{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَـجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} 

ثُمَّ قَالَ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ}.

الهَمزَةُ فِي: {أَيَوَدُّ} لِلإِنکَارِ، وَالوَاوُ فِي: {وَأَصابَهُ الْكِبَرُ} لِلحَالِ، لَا لِلعَطفِ.

وَمعَنَاهُ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَقَد أَصَابَهُ الکِبَرُ([1]) وَلَحِقَهُ الشَّيخُوخَةِ، وَلَهُ أَولَادٌ صِغَارٌ نَاقِصِي القُوَّةِ.

{فَأَصَابَها إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} أَي: أَصَابَ تِلكَ الجَنَّةِ إِعصَارٌ فِیهِ نَارٌ، فَاحتَرَقَت تِلكَ الجَنَّة ([2]).

وَالإِعصَارُ: الرِّیحُ الشَّدِیدُ الَّتِي تَستَدِیرُ فِي الأَرضِ، ثُمَّ تَسطُعُ نَحوَ السَّمَاءِ کَالعَمُودِ([3]).

وَهَذَا مَثَلُ لِـمَن یَعمَلُ الحَسَنَاتِ الَّتي لَا یَبتَغِي بِهَا وَجَهَ اللَّـهِ، فَإِذَا کَانَ یَوَمُ القِیَامَةِ وَجَدَهَا مُحبَطَةً، لَا ثَوَابَ عَلَیهَا، فَیَتَحَسَّرُ عِندَ ذَلِكَ حَسرَةَ مَن کَانَ لَهُ جَنَّةً مِن أَبهَجِ الجِنَانِ، وَفِیهَا أَنوَاعُ الثِّمَارِ، فَبَلَغَ الکِبَر، وَلَهُ أَولَادٌ صِغَارٌ، وَالجَنَّةُ مَعَاشَهُم، فَهَلَکَت بِالصَّاعِقَةِ ([4]).

وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلى أَنَّ أَحدَکُم أَفقَرُ مَا یَکُونُ إِلَى عَمَلِهِ إِذَا انقَطَعَ عَنهُ الدُّنیَا مِنَ الشَّیخِ الکَبِیرِ الَّذِي کَبُرَ وَضَعُفَ جِسمُهُ، وَکَثُرَ صِبیَانَهُ ([5]).

{كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآياتِ} الَّتي تَحتَاجُونَ إِلَیهَا فِي أُمورِ دِینِکُم: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} فِیهَا([6]).