لو كان عليا وصيا لحارب على حقه حتى وإن لم يظفر كما فعل في الجمل وصفين |
907
09:51 صباحاً
التاريخ: 3-12-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2017
732
التاريخ: 17-11-2016
871
التاريخ: 12-4-2017
692
التاريخ: 15-11-2016
1097
|
[نص الشبهة] : إذا كان من مذهبكم يا معشر القائلين بالنص ان النبي نص على علي بن ابي طالب بالخلافة بعده ، وفوض إليه امر أمته ، فما باله لم ينازع المتآمرين بعد النبي في الامر الذي وكل إليه وعول في تدبيره عليه أوليس هذا منه اغفالا لواجب لا يسوغ اغفاله .
فإن قلتم انه لم يتمكن من ذلك فهلا اعذر وأبلى واجتهد ، فإنه إذا لم يصل إلى مراده بعد الاعذار والاجتهاد كان معذورا.
أوليس هو عليه السلام الذي حارب اهل البصرة وفيهم زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وطلحة والزبير ، ومكانهما من الصحبة والاختصاص والتقدم مكانهما ، ولم يحشمه ظواهر هذه الاحوال من كشف القناع في حربهم حتى اتى على نفوس اكثر أهل العسكر ، وهو المحارب لأهل صفين مرة بعد أخرى مع تخاذل اصحابه وتواكل أنصاره ، وانه كان في اكثر مقاماته تلك وموقفه لا يغلب في ظنه الظفر ولا يرجو لضعف من معه النصر.
وكان مع ذلك كله مصمما ماضيا قدما لا تأخذه في الله لومة لائم ، وقد وهب نفسه وماله وولده لخالقه تعالى ، ورضي بأن يكون دون الحق اما جريحا أو قتيلا ، فكيف لم يظهر منه بعض هذه الامور مع من تقدم والحال عندكم واحدة ، بل لو قلنا انها كانت اغلظ وافحش لأصبنا لأنها كانت مفتاح الشر وأس الخلاف وسبب التبديل والتغيير.
وبعد ، فكيف لم يقنع بالكف عن التفكير والعدول عن المكاشفة والمجاهرة حتى بايع القوم وحضر مجالسهم ، ودخل في آرائهم وصلى مقتديا بهم ، وأخذ عطيتهم ونكح من سبيهم وانكحهم ، ودخل في الشورى التي هي عندكم مبنية على غير تقوى ، فإن كان لكم جوابا عن جميع ذلك فاذكروه .
[جواب الشبهة] : قد استقصينا [الجواب] في كتابنا المعروف بالشافي في الامامة ، وبسطنا القول فيه في هذه الابواب ونظائرها بسطا يزيل الشبهة ويوضح الحجة ، لكنا لا نخلي هذا الكتاب من حيث تعلق غرضه بهذه المواضع من اشارة إلى طريقة الكلام فيها.
فنقول : قد بينا في صدر هذا الكتاب ان الائمة عليهم السلام معصومون من كبائر الذنوب وصغائرها ، واعتمدنا في ذلك على دليل عقلي لا يدخله احتمال ولا تأويل بشئ ، فمتى ورد عن احدهم عليهم السلام فعل له ظاهر الذنب ، وجب ان نصرفه عن ظاهره ونحمله على ما يطابق موجب الدليل العقلي فيهم ، كما فعلنا مثل ذلك في متشابه القرآن المقتضي ظاهره ما لا يجوز على الله تعالى ، وما لا يجوز على نبي من انبيائه عليهم السلام. فإذا ثبت ان أمير المؤمنين عليه السلام إمام فقد ثبت بالدليل العقلي أنه معصوم عن الخطأ والزلل ، فلابد من حمل جميع افعاله على جهات الحسن ونفي القبيح عن كل واحد منها.
وما كان له منها ظاهر يقتضي الذنب علمنا في الجملة انه على غير ظاهره ، فإن عرفنا وجهه على التفصيل ذكرناه ، وإلا كفانا في تكليفنا ان نعلم ان الظاهر معدول عنه ، وأنه لابد من وجه فيه يطابق ما تقتضيه الادلة. وهذه الجملة كافية في جميع المشتبهة من افعال الائمة عليهم السلام واقوالهم ، ونحن نزيد عليها فنقول : ان الله تعالى لم يكلف انكار المنكر سواء اختص بالمنكر أو تعداه إلى غيره الا بشروط معروفة ، اقواها التمكن.
