أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2017
1626
التاريخ: 13-3-2018
1056
التاريخ: 23-5-2018
1185
التاريخ: 12-3-2018
1208
|
خلافة هارون الرشيد:
وفي سنة سبعين ومائة استخلف هرون الرشيد، وحج، وانصرف إلى المدينة، فوضع لأهلها العطاء، وأجزل لهم.
وأقبل إلى العراق فوافى الكوفة، وعقد لأبي العباس الطوسي على خراسان، فلبث عليها عامين، ثم عزله.
واستعمل عليها محمد بن الأشعث.
وفي سنة أربع وسبعين ومائة وقعت العصبية بأرض الشام بين المضرية واليمانية،
فتحاربوا حتى قتل من الفريقين بشر كثير.
وحج الرشيد في ذلك العام بالناس ومعه ابناه محمد، وعبد الله، وكتب بينهما كتابا بولاية العهد لمحمد، ومن بعده لعبد الله المأمون، وعلق الكتاب في جوف الكعبة، ثم انصرف إلى مدينة السلام.
واستعمل على خراسان الغطريف بن عطاء.
قال علي بن حمزة الكسائي: ولأني الرشيد تأديب محمد وعبد الله، فكنت أشدد عليهما في الأدب، وآخذهما به أخذا شديدا، وبخاصة محمدا، فاتتني ذات يوم خالصة جارية أم جعفر.
فقالت: يا كسائي، إن السيدة تقرأ عليك السلام، وتقول لك، حاجتي إليك أن ترفق بابني محمد، فإنه ثمرة فؤادي وقرة عيني، وأنا أرق عليه رقة شديدة.
فقلت لخالصة: إن محمدا مرشح للخلافة بعد أبيه، ولا يجوز التقصير في تأديبه.
فقالت خالصة: إن لرقة السيدة سببا، أنا مخبرتك به.
أنها في الليلة التي ولدته أريت في منامها كان أربع نسوة أقبلن إليه، فاكتنفنه عن يمينه وشماله، وأمامه وورائه، فقالت التي بين يديه: (ملك قليل العمر، ضيق الصدر، عظيم الكبر، واهي الأمر، كثير الوزر، شديد الغدر)،
وقالت التي من ورائه: (ملك قصاف، مبذر متلاف، قليل الإنصاف، كثير الإسراف)، وقالت التي عن يمينه: (ملك ضخم، قليل الحلم، كثير الإثم، قطوع للرحم)، وقالت التي عن يساره: (ملك غدار، كثير العثار، سريع الدمار).
ثم بكت خالصة، وقالت: (يا كسائي، وهل يغني الحذر ؟).
وذكر عن الأصمعي قال: دخلت على الرشيد، وكنت غبت عنه حولين بالبصرة، فأوما إلي بالجلوس قريبا منه، فجلست قليلا، ثم نهضت، فأومأ إلي
أن اجلس، فجلست، حتى خف الناس.
ثم قال لي: - يا أصمعي، ألا تحب أن ترى محمدا وعبد الله ؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، إني لأحب ذلك، وما أردت القيام إلا إليهما، لأسلم عليهما.
قال: تكفي.
ثم قال: علي بمحمد وعبد الله.
فانطلق الرسول.
وقال: أجيبا أمير المؤمنين.
فأقبلا، كأنهما قمرا أفق، قد قاربا خطاهما، وضربا ببصرهما الأرض حتى وقفا على أبيهما، فسلما عليه بالخلافة، وأومأ إليهما، فدنيا منه، فأجلس محمدا عن يمينه، وعبد الله عن شماله.
ثم أمرني بمطار حتهما، فكنت لا ألقي عليهما شيئا من فنون الأدب إلا أجابا فيه وأصابا.
فقال: كيف ترى أدبهما ؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما رأيت مثلهما في ذكائهما وجودة ذهنهما، فأطال الله بقاءهما، ورزق الأمة من رأفتهما ومعطفتهما.
فضمهما إلى صدره، وسبقته عبرته حتى تحدرت دموعه.
ثم أذن لهما، حتى إذا نهضا وخرجا، قال: - كيف بكم إذا ظهر تعاديهما وبدا تباغضهما، ووقع بأسهما بينهما حتى تسفك الدماء، ويود كثير من الأحياء انهم كانوا موتى ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا شئ قضى به المنجمون عند مولدهما، أو شئ أثرته العلماء في أمرهما ؟ قال: بل شئ أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما.
