المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



مراحل تطور القانون الدولي الجنائي  
  
12102   09:13 صباحاً   التاريخ: 23-3-2017
المؤلف : عبد الله علي عبو سلطان
الكتاب أو المصدر : دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق الانسان
الجزء والصفحة : ص47-63
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدولي العام و المنظمات الدولية / القانون الدولي العام /

إن هذا القانون يتكون من نوعين من القواعد، القواعد الموضوعية التي تجرم الأفعال التي تنتهك حقوق الإنسان وقواعد إجرائية  تنظم (الجهة القضائية) التي تتولى محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية تنتهك حقوق الإنسان وفرض العقوبات عليهم ، وحتى نستطيع القول بوجود قانون دولي جنائي بالمعنى الدقيق لا بد من وجود قواعد موضوعية تجرم الأفعال إلى جانب قواعد إجرائية تنظم جهة قضائية دولية معاً فلا يكفي وجود قواعد موضوعية دون وجود قواعد إجرائية ، كما يجب أن تكون القواعد الموضوعية والإجرائية معبرة عن إرادة دولية أي تم إقرارها بأغلبية أعضاء المجتمع الدولي، فإذا بقيت القواعد الموضوعية دون تطبيق أو كانت هذه القواعد حتى مع وجود جهة تطبقها ولكنها غير منشأة بإرادة دولية لا نكون أمام قانون دولي جنائي وفي هذا المبحث نحاول تحديد الفترة الحقيقية لظهور القانون الدولي الجنائي كنظام متكامل يشمل قواعد موضوعية وقواعد إجرائية (جهة قضائية) تتولى محاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية في أربعة مطالب / الأول لمرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى والثانية / لمرحلة ما بين الحربين العالميتين والثالث / لمرحلة محاكمات الحرب العالمية الثانية / والرابع لقيام الأمم المتحدة ودورها في تطوير القانون الدولي الجنائي .

المطلب الأول

مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى

من غير الممكن التحدث عن قانون دولي جنائي في هذه المرحلة وذلك لانعدام القواعد الموضوعية التي تجرم الأفعال التي تشكل خرقاً للنظام العام الدولي وحقوق الإنسان وكذلك عدم وجود أية قواعد إجرائية لتنظيم محكمة دولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية . فالحرب لم تكن محرمة أصلاً في هذه الفترة بل كانت وسيلة لتحقيق الأهداف القومية وان كانت الأخلاق توصي بان يكون استخدامها محدوداً وحكيماً(1). وقد حاول بعض الفقهاء تبرير الحرب في هذه الفترة بابتكار مفهوم (الحرب العادلة) وعلى رأس هؤلاء (فيتوريا وسواريز) فقد كان رأي فيتوريا أن الحرب تكون عادلة ضد الدولة التي تنتهك القانون واشترط التناسب بين الحرب والانتهاك الذي حدث وفي مفهومه أن من يخسر الحرب يكون دائماً هو المذنب ، أما سواريز فكان يعد أن الحرب العادلة هي التي يقصد بها إعادة الحق المغتصب إلى أصحابه(2).     وقد أيد (جروسيوس) فكرة الحرب العادلة وفي رأيه أن الحرب تكون عادلة ضد دولة أخرى إذا كان الهدف منه معاقبة وضع ظالم أو غير عادل ، وان لجوء الدولة للحرب لا يكون الغرض منه العقاب على ما أصابها من ضرر فادح من دولة أخرى فقط وإنما كذلك بسبب انتهاك الدولة (الموجه ضدها الحرب) للقانون الطبيعي(3).  ورغم أن هذه الفترة شهدت إبرام عدة اتفاقيات الغرض منها احترام الجانب الإنساني للحرب وأهمها اتفاقيات لاهاي 1899و1907 إلا أن دورها اقتصر على تحريم اللجوء إلى استخدام بعض الوسائل كالأسلحة الفتاكة في الحرب إلا أنها لم تجرم الحرب ، ولم توصف الحرب بأنها جريمة دولية ، إذ كل ما أشارت إليه الاتفاقيات أن استخدام الوسائل المحرمة يعتبر جريمة من جرائم الحرب لذلك يؤخذ على هذه الاتفاقيات أمران (أ- إن الحديث عن العمل على جعل الحرب إنسانية أمر صعب بل ومستحيل لان مفهوم الحرب يتعارض مع مفهوم الإنسانية . ب- إن الحديث عن حظر أو تحريم أو منع تصرفات معينة أثناء الحرب أمر لا معنى له طالما انه غير مقترن بجزاءات في حالة مخالفة لهذا الحظر أو التجريم))(4).

المطلب الثاني

مرحلة ما بين الحربين العالميتين

اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 وانتهت بانتصار الحلفاء عام 1918 وارتكبت فيها جرائم خطيرة بحق الإنسانية . لذلك بدأ الحديث عن فكرة الجزاء الدولي والمسؤولية الجنائية وضرورة معاقبة الزعماء الألمان عن تسببهم في إثارة حرب اعتداء وانتهاك قواعد وأعراف الحرب . وقد واجه الحلفاء بعض الصعوبات فيما يتعلق بفرض الجزاء على المتهمين إذ أن الحرب العدوانية لم تكن مجرمة من ناحية ولم تنص اتفاقيات لاهاي على أية عقوبات أو أية جهة قضائية دولية تقوم بمحاكمة المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب من ناحية أخرى . لذلك بدأ الفقهاء في هذه الدول يبحثون عن تبرير قانوني لقيام المحاكم الوطنية بهذه المهمة وانقسم الفقه إلى اتجاهين حول هذه المسألة : الاتجاه الأول / يعارض اختصاص الدولة بمحاكمه رعايا  الدول الأعداء المتهمين بارتكاب جرائم حرب ،والاتجاه الثاني / يؤيد اختصاص الدولة بمحاكمه رعايا الدول الأعداء المتهمين بارتكاب هذه الجرائم(5). وحسماً لهذا الخلاف فقد شكل المؤتمر التمهيدي للسلام الذي انعقد في باريس 1919 لجنه سميت (لجنه المسؤوليات) لبحث كل الجوانب القانونية للمسؤولية المترتبة على الحرب (6). وجاء تقرير (لجنة المسؤوليات ) ليميز بخصوص المسؤولية الدولية الجنائية بين طائفتين من الأشخاص .الطائفة الأولى/ هم المتهمون بارتكاب أفعال تنتهك قوانين وعادات الحرب ضد دولة واحدة أو ضد رعاياها . هؤلاء تتم محاكمتهم أمام محاكم الدولة المتضررة  الطائفة الثانية/ المتهمون بارتكاب أفعال أضرت بعدة دول كإصدار الأوامر لارتكاب جرائم في أقاليم عدة دول أو الامتناع عن اتخاذ إجراءات منع ارتكاب تلك الجرائم فتتم معاقبتهم أمام محكمة دولية مكونة من (22) قاضياً من الدول المتضررة ، أما فيما يتعلق بالمسؤولية عن حرب الاعتداء فقد انتهت اللجنة إلى القول إن إثارة حرب الاعتداء لا يقع تحت طائلة العقاب وذلك لعدم وجود قانون دولي سابق يحرم اللجوء إلى الحرب ويحدد العقوبات الجنائية المستوجبة عند المخالفة(7). ولكن مع ذلك أصر الحلفاء على ضرورة تحمل إمبراطور ألمانيا (غليوم الثاني) مسؤولية إثارة حرب الاعتداء لذلك جاءت المادة (227) من معاهدة فرساي لعام 1919 على تشكيل محكمة دولية لمحاكمة الإمبراطور لارتكابه انتهاكات صارخة ضد مبادى الأخلاق الدولية وقدسية المعاهدات ، على أن تحدد المحكمة العقوبة التي ترى تطبيقها على الإمبراطور، أما بخصوص  بقية مجرمي الحرب الألمان فقد نصت المادة (229)على محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد رعايا دولة واحدة أمام المحاكم العسكرية لتلك الدولة . والمتهمين بارتكاب جرائم ضد عدة دول متحالفة فتتم محاكمتهم أمام محكمة مشكلة من قضاة ينتمون إلى الدول صاحبة الشأن .ولكن جهود الحلفاء في إنشاء محكمة دولية لم تنجح ليس بسبب لجوء الإمبراطور إلى هولندا التي رفضت تسليمه فقط وإنما لأسباب عديدة أخرى أهمها :