وان لا يغلب في ظن المنكر ان إنكاره يؤدي إلى وقوع ضرر به لا يحتمل مثله ، وأن لا يخاف في انكاره من وقوع ما هو افحش منه واقبح من المنكر. وهذه شروط قد دلت الادلة عليها ووافقنا المخالفون لنا في الامامة فيها وإذا كان ما ذكرناه مراعي في وجوب انكار المنكر ، فمن اين أن أمير المؤمنين عليه السلام كان متمكنا من المنازعة في حقه والمجادلة ، وما المنكر من ان يكون عليه السلام خائفا متى نازع وحارب من ضرر عظيم يلحقه في نفسه وولده وشيعته ، ثم ما المنكر من ان يكون خاف من الانكار من ارتداد القوم عن الدين وخروجهم عن الاسلام ونبذهم شعار الشريعة ، فرأى ان الاغضاء اصلح في الدين من حيث كان يجر الانكار ضررا فيه لا يتلافى.
فان قيل : فما يمنع من ان يكون انكار المنكر مشروطا بما ذكرتم ، إلا انه لابد لارتفاع التمكن وخوف الضرر عن الدين والنفس من امارات لايحة ظاهرة يعرفها كل احد ، ولم يكن هناك شئ من امارات الخوف وعلامات وقوع الفساد في الدين. وعلى هذا فليس تنفعكم الجملة التي ذكرتموها لان التفصيل لا يطابقها.
قلنا : أول ما نقوله ان الامارات التي يغلب معها الظن بأن انكار المنكر يؤدي إلى الضرر ، انما يعرفها من شهد الحال وحضرها واثرت في ظنه ، وليست مما يجب ان يعلمها الغائبون عن تلك المشاهدة. ومن اتى بعد ذلك الحال بالسنين المتطاولة.
وليس من حيث لم تظهر لنا تلك الامارات ولم نحط بها علما ، يجب القطع على من شهد تلك الحال لم تكن له ظاهرة ، فإنا نعلم ان للمشاهد وحضوره مزية في هذا الباب لا يمكن دفعها ، والعادات تقتضي بأن الحال على ما ذكرناه.
فإنا نجد كثيرا ممن يحضر مجالس الظلمة من الملوك يمتنع من انكار بعض ما يجري بحضرتهم من المناكير ، وربما أنكر ما يجري مجراه في الظاهر ، فإذا سئل عن سبب اغضائه وكفه ذكر أنه خاف لأمارة ظهرت له ، ولا يلزمه ان تكون تلك الامارة ظاهرة لكل أحد ، حتى يطالب بأن يشاركه في الظن والخوف كل من عرفه.
بل ربما كان معه في ذلك المقام من لا يغلب على ظنه مثل ما غلب على ظنه من حيث اختص بالأمارة دونه. ثم قد ذكرنا في كتابنا في الامامة من أسباب الخوف وامارات الضرر التي تناصرت بها الروايات ، ووردت من الجهات المختلفة ما فيه مقنع للمتأمل ، وانه (عليه السلام) غولط في الامر وسوبق إليه وانتهزت غرته ، واغتنمت الحال التي كان فيها متشاغلا بتجهيز النبي صلى الله وآله عليه ، وسعى القوم إلى سقيفة بني ساعدة ، وجرى لهم فيها مع الانصار ما جرى ، وتم لهم عليهم كما اتفق من بشير بن سعد ما تم وظهر ، وانما توجه لهم من قهرهم الانصار ما توجه ان الاجماع قد انعقد على البيعة ، وأن الرضا وقع من جميع الامة وروسل امير المؤمنين عليه السلام. ومن تأخر معه من بني هاشم وغيرهم مراسلة من يلزمهم بيعة قد تمت ووجبت لا خيار فيها لاحد ، ولا رأي في التوقف عنها لذي رأي ثم تهددوه على التأخر ، فتارة يقال له لا تقم مقام من يظن فيه الحسد لابن عمه ، إلى ما شاكل ذلك من الاقوال والافعال التي تقتضي التكفل والتثبت ، وتدل على التصميم والتتميم. وهذه امارات بل دلالات تدل على ان الضرر في مخالفة القوم شديد. وبعد ، فان الذي نذهب إليه من سبب التقية والخوف مما لابد منه ، إذا فرضوا ان مذهبنا في النص