أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-21
695
التاريخ: 2024-04-18
803
التاريخ: 2024-04-08
766
التاريخ: 2024-02-14
1264
|
لا ينكر صدر الدين وسلفه ابن عربي وغيرهما من أتباع هذا الاتجاه قيمة
المعرفة النظرية كما لا يسقطون النشاط الإدراكي ، وإنّما يتحدّثون عن طور آخر يأتي
ما بعد طور العقل حيث يقتصر دور العقل على إدراك المفهومات ، أمّا التوغّل عمقا
فلا يفي به النشاط الإدراكي وحده بل لا بدّ من التجرّد وصفاء القلب ، وعلى قيمة ما
يبذله المرء في هذا المجال تتفاوت العقول في الفهم العميق بعد اشتراكها في معرفة
الظاهر ووعيه. يكتب : «إنّما ينكشف للعلماء الراسخين في العلم من أسراره وأغواره
بقدر غزارة علومهم وصفاء قلوبهم ، وتوفّر دواعيهم على التدبّر وتجرّدهم للطلب ، ويكون
لكلّ عالم منهم حظّ نقص أو كمل ، ولكلّ مجتهد ذوق كثر أو قلّ ، فلهم درجات في
الترقّي إلى أطواره وأغواره ... فمن هذا الوجه تتفاوت العقول في الفهم بعد الاشتراك
في معرفة ظاهر التفسير الذي ذكره المفسّرون ، وليس ما حصل للراسخين في العلم من
أسرار القرآن وأغواره مناقضا لظواهر التفسير ، بل هو استكمال له ووصول إلى لبابه
عن ظاهره» (1). مرة اخرى يؤكّد النص على أنّ السعة
الإدراكية والفاعلية الذهنية وقوّة الفكر ، تتوقّف على السعة الوجودية المتأتية من
طهارة الباطن وصفاء القلب وسلامته. لكن في النصّ إشارة إلى ما هو أهم ، وهو يصرّح
أنّ الرحلة إلى أعماق القرآن لا بدّ أن تبدأ من الظاهر وتؤسّس من دون إلغاء له أو
الدخول في تعارض أو قطيعة معه ، ممّا تفعله الاتجاهات الباطنية في التفسير التي
تلقى من صدر الدين هجوما عنيفا.
يسعى صدر الدين كابن عربي تماما إلى
الاستدلال على هذا التصور الوجودي أو مقاربته على أقل تقدير من خلال القرآن نفسه ،
وذلك انطلاقا من العديد من الآيات كما في قوله : «و اعلم أنّ الحقّ تعالى إله واحد
ورازق واحد وباسط واحد ، ينزل منه فيض واحد ينبسط على الكلّ بقدر واحد من جانبه ، لكن
يختلف باختلاف الأذواق والمشارب ، قوله تعالى : {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} [الحجر : 22] وقوله : {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ
وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد : 4] فمنه عذب فرات
لصفاء المحل وسلامة القلب ، ومنه ملح أجاج لكدورة المحل بسبب المعاصي والآثام» (2).
في موضع آخر يستمد من قوله سبحانه : {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ
فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر : 17 ، 18] ؛ المعنى التالي : «يسمعون القول فيتبعون
أحسنه ، بصفاء طويّة وحسن إصغاء بعد تطهير قلبهم من صفتي الجدل والنزاع ونحوهما ، متعرّضين
لنفحات جود اللّه في أيام دهرهم». وهؤلاء هم الصفوة أو بتعبيره هم قبلة مخاطبي
معاني القرآن وهم «المحقّقون من أهل اللّه خاصّة أو المحبّون لهم والمتشبّهون بهم
، والمؤمنون بأحوالهم من أهل القلوب المنوّرة الصافية ، العقول القويّة النافذة في
أقطار الملكوت» (3).
على ضوء هذا التأسيس لا ينبغي أن نستغرب
حديث هذه المدرسة عن قراءة أو تلاوة القلب ، بل مرّ معنا في نصوص ابن عربي أنّ
لكلّ عضو وجارحة في الإنسان نصيبه من القراءة وحظّه من التلاوة ، ذلك أنّ : «العلم
علمان ، علم اللسان وعلم القلب» (4). ثمّ هكذا يصف الشيرازي حال القلب في
استماع كتاب اللّه :
«فاسمعوا بأسماع قلوبكم قراءة آيات اللّه ، ولينفذ
في بواطنكم أنوار معجزة رسول اللّه ، فاتقوا اللّه وأطيعوا كلمته بقلوب صافية وبصائر
مجلوّة ومرائي نقية عن الرين والغشاوة ، واسمعوا حكمته واقبلوا قوله بنفوس سليمة
عن الأمراض النفسانية ، وأسماع خالية عن أقاويل المبتدعة الضالّة المضلّة الحائلة
كالسّحاب بين صفحة الباطن ونور شمس الحقيقة ، فمن لم يتصل أنوار كلام الحقّ بطباعه
أو لم يتحرّك بخواطره نحوه ، فلفساد فطرته الأصلية أو لغشاوة الظلمة وتراكم الحجب
الحائلة بينه وبين نور الحقّ ... فلا بدّ لمن أراد أن يسلك سبيل أهل الحقّ واليقين
بعد أن يطهّر نفسه عن رذائل الأخلاق أولا؛ أن يجتنب صحبة المعطّلين». النص كثيف
الدلالة على دور التزكية والطهر الباطني في الانفتاح على معاني القرآن والارتقاء
فيها من خلال ذلك.
_____________________
(1)-
نفس المصدر 4 : 161- 162.
(2)- تفسير القرآن الكريم 4 : 413.
(3)- تفسير القرآن الكريم 4 : 338.
(4)- نفس المصدر 6 : 13.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|