  1. اعتراض كل من الولايات المتحدة واليابان على فكرة إنشاء هذه المحكمة وذلك لعدم وجود تشريع مكتوب ولا عقوبات منصوص عليها وفقاً لقانون عرفي حتى يتسنى للمحكمة الحكم في جرائم الحكم في جرائم الحرب وعدم وجود مبرر كاف ومعقول لعقاب الأشخاص الذين يعطون الأوامر لمرؤوسيهم لارتكاب جرائم حرب لأنهم ليسوا الفاعلين المباشرين(8).
  2. غموض نص المادة (227) حيث أنها لم تشر إلى جريمة دولية محددة ومعروفة بل أشارت إلى أن أفعال الإمبراطور (انتهاكات صارخة ضد مبادئ الأخلاق الدولية وقدسية المعاهدات) وقواعد الأخلاق الدولية لا يمكن أن تكون أساساً من الناحية القانونية لمحاكمة رئيس دولة وتحمله للمسؤولية الدولية الجنائية(9).  فضلاً عن أن هذه المادة تركت للمحكمة حرية تقدير العقوبة وهو اتجاه يتناقض مع قاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) وقد كان ذلك من الأسباب التي اعتمدت عليها ألمانيا للاعتراض على المادة (227) ووصفت المحكمة بأنها محكمة (استثنائية) (مكلفة بتطبيق قوانين استثنائية ذات اثر رجعي)(10).
  3. عدم جدية الحلفاء في تحقيق العدالة الدولية الجنائية حيث كان الغرض من المحاكمة هو إدانة سياسية للإمبراطور وقد أكدت الدول الحليفة  ذلك في مذكرة التسليم (إن الاتهام الموجه للإمبراطور ليس له طابع قانوني من حيث الموضوع . والمقصود منه هو محاكمته محاكمة شكلية فقط …) وبذلك يتوضح أن دول الحلفاء (بدأت تتنازل عن مبدأ المحاكمة الدولية الجنائية وتحل محله مبدأ المحاكمة السياسية)(11). أما بخصوص بقية المتهمين الألمان بموجب المادة (229) فلم تتم محاكمة إلا الضباط الأسرى فقط أمام المحاكم البريطانية والفرنسية ، ولم تسلم ألمانيا من المتهمين إلا ستة فقط إلى السلطات البريطانية والفرنسية ، كما أصدرت تشريعاً عام 1919 بإنشاء (محكمة عليا) في مدينة (ليبزج) تتولى عملية محاكمة المتهمين الألمان بارتكاب جرائم حرب . وقد قدم الحلفاء قائمة بـ (45) متهماً إلى هذه المحكمة من مجموع (598) متهماً وردت أسماؤهم في قائمة لجنة المسؤوليات لعام 1919(12). ومع ذلك لم تتم محاكمتهم جميعاً فقد تمت محاكمة (16) متهماً فقط . كما أن المحكمة أصدرت أحكاما متساهلة جداً حيث لم تصدر أحكام إدانة إلا على ستة مجرمين فقط من مجموع (16) دعوى نظرت فيها المحكمة كما أن الأحكام الصادرة بحق هؤلاء الستة كانت (بسيطة لا تناسب مع جسامة وشناعة جرائمهم)(13). وبذلك فشل الحلفاء في إقامة قضاء دولي جنائي وتحقيق عدالة دولية جنائية حقيقية وبالتالي لم يكن هناك أي دور في تكوين قواعد القانون الدولي الجنائي . وبعد معاهدة فرساي تم إنشاء عصبة الأمم ، إلا أن عهد العصبة عانى من ثغرة كبيرة هي أنها لم تحرم اللجوء إلى الحرب كوسيلة لحل المنازعات الدولية في كل الأحوال بل أجازت ذلك إذ كان بعد ثلاثة اشهر من صدور قرار التحكيم أو حكم القضاء أو تقدير المجلس وعدم التزام أحد أطراف النزاع بما ورد في مضمون الحكم أو قرار التحكيم أو التقرير(14). وهذا يعني آن عهد العصبة لم يحرم الحرب وإنما قيد حق الدول في اللجوء إليه أو على حد تعبير بعض الكتاب أخضعها (لفترة تبريد مقدارها ثلاثة اشهر) تسترد بعدها حريتها في اللجوء إليه(15). ولمعالجة هذا الخلل في عهد العصبة حاولت الدول التعاون لوضع اتفاقية دولية تحرم اللجوء إلى الحرب وتعتبره جريمة دولية . فبدأت المحاولة الأولى من قبل الدول انطلاقا من التعاون بين كل الدول لتقديم المعونة المباشرة لأي دولة تتعرض لهجون عدواني . ومن اجل تحقيق هذا الأمر أصدرت جمعية عصبة الأمم قرارا عام 1922 يؤكد إبرام معاهدة للضمان الجماعي وتقديم المساعدة المباشرة لأي دولة موقعة على العهد يقع عليها الهجوم(16). وتنفيذاً لهذا القرار قامت اللجنة الثالثة لجمعية العصبة بوضع مشروع المساعدة المتبادلة (Draft Realty of Mutual ) ووافقت الجمعية عليها في 29 أيلول 1923 وقد وصفت المادة الأولى من المشروع أول مرة (آن الحرب العدوانية جريمة دولية)(17). إلا آن المشروع لم يدخل حيز التنفيذ لاعتراض الدول علية ، وبذلك بدأت المحاولة لتجريم الحرب بعد فشل مشروع المعونة المتبادلة وكانت المحاولة الثانية عن طريق بروتوكول جنيف لعام 1924 (The Geneva Protocol) حيث ورد في مقدمته (آن اللجوء إلى الحرب بدون استخدام الوسائل السلمية هو عمل غير مشروع ويشكل جريمة دولية )(18). وقد خولت المادة (14) من البروتوكول مجلس العصبة وحده سلطه تطبيق الجزاءات وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها .. ولم يكن مصير بروتوكول جنيف افضل من مشروع المعونة المتبادلة حيث لم يدخل كذلك حيز التنفيذ(19). وكانت المحاولة الثالثة في هذه الفترة لتجريم الحرب هي (ميثاق باريس The Pact of Paris) وكان أساس هذا الميثاق الاتفاق بين وزير خارجية فرنسا (بريان) ووزير خارجية الولايات المتحدة (كيلوك) على إبرام معاهدة دولية لحظر اللجوء إلى الحرب من غير حالة الدفاع الشرعي(20). وبذلك حرم الميثاق الحرب في العلاقات الدولية وأدان اللجوء إليه لتسوية المنازعات الدولية لتحقيق السياسات القومية في العلاقات الدولية(21). وبالفعل تم توقيع الميثاق في باريس عام 1928 من قبل (15) دولة . هذا وقد انقسم الفقه حول قيمة ميثاق باريس بشأن تحريم اللجوء إلى الحرب واصبح مثار جدل كبير وانقسم الفقه إلى اتجاهين / الأول (يعتبر الميثاق مهما وقد سبق عصره وسبق درجة التطور في العلاقات الدولية بشكل كبير) أما الاتجاه الثاني فيعتبره (ميثاق تافها وعديم الجدوى) لوجود عيب خطير فيه وهو حالة الدفاع الشرعي حيث سمح الميثاق لكل دولة آن تقدر بنفسها مدى وجود حق الدفاع الشرعي من عدمه(22) . ولا شك انه يمكن تبرير أي توسع عدواني تحت مسمى الدفاع الشرعي (ليكتسب بذلك هذا التوسع طابعاً قانونياً وشرعياً بموجب أحكام هذا الميثاق)(23). ولكن عند إجراء تقييم سليم لميثاق باريس نجد آن هذا الميثاق قد فشل في تحقيق ما وجد لأجله لان المعيار الحقيقي لتقييم أي عمل قانوني هو مدى فاعليته ونجاحه في تحقيق الأهداف المراد الوصول إليها والتي وجد لأجل تحقيقها ، وإذا كان ميثاق باريس وضع للحد من مظاهر الحرب والعدوان إلا آن الواقع يشير إلى آن  النزاعات المسلحة ازدادت في السنوات العشر التي تلت نفاذه وكانت اكثر عدداً وخطراً مما كانت عليه بين أعوام 1919-1928 ولا يقلل من هذا الفشل قول بعض الفقهاء (آن الميثاق سبق عصره) لان أي قاعدة لكي تكون فعالة يجب آن تنسجم مع حاجات الدول وكذلك مع الممارسات المتبعة من قبل تلك الدول وهذا ما عبر عنه (دي فيشر) بقوله (آن أي معاهدة يسبق مضمونها التطور في العلاقات الدولية مسافة كبيرة هي معاهدة ولدت ميتة ، كما آن المعاهدة التي لا تطبقها الحكومات في ممارستها لا تعود نافذة المفعول في شكلها الرسمي)(24). وهكذا كان فشل ميثاق باريس استمراراً لفشل المشاريع السابقة وكان هذا إيذاناً باتجاه الدول نحو الصدام والدخول في متاهات حرب عالمية جديدة . وبذلك انتهت هذه الفترة دون نشأة قانون دولي جنائي إذ لم يوجد جهة قضائية دولية تعاقب المتهمين بارتكاب هذه الجرائم . وهذا يعني الافتقاد إلى القواعد الإجرائية التي هي جزء مهم من قواعد القانون الدولي الجنائي .

