المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4876 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



تنزيه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله  
  
1079   10:32 صباحاً   التاريخ: 24-12-2017
المؤلف : أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (الشريف المرتضى)
الكتاب أو المصدر : تنزيه الانبياء
الجزء والصفحة : 104 - 131
القسم : العقائد الاسلامية / النبوة / النبي محمد (صلى الله عليه وآله) /

(مسألة) : إن قيل ما معنى قوله تعالى : {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7] أوليس هذا يقتضي اطلاقه الضلال عن الدين؟ وذلك مما لا يجوز عندكم قبل النبوة ولا بعدها؟

(الجواب) : قلنا في معنى هذه الآية أجوبة :

(اولها) : انه اراد : وجدك ضالا عن النبوة فهداك إليها ، أو عن شريعة الاسلام التي نزلت عليه وأمر بتبليغها إلى الخلق ، وبإرشاده صلى الله عليه وآله إلى ما ذكرناه اعظم النعم عليه. والكلام في الآية خارج مخرج الامتنان والتذكير بالنعم ، وليس لاحد ان يقول ان الظاهر بخلاف ذلك ، لأنه لابد في الظاهر من تقدير محذوف يتعلق به الضلال ، لان الضلال هو الذهاب والانصراف فلا بد من امر يكون منصرفا عنه. فمن ذهب إلى انه أراد الذهاب عن الدين فلا بد له من ان يقدر هذه اللفظة ثم يحذفها ليتعلق بها لفظ الضلال ، وليس هو بذلك اولى منا فيما قدرناه وحذفناه.

(وثانيها) : أن يكون اراد الضلال عن المعيشة وطريق الكسب. يقال للرجل الذي لا يهتدي طريق معيشته ووجه مكسبه : هو ضال لا يدري ما يصنع ولا اين يذهب. فامتن الله تعالى عليه بأن رزقه وأغناه وكفاه.

(وثالثها) : ان يكون أراد ووجدك ضالا بين مكة والمدينة عند الهجرة فهداك وسلمك من اعدائك. وهذا الوجه قريب لولا ان السورة مكية وهي متقدمة للهجرة إلى المدينة ، اللهم إلا ان يحمل قوله تعالى «ووجدك» على انه سيجدك على مذهب العرب في حمل الماضي على معنى المستقبل فيكون له وجه.

(ورابعها) : ان يكون اراد بقوله «ووجدك ضالا فهدى» أي مضلولا عنه في قوم لا يعرفون حقك فهداهم إلى معرفتك وارشدهم إلى فضلك. وهذا له نظير في الاستعمال. يقال : فلان ضال في قومه وبين اهله إذا كان مضلولا عنه.

(وخامسها) : أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع «ألم يجدك يتيم فآوى ووجدك ضال فهدى» على ان اليتيم وجده وكذلك الضال ، وهذا الوجه ضعيف لان القراءة غير معروفة ، ولان هذا الكلام يسمج ويفسد اكثر معانيه.

تنزيه سيدنا محمد (عليه السلام)عن مدح آلهة قريش :

(مسألة) : فإن قال فما معنى قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52] أوليس قد روي في ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما رأى تولي قومه عنه شق عليه ما هم عليه من المباعدة والمنافرة ، وتمنى في نفسه ان يأتيه من الله تعالى ما يقارب بينه وبينهم ، وتمكن حب ذلك في قلبه ، فلما أنزل الله تعالى عليه (والنجم إذا هوى) وتلاها عليهم ، القى الشيطان على لسانه لما كان تمكن في نفسه من محبة مقاربتهم تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجي ، فلما سمعت قريش ذلك سرت به واعجبهم ما زكى به الهتهم ، حتى انتهى إلى السجدة فسجد المؤمنون وسجد ايضا المشركون لما سمعوا من ذكر الهتهم بما اعجبهم ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخا كبيرا لا يستطيع السجود ، فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ثم تفرق الناس من المسجد وقريش مسرورة بما سمعت. واتى جبرائيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله معاتبا على ذلك ، فحزن له حزنا شديدا. فانزل الله تعالى عليه معزيا له ومسليا (وما ارسلنا من قبلك) الآية. (الجواب) : قلنا أما الآية فلا دلالة في ظاهرها على هذه الخرافة التي قصوها وليس يقتضي الظاهر الا احد أمرين ، اما ان يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان بن ثابت : تمنى كتاب الله اول ليله * وآخره لاقى حمام المقادر أو اريد بالتمني تمني القلب. فان أراد التلاوة ، كان المراد من ارسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه حرفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا ، كما فعلت اليهود في الكذب على نبيهم ، فأضاف ذلك إلى الشيطان لأنه يقع بوسوسته وغروره. ثم بين ان الله تعالى يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجته وينسخه ويحسم مادة الشبهة به. وانما خرجت الآية على هذا الوجه مخرج التسلية له صلى الله عليه وآله لما كذب المشركون عليه ، واضافوا إلى تلاوته مدح الهتهم ما لم يكن فيها. وأن كان المراد تمني القلب ، فالوجه في الآية ان الشيطان متى تمنى النبي عليه السلام بقلبه بعض ما يتمناه من الامور ، يوسوس إليه بالباطل ويحدثه بالمعاصي ويغريه بها ويدعوه إليها. وأن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك اسماع غروره. وأما الاحاديث المروية في هذا الباب فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل عليهم السلام عنه. هذا لو لم يكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند اصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره. وكيف يجيز ذلك على النبي صلى الله عليه وآله من يسمع الله تعالى يقول : {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32]يعني القرآن. وقوله تعالى : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44 - 46]. وقوله تعالى : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } [الأعلى: 6]. على ان من يجيز السهو على الانبياء عليهم السلام يجب ان لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبي صلى الله عليه وآله لان الله تعالى قد جنب نبيه من الامور الخارجة عن باب المعاصي ، كالغلظة والفظاظة وقول الشعر وغير ذلك مما هو دون مدح الاصنام المعبودة دون الله تعالى. على أنه لا يخلو صلى الله عليه وآله وحوشى مما قذف به من ان يكون تعمد ما حكوه ، وفعله قاصدا أو فعله ساهيا ولا حاجة بنا إلى ابطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره ، وإن كان فعله ساهيا فالساهي لا يجوز ان يقع منه مثل هذه الالفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقها ، ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام. لانا نعلم ضرورة ان من كان ساهيا لو أنشد قصيدة لما جاز ان يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها وفي معنى البيت الذي تقدمه وعلى الوجه الذي يقتضيه فائدته ، وهو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها. وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوى على النبي صلى الله عليه وآله على ان الموحى إليه من الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن جبرائيل (عليه السلام)، وكيف يجوز السهو عليه. على ان بعض أهل العلم قد قال يمكن ان يكون وجه التباس الامر أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما تلا هذه السورة في ناد غاص بأهله وكان أكثر الحاضرين من قريش المشركين ، فانتهي إلى قوله تعالى : {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19] وعلم في قرب مكانه منه من قريش أنه سيورد بعدها ما يسوأهم به فيهن ، قال كالمعارض له والراد عليه : (تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجي) فظن كثير ممن حضر أن ذلك من قوله صلى الله عليه وآله. واشتبه عليهم الامر لانهم كانوا يلغطون عند قراءته صلى الله عليه وآله ، ويكثر كلامهم وضجاجهم طلبا لتغليطه واخفاء قراءته. ويمكن ان يكون هذا ايضا في الصلاة ، لانهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة ، ويسمعون قراءته ويلغون فيها. وقيل ايضا انه صلى الله عليه وآله كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات واتى بكلام على سبيل الحجاج لهم ، فلما تلا افرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى قال تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى على سبيل الانكار عليهم ، وأن الامر بخلاف ما ظنوه من ذلك. وليس يمتنع ان يكون هذا في الصلاة لان الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا. وانما نسخ من بعد ، وقيل ان المراد بالغرانيق الملائكة. وقد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوهم المشركون انه يريد آلهتهم. وقيل ان ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة فتلاه الرسول صلى الله عليه وآله ، فلما ظن المشركون ان المراد به آلهتهم نسخت تلاوته. وكل هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله : {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] لان بغرور الشيطان ووسوسته اضيف إلى تلاوته صلى الله عليه وآله ما لم يرده بها. وكل هذا واضح بحمد الله تعالى.

