أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-2-2017
20487
التاريخ: 10-11-2016
8224
التاريخ: 13-2-2017
8236
التاريخ: 13-2-2017
12556
|
قال تعالى : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء : 153-154].
لما أنكر سبحانه على اليهود التفريق بين الرسل في الإيمان ، عقبه بالإنكار عليهم في طلبهم المحالات ، مع ظهور الآيات والمعجزات ، فقال : {يَسْأَلُكَ} يا محمد {أَهْلُ الْكِتَابِ} ، يعني اليهود {أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} ، واختلف في معناه على أقوال أحدها : إنهم سألوا أن ينزل عليهم كتابا من السماء مكتوبا ، كما كانت التوراة مكتوبة من عند الله في الألواح ، عن محمد بن كعب ، والسدي . وثانيها : إنهم سألوه أن ينزل على رجال منهم بأعيانهم كتبا ، يأمرهم الله تعالى فيها بتصديقه واتباعه ، عن ابن جريج ، واختاره الطبري وثالثها : إنهم سألوا أن ينزل عليهم كتابا خاصا لهم ، عن قتادة . وقال الحسن : إنما سألوا ذلك للتعنت والتحكم في طلب المعجزات ، لا لظهور الحق ، ولو سألوه ذلك استرشادا لا عنادا ، لأعطاهم الله ذلك .
{فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ} أي : لا يعظمن عليك يا محمد مسألتهم إياك إنزال الكتب عليهم من السماء ، فإنهم سألوا موسى ، يعني اليهود ، أعظم من ذلك ، بعد ما أتاهم بالآيات الظاهرة ، والمعجزات القاهرة ، التي يكفي الواحد منها في معرفة صدقه ، وصحة نبوته ، فلم يقنعهم ذلك {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} أي : معاينة ، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} أنفسهم ، بهذا القول وقد ذكرنا قصة هؤلاء ، وتفسير أكثر ما في الآية في سورة البقرة عند قوله {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} الآية .
قوله : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} الآية ، {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} أي : عبدوه واتخذوه إلها {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} أي : الحجج الباهرات . قد دل الله بهذا على جهل القوم وعنادهم {فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ} مع عظم جريمتهم ، وخيانتهم ، وقد أخبر الله بهذا عن سعة رحمته ، ومغفرته ، وتمام نعمته وأنه لا جريمة تضيق عنها رحمته ، ولا خيانة تقصر عنها مغفرته . {وَآتَيْنَا مُوسَى} أي : أعطيناه {سُلْطَانًا مُبِينًا} أي : حجة ظاهرة تبين عن صدقه ، وصحة نبوته {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ} أي : الجبل لما امتنعوا من العمل بما في التوراة ، وقبول ما جاءهم به موسى {بِمِيثَاقِهِمْ} أي : بما أعطوا الله سبحانه من العهد ، ليعملن بما في التوراة . وقيل : معناه ورفعنا الجبل فوقهم بنقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم ، بأن يعملوا بما في التوراة ، وإنما نقضوه بعبادة العجل وغيرها ، عن أبي علي الجبائي .
وقال أبو مسلم : إنما رفع الله الجبل فوقهم إظلالا لهم من الشمس ، بميثاقهم أي : بعهدهم جزاء لهم على ذلك . وهذا القول يخالف أقوال المفسرين . {وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} يعني (باب حطة) ، وقد مر بيانه هناك . {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} أي : لا تتجاوزوا في يوم السبت ، ما أبيح لكم ، إلى ما حرم عليكم ، عن قتادة قال : أمرهم الله أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت ، وأجاز لهم ما عداه {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} أي : عهدا وثيقا وكيدا بأن يأتمروا بأوامره ، وينتهوا عن مناهيه وزواجره .
_____________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 228-230 .
{ يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ } . المراد بأهل الكتاب هنا يهود المدينة الذين وقفوا من محمد ( صلى الله عليه وآله ) موقف العدو المتعنت ، وكادوا له الكيد المستمر ، وكانوا أول من ابتلي بهم من أهل الكتاب . . ومن تعنتهم ووقحتهم ما أشار إليه سبحانه في هذه الآية من طلبهم أن ينزل النبي عليهم كتابا من السماء يشهد له ، على أن يروه رأي العين ، وبديهة انهم قالوا ذلك على سبيل التعنت ، لا طلبا للحجة ، لأن ما تقدم من معجزاته كافية وافية في الاقتناع لمن طلب الحق لوجه الحق . . وقد تولى اللَّه تعالى الإجابة عن نبيه ، حيث قال عز من قائل :
{ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ } . أي لا غرابة ولا عجب إذا سألوك يا محمد أن تنزل عليهم كتابا من السماء فلقد سألوا موسى أكبر وأعظم من ذلك ، سألوه ان يروا اللَّه بالذات ، { فَقالُوا أَرِنَا اللَّهً جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ } . سبق تفسير سؤالهم هذا واتخاذهم العجل في سورة البقرة الآية 54 - 57 ، المجلد الأول ص 104 .