المطلب الثالث

مرحلة محاكمات الحرب العالمية الثانية

 

تميزت الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بتطورات مهمة ، منها محاولة الدول المنتصرة وضع قواعد قانونية دولية لتجريم الأفعال التي ارتكبتها خلال الحرب  دول المحور باعتبارها تشكل جرائم دولية وأنشئت لهذا الغرض محكمتان (نورمبرغ وطوكيو) وأرادوا لها آن تكون (نظاماً قضائياً دولياً جنائياً)، ولن ادخل في تفاصيل إنشاء المحكمتين لان في مؤلفات الكتاب ما يغطي ذلك(25).  ولكن سأحاول الرد على السؤال الأتي : هل آن القواعد التي وضعها الحلفاء لتجريم الأفعال التي ارتكبها المتهمون من الألمان ودول المحور هي قواعد قانونية دولية تشكل جزءا من القواعد الموضوعية للقانون الدولي الجنائي وهل آن المحكمتين المشكلتين من قبل الحلفاء هي محاكم دولية جنائية بالمعنى الدقيق ؟

آن التحليل للقواعد التي وضعها الحلفاء لمعاقبة المتهمين والإجراءات التي اتبعتها المحكمتان تدل على آن هذه القواعد والإجراءات لم تؤدي إلى نشأة القانون الدولي الجنائي بالمعنى الدقيق (وان كانت هذه المحاكمات قد شكلت سوابق قضائية ساعدت على نشأة القانون الدولي الجنائي في المرحلة التالية) . ونستند في هذا القول على الأسباب الآتية :

