المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أنـواع اتـجاهـات المـستهـلك
2024-11-28
المحرر العلمي
2024-11-28
المحرر في الصحافة المتخصصة
2024-11-28
مـراحل تكويـن اتجاهات المـستهـلك
2024-11-28
عوامـل تكويـن اتـجاهات المـستهـلك
2024-11-28
وسـائـل قـيـاس اتـجاهـات المستهلـك
2024-11-28

تعريف الاتّجاه الكلاميّ
2024-10-03
الفقراء أصدقاء الله
24-12-2015
الباقلاء (الفول)
10-4-2016
اصل الجبال والتلال
2024-10-05
علاقة اقتصاديات السينما بالجوانب الأخرى
30-5-2022
تغير وظيفة الدولة وأثره في تدعيم مركز رئيس الدولة
30-3-2017


تفسير الاية (4-7) من سورة الممتحنة  
  
3970   05:44 مساءً   التاريخ: 3-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة الممتحنة /

قال تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُو الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الممتحنة: 4، 7].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ضرب سبحانه لهم إبراهيم مثلا في ترك موالاة الكفار فقال {قد كانت لكم أسوة حسنة} أي اقتداء حسن {في إبراهيم} خليل الله {والذين معه} ممن آمن به واتبعه وقيل الذين معه من الأنبياء عن ابن زيد {إذ قالوا لقومهم} الكفار {إنا برءآؤا منكم} فلا نواليكم {ومما تعبدون من دون الله} أي وبراء من الأصنام التي تعبدونها ويجوز أن يكون ما مصدرية فيكون المعنى ومن عبادتكم الأصنام {كفرنا بكم} أي يقولون لهم جحدنا دينكم وأنكرنا معبودكم {وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا} فلا يكون بيننا موالاة في الدين {حتى تؤمنوا بالله وحده} أي تصدقوا بوحدانية الله وإخلاص التوحيد والعبادة له قال الفراء يقول الله تعالى أ فلا تأتسي يا حاطب بإبراهيم وقومه فتبرأ من أهلك كما تبرؤا منهم أي من قومهم الكفار {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك} أي اقتدوا بإبراهيم في كل أموره إلا في هذا القول فلا تقتدوا به فيه فإنه (عليه السلام) إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه بالإيمان فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه قال الحسن وإنما تبين له ذلك عند موت أبيه ولولم يستثن ذلك لظن أنه يجوز الاستغفار للكفار مطلقا من غير موعدة بالإيمان منهم فنهوا أن يقتدوا به في هذا خاصة عن مجاهد وقتادة وابن زيد وقيل كان آزر ينافق إبراهيم ويريه أنه مسلم ويعده إظهار الإسلام فيستغفر له عن الحسن والجبائي.

 ثم قال {وما أملك لك من الله من شيء} إذا أراد عقابك ولا يمكنني دفع ذلك عنك {ربنا عليك توكلنا} أي وكانوا يقولون ذلك {وإليك أنبنا} أي إلى طاعتك رجعنا {وإليك المصير} أي إلى حكمك المرجع وهذه حكاية لقول إبراهيم وقومه ويحتمل أن يكون تعليما لعباده أن يقولوا ذلك فيفوضوا أمورهم إليه ويرجعون إليه بالتوبة {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا ببلاء من عندك فيقولوا لوكان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء عن مجاهد وقيل معناه ولا تسلطهم علينا فيفتنونا عن دينك وقيل معناه الطف بنا حتى نصبر على أذاهم ولا نتبعهم فنصير فتنة لهم وقيل معناه أعصمنا من موالاة الكفار فإنا إذا واليناهم ظنوا أنا صوبناهم وقيل معناه لا تخذلنا إذا حاربناهم فلو خذلتنا لقالوا لوكان هؤلاء على الحق لما خذلوا {واغفر لنا ربنا} ذنوبنا {إنك أنت العزيز} الذي لا يغالب و{الحكيم} الذي لا يفعل إلا الحكمة والصواب وفي هذا تعليم للمسلمين أن يدعو بهذا الدعاء .