وتكلمنا عن جواز رؤية اللَّه وأقوال المذاهب في ذلك ص 107 .
ومعلوم ان الذين سألوا الرؤية جهرة ، واتخذوا العجل إلها هم اليهود الأولون ، لا يهود المدينة . . ولكن هؤلاء راضون ومؤمنون بكل ما فعل الآباء والأجداد ، ومن هنا صحت النسبة إليهم .
{ وآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً } . المراد بالسلطان الحجة الظاهرة ، والبرهان القاطع ، ولكن اليهود يهون عليهم كل شيء ، ولا يكترثون بشيء إلا بواحد من اثنين : إما المنفعة ، وإما القوة ، ومن أجل هذا خوفهم اللَّه سبحانه بالجبل الذي أشار إليه بقوله :
{ ورَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ } . الطور اسم الجبل الذي ناجى موسى عليه ربه ، وفي سورة التين : { وطُورِ سِينِينَ } قال المفسرون : سينين وسيناء اسمان للموضع الذي فيه الجبل . أمر اللَّه بني إسرائيل على لسان موسى أن يعملوا بالتوراة ، فأبوا ، فرفع الجبل فوقهم تخويفا ، حتى قبلوا . وقوله تعالى { بِمِيثاقِهِمْ } المراد بنقض ميثاقهم الذي قطعوه على أنفسهم بأن يلتزموا بالدين ، ثم رجعوا عنه ، ولولا الجبل لم يعودوا إليه . إذن ، فلا عجب إذا تمردت إسرائيل على الأنظمة الدولية ورفضت قرارات الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ، ونقضت جميع العهود والمواثيق مرات وكرات ، ولولا الخوف لم تقف عند حد . . لا عجب ولا غرابة ، إنها تنسجم بذلك مع تاريخ أسلافها الذين رفع اللَّه فوق رؤوسهم الطور كي يفوا بالعهد والميثاق .
{ وقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً } . مر تفسيره في الآية 58 من سورة البقرة ، المجلد الأول ص 109 . { وقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ } . أيضا مر تفسيره في سورة البقرة الآية 66 ، المجلد الأول ص 120 .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص481-482 .
قوله تعالى : { يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ } ، أهل الكتاب هم اليهود والنصارى على ما هو المعهود في عرف القرآن في أمثال هذه الموارد وعليه فالسائل هو الطائفتان جميعا دون اليهود فحسب .
ولا ينافيه كون المظالم والجرائم المعدودة في ضمن الآيات مختصة باليهود كسؤال الرؤية ، واتخاذ العجل ، ونقض الميثاق عند رفع الطور والأمر بالسجدة والنهي عن العدو في السبت وغير ذلك .
فإن الطائفتين ترجعان إلى أصل واحد وهو شعب إسرائيل بعث إليهم موسى وعيسى عليه السلام وإن انتشرت دعوة عيسى بعد رفعه في غير بني إسرائيل كالروم والعرب والحبشة ومصر وغيرهم ، وما قوم عيسى بأقل ظلما لعيسى من اليهود لموسى عليه السلام .
ولعد الطائفتين جميعا ذا أصل واحد يخص اليهود بالذكر فيما يخصهم من الجزاء حيث قال : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } ولذلك أيضا عد عيسى بين الرسل المذكورين بعد كما عد موسى عليه السلام بينهم ولو كان وجه الكلام إلى اليهود فقط لم يصح ذلك ، ولذلك أيضا قيل بعد هذه الآيات : { يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ } (إلخ) .
وبالجملة السائل هم أهل الكتاب جميعا ووجه الكلام معهم لاشتراكهم في الخصيصة القومية وهو التحكم والقول بغير الحق والمجازفة وعدم التقيد بالعهود والمواثيق ، والكلام جار معهم فيما اشتركوا فإذا اختص منهم طائفة بشيء خص الكلام به.
