المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

اسمنتات الالومينا العالية
25-8-2016
نظريات المنظمة - نظرية الإدارة العلمية
2023-05-04
كيف تتحرك اجنحة الحشرات؟
15-1-2021
Demetrios G Magiros
16-11-2017
الشفاعة
11-08-2015
الأهمية الاقتصادية للبرسيم المصري
11/11/2022


النصوص الدالة على إمامة امير المؤمنين عليه السلام  
  
984   08:09 صباحاً   التاريخ: 30-7-2015
المؤلف : الشيخ أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي
الكتاب أو المصدر : تقريب المعارف
الجزء والصفحة : ص 182
القسم : العقائد الاسلامية / الامامة / إمامة الأئمة الأثني عشر /

والنص ثابت عليه بشيئين:

أفعال، وأقوال.

والأقوال على ضربين: كتاب، وسنة.

والسنة على ضربين: معلوم من ظاهره المراد ومن دليله، ومعلوم من دليله المراد.

فأما النص بالفعل: فمن تأمل أفعال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختصاصه به، ومؤاخاته له، وتقديمه على جميع الصحابة والقرابة في جميع

الأحوال والأمور وتأميره في كل بعث، وإفراده من التأمير عليه في شيء بقوله (1) في المأمورين له: إني باعث فيكم رجلا كنفسي، وتخصيصه في السكنى، والتبليغ، والصهر، والدخول عليه بغير إذن، وحمل الراية، والمباهلة، والمناجاة، والأخوة، والقيام له، ورفع المجلس بما لم يشركه فيه أحد، وما اقترن بهذه الأقوال من الأفعال المختصة له.

(وقوله) في البعوث: إني باعث رجلا كنفسي.

وعلي مني وأنا منه.

وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث ما دار.

وأنا وعلي كهاتين.

ومنزلك في الجنة تجاه من منزلي، تكسى إذا كسيت وتحيى إذا حييت.

وأنت أول جاث للخصوم من أمتي.

وصاحب لوائي.

وساقي حوضي.

وأول داخل الجنة من أمتي.

وأبو ذريتي.

ولا يؤدي عني إلا رجل مني.

وعلي مني وأنا من علي.

وحربك حربي وسلمك سلمي.

ومن سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه الله على منخره في النار.

وأمثال ذلك من الأقوال والأفعال التي يطول بها الكتاب.

علم (2) كونه مؤهلا لخلافته عليه السلام، كما يعلم مثل ذلك في ملك اختص رجلا وأبانه بالأفعال والأقوال من أتباعه هذا الضرب من الاختصاص.

وأما نص الكتاب على إمامته عليه السلام فآي كثيرة:

منها: قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55].

فأخبر سبحانه أن المقيمي الصلاة والمؤتي الزكاة في حال الركوع أولى بالخلق من أنفسهم، حسب ما أوجبه بصدر الآية له تعالى ولرسوله، ولا أحد من المؤمنين ثبت له هذا الحكم غير أمير المؤمنين علي عليه السلام، فيجب كونه إماما للخلق، لكونه (3) أولى بهم من أنفسهم.

إن قيل: دلوا على أن لفظة (وليكم) تفيد الأولى بالتدبير، وأنها لا تحتمل في الآية غير ذلك، وأن الأولى بالتدبير مفترض الطاعة على من كان أولى به، وأن المشار إليه بالذين آمنوا أمير المؤمنين عليه السلام.

قيل: برهان إفادة ولي لأولى ظاهر لغة وشرعا، يقولون: فلان ولي الدم، وولي الأمر، وولي العهد، وولي اليتيم، وولي المرأة، وولي الميت، يريدون: أولى بما هو ولي فيه بغير إشكال.

وبرهان اختصاص (وليكم) في الآية بأولى: أن وليا لا يحتمل في اللغة إلا شيئين: المحبة، والأولى.

ولا يجوز أن يريد بالولاية في الآية المحبة، لأن قوله تعالى: { إنما وليكم } خطاب لكل مكلف بر وفاجر كسائر الخطاب، وكونه خطابا عاما يمنع من حمله على ولاية المحبة والنصرة، لأن الله تعالى ورسوله والمؤمنين لا يوادون الكفار ولا ينصرونهم، بل الواجب فيهم خلاف ذلك، فبطل كون المراد بالولاية في الآية المودة والنصرة على جهة الأخبار ولا الإيجاب.

ولأنه لا يخلو أن يكون خطابا لجميع الخلق برهم وفاجرهم، أو الكفار خاصة، أو لجميع المؤمنين دونهم، أو لبعض المؤمنين.

وكونه خطابا للجميع أو للكفار خاصة يمنع من كون المراد بالولاية المودة والنصرة على ما بيناه.

ولا يجوز أن يكون خطابا لجميع المؤمنين، لأن الآية تتضمن ذكر ولي ومتول، وذلك يقتضي اختصاصها بالبعض.

وكونه خطابا لبعض المؤمنين يمنع من حمل الولاية على المودة والنصرة، لعموم فرضها للجميع.

ولأن حرف (إنما) يثبت الحكم لما اتصل به وينفيه عما انفصل عنه بغير تنازع بين العلماء بلسان العرب.

كقوله تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] أثبت الإلهية له ونفاها عمن عداه، وكقوله: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا } [النمل: 91] خص العبادة. برب البلدة ونفاها عمن عداه، وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] على هذا الوجه.

وقول النبي عليه السلام: إنما الأعمال بالنيات، وقوله: إنما الماء من الماء، وإنما الربا في النسيئة، وإنما الولاء لمن أعتق، كل ذلك يفيد إثبات الحكم للمتصل بحرف إنما ونفيه عن المنفصل، إلا ما علم بدليل آخر: من إيجاب الغسل من غير الماء، وثبوت حكم الربا في غير النسيئة.

وقول الفصيح: إنما لك عندي درهم، وإنما الفصاحة في الجاهلية، وإنما الحذاق (4) البصريون، على هذا النحو بغير إشكال.

وإذا تقرر ما ذكرناه، فحرف (إنما) في الآية يفيد الولاية فيها لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وينفيها عمن عداهم، وذلك يمنع من حملها على ولاية المودة والنصرة المعلوم عمومها.

وإذا بطل أحد القسمين ثبت الآخر.

ولأن (الذين آمنوا) مختص ببعض المؤمنين من وجهين:

أحدها: وصفهم بإيتاء الزكاة، وذلك يقتضي خروج من لا يخاطب بالزكاة أو خوطب ففرط على الصحيح من المذهب عن الآية.

الثاني: وصفهم بإيتاء الزكاة في حال الركوع في قوله: { وهم راكعون }، لارتفاع اللبس من قول القائل: فلان يجود بماله وهو ضاحك، ويضرب زيدا وهو راكب، ويلقى خالدا وهو ماش، في أنه لا يحتمل إلا الحال دون الماضي والمستقبل.

ومعلوم أن هذا حكم لم يعم كل مؤمن، بل لا دعوى لاشتراك اثنين من المؤمنين معينين فيه.

وإذا ثبت الخصوص، وكان كل من قال (5) لخصوص المؤمنين في الآية قال باختصاص الولاية بالأولى، لأن خصوصها يمنع من حملها على المودة والنصرة الواجبة على الجميع.

وبرهان إفادة الأولى للتدبير الأحق بالتصرف في المتولي للإمامة وفرض الطاعة ظاهر، لأن هذا المعنى متى حصل بين ولي ومتول أفاد فرض الطاعة، لأنه لا يكون أولى به وأملك بأمره منه بنفسه إلا لكونه مفترض الطاعة عليه، إذ لا معنى لفرض الطاعة غير ذلك، ووجوب ذلك للمذكور على جميع الخلق يفيد إمامته لجميعهم، كإفادة قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] لذلك.

وبرهان اختصاص (الذين آمنوا) بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من طرق:

منها: وصف المذكور من إيتاء الزكاة في حال الركوع، ولا أحد ادعى فيه ذلك غيره عليه السلام.

ومنها: أنا قد بينا اختصاص الحكم ببعض المؤمنين، وكل من قال بخصوصه - ممن يعتد بقوله - خصها بعلي بن أبي طالب عليه السلام.

ومنها: قيام البرهان على أن الولاية في الآية تفيد الأولى، وكل من قال بذلك خص بها عليا.