ثم أعاد سبحانه في ذكر الأسوة فقال {لقد كان لكم فيهم} أي في إبراهيم ومن آمن معه {أسوة حسنة} أي قدوة حسنة وإنما أعاد ذكر الأسوة لأن الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأول فإن الثاني فيه بيان أن الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله وحسن المنقلب والأول فيه بيان أن الأسوة في المعاداة للكفار وقوله {لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر} بدل من قوله {لكم} وهو بدل البعض من الكل مثل قوله {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} وفيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة وهو قوله {واليوم الآخر} وقيل يرجو ثواب الله وما يعطيه من ذلك في اليوم الآخر {ومن يتول} أي ومن يعرض عن هذا الاقتداء بإبراهيم والأنبياء والمؤمنين والذين معه فقد أخطأ حظ نفسه وذهب عما يعود نفعه إليه فحذفه لدلالة الكلام عليه وهو قوله {فإن الله هو الغني الحميد} أي الغني عن ذلك المحمود في جميع أفعاله فلا يضره توليه ولكنه ضر نفسه.

 {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم} أي من كفار مكة {مودة} بالإسلام قال مقاتل لما أمر الله سبحانه المؤمنين بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم فنزلت هذه الآية والمعنى أن موالاة الكفار لا تنفع والله سبحانه قادر على أن يوفقهم للإيمان وتحصل المودة بينكم وبينهم فكونوا على رجاء وطمع من الله أن يفعل ذلك وقد فعل ذلك حين أسلموا عام الفتح فحصلت المودة بينهم وبين المسلمين {والله قدير} على نقل القلوب من العداوة إلى المودة وعلى كل شيء يصح أن يكون مقدورا له {والله غفور} لذنوب عباده {رحيم} بهم إذا تابوا وأسلموا.

_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص448-450.

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 {قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ} . الخطاب في {لكم} للصحابة بخاصة حاطب بن أبي بلتعة الذي ألقى بالمودة للمشركين ، والمراد بالذين مع إبراهيم كل من سار على سيرته وعمل بشريعته ، سواء أكان في أيامه أم بعدها ، فالمعروف انه ما آمن من قوم إبراهيم إلا لوط ، والمعنى ان خليل الرحمن (عليه السلام) ومن آمن به قد لاقوا الكثير من المشركين حتى الهجرة من الأوطان ومفارقة الأهل والأولاد تماما كما لاقى رسول اللَّه والصحابة ، وقد صبر إبراهيم والذين معه ، ولم يكترثوا بما خلَّفوه من الأهل والأموال ، فعليكم أنتم يا أصحاب الرسول أن تقتدوا بالذين آمنوا بإبراهيم ، ولا تكترثوا بالأهل والمال وتصانعوا المشركين لأجل ذلك .

{إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ومِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وبَدا بَيْنَنا وبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ والْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} . قال الذين مع إبراهيم للكافرين من قومهم : لا جامع بيننا ولا صلة تربطنا بكم ، أنتم أعداؤنا إلى آخر يوم ما دمتم أعداء للَّه تعبدون من دونه الأصنام والكواكب .

{إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} .

كأن سائلا يسأل : كيف أخبر سبحانه ان إبراهيم والذين معه قد تبرأوا من قومهم المشركين مع ان إبراهيم نفسه {قالَ} - لأبيه - {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا} - 47 مريم . فأجاب سبحانه بأن إبراهيم انما استغفر لأبيه لأن أباه كان قد وعده بأن يؤمن برسالته ، فلما تبين له أن أباه مصر على الشرك تبرأ منه كما جاء في الآية 114 من سورة التوبة : {وما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} - من أبي إبراهيم - {وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُو لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} . هذا ، إلى ان إبراهيم قال لأبيه : اني لا أملك لك من اللَّه شيئا ، فإن الأمر كله بيد اللَّه وحده .

ثم بيّن سبحانه كيف انصرف إبراهيم والذين معه عن قومهم وأوطانهم ، والتجأوا إلى اللَّه وقالوا : {رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا} . ومن توكل عليه كفاه {وإِلَيْكَ أَنَبْنا} . رجعنا إليك فيما أهمنا من أمر الدنيا {وإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} في الآخرة للحساب والجزاء {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} . لا تسلط علينا شرار خلقك ، فيبتلونا بمحن لا نقوى على حملها {واغْفِرْ لَنا} ما سلف من ذنوبنا {رَبَّنا إِنَّكَ

أَنْتَ الْعَزِيزُ} فلا تضام ولا يضام من لجأ إليك {الْحَكِيمُ} في تصريف الكون وتدبيره .