قالوا: فكان المأمون يقول في خلافته: (قد كان الرشيد سمع جميع ما جرى بيننا من موسى بن جعفر بن محمد، فلذلك قال ما قال.
قال الأصمعي: وكان الرشيد يحب السمر، ويشتهي (أحاديث) (1) الناس، فكان يرسل إلى إذا نشط لذلك، وجن عليه الليل، فأسامره، فأتيت ذات ليلة، ولم يكن عنده أحد، فسامرته ساعة، ثم أطرق، وفكر، ثم قال: يا غلام، علي بالعباسي - يعني الفضل بن الربيع -.
فحضر، ودخل، فأذن له بالجلوس.
فقال: يا عباسي، إني عنيت بتولية العهد، ومثبت الأمر في محمد وعبد الله، وقد علمت أني إن وليت محمدا مع ركوبه هواه، وانهماكه في اللهو واللذات خلط على الرعية، وضيع الأمر، حتى يطمع فيه الأقاصي من أهل البغي والمعاصي، وإن صرفت الأمر إلى عبد الله ليسلكن بهم المحجة، وليصلحن المملكة، وإن فيه لحزم المنصور وشجاعة المهدي، فما ترى ؟ قال الفضل: يا أمير المؤمنين، إن هذا أمر خطير عظيم، والزلة فيه لا تستقال، وللكلام فيه مكان غير هذا.
فعلمت أنهما يحبان الخلوة، فقمت عنهما، وجلست ناحية من صحن الدار، فما زالا يتناظران إلى أن أصبحا.
واتفق رأيهما على تولية محمد العهد، وتصيير عبد الله من بعده، وقسمه الأموال والجنود بينهما، وأن يقيم محمد بدار الخلافة، ويتولى المأمون خراسان.
فلما أصبح أمر بجميع القواد، فاجتمعوا إليه، فدعاهم إلى بيعة محمد، ومن بعده إلى بيعة المأمون، فأجابوا إلى ذلك، وبايعوا.
وفي سنة ثمانين ومائة (2) عقد الرشيد لعلي بن عيسى بن ماهان على خراسان، وفي ذلك العام خرج الرشيد إلى أرض الشام، وأخذ على الموصل، فلما وافاها أمر بهدم مدينتها، وقد كانوا وثبوا بعاملة.
وفي ذلك العام وثب أهل خراسان بعاملهم، فقتلوه، فأقام بالشام عامه ذلك، ثم خرج حاجا، فلما انصرف قصد الأنبار، فنزل به بمدينة أبي العباس، وهي من الأنبار على نصف فرسخ، وقد كان بقي بها جمع عظيم من أبناء أهل خراسان، توالدوا بها حتى كثروا، فهم إلى الآن، فأقام بها شهرا، ثم توجه منها إلى الرقة (3) فأقام بها شهرا.
وخرج منها غازيا إلى أرض الروم، فافتتح مدينة من مدنهم، تسمى (معصوف).
ثم انصرف إلى الرقة، فأقام بها بقية عامه ذلك.
فلما كان أوان الحج، حج، فقضى نسكه، وجعل منصرفه على الرقة، فأقام بها، وولى يزيد بن مزيد أرمينية، ثم قدم من الرقة سنة أربع وثمانين ومائة حتى وافى مدينة السلام، ونزل قصره بالرصافة (4)، وأخذ عماله بالبقايا، ثم سار من مدينة السلام في سنة خمس وثمانين ومائة عائدا إلى الرقة، وقد كان استطابها.
فلما كان أوان الحج حج، فمر بالمدينة، فأعطاهم ثلاث أعطيات، وأعطى أهل مكة عطاءين، ثم انصرف، فقصد الأنبار، فأقام بها شهرا، ثم انصرف إلى مدينة السلام.
ثم عقد البيعة لابنه القاسم بعد محمد وعبد الله، وولاه الشام، فوجه القاسم عليها عماله.
وحج الرشيد سنة ثمان وثمانين ومائة، وانصرف فنزل الحيرة (5)، فأقام بها أياما، ثم دخل مدينة السلام.
