعركة عندما لاحظ هزالة جيشه وقلة امكانياته بالمقارنة مع أعدائه الامويين (4). وقد أدى هذا الوضع المتباين لدى كل من الفريقين، الى حسم الموقف بسرعة وانهاء المعركة خلال أيام ثلاثة رغم الجهود البطولية التي بذلها التوابون في ساحة القتال (5).

وعلى الرغم من أن المنطلقات الاولى للحركة التوابية جاءت منسجمة مع ما آلت اليه من نتائج فان التقويم الموضوعي لها هو أبعد من حدود الارتجال والتهور، كما في أذهان بعض المؤرخين. فقد ولدت حركة التوابين في الظلام تحت واقع التكفير عن الذنب الذي أوجده مصرع الحسين [عليه السلام] في كربلاء، وعاشت كمنظمة سرية تعمل في الخفاء - طوال خلافة يزيد بن معاوية - لتكوين قاعدتها الشعبية في الكوفة، وتحاول ان تستفيد من الظروف التي تمخضت عن وفاة هذا الاخير بخروجها من الاطار السري واعلانها الثورة على النظام الاموي المسؤول المباشر عن مقتل الحسين [عليه السلام].

ومع اعترافنا بأن حركة التوابين كانت مجرد حركة تكفيرية التزمت بهدف أساسي هو التوبة، وبأنها كحركة سياسية لم تتضمن أي برنامج اصلاحي سياسياً كان أم اجتماعياً، فلابد لنا أن نعترف ايضاً بأنها كانت حركة منظمة ومدروسة، دأبت بصورة جدية على استقطاب الحزب الشيعي بكل فصائله وتعبئته لخوض معركة الانتقام للحسين[عليه السلام]. ولكن التمزق الذي أصاب هذا الحزب، بسبب تردد بعض عناصره، واستنكاف البعض الآخر عن المشاركة وانتقاده زعامة الحركة التي لم تضع امامها مخطط الاستيلاء على السلطة، فضلاً عن ظهور المختار في الكوفة في وقت شارفت فيه هذه الحركة على النضج، فكان لظهوره الاثر الكبير في ارتداد الكثيرين عنها واستمالتهم الى دعوته الاكثر واقعية بمضمونها السياسي والاجتماعي.

ان كل هذه الامور أدت في النهاية الى نتيجة حتمية وهي الاخفاق العسكري المدمر للحركة التوابية، وان كان ينبغي أن نكون حذرين عند استعمالنا صيغة الاخفاق أو الفشل، لان الهزيمة العسكرية لم تكن مفاجئة او غير متوقعة بالنسبة للتوابين، وانما كان هؤلاء يعرفون سلفاً النتائج المترتبة على تحركهم والتي حذرهم منها أكثر من محذر. لذلك توجهوا الى المعركة وهم يشعرون في قرارة أنفسهم انهم متجهين الى نهايتهم المحتومة بكل قناعة وبكل ادراك واقعي للظروف، فحققوا بذلك أهدافهم المرسومة، وكان لهم من النتائج ما أرادوا.

والحقيقة ان أي تقويم موضوعي لحركة التوابين، ينبغي ان لا يبتعد عن المفهوم العام الذي انطلقت منه، وهو الشعور بالذنب ومحاولة التكفير عنه، ذلك الشعور الذي جمع عناصرها القيادية والمتطوعة في تنظيم سري، تحول بعد فترة الى حركة انتحارية، هدفها الاول الانتقام للحسين [عليه السلام] او الموت في سبيله (6). ومن خلال هذا المفهوم نستطيع القول أن فشل الحركة العسكري لا يعني بالضرورة انها فشلت على الصعيد السياسي، ولا يعتبر مبالغة بأية حال اذا اعتبرناها حركة سياسية ناجحة، نفذت خطة موضوعة سلفاً، وقامت بتأدية مهمتها الانتقامية على أكمل وجه. وأخيراً فان أبرز ما حققته الحركة التوابية من نتائج، انها سجلت بعض الايجابيات على صعيد حركة النضال الشيعي، وانعكست تأثيراتها بصورة خاصة على المجتمع الكوفي، فعبأت جماهيره بالثورة، وعمقت في نفوسهم الكراهية والحقد ضد النظام الاموي، الامر الذي جعل من الكوفة فيما بعد مسرح التحرك الدائم للحزب الشيعي وثوراته المتلاحقة، المناهضة للنظام.