{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهً والْيَوْمَ الآخِرَ} . ولمزيد من الحث على التأسي بإبراهيم ومن معه عاود سبحانه وكرر التذكير بهذه القدوة الحسنة عسى أن يتذكر أو يخشى من رغب في ثواب الآخرة ، وخاف من عذابها {ومَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهً هُو الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} . من أعرض عن الاقتداء بالصالحين فإنه تعالى غني عن خلقه ، مستحق للحمد في ذاته وصفاته وجميع أفعاله . . وهكذا سبحانه يأمر الأشرار ان يتعظوا بعاقبة الماضين من أمثالهم ، ويأمر المؤمنين ان يقتدوا بهدي من مضى من الصالحين .

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} . يشير سبحانه بهذا إلى فتح مكة ، وان الكثير من المشركين الذين نهاهم اللَّه عن مودتهم سيدخلون في دين اللَّه أفواجا . . وعندئذ يلتئم الشمل ، ويتبادل الصحابة المودة مع المسلمين الجدد {واللَّهُ قَدِيرٌ} على ان يذهب بالعداوة وأسبابها ، ويأتي مكانها بالمودة وبواعثها {واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر ذنوب عباده التائبين ويشملهم برحمته . وقد أنجز اللَّه وعده ، ونصر عبده محمدا ، فخضعت له الجزيرة العربية واستسلمت مكة ودخل أهلها في دين الإسلام أفواجا ، وحصلت المودة بين من كانوا بالأمس أعداء ألداء .

_____________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص300-302.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

على تقدير كون الاستثناء منقطعا يجوز أن يكون الاستثناء من قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} بما أنه مقيد بقوله: {إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم}، والمعنى: قد كان لكم اقتداء حسن بتبري إبراهيم والذين معه من قومهم إلا أن إبراهيم قال لأبيه كذا وكذا وعدا.

وأما على تقدير كون الاستثناء متصلا فالوجه ما تقدم، وأما كون المستثنى منه هو قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم{، والمعنى: لكم في إبراهيم أسوة في جميع خصاله إلا في قوله لأبيه: {لأستغفرن لك} فلا أسوة فيه.

ففيه أن قوله: {لكم أسوة حسنة في إبراهيم} إلخ، غير مسوق لإيجاب التأسي بإبراهيم (عليه السلام) في جميع خصاله حتى يكون الوعد بالاستغفار أو نفس الاستغفار - وذلك من خصاله - مستثنى منها بل إنما سيق لإيجاب التأسي به في تبريه من قومه المشركين، والوعد بالاستغفار رجاء للتوبة والإيمان ليس من التبري وإن كان ليس توليا أيضا.

وقوله: {وما أملك لك من الله من شيء} تتمة قول إبراهيم (عليه السلام)، وهو بيان لحقيقة الأمر من أن سؤاله المغفرة وطلبها من الله ليس من نوع الطلب الذي يملك فيه الطالب من المطلوب منه ما يطلبه، وإنما هو سؤال يدعو إليه فقر العبودية وذلتها قبال غنى الربوبية وعزتها فله تعالى أن يقبل بوجهه الكريم فيستجيب ويرحم، وله أن يعرض ويمسك الرحمة فإنه لا يملك أحد منه تعالى شيئا وهو المالك لكل شيء، قال تعالى: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة: 17].

وبالجملة قوله: {ما أملك} إلخ، نوع اعتراف بالعجز استدراكا لما يستشعر من قوله: {لأستغفرن لك} من شائبة إثبات القدرة لنفسه نظير قول شعيب (عليه السلام): {وما توفيقي إلا بالله} استدراكا لما يشعر به قوله لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ } [هود: 88] ، من إثبات القوة والاستطاعة لنفسه بالأصالة والاستقلال.

وقوله: {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} إلخ، من تمام القول المنقول عن إبراهيم والذين معه المندوب إلى التأسي بهم فيه، وهو دعاء منهم لربهم وابتهال إليه إثر ما تبرءوا من قومهم ذاك التبري العنيف ليحفظهم من تبعاته ويغفر لهم فلا يخيبهم في إيمانهم.

