أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-3-2016
3229
التاريخ: 14-11-2014
2514
التاريخ: 10-10-2014
5695
التاريخ: 8-5-2017
7789
|
مؤلفه :
الشيخ محمد عبده ، والسيد محمد رشيد رضا .
أما الشيخ محمد عبده فهو : محمد عبده بن حسن بن خير الله من آل التركماني ، ولد في شنيرا سنة (1266هـ) ، ونشأ في محلة نصر بالبحيرة في القاهرة ، من كبار رجال الإصلاح والتجديد في الإسلام .
تعلم بالجامع الأحمدي بطنطا ، ثم الأزهر ، وتعلم الفلسفة ، وتصوف .
عمل في التعليم ، وكتب بالصحف ، وتولى تحرير جريدة الوقائع المصرية ، وأجاد اللغة الفرنسية بعد الأربعين من عمره .
ولما احتل الانكليز مصر ناواهم ، وشارك في الدفاع عن الثورة العرابية ، فسجن ثلاثة اشهر ثم نفي الى بلاد الشام سنة (1299هـ) ، وسافر الى باريس ، فأصدر مع السيد جمال الدين الافغاني جريدة العروة الوثقى وعاد الى بيروت ، فاشتغل بالتدريس والتأليف ، ثم سمح له بالعودة الى مصر سنة (1306هـ) ، وتولى منصب القضاء ، ثم مستشارا في محكمة الاستئناف ، فمفتيا للديار المصرية سنة (1317هـ) ، واستمر على ذلك الى أن توفي وهو في السادسة والخمسين من عمره ، ودفن بالقاهرة .
له عدة مؤلفات منها على سبيل المثال : رسالة التوحيد ، شرح نهج البلاغة ، شرح مقامات البديع الهمذاني ، الاسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ، وتفسير القرآن ولكنه غير تام ، وغيرها (1) .
وأما محمد رشيد رضا : فهو السيد محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن ملا علي خليفة القلموني البغدادي الأصل ، الحسيني النسب ، صاحب مجلة المنار وأحد رجال الاصلاح الاسلامي ، عالم بالحديث والأدب والتاريخ والتفسير .
ولد ونشأ في القلمون سنة (1282هـ) (من أعمال طرابلس الشام ) ، وتعلم فيها وفي طرابلس .
تنسك ونظم الشعر في صباه وكتب في بعض الصحف .
رحل الى مصر ولازم الشيخ محمد عبده ، وتتملذ عليه ، أصبح مرجع الفتيا في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية الجديدة .
زار الشام ولكن اعترضه أحد أعداء الاصلاح وهو يخطب على منبر الجامع الأموي في دمشق ، فعاد على أثرها الى مصر ، فأنشأ مدرسة الدعوة والارشاد .
زار سورية ، والهند ، والحجاز ، وأوربا ، استقر بعدها في مصر الى أن توفي فجأة سنة (1354هـ) في سيارة كان راجعا بها من السويس الى القاهرة ودفن بالقاهرة .
له آثار كثيرة منها : مجلة المنار ، وقد صدر منها (34) مجلدا ، وتاريخ الاستاذ محمد عبده ، والوحي المحمدي ، والخلافة ، وشبهات النصارى وحجج الاسلام ، وتفسير القرآن غير تام ، وغيرها (2) .
التفسير :
المنار تفسير جامع ولكنه غير شامل لجميع سور القرآن ، لأنه ينتهي عند الآية (53) من سورة يوسف (عليه السلام) .
وقد كان من أول القرآن الى الآية (126) من سورة النساء بإنشاء الشيخ محمد عبده وإملاء السيد محمد رشيد رضا ، ومن بعده سار السيد على منهج الشيخ في التفسير حتى سورة يوسف (عليه السلام ) .
كان الشيخ يلقي دروسه في التفسير على الطلبة بالجامع الأزهر لمدة ست سنوات ، وكان السيد يكتب ما يسمعه ويزيد عليه ، ويذاكره مع الشيخ ، ثم ينشره في مجلته المنار بعد مراجعة الشيخ ، لينقحه ويهذبه ، او يضيف عليه ما يكمله .
لقد سلك الشيخ في تفسيره منهجا تربويا للأمة الاسلامية ، يبعث فيها روح القرآن وآدابه ، داعيا فيه المسلمين الى استخدام عقولهم وتفكيرهم .
الأمور التي اشتمل عليها تفسير الشيخ :
لقد اشتمل تفسير الشيخ محمد عبده على أمور مختلفة منها :
1- النظر في أساليب الكتاب ومعانيه .
2- الاعراب بدون توسع .
3- تتبع القصص وغريب القرآن .
4- التفسير الاشاري والباطني .
وغرضه من تناول تلك الأمور وغيرها هو فهم كتاب الله العزيز على أنه كتاب دين وهداية يرشد الناس الى ما فيه سعادتهم في الدنيا وبالآخرة ، ومعرفة ما يبين عظمة الله عزوجل للانشداد إليه تعالى ، وبالتالي تصرف النفس عن الشر ، وتندفع الى الخير (3) .
خصائص التفسير :
وبعد هذا يمكن تلخيص ما يختص به التفسير بالنقاط التالية :
1- إن الاسلام هو دين العقل والشريعة ، وهو مصدر الخير والصلاح الاجتماعي .
2- تؤخذ العقيدة من القرآن ، لا القرآن يتبع العقيدة .
3- عدم وجود تعارض بين القرآن والحقائق العلمية الثابتة .
4- اعتبر القرآن وحدة واحدة متماسكة .
5- عدم إغفال الوقائع التاريخية التي لها دخل في فهم معاني القرآن .
6- معالجة المسائل الاجتماعية في الأخلاق والسلوك .
7- عدم الخوض في المسائل الغائبة عن الحس والإدراك .
8- التحفظ من الأخذ بما سمي بالتفسير بالمأثور ، والتحذير من الاسرائيليات والقصص المكذوبة .
9- لقد ركز العالمان المفسران على الغرض الأساس للقرآن الكريم ، وهو جانب الهداية (4) ، ولذلك وجه محمد رشيد رضا نقده للتفاسير بقوله :
كان من سوء حظ المسلمين أن أكثر ما كتب في التفسير يشغل قارئه عن مقاصد القرآن العالية والهداية السامية ، فمنها ما يشغله عن القرآن به لبحث الإعراب وقواعد النحو ، ونكت المعاني ، ومصطلحات البيان ، ومنها ما يصرفه عنه بجدل المتكلمين وتخريجات الأصوليين ، واشتباهات الفقهاء المقلدين ، وتأويلات المتصوفين ، وتعصب الفرق والذاهب ، بعضها على بعض ، وبعضها يلفته عنه بكثرة الروايات وما مزجت به من خرافات الاسرائيليات (5) .
منهجهما في التفسير :
لقد جمع الشيخ محمد عبده في تفسيره للآيات بين الصحيح المأثور والصريح المعقول الذي يبين حكم التشريع وسنن الله في الانسان ، وكون القرآن كتاب هداية للناس .
يتوسع في ما أهمله المفسرون أو قصروا فيه ، ويوجز في ما أطنبوا فيه من مباحث الألفاظ ، والاعراب ونكت البلاغة .
يعتمد على عبارة تفسير الجلالين وهو من التفاسير الموجزة ، حيث كان يقرأ عبارته فيقرها إن كان موافقاً لها ، ويناقشها إن كان يرى خلاف ذلك ، ثم يتكلم في الآية أو الآيات التي يجمعها معنى واحد .
اما بالنسبة لتفسير السيد محمد رشيد رضا فقد اشتمل على أمرين غير موجودين في تفسير الشيخ محمد عبده ، وهما :
1- العناية بدعم التفسير بالمأثور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
2- النقل الكثير عن المفسرين .
وأخيراً : يبدأ التفسير بذكر اسم السورة ، وبيان مكيها من مدنيها ،
وعدد آياتها ، ثم يذكر آية ، أو آيتين ، او ثلاثا ، او أربعا يشرع بعدها بالتفسير .
ويمكن أن يميز القارئ بين تفسير الشيخ محمد عبده الى (126) من سورة النساء ، وبين شرح وتعليق ، ورأي السيد محمد رشيد رضا بقول الأخير : أقول .
مثال من التفسير :
{وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين * فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون} [البقرة : 58 ، 59] .
المراد بالقرية المدينة ، وهي في الأصل اسم لمجتمع الناس ومسكن النمل الذي يبنيه ، ومادتها تدل على الاجتماع ، ومنها قريت الماء في الحوض إذا جمعته ، وأطلقت على الأمة نفسها ، ثم غلب استعمالها في البلاد الصغيرة ، ولا يصح هنا ؛ فإن الرغد لا يتيسر للإنسان كما يشاء إلا في المدن الواسعة الحضارة (قال شيخنا ) : ونسكت عن تعيين القرية كما سكت القرآن ، فقد أمر بنو إسرائيل بدخول بلاد كثيرة وكانوا يؤمرون بدخولها خاشعين لله خاضعين لأمره مستشعرين عظمته وجلاله ونعمه وأفضاله ، وهو معنى السجود وروحه المراد هنا .
وأما صورة السجود مع وضع الجباه على الأرض فلا يصح أن تكون مرادة ؛ لأنها سكون والدخول حركة ، وهما لا يجتمعان . والمراد بالحطة الدعاء بأن تحط عنهم خطايا التقصير وكفر النعم . وتبديل القول بغيره عبارة عن المخالفة كأن الذي يؤمر بالشيء فيخالف قد أنكر أنه أمر به ، وأدعى انه أمر بخلافه .
يقال : بدلت قولاً غير الذي قيل ، أي جئت بذلك القول مكان القول الأول .
وهذا التعبير أدل على المخالفة والعصيان من كل تعبير ، خلافا لما يتراءى لغير البليغ من أن الظاهر أو يقال : بدلوا القول بغيره دون أن يقال غير الذي قيل لهم ، فإن مخالف أمر سيده قد يخالفه على سبيل التأويل مع الاعتراف به ، فكأنه يقول في الآية : إنهم خالفوا الأمر خلافا لا يقبل التأويل حتى كأنه قيل لهم غير الذي قيل . وليس المعنى أنهم أمروا بحركة يأتونها ، وكلمة يقولونها وتعبدوا بذلك ، وجُعل سببا لغفران الخطايا عنهم فقالوا غيره ، وخالفوا الأمر وكانوا من الفاسقين .
وأي شيء أسهل على المكلف من الكلام يحرك به لسانه ، وقد اخترع أهل الأديان من ذلك مالم يكلفوا قوله لسهولة القول على ألسنتهم ، فكيف يقال أمر هؤلاء بكلمة يقولونها فعصوا بتركها ؟
إنما يعصي العاصي إذا كلف ما يثقل على نفسه ويحملها على غير ما اعتادت وأشق التكاليف حمل العقول على أن تفكر في غير ما عرفت وحث النفوس على أن تتكيف بغير ما تكيفت .
وذهب المفسر الجلال الى ترجيح اللفظ على المعنى والصورة على الروح ، ففسر السجود ككثير من غيره بالإنحناء ، وقال : إنهم أمروا بأن يقولوا حطة فدخلوا زحفا على استاههم وقالوا : حبة في شعيرة أي أننا نحتاج الى الأكل .
ومنشأ هذه الاقوال الروايات الاسرائيلية ، ولليهود في هذا المقام كلام كثير وتأويلات خدع بها المفسرون ، ولا نجيز حشوها في تفسير كلام الله تعالى .
وأقول : إن ما اختاره الجلال مروي في الصحيح ، ولكنه لا يخلو من علة اسرائيلية وسنبين ذلك في تفسير المسألة من سورة الأعراف مع المقابلة بين العبارات المختلفة في السورتين وبيان وجوهها وتحقيق معاني ألفاظها .
ويدل قوله تعالى : {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء } : على أن هذا العصيان لم يكن من كل بني إسرائيل ، وأن هذا الرجز كان خاصا بالظالمين منهم الذين فسقوا عن الأمر ولم يمتثلوه ، وقد أكد هذا المعنى أشد التأكيد بوضع المظهر مرضع المضمر فقال : {فأنزلنا على الذين ظلموا } ولم يقل : فأنزلنا عليهم ، ولعل وجه الحاجه الى التأكيد الاحتراس من إيهام كون الرجز كان عاما كما هو الغالب فيه ، ثم اكده بتأكيد آخر وهو قوله : { بما كانوا يفسقون } وفي هذا الضرب من المقابلة من تعظيم شأن المحسنين ما فيه .
وأقول الآن : القاعدة أن ترتيب الحكم على المشتق يدل على أن مصدره علة له كقوله : {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } [المائدة : 38] فالسرقة علة للقطع ، والموصول مع صلته هنا كذلك ، والمعنى : { فأنزلنا على الدين ظلموا رجزاً من السماء } بسبب ظلمهم ، ثم أكد هذا السبب الخاص العارض المعبر عنه بالفعل الماضي ببيان سبب عام يشمله ويشمل غيره هم يفعلونه دائما وهو قوله : { بما كانوا يفسقون} أي بسبب تكرار الفسوق والعصيان منهم واستمرارهم عليه الذي كان هذا الظلم منه .
(قال الاستاذ) . ونسكت عن تعيين نوع ذلك الرجز كما هو شأننا في كل ما أبهمه القرآن . وقال المفسر وغيره : إنه الطاعون ، واحتج بعضهم عليه بقوله تعالى : { من السماء } وهو كما تراه .
والرجز هو العذاب ، وكل نوع منه رجز . وقد ابتلى الله بني إسرائيل بالطاعون غير مرة ، وابتلاهم بضروب أخرى من النقم في إثر كل ضرب من ضروب ظلمهم وفسوقهم ، من أشد ذلك تسليط الأمم عليهم ، وحسبنا ما جاء في القرآن عبرة وتبصرة فنعين ما عينه ، ونبهم ما أبهمه {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (6) .
_________________
1- أعلام الزركلي ، ج6 ، ص : 252 ، والمجد في الأعلام ، لويس معلوف ، ص : 454.
2- الزركلي ، ج6 ، ص : 126 ، ولويس ، ص : 308 .
3- إيازي ، ص : 666 ، وما بعدها ، ومعرفة ، ج2 ، ص : 454 وما بعدها .
4- إيازي ، ص : 671 ، ومعرفة ، ص : 456 .
5- إيازي ، ص : 688 .
6- تفسير المنار ، ج1 ، ص : 323 ـ 325 – دار المعرفة – بيروت ط 2 .