أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-3-2017
792
التاريخ: 12-1-2019
1061
التاريخ: 13-4-2017
873
التاريخ: 24-12-2017
810
|
(مسألة) : إن قيل : ما معنى قوله تعالى : {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] أو ليس هذا صريحا في أن له صلى الله عليه وآله ذنوبا وان كانت مغفورة.
(الجواب) : قلنا أما من نفى عنه صلى الله عليه وآله صغائر الذنوب مضافا إلى كبائرها ، فله عن هذه الآية اجوبة نحن نذكرها ونبين صحيحها من سقيمها .
منها : انه أراد تعالى بإضافة الذنب إليه ذنب ابيه آدم عليه السلام. وحسنت هذه الاضافة لاتصال القربى ، وعفوه لذلك ، من حيث اقسم آدم على الله تعالى به ، فأبر قسمه ، فهذا المتقدم. والذنب المتأخر هو ذنب شيعته وشيعة أخيه عليه السلام. وهذا الجواب يعترضه ان صاحبه نفى عن نبي ذنبا واضافه إلى آخر. والسؤال عليه فيمن اضافه إليه كالسؤال فيمن نفاه عنه. ويمكن إذا اردنا نصرة هذا الجواب ان نجعل الذنوب كلها لامته صلى الله عليه وآله ، ويكون ذكر التقدم والتأخر انما أراد به ما تقدم زمانه وما تأخر ، كما يقول القائل مؤكدا : «قد غفرت لك ما قدمت وما أخرت وصفحت عن السالف والآنف من ذنوبك».
ولإضافة ذنوب أمته إليه وجه في الاستعمال معروف لان القائل قد يقول لمن حضره من بني تميم أو غيرهم من القبائل انتم فعلتم كذا وكذا وقلتم فلانا وان كان الحاضرون ما شهدوا ذلك ولا فعلوه وحسنت الاضافة للاتصال والتسبب ولا سبب اوكد مما بين الرسول صلى الله عليه وآله وامته فقد يجوز توسعا وتجوزا ان تضاف ذنوبهم إليه .
(ومنها) انه سمى ترك الندب ذنبا وحسن ذلك لأنه صلى الله عليه وآله ممن لا يخالف الاوامر الا هذا الضرب من الخلاف ولعظم منزلته وقدره فجاز ان يسمي بالذنب منه ما إذا وقع من غيره لم يسم ذنبا وهذا الوجه يضعفه على بعد هذه التسمية انه لا يكون معنى لقوله انني اغفر ذنبك ولا وجه في معنى الغفران يليق بالعدول عن الندب (عن الذنب).
ومنها : ان القول خرج مخرج التعظيم وحسن الخطاب كما قلناه في قوله تعالى : (عفا الله عنك لم أذنت لهم) وهذا ليس بشئ لان العادة قد جرت فيما يخرج هذا المخرج من الالفاظ أن يجري مجرى الدعاء ، مثل قولهم : غفر الله لك ، وليغفر الله لك ، وما أشبه ذلك. ولفظ الآية بخلاف هذا لان المغفره جرت فيها مجرى الجزاء والغرض في الفتح. وقد كنا ذكرنا في هذه الآية وجها اخترناه وهو أشبه بالظاهر مما تقدم ، وهو أن يكون المراد بقوله ما تقدم من ذنبك الذنوب إليك، لان الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معا ، ألا ترى أنهم يقولون : أعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى الفاعل ، وأعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى المفعول. ومعنى المغفرة على هذا التأويل هي الازالة والفسخ والنسخ لاحكام أعدائه من المشركين عليه ، وذنوبهم إليه في منعهم إياه عن مكة وصدهم له عن المسجد الحرام.
وهذا التأويل يطابق ظاهر الكلام حتى تكون المغفرة غرضا في الفتح ووجها له. وإلا فإذا أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله : (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) معنى معقول ، لان المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح ، إذ ليست غرضا فيه. وأما قوله تعالى : (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ، فلا يمتنع ان يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح لك ولقومك وما تأخر ، وليس لاحد ان يقول ان سورة الفتح نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله بين مكة والمدينة وقد انصرف من الحديبية. وقال قوم من المفسرين : ان الفتح اراد به فتح خيبر ، لانه كان تاليا لتلك الحال ، وقال آخرون : بل أراد به أنا قضينا لك في الحديبية قضاء حسنا. فكيف يقولون ما لم يقله أحد من أن المراد بالآية فتح مكة ، والسورة قد نزلت قبل ذلك بمدة طويلة ، وذلك ان السورة وان كانت نزلت في الوقت الذي ذكر وهو قبل فتح مكة ، فغير ممتنع ان يريد بقوله تعالى (انا فتحنا لك فتحا مبينا) فتح مكة. ويكون ذلك على طريق البشارة له والحكم بأنه سيدخل مكة وينصره الله على اهلها ، ولهذا نظائر في القرآن ، والكلام كثير. ومما يقوي أن الفتح في السورة أراد به فتح مكة قوله تعالى : {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27] فالفتح القريب ههنا هو فتح خيبر وأما حمل الفتح على القضاء الذي قضاه في الحديبية فهو خلاف الظاهر. ومقتضى الآية لان الفتح بالإطلاق الظاهر منه الظفر والنصر. ويشهد بأن المراد بالآية ما ذكرناه قوله تعالى : {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 3].
فإن قيل : ليس يعرف اضافة المصدر إلى المفعول إلا إذا كان المصدر متعديا بنفسه ، مثل قولهم : اعجبني ضرب زيد عمرا. واضافة مصدر غير متعد إلى مفعوله غير معروفة.
قلنا : هذا تحكم في اللسان وعلى أهله لانهم في كتب العربية كلها اطلقوا ان المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول معا ، ولم يستثنوا متعديا من غيره ، ولو كان بينهما فرق لبينوه وفصلوه كما فعلوا في غيره وليس قلة الاستعمال معتبرة في هذا الباب لان الكلام إذا كان له أصل في العربية استعمل عليه ، وان كان قليل الاستعمال. وبعد فإن ذنبهم ههنا إليه انما هو صدهم له عن المسجد الحرام ومنعهم اياه عن دخوله ، فمعنى الذنب متعد ، وإذا كان معنى المصدر متعديا جاز أن يجري ما يتعدى بلفظه ، فإن من عادتهم ان يحملوا الكلام تارة على معناه وأخرى على لفظه ، ألا ترى إلى قول الشاعر :
جئني بمثل بني بدر لقومهم * أو مثل اخوة منظور بن سيار
فاعمل الكلام على المعنى دون اللفظ ، لأنه لو أعمله على اللفظ دون المعنى لقال : أو مثل بالجر ، لكنه لما كان معنى جئني احضر ، أو هات قوما مثلهم. حسن ان يقول أو مثل بالفتح ، وقال الشاعر :
درست وغير آبهن مع البلى * الا رواكد جمرهن هباء
ومشجج اما سوار قذى له * فبدا وغيب سارة المعزاء
فقال : ومشجج بالرفع اعمالا للمعنى ، لأنه لما كان معنى قوله الا رواكد أنهن باقيات ثابتات عطف على ذلك المشجج بالرفع. ولو اجرى الكلام على لفظه لنصب المعطوف به أو امثله هذا المعنى كثير. وفيما ذكرناه كفاية بمشيئة الله تعالى.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|