وقد افتتحوا دعاءهم بتقدمة يذكرون فيها حالهم فيما هم فيه من التبري من أعداء الله فقالوا: {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا} يعنون به أنا كنا في موقف من الحياة تتمكن فيه أنفسنا وندبر فيه أمورنا أما أنفسنا فأنبنا ورجعنا بها إليك وهو الإنابة، وأما أمورنا التي كان علينا تدبيرها فتركناها لك وجعلنا مشيتك مكان مشيتنا فأنت وكيلنا فيها تدبرها بما تشاء وكيف تشاء وهو التوكل.

ثم قالوا: {وإليك المصير} يعنون به أن مصير كل شيء من فعل أو فاعل فعل إليك فقد جرينا في توكلنا عليك وإنابتنا إليك مجرى ما عليه حقيقة الأمر من مصير كل شيء إليك حيث هاجرنا بأنفسنا إليك وتركنا تدبير أمورنا لك.

وقوله: {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا} متن دعائهم يسألونه تعالى أن يعيذهم من تبعة تبريهم من الكفار ويغفر لهم.

والفتنة ما يمتحن به، والمراد بجعلهم فتنة للذين كفروا تسليط الكفار عليهم ليمتحنهم فيخرجوا ما في وسعهم من الفساد فيؤذوهم بأنواع الأذى أن آمنوا بالله ورفضوا آلهتهم وتبرءوا منهم ومما يعبدون.

وقد كرروا نداءه تعالى - ربنا - في دعائهم مرة بعد مرة لإثارة الرحمة الإلهية.

وقوله: {إنك أنت العزيز الحكيم} أي غالب غير مغلوب متقن لأفعاله لا يعجز أن يستجيب دعاءهم فيحفظهم من كيد أعدائه ويعلم بأي طريق يحفظ.

وللمفسرين في تفسير الآيتين أنظار مختلفة أخرى أغمضنا عن إيرادها رعاية للاختصار من أرادها فليراجع المطولات.

قوله تعالى: {لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر} إلخ، تكرار حديث الأسوة لتأكيد الإيجاب ولبيان أن هذه الأسوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وأيضا أنهم كما يتأسى بهم في تبريهم من الكفار كذلك يتأسى بهم في دعائهم وابتهالهم.

والظاهر أن المراد برجائه تعالى رجاء ثوابه بالإيمان به وبرجاء اليوم الآخر رجاء ما وعد الله وأعد للمؤمنين من الثواب، وهو كناية عن الإيمان.

وقوله: {ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد} استغناء منه تعالى عن امتثالهم لأمره بتبريهم من الكفار وأنهم هم المنتفعون بذلك والله سبحانه غني في ذاته عنهم وعن طاعتهم حميد فيما يأمرهم وينهاهم إذ ليس في ذلك إلا صلاح حالهم وسعادة حياتهم.

قوله تعالى: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم} ضمير {منهم} للكفار الذين أمروا بمعاداتهم وهم كفار مكة، والمراد بجعل المودة بين المؤمنين وبينهم جعلها بتوفيقهم للإسلام كما وقع ذلك لما فتح الله لهم مكة، وليس المراد به نسخ حكم المعاداة والتبري.

والمعنى: مرجو من الله أن يجعل بينكم معشر المؤمنين وبين الذين عاديتم من الكفار وهم كفار مكة مودة بتوفيقهم للإسلام فتنقلب المعاداة مودة والله قدير والله غفور لذنوب عباده رحيم بهم إذا تابوا وأسلموا فعلى المؤمنين أن يرجوا من الله أن يبدل معاداتهم مودة بقدرته ومغفرته ورحمته.

____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص204-206.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

اُسوة للجميع:

إنّ منهج القرآن (من أجل التأكيد على تعاليمه القيّمة) يعتمد في كثير من الموارد طريقة الإستشهاد بنماذج أساسية في عالم الإنسانية والحياة، وبعد التشديد السابق الذي مرّ بنا خلال آيات السابقة في تجنّب عقد الولاء لأعداء الله، يتحدّث القرآن الكريم عن إبراهيم (عليه السلام) ومنهجه القدوة كنموذج رائد يحظى باحترام جميع الأقوام وخصوصاً العرب منهم.

قال تعالى: {قد كانت لكم اُسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}(2).