صحيح ، لأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وآله قد نص على امير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة في مقام بعد مقام وبكلام لا يحتمل التأويل ، ثم رأى المنصوص عليه اكثر الامة بعد الوفاة بلا فصل ، اقبلوا يتنازعون الامر تنازع من لم يعهد إليه بشئ فيه ، ولا يسمع على الامامة نصا لان المهاجرين قالوا نحن احق بالأمر ، لان الرسول صلى الله عليه وآله منا ولكيت وكيت. وقال الانصار نحن آويناه ونصرناه فمنا امير ومنكم أمير. هذا ، والنص لا يذكر فيما بينهم. ومعلوم ان الزمان لم يبعد فيتناسوه ومثله لا يتناسى ، فلم يبق إلا أنه عملوا على التصميم ووطنوا نفوسهم على التجليح ، وأنهم لم يستيجزوا الاقدام على خلاف الرسول صلى الله عليه وآله في اجل اوامره واوثق عهوده ، والتظاهر بالعدول عما اكده وعقده ، إلا لداع قوي وامر عظيم يخاف فيه من عظيم الضرر ، ويتوقع منه شديد الفتنة. فأي طمع يبقى في نزوعهم بوعظ وتذكير؟ وكيف يطمع في قبول وعظه والرجوع إلى تبصيره وارشاده من رآهم لم يتعظوا بوعظ يخرجهم من الضلالة وينقذهم من الجهالة؟ وكيف لا يتهمهم على نفسه ودينه من رأى فعلهم بسيدهم وسيد الناس أجمعين فيما عهده وأراده وقصده؟ وهل يتمكن عاقل بعد هذا ان يقول اي امارة للخوف ظهرت؟ اللهم الا ان يقولوا ان القوم ما خالفوا نصا ولا نبذوا عهدا ، وإن كل ذلك تقول منكم عليهم لا حجة فيه ، ودعوى لا برهان عليها ، فتسقط حينئذ المسألة من اصلها ، ويصير تقديرها إذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) غير منصوص عليه بالإمامة ولا مغلوب على الخلافة ، فكيف لم يطالب بها ولم ينازع فيها؟ ومعلوم انه لا مسألة في ان من لم يطالب بما ليس له ، ولم يجعل إليه ، وإنما المسألة في ان لم يطالب بما جعل إليه. وإذا فرضنا ان ذلك إليه ، جاء منه كل الذي ذكرناه. ثم يقال لهم إذا سلمتم ان وجوب انكار المنكر مشروط بما ذكرناه من الشروط ، فلم انكرتم ان يكون امير المؤمنين عليه السلام انما أحجم عن المجاهدة بالإنكار ، لان شروط انكار المنكر لم تتكامل ، إما لأنه كان خائفا على نفسه أو على من يجري مجرى نفسه ، أو مشفقا من وقوع ضرر في الدين هو اعظم مما انكره. وما المانع من ان يكون الامر جرى على ذلك؟. فان قالوا أن امارات الخوف لم تظهر. قلنا : وأي امارة للخوف هي اقوى من الاقدام على خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله في اوثق عهوده واقوى عقوده ، والاستبداد بأمر لاحظ لهم فيه. وهذه الحال تخرج من ان يكون امارة في ارتفاع الحشمة من القبيح إلى ان يكون دلالة ، وإنما يسوغ أن يقال لا امارة هناك تقتضي الخوف وتدعو إلى سوء الظن إذا فرضنا ان القوم كانوا على أحوال السلامة متضافرين متناصرين متمسكين بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله ، جارين على سنته وطريقته. فلا يكون لسوء الظن عليهم مجال ولا لخوف من جهتهم طريق. فأما إذا فرضنا انهم دفعوا النص الظاهر وخالفوه وعملوا بخلاف مقتضاه ، فالأمر حينئذ منعكس منقلب وحسن الظن لا وجه له ، وسوء الظن هو الواجب اللازم. فلا ينبغي للمخالفين لنا في هذه المسألة ان يجمعوا بين المتضادات ، ويفرضوا ان القوم