والواقع ان الشيعة في الكوفة ظلوا يمارسون النقد الذاتي ازاء موقفهم من الحسين [عليه السلام] بعد عودة بقايا التوابين من (عين الوردة)، واستمر التعبير عن الندامة والشعور بالإثم يمارس عبر نشاطات وتحركات مختلفة.

ولكن غياب عدد من الشخصيات القيادية في الحزب الشيعي أدى الى فراغ في الزعامة القادرة على تسجيل مواقف سياسية ذات أهمية. حتى رفاعة بن شداد القائد التوابي المنسحب، لم يكن بمقدوره، وهو المتقدم في السن والمهزوم عسكرياً، أن يتزعم الحزب الشيعي المفكك حينئذ. فهناك فراغ في الزعامة، واختلاف في آراء القادة حول موقف الحزب من التطورات السياسية الجديدة، وهناك تململ في أوساط القاعدة الجماهيرية التي لا تزال تتفجر بالنقمة وتقوم بضغوط على القيادة من اجل استئناف التحرك واتخاذ قرارات أكثر جدية.

وكانت هذه الظروف فرصة نادرة امام الزعيم الشيعي المعتقل آنذاك في سجن الكوفة، المختار الثقفي. فراقبها باهتمام كبير، وكتب الى صهره عبد الله بن عمر موسطاً اياه من جديد لدى عبد الله بن يزيد أمير الكوفة (7) من أجل الافراج عنه. وقد تم له ذلك لقاء عهود قطعها لهذا الأخير (8) بعدم اثارة المتاعب وتجميد نشاطاته السياسية. ولكن المختار لم يكن بأية حال ذلك الرجل الذي يلتزم بعهود من هذا النوع وهو المحنك والسياسي الطموح، وانما سخر منها، وعجب لسذاجة الذين اعتقدوا انه سيحافظ عليها حيث قال: «ما أحمقهم حين يرون اني أفي لهم بأيمانهم هذه، أما حلفي لهم بالله فانه ينبغي لي اذا حلفت على يمين فرأيت ما هو خير منها أن أدع ما حلفت عليه وآتي الذي هو خير وأكفّر يميني، وخروجي عليهم خير من كفي عنهم» (9).

وتشاء الصدف أن يتحلل المختار تلقائياً من عهوده مع عبد الله بن يزيد، حين غادر هذا الاخير قصر الامارة معزولاً بقرار من سيده ابن الزبير اذ وجد فيه ضعفاً لا يتناسب مع خطورة المرحلة وعيّن مكانه أحد أشد مؤيديه حماسة هو عبد الله بن مطيع القرشي (10) الذي لم يكن بينه وبين المختار شيئاً من المواثيق.

وهكذا خرج المختار من سجنه، ليجد نفسه في مواجهة أحداث مصيرية وخطيرة، فكان عليه أن يتحرك فوراً وأن لا يتردد في اتخاذ الموقف المناسب بكل جرأة، قبل أن تقوم شرطة الوالي الجديد برصد نشاطاته واعادته من جديد الى السجن (11). وبسرعة أعلن برنامجه السياسي باسم محمد بن الحنفية أحد أبناء علي[عليه السلام] من غير فاطمة[عليها السلام] ، الذي كان يعيش في المدينة، حيث زعم انه اتفق سراً مع هذا الاخير على الدعوة له في الكوفة. وكان على

المختار أن يقنع الكوفيين بصحة زعمه، لان فريقاً كبيراً منهم شكك في هذا الامر، وانتدب وفداً ذهب لمقابلة الزعيم العلوي من أجل الوقوف على حقيقة ما يزعمه المختار. ورغم ان ابن الحنفية لم يعط جواباً حاسماً، وذلك لاعتبارات متعددة أهمها، موقعه في الدعوة العلوية ثم تخوفه من ابن الزبير، سيد الحجاز، الذي وضع ابن الحنفية تحت مراقبة أجهزته المشددة.

ولكن الزعيم العلوي على ما يبدو لم يمانع في مباركة ما يقوم به المختار واستناده في دعوته على العلويين اذ قال للوفد الكوفي: «انا لا نكره أن ينصرنا الله بمن شاء من خلقه» (12).