تنزيه سيدنا محمد عن معاتبة الله له :

(مسألة) : فإن قيل فما تأويل قوله تعالى : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] أو ليس هذا عتابا له صلى الله عليه وآله من حيث اضمر ما كان ينبغي ان يظهره وراقب من لا يجب ان يراقبه فما الوجه في ذلك؟

(الجواب) : قلنا : وجه هذه الآية معروف وهو ان الله تعالى لما أراد نسخ ما كان عليه الجاهلية من تحريم نكاح زوجة الدعي ، والدعي هو الذي كان احدهم يجتبيه ويربيه ويضيفه إلى نفسه على طريق البنوة ، وكان من عادتهم ان يحرموا على انفسهم نكاح ازواج ادعيائهم كما يحرمون نكاح ازواج ابنائهم ، فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله ان زيد بن حارثة وهو دعي رسول الله صلى الله عليه وآله سيأتيه مطلقا زوجته ، وأمره ان يتزوجها بعد فراق زيد لها ليكون ذلك ناسخا لسنة الجاهلية التي تقدم ذكرها ، فلما حضر زيد مخاصما زوجته عازما على طلاقها ، أشفق الرسول من ان يمسك عن وعظه وتذكيره لا سيما وقد كان يتصرف على امره وتدبيره ، فرجف المنافقون به إذا تزوج المرأة يقذفونه بما قد نزهه الله تعالى عنه فقال له (امسك عليك زوجك) تبرؤا مما ذكرناه وتنزها ، واخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعد طلاقه لها لينتهي إلى امر الله تعالى فيها. ويشهد بصحة هذا التأويل قوله تعالى : {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37] فدل على ان العلة في أمره في نكاحها ما ذكرناه من نسخ السنة المتقدمة. فإن قيل العتاب باق على كل حال لأنه قد كان ينبغي ان يظهر ما أظهره ويخشى الله ولا يخشى الناس. قلنا : أكثر ما في الآية إذا سلمنا نهاية الاقتراح فيها ان يكون صلى الله عليه وآله فعل ما غيره اولى منه ، وليس ان يكون صلى الله عليه وآله بترك الاولى عاصيا. وليس يمتنع على هذا الوجه ان يكون صبره على قذف المنافقين اهانته بقولهم افضل واكثر ثوابا ، فيكون ابداء ما في نفسه اولى من اخفائه على انه ليس في ظاهر الآية ما يقتضي العتاب ، ولا ترك الاولى.

وأما اخباره بأنه (اخفى ما الله مبديه) فلا شئ فيه من الشبهة ، وانما هو خير محض.

وأما قوله (وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه) ففيه أدنى شبهة ، وإن كان الظاهر لا يقتضي عند التحقيق ترك الافضل ، لأنه اخبر أنه يخشى الناس وان الله أحق بالخشية ، ولم يخبر انك لم تفعل إلا حق وعدلت إلى الأدون ، ولو كان في الظاهر بعض الشبهة لوجب ان نتركه ونعدل عنه للقاطع من الادلة. وقد قيل ان زيد بن حارثة لما خاصم زوجته زينب بنت جحش وهي ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وأشرف على طلاقها اضمر رسول الله صلى الله عليه وآله انه ان طلقها زيد تزوجها من حيث كانت ابنة عمته. وكان يجب ضمها إلى نفسه كما يجب احدنا ضم قراباته إليه ، حتى لا ينالهم بؤس ولا ضرر. فاخبر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وآله والناس بما كان يضمره من ايثار ضمها إلى نفسه ليكون ظاهر الانبياء صلى الله عليه وآله وباطنهم سواء. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصار يوم فتح مكة وقد جاء عثمان بعبدالله بن أبي سرح وسأله ان يرضى عنه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ذلك قد هدر دمه فأمر بقتله ، فلما رأى عثمان استحي من رده ونكس طويلا ليقتله بعض المؤمنين فلم يفعل المؤمنون ذلك انتظارا منهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مجددا ، فقال للأنصار : أما كان فيكم رجل يقوم إليه فيقتله؟ فقال له عباد بن بشر : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان عيني ما زالت في عينك انتظارا ان تومئ الي فاقتله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : الانبياء صلى الله عليه وآله لا يكون لهم خائنة أعين. وهذا الوجه يقارب الاول في المعنى. فان قيل : فما المانع مما وردت به الرواية من ان رسول الله صلى الله عليه وآله رأى في بعض الاحوال زينب بنت جحش فهواها فلما ان حضر زيد لطلاقها اخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعده وهواه لها ، أو ليس الشهوة عندكم التي قد تكون عشقا على بعض الوجوه من فعل الله تعالى وأن العباد يقدرون عليها؟ وعلى هذا الوجه يمكنكم انكار ما تضمنه السؤال. قلنا : لم ننكر ما وردت به هذه الرواية الخبيثة من جهة أن فعل الشهوة يتعلق بفعل العباد وأنها معصية قبيحة ، بل من جهة أن عشق الانبياء عليهم السلام لمن ليس يحل لهم من النساء منفر عنهم وحاط من مرتبتهم ومنزلتهم ، وهذا مما لا شبهة فيه ، وليس كل شئ يجب ان يجتنبه الانبياء صلى الله عليه وآله مقصورا على افعالهم. الا ترى ان الله تعالى قد جنبهم الفظاظة والغلظة والعجلة ، وكل ذلك ليس من فعلهم ، وأوجبنا ايضا ان يجتنبوا الامراض المنفرة والخلق المشينة كالجذام والبرص وتفاوت الصور واضطرابها ، وكل ذلك ليس من مقدورهم ولا فعلهم. وكيف يذهب على عاقل ان عشق الرجل زوجة غيره منفر عنه معدود في جملة معائبه ومثالبه ، ونحن نعلم انه لو عرف بهذه الحال بعض الامناء والشهود لكان ذلك قادحا في عدالته وخافضا في منزلته ، وما يؤثر في منزلة احدنا اولى من ان يؤثر في منازل من طهره الله وعصمه وأكمله وأعلى منزلته. وهذا بين لمن تدبره.

تنزيه سيدنا محمد عن معاتبته في الاسرى :

(مسألة) : فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67].

وقوله : {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] أو ليس هذا يقتضي عتابه على استبقاء الاسارى وأخذ عرض الدنيا عوض عن قتلهم؟.

(الجواب) : قلنا ليس في ظاهر الآية ما يدل على انه صلى الله عليه وآله عوتب في شأن الاسارى ، بل لو قيل ان الظاهر يقتضي توجه الآية إلى غيره لكان اولى ، لان قوله تعالى : (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) ، وقوله تعالى : (ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم) ، لا شك أنه لغيره ، فيجب ان يكون المعاتب سواه. والقصة في هذا الباب معروفة والرواية بها متظافرة ، لان الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله بأن يأمر اصحابه بأن يثخنوا في قتل اعدائهم بقوله تعالى : {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12] وبلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك إلى أصحابه فخالفوه ، وأسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء ، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبين ان الذي أمر به سواه.