  1. فمن حيث طبيعة المحكمتين فإنها ليست محاكم دولية جنائية وإنما هي عسكرية خاصة الغرض منها محاكمة مجرمي الحرب في الحرب العالمية الثانية(26). حيث رفضت بريطانيا المقترحات الفرنسية والأمريكية في أن تكون المحكمة دولية وتلافياً للاختلاف بين الطرفين تم إضافة كلمة (دولية) التي لا تغير من طبيعة المحكمة في أنها (عسكرية خاصة) والدليل على ذلك آن النظام الأساسي للمحكمتين قد وضع من قبل دول أربع هي (بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة) والقضاة من هذه الدول(27). وهدف المحكمة ليس العدالة الدولية الجنائية بل الانتقام من المتهمين ومن النظام السياسي الذي كانوا ينتمون إليه أو العقيدة التي يدينون بها وليس مجرد التحريم والردع(28). وهذا يعني تعارض تكوين المحكمة والغرض منها مع قاعدة (آن الخصم لا يجوز آن يكون حاكماً) ذلك آن الأصل في القضاء حياد القاضي(29).
  2. عدم تطبيق قاعدة المساواة في تطبيق العدالة الدولية ، حيث آن المتهمين المحاكمين كلهم من الألمان واليابانيين ولم يحاكم أي من العسكريين الحلفاء أمام المحكمة عن جرائم حرب (ولا شك آن هناك حقائق مروعة خلف حالات الموت الجماعية التي تعرض لها الجنود والمدنيون الألمان العزل من السلاح تحت قيادة الجنرال الأمريكي ايزنهاور)(30). وبينما كان هناك قاض يمثل الاتحاد السوفيتي لمحاكمة الألمان على حرب الاعتداء كان الاتحاد السوفيتي مدانا بارتكاب حرب الاعتداء على بولندا وجرائم حرب ولكن لم يقدم مجرمو الحرب الروس إلى المحاكمة (ولا يعني عدم محاكمة مجرمي الحرب من الحلفاء آن الجرائم التي ارتكبوها هي ليست جرائم جرب بالنسبة للقانون الدولي)(31)، وقد بررت محكمة نورمبرغ عدم قدرتها على محاكمة مجرمي الحلفاء استناداً إلى آن ميثاقها لا يعطيها هذا الاختصاص(32).
  3. من حيث الإجراءات التي طبقتها محكمة نورمبرغ أثناء المحاكمات فهي ليست إجراءات دولية جنائية بل كانت مزيجا من الإجراءات الجنائية الوطنية للدول الأربع (بريطانيا – فرنسا – الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة) ورغم الاختلاف بين هذه الأنظمة (إلا أن الحلفاء استطاعوا أن ينسقوا فيما بين أنظمتهم القانونية المختلفة لعملية توفيقية)(33). وقد انعكست هذه العملية التوفيقية سلباً على إجراءات المحكمة التي كانت غير عادلة (إذ سادت الإجراءات الانكلوسكسونية على المحاكمات وكانت غريبة عن المتهمين ومحامو الدفاع الذين وجدوا صعوبة كبيرة في فهم هذه الإجراءات حيث لم تكن هذه الإجراءات مألوفا لديهم)(34).
  4. من حيث مصدر القواعد التجريمية التي طبقتها المحكمتان إذ لم تكن مصدرها إرادة دولية كالاتفاقيات والأعراف الدولية بل كانت إرادة الدول المنتصرة التي وضعت لائحة المحكمتين وحدد الجرائم التي يجب محاكمة المتهمين عليها فميثاق محكمة نورمبرغ تم وضعه بموجب اتفاقية لندن بين دول الحلفاء عام 1945 ولائحة محكمة طوكيو تم وضعه بموجب إعلان القيادة العليا للشرق الأقصى ، فضلاً عن قانون مجلس الرقابة المرقم (10) لعام 1946 الذي أجاز للحلفاء محاكمة الألمان في القطاعات الخاصة بالاحتلال . (وبالتالي لا تعد هذه القواعد تعبيرا عن إرادة المجتمع الدولي)(35).
  5. خرقت المحكمتان أهم مبدأ من المبادئ الجنائية التي هي أساس القانون الجنائي (الداخلي والدولي) وهو مبدأ (شرعية الجرائم والعقوبات وعدم سريان القوانين الجنائية بأثر رجعي)(36).

حيث الجرائم المسندة إلى المتهمين (جرائم ضد السلام ، جرائم الحرب ، الجرائم ضد الإنسانية) كانت مفاهيم غامضة ولم يكن هناك قواعد قانونية دولية تحدد وتعرف هذه وبصورة خاصة مصطلح (الجرائم ضد الإنسانية) الواردة في الفقرة (ج) من المادة (6) لم يرد ذكرها في أي معاهدة دولية وتجنباً لأي اعتراض على هذه الجريمة فان الأساس الذي استند عليه الحلفاء لتبرير هذه الجريمة هو الامتداد التشريعي لجريمة الحرب(37) والفرق بينهما واضح جداً، وينطبق نفس القول بالنسبة (للجرائم ضد السلام) حيث لم يكن لها مفهوم واضح أو تعريف محدد سوى المحاولة الفاشلة لمحاكمة إمبراطور ألمانيا بموجب المادة (227) من معاهدة فرساي ، وقد لاحظنا كيف آن لجنة المسؤوليات لعام 1919 اعتبرت آن فعل إثارة حرب الاعتداء لا يوجد بشأنه قاعدة في القانون الدولي للعقاب عليه . كما آن من النتائج المترتبة على قاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) هو عدم رجعية القواعد التجريمية بأثر رجعي وهو مبدأ معروف في القانون الجنائي الداخلي(38). ولكن لائحة محكمتي نورمبرغ وطوكيو خالفت هذا المبدأ حيث أقرت بالمسؤولية الجنائية على أعمال لم تكن وقت ارتكابها مجرمة (أما القول أن أساس تجريم هذه الأفعال هي الاعتبارات الأخلاقية فانه قول غير صحيح إذ لا يمكن اعتبار كل مسؤولية أخلاقية بذات الوقت مسؤولية قانونية لان ذلك سوف يعرض قواعد العدالة إلى الخطر حيث آن تقدير المسؤولية الأخلاقية وتقييمها مسألة يختلف تقديرها من شخص إلى أخر)(39). لذلك فان هاتين المحكمتين كانتا محكمتين استثنائيتين لم تتوافر فيهما الصفة القضائية المحايدة (إذ أنها طبقت بأثر رجعي قواعد جنائية مستحدثة منتهكة بذلك المبدأ القانوني المستقر في القانون والفقه الجنائي الذي يقضي بزنة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)(40).

  1. لم تتم محاكمة مجرمي الحرب الإيطاليين رغم آن معاهدة استسلام إيطاليا نصت على تسليمهم ولكن لأسباب سياسية امتنعت الولايات المتحدة وبريطانيا عن محاكمتهم أو تسليمهم إلى (ليبيا أو أثيوبيا أو اليونان أو يوغسلافيا) التي طلبت تسليمهم إليها لمحاكمتهم(41).