دفعوا النص وخالفوا موجبه ، وهم مع ذلك على أحوال السلامة المعهودة منهم التي تقتضي من الظنون بهم أحسنها وأجملها على أنا لا نسلم انه (عليه السلام) لم يقع منه إنكار على وجه من الوجوه ، فإن الرواية متظافرة بأنه عليه السلام لم يزل يتظلم ويتألم ويشكو أنه مظلوم ومقهور في مقام بعد مقام وخطاب بعد خطاب. وقد ذكرنا تفصيل هذه الجملة في كتابنا الشافي في الامامة واوردنا طرفا مما روي في هذا الباب ، وبينا ان كلامه (عليه السلام) في هذا المعنى يترتب في الاحوال بحسب ترتبها في الشدة واللين ، فكان المسموع من كلامه عليه السلام في أيام أبي بكر لا سيما في صدرها ، وعند ابتداء البيعة له ما لم يكن مسموعا في أيام عمر ، ثم صرح عليه السلام وبين وقوى تعريضه في أيام عثمان ، ثم انتهت الحال في أيام تسليم الامر إليه إلى انه (عليه السلام) ما كان يخطب خطبة ولا يقف موقفا الا ويتكلم فيه بالألفاظ المختلفة والوجوه المتباينة ، حتى اشترك في معرفة ما في نفسه الولي والعدو والقريب والبعيد. وفي بعض ما كان (عليه السلام) بيديه ويعيده اعذار وافراغ للوسع ، وقيام بما يجب على مثله ممن قل تمكنه وضعف ناصره. فأما محاربة أهل البصرة ، ثم أهل صفين ، فلا يجري مجرى التظاهر بالإنكار على المتقدمين عليه (عليه السلام) ، لأنه وجد على هؤلاء اعوانا وانصارا يكثر عددهم ويرجي النصر والظفر بمثلهم ، لان الشبهة في فعلهم وبغيهم كانت زايلة عن جميع الاماثل وذوي البصائر ، ولم يشتبه امرهم إلا على اغنام وطغام ولا إعتبار بهم ولا فكر في نصرة مثلهم. فتعين الغرض في قتالهم ومجاهدتهم للأسباب التي ذكرناها. وليس هذا ولا شئ منه موجودا فيمن تقدم ، بل الامر فيه بالعكس مما ذكرناه لان الجمهور والعدد الجم الكثير ، كانوا على موالاتهم وتعظيمهم وتفضيلهم وتصويبهم في اقوالهم وافعالهم.
فبعض للشبهة وبعض للانحراف عن أمير المؤمنين عليه السلام والحبة لخروج الامر عنه ، وبعض لطلب الدنيا وحطامها ونيل الرياسات فيها. فمن جمع بين الحالتين وسوى بين الوقتين كمن جمع بين المتضادين.
وكيف يقال هذا ويطلب منه (عليه السلام) من الانكار على من تقدم مثل ما وقع منه (عليه السلام) متأخرا في صفين والجمل ، وكل من حارب معه (عليه السلام) في هذه الحروب ، إلا القليل كانوا قائلين بإمامه المتقدمين عليه (عليه السلام) ومنهم من يعتقد تفضيلهم على سائر الامة ، فكيف يستنصر ويتقوى في اظهار الانكار على من تقدم بقوم هذه صفتهم ، واين الانكار على معاوية وطلحة وفلان وفلان من الانكار على ابي بكر وعمر وعثمان لولا الغفلة والعصبية ، ولو انه (عليه السلام) يرجو في حرب الجمل وصفين وسائر حروبه ظفرا ، وخاف من ضرر في الدين عظيم هو اعظم مما ينكره ، لما كان إلا ممسكا ومحجما كسنته فيمن تقدم.
فأما البيعة فإن اريد بها الرضا والتسليم ، فلم يبايع امير المؤمنين عليه السلام القوم بهذا التفسير على وجه من الوجوه. ومن ادعى ذلك كانت عليه الدلالة ، فإنه لا يجدها. وان اريد بالبيعة الصفقة واظهار الرضا ، فذلك مما وقع منه (عليه السلام) ، لكن بعد مطل شديد وتقاعد طويل علمهما الخاص والعام. وانما دعاه إلى الصفقة واظهار التسليم ما ذكرناه من الامور التي بعضها يدعو إلى مثل ذلك.