والذي سألوه رسول الله صلى الله عليه وآله هو أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، ولم يسألوه ما سألوه قبل نزول القرآن وتلاوته عليهم كيف والقصة إنما وقعت في المدينة وقد بلغهم من القرآن ما نزل بمكة وشطر مما نزل بالمدينة؟ بل هم ما كانوا يقنعون به دليلا للنبوة ، ولا يعدونه كتابا سماويا مع أن القرآن نزل فيما نزل مشفعا بالتحدي ودعوى الإعجاز كما في سور : إسراء ، ويونس ، وهود ، والبقرة النازلة جميعا قبل سورة النساء .
فسؤالهم تنزيل الكتاب من السماء بعد ما كانوا يشاهدونه من أمر القرآن لم يكن إلا سؤالا جزافيا لا يصدر إلا ممن لا يخضع للحق ولا ينقاد للحقيقة وإنما يلغو ويهذو بما قدمته له أيدي الأهواء من غير أن يتقيد بقيد أو يثبت على أساس ، نظير ما كانت تتحكم به قريش مع نزول القرآن ، وظهور دعوته فتقول على ما حكاه الله سبحانه عنهم : { لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ } : ( يونس : 20 ) { أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ } : ( إسراء : 93 ) .
ولهذا الذي ذكرناه أجاب الله سبحانه عن مسألتهم ( أولا ) بأنهم قوم متمادون في الجهالة والضلالة لا يأبون عن أنواع الظلم وإن عظمت ، والكفر والجحود وإن جاءت البينة ، وعن نقض المواثيق وإن غلظت وغير ذلك من الكذب والبهتان وأي ظلم ، ومن هذا شأنه لا يصلح لإجابة ما سأله والإقبال على ما اقترحه.
و ( ثانيا ) أن الكتاب الذي أنزله الله وهو القرآن مقارن لشهادة الله سبحانه وملائكته وهو الذي يفصح عن التحدي بعد التحدي بآياته الكريمة .
فقال تعالى في جوابهم أولا : { فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ } أي مما سألوك من تنزيل كتاب من السماء إليهم { فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً } أي إراءة عيان نعاينه بأبصارنا ، وهذه غاية ما يبلغه البشر من الجهالة والهذر والطغيان { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } والقصة مذكورة في سورة البقرة ( آية : 55 ـ 56 ) وسورة الأعراف ( آية : 155 ) .
ثم قال تعالى : { ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ } وهذه عبادة الصنم بعد ظهور بطلانه أو بيان أن الله سبحانه منزه عن شائبة الجسمية والحدوث ، وهو من أفظع الجهالات البشرية { فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً } وقد أمرهم موسى في ذلك أن يتوبوا إلى بارئهم فيقتلوا أنفسهم فأخذوا فيه فعفا الله عنهم ولما يتم التقتيل ولما يقتل الجميع ، وهو المراد بالعفو ، وآتى موسى عليه السلام سلطانا مبينا حيث سلطه عليهم وعلى السامري وعجله ، والقصة مذكورة في سورة البقرة ( آية : 54 ) .
ثم قال تعالى : { وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ } وهو الميثاق الذي أخذه الله منهم ثم رفع فوقهم الطور ، والقصة مذكورة مرتين في سورة البقرة ( آية 63 ، 93 ) .
ثم قال تعالى : { وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً } والقصتان مذكورتان في سورة البقرة ( آية : 58 ـ 65 ) وسورة الأعراف ( 161 ـ 163 ) وليس من البعيد أن يكون الميثاق المذكور راجعا إلى القصتين وإلى غيرهما فإن القرآن يذكر أخذ الميثاق منهم متكررا كقوله تعالى { وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ } الآية : ( البقرة : 83 ) ، وقوله تعالى { وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } : ( البقرة : 84 ) .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 110-112 .
هدف اليهود من اختلاق الأعذار :
تشير الآية الأولى إلى طلب أهل الكتاب «اليهود» من النّبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بأن ينزل عليهم كتابا من السماء كاملا وفي دفعة واحدة ، فتقول : {يَسْئَلُكَ أَهْلُ
الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ ...} .
ولا شك أنّ هؤلاء لم يكونوا صادقين في نواياهم مع النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنّ الهدف من نزول الكتاب السماوي هو الإرشاد والهداية والتربية ، وقد يتحقق هذا الهدف أحيانا عن طريق نزول كتاب كامل من السماء دفعة واحدة ، وأحيانا أخرى يتحقق الهدف عن طريق نزول الكتاب السماوي على دفعات وبصورة تدريجية .
وبناء على هذا فقد كان الأجدر باليهود أن يطالبوا النّبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدليل ويسألوه عن تعاليم سامية قيمة ، لا أن يحددوا له طريقة لنزول الكتب السماوية ويطالبوه بأن ينزل عليهم كتابا الطريقة التي عينوها .
ولهذا السبب فضح الله نواياهم السيئة بعد طلبهم هذا ، وأوضح للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ هذا العمل هو ديدن اليهود ، وأنّهم معروفون بصلفهم وعنادهم واختلافهم الأعذار مع نبيّهم الكبير موسى بن عمران عليه السلام ، فقد طلب هؤلاء من نبيّهم ما هو أكبر وأعجب إذ سألوه أن يريهم الله جهارا وعلنا! تقول الآية : {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ...} .
وما مصدر هذا الطلب العجيب الغريب البعيد عن المنطق غير الصلف والعناد ، فهم بطلبهم هذا قد تبنّوا عقيدة المشركين الوثنيين في تجسيد الله وتحديده ، وقد أدى عنادهم هذا إلى نزول عذاب الله عليهم ، صاعقة من السماء أحاطت بهم لما ارتكبوه من ظلم كبير، تقول الآية : {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} .
ثمّ تشير الآية إلى عمل قبيح آخر ارتكبه اليهود ، وذلك حين لجئوا إلى عبادة العجل بعد أن شاهدوا بأعينهم المعجزات الكثيرة والدلائل الواضحة ، فتقول : {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ ...} .
ومع كل هذا الصلف والعناد والشرك ، يريهم الله لطفه ورحمته ويغفر لهم لعلهم يرتدعوا عن غيّهم ، ويهب لنبيّهم موسى عليه السلام ملكا بارزا وسلطانا مبينا ، ويفضح السامري صاحب العجل ويخمد فتنته وفي هذا تقول الآية : {فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً}.
لكن اليهود بسبب ما انطوت عليه سريرتهم من شرّ ـ لم يستيقظوا من غفلتهم ، ولم يخرجوا من ضلالتهم ، ولم يتخلوا عن صلفهم وغرورهم ، فرفع الله جبل الطور لينزله على رؤوسهم ، حتى أخذ منهم العهد والميثاق وأمرهم أن يدخلوا خاضعين خاشعين ـ من باب بيت المقدس ـ دليلا على توبتهم وندمهم ، وأكّد عليهم أن يكفوا عن أي عمل في أيّام السبت ، وأن لا يسلكوا سبيل العدوان ، وأن لا يأكلوا السمك الذي حرم صيده عليهم في ذلك اليوم ، وفوق كل ذلك أخذ الله منهم ميثاقا غليظا مؤكّدا ، ولكنّهم لم يثبتوا ـ مطلقا ـ وفاءهم لأي من هذه المواثيق والعهود (2) يقول القرآن الكريم في هذا المجال : {وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً}.
فهل يصح أن تكون هذه المجموعة مع ما تمتلكه من سوابق سيئة وتاريخ أسود صادقة مع النّبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فيما طلبته منه وإن كان هؤلاء صادقين ، لما ذا إذن لم يلتزموا بما نزل عليهم صريحا في كتابهم السماوي وحول العلامات الخاصّة بخاتم النّبيين ؟ ولما ذا أصروا على تجاهل كل ما أتى به النّبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من براهين وأدلة واضحة بيّنة ؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أمرين ، وهما :
أوّلا : لو اعترض معترض فقال : إن تلك الأعمال كانت خاصّة باليهود السابقين ، فما صلتها باليهود في زمن النّبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فنقول : إنّ اليهود في زمن النّبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لم يبدوا اعتراضا واستنكارا ـ أبدا ـ لأعمال أسلافهم السابقين ، بل كانوا يظهرون الرضى عن تلك الأعمال .
أمّا الأمر الثّاني : فيخصّ مسألة نزول التوراة دفعة واحدة ، حيث قلنا في سبب نزول الآيتين الأخيرتين : «إنّ اليهود كانوا يزعمون نزول هذا الكتاب السماوي دفعة واحدة ، في حين أنّ هذا الأمر لا يعتبر من الأمور المؤكّدة ، ولعل الشيء الذي أدى إلى حصول هذا الوهم هو الوصايا العشرة» التي نزلت في ألواح دفعة واحدة على النّبي موسى عليه السلام ، بينما لا يوجد لدينا دليل على نزول بقية أحكام التوراة دفعة واحدة .
___________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 358-360 .
2. للاطلاع أكثر على قضية جبل الطّور ، وهل أنّ رفعه فوق رؤوس اليهود كان نتيجة زلزلة ، أم هناك عامل آخر وكذلك فيما يتعلق بعجل السامري ، ومساوئ اليهود ، راجع الجزء الأوّل من هذا التّفسير في البحث الخاص بهذه المواضيع .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|