ومنها: تواتر الخبر من طريقي الشيعة وأصحاب الحديث بنزول الآية فيه عليه السلام عقيب تصدقه بالخاتم راكعا.

ومنها: احتجاجه عليه السلام بذلك على وليه وعدوه مع عدم النكير، وارتفاع أسباب الامساك عنه عدا الرضى والتصديق.

ومنها: حصول العلم لكل متكامل الأخبار بأحواله وذريته، لدعوى ذلك منه عليه السلام لنفسه ودعوى كافة ذريته، وذلك يقتضي صدقه وصدقهم عليهم السلام، إذ كونهم كاذبين على الله تعالى ورسوله عليه السلام ما لا يذهب إليه مسلم.

ولا قدح في شيء مما قدمناه بما رواه الشاذ من نزول الآية في ابن سلام.

لأنا لم نستدل بالإجماع فينا، وإنما عولنا على تواتر الفريقين، ولأن الإجماع مبني على دليل لا يقدح فيه إلا ما قدح فيه.

 ولأنه لا يخلو أن يكون ابن سلام هو المتولي في الآية والمتولي، ولا يجوز أن يكون المتولى على جهة الخصوص، لأنه رجوع عن عموم الآية بغير دلالة، ولأن ذلك يقتضي تخصص الولاية به، والاجماع بخلاف ذلك على كلا المذهبين في ولاية الآية، وإن كان متوليا مع غيره فلا ينفعهم ولا يضرنا.

ولا يجوز أن يكون متوليا على مذهب من قال إن الولاية فيها بمعنى المودة، لأن ذلك يقتضي اختصاصها بابن سلام مع حصول الإجماع بعمومها، ولا على مذهب من قال إنها بمعنى الأولى، لأن ابن سلام لا يستحق ذلك بإجماع، فلم يبق لتوجهها إليه خاصة وجه.

وليس لأحد أن يقدح بتضمن الآية لفظ الجمع ومدح المتصدق ووصفه بإيتاء الزكاة، وعلي عليه السلام واحد وفقير وقاطع الصلاة بما فعله.

لأن العبارة عن الواحد بلفظ الجمع على جهة التعظيم ظاهر في العربية.

وكون علي عليه السلام فقيرا غير معلوم.

وإلقاؤه الخاتم في الصلاة من يسير العبث المباح فيها، ولأن كثيره كان مباحا، ولا طريق إلى العلم بتقدم فعله عليه السلام على النسخ من تأخره عنه، ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدحه على فعله وتمدح هو عليه السلام به من غير منكر عليه، وذلك يمنع من كونه مذموما.

ولأنا قد دللنا على اختصاص الآية به بما لا محيص عنه، مع تضمنها تعظيم المذكور فاقتضى ذلك سقوط جميع ما قدحوا به.

ولأن مدح المذكور فيها عن فعل تقدم ووصفه فيه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة راكعا تعريف له وتمييز من غيره، وهذا واضح والمنة لله.

ومنها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ } [النساء: 59].

فأوجب سبحانه تعالى طاعة أولي الأمر على الوجه الذي أوجب طاعته تعالى وطاعة رسوله بمقتضى العطف الموجب لإلحاق حكم المعطوف بالمعطوف عليه، وقد علمنا عموم طاعته سبحانه وطاعة رسوله في الأعيان والأزمان والأمور فيجب مثل ذلك لأولي الأمر بموجب الأمر، وذلك يقتضي توجه الخطاب بأولي الأمر إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لأن لا أحد قال بعموم طاعة أولي الأمر إلا خص بها عليا عليه السلام والأئمة من ذريته عليهم السلام.

وإذا عمت طاعته الأمة والأزمان والأمور ثبت كونه إماما، لإجماع الأمة على إمامة من كان كذلك وعدم استحقاقه لغيره.

وليس لأحد أن يقول: إنا لم نعلم عموم طاعته سبحانه ورسوله بالآية، وإنما علمناه بدليل آخر، فدلوا على مشاركة أولي الأمر فيه بدليل غير الآية ليسلم لكم المراد.

لأن إطلاق لفظ الطاعة وتوجه الخطاب بها إلى المخاطبين كافة الحاضرين والمتجددين إلى يوم القيامة يفيد عمومها لجميعهم في كل حال وأمر، وإن لم يكن هناك دليل على هذا العموم غير هذا الظاهر لأنه لو أراد تعالى خاصا من المخاطبين أو الأزمان أو الأمور لبينه، فيجب الحكم بعموم ما قلناه، ولا يجوز تخصيص شيء منه إلا بدليل.

وأيضا فحصول العلم بعموم طاعته تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير الظاهر لا يقدح في استدلالنا، لأن الظاهر إذا دل على ما قلناه كان مطابقا لما تقدم العلم به من عموم طاعته تعالى ورسوله، واستفاد المخاطب مشاركة أولي الأمر له تعالى ولرسوله في عموم الطاعة بمقتضى العطف، سواء كان ذلك معلوما بالظاهر أو بغيره.

ولم يجز تخصيص طاعتهم بغير دليل، وإن كان الأول معلوما من وجهين والثاني معلوما من وجه واحد، ومجري ذلك مجرى حكيم قال لأصحابه تقدم لهم العلم بعموم طاعة بعض خواصه عليهم: أطيعوا فلانا - وأشار إليه - الطاعة التي تعدونها، وفلانا، وأشار إلى من لم يتقدم لهم العلم بحاله، في وجوب مشاركة الثاني للأول في الطاعة وعمومها بغير إشكال.

ترتيب آخر: الأمة في أولي الأمر رجلان:

أحدهما يخص بها أمراء السرايا، وهم أمراء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

والآخر يخص بها عليا وذريته عليهم السلام المذكورين وبحكم بها على إمامتهم.

وإذا بطل أحد القولين ثبت الآخر، ولا يجوز توجهها إلى أمراء السرايا من وجوه:

أحدها: أن ظاهرها يفيد عموم الطاعة من كل وجه، وطاعة أمراء السرايا مختصة بالمأمورين لهم وبزمان ولايتهم وبما كانوا ولاة فيه، فطاعتهم على ما ترى خاصة من كل وجه، وما تضمنه الآية عام من كل وجه.

ومنها: أنه سبحانه وصف أولي الأمر بصفة لم يدعها أحد لأمراء السرايا، فقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83] ،فحكم تعالى بكون أولي الأمر ممن يوجب خبره العلم بالمستنبط، وحال أمراء السرايا بخلاف ذلك.

ومنها: أن صحة هذه الفتيا مبنية على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان،

و...من الأدلة ما يقتضي فساد إمامتهم، ففسد لذلك ما صحته فرع صحتها.

ومنها: أنه تعالى أطلق طاعة أولي الأمر كطاعته تعالى ورسوله ولم يخصها بشيء، وذلك يقتضي عصمتهم، لأن تجويز القبيح على المأمور بطاعته على الإطلاق يقتضي الأمر بالقبيح أو إباحة ترك الواجب من طاعته، وكلا الأمرين فاسد، ولا أحد قطع بعصمة أمراء السرايا، فبطل توجه الآية إليهم.

ترتيب آخر: إطلاق طاعة أولي الأمر يقتضي عصمتهم، لقبح الأمر مطلقا بطاعة مواقع القبيح، ولا أحد قال بعصمة أولي الأمر إلا خص بها عليا والطاهرين من ذريته عليهم السلام.

ومنها: قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] ،فنفى سبحانه أن ينال الإمامة ظالم، وهذا يمنع من استحق سمة الظلم وقتا ما من الصلاح للإمامة، لدخوله تحت الاسم المانع من استحقاقها.

وأيضا فإنه سبحانه أخبر بمعنى الأمر أن الظالم لا يستحقها، وخبره متعلق بالمخبر على ما هو به، فيجب فساد إمامة من يجوز كونه ظالما، وذلك يقتضي وقوف صلاحها على المعصوم، ويوجب فساد إمامة أبي بكر وعمر وعثمان والعباس، لوقوع الظلم منهم، ولعدم القطع على عصمتهم، وإذا بطلت إمامة هؤلاء ثبتت إمامة علي عليه السلام، لأنه لا قول لأحد من الأمة خارج عن ذلك.