وفي سنة تسع وثمانين سار إلى الري فأقام بها شهرا، ثم انصرف نحو مدينة السلام، فضحى بقصر اللصوص (6)، ثم دخل بغداد، ولم ينزلها، ومضى حتى انتهى إلى السالحين (7)، وهي من مدينة السلام على ثلاثة فراسخ، فبات بها ثم سار عامدا للرقة حتى وافاها، وأمر عند ممره ببغداد بخشبة جعفر بن يحيى أن تحرق، وأقام بالرقة بقية ذلك العام.
فلما دخلت سنة تسعين ومائة خرج غازيا لأرض الروم حتى أوغل فيها وانتهى إلى هرقلة (8)، فافتتحها.
وفي ذلك العام خرج رافع بن نصر بن سيار مغاضبا بأرض خراسان، وكان سبب خروجه أن علي بن عيسى بن ماهان لما ولى خراسان أساء السيرة، وتحامل على من كان بها من العرب، وأظهر الجور، فخرج عليه رافع، فواقعه وقعات، ثم انحاز فيمن اتبعه من أهل خراسان، وكانوا زهاء ثلاثين ألف رجل في سمرقند، وأقام بمدينتها.
وبلغ ذلك الرشيد، فعزل علي بن عيسى عنها، واستعمل عليها هرثمة بن أعين.
ثم انصرف الرشيد قافلا من الروم حتى نزل بمدينة السلام عامه ذلك، واستخلف ابنه محمدا على دار المملكة، وخرج عامدا لأرض خراسا ليتولى حرب رافع بنفسه.
ودخلت سنة اثنتين وتسعين ومائة وفيها خرجت (الخرمية) (9) بأرض الجبل في المرة الأولى، فوجه إليهم محمد الأمين بعبد الله بن مالك الخزاعي، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وشرد بقيتهم في البلدان.
وسار الرشيد حتى وافى مدينة طوس (10)، فنزل في دار حميد الطوسي، ومرض بها مرضا شديدا، فجمع له الأطباء يعالجونه، فقال: إن الطبيب بطبه ودوائه لا يستطيع دفاع محذور جرى ما للطبيب يموت بالداء الذي قد كان يشفي مثله فيما مضى فلما اشتد به الوجع قال للفضل بن الربيع: يا عباسي، ما تقول الناس ؟ قال: يقولون، إن شأني أمير المؤمنين قد مات.
فأمر أن يسرج له حمار ليركبه، ويخرج، فأسرج له، وحمل حتى وضع على السرج، فاسترخت فخذاه ولم يستطع الثبوت.
فقال: أرى الناس قد صدقوا.
ثم توفي.
وذلك في سنة ثلاث وتسعين ومائة يوم السبت، لخمس ليال خلون من جمادى الآخرة (11)، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة، وشهرا ونصفا.
__________
(1) بياض في الأصل مكان مابين الحاصرتين.
(2) سنة 796 م.
(3) مدينة على نهر الفرات كان بها قصران لهشام بن عبد الملك.
(4) محلة بالجانب الشرقي من بغداد، كان المهدي قد عكسر بها، فأمره المنصور أن يبني فيها دورا، فالتحق بها الناس وعمروها، وفيها قبور جماعة من الخلفاء العباسيين.
(5) مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على النجف، وكانت مسكن ملوك العرب في
الجاهلية، النعمان وآباؤه، وسموها بالحيرة البيضاء لحسنها.
(6) سمى بذلك لأن جيشا من المسلمين نزلوا به، فسرقت دوابهم.
(7) قرية من نهر عيسى ببغداد، وهي السيلحين التي بات بها المثنى بن حارثة وصبح، فأغار على سوق بغداد.
(8) مدينة ببلاد الروم، قرب صفين فتحها الرشيد وسبى أهلها وقد خربت، ولم يبق منها آثار عمارة.
(9) طائفة تنسب إلى بابك الخرمي، وتدين بما تدين الباطنية أولاد المجوس الذين تأولوا آيات القرآن وسنن النبي على موافقة أصواتهم.
(10) مدينة بالقرب من نيسابور، بها آثار إسلامية جلية، وكان بها دار حميد قحطبة.
(11) الموافق 27 مارس سنة 808 م.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|