ومن المرجح أن المختار، قبل خروجه من الحجاز او بعده، كان قد اتصل بعلي بن الحسين [عليه السلام] وباحثه بأمر الدعوة له في العراق ولكنه لم يلق استجابة، فانصرف عنه الى محمد بن الحنفية (13). وسواء قابل المختار الزعيمين العلويين، أم أنه زعم ذلك ليعطي تسويغاً أقوى لدعوته وبعداً أكثر من مجرد الثأر للحسين والتكفير عن الذنب، فان موقف ابن الحنفية من المختار - رغم عدم وضوحه - انعكس على الوضع العام في الكوفة حيث شهد الحزب الشيعي تحولاً نحو ابن الحنفية الذي لم يكن مطروحاً حتى ذلك الحين كأمام للدعوة العلوية، وأدى الى نجاح المختار في فرض نفسه على الحزب وتسلم زعامته.

ولقد التف حول المختار بعد خروجه من السجن، نفر من الزعماء الشيعيين الذين وجدوا فيه الشخصية القيادية الصالحة لمتابعة التحرك. وكان من أبرز هؤلاء: رفاعة بن شداد، ويزيد بن انس، وأحمد بن شميط، وعبد الله بن شداد الجشمي، والسائب بن مالك الاشعري. وقد نشط هؤلاء وقاموا بحملات دعائية في أسواق الكوفة وأحيائها لحمل الناس على تأييد المختار والبيعة له (14). ولكن عقبات عدة جابهت المختار، وأخرت قليلاً سيطرته على الوضع في الكوفة فكان لا بد له من معالجتها بالسرعة الممكنة. ومن هذه العقبات مثلاً، موقف حزب الاشراف منه الذي لم يقل عدائية عن موقفه السابق من التوابين (15)، ومنها ايضاً تردد ابراهيم بن الاشتر النخعي أحد كبار الشيعة في الكوفة، في الانضمام الى جانب المختار. وكان ابراهيم - كأبيه الاشتر - شديد الاخلاص في ولائه لعلي وأبنائه، ومتطرفاً الى أبعد حدود التطرف في عدائه للامويين، ولكن مع نظرة خاصة للأمور ورؤية مختلفة تماماً عن غيره من زعماء الحزب الشيعي، فهو لم يشترك مثلاً في ثورة التوابين، ووقف موقف الحذر من المختار، لان التحرك الشيعي كان برأيه حينئذ، تحركاً انفعالياً يفتقر الى خطط منظمة واستعدادات طويلة وأهداف واضحة.

ولعل ابراهيم كان يطمح الى أن يقود بنفسه الحزب الشيعي في العراق، خاصة وانه كان على اتصال دائم مع زعماء البيت العلوي ومنهم محمد بن الحنفية نفسه (16)، وهذا ما دعاه الى التشكيك بمزاعم المختار. غير أن هذا الاخير تمكن بعد الحاح من اقناع ابراهيم بالاعتراف بدعوته والبيعة له. ويبدو ان الموافقة على ذلك كانت بإيحاء من زعيم الدعوة محمد بن الحنفية الذي كتب الى ابراهيم بهذا الشأن (17).

والواقع ان المختار كسب حليفاً قوياً بانضمام ابن الاشتر اليه، الذي ما لبث ان صار من ألمع رجالات الثورة وقائدها العسكري الاول، وأصبح يحضر بانتظام الاجتماعات السرية في بيت المختار لتحضير الانقلاب ضد الحكم الزبيري في الكوفة (18)، واتخاذ قرار بتحديد ساعة الخروج حيث اتفق على أن تكون ليلة الخميس في الرابع عشر من ربيع الاول سنة ست وستين هجري (19).