وتبطل إمامتهم من الآية: بأن جوابه تعالى بنفي الإمامة عن الظالم خرج مطابقا لسؤال إبراهيم عليه السلام، وذلك يقتضي اختصاصه لمن كان ظالما ثم

تاب، لقبح سؤال الإمامة للكافر في حال كفره، ووقوع الكفر من هؤلاء معلوم، فيجب دخولهم (6) تحت النفي.

وليس لأحد أن يقدح في بعض ما مضى: بأن التائب من الظلم لا يكون ظالما.

لأن ظالما من أسماء الفاعلين في اللغة كقاتل وضارب، وليس باسم شرعي، والأسماء المشتقة من الأفعال ثابتة بعد التوبة كثبوتها قبلها، يقولون:

هذا قاتل زيد وضارب عمرو وخاذل علي وإن تابوا مما اقترفوه، ولو كان من أسماء الشرعية لقبح هذا الإطلاق بعد التوبة كفاسق وكافر.

ولأن العرب ما تصف فاعل الضرر الخالص بظالم كما تصفه الشريعة، ولو كان منقلا يجري مجرى مصل ومزك، لاختصاصه بعرف الشرع كذين الإسمين، وإقرار الشريعة له على أصل الوضع يسقط الشبهة، لأنها مبنية على قبح الوصف به بعد التوبة، وما قررته الشريعة من الأسماء على أصله لا يجوز سلبه للتائب بلا خلاف بين العلماء بأحكام الخطاب.

وأما النص الجلي من السنة: فقوله لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما: أنت الخليفة من بعدي.

وفي مقام: أنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة من بعدي.

وأمره لأصحابه في غير مقام بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين.

وفي مقامات: أنت الصديق الأكبر والفاروق الأعظم وذو النورين الأزهر ويعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة.

وهذه الأقوال بصريحها مفيدة إستخلافه عليا عليه السلام على أمته ودالة على إمامته، فيجب القطع لما على صحة ما نذهب إليه.

إن قيل: لو دلوا على صحة هذه الأخبار ليتم لكم المقصود منها.

قيل: فيما ذكرناه من الأخبار ما تواتر بنقله الخاصة والعامة، ومنها ما تواترت به الشيعة وضامها (7) على نقله بعض أصحاب الحديث.

فالأول: خبر الدار وهو جمع النبي عليه السلام لبني هاشم أربعين رجلا، فيهم من يأكل الجذعة ويشرب الفرق، ويصنع لهم فخذ شاة بمد من قمح وصاع من لبن، فأكلوا بأجمعهم وشربوا والطعام والشراب بحاله.

ثم خطبهم فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إن الله تعالى أرسلني إليكم يا بني هاشم خاصة وإلى الناس عامة، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر وينصرني يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة من بعدي؟

فأمسك القوم، وقام علي عليه السلام فقال: أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر، فقال: أجلس، فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة من وقد أطبق الناقلون من الفريقين على هذا كنقلهم المعجزات، إذ كان من جملتها إطعام الخلق الكثير باليسير من الطعام وهو هذا اليوم، وكل من روى هذا المقام روى القصة كما شرحناها.

وأيضا فقد أجمع علماء القبلة على يوم الدار وطريق العلم به النقل، وكل نقل ورد به منقول على ما ذكرناه من النص على علي (8) عليه السلام بالأخوة والوصية والوزارة وشد الأزر والخلافة من بعده، فلحق هذا التفصيل بتلك الجملة إذ جحده جحد لها.

ومن ذلك: أمره لأصحابه بالتسليم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين في غير مقام، وقد تناصر الخبر المتواتر بذلك من طريقي الشيعة وأصحاب

الحديث، من تأمل النقل وجد ذلك ظاهرا في العامة.

وقد قيل في ذلك أشعار معلوم إضافتها إلى قائليها، كأشعار الشعراء في الجاهلية والاسلام.

فمنه: قول حسان بن ثابت يوم الراية:

وكان علي أرمد العين يبتغي ...دواء فلما لم يحس مداويا

إلى قوله:

(فأصفى بها دون البرية كلها عليا) (9)...وسماه الوزير المواخيا

والوزارة في عرف النبوة خلافة بغير إشكال، بدليل قوله: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} [طه: 29] ، أي: خليفة وإماما باتفاق المفسرين.

ولأن اللفظ الذي تضمن الوزارة والأخوة هو اللفظ الذي تضمن الخلافة، وإنما اقتصر على ذكر بعض المنطوق به اختصارا وتعويلا على علم السامع.

ومنه: قول بريدة الأسلمي: - وقد ركز رايته في بني أسلم وقال: لا أبايع إلا من أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أسلم عليه بإمرة المؤمنين -

يا بيعة هدموا بها...أسا وجل دعائم

 إلى قوله:

أمر النبي معاشرا...هم أسوة ولازم (10)

أن يدخلوا فيسلموا ...تسليم من هو عالم

إن الوصي هو الخلـ ... ـيفة بعده والقائم (11)

وقال النابغة الجعدي: - وقد سمع أصوات الناس في السقيفة لقيس بن صرمة وعمران بن حصين -

قولا لأصلع هاشم إن أنتما...لاقيتما (ه) لقد حللت... (12)

إلى قوله:

وعليك سلمت (13) الغداة بإمرة...للمؤمنين فما رعت تسليمها

أنثى وأكرم هاشم وعظيمها ... يا خير من حملته بعد محمد

نكثت بنو تيم بن مرة عهده...فتبوأت نيرانها جحيمها

وتخاصمت يوم السقيفة والذي...فيه الخصام غدا يكون خصيمها

وطريق العلم بهذه الأشعار كسائر أشعار الشعراء، وهي دالة على ثبوت النص الجلي من وجهين:

أحدهما: أنه لا داعي لقائلها مع ظهور الكلمة لجحد النص وتولي الأمر من دون المنصوص عليه وإخافة الدائن به إلا الصدق.

الثاني: أنه لم يحفظ عن أحد من الأمة تكذيب لقائليها مع ارتفاع الأعذار كلها في ترك النكير.

والثاني: المختص بتواتر الشيعة الإمامية، هو ما عدا خبر الدار والتسليم مما ذكرناه ومما لم نذكره.

وطريق العلم بتواترهم: أنا نعلم وكل مخالط وجود فرقة عظيمة من الطائفة الإمامية معروفة بنقل الحديث في كل زمان إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنقل خلف عن سلف حتى يتصلوا بمن شوفه، بقوله عليه السلام لعلي عليه السلام في مقامات: أنت الخليفة من بعدي، وأنت سيد المسلمين (14) وإمام المتقين، إلى غير ذلك من النص الصريح بالإمامة، وبلوغ كل طبقة منهم الحد الذي يتعذر معه الكذب بتواطؤ أو اتفاق على ما تبناه في النبوات، فليراع ذلك، فكل (15) شيء قدح به في نقل الشيعة عائد على نقل المسلمين، وكل شيء صحح ذلك صحح هذا.

وتأمل ذلك يسقط ما يطالبون به من إثبات سلف للشيعة، أو دعوى افتعال، أو حصول كثرة بعد قلة، أو سبب جامع، إلى غير ذلك، فليتأمل.

ووضعنا الاستدلال على الوجه الذي بيناه ليسقط ما لا يزالون يهذون به: من أن النص الجلي لو كان حقا لم يقف نقله على الشيعة، أو لو كان حقا لكان شائعا ويعم العلم به، يجري مجرى الصلاة والصوم ونص أبي بكر على عمر.

لأن تواتر العامة بخبر الدار وخبر التسليم يسقط معظم هذا الاعتراض، وتواتر الفريقين به يقتضي شياعه وسقوط دعوى كتمانه، وثبوت الحجة بنقله يقتضي عموم تكليفه، ووقوف العلم على الناظر دون المعرض المحجوج بالتعريف الفاقد للعلم بتقصيره، إذ ليس من شرط التكليف أن يعلم وجوبه أو قبحه ضرورة، بل ذلك موقوف على ما يعلمه تعالى من الصلاح للمكلف، وهذا أصل مقرر بين أهل العدل، لولا ثبوته يسقط تكليف المعارف العقلية وما يبتني عليها من الشرعيات الموقوف عليها على الاكتساب.

وخالف حال النص (على) علي عليه السلام لنص أبي بكر على عمر والنص على الصلاة. 