وبذلك لم يكن في نية الحلفاء إنشاء نظام دولي للعدالة يؤدي عمله باستقلال بعيداً عن الاعتبارات السياسية بما يضمن عدالة غير مشبوهة(42).

  1. تناقض الأحكام والإجراءات وتضاربها بين المحكمتين فبينما كانت محكمة نورمبرغ تبحث عن حجج وأسانيد لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان ، كانت الإجراءات الجنائية في محكمة طوكيو تطبق بصورة خاطئة (وان كثيرا من المبادئ انتهكت أثناء المحاكمات ولو أنها عرضت على مرجع أعلى لكان أبطلها بسبب ما ارتكب فيها من مخالفات قانونية)(43).

وكذلك التناقض بين لائحتي المحكمتين فبينما المادة (7) من لائحة محكمة طوكيو نصت على آن الصفة الرسمية يمكن آن تكون ظرفا مخففا للعقاب بينما لم تعط لائحة نورمبرغ لهذه الصفة أي اثر في العقاب(44). كل هذه الأسباب تدفعنا إلى القول آن القواعد والإجراءات المطبقة في المحكمتين لا تمت إلى القانون الدولي الجنائي بصلة لان هذا القانون يتكون من قواعد موضوعية واجرائية نابعة من إرادة المجتمع الدولي ، بينما قواعد و إجراءات المحكمتين كانت عن إرادة المنتصر(إذ تشكلت هذه المحاكم تطبيقياً لقانون الطالب وعدالته اكثر منها تطبيقاً لقانون دولي جنائي حري بهذا الاسم )(45). ولا يمكن الاعتراف لإرادة المنتصر بالقدرة على خلق قواعد وتجريم أفعال ثم القول بأنها تعبر عن قانون دولي جنائي (لان ذلك يعني آن نعطي للمنتصر الحق في آن يشكل محكمة ويضع قوانين يطبقها بمفعول رجعي على خصمه المدحور بشكل يكون فيه المنتصر بطلاً والمدحور مجرماً على الدوم )(46) ، ولا يمكن اعتبار المحكمتين تطبيقياً للقضاء الدولي الجنائي لأنها لم تنشأ بإرادة دولية لذلك نحن نؤيد رأي الدكتور محمد سامي عبد الحميد  إذ يقول في وصف محكمة نورمبرغ (إن هذه المحكمة ليس لها صفة دولية ألا اسمها فالتكييف الصحيح لها إنها محكمة داخلية أنشئاها قوات التحالف)(47).

المطلب الرابع

مرحلة قيام  الأمم المتحدة ودورها في نشأة القانون الدولي الجنائي

يمكن القول بدون تحفظ آن هذه المرحلة تعد بحق مرحلة نشأة القانون الدولي الجنائي حيث في هذه المرحلة اشتركت إرادة الدول مجتمعة عن طريق منظمة الأمم المتحدة في بناء صرح هذا القانون عكس المرحلة السابقة التي انفردت فيها الدول المنتصرة بوضع قواعد تجريمية لمعاقبة المهزومين في الحرب العالمية الثانية . وبما آن الأمم المتحدة جعلت من بين مقاصدها الرئيسة احترام حقوق الإنسان وتعزيزه وسعت إلى تحقيق ذلك من خلال الإعلان العالمي والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان(48). فكان لا بد على صعيد أخر آن تعمل على تطوير وسيلة أخرى قوية لحماية هذه الحقوق من الانتهاكات التي قد تتعرض لها . ومن هنا كانت نشأة القانون الدولي الجنائي وازدياد أهميته . حيث بدأت الأمم المتحدة بتقنين قواعد القانون الدولي الجنائي والإشراف على إبرام الاتفاقيات الدولية الشارعة التي تضع قواعد تجريمية دولية تصبح مصدراً لهذا القانون . ولكن لابد من القول بان نشأة القانون الدولي الجنائي كنظام متكامل فيه القواعد الموضوعية التي تجرم الأفعال والقواعد الإجرائية التي تنظم الجهة القضائية الدولية المختصة  بتطبيق القواعد الموضوعية  قد مر بفترتين ، الفترة الأولى / من قيام الأمم المتحدة إلى  العقد الأخير من القرن العشرين(فترة الحرب الباردة)والفترة الثانية/ من  العقد الأخير من القرن العشرين حتى الوقت الحاضر.

أولاً- الفترة من قيام الأمم المتحدة حتى العقد الأخير من القرن العشرين ( فترة الحرب الباردة ).

اقتصرت الجهود الدولية بأشراف الأمم المتحدة في هذه الفترة على وضع القواعد الموضوعية للقانون الدولي الجنائي دون وجود للقواعد الإجرائية التي تشكل محكمة دولية جنائية حيث بقيت القواعد القانونية التي شاركت الدول عن طريق الاتفاقيات الدولية أو التي صاغتها الجمعية العامة مفتقرة إلى وسيلة التطبيق أي محكمة دولية جنائية تعاقب مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إذ أصبحت العدالة الدولية الجنائية ضحية للحرب الباردة ، حيث حدثت نزاعات دولية مسلحة عديدة خلال هذه الفترة ولم تنشأ لأي منها آليات دولية للتحقيق أو المحاكمة(49). 

ولا شك آن هذا الصمت الدولي تجاه الجرائم الدولية كان ناجماً عن البيئة السياسية الدولية التي كانت تتسم بتوازن توافقي بين طرفي الحرب الباردة ، وان كان هذا التوازن على حساب إغفال تطبيق مبادئ القانون الدولي(50). إذ كان لتضارب مصالح طرفي الحرب الباردة (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) اثر سلبي في العلاقات الدولية بصورة عامة ، وفي موقف المجتمع الدولي من النزاعات الدولية ومساءلة المسؤولين عنها (إذ غالباً عندما ينشأ نزاع دولي لم يكن المجتمع الدول يتحرك ليدعو إلى محاكمة المسؤولين عنها نظراً لتحكم طرفي الحرب الباردة بزمام الأمور كما حصل في الحرب الكورية 1951 والعدوان على مصر عام 1956)(51). كما آن كثير من الجرائم الدولية التي انتهكت حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ارتكبت في هذه الفترة ولكن لم يشكل لأجلها أي محكمة دولية لمعاقبة المسؤولين عنها(52). وقد أثرت الحرب الباردة في جهود الجمعية العامة في إنشاء محكمة دولية جنائية دائمة حيث آن اجتماعات ومناقشات لجنة القانون الدولي من عام 1949 حتى عام 1989 لم تثمر عن أية نتيجة في إنشاء هذه المحكمة وكان سبب ذلك تضارب أراء طرفي الحرب الباردة إذ انقسم أعضاء اللجنة إلى قسمين : الأول يؤيد إنشاء المحكمة وينادى بسرعة وضعها موضع التطبيق العملي ، والثاني يرفض الفكرة انطلاقاً من آن ذلك ليس ممكناً في ظل الظروف الراهنة(53). ولذلك كان الاتجاه الدولي في هذه الفترة هو وضع القواعد التجريمية وبمساعدة الجمعية العامة وقد بدأت هذه الجهود منذ عام 1948 على اثر المآسي والجرائم التي شهدتها الحرب العالمية الثانية حيث اعتمدت الجمعية العامة في الدورة (3) اتفاقية منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري . ثم بعد ذلك تبنت الجمعية العامة بقرارها (488/د-5) في عام 1950 مبادئ محكمة نورمبرغ . وقد يسأل البعض السؤال الأتي : كيف تتبنى الأمم المتحدة مبادئ وأحكام محكمة نورمبرغ وقد كان فيها الكثير من الأخطاء والإخلال بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وعدم تطبيق العدالة الدولية ولم تنشأ بإرادة دولية ولتصبح بعد ذلك من مبادئ القانون الدولي الجنائي؟