وفي تلك الاثناء كانت التقارير ترد على عبد الله بن مطيع - والي الكوفة - من قائد شرطته (20)، محذرة من انقلاب قريب يعده المختار (21). فبعث حينذاك ابن مطيع رجاله في أحياء مختلفة من الكوفة في محاولة لإفشال خطط المختار، ولكن ذلك لم يؤد الى أي نتيجة سوى المساهمة بتعجيل انفجار الثورة وتقديم موعدها يومين (الثلاثاء 12 ربيع الاول 66 هجري). فقد حدث ان كان ابن الاشتر - ومعه مائة من المسلحين - في طريقه ذلك اليوم الى منزل المختار أن اصطدم بصاحب الشرطة اياس بن مضارب الذي اعترض طريقه، فطعنه ابراهيم برمحه طعنة أودت بحياته (22). وكانت هذه الحادثة اشارة البدء بالتحرك. وبسرعة مذهلة تم استيلاء المختار وقائده ابن الاشتر على الموقف، وهُزم القائد (23) الذي أعده الوالي وحزب الاشراف (24)، وما لبث ان هرب الوالي نفسه، وغادر قصر الامارة متخفياً ولجأ الى منزل ابي موسى الاشعري (25).

وهكذا نجحت ثورة المختار الثقفي، وتحققت معها تطلعات الحزب الشيعي لاستلام الحكم، لاول مرة منذ قيام الخلافة الاموية وتنازل الحسن[عليه السلام] لمعاوية. وهناك عدة عوامل أسهمت بدون ريب في انجاح هذه الثورة ومهدت لها الطريق لتصل الى السلطة دون أدنى صعوبة. ومن أبرز هذه العوامل:

1 - الاعتماد بشكل أساسي على الفئات الشعبية من العرب وغيرهم الذين ضاقوا بالاضطهاد الاموي ثم الزبيري، ووجدوا في ثورة المختار متنفساً لتحقيق مطالبهم الاصلاحية.

2 - احتواء الحركة لقيادات الحزب الشيعي التي وجدت في المختار سياسياً بارعاً ومناضلاً شديد المراس، واقتنعت به كزعيم للحزب، مفوض من قبل أحد كبار العلويين، محمد بن الحنفية.

3 - ان الحكم الزبيري لم يقم بأي تغيير سياسي في الكوفة ولم يكن لديه أي برنامج اصلاحي، بل كاد يكون بمناهجه استمراراً للحكم الاموي. وقد جاءت خطبة ممثله في الكوفة حول الخراج تفجر الغضب وتشعل النقمة (26).

4 - ان اشراك العامل الزبيري بعض قتلة الحسين في الحكم وفي حرب المختار (27)، ترك انطباعاً سيئاً في صفوف المقاتلين معه، وأخذت مجموعات منهم تنصرف الى معسكر المختار.

5 - ان انضمام ابن الاشتر الى المختار، أدى الى ترجيح كفته وساعده على تحقيق النصر، ذلك ان تأثير ابن الاشتر كان نابعاً من قوته القبلية ومكانته البارزة في الحزب الشيعي، فضلاً عن امكانياته الشخصية كقائد عسكري موهوب ومغامر.

هذه أهم العوامل التي أوصلت المختار الى السلطة في الكوفة، عبر انقلاب أبرز ما فيه انه تم دونما اسراف في اراقة الدماء أو جنوح نحو العنف في ملاحقة الذين تم الانقلاب عليهم. فالاشراف طلبوا الامان، فأجيبوا اليه (28)، والعامل الزبيري المهزوم أخرج من مخبأه، مبعداً الى البصرة ومعه مائة ألف درهم (29). وبذلك خضعت الكوفة بكل فئاتها - رسمياً على الاقل - للمختار الذي اعتلى المنبر في المسجد ليعلن برنامجه السياسي والاصلاحي، وكان محوره اقامة حكم علوي يشيع العدل بين الناس ويبعث الطمأنينة في النفوس ويتعايش مع مختلف الاحزاب. ومما جاء فيه: «تبايعوني على كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين والدفاع عن الضعفاء، وقتال من قاتلنا، وسلم من سالمنا والوفاء ببيعتنا لا نقيلكم ولا نستقيلكم» (30).

على أن المختار اذا كان قد استولى على السلطة بمثل هذه السهولة، فان الاحتفاظ بها وسط تلك الدائرة من الصراعات الخطيرة التي اتخذت من الارض العراقية مسرحاً لها كان أمراً في منتهى الصعوبة. فهناك أخطار مباشرة تتهدد نظامه الحديث، وتستهدفه مباشرة كلما اقترب الجيش الاموي - الذي فتك بالتوابين - من الكوفة. وهناك في الطرف الآخر ابن الزبير الذي لا زال يحتفظ بسيطرته على جنوب العراق، وكان على المختار أن يتحاشى الاصطدام به، واقناعه بأن حركته ليست ضده، مع ما في هذا الاقناع من استحالة، خاصة بعد أن مُنع الوالي الزبيري الجديد من دخول المدينة (31).