واما حضور مجالسهم فما كان عليه الصلاة والسلام ممن يتعمدها ويقصدها ، وانما كان يكثر الجلوس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فيقع الاجتماع مع القوم هنا ، وذلك ليس بمجلس لهم مخصوص. وبعد ، فلو تعمد حضور مجالسهم لينهى عن بعض ما يجري فيها من منكر فإن القوم قد كانوا يرجعون إليه في كثير من الامور ، لجاز ولكان للحضور وجه صحيح له بالدين علقه قوية. فأما الدخول في آرائهم ، فلم يكن عليه السلام ممن يدخل فيها إلا مرشدا لهم ومنبها على بعض ما شذ عنهم ، والدخول بهذا الشرط واجب.
أما الصلاة خلفهم فقد علمنا ان الصلاة على ضربين : صلاة مقتد مؤتم بامامه على الحقيقة ، وصلاة مظهر للاقتداء والائتمام وان كان لا ينويها فإن ادعي على امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام انه صلى ناويا للاقتداء ، فيجب ان يدلوا على ذلك ، فإنا لا نسلمه ولا هو الظاهر الذي لا يمكن النزاع فيه. وان ادعوا صلاة مظهر للاقتداء فذلك مسلم لهم ، لانه الظاهر. إلا انه غير نافع فيما يقصدونه ، ولا يدل على خلاف ما يذهب إليه في امره (عليه السلام) ، فلم يبق إلا ان يقال فما العلة في اظهار الاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به؟ فالعلة في ذلك غلبة القوم على الامر وتمكنهم من الحل والعقد ، لان الامتناع من اظهار الاقتداء بهم مجاهرة ومنابذة ، وقد قلنا فيما يؤدي ذلك إليه في ما فيه كفاية .
فأما أخذه الاعطية فما اخذ عليه السلام إلا حقه ولا سأل على من اخذ ما يستحقه ، اللهم الا ان يقال ان ذلك المال لم يكن وديعة له (عليه السلام) في أيديهم ولا دينا في ذممهم ، فيتعين حقه ويأخذه كيف شاء وأنى شاء. لكن ذلك المال انما يكون حقا له إذا كان الجابي لذلك المال والمستفيد له ممن قد سوغت الشريعة جبايته وغنيمته ، ان كان من غنيمة. والغاصب ليس له ان يغنم ولا ان يتصرف التصرف المخصوص الذي يفيد المال. عن ذلك انا نقول : ان تصرف الغاصب لأمر الامة إذا كان عن قهر وغاية ، وسوغت الحال للامة الامساك عن النكير خوفا وتقية يجري في الشرع مجرى تصرف المحق في باب جواز اخذ الاموال التي تفئ على يده ، ونكاح السبي وما شاكل ذلك. وان كان هو لذلك الفعل موزورا معاقبا ، وهذا بعينه عليه نص عن ائمتنا عليهم السلام لما سئلوا عن النكاح في دول الظالمين والتصرف المخصوص .
فأما ما ذكر من نكاح السبي فقد قلنا في هذا الباب ما فيه كفاية لو اقتصرنا عليه لكنا نزيد في الامر وضوحا ، بأن نقول ليس المشار بذلك فيه الا إلى الحنفية ام محمد رضي الله عنه ، وقد ذكرنا في كتابنا المعروف بالشافي انه عليه السلام لم يستبحها بالسبي بل نكحها ومهرها ، وقد وردت الرواية من طريق العامة فضلا عن طريق الخاصة بهذا بعينه فان البلاذري روى في كتابه المعروف بتاريخ الاشراف ، عن علي بن المغيرة بن الاثرم وعباس بن هشام الكلبي ، عن هشام عن خراش بن اسمعيل العجلي ، قال اغارت بنو أسد على بني حنيفة فسبوا خولة بنت جعفر وقدموا بها المدينة في أول خلافة ابي بكر ، فباعوها من علي عليه الصلاة والسلام ، وبلغ الخبر قومها فقدموا المدينة على علي عليه السلام فعرفوها واخبروه بموضعها منهم ، فاعتقها ومهرها وتزوجها ، فولدت له محمدا وكناه أبا القاسم. قال وهذا هو الثبت لا الخبر الاول ، يعني بذلك خبرا رواه عن المدايني ، انه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام إلى اليمن ، فأصاب خولة في بني زبيدة وقد ارتدوا مع عمرو بن معد يكرب ، وصارت في سهمه ، وذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ان ولدت منك غلاما فسمه بإسمي وكنه بكنيتي ، فولدت له (عليه السلام) بعد موت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها فسماه محمدا وكناه أبا القاسم. وهذا الخبر إذا كان صحيحا لم يبق سؤال في باب الحنفية.