إنّ حياة إبراهيم (عليه السلام) الذي هو كبير الأنبياء، تلهمنا دروس العبودية لله، والطاعة والجهاد في سبيله، والوله والحبّ لذاته المقدّسة، إنّ هذا النبي العظيم الذي كانت الاُمّة الإسلامية من بركة دعائه، وهي معتزّة بالتسمية التي أطلقها عليهم، هولكم اُسوة حسنة في هذا المجال.

والمراد من تعبير {الذين معه) هم المؤمنون الذين ساروا برفقته في هذا الطريق بالرغم من قلّة عددهم، وهنا رأي آخر في تفسير {الذين معه) يرى أنّ المقصود هم الأنبياء الذين كانوا يشاركونه بالرأي، أو أنّ المقصود هم الأنبياء المعاصرون له، وهو إحتمال مستبعد، خاصّة إذا أخذنا ما يناسب المقام في تشبيه القرآن الكريم لرسول الإسلام محمّد بإبراهيم (عليه السلام)، وتشبيه المسلمين بأصحابه وأعوانه.

وجاء في التواريخ أيضاً أنّ جماعة في «بابل» آمنوا بإبراهيم (عليه السلام) بعد مشاهدة المعاجز التي ظهرت على يديه، وصاحبوه في الهجرة، قال ابن الأثير في الكامل {ثمّ إنّ إبراهيم والذين اتّبعوا أمره أجمعوا على فراق قومهم فخرج مهاجراً}(3).

ثمّ يضيف سبحانه لتوضيح هذا المعنى: {إذ قالوا لقومهم إنّا براءوا منكم وممّا تعبدون من دون الله}(4).

وهكذا يكون الموقف القاطع والحاسم من جانب المؤمنين إزاء أعداء الله، بقولهم لهم: إنّنا لا نرتضيكم ولا نقبلكم، لا أنتم ولا ما تؤمنون به من معتقدات، إنّنا نبتعد وننفر منكم ومن أصنامكم التي لا قيمة لها.

ومرّة اُخرى يؤكّدون مضيفين: «كفرنا بكم»، والكفر هنا هو كفر البراءة الذي اُشير له في بعض الروايات ضمن ما ورد في تعدّد أقسام الكفر الخمسة(5).

ويضيفون للمرّة الثالثة مؤكّدين بصورة أشدّ: {وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتّى تؤمنوا بالله وحده}.

وبهذا الإصرار وبهذه القاطعية وبدون أي تردّد أو مواربة يعلن المؤمنون إنفصالهم وإبتعادهم ونفرتهم من أعداء الله حتّى يؤمنوا بالله وحده، وهم مستمرّون في موقفهم وإلى الأبد ولن يتراجعوا عنه أو يعيدوا النظر فيه إلاّ إذا غيّر الكفّار مسارهم وتراجعوا عن خطّ الكفر إلى الإيمان.

ولأنّ هذا القانون العامّ كان له إستثناء في حياة إبراهيم (عليه السلام) يتجسّد ذلك بإمكانية هداية بعض المشركين حيث يقول سبحانه معقّباً: إنّ هؤلاء قطعوا كلّ إرتباط لهم مع قومهم الكافرين حتّى الكلام الودود والملائم: {إلاّ قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك وما أملك لك من الله من شيء}.

إنّ هذا الإستثناء ـ في الحقيقة ـ كان في مسألة قطع كلّ إرتباط مع عبدة الأصنام من قبل إبراهيم (عليه السلام) وأصحابه، كما أنّ هذا الإستثناء كانت له شروطه ومصلحته الخاصّة، لأنّ القرائن تظهر لنا أنّ إبراهيم (عليه السلام) كان يرى في عمّه (آزر) إستعداداً لقبول الإيمان.

ولمّا كان (آزر) قلقاً من آثام سابقته الوثنية وعبادته للأصنام أوعده إبراهيم  (عليه السلام) أنّه إذا تبنّى طريق التوحيد فإنّه (عليه السلام) سيستغفر له الله سبحانه، وقد عمل بما وعده به، إلاّ أنّ آزر لم يؤمن وبقي على ضلاله، وعندما اتّضح لإبراهيم أنّه عدو الله وسوف لن يؤمن أبداً، لم يستغفر له ثانية وقطع علاقته به.