بالاضافة الى ذلك فان الجبهة الداخلية، لم تكن خالية من المتاعب. فالمختار وصل الى الحكم - كما هو معروف - بواسطة الحزب الشيعي وهو ليس كل الكوفة. فكان من الطبيعي أن يواجه معارضة قوية - لا سيما من الاشراف الذين بايعوا مكرهين - سببت له الكثير من المشاكل وكادت تطيح بسلطانه الحديث العهد.

والواقع ان الاحداث كانت تتلاحق بصورة مثيرة ولا بد من مواجهة الموقف بجرأة وحزم. وكان وصول عبيد الله بن زياد بجيشه الاموي الى الموصل (32) من أثقل الامور على المختار الذي بدا وكأنه يسابق الزمن في استعداداته العسكرية لمواجهة أشد أعدائه خصومة وأكثرهم الحاحاً. ولكي يؤخر زحف هؤلاء نحو الكوفة، أرسل المختار جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة يزيد بن انس، المريض والمسن حينئذ (33) فاشتبك مع طلائع الجيش الاموي وتمكن بعد يومين من تحقيق انتصار غير متوقع. ولكن ذلك اقترن بوفاة القائد المنتصر في نفس الليلة، فكان لموته تأثيراً سيئاً على معنويات الجنود الذين تهيبوا ضخامة الجيش الاموي وأخذوا في التراجع الى الكوفة (34).

بلغت أخبار الانسحاب، ومعها اشاعات عن هزيمة جيش المختار (35). فأسقط في يده، وأمر قائده ابن الاشتر بالتوجه مع سبعة آلاف مقاتل (36) للحؤول دون توغل ابن زياد في العراق.

غير أن خروج ابن الاشتر من الكوفة ترك مضاعفات خطيرة في المدينة وزاد الموقف حراجة، حين انتفض الاشراف - وكأنهم كانوا ينتظرون خلو الكوفة من ابن الاشتر - وقد كان الحافز وراء ذلك، تضارب مصالحهم الاقتصادية والسياسية مع وجود حكومة شيعية في الكوفة برئاسة المختار، أبرز اهتماماتها معاقبة المسؤولين عن مقتل الحسين، وبعضهم كان من الاشراف، وانصاف الطبقات المحرومة والفئات المضطهدة لا سيما الموالي، وغير ذلك مما أثار حفيظة هؤلاء ودفعهم الى التآمر على الحكم الشيعي الذي هدد ما تمتعوا به من امتيازات خاصة في ظل الحكومات السابقة (37).

انطلق الاشراف في زمر مسلحة في الكوفة وحاصروا قصر الامارة، وقد أدى ذلك الى قتال عنيف في الشوارع خاضته الشيعة ببسالة، وصمد المختار، فلم تفقده خطورة الموقف توازنه، وقدرته الفائقة على المناورة، حين لجأ الى المماطلة بالتفاوض مع المتمردين (38) كسباً للوقت ريثما يصل قائده ابن الاشتر، وكان قد كتب اليه بشأن المؤامرة (39).

عاد ابراهيم بسرعة الى الكوفة، وبعودته أتيح للحزب الشيعي - وكانت الحماسة قد بلغت به أقصى درجاتها، يزيدها اشتعالاً صرخات التوابين بقيادة رفاعة ابن شداد مرددة شعارها المعروف «يا لثارات الحسين» (40) - أن يقضي على تمرد الاشراف ويصفي مقاومتهم. وقد أتاح ذلك بدون شك أمام المختار فرصة الاسراع بتنفيذ قراره الانتقامي من قتلة الحسين وتتبعهم في أنحاء العراق، فأوقع بالكثيرين منهم (41) قتلاً ونفياً وتعذيباً، كان بينهم عمر بن سعد وشمّر بن ذي الجوش (42).