ويمكن  الإجابة عن هذا السؤال على النحو الأتي :

  1. آن الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تخطو هذه الخطوة من تلقاء نفسها بل كان ذلك بطلب من الطرف المنتصر في الحرب العالمية الثانية الذي كان له الدور الكبير في إنشاء منظمة الأمم المتحدة ويمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن (الولايات المتحدة) ولا اعتقد انه كان بإمكان الجمعية العامة آن ترفض هذا الطلب خاصة آن الأمم المتحدة كانت في سنتها الأولى إذ تقدمت الولايات المتحدة بمشروع في 15 شباط 1946 إلى الجمعية العامة تطالبها بتبني هذه المبادئ ثم تأكيد الرئيس (ترومان) على ضرورة تبني هذه المبادئ في خطابه أمام الجمعية العامة في نفس الدورة(54). 
  2. آن المبادئ لم يتم تبنيها من قبل الجمعية العامة كما هي وبما ورد فيها من أخطاء وإخلال بمبادئ جنائية معروفة بل تمت صياغتها صياغة قانونية دقيقة بحيث تصبح صالحة لان تكون من مبادئ القانون الدولي الجنائي ولم يتم ذلك إلا بعد مناقشات مطولة بين أعضاء الوفود في اللجنة القانونية (اللجنة السادسة) ولجنة القانون الدولي وبصورة خاصة المناقشات المطولة حول الجرائم وأوامر الرئيس الأعلى(55). وبذلك فان إرادة المنتصر اقتصر دورها على تقديم المشروع أما الصياغة النهائية لهذه المبادئ فكان بإرادة المجتمع الدولي لكي يكون تطبيقها بمعرفة المجتمع الدولي وتتناسب مع الجرائم المستقبلية (وقد أشار القاضي (بيدل) في تقريره إلى الرئيس ترومان في 9/شباط/1946 الذي يطلب فيه التقدم بمشروع إلى الأمم المتحدة لتبني المبادئ إلى ضرورة ملافاة الأخطاء التي ارتكبت في قضية مجرمي الحرب في المستقبل)(56). آن صياغة لجنة القانون الدولي للمبادئ جاءت بصورة يكون الغرض منها تحقيق العدالة الدولية ولم تأخذ الجمعية العامة بنظر الاعتبار اعتراضات الدوائر العسكرية في الدول العظمى التي قاومت مقاومة قوية الاعتراف بهذه المبادئ بصيغتها الصادرة عن لجنة القانون الدولي وان كان اعتراضها في الخفاء على شكل انتقاد لعمل لجنة القانون الدولي أو إرجاء النظر فيه لينطبع بطابع أخر حيث أقرت الجمعية المبادئ والصيغة التي قدمتها لجنة القانون الدولي(57). ولا شك في آن هذا الاعتراض كان نابعاً من خوف هذه الدول في تطبيق هذه المبادئ عليها بما يضمن العدالة الدولية ودون تمييز بين الدول. ثم استمرت جهود الجمعية العامة لوضع القواعد الموضوعية للقانون الدولي الجنائي فأصدرت عام 1963 إعلانا حول القضاء على التمييز العنصري بأشكاله كافة ثم إعداد الاتفاقية الدولية لإزالة كل أشكال التمييز العنصري لعام 1965 والخطوة الأكثر أهمية اعتبار التمييز العنصري جريمة دولية حيث وافقت الجمعية على اتفاقية قمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري عام 1973 بعد آن لاحظت الجمعية العامة (آن الفصل العنصري يشكل إنكاراً كلياً لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة وليس مجرد خرق أو انتهاك أو جريمة ضد الإنسانية)(58). ولضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب أصدرت الجمعية وثيقتين بهذا الشأن . الأولى اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية عام 1968 والثانية مبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية لعام 1973 .

ثم بعد ذلك دور الجمعية في وضع تعريف للعدوان بموجب القرار 3314 في عام 1974. وكذلك اعتمادها للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة عام 1984 والتي أصبحت نافذة عام 1987(59).

ثانياً- الفترة من العقد الأخير من القرن العشرين إلى الوقت الحاضر :

شهدت هذه الفترة تطورا كبيرا للقانون الدولي الجنائي إذ اصبح نظاما قانونيا متكاملا حيث تم إنشاء محاكم دولية جنائية لوضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان وتطبيق القواعد الموضوعية للقانون الدولي الجنائي . وقد كان لانهيار التوازن الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مستهل التسعينات عاملاً مساعداً نحو التحرك لإنشاء المحاكم الدولية الجنائية ولكن كان الجانب السلبي لهذا الإنجاز آن هذه المحاكم طبقت بصورة انتقائية على الجرائم الدولية(60). وكانت الخطوة الأولى لإنشاء المحاكم الدولية الجنائية عام 1993 على اثر انتهاكات حقوق الإنسان في يوغسلافيا ثم بعد ذلك عام 1994 في رواندا حيث أنشأ مجلس الأمن بقراره (827) في عام 1993 المحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا وبقراره (955) المحكمة الدولية الجنائية لرواندا عام 1994 ، ولما كانت هذه المحاكم خاصة ومؤقتة ومحددة من حيث الاختصاص ، فقد استمرت الجهود لإنشاء محكمة دولية جنائية دائمة يشمل اختصاصها كل الحالات المستقبلية وتعاقب على كل جرائم انتهاك حقوق الإنسان . وبالفعل تم التوقيع في مؤتمر روما الدبلوماسي على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 واصبح هذا النظام نافذاً في 1/7/2002 بعد اكتمال عدد التصديقات (60) تصديقا لنفاذ هذا النظام(61).