فأما انكاحه عليه السلام اياها ، فقد ذكرنا في كتابنا الشافي ، الجواب عن هذا الباب مشروحا ، وبينا انه (عليه السلام) ما أجاب عمر إلى انكاح بنته إلا بعد توعد وتهدد ومراجعة ومنازعة بعد كلام طويل مأثور ، اشفق معه من شؤون الحال ظهور ما لا يزال يخفيه منها ، وان العباس رحمة الله عليه لما رأى ان الامر يفضي إلى الوحشة ووقوع الفرقة سأله (عليه السلام) رد أمرها إليه ففعل ، فزوجها منه. وما يجري على هذا الوجه معلوم معروف انه على غير اختيار ولا إيثار. وبينا في الكتاب الذي ذكرناه انه لا يمتنع ان يبيح الشرع ان يناكح بالاكراه ممن لا يجوز مناكحته مع الاختيار ، لا سيما إذا كان المنكح مظهرا للاسلام والتمسك بسائر الشريعة. وبينا أن العقل لا يمنع من مناكحة الكفار على سائر انواع كفرهم ، وانما المرجع فيما يحل من ذلك أو يحرم إلى الشريعة. وفعل امير المؤمنين عليه السلام اقوى حجة في احكام الشرع ، وبينا الجواب عن الزامهم لنا ، فلو اكره على انكاح اليهود والنصارى لكان يجوز ذلك ، وفرقنا بين الامرين بأن قلنا إن كان ... [الكلام] عما في العقل فلا فرق بين الامرين ، وان كان عما في الشرع فالإجماع يحظر ان تنكح اليهود على كل حال. وما اجمعوا على حظر نكاح من ظاهره الاسلام وهو على نوع من القبيح لكفر به ، إذا اضطررنا إلى ذلك واكرهنا عليه. فإذا قالوا فما الفرق بين كفر اليهودي وكفر من ذكرتم؟ قلنا لهم : وأي فرق بين كفر اليهودية في جواز نكاحها عندكم وكفر الوثنية.
فأما الدخول في الشورى فقد بينا في كتابنا المقدم ذكره الكلام فيه مستقصى ، ومن جملته انه عليه السلام لولا الشورى لم يكن ليتمكن من الاحتجاج على القوم بفضائله ومناقبه. والاخبار الدالة على النص بالإمامة عليه ، وبما ذكرناه في الامور التي تدل على ان اسبابه إلى الامامة اقوى من أسبابهم ، وطرقه إلى تناولها اقرب من طرقهم ، ومن كان يصغي لولا الشورى إلى كلامه المستوفى في هذا المعنى. وأي حال لولاها لكانت يقتضي ذكر ما ذكره من المقامات والفضائل ، ولو لم يكن في الشورى من الغرض الا هذا وحده لكان كافيا مغنيا. وبعد ، فان المدخل له في الشورى هو الحامل له على اظهار البيعة للرجلين ، والرضا بإمامتهما وامضاء عقودهما ، فكيف يخالف في الشورى ويخرج منها وهي عقد من عقود من لم يزل (عليه السلام) ممضيا في الظاهر لعقوده حافظا لعهوده ، وأول ما كان يقال له انك انما لا تدخل في الشورى لاعتقادك ان الامامة اليك ، وان اختيار الامة للإمام بعد الرسول باطل ، وفي هذا ما فيه. والامتناع من الدخول يعود إليه ، ويحمل عليه. وقد قال قوم من أصحابنا انه انما دخل فيها تجويز ان ينال الامر منها. ومعلوم ان كل سبب ظن معه ، أو جواز الوصول إلى الامر الذي قد تعين عليه القيام به يلزمه (عليه السلام) التوصل به الهجرة له ...
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|