وبعد يومين من اخماد تمرد الاشراف، غادر ابراهيم ابن الاشتر الكوفة من جديد في طريقه الى الموصل حيث كان يرابط بجوارها عبيد الله بن زياد مع جيشه الاموي. وعند نهر الخازر (43) اشتبك الجيشان في ملحمة عظيمة (44) بذل فيها الشيعة جهوداً عظيمة للسيطرة على زمام الموقف، وقامت فرقة انتحارية منهم باختراق صفوف العدو، مستهدفة عبيد الله بن زياد فتمكنت من الوصول اليه وقتله. ثم قتل غيره من القواد الكبار، الامر الذي أحدث بلبلة وفوضى وأدى الى هزيمة ساحقة للجيش الاموي (45).

وهكذا اكتملت الصورة الانتقامية، وغمر الارتياح والفرح نفوس الشيعة بمقتل عبيد الله بن زياد الذي اجتز رأسه وحمل الى الكوفة ليوضع في نفس المكان الذي وضع فيه رأس الحسين يوم كان ابن زياد والياً على المدينة. وحينذاك بلغ المختار قمة مجده السياسي، ولكنه وجد نفسه أيضاً أمام المنحدر، يتهاوى فيه بمثل السرعة التي صعد بها الى القمة. ذلك ان الانتصار الذي حققه سيد الكوفة الجديد على الامويين - أعداء ابن الزبير - لم يخفف من حفيظة هذا الاخير نحو المختار الذي أضر كثيراً بقضيته (46). فبعد قليل من الوقت، والمختار لم يفق بعد من سكرة الانتصار، فوجئ بمصعب ابن الزبير يزحف بجيشه نحو الكوفة، وكان قد أرسل من قبل أخيه أميراً على البصرة سنة 67 للهجرة (47) وقد شغل الاشراف المنفيون في البصرة دورهم البارز في تحريض مصعب وتعجيل الحملة التي أعدها للقضاء على المختار.

وفي الكوفة، بدا كأن المختار لم يفاجأ بأخبار هذه الحملة بقدر ما فاجأه التوقيت. فاستعد للامر ودخل المعركة بإمكانيات محدودة، خاصة وأن قائده الشجاع ابراهيم بن الاشتر كان لا يزال في الموصل (48) لأسباب غير واضحة تماماً، وربما كانت لابراهيم مسوغاته في الابتعاد عن الكوفة والانشغال عنها بأمور غير أساسية، وأن التزامه في التحالف مع المختار كان مرحلياً ليس أكثر، وكان هذا الاخير يدرك ذلك ويرى في قائده منافساً خطيراً أكثر من مجرد حليف مخلص.

وفي اثناء القتال الذي احتدم في (حروراء) (49) بين كل من الجيشين، برز تفوق الزبيريين بشكل ملحوظ وازداد ضغطهم على رجال المختار الذين تراجعوا مهزومين، تتبعهم جنود ابن الزبير. وما لبثت أخبار الكارثة ان وصلت الى المختار الذي اعتصم في قصر الامارة بعض الوقت، غير أنه خرج يطلب الموت (50) - على حد تعبيره - بعد أن اشتدت عليه وطأة المحاصرين، فقتل بعد مقاومة بطولية نادرة، وانطوت فكرة الحكومة الشيعية في الكوفة التي غابت معه وكان غيابها طويلاً جداً.

ان سقوط حكومة المختار في الكوفة لم يؤد الى استسلام حركة المعارضة العراقية، وانما استمرت تتصاعد ولكن بقيادات مختلفة وبأهداف ومناهج متباينة. فبعد المختار تسلم الحزب الزبيري السلطة في العراق بزعامة مصعب، مستفيداً من الظروف التي كانت خير حليف في انهاك قوى العدو وتعبئة القوى الشعبية بالكراهية ضد الامويين.

ولكن الى أي مدى سيحتفظ هذا الحزب بالسلطة ذلك هو السؤال؟ فقد أصبح النظام الاموي أكثر مناعة واجتاز أزماته العائلية والقبلية بعد وصول عبد الملك بن مروان الى الحكم وتطلع الانظار اليه حينئذ لانقاذ الدولة الاموية من انقساماتها واعادة بنائها من جديد قوية، موحدة.

وبعد أن قضى هذا الخليفة بعض الوقت في تصفية مشاكله الداخلية ومعالجة الوضع العسكري على جبهة البيزنطيين تحول نحو معركته المصيرية مع منافسه في الخلافة وشريكه في اللقب عبد الله بن الزبير. فلما شعر باستقرار الاحوال في عاصمة الخلافة قاد بنفسه حملة عسكرية الى العراق صيف 72 هجري (51) لتوجيه ضربته الأولى الى مصعب، فاشتبك معه في معركة طاحنة عند (دير الجاثليق) في الجزيرة (52) انتهت بهزيمة الجيش الزبيري وحلفائه من العراقيين ومقتل مصعب وقائده الشهير الذي انضم اليه ابراهيم بن الاشتر. وكان ذلك ايذاناً برجوع العراق مرة اخرى الى السيادة الاموية ليستكين فترة ثم ينقض من جديد معبراً بمختلف الوسائل السلبية عن رفضه للحكم الاموي وتوقه الى التحرر والاستقلال.

وتجدر الاشارة الى أن نضال الحزب الشيعي وهو احدى فصائل المعارضة الاكثر أهمية في العراق مر بفترة من الركود النسبي وذلك لافتقاده الى المغامرين والقادة العظام في صفوفه، وفله في اغتنام الاحداث التي كان من الممكن أن تقوده الى تحقيق طموحاته السياسية لو أحسن استغلالها جيداً. وعلى ذلك ستشهد الفترة المتبقية من الخلافة الاموية تطوراً ملموساً في نظم الحزب الشيعي وعقائده، وتحولاً بارزاً في مسيرته النضالية الدائمة. ولكن هذا لم يؤد بأية حال الى تخلي هذا الحزب عن دوره الريادي في كل الثورات الرافضة التي شهدتها الارض العراقية منذ مصرع الحسين حتى سقوط الدولة الاموية نهائياً على يد احدى الدعوات التي فرزتها الحركة النضالية الشيعية.

____________

(1) الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

(2) الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).

(3) ابن الاثير : 4/78.

(4) الطبري : 7/66.

(5) المسعودي : مروج الذهب 3/94.

(6) «رأوا انهم لا يغسل عنهم ذلك الجرم، الا قتل من قتله او القتل فيه» مروج الذهب 3/93.

(7) ابن الاثير : 4/89.

(8) الطبري : 7/94.

(9) الطبري : 7/94.

(10) الطبري : 7/90 - 91.

(11) فلهوزن : الخوارج والشيعة 203 - 204.

(12) ابن كثير : 8/265.

(13) المسعودي : مروج الذهب 3/74.

(14) ابن كثير : 8/264.

(15) ابن الاثير : 4/89.

(16) ابن كثير : 8/268.

(17) الطبري : 7/98 - 99.

(18) ابن كثير : 8/266.

(19) ابن كثير 4/91.

(20) «اياس بن مضارب»، ابن الاثير 4/89.

(21) الطبري : 7/100.

(22) الطبري : 7/100

(23) شبث بن ربعي.

(24) الطبري 7/103.

(25) ابن كثير : 8/267.

(26) ابن الاثير : 4/94.

(27) دائرة المعارف الاسلامية الشيعية : 2 / 59.

(28) ابن الاثير : 4/95.

(29) ابن كثير : 8/268.

(30) الطبري : 7/108 - 110

(31) فلهوزن : الخوارج والشيعة : 215.

(32) ابن كثير : 8/268.

(33) الطبري : 7/113 - 114.

(34) الطبري : 7/115.

(35) فلهوزن : الخوارج والشيعة : 218.

(36) ابن كثير : 8/269.

(37) بيضون - زكار : تاريخ العرب السياسي 117.

(38) ابن كثير : 8/270.

(39) ابن الاثير : 4/98.

(40) الطبري : 7/120.

(41) الطبري : 7/120.

(42) جون جلوب : امبراطورية العرب 153 - 154.

(43) رافد للزاب الكبير.

(44) في الشهر الاول من سنة 67 للهجرة، ابن الاثير : 4/109.

(45) الطبري : 7/144.

(46) الطبري : 7/80 - 81.

(47) ابن الاثير : 4/112

(48) فلهوزن : الخوارج والشيعة : 229.

(49) ابن الاثير : 4/113.

(50) قال لاصحابه وهو خارج الى القتال : ان الحصار لا يزيدنا الا ضعفاً، فانزلوا بنا نقاتل حتى الليل ونموت كراماً. ابن الاثير : 8/288.

(51) ضياء الدين الريس : عبد الملك بن مروان : 210.

(52) المسعودي : مروج الذهب : 3/107 - 109.

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).