ولمّا كان المسلمون مطّلعين على منهج إبراهيم (عليه السلام) في تعامله مع «آزر» بصورة إجمالية، فقد كان من المحتمل أن يكون هذا الموقف موضع إحتجاج لأشخاص مثل (حاطب بن أبي بلتعة) حيث كانوا يقيمون العلاقات والإرتباطات السريّة مع الكفّار، ولهذا فالقرآن الكريم يقطع الطريق على مثل هذه التصوّرات ويعلن ـ صراحةً ـ أنّ هذا الإستثناء قد تمّ تحت شروط خاصّة، وكان اُسلوباً لإستدراج (آزر) إلى الهدى وإدخاله في الإيمان، ولم يكن لأهداف دنيوية آنية أو مصلحة وقتية، لذا يقول عزّوجلّ في بيان هذا المعنى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114].

إلاّ أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ هذا الأمر كان استثناءً من التأسّي بـ (إبراهيم)، وقالوا يجب الإقتداء به في جميع الاُمور إلاّ في إستغفاره لعمّه آزر.

إلاّ أنّ هذا المعنى بعيداً جدّاً لأنّه:

أوّلا: كان (عليه السلام) اُسوة في جميع الاُمور ومن ضمنها إتّباع هذا المنهج، وذلك بلحاظ أنّ الشروط التي توفّرت في (آزر) توفّرت أيضاً في بعض المشركين وعند ذلك لابدّ من إظهاره المودّة لهم وتهيئة الأجواء الطيّبة لهم، وجذبهم للإيمان.

وثانياً: أنّ إبراهيم (عليه السلام) نبي معصوم من أنبياء الله العظام ومن المجاهدين اللامعين، وأعماله كلّها اُسوة للمؤمنين، وعندئذ لا داعي لإستثناء هذه المسألة من التأسّي به فيها.

وخلاصة القول أنّ إبراهيم (عليه السلام) وأصحابه كانوا من أشدّ المخالفين والمحاربين للشرك، ولابدّ لنا من الإقتداء بهم وأخذ الدروس والعبر من سيرتهم، بما في ذلك ما يتعلّق بموقفه من «آزر» إذا توفّرت لنا نفس الشروط والخصوصيات ..(6).

وبما أنّ محاربة أعداء الله، والصرامة والشدّة معهم ـ خصوصاً مع تمتّعهم بقدرة ظاهرية ـ سوف لن تكون فاعلة إلاّ بالتوكّل على الله تبارك وتعالى، يضيف سبحانه في نهاية الآية: {ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير}.

ونلاحظ ثلاثة اُمور في هذه العبارة:

الأمر الأوّل: هو التوكّل، الثاني هو: التوبة والإنابة، الثالث: التأكيد على حقيقة الرجوع النهائي في كلّ شيء إليه سبحانه، حيث أنّ كلّ أمر من هذه الاُمور يكون علّة وبنفس الوقت معلولا للآخر، فالإيمان بالمعاد والرجوع النهائي إليه سبحانه يوجب التوبة، والتوبة تحيي روح التوكّل في النفس الإنسانية(7).

وفي الآية اللاحقة يشير القرآن الكريم إلى طلب آخر مهمّ وحسّاس لإبراهيم (عليه السلام) وأصحابه في هذا المجال، حيث يقول تعالى: {ربّنا ولا تجعلنا فتنة للذين كفروا).

من المحتمل أن يكون ما ورد في الآية إشارة إلى عمل «حاطب بن أبي بلتعة» وإحتمال صدور شبيهه من أشخاص جهلة يكونون سبباً في تقوية الظالمين، من حيث لا يشعرون، بل يتصوّرون أنّهم يعملون لمصلحة الإسلام، أو إنّ المراد في الحقيقة دعاء بأنّه لا تجعلنا نقع في قبضة الكافرين فيقولوا: أنّ هؤلاء لو كانوا على الحقّ ما غلبوا، ويؤدّي هذا التوهّم إلى ضلالهم أكثر.

وهذا يعني أنّ المسلمين ما كانوا يأبهون بالخوف من خشية على مصالحهم أو على أنفسهم; بل لكي لا يقع مبدأ الحقّ في دائرة الشكّ ويكون الإنتصار الظاهري للكفّار دليلا على حقّانيتهم وهذا هو منهج الإنسان المؤمن الراسخ في إيمانه، حيث أنّ جميع ما يقوم به ويضحّي في سبيله لا لأجل نفسه، بل لله سبحانه، فهو مرتبط به وحده، قاطع كلّ علاقة بما سواه، طالب كلّ شيء لمرضاته.

ويضيف في نهاية الآية: {واغفر لنا ربّنا إنّك أنت العزيز الحكيم}.

فقدرتك يا الله لا تقهر، وحكمتك نافذة في كلّ شيء.

إنّ هذه الجملة قد تكون إشارة لطلب المغفرة من الله سبحانه والعفو عن الزلل في حالة حصول الميل النفسي والحبّ والولاء لأعداء الله.

وهذا درس لكلّ المسلمين كي يقتدوا بهؤلاء. وإذا ما وجد بينهم شخص منحرف كـ (حاطب) فليستغفروا ربّهم ولينيبوا إليه.

ومرّة اُخرى يؤكّد سبحانه في آخر آية من هذه الآيات على نفس الأمر الذي ذكر في أوّل آية، حيث يقول تعالى: {لقد كان لكم فيهم اُسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}(8).

لقد كانوا لنا اُسوة، ليس فقط في موقفهم ضدّ منهج الكفر وعبدة الأوثان، بل هم اُسوة لنا في الدعاء بين يدي الباريء عزّوجلّ، وقدوة لنا في طلب المغفرة منه كما إستعرضت الآيات السابقة نماذج في ذلك.

إنّ هذا الإقتداء في حقيقته يتمثّل في الذين تعلّقوا بالله سبحانه، ونوّر الإيمان بالمبدأ والمعاد قلوبهم، ونهجوا منهج الحقّ وتحرّكوا في طريقه .. وبدون شكّ فإنّ هذا التأسّي والإقتداء يرجع نفعه إلى المسلمين أنفسهم قبل الآخرين، لذا يضيف سبحانه في النهاية قوله: {ومن يتولّ فإنّ الله هو الغني الحميد).

وذلك أنّ عقد الولاء مع أعداء الله يقوّي عودهم وشوكتهم وبالتالي إلى هزيمة المسلمين، وإذا تسلّطوا عليكم فسوف لن يرحموا صغيركم وكبيركم(9).

مودّة الكفّار غير الحربيين:

ويستمرّ الحديث في الاية الثالثة  تكملة للموضوعات التي طرحت في الآيات السابقة حول «الحبّ في الله والبغض في الله» وقطع العلاقة مع المشركين، بالرغم من أنّ قطع هذه الرابطة يولّد فراغاً عاطفياً بالنسبة للبعض من المسلمين، فإنّ المؤمنين الصادقين، وأصحاب رسول الله المخلصين آمنوا بهذا المنهج وثبتوا عليه، والله تعالى بشّر هؤلاء ألاّ يحزنوا، لأنّ الثواب هو جزاؤهم بالإضافة إلى أنّ هذه الحالة سوف لن تستمرّ طويلا، حيث يقول سبحانه: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودّة}.

ويتحقّق هذا الوعد وتصدق البشارة في السنة الثامنة للهجرة حيث منّ الله على المسلمين بفتح مكّة، ودخل أهلها جماعات جماعات في دين الإسلام الحنيف، مصداقاً لقوله تعالى: {يدخلون في دين الله أفواجاً} وعند ذلك تتبدّد غيوم الظلمة والعداء والعناد من سماء حياتهم، وتشرق نفوسهم بنور الإيمان وحرارة الودّ وأجواء المحبّة والصداقة.

بعض المفسّرين اعتبر هذه الآية إشارة إلى زواج الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من (اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان) التي كانت قد أسلمت وصحبت زوجها «عبيد الله بن جحش»(10) في هجرته للحبشة مع المهاجرين ومات زوجها هناك، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شخصاً إلى النجاشي وتزوّجها، ولأنّ الزواج بين القبائل العربية كان له تأثير في تضييق دائرة العداء وبناء جسور المودّة بينهم، وهذه المسألة كان لها تأثير إيجابي على أبي سفيان وأهل مكّة.