لأنه لا صارف عن نقل نص أبي بكر لمخالف ولا مؤالف، هذا يتدين به وذلك لا يرتفع بثبوته، ولا خوف ديني ولا دنيوي في نقله، وكذلك حكم الصلاة والزكاة، وحال النص في علي عليه السلام على خلاف ذلك.

على أنا نعلم وهم ضرورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينص على صلاة سادسة ولا على سلمان، ونقطع جميعا على بهت من ادعى ذلك وكذبه، وليست هذه حالنا في دعوى النص على علي عليه السلام، فإذا جاز أن يفقد النص على شيئين يختلف حال العلم بإثباتهما.

على أنا نورد طرقا من نقل أصحاب الحديث لهذا الضرب من النص (ترد) (16) هذا الاعتراض:

فمن ذلك: ما رووه عن أبي سعيد الخدري وعن ابن عباس وعن زيد بن أرقم وعن بريدة الأسلمي جميعا، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

من كنت وليه فعلي وليه.

ورووا من طرق عن بريدة الأسلمي ومحمد بن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

علي وليكم من بعدي.

ورووا عن عمران بن حصين وابن عباس وبريدة الأسلمي وجابر بن عبد الله الأنصاري، كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي.

ورووا عن عبد الله بن الحارث قال: دخل علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة، فجلس بينهما، فقالت: ما وجدت لأستك موضعا إلا فخذي أو فخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

مهلا، ولا تؤذيني في أخي، فإنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وأمير الغر المحجلين يوم القيامة، يقعده الله على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.

ورووا عن عبد الله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله، عليه وآله وسلم:

لما أسري بي إلى السماء أوحي إلي في علي عليه السلام: أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين.

ورووا عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

اسكب لي وضوءا، فتوضأ، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال: يا أنس يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين.

قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار إذ جاء علي عليه السلام، فقال:

من هذا يا أنس؟ فقلت: علي، فقام مستبشرا واعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجه علي عليه السلام.

فقال علي عليه السلام: لقد رأيتك صنعت اليوم في شيئا ما صنعته بي قط.

قال: وما يمنعني وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم الذي اختلفوا فيه بعدي.

ورووا عن رافع مولى عائشة قال: جاءت جارية بإناء مغطى فوضعته بين يدي عائشة، فوضعته عائشة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمد يده فأكل، ثم قال:

ليت (17) أمير المؤمنين وسيد المسلمين يأكل معي.

فقالت عائشة: ومن أمير المؤمنين؟ فسكت.

ثم جاء فدق الباب، فخرجت إليه فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: أدخليه (18)، فدخل.

فقال: مرحبا وأهلا، والله لقد تمنيتك حتى لو أبطأت علي لسألت الله عز وجل أن يجيئني بك، إجلس فكل، فجلس فأكل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قاتل الله من قاتلك، عادى الله من عاداك، الحديث.

ورووا عن جابر بن سمرة قال: كان علي عليه السلام يقول:

أرأيتم لو أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض من كان يكون أمير المؤمنين إلا أنا.

وربما قيل له: يا أمير المؤمنين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليه ويتبسم.

ورووا عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعدا مع أصحابه، فرأى عليا عليه السلام، فقال:

هذا أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين.

ورووا عن زكريا بن ميسرة، عن أبي إسحاق، عن محمد بن علي عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

عرج بي، فانتهوا بي إلى السماء السابعة، فأوحى الله إلي في علي عليه السلام ثلاث: سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.

ورووا عن بريدة الأسلمي من عدة طرق أنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نسلم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين.

ومن طرق أنه قال عليه السلام لأبي بكر وعمر: إذهبا فسلما على أمير المؤمنين.

قالا: يا رسول الله وأنت حي؟، قال عليه السلام: وأنا حي.

وفي رواية أخرى: إن عمر قال: يا رسول الله أمن الله أم من رسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بل من الله ورسوله.

ورووا عن المسعودي، عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي، عن أبيه، عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته حوله أصحابه من المهاجرين والأنصار وعائشة إلى جنبه، وذلك قبل أن يضرب الحجاب عليهن.

فجاء علي عليه السلام فلم ير مجلسا، فجلس بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة، فقالت عائشة: يا بن أبي طالب ما وجدت مجلسا إلا فخذي، في هذا اليوم تحول بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما هذا بأول ما لقيت منك، فقام (19) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده فضرب كتفها، فقال.

يا حميراء لا تؤذيني في أخي وسيد المسلمين بعدي وأولى الناس بالناس بعدي، والله ليقعدنه الله على الصراط فليقسمن النار فيقول: هذا لي وهذا لك، فيدخلن الله وليه الجنة، وليدخلن عدوه النار ورووا عن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

يا معشر المهاجرين والأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا بعدي؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هذا علي أخي ووزيري ووارثي وخليفتي إمامكم فأحبوه لحبي، وأكرموه لكرامتي، فإن جبرئيل عليه السلام أمرني أن أقوله لكم.

ورووا عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ألا أدلكم على ما إن استدللتم عليه لم تهلكوا ولم تضلوا، إن إمامكم ووليكم علي بن أبي طالب عليه السلام فوازروه (20) وناصحوه وصدقوه، إن جبرئيل عليه السلام أمرني بذلك.

ورووا عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه عليهما السلام، عن علي عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام:

يا بنية إن الله عز وجل أشرف على أهل الدنيا فاختار أباك على رجال العالمين، فاصطفاني بالنبوة وجعل أمتي خير الأمم، ثم أشرف ربي الثانية فاختار زوجك علي بن أبي طالب على رجال العالمين، فجعله أخي ووزيري وخليفتي في أهلي، الحديث.

ورووا عن مطر بن خالد قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

إن أخي ووصيي وخير من أترك بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام.

ورووا عن أنس قال: كنت خادما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبينا أنا أوضيه، إذ قال:

يدخل واحد هو أمير المؤمنين وسيد المسلمين وخير الوصيين وأولى الناس بالناس وأمير الغر المحجلين.

قلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار حتى قرع الباب، فإذا علي عليه السلام، فلما دخل عرق وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرقا شديدا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجهه بوجه علي عليه السلام.

فقال علي عليه السلام: ما لي يا رسول الله أنزل في شيء؟ فقال: أنت مني تؤدي عني وتبرئ ذمتي وتبلغ رسالتي.

فقال: يا رسول الله: أو لم تبلغ الرسالة؟ قال: بلى، ولكن تعلم الناس من بعدي تأويل القرآن ما لم يعلموا أو تخبرهم.

ورووا عن عمرو المسلي (21) قال: سمعت جابر الجعفي يقول: أخبرني وصي الأوصياء قال: دخل علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة، فجلس قريبا منها، فقال:

يا عائشة لا تؤذيني في أمير المؤمنين وسيد المسلمين، يقعد غدا يوم القيامة على الصراط، فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار.

ورووا عن أبي المنذر الهمداني، عن أبي داود، عن أبي برزة الأسلمي،

قال: كنا إذا سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان علي عليه السلام صاحب متاعه، فإن رأى شيئا يرمه رمه، وإن كانت نعل خصفها، فنزلا منزلا، فأقبل علي عليه السلام يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودخل أبو بكر فسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

إذهب فسلم على أمير المؤمنين، قال: يا رسول الله وأنت حي! قال: وأنا حي.

قال: ومن ذلكم؟ قال؟ خاصف النعل.

ثم جاء عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

اذهب فسلم على أمير المؤمنين.

قال بريدة: وكنت أنا فيمن دخل معهم، فأمرني أن أسلم على علي عليه السلام، فسلمت عليه كما سلموا.

ورووا عن حبيب بن يسار وعثمان بن نسيطة (22) مثله.

وعن أبي بريده مثله.

ورووا عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام:

يا علي من أطاعك فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله.

ورووا عن أبي هارون العبدي، عن زاذان (23)، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة فقال:

أيها الناس إن الله باهى بكم اليوم ليغفر لكم عامة ويغفر لعلي عليه

السلام خاصة.

فقال: ادن مني يا علي، فدنا، فأخذ بيده ثم قال: إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أطاعك وتولاك من بعدي، وإن الشق كل الشقي حق الشقي من عصاك ونصب لك العداوة من بعد.