فإن قيل : فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله خارجا عن العتاب فما معنى قوله تعالى : (ما كان لنبي ان يكون له اسرى)؟

قلنا : الوجه في ذلك لان الاصحاب انما اسروهم ليكونوا في يده صلى الله عليه وآله. فهم اسراؤه على الحقيقة ومضافون إليه ، وإن كان لم يأمرهم بأسرهم بل أمر بخلافه. فان قيل : أفما شاهدهم النبي صلى الله عليه وآله وقت الاسر فكيف لم ينههم عنه؟. قلنا : ليس يجب ان يكون عليه السلام مشاهدا لحال الاسر ، لأنه كان على ما وردت به الرواية يوم بدر جالسا في العريش ، ولما تباعد أصحابه عنه اسروا من اسروه من المشركين بغير علمه صلى الله عليه وآله .

فإن قيل : فما بال النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر بقتل الاسارى لما صاروا في يده وان كان خارجا من المعصية وموجب العتاب ، أو ليس لما استشار اصحابه فأشار عليه ابو بكر باستبقائهم وعمر باستيصالهم رجع إلى رأي ابي بكر ، حتى روي أن العتاب كان من اجل ذلك؟

قلنا : أما الوجه في أنه عليه السلام لم يقتلهم فظاهر ، لأنه غير ممتنع ان تكن المصلحة في قتلهم وهم محاربون ، وان يكون القتل أولى من الاسر ، فإذا اسروا تغيرت المصلحة وكان استبقاؤهم اولى ، والنبي صلى الله عليه وآله لم يعمل براي ابي بكر إلا بعد ان وافق ذلك ما نزل به الوحي عليه.

وإذا كان القرآن لا يدل بظاهر ولا فحوى على وقوع معصية منه صلى الله عليه وآله في هذا الباب فالرواية الشاذة لا يعول عليها ولا يلتفت إليها. وبعد : فلسنا ندري من اي وجه تضاف المعصية إليه صلى الله عليه وآله في هذا الباب ، لأنه لا يخلو من ان يكون أوحى إليه صلى الله عليه وآله في باب الاسارى بأن يقتلهم ، أو لم يوح إليه فيه بشئ ، ووكل ذلك إلى اجتهاده ومشورة اصحابه ، فإن كان الاول فليس يجوز ان يخالف ما اوحي إليه ، ولم يقل احد ايضا في هذا الباب أنه صلى الله عليه وآله خالف النص في باب الاسارى ، وإنما يدعى عليه انه فعل ما كان الصواب عند الله خلافه ، وكيف يكون قتلهم منصوصا عليه بعد الاسر وهو يشاور فيه الاصحاب ويسمع فيه المختلف من الاقوال وليس لاحد ان يقول إذا جاز أن يشاور في قتلهم واستحيائهم ، وعنده نص بالاستحياء ، فهلا جاز ان يشاور وعنده نص في القتل ، وذلك أنه لا يمتنع ان يكون أمر بالمشاورة قبل ان ينص له على أحد الامرين ، ثم أمر بما وافق احدى المشورتين فاتبعه. وهذا لا يمكن المخالف ان يقول مثله ، وان كان لم يوح إليه في باب الاسارى شئ ووكل إلى اجتهاده ومشورة اصحابه ، فما باله يعاتب وقد فعل ما أداه إليه الاجتهاد والمشاورة ، وأي لوم على من فعل الواجب ولم يخرج عنه ، وهذا يدل على ان من اضاف إليه المعصية قد ضل عن وجه الصواب.

تنزيه سيدنا محمد عن المعاتبة في امر المتخلفين :

(مسألة) : فإن قيل فما وجه قوله تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وآله لما استأذنه قوم في التخلف عن الخروج معه إلى الجهاد فأذن لهم : {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43] أو ليس العفو لا يكون الا عن الذنب؟ وقوله (لم اذنت) ظاهر في العتاب لانه من اخص الفاظ العتاب؟.

(الجواب) : قلنا أما قوله تعالى (عفى الله عنك) فليس يقتضي وقوع معصية ولا غفران عقاب ، ولا يمتنع ان يكون المقصود به التعظيم والملاطفة في المخاطبة. لان احدنا قد يقول لغيره إذا خاطبه : أرأيت رحمك الله وغفر الله لك. وهو لا يقصد إلى الاستصفاح له عن عقاب ذنوبه ، بل ربما لم يخطر بباله ان له ذنبا. وانما الغرض الاجمالي في المخاطبة واستعمال ما قد صار في العادة علما على تعظيم المخاطب وتوقيره. وأما قوله تعالى : (لم أذنت لهم) فظاهره الاستفهام والمراد به التقريع واستخراج ذكر علة اذنه ، وليس بواجب حمل ذلك على العتاب ، لان احدنا قد يقول لغيره ، لم فعلت كذا وكذا. تارة معاتبا وأخرى مستفهما ، وتارة مقررا. فليس هذه اللفظة خاصة للعتاب والانكار. وأكثر ما يقتضيه وغاية ما يمكن ان يدعى فيها ان تكون دالة على انه صلى الله عليه وآله ترك الاولى والافضل ، وقد بينا ان ترك الاولى ليس بذنب ، وان كان الثواب ينقص معه. فإن الانبياء عليهم السلام يجوز ان يتركوا كثيرا من النوافل. وقد يقول احدنا لغيره إذا ترك الندب : لم تركت الافضل ولم عدلت عن الاولى؟ ولا يقتضي ذلك انكارا ولا قبيحا.

تنزيه سيدنا محمد عن الوزر :

(مسألة) : فإن قيل فما معنى قوله تعالى : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } [الشرح: 1 - 3] أوليس هذا صريحا في وقوع المعاصي منه صلى الله عليه وآله؟.

(الجواب) : قلنا أما الوزر في أصل اللغة فهو الثقل ، وانما سميت الذنوب بأنها اوزارا لانها تثقل كاسبها وحاملها. فإذا كان أصل الوزر ما ذكرناه ، فكل شئ اثقل الانسان وغمه وكده وجهده جاز ان يسمى وزرا ، تشبيها بالوزر الذي هو الثقل الحقيقي. وليس يمتنع ان يكون الوزر في الآية انما أراد به غمه صلى الله عليه وآله وهمه بما كان عليه قومه من الشرك ، وأنه كان هو وأصحابه بينهم مستضعفا مقهورا. فكل ذلك مما يتعب الفكر ويكد النفس. فلما أن أعلى الله كلمته ونشر دعوته وبسط يده خاطبه بهذا الخطاب تذكيرا له بمواقع النعمة عليه ، ليقابله بالشكر والثناء والحمد. ويقوي هذا التأويل قوله تعالى : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4] وقوله عز وجل : {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6] والعسر بالشدائد والغموم اشبه ، وكذلك اليسر بتفريج الكرب وإزالة الهموم والغموم اشبه.

فإن قيل : هذا التأويل يبطله ان هذه السورة مكية نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وهو في الحال الذي ذكرتم انها تغمه من ضعف الكلمة وشدة الخوف من الاعداء ، وقبل ان يعلي الله كلمة المسلمين على المشركين ، فلا وجه لما ذكرتموه.

قلنا : عن هذا السؤال جوابان : أحدهما انه تعالى لما بشره بأنه يعلي دينه على الدين كله ويظهره عليه ويشفى صلى الله عليه وآله من اعدائه وغيظه ، وغيظ المؤمنين به ، كان بذلك وضعا عنه ثقل غمه بما كان يلحقه من قومه ، ومطيبا لنفسه ومبدلا عسره يسرا ، لانه يثق بأن وعد الله تعالى حق ما يخلف ، فامتن الله تعالى عليه بنعمة سبقت الامتنان وتقدمته. والجواب الآخر : ان يكون اللفظ وان كان ظاهره الماضي ، فالمراد به الاستقبال. ولهذا نظائر كثيرة في القرآن والاستعمال. قال الله تعالى : {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 50] وقوله تعالى : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] ، إلى غير ذلك مما شهرته تغني عن ذكره.

تنزيه سيدنا محمد عن الذنب :

(مسألة) : فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] أو ليس هذا صريحا في أن له صلى الله عليه وآله ذنوبا وان كانت مغفورة.

(الجواب) : قلنا أما من نفى عنه صلى الله عليه وآله صغائر الذنوب مضافا إلى كبائرها ، فله عن هذه الآية اجوبة نحن نذكرها ونبين صحيحها من سقيمها .

منها : انه أراد تعالى بإضافة الذنب إليه ذنب ابيه آدم عليه السلام. وحسنت هذه الاضافة لاتصال القربى ، وعفوه لذلك ، من حيث اقسم آدم على الله تعالى به ، فأبر قسمه ، فهذا المتقدم. والذنب المتأخر هو ذنب شيعته وشيعة أخيه عليه السلام. وهذا الجواب يعترضه ان صاحبه نفى عن نبي ذنبا واضافه إلى آخر. والسؤال عليه فيمن اضافه إليه كالسؤال فيمن نفاه عنه. ويمكن إذا اردنا نصرة هذا الجواب ان نجعل الذنوب كلها لامته صلى الله عليه وآله ، ويكون ذكر التقدم والتأخر انما أراد به ما تقدم زمانه وما تأخر ، كما يقول القائل مؤكدا : «قد غفرت لك ما قدمت وما أخرت وصفحت عن السالف والآنف من ذنوبك».

ولإضافة ذنوب أمته إليه وجه في الاستعمال معروف لان القائل قد يقول لمن حضره من بني تميم أو غيرهم من القبائل انتم فعلتم كذا وكذا وقلتم فلانا وان كان الحاضرون ما شهدوا ذلك ولا فعلوه وحسنت الاضافة للاتصال والتسبب ولا سبب اوكد مما بين الرسول صلى الله عليه وآله وامته فقد يجوز توسعا وتجوزا ان تضاف ذنوبهم إليه .

(ومنها) انه سمى ترك الندب ذنبا وحسن ذلك لأنه صلى الله عليه وآله ممن لا يخالف الاوامر الا هذا الضرب من الخلاف ولعظم منزلته وقدره فجاز ان يسمي بالذنب منه ما إذا وقع من غيره لم يسم ذنبا وهذا الوجه يضعفه على بعد هذه التسمية انه لا يكون معنى لقوله انني اغفر ذنبك ولا وجه في معنى الغفران يليق بالعدول عن الندب (عن الذنب).

ومنها : ان القول خرج مخرج التعظيم وحسن الخطاب كما قلناه في قوله تعالى : (عفا الله عنك لم أذنت لهم) وهذا ليس بشئ لان العادة قد جرت فيما يخرج هذا المخرج من الالفاظ أن يجري مجرى الدعاء ، مثل قولهم : غفر الله لك ، وليغفر الله لك ، وما أشبه ذلك. ولفظ الآية بخلاف هذا لان المغفره جرت فيها مجرى الجزاء والغرض في الفتح. وقد كنا ذكرنا في هذه الآية وجها اخترناه وهو أشبه بالظاهر مما تقدم ، وهو أن يكون المراد بقوله ما تقدم من ذنبك الذنوب إليك ، لان الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معا ، ألا ترى أنهم يقولون : أعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى الفاعل ، وأعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى المفعول. ومعنى المغفرة على هذا التأويل هي الازالة والفسخ والنسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه ، وذنوبهم إليه في منعهم إياه عن مكة وصدهم له عن المسجد الحرام. وهذا التأويل يطابق ظاهر الكلام حتى تكون المغفرة غرضا في الفتح ووجها له. وإلا فإذا أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله : (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) معنى معقول ، لان المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح ، إذ ليست غرضا فيه. وأما قوله تعالى : (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ، فلا يمتنع ان يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح لك ولقومك وما تأخر ، وليس لاحد ان يقول ان سورة الفتح نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله بين مكة والمدينة وقد انصرف من الحديبية. وقال قوم من المفسرين : ان الفتح اراد به فتح خيبر ، لانه كان تاليا لتلك الحال ، وقال آخرون : بل أراد به أنا قضينا لك في الحديبية قضاء حسنا. فكيف يقولون ما لم يقله أحد من أن المراد بالآية فتح مكة ، والسورة قد نزلت قبل ذلك بمدة طويلة ، وذلك ان السورة وان كانت نزلت في الوقت الذي ذكر وهو قبل فتح مكة ، فغير ممتنع ان يريد بقوله تعالى (انا فتحنا لك فتحا مبينا) فتح مكة. ويكون ذلك على طريق البشارة له والحكم بأنه سيدخل مكة وينصره الله على اهلها ، ولهذا نظائر في القرآن ، والكلام كثير. ومما يقوي أن الفتح في السورة أراد به فتح مكة قوله تعالى : {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27] فالفتح القريب ههنا هو فتح خيبر وأما حمل الفتح على القضاء الذي قضاه في الحديبية فهو خلاف الظاهر. ومقتضى الآية لان الفتح بالإطلاق الظاهر منه الظفر والنصر. ويشهد بأن المراد بالآية ما ذكرناه قوله تعالى : {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 3].

فإن قيل : ليس يعرف اضافة المصدر إلى المفعول إلا إذا كان المصدر متعديا بنفسه ، مثل قولهم : اعجبني ضرب زيد عمرا. واضافة مصدر غير متعد إلى مفعوله غير معروفة. قلنا : هذا تحكم في اللسان وعلى أهله لانهم في كتب العربية كلها اطلقوا ان المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول معا ، ولم يستثنوا متعديا من غيره ، ولو كان بينهما فرق لبينوه وفصلوه كما فعلوا في غيره وليس قلة الاستعمال معتبرة في هذا الباب لان الكلام إذا كان له أصل في العربية استعمل عليه ، وان كان قليل الاستعمال. وبعد فإن ذنبهم ههنا إليه انما هو صدهم له عن المسجد الحرام ومنعهم اياه عن دخوله ، فمعنى الذنب متعد ، وإذا كان معنى المصدر متعديا جاز أن يجري ما يتعدى بلفظه ، فإن من عادتهم ان يحملوا الكلام تارة على معناه وأخرى على لفظه ، ألا ترى إلى قول الشاعر : جئني بمثل بني بدر لقومهم * أو مثل اخوة منظور بن سيار فاعمل الكلام على المعنى دون اللفظ ، لأنه لو أعمله على اللفظ دون المعنى لقال : أو مثل : بالجر ، لكنه لما كان معنى ، جئني احضر ، أو هات قوما مثلهم. حسن ان يقول أو مثل بالفتح ، وقال الشاعر : درست وغير آيهن مع البلى * الا رواكد جمرهن هباء ومشجج اما سوار قذى له * فبدا وغيب سارة المعزاء فقال : ومشجج بالرفع اعمالا للمعنى ، لانه لما كان معنى قوله الا رواكد أنهن باقيات ثابتات عطف على ذلك المشجج بالرفع. ولو اجرى الكلام على لفظه لنصب المعطوف به أو امثله هذا المعنى كثير. وفيما ذكرناه كفاية بمشيئة الله تعالى.

تنزيه سيدنا محمد عن المعاتبة في أمر الاعمى :

(مسألة) : فإن قيل : أليس قد عاتب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله في إعراضه عن ابن ام مكتوم لما جاءه واقبل على غيره بقوله : {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس: 1 - 4] وهذا ايسر ما فيه ان يكون صغيرا.

(الجواب) : قلنا : أما ظاهر الآية فغير دال على توجهها إلى النبي صلى الله عليه وآله ولا فيها ما يدل على أنه خطاب له ، بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه. وفيها ما يدل عند التأمل على ان المعني بها غير النبي صلى الله عليه وآله لأنه وصفه بالعبوس وليس هذا من صفات النبي صلى الله عليه وآله في قرآن ولا خبر مع الاعداء المنابذين ، فضلا عن المؤمنين المسترشدين. ثم وصفه بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء ، وهذا مما لا يوصف به نبينا عليه السلام من يعرفه ، فليس هذا مشبها مع اخلاقه الواسعة وتحننه على قومه وتعطفه ، وكيف يقول له وما عليك الا يزكى وهو صلى الله عليه وآله مبعوث للدعاء والتنبيه ، وكيف لا يكون ذلك عليه. وكان هذا القول اغراء بترك الحرص على ايمان قومه. وقد قيل ان هذه السورة نزلت في رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان منه هذا الفعل المنعوت فيها ، ونحن وان شككنا في عين من نزلت فيه فلا ينبغي ان نشك إلى أنها لم يعن بها النبي ، واي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلهي عنهم والاقبال على الاغنياء الكافرين والتصدي لهم ، وقد نزه الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله عما هو دون هذا في التنفير بكثير.

تنزيه محمد (عليه السلام)عن الشرك :

(مسألة) : فإن قيل : فما معنى قوله تعالى مخاطبا لنبيه : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] وكيف يوجه هذا الخطاب إلى من لا يجوز عليه الشرك ولا شي ء من المعاصي.

(الجواب) : قد قيل في هذه الآية ان الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به أمته ، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : نزل القرآن بإياك اعني واسمعي يا جارة ومثل ذلك قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] فدل قوله تعالى فطلقوهن على ان الخطاب توجه إلى غيره. وجواب آخر : ان هذا خبر يتضمن الوعيد ، وليس يمتنع ان يتوعد الله تعالى على العموم. وعلى سبيل الخصوص من يعلم أنه لا يقع منه ما تناوله الوعيد ، لكنه لابد من ان يكون مقدورا له وجائزا بمعنى الصحة لا بمعنى الشك ، ولهذا يجعل جميع وعيد القرآن عاما لمن يقع منه ما تناوله الوعيد ، ولمن علم الله تعالى أنه لا يقع منه. وليس قوله تعالى (لئن اشركت ليحبطن عملك) على سبيل التقدير والشرط بأكثر من قوله تعالى : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] لان استحالة وجود ثان معه تعالى : إذا لم يمنع من تقدير ذلك ، وبيان حكمه كأولى ان يسوغ تقدير وقوع الشرك الذي هو مقدور لكن ، وبيان حكمه. والشيعة لها في هذه الآية جواب تنفرد به وهو أن النبي لما نص على امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بالإمامة في ابتداء الامر جاءه قوم من قريش فقالوا له : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ان الناس قريبوا عهد بالإسلام لا يرضون ان تكون النبوة فيك والامامة في ابن عمك علي بن ابي طالب. فلو عدلت به إلى غيره لكان اولى. فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله : ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه ، لكن الله تعالى أمرني به وفرضه علي. فقالوا له : فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك تعالى فأشرك معه في الخلافة رجلا من قريش تركن الناس إليه ، ليتم لك امرك ولا يخالف الناس عليك فنزلت الآية والمعنى فيها لئن اشركت مع علي في الامامة غيره ليحبطن عملك ، وعلى هذا التأويل فالسؤال قائم لأنه إذا كان قد علم الله تعالى انه صلى الله عليه وآله لا يفعل ذلك ولا يخالف امره لعصمته ، فما الوجه في الوعيد؟ فلابد من الرجوع إلى ما ذكرناه.

تنزيه سيدنا محمد (عليه السلام)عن الذنب :

(مسألة) : فإن قيل : فما وجه قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التحريم: 1] أو ليس ظاهر هذا الخطاب يتضمن العتاب؟ والعتاب لا يكون إلا على ذنب كبير أو صغير.

(الجواب) : قلنا ليس في ظاهر الآية ما يقتضي عتابا وكيف يعاتبه الله تعالى على ما ليس بذنب ، لان تحريم الرجل بعض نسائه لسبب أو لغير سبب ليس بقبيح ولا داخل في جملة الذنوب ، واكثر ما فيه انه مباح ولا يمتنع ان يكون قوله تعالى : (لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك) خرج مخرج التوجع من حيث يتحمل المشقة في ارضاء زوجاته ، وإن كان ما فعل قبيحا. ولو أن احدنا ارضى بعض نسائه بتطليق اخرى أو بتحريمها لحسن ان يقال له لم فعلت ذلك وتحملت المشقة فيه ، وان كان ما فعل قبيحا. ويمكن ايضا إذا سلمنا ان القول يقتضي ظاهره العتاب ان يكون ترك التحريم افضل من فعله ، فكأنه عدل بالتحريم عن الاولى. ويحسن ان يقال لمن عدل عن النقل لم لم تفعله. وكيف عدلت عنه ، والظاهر الذي لا شبهة فيه قد يعدل عنه لدليل ، فلو كان للآية ظاهر يقتضي العتاب لجاز أن يصرفه إلى غيره لقيام الدلالة على انه لا يفعل شيئا من الذنوب ولان القصة التي خرجت الآية عليها لا يقتضي ماله تعلق بالذنب على وجه من الوجوه.

تنزيه محمد (عليه السلام)عن مراجعة أمر ربه :

(مسألة) : فإن قيل : فما الوجه في الرواية المشهورة ان النبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج لما خوطب بفرض الصلاة راجع ربه تعالى مرة بعد أخرى حتى رجعت إلى خمس ، وفي الرواية ان موسى عليه السلام هو القائل له ان امتك لا تطيق هذا. وكيف ذهب ذلك على النبي صلى الله عليه وآله حتى نبهه موسى (عليه السلام) ؟ وكيف يجوز المراجعة منه مع علمه بأن العبادة تابعة للمصلحة؟ وكيف يجاب عن ذلك مع ان المصلحة بخلافه؟

(الجواب) : قلنا أما هذه الرواية فمن طريق الآحاد التي لا توجب علما ، وهي مع ذلك مضعفة وليس يمتنع لو كانت صحيحة ان تكون المصلحة في الابتداء يقتضي بالعبادة بالخمسين من الصلاة ، فإذا وقعت المراجعة تغيرت المصلحة واقتضت أقل من ذلك حتى ينتهي إلى هذا العدد المستقر ، ويكون النبي صلى الله عليه وآله قد اعلم بذلك ، فراجع طلبا للتخفيف عن امته والتسهيل ، ونظير ما ذكرناه في تغير المصلحة بالمراجعة وتركها أن فعل المنذور قبل النذر غير واجب ، فإذا تقدم النذر صار واجبا وداخلا في جملة العبادات المفترضات ، وكذلك تسليم المبيع غير واجب ولا داخل في جملة العبادات ، فإذا تقدم عقد البيع وجب وصار مصلحة. ونظائر ذلك في الشرعيات أكثر من أن تحصى ، فأما قول موسى له صلى الله عليه وآله ان امتك لا تطيق فراجع ، فليس ذلك تنبيها له صلى الله عليه وآله ، وليس يمتنع أن يكون النبي أراد أن يسأل مثل ذلك لو لم يقل له موسى. ويجوز أن يكون قوله قوى دواعيه في المراجعة التي كانت ابيحت له. ومن الناس من استبعد هذا الموضوع من حيث يقتضي ان يكون موسى (عليه السلام) في تلك الحال حيا كاملا ، وقد قبض منذ زمان. وهذا ليس ببعيد لان الله تعالى قد خبر أن أنبياءه عليهم السلام والصالحين من عباده في الجنان يرزقون ، فما المانع من ان يجمع الله بين نبينا صلى الله عليه وآله وبين موسى.