كما شهدت هذه الفترة خطوة مهمة جداً في نطاق القانون الدولي الجنائي وهي انتهاء لجنة القانون الدولي من صياغة (مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية أمنها) لعام 1996 وتم وضع مشروع المدونة تحت تصرف الجمعية العامة وأصبحت جاهزة للمناقشة والتوقيع(62). ويتكون مشروع المدونة من عشرين مادة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء :

  1. الجزء الأول : من المواد 1-10 وتتضمن الأحكام لهذه المدونة من حيث نطاقها وتطبيقها.
  2. الجزء الثاني : من المواد 11-15 وهي تحدد الضمانات القضائية المعترف بها للشخص المتهم بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المشروع .
  3. الجزء الثالث : من المواد 16-20 وتحدد الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها . وبإنشاء المحكمة الدولية الجنائية عام 1998 ودخول نظامها الأساسي حيز النفاذ عام 2002 اكتمل بنيان القانون الدولي الجنائي . إذ يضم قواعد موضوعية تجرم الأفعال وقواعد إجرائية تنظم المحكمة الدولية الجنائية لغرض معاقبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، وما زال هذا القانون ينمو وتزداد أهميته في المجتمع الدولي ، حيث تم إنشاء محاكم (مدوّله) من خلال اتفاق الأمم المتحدة مع الحكومات الوطنية في سيراليون وكمبوديا وتيمور الشرقية لمعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية في هذه الدول(63).

 _________________

1- انظر : د. محمد بهاء الدين باشات،  المعاملة بالمثل في القانون الدولي الجنائي، الاعمال الانتقامية وفكرة العقاب، الهيئة العامة لشؤون المطابع الاميرية،القاهرة،1974.، ص56.

2- انظر : د. عبد الرحيم صدقي، القانون الدولي الجنائي، القاهرة،1986، ص8.

3- See : Patrick Daillier et Alain Pellet, droit International Public (Nguyen Quoc Dinh. +  ), L. C. D. J., Paris, 6 Edition, 1999, p.56.

4- انظر : د. عبد الرحيم صدقي ، مصدر سابق ، ص ص 12-13.

5-  لمزيد من التفصيل حول هذين الاتجاهين ، انظر : د. ع.عبد الواحد محمد الفار،الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها، دار النهضة العربية،القاهرة،1996، ص70. 

6-حول هذه اللجنة ، انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، نشأتها ونظامها الأساسي مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابعة ، نادي القضاة ، القاهرة ، الطبعة الثالثة، 2002 ، ص9 وما بعدها .

7- انظر : د. عبد الواحد محمد الفار ، مصدر سابق ، ص ص 72-73.

8- انظر : د. عبد الرحيم صدقي ، مصدر سابق ، ص13.

9- انظر : د. عبد الواحد محمد الفار ، مصدر سابق ، ص79. 

10- انظر : د. عبد الوهاب حومد، الاجرام الدولي، مطبوعات جامعة الكويت، الطبعة الاولى، 1978، ص116. 

11- انظر : د. عبد الواحد محمد الفار ، مصدر سابق ، ص80.

12- انظر : د. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، نشاتها ونظامها الاساسي مع دراسة لتاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، نادي القضاة، القاهرة، الطبعة الثالثة ، 2002، ص18. 

13- انظر : د. عبد الرحيم صدقي ، مصدر سابق ، ص ص 19-20.

14- انظر : المادة (12) من عهد العصبة . 

15- انظر : د. محمد بهاء الدين باشات ، مصدر سابق ، ص59. 

16- انظر : رشاد عارف يوسف السيد ، المسؤولية الدولية عن أضرار الحروب العربية الإسرائيلية ، دار الفرقان للنشر والتوزيع ،  الجزء الأول،عمان، الطبعة الأولى ، 1984 ، ص128.

17- انظر في تفاصيل هذا المشروع والنص الكامل له :

Joachim geweher. Defining aggression for the international chiminal court : Aprosal. http : // web. Uct. Ac. Za/depts/pbl/geweher, 2003, p.6 

18-Ibid., pp. 1-7. 

19-انظر : د. رشاد عارف يوسف السيد ، مصدر سابق ، ص130.

20-See : Joachim geweher, Op. Cit., p. 7.

21-انظر : د. كمال حماد ، جريمة العدوان ، إحدى الجرائم الخطيرة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ندوة الصليب الأحمر ، جامعة دمشق ، كلية الحقوق ، بعنوان المحكمة الجنائية الدولية ، تحدي الحصانة ، تشرين الثاني ، 2001 ، ص268.

22- للمزيد عن هذين الاتجاهين ، انظر : جيرهارد فان غلان ، القانون بين الأمم ، الجزء الثالث ، تعريب أيلي وريل ، دار الأفاق الجديدة ، بيروت ، 1970، ص11.

23- انظر : د. علاء الدين مكي خماس ، استخدام القوة في القانون الدولي ، المطابع العسكرية ، بغداد ، 1982 ، ص ص 58-60.

24- نقلاً عن : جيرهارد فان غلان، القانون بين الامم، الجزء الثالث، تعريب ايلي وريل، دار الافاق الجديدة،بيروت،1970، ص11.

25- انظر في التطور التاريخي لمحاكم نورمبرغ وطوكيو وإنشائهما كل من : د. حميد السعدي، مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي، مع عرض وتحليل لاحكام محكمة (نورمبرغ الخاصة بمحاكمة كبار مجرمي الحرب)،مطبعة المعارف، بغداد 1971، ص329؛ ود. محمد محي الدين عوض، دراسات في القانون الدولي الجنائي، دار الفكر العربي، القاهرة،1966، ص205 ؛ ود. ضاري محمود خليل وباسيل يوسف ، مصدر سابق ، ص31-34 ؛ وانظر كذلك :

Roger Clark, The Development of International Criminal Law, 2000, p.3. http: // www. cam law rutgers. Edu/ faculty/ occasional/ 5 – clark. Htm.  

26- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص 24-25.

27- انظر : د. محي الدين عوض ، مصدر سابق ، ص231.

28- انظر : د. ضاري محمود خليل وباسيل يوسف، المحكمة الجنائية الدولية، هيمنة القانون ام قانون الهيمنة، بغداد، بيت الحكمة، الطبعة الاولى،2003، ص35. 

29- انظر كل من : د. يونس العزاوي ، مشكلة المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي العام ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1970 ، ص 138- ص155 ؛ وكذلك : د. .رشاد عارف يوسف السيد، المسؤولية الدولية عن اضرار الحروب العربية الاسرائيلية، الجزء الاول، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الاولى،1984، ص ص 150-158.   

30- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص35 ؛ وانظر كذلك : عبد الرحيم الخليفي ، القانون الجنائي الدولي من المحاكم المؤقتة إلى المحاكم الدائمة ، مجلة الوحدة الإسلامية ، العدد 16 ، السنة الثانية ، آذار 2003 ، ص2.

31- انظر : د. يونس العزاوي، مشكلة المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي العام، مطبعة شفيق،بغداد،1970، ص155.

32- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص26. 

33- انظر : المصدر نفسه ، ص26. 

34- انظر : جيرهارد فان غلان ،الجزء الثالث، مصدر سابق ، ص212.

35- انظر : د. علي عبد القادر القهوجي، القانون الدولي الجنائي، اهم الجرائم الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، الطبعة الاولى،2001، ص250. 

36- انظر : د. مرشد السيد واحمد غازي الهرمزي، القضاء الدولي الجنائي، دراسة تحليلية للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسلافيا مقارنة مع محاكم نورمبرغ وطوكيو وروندا، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الاولى،2002، ص52 ؛ وكذلك انظر : الطاهر مختار علي سعد، القانون الدولي الجنائي، الجزاءات الدولية، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، الطبعة الاولى 2001، ص139 ؛ وأيضاً : د. سعيد عبد اللطيف، المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية،القاهرة،2004، ص ص 74-77.

37- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص28.

38- انظر : د. محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1977 ، ص80 وما بعدها .

39-انظر : د. يونس العزاوي ، مصدر سابق ، ص141. 

40- انظر : د. سمعان بطرس فرج اللة، الجرائم ضد الانسانية، ابادة الجنس وجرائم الحرب، وتطور مفاهيمها، ضمن كتاب دراسات في القانون الدولي الانساني، تقديم د.مفيد شهاب، دار المستقبل العربي، القاهرة، الطبعة الاولى،2000 ، ص448.

41- سنوضح الأسباب السياسية لعدم المحاكمة أو التسليم في الفصل الخامس من هذه الأطروحة عندما نتكلم على اثر الاعتبارات السياسية في القانون الدولي الجنائي . 

42- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مصدر سابق ، ص36.

43- انظر : د. عبد الوهاب حومد ، مصدر سابق ، ص178 ؛ حيث يشير أيضاً إلى انتقاد القاضي الهولندي (رولنغ) عضو محكمة طوكيو إذ يقول (إن المحكمتين عبارة عن حماقات وعرضاً للقوة . ويمكن أن نستنتج منه أن المنتصر يستطيع أن يلوي هامة القانون الراهن حسب أهوائه).

44- انظر : د. علي عبد القادر القهوجي ، مصدر سابق ، ص263.

45- انظر : د. محمد يوسف علوان، المحكمة الجنائية الدولية، ضمن الندوة العلمية بعنوان)القانون الدولي الانساني الواقع والطموح(،جامعة دمشق، كلية الحقوق،من4-5تشرين الثاني 2000 ، ص200.

46- انظر : د. إحسان هندي ، مبادئ القانون الدولي العام في وقت السلم والحرب ، دار الجليل للطباعة ، دمشق ، ط1 ، 1984 ، ص314.

47- انظر : د. محمد سامي عبد الحميد ، أصول القانون الدولي العام ، ج1 ، الجماعة الدولية ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، الإسكندرية ، 1986 ، ص406.

48- انظر : د. محمد السعيد الدقاق،التشريع الدولي في مجال حقوق الانسان،ضمن المجلد الثاني لحقوق الانسان،دراسات حول الوثاق العالمية والاقليمية، اعداد د.محمود شريف بسيوني واخرون ،دار العلم للملايين، بيروت ،الطبعة الثانية،1998 ، ص75 – ص83 . 

49- انظر : د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الدولية الجنائية ، مصدر سابق ، ص50.

50- انظر : د. ضاري محمود خليل وباسيل يوسف ، مصدر سابق ، ص42.

51- انظر : تشارلس آد. ليرتش ، الحرب الباردة وما بعدها ، تعريب : د. فاضل زكي محمد ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1976 ، ص 151-ص162 . 

52- سنتكلم عن الجرائم الدولية في هذه الفترة (الحرب الباردة) والتي لم يشكل لها محكمة دولية في الفصل الخامس . 

53- انظر : د. علي عبد القادر القهوجي ، مصدر سابق ، ص ص 207-212.

54- انظر : د. محمد محي الدين عوض ، مصدر سابق ، ص244.

55- للمزيد عن هذه المناقشات انظر : د. عبد الوهاب حومد ، مصدر سابق ، ص228- ص237.

56- انظر : د. محي الدين عوض ، مصدر سابق ، ص244 الهامش . 

57- المصدر نفسه ، ص261.

58- لمزيد من التفصيل انظر : د. ضاري رشيد السامرائي ، التمييز والفصل في ضوء القانون الدولي العام ، دار الرشيد للنشر ، بغداد ، 1983 ، ص101 وما بعدها . 

59- حول هذه الاتفاقية انظر : د. محمد يوسف علوان ، حظر التعذيب في القانون الدولي لحقوق الإنسان في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1984 ، مجلة الحقوق الكويتية ، السنة الحادية عشر ، العدد الرابع ، ديسمبر 1987 ، ص100 وما بعدها . 

60- سنتكلم على التطبيق الانتقائي للمحاكم الدولية في الفصل الخامس من هذه الأطروحة . 

61- مما يؤخذ على النظام الأساسي أنها أطلقت اسم (المحكمة الجنائية الدولية) على هذه المحكمة ويؤخذ على هذه التسمية أنها قدمت صفة (الجنائية) على صفة (الدولية) وكان المفروض تسميتها (المحكمة الدولية الجنائية) حتى تكون اكثر ملاءمة مع فرع القانون الدولي الذي تطبقه وهو القانون الدولي الجنائي . لذا سأستخدم التسمية الأخيرة (المحكمة الدولية الجنائية) في هذه الأطروحة . 

62- انظر : تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الثانية والأربعين من 16 أيار – 26 تموز عام 1996 ، الجمعية العامة ، الوثائق الرسمية ، الوثيقة A/51/10

63- سنتكلم على المحاكم الجنائية المدوّلة في الفصل الرابع من هذه الأطروحة . 

 

         

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .