أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-4-2016
9937
التاريخ: 22-3-2017
43878
التاريخ: 9/10/2022
1375
التاريخ: 15-6-2018
12353
|
إن هذا القانون يتكون من نوعين من القواعد، القواعد الموضوعية التي تجرم الأفعال التي تنتهك حقوق الإنسان وقواعد إجرائية تنظم (الجهة القضائية) التي تتولى محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية تنتهك حقوق الإنسان وفرض العقوبات عليهم ، وحتى نستطيع القول بوجود قانون دولي جنائي بالمعنى الدقيق لا بد من وجود قواعد موضوعية تجرم الأفعال إلى جانب قواعد إجرائية تنظم جهة قضائية دولية معاً فلا يكفي وجود قواعد موضوعية دون وجود قواعد إجرائية ، كما يجب أن تكون القواعد الموضوعية والإجرائية معبرة عن إرادة دولية أي تم إقرارها بأغلبية أعضاء المجتمع الدولي، فإذا بقيت القواعد الموضوعية دون تطبيق أو كانت هذه القواعد حتى مع وجود جهة تطبقها ولكنها غير منشأة بإرادة دولية لا نكون أمام قانون دولي جنائي وفي هذا المبحث نحاول تحديد الفترة الحقيقية لظهور القانون الدولي الجنائي كنظام متكامل يشمل قواعد موضوعية وقواعد إجرائية (جهة قضائية) تتولى محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية في أربعة مطالب / الأول لمرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى والثانية / لمرحلة ما بين الحربين العالميتين والثالث / لمرحلة محاكمات الحرب العالمية الثانية / والرابع لقيام الأمم المتحدة ودورها في تطوير القانون الدولي الجنائي .
المطلب الأول
مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى
من غير الممكن التحدث عن قانون دولي جنائي في هذه المرحلة وذلك لانعدام القواعد الموضوعية التي تجرم الأفعال التي تشكل خرقاً للنظام العام الدولي وحقوق الإنسان وكذلك عدم وجود أية قواعد إجرائية لتنظيم محكمة دولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية . فالحرب لم تكن محرمة أصلاً في هذه الفترة بل كانت وسيلة لتحقيق الأهداف القومية وان كانت الأخلاق توصي بان يكون استخدامها محدوداً وحكيماً(1). وقد حاول بعض الفقهاء تبرير الحرب في هذه الفترة بابتكار مفهوم (الحرب العادلة) وعلى رأس هؤلاء (فيتوريا وسواريز) فقد كان رأي فيتوريا أن الحرب تكون عادلة ضد الدولة التي تنتهك القانون واشترط التناسب بين الحرب والانتهاك الذي حدث وفي مفهومه أن من يخسر الحرب يكون دائماً هو المذنب ، أما سواريز فكان يعد أن الحرب العادلة هي التي يقصد بها إعادة الحق المغتصب إلى أصحابه(2). وقد أيد (جروسيوس) فكرة الحرب العادلة وفي رأيه أن الحرب تكون عادلة ضد دولة أخرى إذا كان الهدف منه معاقبة وضع ظالم أو غير عادل ، وان لجوء الدولة للحرب لا يكون الغرض منه العقاب على ما أصابها من ضرر فادح من دولة أخرى فقط وإنما كذلك بسبب انتهاك الدولة (الموجه ضدها الحرب) للقانون الطبيعي(3). ورغم أن هذه الفترة شهدت إبرام عدة اتفاقيات الغرض منها احترام الجانب الإنساني للحرب وأهمها اتفاقيات لاهاي 1899و1907 إلا أن دورها اقتصر على تحريم اللجوء إلى استخدام بعض الوسائل كالأسلحة الفتاكة في الحرب إلا أنها لم تجرم الحرب ، ولم توصف الحرب بأنها جريمة دولية ، إذ كل ما أشارت إليه الاتفاقيات أن استخدام الوسائل المحرمة يعتبر جريمة من جرائم الحرب لذلك يؤخذ على هذه الاتفاقيات أمران (أ- إن الحديث عن العمل على جعل الحرب إنسانية أمر صعب بل ومستحيل لان مفهوم الحرب يتعارض مع مفهوم الإنسانية . ب- إن الحديث عن حظر أو تحريم أو منع تصرفات معينة أثناء الحرب أمر لا معنى له طالما انه غير مقترن بجزاءات في حالة مخالفة لهذا الحظر أو التجريم))(4).
المطلب الثاني
مرحلة ما بين الحربين العالميتين
اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 وانتهت بانتصار الحلفاء عام 1918 وارتكبت فيها جرائم خطيرة بحق الإنسانية . لذلك بدأ الحديث عن فكرة الجزاء الدولي والمسؤولية الجنائية وضرورة معاقبة الزعماء الألمان عن تسببهم في إثارة حرب اعتداء وانتهاك قواعد وأعراف الحرب . وقد واجه الحلفاء بعض الصعوبات فيما يتعلق بفرض الجزاء على المتهمين إذ أن الحرب العدوانية لم تكن مجرمة من ناحية ولم تنص اتفاقيات لاهاي على أية عقوبات أو أية جهة قضائية دولية تقوم بمحاكمة المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب من ناحية أخرى . لذلك بدأ الفقهاء في هذه الدول يبحثون عن تبرير قانوني لقيام المحاكم الوطنية بهذه المهمة وانقسم الفقه إلى اتجاهين حول هذه المسألة : الاتجاه الأول / يعارض اختصاص الدولة بمحاكمه رعايا الدول الأعداء المتهمين بارتكاب جرائم حرب ،والاتجاه الثاني / يؤيد اختصاص الدولة بمحاكمه رعايا الدول الأعداء المتهمين بارتكاب هذه الجرائم(5). وحسماً لهذا الخلاف فقد شكل المؤتمر التمهيدي للسلام الذي انعقد في باريس 1919 لجنه سميت (لجنه المسؤوليات) لبحث كل الجوانب القانونية للمسؤولية المترتبة على الحرب (6). وجاء تقرير (لجنة المسؤوليات ) ليميز بخصوص المسؤولية الدولية الجنائية بين طائفتين من الأشخاص .الطائفة الأولى/ هم المتهمون بارتكاب أفعال تنتهك قوانين وعادات الحرب ضد دولة واحدة أو ضد رعاياها . هؤلاء تتم محاكمتهم أمام محاكم الدولة المتضررة الطائفة الثانية/ المتهمون بارتكاب أفعال أضرت بعدة دول كإصدار الأوامر لارتكاب جرائم في أقاليم عدة دول أو الامتناع عن اتخاذ إجراءات منع ارتكاب تلك الجرائم فتتم معاقبتهم أمام محكمة دولية مكونة من (22) قاضياً من الدول المتضررة ، أما فيما يتعلق بالمسؤولية عن حرب الاعتداء فقد انتهت اللجنة إلى القول إن إثارة حرب الاعتداء لا يقع تحت طائلة العقاب وذلك لعدم وجود قانون دولي سابق يحرم اللجوء إلى الحرب ويحدد العقوبات الجنائية المستوجبة عند المخالفة(7). ولكن مع ذلك أصر الحلفاء على ضرورة تحمل إمبراطور ألمانيا (غليوم الثاني) مسؤولية إثارة حرب الاعتداء لذلك جاءت المادة (227) من معاهدة فرساي لعام 1919 على تشكيل محكمة دولية لمحاكمة الإمبراطور لارتكابه انتهاكات صارخة ضد مبادى الأخلاق الدولية وقدسية المعاهدات ، على أن تحدد المحكمة العقوبة التي ترى تطبيقها على الإمبراطور، أما بخصوص بقية مجرمي الحرب الألمان فقد نصت المادة (229)على محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد رعايا دولة واحدة أمام المحاكم العسكرية لتلك الدولة . والمتهمين بارتكاب جرائم ضد عدة دول متحالفة فتتم محاكمتهم أمام محكمة مشكلة من قضاة ينتمون إلى الدول صاحبة الشأن .ولكن جهود الحلفاء في إنشاء محكمة دولية لم تنجح ليس بسبب لجوء الإمبراطور إلى هولندا التي رفضت تسليمه فقط وإنما لأسباب عديدة أخرى أهمها :
المطلب الثالث
مرحلة محاكمات الحرب العالمية الثانية
تميزت الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بتطورات مهمة ، منها محاولة الدول المنتصرة وضع قواعد قانونية دولية لتجريم الأفعال التي ارتكبتها خلال الحرب دول المحور باعتبارها تشكل جرائم دولية وأنشئت لهذا الغرض محكمتان (نورمبرغ وطوكيو) وأرادوا لها آن تكون (نظاماً قضائياً دولياً جنائياً)، ولن ادخل في تفاصيل إنشاء المحكمتين لان في مؤلفات الكتاب ما يغطي ذلك(25). ولكن سأحاول الرد على السؤال الأتي : هل آن القواعد التي وضعها الحلفاء لتجريم الأفعال التي ارتكبها المتهمون من الألمان ودول المحور هي قواعد قانونية دولية تشكل جزءا من القواعد الموضوعية للقانون الدولي الجنائي وهل آن المحكمتين المشكلتين من قبل الحلفاء هي محاكم دولية جنائية بالمعنى الدقيق ؟
آن التحليل للقواعد التي وضعها الحلفاء لمعاقبة المتهمين والإجراءات التي اتبعتها المحكمتان تدل على آن هذه القواعد والإجراءات لم تؤدي إلى نشأة القانون الدولي الجنائي بالمعنى الدقيق (وان كانت هذه المحاكمات قد شكلت سوابق قضائية ساعدت على نشأة القانون الدولي الجنائي في المرحلة التالية) . ونستند في هذا القول على الأسباب الآتية :
حيث الجرائم المسندة إلى المتهمين (جرائم ضد السلام ، جرائم الحرب ، الجرائم ضد الإنسانية) كانت مفاهيم غامضة ولم يكن هناك قواعد قانونية دولية تحدد وتعرف هذه وبصورة خاصة مصطلح (الجرائم ضد الإنسانية) الواردة في الفقرة (ج) من المادة (6) لم يرد ذكرها في أي معاهدة دولية وتجنباً لأي اعتراض على هذه الجريمة فان الأساس الذي استند عليه الحلفاء لتبرير هذه الجريمة هو الامتداد التشريعي لجريمة الحرب(37) والفرق بينهما واضح جداً، وينطبق نفس القول بالنسبة (للجرائم ضد السلام) حيث لم يكن لها مفهوم واضح أو تعريف محدد سوى المحاولة الفاشلة لمحاكمة إمبراطور ألمانيا بموجب المادة (227) من معاهدة فرساي ، وقد لاحظنا كيف آن لجنة المسؤوليات لعام 1919 اعتبرت آن فعل إثارة حرب الاعتداء لا يوجد بشأنه قاعدة في القانون الدولي للعقاب عليه . كما آن من النتائج المترتبة على قاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) هو عدم رجعية القواعد التجريمية بأثر رجعي وهو مبدأ معروف في القانون الجنائي الداخلي(38). ولكن لائحة محكمتي نورمبرغ وطوكيو خالفت هذا المبدأ حيث أقرت بالمسؤولية الجنائية على أعمال لم تكن وقت ارتكابها مجرمة (أما القول أن أساس تجريم هذه الأفعال هي الاعتبارات الأخلاقية فانه قول غير صحيح إذ لا يمكن اعتبار كل مسؤولية أخلاقية بذات الوقت مسؤولية قانونية لان ذلك سوف يعرض قواعد العدالة إلى الخطر حيث آن تقدير المسؤولية الأخلاقية وتقييمها مسألة يختلف تقديرها من شخص إلى أخر)(39). لذلك فان هاتين المحكمتين كانتا محكمتين استثنائيتين لم تتوافر فيهما الصفة القضائية المحايدة (إذ أنها طبقت بأثر رجعي قواعد جنائية مستحدثة منتهكة بذلك المبدأ القانوني المستقر في القانون والفقه الجنائي الذي يقضي بزنة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)(40).
وبذلك لم يكن في نية الحلفاء إنشاء نظام دولي للعدالة يؤدي عمله باستقلال بعيداً عن الاعتبارات السياسية بما يضمن عدالة غير مشبوهة(42).
وكذلك التناقض بين لائحتي المحكمتين فبينما المادة (7) من لائحة محكمة طوكيو نصت على آن الصفة الرسمية يمكن آن تكون ظرفا مخففا للعقاب بينما لم تعط لائحة نورمبرغ لهذه الصفة أي اثر في العقاب(44). كل هذه الأسباب تدفعنا إلى القول آن القواعد والإجراءات المطبقة في المحكمتين لا تمت إلى القانون الدولي الجنائي بصلة لان هذا القانون يتكون من قواعد موضوعية واجرائية نابعة من إرادة المجتمع الدولي ، بينما قواعد و إجراءات المحكمتين كانت عن إرادة المنتصر(إذ تشكلت هذه المحاكم تطبيقياً لقانون الطالب وعدالته اكثر منها تطبيقاً لقانون دولي جنائي حري بهذا الاسم )(45). ولا يمكن الاعتراف لإرادة المنتصر بالقدرة على خلق قواعد وتجريم أفعال ثم القول بأنها تعبر عن قانون دولي جنائي (لان ذلك يعني آن نعطي للمنتصر الحق في آن يشكل محكمة ويضع قوانين يطبقها بمفعول رجعي على خصمه المدحور بشكل يكون فيه المنتصر بطلاً والمدحور مجرماً على الدوم )(46) ، ولا يمكن اعتبار المحكمتين تطبيقياً للقضاء الدولي الجنائي لأنها لم تنشأ بإرادة دولية لذلك نحن نؤيد رأي الدكتور محمد سامي عبد الحميد إذ يقول في وصف محكمة نورمبرغ (إن هذه المحكمة ليس لها صفة دولية ألا اسمها فالتكييف الصحيح لها إنها محكمة داخلية أنشئاها قوات التحالف)(47).
المطلب الرابع
مرحلة قيام الأمم المتحدة ودورها في نشأة القانون الدولي الجنائي
يمكن القول بدون تحفظ آن هذه المرحلة تعد بحق مرحلة نشأة القانون الدولي الجنائي حيث في هذه المرحلة اشتركت إرادة الدول مجتمعة عن طريق منظمة الأمم المتحدة في بناء صرح هذا القانون عكس المرحلة السابقة التي انفردت فيها الدول المنتصرة بوضع قواعد تجريمية لمعاقبة المهزومين في الحرب العالمية الثانية . وبما آن الأمم المتحدة جعلت من بين مقاصدها الرئيسة احترام حقوق الإنسان وتعزيزه وسعت إلى تحقيق ذلك من خلال الإعلان العالمي والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان(48). فكان لا بد على صعيد أخر آن تعمل على تطوير وسيلة أخرى قوية لحماية هذه الحقوق من الانتهاكات التي قد تتعرض لها . ومن هنا كانت نشأة القانون الدولي الجنائي وازدياد أهميته . حيث بدأت الأمم المتحدة بتقنين قواعد القانون الدولي الجنائي والإشراف على إبرام الاتفاقيات الدولية الشارعة التي تضع قواعد تجريمية دولية تصبح مصدراً لهذا القانون . ولكن لابد من القول بان نشأة القانون الدولي الجنائي كنظام متكامل فيه القواعد الموضوعية التي تجرم الأفعال والقواعد الإجرائية التي تنظم الجهة القضائية الدولية المختصة بتطبيق القواعد الموضوعية قد مر بفترتين ، الفترة الأولى / من قيام الأمم المتحدة إلى العقد الأخير من القرن العشرين(فترة الحرب الباردة)والفترة الثانية/ من العقد الأخير من القرن العشرين حتى الوقت الحاضر.
أولاً- الفترة من قيام الأمم المتحدة حتى العقد الأخير من القرن العشرين ( فترة الحرب الباردة ).
اقتصرت الجهود الدولية بأشراف الأمم المتحدة في هذه الفترة على وضع القواعد الموضوعية للقانون الدولي الجنائي دون وجود للقواعد الإجرائية التي تشكل محكمة دولية جنائية حيث بقيت القواعد القانونية التي شاركت الدول عن طريق الاتفاقيات الدولية أو التي صاغتها الجمعية العامة مفتقرة إلى وسيلة التطبيق أي محكمة دولية جنائية تعاقب مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إذ أصبحت العدالة الدولية الجنائية ضحية للحرب الباردة ، حيث حدثت نزاعات دولية مسلحة عديدة خلال هذه الفترة ولم تنشأ لأي منها آليات دولية للتحقيق أو المحاكمة(49).
ولا شك آن هذا الصمت الدولي تجاه الجرائم الدولية كان ناجماً عن البيئة السياسية الدولية التي كانت تتسم بتوازن توافقي بين طرفي الحرب الباردة ، وان كان هذا التوازن على حساب إغفال تطبيق مبادئ القانون الدولي(50). إذ كان لتضارب مصالح طرفي الحرب الباردة (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) اثر سلبي في العلاقات الدولية بصورة عامة ، وفي موقف المجتمع الدولي من النزاعات الدولية ومساءلة المسؤولين عنها (إذ غالباً عندما ينشأ نزاع دولي لم يكن المجتمع الدول يتحرك ليدعو إلى محاكمة المسؤولين عنها نظراً لتحكم طرفي الحرب الباردة بزمام الأمور كما حصل في الحرب الكورية 1951 والعدوان على مصر عام 1956)(51). كما آن كثير من الجرائم الدولية التي انتهكت حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ارتكبت في هذه الفترة ولكن لم يشكل لأجلها أي محكمة دولية لمعاقبة المسؤولين عنها(52). وقد أثرت الحرب الباردة في جهود الجمعية العامة في إنشاء محكمة دولية جنائية دائمة حيث آن اجتماعات ومناقشات لجنة القانون الدولي من عام 1949 حتى عام 1989 لم تثمر عن أية نتيجة في إنشاء هذه المحكمة وكان سبب ذلك تضارب أراء طرفي الحرب الباردة إذ انقسم أعضاء اللجنة إلى قسمين : الأول يؤيد إنشاء المحكمة وينادى بسرعة وضعها موضع التطبيق العملي ، والثاني يرفض الفكرة انطلاقاً من آن ذلك ليس ممكناً في ظل الظروف الراهنة(53). ولذلك كان الاتجاه الدولي في هذه الفترة هو وضع القواعد التجريمية وبمساعدة الجمعية العامة وقد بدأت هذه الجهود منذ عام 1948 على اثر المآسي والجرائم التي شهدتها الحرب العالمية الثانية حيث اعتمدت الجمعية العامة في الدورة (3) اتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري . ثم بعد ذلك تبنت الجمعية العامة بقرارها (488/د-5) في عام 1950 مبادئ محكمة نورمبرغ . وقد يسأل البعض السؤال الأتي : كيف تتبنى الأمم المتحدة مبادئ وأحكام محكمة نورمبرغ وقد كان فيها الكثير من الأخطاء والإخلال بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وعدم تطبيق العدالة الدولية ولم تنشأ بإرادة دولية ولتصبح بعد ذلك من مبادئ القانون الدولي الجنائي؟
ويمكن الإجابة عن هذا السؤال على النحو الأتي :
ثم بعد ذلك دور الجمعية في وضع تعريف للعدوان بموجب القرار 3314 في عام 1974. وكذلك اعتمادها للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة عام 1984 والتي أصبحت نافذة عام 1987(59).
ثانياً- الفترة من العقد الأخير من القرن العشرين إلى الوقت الحاضر :
شهدت هذه الفترة تطورا كبيرا للقانون الدولي الجنائي إذ اصبح نظاما قانونيا متكاملا حيث تم إنشاء محاكم دولية جنائية لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وتطبيق القواعد الموضوعية للقانون الدولي الجنائي . وقد كان لانهيار التوازن الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مستهل التسعينات عاملاً مساعداً نحو التحرك لإنشاء المحاكم الدولية الجنائية ولكن كان الجانب السلبي لهذا الإنجاز آن هذه المحاكم طبقت بصورة انتقائية على الجرائم الدولية(60). وكانت الخطوة الأولى لإنشاء المحاكم الدولية الجنائية عام 1993 على اثر انتهاكات حقوق الإنسان في يوغسلافيا ثم بعد ذلك عام 1994 في رواندا حيث أنشأ مجلس الأمن بقراره (827) في عام 1993 المحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا وبقراره (955) المحكمة الدولية الجنائية لرواندا عام 1994 ، ولما كانت هذه المحاكم خاصة ومؤقتة ومحددة من حيث الاختصاص ، فقد استمرت الجهود لإنشاء محكمة دولية جنائية دائمة يشمل اختصاصها كل الحالات المستقبلية وتعاقب على كل جرائم انتهاك حقوق الإنسان . وبالفعل تم التوقيع في مؤتمر روما الدبلوماسي على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 واصبح هذا النظام نافذاً في 1/7/2002 بعد اكتمال عدد التصديقات (60) تصديقا لنفاذ هذا النظام(61).
كما شهدت هذه الفترة خطوة مهمة جداً في نطاق القانون الدولي الجنائي وهي انتهاء لجنة القانون الدولي من صياغة (مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية أمنها) لعام 1996 وتم وضع مشروع المدونة تحت تصرف الجمعية العامة وأصبحت جاهزة للمناقشة والتوقيع(62). ويتكون مشروع المدونة من عشرين مادة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء :
_________________
1- انظر : د. محمد بهاء الدين باشات، المعاملة بالمثل في القانون الدولي الجنائي، الاعمال الانتقامية وفكرة العقاب، الهيئة العامة لشؤون المطابع الاميرية،القاهرة،1974.، ص56.
2- انظر : د. عبد الرحيم صدقي، القانون الدولي الجنائي، القاهرة،1986، ص8.
3- See : Patrick Daillier et Alain Pellet, droit International Public (Nguyen Quoc Dinh. + ), L. C. D. J., Paris, 6 Edition, 1999, p.56.
4- انظر : د. عبد الرحيم صدقي ، مصدر سابق ، ص ص 12-13.
5- لمزيد من التفصيل حول هذين الاتجاهين ، انظر : د. ع.عبد الواحد محمد الفار،الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها، دار النهضة العربية،القاهرة،1996، ص70.
6-حول هذه اللجنة ، انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، نشأتها ونظامها الأساسي مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابعة ، نادي القضاة ، القاهرة ، الطبعة الثالثة، 2002 ، ص9 وما بعدها .
7- انظر : د. عبد الواحد محمد الفار ، مصدر سابق ، ص ص 72-73.
8- انظر : د. عبد الرحيم صدقي ، مصدر سابق ، ص13.
9- انظر : د. عبد الواحد محمد الفار ، مصدر سابق ، ص79.
10- انظر : د. عبد الوهاب حومد، الاجرام الدولي، مطبوعات جامعة الكويت، الطبعة الاولى، 1978، ص116.
11- انظر : د. عبد الواحد محمد الفار ، مصدر سابق ، ص80.
12- انظر : د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، نشاتها ونظامها الاساسي مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، نادي القضاة، القاهرة، الطبعة الثالثة ، 2002، ص18.
13- انظر : د. عبد الرحيم صدقي ، مصدر سابق ، ص ص 19-20.
14- انظر : المادة (12) من عهد العصبة .
15- انظر : د. محمد بهاء الدين باشات ، مصدر سابق ، ص59.
16- انظر : رشاد عارف يوسف السيد ، المسؤولية الدولية عن أضرار الحروب العربية الإسرائيلية ، دار الفرقان للنشر والتوزيع ، الجزء الأول،عمان، الطبعة الأولى ، 1984 ، ص128.
17- انظر في تفاصيل هذا المشروع والنص الكامل له :
Joachim geweher. Defining aggression for the international chiminal court : Aprosal. http : // web. Uct. Ac. Za/depts/pbl/geweher, 2003, p.6
18-Ibid., pp. 1-7.
19-انظر : د. رشاد عارف يوسف السيد ، مصدر سابق ، ص130.
20-See : Joachim geweher, Op. Cit., p. 7.
21-انظر : د. كمال حماد ، جريمة العدوان ، إحدى الجرائم الخطيرة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ندوة الصليب الأحمر ، جامعة دمشق ، كلية الحقوق ، بعنوان المحكمة الجنائية الدولية ، تحدي الحصانة ، تشرين الثاني ، 2001 ، ص268.
22- للمزيد عن هذين الاتجاهين ، انظر : جيرهارد فان غلان ، القانون بين الأمم ، الجزء الثالث ، تعريب أيلي وريل ، دار الأفاق الجديدة ، بيروت ، 1970، ص11.
23- انظر : د. علاء الدين مكي خماس ، استخدام القوة في القانون الدولي ، المطابع العسكرية ، بغداد ، 1982 ، ص ص 58-60.
24- نقلاً عن : جيرهارد فان غلان، القانون بين الامم، الجزء الثالث، تعريب ايلي وريل، دار الافاق الجديدة،بيروت،1970، ص11.
25- انظر في التطور التاريخي لمحاكم نورمبرغ وطوكيو وإنشائهما كل من : د. حميد السعدي، مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي، مع عرض وتحليل لاحكام محكمة (نورمبرغ الخاصة بمحاكمة كبار مجرمي الحرب)،مطبعة المعارف، بغداد 1971، ص329؛ ود. محمد محي الدين عوض، دراسات في القانون الدولي الجنائي، دار الفكر العربي، القاهرة،1966، ص205 ؛ ود. ضاري محمود خليل وباسيل يوسف ، مصدر سابق ، ص31-34 ؛ وانظر كذلك :
Roger Clark, The Development of International Criminal Law, 2000, p.3. http: // www. cam law rutgers. Edu/ faculty/ occasional/ 5 – clark. Htm.
26- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص 24-25.
27- انظر : د. محي الدين عوض ، مصدر سابق ، ص231.
28- انظر : د. ضاري محمود خليل وباسيل يوسف، المحكمة الجنائية الدولية، هيمنة القانون ام قانون الهيمنة، بغداد، بيت الحكمة، الطبعة الاولى،2003، ص35.
29- انظر كل من : د. يونس العزاوي ، مشكلة المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي العام ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1970 ، ص 138- ص155 ؛ وكذلك : د. .رشاد عارف يوسف السيد، المسؤولية الدولية عن اضرار الحروب العربية الاسرائيلية، الجزء الاول، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الاولى،1984، ص ص 150-158.
30- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص35 ؛ وانظر كذلك : عبد الرحيم الخليفي ، القانون الجنائي الدولي من المحاكم المؤقتة إلى المحاكم الدائمة ، مجلة الوحدة الإسلامية ، العدد 16 ، السنة الثانية ، آذار 2003 ، ص2.
31- انظر : د. يونس العزاوي، مشكلة المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي العام، مطبعة شفيق،بغداد،1970، ص155.
32- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص26.
33- انظر : المصدر نفسه ، ص26.
34- انظر : جيرهارد فان غلان ،الجزء الثالث، مصدر سابق ، ص212.
35- انظر : د. علي عبد القادر القهوجي، القانون الدولي الجنائي، اهم الجرائم الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الاولى،2001، ص250.
36- انظر : د. مرشد السيد واحمد غازي الهرمزي، القضاء الدولي الجنائي، دراسة تحليلية للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسلافيا مقارنة مع محاكم نورمبرغ وطوكيو وروندا، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الاولى،2002، ص52 ؛ وكذلك انظر : الطاهر مختار علي سعد، القانون الدولي الجنائي، الجزاءات الدولية، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، الطبعة الاولى 2001، ص139 ؛ وأيضاً : د. سعيد عبد اللطيف، المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية،القاهرة،2004، ص ص 74-77.
37- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص28.
38- انظر : د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1977 ، ص80 وما بعدها .
39-انظر : د. يونس العزاوي ، مصدر سابق ، ص141.
40- انظر : د. سمعان بطرس فرج اللة، الجرائم ضد الانسانية، ابادة الجنس وجرائم الحرب، وتطور مفاهيمها، ضمن كتاب دراسات في القانون الدولي الانساني، تقديم د.مفيد شهاب، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الاولى،2000 ، ص448.
41- سنوضح الأسباب السياسية لعدم المحاكمة أو التسليم في الفصل الخامس من هذه الأطروحة عندما نتكلم على اثر الاعتبارات السياسية في القانون الدولي الجنائي .
42- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص36.
43- انظر : د. عبد الوهاب حومد ، مصدر سابق ، ص178 ؛ حيث يشير أيضاً إلى انتقاد القاضي الهولندي (رولنغ) عضو محكمة طوكيو إذ يقول (إن المحكمتين عبارة عن حماقات وعرضاً للقوة . ويمكن أن نستنتج منه أن المنتصر يستطيع أن يلوي هامة القانون الراهن حسب أهوائه).
44- انظر : د. علي عبد القادر القهوجي ، مصدر سابق ، ص263.
45- انظر : د. محمد يوسف علوان، المحكمة الجنائية الدولية، ضمن الندوة العلمية بعنوان)القانون الدولي الانساني الواقع والطموح(،جامعة دمشق، كلية الحقوق،من4-5تشرين الثاني 2000 ، ص200.
46- انظر : د. إحسان هندي ، مبادئ القانون الدولي العام في وقت السلم والحرب ، دار الجليل للطباعة ، دمشق ، ط1 ، 1984 ، ص314.
47- انظر : د. محمد سامي عبد الحميد ، أصول القانون الدولي العام ، ج1 ، الجماعة الدولية ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، الإسكندرية ، 1986 ، ص406.
48- انظر : د. محمد السعيد الدقاق،التشريع الدولي في مجال حقوق الانسان،ضمن المجلد الثاني لحقوق الانسان،دراسات حول الوثاق العالمية والاقليمية، اعداد د.محمود شريف بسيوني واخرون ،دار العلم للملايين، بيروت ،الطبعة الثانية،1998 ، ص75 – ص83 .
49- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الدولية الجنائية ، مصدر سابق ، ص50.
50- انظر : د. ضاري محمود خليل وباسيل يوسف ، مصدر سابق ، ص42.
51- انظر : تشارلس آد. ليرتش ، الحرب الباردة وما بعدها ، تعريب : د. فاضل زكي محمد ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1976 ، ص 151-ص162 .
52- سنتكلم عن الجرائم الدولية في هذه الفترة (الحرب الباردة) والتي لم يشكل لها محكمة دولية في الفصل الخامس .
53- انظر : د. علي عبد القادر القهوجي ، مصدر سابق ، ص ص 207-212.
54- انظر : د. محمد محي الدين عوض ، مصدر سابق ، ص244.
55- للمزيد عن هذه المناقشات انظر : د. عبد الوهاب حومد ، مصدر سابق ، ص228- ص237.
56- انظر : د. محي الدين عوض ، مصدر سابق ، ص244 الهامش .
57- المصدر نفسه ، ص261.
58- لمزيد من التفصيل انظر : د. ضاري رشيد السامرائي ، التمييز والفصل في ضوء القانون الدولي العام ، دار الرشيد للنشر ، بغداد ، 1983 ، ص101 وما بعدها .
59- حول هذه الاتفاقية انظر : د. محمد يوسف علوان ، حظر التعذيب في القانون الدولي لحقوق الإنسان في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1984 ، مجلة الحقوق الكويتية ، السنة الحادية عشر ، العدد الرابع ، ديسمبر 1987 ، ص100 وما بعدها .
60- سنتكلم على التطبيق الانتقائي للمحاكم الدولية في الفصل الخامس من هذه الأطروحة .
61- مما يؤخذ على النظام الأساسي أنها أطلقت اسم (المحكمة الجنائية الدولية) على هذه المحكمة ويؤخذ على هذه التسمية أنها قدمت صفة (الجنائية) على صفة (الدولية) وكان المفروض تسميتها (المحكمة الدولية الجنائية) حتى تكون اكثر ملاءمة مع فرع القانون الدولي الذي تطبقه وهو القانون الدولي الجنائي . لذا سأستخدم التسمية الأخيرة (المحكمة الدولية الجنائية) في هذه الأطروحة .
62- انظر : تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الثانية والأربعين من 16 أيار – 26 تموز عام 1996 ، الجمعية العامة ، الوثائق الرسمية ، الوثيقة A/51/10 .
63- سنتكلم على المحاكم الجنائية المدوّلة في الفصل الرابع من هذه الأطروحة .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|