حول استئذان محمد (عليه السلام) لربه أن يقرأ القرآن على سبعة أحرف :

(مسألة) : فإن قيل : فما الوجه فيما روي من ان الله تعالى لما أمر نبيه ان يقرأ القرآن على حرف واحد قال له جبرئيل عليه السلام استزده يا محمد ، فسأل الله تعالى حتى اذن له ان يقرأه على سبعة احرف؟. (الجواب) : قلنا ان اللام في هذا الخبر يجري مجرى ما ذكرناه في المراجعة عند فرض الصلاة ، وليس يمتنع ان تكون المصلحة تختلف بالمراجعة والسؤال ، وإنما التمس الزيادة في الحروف للتسهيل والتخفيف. فإن في لأناس من يسهل عليه التفخيم وبعضهم لا يسهل عليه إلا الامالة. وكذلك القول في الهمز وترك الهمز. فإن كان هذا الخبر صحيحا فوجه المراجعة فيه هو طلب التخفيف ورفع المشقة.

في وجه استثناء محمد (عليه السلام) في قول العباس ما لم يكن يريد أن يستثنيه :

(مسألة) : فإن قيل : فما الوجه في اجابة النبي صلى الله عليه وآله العباس رضي الله عنه في قوله إلا الاذخر ، إلى سؤاله وامضاء استثنائه وانتم تعلمون ان التحريم والتحليل انما يتبع المصالح فكيف يستثني بقول العباس ما لم يكن يريد أن يستثنيه؟. (الجواب) : قلنا : عن هذا جوابان : أحدهما ان يكون النبي صلى الله عليه وآله أراد ان يستثني ما ذكره العباس من الاذخر لو لم يسابقه العباس إليه. وقد نجد كثيرا من الناس يبتدئ بكلام وفي نيته أن يصله بكلام مخصوص فيسابقه إلى ذلك الكلام بعض حاضريه ، فيظن انه لما وصل كلامه الاول بالثاني لاجل تذكير الحاضر له ولا يكون الامر كذلك. والجواب الثاني : أن يكون الله تعالى خير نبيه صلى الله عليه وآله في الاذخر ، فلما سأله العباس اختار أحد الامرين اللذين خير فيهما. وكل هذا غير ممتنع.

في وجه قول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله عن وضع الرب قدمه في النار :

(مسألة) : فإن قيل : فما قولكم في الخبر الذي رواه محمد بن جرير الطبري بإسناده عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله ان النار تقول هل من مزيد إذا القي فيها اهلها ، حتى يضع الرب تعالى قدمه فيها. وتقول قط قط فحينئذ تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض. وقد روي مثل ذلك عن انس بن مالك؟. (الجواب) : قلنا لا شبهة في ان كل خبر اقتضى ، ما تنفيه ادلة العقول فهو باطل مردود ، إلا ان يكون له تأويل سايغ غير متعسف ، فيجوز ان يكون صحيحا ، ومعناه مطابقا للأدلة. وقد دلت العقول ومحكم القرآن والصحيح من السنة على ان الله تعالى ليس بذي جوارح ولا يشبه شيئا من المخلوقات ، وكل خبر نافى ما ذكرناه وجب ان يكون إما مردودا أو محمولا على ما يطابق ما ذكرنا من الادلة ، وخبر القدم يقتضي ظاهره التشبيه المحض ، فكيف يكون مقبولا وقد قال قوم أنه لا يمتنع ان يريد بذكر القدم القوم الذين قدمهم لها. واخبر أنهم يدخلون إليها ممن استحقها بأعماله. فأما قول النار فهل من مزيد؟ فقد قيل معنى ذلك انها صارت بحيث لا موضع فيها للزيادة ، وبحيث لو كانت ممن تقول لقالت قد امتلات وما بقي في مزيد ، واضاف القول إليها على سبيل المجاز كما اضاف الشاعر القول إلى الحوض : امتلا الحوض فقال فطني * مهلا رويدا قد ملات بطني وقد قال ابو علي الجبائي ان القول الذي هو هل من مزيد ، من قول الخزنة. كما يقال : قالت البلدة الفلانية كذا اي قال أهلها ، وكما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وهذا ايضا غير ممتنع.

في قول محمد (عليه السلام) يعذب الميت ببكاء الحي عليه :

(مسألة) : فإن قيل : فما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : «ان الميت ليعذب ببكاء الحي عليه». وفي رواية اخرى «ان الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه». وروى المغيرة بن شعبة عنه صلى الله عليه وآله انه قال : «من نيح عليه فإنه يعذب بما يناح عليه»؟. (الجواب) : قلنا هذا الخبر منكر الظاهر لأنه يقتضي اضافة الظلم إلى الله تعالى ، وقد نزهت أدلة العقول التي لا يدخلها الاحتمال والاتساع والمجاز الله تعالى عن الظلم وكل قبيح. وقد نزه الله تعالى نفسه بمحكم القول عن ذلك فقال عز وجل : {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ولابد من ان نصرف ما ظاهره بخلاف هذه الادلة إلى ما يطابقها إن امكن ، أو نرده ونبطله. وقد روي عن ابن عباس في هذا الخبر أنه قال وهل ابن عمر : انما مر رسول الله صلى الله عليه وآله على قبر يهودي اهله يبكون عليه فقال انهم يبكون عليه وانه ليعذب. وقد روى انكار هذا الخبر عن عائشة ايضا ، وأنها قالت لما خبرت بروايته : وهل ابو عبد الرحمن كما وهل يوم قليب بدر ، انما قال (عليه السلام)ان اهل البيت الميت ليبكون عليه ، وانه ليعذب بجرمه. فهذا الخبر مردود ومطعون عليه كما ترى. ومعنى قولهما : وهل : اي ذهب وهمه إلى غير الصواب. يقال وهلت إلى الشئ أو هل وهلا : إذا ذهب وهمك إليه. ووهلت عنه أو هل وهلا : إذا نسيته وغلطت فيه. ووهل الرجل يوهل وهلا : إذا فزع. والوهل : الفزع. وموضع وهله في ذكر القليب أنه روي أن النبي صلى الله عليه وآله وقف على قليب بدر فقال : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا. ثم قال : إنهم ليسمعون ما أقول. فأنكر ذلك عليه ، وقيل انما قال عليه السلام : أنهم الآن ليعلمون ان الذي كنت اقول لهم هو الحق. واستشهد بقوله تعالى : {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] ، ويمكن في الخبر إن كان صحيحا وجوه من التأويل :

اولها : انه إن وصى موص بأن يناح عليه ففعل ذلك بأمره ، فإنه يعذب بالنياحة. وليس معنى يعذب بها أنه يؤاخذ بفعل النواح ، وانما معناه أنه يؤاخذ بأمره بها ووصيته بفعلها ، وانما قال صلى الله عليه وآله ذلك لان الجاهلية كانوا يرون البكاء عليهم والنوح ويأمرون به ويؤكدون الوصية بفعله ، وهذا مشهور عنهم. قال طرفة بن العبد :

فان مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي عليه الجيب يا ابنة معبد

وقال بشر بن ابي حازم :

فمن يك سائلا عن بيت بشر * فان له بجنب الردم بابا

ثوى في ملحد لابد منه * كفى بالموت نابا واغترابا

رهين بلى وكل فتى سيبلى * فاذري الدمع وانتحبي انتحابا

وثانيها : ان العرب كانوا يبكون موتاهم ويذكرون غاراتهم وقتل اعدائهم ، وما كانوا يسلبونه من الاموال ويرونه من الاحوال ، فيعدون ما هو معاص في الحقيقة بعذاب الميت بها وإن كانوا يجعلون ذلك من مفاخره ومناقبه ، فذكر انكم تبكونهم بما يعذبون به.

وثالثها : ان يكون المعنى ان الله تعالى إذا علم الميت ببكاء أهله واعزته عليه تألم لذلك ، فكان عذابا له. والعذاب ليس بجار مجرى العقاب الذي لا يكون إلا على ذنب متقدم ، بل قد يستعمل كثيرا بمعنى الالم والضرر. ألا ترى ان القائل قد يقول لمن ابتدأه بضرر أو ألم : قد عذبتني بكذا وكذا وآذيتني ، كما يقول اضررت بي وآلمتني. وإنما لم يستعمل العقاب حقيقة في الآلام المبتدئة ، من حيث كان اشتقاق لفظة العقاب من المعاقبة التي لابد من تقدم سبب لها وليس هذا في العذاب.

ورابعها : ان يكون أراد بالميت من حضره الموت ودنا منه. فقد يسمى بذلك القوة المقاربة على سبيل المجاز. فكأنه صلى الله عليه وآله اراد أن من حضره الموت يتأذى ببكاء اهله عنده ، ويضعف نفسه ، فيكون ذلك كالعذاب له. وكل هذا بين بحمد الله ومنه.

في قول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله إن قلوب بني آدم كلها بين اصبعين :

(مسألة) : فإن قيل : فما معنى الخبر المروي عن عبدالله بن عمر أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : إن قلوب بني آدم كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء. ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذلك : اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك. والخبر الذي يرويه أنس قال رسول الله : ما من قلب آدمي إلا وهو بين اصبعين من اصابع الله تعالى ، فإذا شاء ان يثبته ثبته واذ شاء ان يقلبه قلبه؟.

(الجواب) : قلنا ان لمن تكلم في تأويل هذه الاخبار ولم يدفعها لمنافاتها لادلة العقول ان يقول ان الاصبع في كلام العرب وان كانت هي الجارحة المخصوصه ، فهي أيضا الاثر الحسن. يقال لفلان على ماله وابله اصبع حسنة. اي قيام واثر حسن. قال الراعي واسمه عبيد الله بن الحصين ويكنى بأبي جندل ، يصف راعيا حسن القيام على ابله :

ضعيف العصى بادي العروق ترى له * عليها إذا ما اجدب الناس اصبعا

وقال لبيد :

من يبسط الله عليه اصبعا * بالخير والشر بأي أولعا يملا له منه ذنوبا مترعا وقال الآخر :

أكرم نزارا واسقه المشعشا * فإن فيه خصلات اربعا مجدا وجودا ويدا واصبعا

فإن الاصبع في كل ما أوردناه المراد به الاثر الحسن والنعمة ، فيكون المعنى ما من آدمي الا وقلبه بين نعمتين لله تعالى جليلتين.

فإن قيل : فما معنى تثنية النعمتين ونعم الله تعالى على عباده لا تحصى كثرة.

قلنا : يحتمل ان يكون الوجه في ذلك نعم الدنيا ونعم الآخرة ، وثناهما لانهما كالجنسين أو النوعين. وان كان كل قبيل منهما في نفسه ذا عدد كثير. ويمكن ان يكون الوجه في تسميتهم الاثر الحسن بالاصبع هو من حيث يشار إليه بالاصبع اعجابا وتنبيها عليه ، وهذه عادتهم في تسمية الشئ بما يقع عنده وبما له به علقة وقد قال قوم ان الراعي اراد ان يقول يدا في موضع اصبع ، لان اليد النعمة ، فلم يمكنه. فعدل عن اليد إلى الاصبع لانها من اليد. وفي هذه الاخبار وجه آخر وهو أوضح من الوجه الاول واشبه بمذهب العرب وتصرف ملاحن كلامها ، وهو ان يكون الغرض في ذكر الاصابع الاخبار عن تيسير تصريف القلوب وتقليبها والفعل فيها عليه عز وجل ، ودخول ذلك تحت قدرته ، ألا ترى أنهم يقولون هذا الشئ في خنصري واصبعي وفي يدي وقبضتي.

كل ذلك إذا أرادوا وصفه بالتيسير والتسهيل وارتفاع المشقة فيه والمؤونة وعلى هذا المعنى يتأول المحققون قوله تعالى : {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] فكأنه صلى الله عليه وآله لما اراد المبالغة في وصفه بالقدرة على تقليب القلوب وتصريفها بغير مشقة ولا كلفة ، قال إنها بين اصابعه كناية عن هذا المعنى واختصارا للفظ الطويل يه. وقد ذكر قوم في معنى الاصابع على أنها المخلوقات من اللحم والدم استظهارا في الحجة على المخالف وجها آخر ، وهو أنه لا ينكر أن يكون القلب يشتمل عليه جسمان على شكل الاصبعين ، يحركه الله بهما ويقلبه بالفعل فيهما. ويكون وجه تسميتهما.

بالأصبعين من حيث كانا على شكلهما.

والوجه في اضافتهما إلى الله تعالى. وان كانت جميع افعاله تضاف إليه بمعنى الملك والقدرة ، لأنه لا يقدر على الفعل فيهما وتحريكهما منفردين عما جاوزهما غيره تعالى ، وقيل إنهما اصبعان له من حيث اختص بالفعل فيهما على هذا الوجه. وهذا التأويل وان كان دون ما تقدمه فالكلام يحتمله ، ولابد من ذكر القوي والضعيف إذا كان في الكلام له ادنى احتمال.

في قول سيدنا محمد إن الله خلق آدم على صورته :

(مسألة) : فإن قيل فما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : «ان الله خلق آدم على صورته» ، أو ليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه وان له تعالى عن ذلك صورة.

(الجواب) : قلنا قد قيل في تأويل هذا الخبر أن الهاء في قوله في صورته ، إذا صح هذا الخبر راجعة إلى آدم (عليه السلام)دون الله ، فكان المعنى انه تعالى خلقه على الصورة التي قبض عليها ، وأن حاله لم يتغير في الصورة بزيادة ولا نقصان كما تتغير احوال البشر.

وذكر وجه ثان : وهو ان تكون الهاء راجعة إلى الله تعالى ، ويكون المعنى انه خلقه على الصورة التي اختارها واجتباها ، لان الشئ قد يضاف على هذا الوجه إلى مختاره ومصطفيه.

وذكر ايضا وجه ثالث : وهو ان هذا الكلام خرج على سبب معروف لان الزهري روي عن الحسن أنه كان يقول : مر رسول الله صلى الله عليه وآله برجل من الانصار وهو يضرب وجه غلام له ويقول قبح الله وجهك ووجه من تشبهه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله بئس ما قلت ، فإن الله خلق آدم على صورة المضروب.

ويمكن في هذا الخبر وجه رابع : وهو ان يكون المراد ان الله تعالى خلق صورته لينتفي بذلك الشك في أن تأليفه من فعل غيره ، لان التأليف من جنس مقدور البشر ، والجواهر وما شكلها من الاجناس المخصوصة من الاعراض التي ينفرد القديم تعالى بالقدرة عليها. فيمكن قبل النظر ان يكون الجواهر من فعله ، وتأليفها من فعل غيره. ألا ترى انا نرجع في العلم من أن تأليف السماء من فعله تعالى إلى السمع ، لأنه لا دلالة في العقل على ذلك. لما نرجع في أن تأليف الانسان من فعله تعالى في الموضوع الذي يستدل به على أنه عالم من حيف ظهر منه الفعل المحكم ، إلى ان يجعل الكلام في اول انسان خلقه ، لأنه لا يمكن ان يكون مؤلفه سواه إذا كان هو أول الاحياء من المخلوقات. فكأنه عليه السلام اخبر بهذه الفائدة الجليلة وهو أن جواهر آدم عليه السلام وتأليفه من فعل الله تعالى.

ويمكن وجه خامس : وهو ان يكون المعنى ان الله تعالى انشأه على هذه الصورة التي شوهد عليها على سبيل الابتداء ، وأنه لم ينتقل إليها ويتدرج كما جرت العادة في البشر وكل هذه الوجوه جائزة في معنى الخبر والله تعالى ورسوله أعلم بالمراد.

في قول سيدنا محمد : سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر :

(مسألة) : فإن قيل : فما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» وهذا خبر مشهور لا يمكن تضعيفه ونسبته إلى الشذوذ؟. (الجواب) : قلنا : أما هذا الخبر فمطعون عليه مقدوح في راويه ، فإن راويه قيس بن ابي حازم ، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره مع استمراره على رواية الاخبار. وهذا قدح لا شبهة فيه لان كل خبر مروي عنه لا يعلم تاريخه يجب ان يكون مردودا ، لانه لا يؤمن ان يكون مما سمع منه في حال الاختلال. وهذه طريقة في قبول الاخبار وردها ينبغي ان يكون أصلا ومعتبرا فيمن علم منه الخروج ولم يعلم تاريخ ما نقل عنه. على أن قيسا لو سلم من هذا القدح كان مطعونا فيه من وجه آخر ، وهو أن قيس بن ابي حازم كان مشهورا بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين صلاة الله وسلامه عليه والانحراف عنه ، وهو الذي قال : رأيت علي بن أبي طالب (عليهما السلام)على منبر الكوفة يقول : انفروا إلى بقية الاحزاب ، فأبغضته حتى اليوم في قلبي. إلى غير ذلك من تصريحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لا شك في عدالته. على ان للخبر وجها صحيحا يجوز ان يكون محمولا عليه إذا صح ، لان الرؤية قد تكون بمعنى العلم ، وهذا ظاهر في اللغة ويدل عليه قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر: 6] ، وقوله : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] وقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} [يس: 77] ، وقال الشاعر : رأيت الله إذ سمى نزارا * واسكنهم بمكة قاطنينا فيجوز ان يكون معنى الخبر على هذا «انكم تعلمون ربكم علما ضروريا كما تعلمون القمر ليلة البدر من غير مشقة ولا كد» نظر. وليس لاحد ان يقول ان الرؤية إذا كانت بمعنى العلم تعدت إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على احدهما على مذهب أهل اللسان ، والرؤية بالبصر تتعدى إلى مفعول واحد ، فيجب ان يحمل الخبر مع فقد المفعول الثاني على الرؤية بالبصر ، وذلك أن العلم عند أهل اللغة على ضربين : علم يقين ومعرفة. والضرب الآخر يكون بمعنى الظن والحسبان. والذي هو بمعنى البصر لا يتعدى إلى اكثر من مفعول واحد. ولهذا يقولون علمت زيدا بمعنى عرفته وتيقنته ، ولا يأتون بمفعول ثان وإذا كان بمعنى الظن احتاج إلى المفعول الثاني ، وقد قيل ليس يمتنع ان يكون المفعول الثاني في الخبر محذوفا يدل الكلام عليه ، وإن لم يكن مصرحا به. فان قيل : يجب على تأويلكم هذا ان يساوى أهل النار اهل الجنة في هذا الحكم الذي هو المعرقة الضرورية بالله تعالى ، لان معارف جميع أهل الآخرة عندكم لا تكون الا اضطرارا.

فإذا ثبت ان الخبر بشارة للمؤمنين دون الكافرين بطل تأويلكم. قلنا : البشارة في هذا الخبر تخص المؤمنين على الحقيقة ، لان الخبر بزوال اليسير من الاذى لمن نعيمه خالص صاف يعد بشارة. ومثل ذلك لا يعد بشارة لمن هو في غاية المكروه ونهاية الالم والعذاب وأيضا فإن علم أهل الجنة بالله ضرورة يزيد في نعيمهم وسرورهم لانهم يعلمون بذلك انه تعالى يقصد بما يفعله لهم من النعيم التعظيم والتبجيل ، وأنه يديم ذلك ولا يقطعه. وأهل النار إذا علموه تعالى ضرورة علموا قصده إلى اهانتهم والاستخفاف بهم وادامة مكرهم وعذابهم. فاختلف العلمان في باب البشارة وان اتفقا في انهما ضروريان :

في حديث نفي الملل عن الله تعالى :

(مسألة) : فان قيل فما معنى الخبر الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال «ان احب الاعمال إلى الله تعالى ادومها وان قل فعليكم من الاعمال بما تطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا».

(الجواب) : قلنا في تأويل هذا الخبر وجوه كل واحد منها يخرج كلامه صلى الله عليه وآله من حيز الشبهة : (اولها) انه اراد نفي الملل عنه تعالى ، وأنه لا يمل ابدا ، فعلقه بما لا يقع على سبيل التبعيد كما قال عز وجل {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] وكما قال الشاعر :

فانك سوف تحكم أو تباهي * إذا ما شبت أو شاب الغراب

اراد انك لا تحكم ابدا.

فان قيل ومن اين لكم ان الذي علقه به لا يقع ، حتى حكمتم بأنه اراد نفي الملل على سبيل التأبيد. قلنا : معلوم ان الملل لا يشمل البشر في جميع امورهم واطوارهم ، وأنهم لا يعرفون من حرص ورغبة وامل وطمع ، فلهذا جاز ان يعلق ما علم الله تعالى انه لا يكون تمللهم. والوجه الثاني : أن يكون المعنى انه تعالى لا يغضب عليكم فيطرحكم ويخليكم من فضله واحسانه حتى تتركوا العمل له وتعرضوا عن سؤاله والرغبة في حاجاتكم إلى جوده. فسمى الفعلين مللا وان لم يكونا على الحقيقة كذلك على مذهب العرب في تسميتها الشئ باسم غيره إذا وافق معناه من بعض الوجوه ، قال عدي بن زيد العبادي : ثم اضحوا لعب الدهر بهم * وكذاك الدهر يودى بالرجال وقال عبيد بن الابرص الاسدي : سائل بنا حجر بن ام قطام إذ * ظلت به السمر الذوابل تلعب فنسب اللعب إلى الدهر والقنا تشبيها. وقال ذو الرمة :

وابيض موشى القميص نصبته * على خصر مقلاة سفيه جديلها

فسمى اضطراب زمامها سفها ، لان السفه في الاصل هو الطيش وسرعة الاضطراب والحركة ، وانما وصف ناقته بالذكاء والنشاط.

والوجه الثالث : ان يكون المعنى انه تعالى لا يقطع عنكم خيره ونائله حتى تملوا من سؤاله ، ففعلهم ملل على الحقيقة ، وسمي فعله تعالى مللا وليس على الحقيقة. وكذلك للازدواج والتشاكل في الصورة ، وان كان المعنى مختلفا. ومثله قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40].

ومثله قول الشاعر :

الا لا يجهلن احد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وانما اراد المجازاة على الجهل ، لان العاقل لا يفخر بالجهل ولا يتمدح به. واعلم ان لهذه الاخبار والمضافة إلى النبي صلى الله عليه وآله مما يقتضي ظاهرها تشبيها لله تعالى بخلقه أو جورا له في حكمه أو ابطالا لأصل عقلي ، نظائر كثيرة ، وان كانت لا تجري في الشهرة مجرى ما ذكرناه ، ومتى تقصينا الكلام على جميع ذلك طال الكتاب جدا وخرج عن الغرض المقصود به ، لا بأشرطنا ان لا نتكلم ولا نتأول فيما يضاف إلى الانبياء عليهم السلام من المعاصي إلا على آية من الكتاب ، أو خبر معلوم أو مشهور يجري في شهرته مجرى المعلوم وفيما ذكرناه بلاغ وكفاية.

نحن نبتدئ بالكلام على ما يضاف إلى الائمة عليهم السلام مما ظن ظانون انه قبيح ونرتب ذلك كما رتبناه في الانبياء عليهم السلام ، ومن الله نستمد حسن المعونة والتوفيق.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.