ورووا عن أبي أيوب مثله، إلا أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

يا إيها الناس إن الله باهى بكم في هذا اليوم فغفر لكم عامة وغفر لعلي عليه السلام خاصة، فأما العامة ففيهم من يحدث بعدي أحداثا، وهو قول الله عز وجل: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10] وأما الخاصة فطاعته طاعتي ومن عصاه فقد عصاني.

ورووا عن أبي عمر (24) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام:

يا علي من خالفك فقد خالفني ومن خالفني فقد خالف الله عز وجل.

ورووا عن ابن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ما من رجل مسلم إلا وقد وصل ودي إلى قلبه، وما وصل ودي إلى قلب أحد إلا وصل من ود علي عليه السلام إلى قلبه.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذب يا علي من زعم أنه يبغضك ويحبني، حتى قالها ثلاثا.

وهذه نصوص صريحة على فرض طاعة علي كالنبي عليهما الصلاة والسلام، وذلك مقتض لإمامته، لأنه لا أحد يثبت طاعته كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا من يثبت إمامته، وعلى كونه خليفة من بعده، وولي أمره، وأولى الخلق بأمته، وسيد المسلمين وأمير المؤمنين.

قد نقلها من ذكرنا وأضعافهم من رجال العامة، كل منها مقتض بصريحه النص عليه بالإمامة.

وأما النص المعلوم مراده منه صلوات الله عليه بالاستدلال: فخبرا تبوك والغدير، وطريق العلم بهما كبدر وأحد وحنين وغزوة تبوك وحجة الوداع وصفين والجمل.

لأن كل ناقل لغزوة تبوك ناقل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وكل من نقل حجة الوداع نقل نزول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم، وجمع الناس به، وقيامه فيهم خطيبا، وتقريره الأمة علي فرض طاعته، وقوله بعد الاقرار منهم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

كما أن كل من روى بدرا روى مبارزة علي وحمزة وأبي عبيدة لشيبة وعتبة والوليد وقتل الثلاثة.

وكل من روى أحدا روى قتل وحشي حمزة بن عبد المطلب عليه السلام.

وكل من روى الجمل روى قتل طلحة والزبير، وعقر الجمل، وهزيمة أنصاره.

وكل من روى صفين نقل قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه ذي الكلاع الحميري لعنه الله، ورفع المصاحف.

وحصول العلم بهذا التفصيل لكل مخالط متأمل للسير والآثار كالجمل.

وإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير جاريا مجرى ما ذكرناه من الوقائع المعلومة على وجه يقبح الخلاف فيه، لم يحتج إلى استدلال على إثباتهما، كما لم يحتج إليه في شيء من الوقائع - وما ذكرناه من تفصيل الحادث فيها.

هذا مع علمنا وكل متأمل للروايات بثبوت ذين الخبرين في نقل من لم يرو المغازي ممن تقوم الحجة بنقله من الخاصة والعامة، فشاركا لعامة الوقائع (25) في النقل، واستبدا بنقل متواتر من الشيعة وأصحاب الحديث، فيجب الحكم بتساوي الطريق إلى العلم بالجميع إن لم يحكم لما ذكرناه بالزيادة لما بينا من المزية على الوقائع.

وليس لأحد أن يقول: إن الأمر لو كان كذلك لاشترك في العلم به العامي والخاص.

لأن العلم به ليس من كمال العقل فيجب القول بعمومه، وإنما يحصل للمخالط المتأمل للآثار على الوجه الذي ذكرناه، دون البعيد عنهما، كأمثاله من المعلومات التي يعلم العلم بها من خالط العلماء وتأمل النقل، ولا يحصل للمعرض، كتفصيل ما جرى في بدر وأحد والجمل وصفين وتبوك وحجة الوداع، وكون الركوع والسجود والطواف والوقوف بعرفة من أركان الصلاة والحج، وتعلق فرض الزكاة بأنواع التسعة، وإيجاب تعمد الأكل والشرب والجماع في الصوم بالقضاء والكفارة، إلى باقي أحكام هذه العبادات، وما ثبت تحريمه من المأكل والمشارب والمناكح والمعايش وأحكام البيوع والشهادات والقصاص والمواريث، والمعلوم ضرورة من دينه صلى الله عليه وآله وسلم وجوبها، مع وجود (26) أكثر العامة وقطان البدو والسواد جاهلين بجميعها أو معظمها، لتشاغلهم بما بينهم من المعايش والأغراض الدنيوية.

فإن كان جهل العامي المعرض عن سماع النقل بخبري الغدير وتبوك قادحا في عموم علمهما لكل مخالط متأمل للآثار فكجهل (27) من ذكرناه من

العوام وأهل البدو والسواد والجند والأكراد بما يعم العلم به من تفاصيل الحروب الدينية والأحكام الشرعية قادح فيما أجمع عليها المسلمون منها وعم العلم به للأكل مخالط متأمل، وهذا ما لا يطلقه أحد من العلماء، لعظيم ما فيه.

وإن كان جهل هؤلاء الحاصل فيهم لتشاغلهم عن مخالطة العلماء وإعراضهم عن سماع النقل والفتيا غير قادح في عموم العلم بها اتفق العلماء عليه وعلم من دينه صلى الله عليه وآله من الشرعيات، لم يقدح جهل العوام وطغام (28) الناس بخبري تبوك والغدير في ثبوتهما وعموم العلم بهما.

ولذلك لا نجد أحدا من علماء القبلة قديما وحديثا ينكرهما ولا يقف في صحتهما، كما لا يشك في شيء من الأحكام المجمع عليها، وإن خالف في المراد بهما.

ولا يقدح في هذا ما حكاه الطبري عن ابن أبي داود السجستاني من إنكار خبر الغدير.

بل ذلك يؤكده، لأنه لا شبهة في عموم العلم بما انقضت (29) الأعصار خالية من منكر له، مع ثبوت الاحتجاج به على أكثر أهلها، ووقوف دعوى إنكاره على واحد لا ثاني له، قد سبقه إجماع أهل الأعصار وتأخر عنه، إذ بهذا تميزت المعلومات العامة من غيرها، ولم يقدح فيها - بعد استقرارها وانقراض العصر بفتيا صحتها واتفاق العلماء على عموم الحجة بها - حدوث مخالف فيها، بل أطرح الكل قوله، لولا ذلك لبطلت الشريعة جملة، إذ لا معلوم منها إلا وقد حدث من يخالف فيه.

على أن المضاف إلى السجستاني من ذلك موقوف على حكاية الطبري،

مع ما بينها من الملاحاة والشنآن، وقد أكذب الطبري في حكايته عنه، وصرح بأنه لم ينكر الخبر، وإنما أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدما، وصنف كتابا معروفا يعتذر فيه مما قرفه (30) به الطبري ويتبرأ منه.

وما يجري حاله في الثبوت هذا المجرى الذي لا يمكن دعوى مخالف فيه إلا واحد (اجتمع (31)) عليه العلماء بخلافه، ويعتذر هو مما أضيف إليه، ويكذب الحاكي عنه الذاهب إليه مستغن عن إقامة حجة على صحته.

وليس لأحد أن يقول: فإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير عاما، فلم فزع أكثر سلفكم إلى إيراد الأسانيد بهما وإثبات طريق النقل لهما؟ وأي حاجة فيما عم العلم به كبدر وحنين إلى ترتيب نقل؟

لأن العلماء من سلفنا وخلفنا - رضي الله عنهم - لم يعولوا في إثبات ذين الخبرين إلا على ما ذكرناه، وإنما نبهوا في الاستدلال على الطريق وصفة التواتر تأكيدا للحجة وتنبيها للمعرض على الطريق التي يعم العلم بتأملها.

وجروا في ذلك مجرى من يسأل بيان العلم بصفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي قران أو إفراد أو تمتع؟ وأعيان المخلفين عن غزاة تبوك؟

وهل كانت ذات حرب أم لا؟ وبقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يوم أحد دون غيره؟ وبقتل عتبة وشيبة والوليد ببدر؟

في فزعه إلى الإشارة إلى كتب أصحاب السيرة وطرق الناقلين لذلك لا يجد مندوحة عنه، إذ هو الطريق الذي منه لحق التفصيل بالجمل في عموم العلم، ولذلك يجد كل من لم يخالط العلماء ويسمع (32) الأخبار ويتأمل الآثار من العوام وأهل السواد والأعراب وأشباههم لا يعلم شيئا من ذلك، ولا يكون التنبيه لهم على طريق العلم بما نقله الرواة وأصحاب السير من تفاصيل ما جرى قادحا في عموم العلم بها لكل متأمل للآثار.

كذلك حال المنبه من شيوخنا - رضي الله عنهم - على طرق الناقلين والمشير إلى صفات المتواترين بخبري تبوك والغدير للمعرض عن سماع ذلك ليس بقادح فيما بيناه من عموم العلم بهما للمتأملين.

على أن بإيراد ما نقله أصحاب الحديث من الخاصة والعامة حصل للسامع العلم بهما، كما ينقل الرواة للمغازي حصل العلم بها لكل سامع، وكيف يكون التنبيه على طريق عموم العلم بالمنقول قادحا فيه لولا الغفلة.

وإذا كانت الحجة ثابتة بهما على الوجه الذي ذكرناه تعين فرض النظر فيهما ليعلم المراد بهما، ومتى فعل هذا الواجب دل فاعله على كون كل منهما دالا على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من وجوه.

أما خبر تبوك، فإنه صلوات الله عليه دل به على أن عليا عليه السلام منه بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة في الحال التي استثنى فيها ما لم يرد ثبوته لعلي عليه السلام من النبوة، وذلك يقتضي ثبوت ما عداها من منازل هارون لعلي عليه السلام بعد وفاته، ودال على استخلافه له بهذا القول من وجوه:

منها: أن من جملة منازل هارون عليه السلام كونه خليفة لموسى عليه السلام على بني إسرائيل، وقد نطق بذلك القرآن في قوله سبحانه: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} [الأعراف: 142] الآية، وأجمع عليه المسلمون، فيجب كون علي من رسول الله صلى الله عليه وآله وعليهما (33) كذلك، إذ لا فرق بين أن يقول فيه: أنت الخليفة من بعدي، وبين أن يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، مع علم المخاطب بكون هارون خليفة لموسى، كما لا فرق بين قول الملك الحكيم لمن يريد استيزاره: أنت وزيري، أو: أنت مني بمنزلة فلان من فلان المعلوم كونه وزيرا له.

ومنها: أن من جملة منازل هارون كونه مفترض الطاعة على كافة بني إسرائيل، فيجب كون علي عليه السلام كذلك، وذلك يوجب إمامته، إذ لا فرق بين أن يقول عليه السلام: أنت الخليفة من بعدي أو إمام أمتي أو المفترض الطاعة عليهم، أو أنت مني بمنزلة هارون من موسى، مع علم السامع والناظر بكون هارون مفترض الطاعة على كافة بني إسرائيل. 

ومنها: أن من جملة منازل هارون كونه مستحقا لمقام موسى عليه السلام باتفاق، فيجب أن يكون علي عليه السلام كذلك، إذ لا فرق بين أن يقول عليه السلام: أنت مستحق لمقامي، أو أنت مني بمنزلة هارون المعلوم استحقاقه لمقام موسى عليه السلام.

وليس لأحد أن يقدح فيما ذكرناه: بأن الاستحقان وفرض الطاعة والاستخلاف كان لهارون بالنبوة، وقد استثناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيجب أن يلحق بها في النفي ما هو موجب عنها.

لأنا نعلم (عدم) وقوف الاستخلاف وفرض الطاعة على النبوة، لصحة استحقاق ذلك من دونها، والمعلوم ثبوت الاستحقاق والاستخلاف وفرض الطاعة لهارون عليه السلام، ولا سبيل إلى العلم بوجهه.

على أنه لو سلم لهم ذلك لم يضرنا، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع في الاستحقاق، فيجب الحكم بمشاركتهما فيه، وإن اختلفت (34) جهتاه، إذ كان اختلاف جهات الاستحقاق لا يمنع من المشاركة فيه بغير إشكال.

وإنما كان يكون في كلامهم شبهة لو كان فرض الطاعة والخلافة لا يثبتان إلا لنبي، ليكون استثناء النبوة استثناء لهما، والمعلوم خلاف ذلك، فليس

استثناؤها يقتضي استثناء المنازل الثابتة بها، (وإلا) لم يكن في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فائدة، لأنه لا يبقى شيء من منازل هارون يصح إثباته لعلي عليه السلام حسب ما تضمنه لفظ النبي ودل منه على مراده، وذلك مما لا يصح وصفه به.

فلم يبق إلا القول بثبوت منازل هارون له بعد النبوة أو بها، وليس في استثنائها استثناء المنازل، ليصح مقصود النبي صلى آله عليه وآله وسلم.

وليس لأحد أن يقول: المحبة والنصرة غير موجبين عن النبوة كالخلافة وفرض الطاعة الثابتين عنها، فإذا استثناها باستثناء مقتضيهما بقيت المحبة والنصرة، فتخصص مراده بهما، وذلك يخرج كلامه عليه السلام عن العبث.

لأن المحبة والنصرة كالخلافة وفرض الطاعة في صحة كونهما موجبين عن النبوة، كصحة كون الخلافة وفرض الطاعة ثابتين بغير النبوة، إذا كانت هذه القضية واجبة فمطلق قوله صلى الله عليه وآله وسلم يتناول جميع المنازل الهارونية، إلا ما استثناه من النبوة التي لا يدل استثناؤها على استثناء بعض المنازل دون بعض، لصحة استحقاق الكل بها، وخروج ثبوت الجميع عن مقتضاها، فلو أراد بعض ما عدا المستثنى لوجب عليه بيانه، وفي إطلاقه صلى الله عليه وآله وإمساكه عن الإبانة بتخصيص مراده ببعض المنازل دليلا على إرادته الجميع.

وأيضا فإن المحبة والنصرة معلوم ضرورة لكل سامع مقر بالنبوة ومنكر لها ثبوتها لعلي من النبي صلوات الله عليهما، فلا فائدة أيضا إذا في إعلام ما لا يدخل في معلومه شبهة.

على أن ذلك لو صح أن يكون مرادا - مع بعده - وقصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لنص عليه خاصة، ولم يحتج إلى إطلاق لفظ موهم له ولغيره مع عدم الإبانة.

ولا يجوز أن يقال: على هذا لو أراد الخلافة لنص عليها بعينها، ولم يحتج إلى قول يحتملها وغيرها.

لأنه عليه السلام أراد بما قاله الخلافة وما عداها من المنازل الهارونية عدا النبوة، ولو نص على الخلافة أيضا لا يستفد من نصه غيرها، فافترق الأمران، (و) المنة لله.

وليس لهم أن يقولوا: لو أفاد الخبر فرض الطاعة والاستخلاف لكان ثابتا في حياته كثبوت ذلك لهارون من موسى عليهما السلام، والاجماع بخلاف ذلك.

لأن الخبر إذا كان مفيدا للاستخلاف بما أوضحناه وجب حمله على عرف الاستخلاف، وقد علمنا أنه لا يفهم من قول الملك لغيره: أنت خليفتي والقائم مقامي، إلا بعد وفاته.

وأيضا فإن الخبر إذا وجبت به إمامته عليه السلام على كل حال، فمنع الإجماع من ثبوتها في حال الحياة، بقيت أحوال بعد الوفاة.

وبعد، فإنا قد أوضحنا أنه عليه السلام قد أفصح في كلامه بمراده، فأغنى الناظر عن هذا القدح بقوله: إلا أنه لا نبي بعدي، فنفى النبوة بعده، فاقتضى ذلك أن يكون ما عدا المستثنى ثابتا في الحال التي نفى فيها ما لم يرده من المنازل، فناب ذلك مناب قوله صلى الله عليه وآله: أنت مني بعد وفاتي بمنزلة هارون من موسى في حياته، لأن إطلاق الاستحقاق وفرض الطاعة يتناول زماني الحياة الوفاة، فإذا استثنى ما لم يرده من المنازل التي لولا الاستثناء لكانت ثابتة في حال بعد الوفاة، اختص مراده صلى الله عليه وآله بها دون حال الحياة، لأنه لا فرق بين قول القائل لصاحبه: اضرب غلماني يوم الخميس إلا زيدا، وبين قوله:

اضرب غلماني إلا زيدا يوم الخميس، في تخصيص أمره بإيقاع الضرب بالمأمور بهم بيوم الخميس.

ولا يجوز حمل قوله عليه السلام: بعدي، على بعد نبوتي، لأنه رجوع

عن الظاهر الذي لا يفهم من إطلاقه إلا بعد الوفاة، كقوله صلى الله عليه وآله:

لا ترجعوا بعدي كفارا.

أو كقوله لعلي عليه السلام: ستغدر بك الأمة بعدي.

وقوله: تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين.

في إفادة ذلك أجمع بعد الوفاة بغير إشكال.

ولأن الخبر قد أفاد فرض الطاعة والإمامة، فمنع ذلك من حمله على ما قالوه.

ولأنه لا أحد قال إن الخبر يفيد الإمامة إلا قال بثبوتها بعد وفاته عليه السلام، وقد دللنا على اختصاص إفادته لذلك.

ولو سلم ما قالوه لاقتضى استحقاق علي عليه السلام الإمامة وفرض الطاعة في كل حال، انتفت فيه النبوة من بعد ثبوتها له، ولا يخرج من ذلك إلا ما أجمع عليه المسلمون.

ولا يعترضنا قولهم: إن لفظ: منزلة لفظ توحيد، وأنتم تحملونها على جملة منازل.

لأن القائل قد يعبر عمن له عدة منازل من السلطان فيقول: منزلة فلان من السلطان جليلة، وهو يريد الجميع، ويوضح ذلك ثبوت الاستثناء مع قبح دخوله في لفظ الواحد، إذ كان من حقه أن يخرج من الجملة ما تعلق به ويبقى ما عداه.

وإذا ثبت أن لفظ: منزلة متناول لعدة منازل، بدليل دخول الاستثناء الذي لا يدخل إلا على الجمل، فكل من قال بذلك قال إن الخبر مفيد للإمامة.

وليس لأحد أن يقول: إنه عليه السلام لو أراد الخلافة لشبهه بيوشع.

لأنا قد بينا دلالة الخبر على الخلافة مع تشبيهه بهارون، فاقتضى ذلك سقوط السؤال، إذ كان الاقتراح في الأدلة باطل.

على أن لعدوله صلى الله عليه وآله بتشبيهه بهارون عن يوشع وجهين :

أحدها: أن خلافة هارون منطوق بها في القرآن ومجمع عليها، وخلافة يوشع مقصورة على دعوى اليهود العرية من حجة.

الثاني: أنه عليه السلام قصد مع إرادة النص على علي عليه السلام بالإمامة إيجاب باقي المنازل الهارونية من موسى له منه: من النصرة وشدة الأزر والمحبة والاخلاص في النصيحة والتأدية عنه، ولو شبهه بيوشع لم يفهم منه إلا الخلافة، فلذلك عدل إلى تشبيهه بهارون عليه السلام.

وأما خبر الغدير، فدال على إمامته عليه السلام من وجهين:

أحدهما: أنه صلوات الله عليه قرر المخاطبين بما له عليهم من فرض الطاعة بقوله: ألست أولى بكم منكم بأنفسكم، فلا أقروا قال عاطفا من غير فصل بحرف التعقيب: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، وذلك يقتضي كون علي عليه السلام مشاركا له صلوات الله عليه وآله في كونه أولى بالخلق من أنفسهم، وذلك مقتض لفرض طاعته عليهم، وثبوتها على هذا الوجه يفيد إمامته بغير شبهة.

إن قيل: دلوا على أن من جملة أقسام مولى أولى، وأنها في الخبر مختصة به، وأن أولى يفيد الإمامة.

قيل: أما كون أولى من جملة أقسام مولى فظاهر في العربية ظهورا لا يدخل فيه (35) شبهة على أحد عرفها، لثبوتها من جملة أقسامها، وحصول النص منهم عليها، كالمالك والمملوك، ونص أهلها على كونها من جملة الأقسام كهما، وقد نطق القرآن بذلك في قوله تعالى: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ } [الحديد: 15] ، يريد: أولى بكم، وقوله سبحانه: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] ، يريد: أولى بالميراث بغير خلاف بين علماء التأويل، ولأنه لا تحتمل لفظة مولى في الآيتين إلا الأولى.

على أن اشتقاق أقسام مولى يرجع إلى الأولى على ما بينته، وذلك يوجب حملها عليه، لكونها حقيقة في الأولى دون سائر الأقسام.

وأما كونها مقصودة في الخبر دون سائر الأقسام، فمن وجهين:

أحدهما: أنها الأصل لسائر أقسام مولى، فيجب حمل مطلقها عليها، كخطاب سائر الحكماء.

الثاني: اتفاق العلماء بالخطاب على أن تقديم البيان على المجمل، وطريق (36) المخاطبين على المراد به أبلغ في الإفهام من تأخيره.

يوضح ذلك: أن مواضعة المكلف سبحانه على معنى صلاة وزكاة قبل الخطاب بهما أبلغ في البيان من تأخير ذلك عليه، وأن قول القائل لمن يريد إفهامه: ألست عارفا بأخي زيد الفقيه، وداري الظاهرة بمحلة كذا؟ فإذا قال:

بلى، قال: فإن أخي ارتد وداري احترقت، أبلغ في الإبانة عن مراده من تأخير هذا البيان عن قوله: ارتد أخي، واحترقت داري، لوقوع العلم بمقصوده مع الخطاب الأول في الحال، وتراخيه مع الثاني، ولاختلاف العلماء فيما يتأخر بيانه، وهل هو بيان له أم لا؟ واتفاقهم على كون ما تقدم بيانه مفيدا للعلم بالمراد حين يسمع المجمل.

وإذا تقرر هذا، وكنا وخصومنا وكل عارف بأحكام الخطاب متفقين على أنه صلوات الله عليه وآله لو قال بعد قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه أردت بمولى أولى، لم يحسن الشك في إرادته بلفظة مولى أولى، ولم يستحق المخالف فيه جوابا إلا التنبيه على غفلته، فتقديمه صلوات الله عليه وآله التقرير على الأولى وإتيانه بعده بالمجمل أبلغ في بيان مراده من التقرير الأول، على ما أوضحناه من ذلك.

وليس لأحد عرف الخطاب أن يقول: دلوا على أن الكلام الثاني مبني على الأول، وأن الأول بيان له.

لأن دخول الفاء المختصة بالتعقيب في الكلام الثاني يوجب تعلقه بالأول على أخص الوجوه، وتعلقه به مع احتماله - لو انفرد - له ولغيره من المعاني دليل على كونه بيانا له، لأن قوله صلى الله عليه وآله: فمن كنت مولاه، متعلق بقوله:

ألست أولى بكم، بمقتضى العطف وتعلقه به يقتضي إرادة مولى، لترتبه عليه وكونه بيانا له، وقوله عليه السلام إثر ذلك: فعلي مولاه جار هذا المجرى، فيجب إلحاقه به، والحكم له بمقتضاه.

وأما إفادة الأولى للإمامة فظاهر، لأن حقيقة الأولى الأملك بالتصرف الأحق بالتدبير، يقولون: فلان أولى بالدم وبالمرأة وباليتيم وبالأمر، بمعنى الأحق الأملك، فإذا حصل هذا المعنى بين شخص وجماعة اقتضى كونه مفترض الطاعة عليهم، من حيث كان أولى بهم من أنفسهم في تقديم مراداته وإن كرهوا واجتناب مكروهاته. وإن أرادوا، وعلى هذا خرج قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] ، وعليه قررهم صلى الله عليه وآله.

وإذا وجب مثله للمنصوص عليه به وجبت طاعته على الوجه الذي كان له عليه السلام، ووجوبها على هذا الوجه يقتضي إمامته بغير نزاع.

وبهذا التحرير تسقط شبهة من يظن اختصاص أولى بشئ دون شيء، أو بحال دون حال، أو مكلف دون مكلف، لأن ترتبها على ما قرره صلوات الله عليه وآله من فرض الطاعة الثابت عمومها للمكلفين والأحوال والأمور يوجب المشاركة له صلوات الله عليه وآله في جميع ذلك، ولأنه لا أحد قال إن مراده بمولى أولى إلا قال بإيجاب طاعته عليه السلام على الجميع، وعمومها للأحوال والأمور.

والوجه الثاني: من الاستدلال: أن مجرد قوله عليه السلام: من كنت مولاه فعلي مولاه يدل على أنه عليه السلام أراد الأولى المفيد للإمامة - لما قررناه - من وجوه ثلاثة:

منها: أن لفظ مولى حقيقة في الأولى، لاستقلالها بنفسها، ورجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها، لأن المالك إنما كان مولى لكونه أولى بتدبير رقيقه وبحمل جريرته، والمملوك مولى لكونه أولى بطاعة مالكه، والمعتق والمعتق كذلك، والناصر لكونه أولى بنصرة من نصره، والحليف لكونه أولى بنصرة حليفه، والجار لكونه ولى بنصرة جاره والذب عنه، والصهر لكونه أولى بمصاهره، والإمام والورا (37) لكونه أولى بمن يليه، وابن العم لكونه أولى بنصرة ابن عمه والعقل عنه، والمحب المخلص لكونه أولى بنصرة محبه ومواده.

وإذا كانت لفظة مولى حقيقة في الأولى وجب حملها عليها دون سائر أقسامها، كوجوب ذلك في سائر الخطاب الجاري هذا المجرى.

الثاني: أن لفظة مولى لو كانت مشتركة بين سائر الأقسام وغير مختصة.

ببعضها لوجب حمل خطابه صلوات الله عليه وآله بها على جميع محتملاتها إلا ما منع منه مانع، كوجوب مثل ذلك في خطاب مشترك فقدت الدلالة من المخاطب به على تخصص مراده ببعض محتملاته.

الثالث: أنه عليه السلام جمع الخلق لهذا الأمر وأظهر من الاهتمام به ما لم يظهر منه في شيء مما أتى به، ولا بد لذلك من غرض مثله، لأن خلوه من غرض أو غرض مثله عبث وسفه، ولا يجوز وصفه عليه السلام به.

ولا يجوز أن يريد عليه السلام المالك، ولا المملوك، ولا المعتق، ولا المعتق، ولا الحليف، ولا الجار ولا الإمام، ولا الورا (38)، ولا الصهر، لحصول العلم الضروري بخلاف ذلك أجمع.

ولا يجوز أن يريد ابن العم، لأنه لا فائدة فيه، لحصول العلم به قبل خطابه.

ولا يجوز أن يريد ولاية المحبة والنصرة، لوجوبهما على كافة المسلمين، فلا وجه لتخصيصه عليا بها.

فلم يبق إلا الأولى الأحق بالتدبير الأملك بالتصرف.

وليس لأحد أن يحمل مراده عليه السلام بلفظة مولى على الموالاة على الظاهر والباطن - حسب ما وجب له عليه السلام على المخاطبين - من وجوه:

منها: أن طريقته المقدمة تمنع منه.

ومنها: كون مولى حقيقة في أولى يجب لها حمل المراد عليها حسب ما بيناه.

ومنها: وجوب حمل اللفظ المحتمل للأشياء على جميع محتملاته، فلو كان ما ذكروه مما يحتمله لفظة مولى لوجب دخوله تحت المراد من غير منافاة لإرادة الأولى.

ومنها: أن الموالاة على الباطن ليست من أقسام مولى في لغة العرب المخاطبين بها، فلا يجوز حمل خطابه عليه السلام على ما لا يفيد مطلقه من غير مواضعة تقدمت ولا بيان تأخر.

ومنها: أنه لو كانت هذه الولاية من جملة الأقسام لوجب - لو أرادها - أن يقول: من كان مولاي فهو مولى لعلي، لأنه وعليا عليهما السلام هما (39) ،المتوليان على الظاهر والباطن دون المخاطبين، فلما خرج خطابه صلى الله عليه وآله بعكس ذلك استحال حمل مولى في الخبر على ولاية الباطن والظاهر لو كان ذلك شائعا في اللغة، لأنه يقتضي كون النبي وعلي صلوات الله عليهما هما المتوليان للمخاطبين على الظاهر والباطن، وهذا ظاهر الفساد.

على أن الحامل لمخالفينا على هذا التأويل المتعسف تخصيص علي عليه السلام بما لا يشركه فيه غيره حسب ما اقتضت الحال، والولاية على الظاهر والباطن حاصلة لجماعة من الصحابة باتفاق، فمنع ذلك من تخصيص علي عليه السلام بها لو كان الخطاب محتملا لها.

اللهم إلا أن يريدوا ولاية خاصة لا يشرك النبي صلى الله عليه وآله فيها غير علي عليه السلام، فيكون (40) ذلك تسليما منهم للإمامة بغير شبهة.

إن قيل: فطريقكم من هذا الخبر يوجب كون علي عليه السلام إماما في الحال، والاجماع بخلاف ذلك.

قيل: هذا يسقط من وجوه:

أحدها: أنه جرى في استخلافه عليا صلوات الله عليهما على عادة المستخلفين الذين يطلقون إيجاب الاستخلاف في الحال ومرادهم بعد الوفاة، ولا يفتقرون إلى بيان، لعلم السامعين بهذا العرف المستقر.

وثانيها: أن الخبر إذا أفاد فرض طاعته وإمامته عليه السلام على العموم وخرج حال الحياة بالإجماع ، بقي ما عداه.

وليس لأحد أن يقول: على هذا الوجه فألحقوا بحال حياة النبي صلى الله عليه وآله أحوال المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام.

لأنا إنما أخبرنا حال الحياة من عموم الأحوال للدليل، (ولا دليل) على إمامة المتقدمين... ولأن كل قائل بالنص قائل بإيجاب إمامته عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل، فإذا كان دالا على النص بما أوضحنا سقط السؤال، ووجب إلحاق الفرع بالأصل.

وثالثها: أنا نقول بموجبه من كونه عليه السلام مفترض الطاعة على كل مكلف وفي كل أمر وحال منذ النطق به وإلى أن قبضه الله تعالى إليه وإلى الآن، وموسوما بذلك، ولا يمنع منه إجماع، لاختصاصه بالمنح من وجود إمامين، وليس هو في حياة النبي صلى الله عليه وآله كذلك، لكونه مرعيا للنبي صلوات الله عليهما وتحت يده، وإذا كان مفترض الطاعة فقط لثبوته للأمراء (41)، وإنما كان كذلك لأنه لا يد فوق يده، وهذا لم يحصل إلا بعد وفاته صلوات الله عليه.

____________

(1) كذا في النسخة، يحتمل: " وقوله ".

(2) جواب: فمن تأمل.

 (3) في النسخة: " كونه ".

(4) في النسخة: " الحداق ".

(5) في النسخة: " وكان من كل ما قال ".

(6) في النسخة: " دخوله ".

(7) كذا، والوضمة: جماعة من الناس فيهم نحو مائتي إنسان.

(8) في إثبات الهداة 2 / 288 نقلا عن تقريب المعارف: وكل نقلي أوردته مشتمل على النص على علي.

(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في النسخة، وأثبتناه من المناقب لابن شهرآشوب 3: 130.

(10) في المسخة: " هم أسرة وأهازم "، والمثبت من المناقب لابن شهرآشوب 3: 54.

(11) في المناقب لابن شهرآشوب مكان البيت الأخير:

هو الإمام القائم ... مستيقن أن الوصي

(12) في النسخة: " ازدمها ".

(13) في النسخة: " سلام ".

(14) في النسخة " المرسلين والمثبت من إثبات الهداة 2 / 289 نقلا عن تقريب المعارف.

(15) في النسخة: " في كل ".

(17) في النسخة: " أيت ".

(18) في النسخة: " أدخله ".

(19) في النسخة: " فقال ".

(20) في النسخة: " فواردوه ".

(21) كذا في النسخة.

(22) كذا في النسخة.

(23) في النسخة " راذان ".

(24) كذا في النسخة.

(25) في النسخة: " للعامة للوقائع ".

(26) في النسخة: " وجودنا ".

(27) في النسخة: " كجهل ".

(28) في النسخة: " طعام " والمثبت هو الظاهر، لأن الطغام: أوغاد الناس.

(29) في النسخة: " نقصت ".

(30) أي: كذبه.

(31) في النسخة: " سمع ".

(32) في النسخة: " وسمع ".

(33) في النسخة: " وعليها ".

(34) في النسخة: " اختلف ".

(35) في النسخة: " في ".

(36) كذا.

(37) كذا في النسخة.

(38) كذا في النسخة.

(39) في النسخة: " هو ".

(40) في النسخة: " ليكون ".

(41) كذا في النسخة.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.