إلاّ أنّ هذا الإحتمال مستبعد، لأنّ هذه الآيات نزلت عندما كان المسلمون على أبواب فتح مكّة، ولأنّ «حاطب بن أبي بلتعة» كان يروم من إرسال رسالته إلى مشركي مكّة إحاطتهم علماً بعزم الرّسول على فتح مكّة، في الوقت الذي نعلم أنّ «جعفر بن أبي طالب» وأصحابه رجعوا إلى المدينة قبل فتح مكّة (فتح خيبر)(11).

وعلى كلّ حال، إذا تباعد بعض الناس عن خطّ الإسلام والمسلمين وكانت تربطهم علاقات إيجابية مع المسلمين، ففي مثل هذه الحالة لا ينبغي اليأس، لأنّ الله تعالى قادر على كلّ شيء، ويستطيع تغيير ما في قلوبهم، فهو الذي يغفر الذنوب والخطايا لعباده، حيث يضيف تعالى في نهاية الآية: {والله قدير والله غفور رحيم}.

كلمة (عسى) تستعمل عادةً في الموارد التي يؤمل فيها أن يتحقّق شيء ما، وبما أنّ هذا المعنى يستعمل أحياناً توأماً مع (الجهل) أو(العجز) فإنّ كثيراً من المفسّرين فسّروها بمعنى رجاء الآخرين من الله وليس العكس، إلاّ أنّنا لا نرى تعارضاً في أن يكون لهذا المصطلح المعنى الأصلي، وذلك لأنّ الوصول إلى هدف معيّن لابدّ له في أحيان كثيرة من وجود الشروط المناسبة، وإذا لم تستكمل هذه الشروط فإنّ هذه الكلمة تستعمل في مثل هذه الموارد.

_______________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14120-129.

2 ـ ذكر المفسّرون إحتمالات عدّة في إعراب هذه الجملة، والظاهر أنّ (اُسوة حسنة) اسم كان، و(لكم) خبرها و(في إبراهيم) متعلّق بـ (اُسوة حسنة) ولابدّ من الإلتفات ضمناً إلى أنّ اُسوة بمعنى التأسّي والإقتداء الذي يكون أحياناً بالأعمال الجيّدة واُخرى بالسيّئة ولذا قيدت هنا بـ (الحسنة).

3 ـ الكامل في التاريخ، لابن الأثير، ج1، ص100.

4 ـ «براء» جمع «بريء» مثل «ظرفاء ـ ظريف».

5 ـ اُصول الكافي طبقاً لنقل نور الثقلين، ج5، ص302.

6 ـ يتّضح لنا ممّا تقدّم أنّ الإستثناء هنا متّصل، والمستثنى منه جملة محذوفة يدلّ عليها صدر الآية، وتقديرها: إنّ إبراهيم وقومه تبرّأوا منهم، ولم يكن لهم قول يدلّ على المحبّة إلاّ قول إبراهيم، وطبقاً للتفسير الثاني فإنّ الإستثناء سوف يكون منقطعاً، وهذا بحدّ ذاته إشكال آخر عليه.

7 ـ يتّضح ممّا قلناه أنّ هذه الجملة هي كلام إبراهيم (عليه السلام) وأصحابه، بالرغم من أنّ بعض المفسّرين إحتمل كونها جملة مستقلّة ونزلت بعنوان إرشاد للمسلمين ضمن هذه الآيات، وهو إحتمال بعيد.

8 ـ قال بعض المفسّرين: إنّ (لمن) في الآية أعلاه «بدل» عن (لكم): (تفسير الفخر الرازي، وروح المعاني، في نهاية هذه الآيات).

9 ـ بناءً على هذا فإنّ جملة (من يتولّ) جملة شرطية، ولها جزاء محذوف تقديره: من يتولّ فقد أخطأ حظّ نفسه وأذهب ما يعود نفعه إليه (مجمع البيان، ج9، ص272).

10 ـ عبيد الله بن جحش هو أخو عبد الله بن جحش، لم يبق على الإسلام بل إختار المسيحية في الحبشة، ولهذا السبب فإنّ اُمّ حبيبة إنفصلت عنه، أمّا أخوه (عبدالله) فقد بقي مسلماً وكان من مجاهدي أُحد، وإستشهد في تلك الغزوة.

11 ـ إنّ خلاصة هذه القصّة قد نقلها كثير من المفسّرين، ويمكن مراجعة شرحها في كتاب اُسد الغابة في معرفة الصحابة، ج5، ص573.

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .