أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-15
1379
التاريخ: 8-11-2016
7710
التاريخ: 2-2-2017
2040
التاريخ: 2023-04-17
1525
|
اشتهر العرب قبل الإسلام بالصفات والخلال الكريمة التي كان للطبيعة الصحراوية وشدة الجدب وقسوة الحياة اثرها في تطبيعهم بها وغرسها في نفوسهم. وصارت وفرة الفضائل وتنوع المأثر من سمات التميز التي اصطبغت بها فطرتهم.
كان من اهم صفاتهم الجليلة التي تغني بها الادباء والشعراء على مر الزمان المروءة وعلو الهمة والوفاء بالعهود والشجاعة والفروسية والكرم الخيالي. فلم تكن خصلة عندهم تفوق الكرم واغاثة البائس الفقير(1). وكان الكرم اللامحدود يمثل احدى مفاخرهم التي يحرصون عليها. فكانوا يتباهون بكثرة الاضياف وذبح الابل واطعامها المحتاج، لان الميل الفطري للعطاء هو من اهم سمات سخاء العرب المشهور، والكريم عندهم هو من اعطى فحرم نفسه وبذل من نصاب حاجاته الضرورية. فلما سئل قيس بن سعد: ((هل لقيت اكرم منك؟ فأجاب: اجل. لان المنح لا يسحق الثناء اذا كان المرء موفور النعمة وانما يستحق الثناء من اعطى من قليله)). لقد وجد العرب في فعل الخير شرفا يخلد على مر العصور. يتضح ذلك من رد حسان بن سهل على من قال له: ((لا خير في الإسراف فقال حسان: لا اسراف في الخير)). ولقد اقر الإسلام اخلاق الكرم والنجدة واغاثة الملهوف، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] (2).
الواقع ان إيواء الغرباء واطعامهم بلا مقابل وهو ما يعرف بالقرى، يرجع الى عادة قديمة وتقاليد جليلة تنسب الى إبراهيم الخليل – عليه السلام. ولقد ذكر القران الكريم ما قام به النبي إبراهيم[عليه السلام] لإكرام ضيفه في قوله تبارك وتعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: 24 - 27] (3). وقد احتذى العرب هذا المثل الكريم عن جدهم وصار عندهم كرم الضيافة يضرب به الامثال بعد ان انتشر في جميع ارجاء الجزيرة العربية وكان من اشهر من اتصف بالكرم من رجالات العرب كعب بن ممناة، وقيس بن سعد، واوس بن حارثة، وعبد الله بن حبيب العنبري، وهرم بن سنان، وحاتم الطائي، الذي قال لخطيبته ((ماوية)) في معنى الكرم(4):
اماوي قد طال التجنب والهجر وقد عذرتنا عن طلابكم العذر(5)
اماوي ان المال غاد ورائح ويبقى من المال الاحاديث والذكر
وقال في موضع اخر:
واني لعبد لضيف ما دام ثاويا وما في الا تلك من شيمة العبد(6)
كان من مظاهر كرمهم ايقاد النيران ليلا لتمكين الغرباء من الاهتداء الى الأماكن التي يقطنونها، وكانت النيران توقد على المرتفعات. وقد بالغ بعضهم في الكرم فكانوا يستخدمون المندلي الرطب، وهي اعواد من العطر حتى يهتدي بها العميان(7). وعن اشعال النيران على المرتفعات يقول الشاعر:
له نار تشب على يفاع اذا النيران البست قناعا
ولم يك اكثر الفتيان مالا ولكن كان ارحبهم ذراعا
وفضلا عن ذلك كانوا يجتذبون الغرباء الى مواضعهم بنباح الكلاب(8)، وكانت عادة معروفة عند العرب، فينبح الشخص الذي ضل طريقه، فتنبح الكلاب على نباحه فيهتدي الى مكان الضيف، وفي ذلك يقول نابغة بن جعدة(9):
عوى في سواد الليل بعد اعتسافه *** لـــينبح كلب او ليفــزع قوم
فجـــاوبه متسمـــع الصوت للقرى *** له عند إتيان الملمين مطعم
يكـــاد اذا مـا ابصر الضيف للقرى *** يكلمه مـــن حبه وهم اعجم
ولقد حرص الإسلام على هذه الخصلة الكريمة، فقال النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم مرشدا المؤمنين الى حب الخير ((ما من يوم يصبح العباد فيه، الا ملكان ينزلان، فيقول احدهما اللهم اعط منفقا خلفا، ويقول الاخر اللهم اعط ممسكا تلفا))(10).
كانت الشجاعة والفروسية من المثل العليا عند العرب ذلك ان حياتهم الرعوية البسيطة وقسوة الصحراء فرضت عليهم السمو الخلقي فصاروا يستهينون بالموت الا تحت ظلا السيوف، يقول السموءل بن عاديا:
وما مات منـا سيد حنف انفه *** ولا طــل منا حيث كـــان قتيل
تسيل على حد الظباة نفوسنا *** وليست على غير الظباة تسيل
لما كانت حماية الضعيف والدفاع عنه هي شرع الفروسية، لذلك تنافس الفرسان في مساعدة النساء والارامل والايتام والمغلوبين على امرهم وجعل كل منهم سيفه في خدمة الحق والانتصاف للمظلوم من الظالم ولقد استخدم فرسان العرب شجاعتهم انبل استخدام فصارت رهن إشارة البائسين، ولم يكن من بينهم من يرفض حماية ضعيف او الدفاع عن مظلوم استنجد به. وكان الضعيف اذا احتمى بالقوى ضمن له الحماية والأمان من نفسه، ومن اهله وعشيرته في حياته وبعد مماته. وكان العرب يتباهون بكثرة من يلوذ بهم ويطلب حمايتهم. وكانت القاعدة عندهم حماية الجار بريئا كان ام اثما حماية كاملة ضد الجميع مما أدى الى تحملهم مسئوليات جسيمة، وجر عليهم مشاكل عديدة. وكان امتداد الحماية واتساع نطاقها يعني المزيد من السمو وعلو القدر والمنزلة. فلما اقبل الشاعر الاعشى يوما على علقمة بن علاثة سائلا ان يكون في حماه قبل ان يحميه من الانس والجن، فطلب الاعشى ان يحميه من الموت أيضا فاعتذر فقصد الاعشى الشاعر، عامر بن طفيل وسأله الحماية الكاملة، فوعد بان يحميه ولو من الموت فساله الاعشى: وكيف انت فاعل؟ قال: اذا اتاك الموت وانت في حماي دفعت لأهلك ديتك فاعجب الاعشى من هذا الجواب وانشد يمدح عامرا ويهجو علقمة.
ومما يجدر ذكره ان المرء اذا لم يجد في طريقه رجلا قويا يحتمي به، كان يستجير باي اسم، فلما اوشك بنو الحارث ان يقتلوا رجلا يدعى خالدا، استجار بواحد منهم هو قس بن الصمة، لكن قسا كان غائبا ولم يفد ذلك خالدا، فلما عاد قس بعد فوات الأوان. غضب وعاب على اهله ما الحقوه من الهوان، اذ بلغت الجرأة بهم ان يرفعوا أيديهم على من احتمى باسمه(11). وكان الرجل اذا ما تخلى عن حماية الضعيف لحق به العار وصار رمزا للمذلة والهوان، اللذين كانا يانفهما العربي الحر، قال المتلمس:
ان الهوان حمار الاهل يعرفه *** والحر ينكره والرسلة الا جد
ولا يقيم علــى خسف يراد به *** الا الاذلان: عير الاهل والوتر
كان من اشهر فرسان العرب، خالد بن جعفر بن كلاب العامري، وعتيبة ابن الحارث وعامر بن الطفيل وقيس ابن معد يكرب وعمرو بن كلثوم وعنترة ابن شداد، وقد وصف الاعشى شجاعة قيس بن معد يكرب بالبسالة والجرأة في ميادين الحرب حيث كان يقاتل بدون ترس، وذلك انه كان يقينا ان الانسان سيموت حتما فلكل امرئ اجل محتوم فقال(12):
كنــت المقـــدم غير لابـس جن *** بالسيف تضرب معلما ابطالها
وعلمت ان النفس تلقي حتفها *** ما كان خالقها المليك قضى لها
ولقد اقر الإسلام الشجاعة والاقدام وجعلهما من صفات المؤمن بعد ان هذبهما وجعلهما في خدمة الحق ودفع العدوان فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأنفال: 45] (13)، وقال تبارك وتعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) } [الأنفال: 15، 16] (14).
وتتجلى فروسية العرب ونبذهم للهوان والضيم فيما عرف عندهم بالاعتضاد، وهو ان يغلق الرجل بابه على نفسه فلا يسال أحدا حتى الموت جوعا، فكان يسترخص الحياة، ويقبل على الموت مترفعا عن الدنايا والخساسة في طلب الرزق، فاذا ضاق على احدهم رزقه، حمل اهل بيته الى موضع فضرب عليه وعلى عياله خباء حتى يلقوا جميعا مصيرهم(15).
كان الحلم من اجل الصفات التي تدل على مكانة الفضيلة بين العرب، وهي تعني الصفح والمغفرة عند المقدرة، فكان الحليم يستطيع التغلب على نفسه عندما يتغلب على عدوه. وبلغ من انتشار هذه الصفة الحميدة ان انتشرت بين العرب الأمثلة التي تؤكدها وتشجع على الاخذ بها فقالوا: ((الكريم من يغفر الذنوب ويستر العيوب)) و((اذا غلبت فكن عفوا))، و((لا عظمة مع الحقد))، وقد ورد في القران الكريم ما يؤكد هذه الصفة الحميدة ويعضدها فقال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] (16).
كما كان التسامي عن الدنايا والنقائص يعد من صفات العزة والكرامة ويتجلى في الغض عن العوراء. قال عنترة بن شداد:
واغضن طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مامواها
انــــي امرؤ سمـــح الخليقـة ماجد *** لا اتبع النفس اللجوج هواها
كانت عفة العربي هي شرفه، الذي يموت دونه وهمته التي تضطرم بينه جنبيه، فقد عرف عندهم ان الرجل الذي يتأثر بالنساء في مسيرهن ويجعل همة ابتغاء المهينات منهن جبان، ساقط الهمة، مغمور العرض، لان مغالبة النفس وقمع الهوى ادل على الشجاعة. وكانوا يقولون: (ليس سيدا من غلبته شهوته))(17).
ولقد نمت هذه الصفة الحميدة في ظل الإسلام وارتقت فجاء في قوله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30، 31] (18).
على ان الوفاء بالعهود وكراهة الغدر كانت من اعظم الصفات الملازمة للعربي، وكانوا يشهرون بمن يغدر منهم في المجتمعات العامة والأسواق الكبرى، حتى يلحقوا بخائن العهد العار. ولعل وفاء بن زهير المازني الذي قتل اخاه لغدره بجار له من اشهر قصص الوفاء عند العرب قبل الإسلام لذلك ارتفع الوفاء بالعهد الى قدسية الدين، وبات من يحنث بوعده اثما يتعرض لازدراء الناء ولعنة الله. ومن اجمل مظاهر التمسك بالعهود ان الحروب المشتعلة بين عشائر العرب وقبائلهم، كانت تخمد عندما يهل شهر الهدنة وذلك بلا رقيب او حاكم، فيعم الزمان ارجاء القرى والبوادي وتنقل السلع دون خوف او حذر. فالعهد في الصراء كان يعني النجاة. وكلمة الوفاء كانت تعني الفخر والنبل والجلال. ولعل من أنبل صور الوفاء بالعهد حفظ السموأل بن عاديا امانة امرئ القيس التي اودعها لديه، فلما اتاه الحارث بن ابي شمر الغساني ليأخذ منه ادرع امرئ القيس امتنع السموأل فأخذ الحارث ابنا له غلاما. وقال اما ان سلمت الادرع الى واما قتلت ابنك.
فأبى السموأل ان يخون امانته، فضرب الحارث وسط الغلام فقطعه قطعتين، فقال السموأل في ذلك (19):
وفيت بذمة الكــندي إنـــي *** إذا خــان اقـــوام وفيت
وأوصى عاديا يوما بان لا *** تهدم يا سموأل ما بنيت
بنى لي عاديا حصنا حصينا *** وبئرا كلما شئت استقيت
ولقد اوص الإسلام بالوفاء بالعهود وشدد على الحفاظ عليها في قوله تعالى: (واوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) (20).
وقصارى القول ان الخلق العربي الأصيل قد حظي من الإسلام بكل التشجيع والمؤازرة بعد ان رضيه الله تبارك وتعالى دينا للمؤمنين واساسا للسلوك الاجتماعي الإنساني، وقد احله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله محلا ساميا رفيعا فقال: (بعثت لأتمم مكارم الاخلاق)، فاستمر الخلق العربي الراقي شرفا يتوج المؤمنين، فلم يكن ثمة تعارض بين ما كان عليه العرب وما جاء به الإسلام الا فما يتعلق بالعصبية التي عرفها الإسلام بحمية الجاهلية الأولى. وقد شهد لوبون بذلك حين قال: (ان اخلاق العرب في الأدوار الأولى من الإسلام أرقى كثيرا من اخلاق أمم الأرض قاطبة ولا سيما الأمم النصرانية، وكان عدلهم واعتدالهم، ورأفتهم وتسامحهم، ووفاؤهم بعهودهم ونبل طبائعهم، مما يتوقف النظر، ويناقض سلوك الأمم الأخرى) (21).
العادات والتقاليد:
ارتبطت اهم العادات الاجتماعية عند العرب قبل الإسلام بمعتقداتهم الدينية متأثرين في ذلك بالطبيعة الصحراوي الموحشة التي دعلتهم يؤمنون بوجود قوى خفية خارقة لها أثرها في حياة الناس ومقدراتهم وما يتعرضون له من خير وشر، ولذلك عمدوا الى التقرب منها بالزيارات والقرابين والتضرع والتوسل والادعية والصلوات التي تقام في مناسبات مختلفة.
كان لهذا الاعتقاد الديني اثره الروحي العميق في نفوسهم مما جعلهم يؤمنون بقدرة المنجمين والسحرة على إمكانية السيطرة على هذه القوة الخفية وتوجيهها طبقا لرغبات أصحاب الحاجات لان هذه القوى متغلغلة في اجسامهم ومحيطة بهم في كل مكان، وانها ذات طبيعة نافعة ضارة تبعا لتوجيه السحرة، ومما زاد من تأثر الناس بها انها خفية غير مرئية وانها تستطيع الحاق الأذى والضر بالإنسان في كل مكان وزمان ولا سبيل لاتقاء شرها سوى بمحاولة التقرب والتودد اليها عن طريق أولئك السحرة والمنجمين بوسائط من الجن، الذين يعيشون في الظلام مستقرين. واسترضائهم لازما لدفع الأذى والضر عن الانسان فتجلب له الخير والسلام. ويتجلى هذا الاعتقاد في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158] (22)، ذلك ان قريشا جعلت بين الالهة وبين الجن والوسطاء قرابة، وأنها تشارك الله جل جلاله قدراته سبحانه وتعالى عما يشركون {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: 100] (23).
كان من عاداتهم التي ارتبطت بالجن، ضرب الثور الذي يركب الجن قرنيه ليقتحم الماء عندما يمتنع البقر عن شرب الماء. وذلك لاعتقادهم ان الجن تصدت للبقر فاقتحمها الشيطان ـ أخبث أنواع الجن ـ الذي ركب قرني الثور(24).
كما اتخذوا وسائل من الأرواح التي تسكن أجساد اصنامهم على زعمهم، لتوصيل رغباتهم الى الالهة وذلك لاعتقادهم ان لها قدرات خارقة على إحلال الخير ودفع الأذى والضر عن الانسان، فضلا عن توجيه الشر الى اعدائهم وكان الكاهن ذو القدرات والمواهب الخاصة هو الذي يستطيع القيام بذلك فيتصل بها ويؤثر عليها حتى يستشف منها مستقبل الانسان وما تخبئه له الاقدار وكان السحر والكهانة منتشرين بين غالبية العرب في قبائلهم وعشائرهم، مدنهم وباديتهم. وكان الكاهن يستقي الاخبار ويعرف المغيبات ويقرأ المستقبل بوسيط من الأرواح يعرف بالتابع، الذي كان يسترق السمع وينقل للكاهن ما سمعه(25)، ولقد سخر جهم الهذلي من هذا الاعتقاد فقال:
يظنان ظنـــا مـــرة يخطئــانه *** وأخرى على بعض الذي يضعان
قضى الله ان يعلم الغيب غيره *** ففــــــي أي امــر الله يمتريـــــان
كان العربي يعتقد ان للكهنة اذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية لذلك كان للكهانة شأن عظيم في حياة الناس وصارت جزءا من حياتهم اليومية لا يستطيع المرء ان يتحرك او يقدم على عمل الا بعد الرجوع اليها.
ولما سئل النبي [صلى الله عليه وآله]عن الكهان قال: (ليسوا بشيء). قالوا: يا رسول الله انهم يحدثون أحيانا بشيء فيكون حقا. فأخبرهم الرسول [صلى الله عليه وآله] (ذلك من جهة الشياطين يلقون إليهم الكلمة فتكون حقا فيزيدون هم معها مائة كذبة) (26).
كان لكل قبيلة كاهن او عدة كهان يرجع إليهم افرادها لاستشارتهم في كل امر عظيم يقدمون عليه او لمعرفة أسباب الكوارث التي تعرضوا لها وكان الكاهن يتفق مع أصحاب الحاجات المتلهفين على قراءة المستقبل، على الحلوان، وهو المقابل الذي يتناوله الكاهن، ويعطيه للتابع لان الحاجة تظل معلقة لا تتحقق الى بدفع الحلوان، وقد نهى الرسول [صلى الله عليه وآله] عن (ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن) (27). على ان بعض الكاهن كانوا قد ودعوا تابعيهم من الجن واثروا اعداد قبائلهم للدخول في الإسلام(28).
لم تقتصر الكهانة على معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل عن طريق تابع بل استخدم الكهان وسائل أخرى فمنه العرافة والقيافة والزجر والطيرة والعيافة والاحلام والاستقسام بالأزلام وطرق الحصى والخط على الرمال والتفرس في ملاحظة بعض أجزاء اجسام الحيوان او الانسان، فضلا عن التنجم.
يختلف الكاهن عن العراف، فالكاهن يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الازمان ويدعى معرفة الاسرار عن طريق التابع. اما العراف فهو الذي يدعى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة وذلك عن طريق دراسة مقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، ويرادف معنى العرافة التنجيم(29). وكان العراف يتمتع بالذكاء والتفرس في الأمور والتجارب وله ملكات ومواهب خاصة، يقضي ويتنبأ للناس بالملاحظة والاستنتاج بمراقبة الأشياء، ومن العرافين رباح بن عجلة، عراف اليمامة، والأيلق الاسدي، عراف نجد.
اما القيافة فيقصد بها التنبؤ والاخبار عن شيء بتتبع الأثر والشبه وتنطوي في بابها قيافة اثار الاقدام والاخفاف وحوافر الحيوان والطير للاستدلال على أصحابها وقد اشتهر بنو مدلج وبنو لهب بالقيافة(30) كما كانت الفراسة من أنواع الكهانة التي انتشرت في بلاد العرب قبل الاسلم وهي الاستدلال بهيئة الانسان واشكاله والوانه على صفاته وطبائعه. والعيافة هي التنبؤ بملاحظة حركات الطيور والحيوانات ودراسة اصواتها وقراءة بعض احشائها. ولذلك أطلق على العائف اسم الشاق، لأنه يشق بطون الحيوانات والطيور لدراسة احشائها واستخراج الخبر مما يراه على تلك الاحشاء من الياف واشتهر بنو اسد بالعيافة، وكذلك بنو لهب، وهم حي من الأزد، منهم لهب بن أحجم بن كعب، وهو الذي تكهن بمقتل عمر بن الخطاب قبل وقوعه بعام(31)، وقد أجمل ابن خلدون تعريف الكهان بصنوفهم المختلفة بقوله (هم الناظرون في الاجسام الشفافة من المرايا وطساس المياه وقلوب الحيوان واكبادها وعظامها. واهل الطرق بالحصى والنوى فكلهم من قبيل الكهان(32).
يعد الاستقسام بالأزلام(33)، الذي عرف طريقة الى عادات الناس الاجتماعية، احدى طرق التنبؤ، وكان يتم ذلك اما الاصنام حتى يكون تعبيرا عن مشيئة الالهة وارادتها، كما ان بعض الكهان كانوا يحملون الازلام على اكتافهم ويستقسمون بها في الأسواق والمجتمعات العامة خاصة أيام الأعياد. وكان القائم بالاستقسام يتقاضى اجرا معلوما يصل الى مائة درهم عند سدنة هبل(34). وكان الناس يتفاءلون بالأزلام، وصارت جزءا من حياتهم اليومية فكانوا يرجعون اليها في حالات السفر او العمل او الزواج او دفع الديات فضلا عن التثبت في الانساب المشكوك فيها، وقد ورد ذكرها وتحريمها في القران الكريم في قوله تبارك وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] (35).
كان الطرق، وهو الضرب بالحصى من عاداتهم الاجتماعية، وكانت يقوم به الطراق من الرجال والنساء للكشف عن المستقبل، وذلك بان يخط الطارق خطوطا كثيرة بسرعة على الأرض ثم يمحو على مهل خطين، فان بقي خطان فهما علامة الرضى والنجاح، وان بقي خط واحد فهو علامة الخيبة. ومنهم من كان يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليها بشعير او نوى، ويتمتم بحاجة المريد، فان أصيب خط واحد وبقي خطان كان الفلاح، وان أصيب خطان وبقي خط واحد فهو علامة الفشل والتشاؤم. وقد سخر أحد الشعراء من الطرق بالحصى وهو لبيد بن ربيعة فقال(36):
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى *** ولا زاجرات الطير ما الله صانع
اما الزجر فهو رمي الطيور بحصاة ثم يصيح الرامي ليفزعها ويزجرها وعندئذ يراقب حركات طيرانها، فان تيامنت أي اتجهت يمينا تفاءل وخرج لقضاء حاجته وان تياسرت أي اتجهت يسارا تشاءم به. وقد عرف الزجر بالطيرة وذلك لاعتماد الزاجر الطيور في زجرهم(37)، وقد انتشر التطير في حياة الناس فصار يشمل الحيوان والاسماء والكلمات والاعداد. كما تطير البعض بذوي العاهات وذوي القبح الشديد، واعتبروهم نذير شؤم فكانوا يتجنبون الالتقاء بهم. يقول الجاحظ: (حتى صاروا إذا عاينوا الأعور من الناس او البهائم او الأعضب او الابتر زجروا عند ذلك وتطيروا عندها. كما تطيروا من الطير إذا رأوها على تلك الحال) (38) ويعلق على ذلك بقوله (واصل التطير من الطير إذا مر بارحا (ميامنا) وسانحا (مياسرا) او رآه يتفلى او ينتف فكان زجر الطير هو الأصل، ومنه اشتقوا التطير، ثم استعملوا ذلك في كل شيء وللطيرة سمت (أطلق اسم) العرب المنهوش السليم، والبرية بالمفازة، وكنوا الاعمى أبا البصير والأسود أبا البيضاء، وسموا الغراب بحاتم، والغراب أكثر من جميع ما يتطير به في باب الشؤم(39)، وقد سخر العقلاء من التطير كما جاء في قول النابغة:
تعلـــم انه لا طــير الا *** على متطيــر وهو الثبور
بل شيء يوافق بعض *** شيء احايينا وباطله كثير
وقال المرقش:
ولقد غدوت وكنت لا *** اغدو على واق وحاتم
فـــاذا الاشــائم كالأيا *** من والايـامن كالأشائم
وكــــذاك لا خـير ولا *** شـــر علــى أحد بدائم
وقد نهى الرسول [صلى الله عليه وآله] عن التطير بقوله: (أقروا الطير على مكانتها، لا تطيروها ولا تزجروها) (40).
كذلك تطير العرب بقراءة احشاء الحيوانات، وبخاصة الكبد لأنه في نظرهم موطن العداوة ومقر الحقد، فكان يقال للأعداء سود الاكباد لان الحقد احرق اكبادهم حتى اسودت(41).
واشتهر عند العرب التطير بالمرأة، فقيل (لا عدوى ولا طيرة، انما الشؤم في ثلاث، في (الفرس والمرأة والدار) (42).
وكانوا في اعتقادهم يتغلبون على شؤم ناصية المرأة وعتبة الدار بالذبائح، فمن تقاليدهم ذبح عدة ذبائح عند زفاف العروس الى زوجها ووصولها الى عتبة الدار طردا للأرواح الشريرة وارضاء لها، وكان من عاداتهم أيضا الذبح على عتبة الدار الجديدة. وتعرف هذه الذبائح بذبائح الجان(43).
كان العرب يتشاءمون أيضا من بعض الطيور والحيوانات ومن أهمها البوم والغراب، والحيوانات ذات العاهات فكانوا يقولون ليس في الأرض شيء يتشاءم به الا الغراب اشأم منه. وغالبيتهم يتطير إذا صاح الغراب صيحة واحدة، فاذا أثنى تفاءلوا. وعند غيرهم إذا صاح صيحتين فهو شر، وإذا صاح ثلاث مرات فهو الخير(44)، وقد اشتقوا من اسمه الاغتراب والغربة والغريب لتشاؤمهم منه، واعتبروا اكل لحمه عارا لأنه يأكل الجيف والقاذورات(45) واشد ما يتشاءمون بالغراب إذا ولاهم ظهره او شماله(46) او أبصره يتفلى وينتف. كذلك امر الجراد عندهم لانهم تنظروا منه الجرد، ولأنه مختلف الألوان فهو عندهم كحوادث الزمان(47).
اما البوم فكان من أسباب التشاؤم بها منظرها الكئيب وصوتها الحزين وظهورها في الليل، وقد وصفوها بأم الخرائب(48)، ولذلك اعتقدوا ان روح الميت المرفرفة على القبر هي البوم.
وكانوا يتطيرون من الثور الاغضب (المكسور القرن) ومن الحية والثعلب فلحركات هذه الحيوانات ولأصواتها أثر في التنبيه بوقوع الشر(49).
ومن ناحية أخرى كان العرب يتفاءلون بالهدهد فهو عندهم اية اليمن وسبيل الهداية. وكانوا يعتقدون انه كان يدل النبي سليمان عليه السلام على مواضع الماء في أعماق الأرض(50). على ان العرب بصفة عامة كانوا يعتقدون ان الطيرة والفأل مكتوبان على الانسان، وان حياته ومصيره مقرران(51).
لا شك ان البيئة الصحراوية القاسية هي المؤثر الحقيقي في تطيرهم، لانهم كانوا كثيرا ما يتعرضون للكوارث ويتلون بالناب والمخلب وباللدغ واللسع والعض والاكل والافتراس، فخرجت بهم الحاجة الى تعرف الجاني والجارح والقاتل وكيفية الطلب والهرب(52).
كذلك تعلق الناس بالسحر والسحرة لاعتقادهم بقدرتهم على القوى الخفية لتجنب الأذى وتحقيق الخير، وصار للسحرة مكانة كبيرة بين الناس وبخاصة النساء. فاستعانت المرأة بالسحر للتأثير على قلب الرجل والاستئثار به دون باقي زوجاته، واستعانت المرأة به للتفريق بين الرجل وزوجته حتى تحصل عليه. وقد ورد في القران الكريم ما يدل على هذا المعنى في قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] (53).
قسم ابن خلدون السحر ثلاثة أنواع فقال: (السحر بالمعنى المفهوم عند الفلاسفة وهو التأثير بالهمة من غير الة ولا معين، والطلسمات وهي التأثير بمعين من مزاج الافلاك والعناصر او خواص الاعداد، والشعبذة والشعوذة وتكون بالتأثير في القوى المتخيلة والتصرف فيها بقوة نفس الساحر المؤثرة، حتى يرى الرائي شيئا في الخارج وليس هناك شيء)(54).
كان السحرة يستخدمون بعض النباتات والاعشاب لاستخلاص المادة الخاصة بعملهم. او الاستعانة ببعض الجمرات ووضعها في طريق مرور الشخص المراد التأثير عليه وذلك بعد القراءة عليها، كما استعملوا السلوانة وهي عبارة عن مسحوق يتخذ من تراب قبر او خرز يقرأ عليه ثم يغتسل به الانسان، وقيل انه يطرد الأرواح الشريرة من أجساد المرضى. قال الشاعر(55):
جعلت لعراق اليمامة حكمة *** وعراف نجد ان هما شفياني
فما تركا من رقيـة يعلمانها *** ولا سلــوة الا بهــا سقيــاني
اما استخدام السحر في الأذى فكان يتم بالنفث في العقد، الذي أشار اليه القران الكريم في سورة الفلق، قال تعالى: }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5){ (56). وكانت المرأة تأتي بخيط او وتر وتقرأ عليه شيئا مبهم القول، وبينما هي تتمتم تعقد العقدة(57). ويرى المفسرون ان لبيد بن اعصم اليهودي كان يستخدم بناته الساحرات في النفث في العقد. وكانت بناته بعد ان يتم لهن النفث في العقد يعمن بدس الخيط في بئر بنى زريق وهي بئر ذروان تحت حجر أسفل البئر، وكانت عادتهم دفن السحر في معطن من الأرض فلا تزال الجن موكلة بإذن المسحور به ما دام الخيط في موطنه(58). فلما استخرجوا السحر من بئر ذروان وجدوا مشاطة رأس واسنان مشطة وإذا فيه خيط معقد فيه احدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر.
كذلك كان السحرة يستخدمون أوراق بعض النباتات وخلطها مع الملح والبخور والدماء والعظام وقرون الحيوانات ثم حرقها واذابتها في الماء او دفنها، وفضلا عن ذلك كانوا يعمدون الى التنفير وذلك باستخدام كل ما ينفر ويقزز لطرد الأرواح الشريرة من الأماكن والأشخاص، ومن ذلك استخدام عظام الموتى وبعض أجزاء من عظام الحيوانات او مخالب الطيور، التي كانوا يتشاءمون منها. ومن ناحية أخرى كانوا ينصحون روادهم بحمل الحمائل وتعليقها في الجبهة لحماية ودفع الأذى او لمنح البركة والتوفيق والنصر في الحرب وكانت الحمائل على صنفين، الطبيعي ومنها أنواع معينة من الأحجار او النباتات او المعادن النادرة وقد يكون جزء من انسان او حيوان. والصنف الاخر معمول وهو الحمائل المكتوبة او المنقوشة او المصورة، وهي التي كتبت او نقشت بأسلوب خاص يمتاز بالغرابة والغموض مع تذييلها بأجزاء من الكتب المقدسة او الادعية او أسماء الالهة او الجن او الملائكة. والحمائل هي ما كان يعرف عند العرب بالتمائم.
وكانت الرقية من أشهر عاداتهم الاجتماعية في مداواة بعض الامراض المستعصية وخاصة فيما يتعلق منها بالعصبي مثل الحمى والصرع لدغات العقارب والحيات. ويتم ذلك بقراءة شيء على المريض ثم النفث عليه. فضلا عن ذلك استعملتها المرأة العربية بكثرة لاعتقادها ان الخرز له أثر في اصلاح امرها من اجتلاب خير او دفع مكروه، وكانت تقرأ عليها كلمات أعدها السحرة لهن ومن أنواع الخرزات الهنمة(59)، والدردبيس(60)، وكرار(61)، والقبلة(62)، والصرفة(63)، والعطفة(64)، والينجلب(65)، وكان رقاهن لتأليف القلوب هوابة. هوابة البرق والسحابة. اخذته بمركن فحبه تمكن. اخذته بإبرة فلا يزل في عبرة. جلبته بأشفى فقلبه لا يهدأ. جلبته بمبرد فقلبه لا يبرد.
كذلك كانت المرأة العانس تقوم ببعض العادات من اجل إيجاد خطيب لها، فمن ذلك نشر جانب من شعرها وتكحيل احدى عينيها وتكحيل أحدا رجليها على ان يكون ذلك ليلا، ثم تقول، يالكاح، أبغي النكاح قبل الصباح، وكان يجب عليها ان تلبس خرزة القرزحلة(66)، وقد سخر منها أحد الشعراء بقوله:
لا تنفح القرزحلة العجائزا *** إذا قطعنا دونها المفاوزا
ومن عاداتهم الاجتماعية ان يعقد الرجل طرفا من غصن الشجر بطرف غصن اخر لقياس حفظ امرأته لنفسها وعدم خيانته. ومن ذلك أيضا ان أحدهم إذا أراد دخول قرية واتقاء وتجنب وبائها، فعليه ان يقف على بابها ثم ينهق نهقه الحمار ثم يعلق عليه كعب ارنب، ثم يدخل الموضع المراد دون حذر(67)، وذلك لاعتقادهم ان كعب الارنب ينفى جنان الدار وشيطان الحماطة(68) وغول القفر، كما استعملوا سن الثعلب، فمن ذلك ان جنية ارادت صبيا فلم تقدر عليه، فلما سئلت امه عن ذلك، قالت كانت عليه نفرة ثعالب وهررة.
كانت تقاليد العرب في الزواج ان يتقدم الرجل الى كبير العشيرة يطلب يد فتاة من بناتها بما يرغب من صفات فلما نزع قيس بن زهير-سيد عبس-الى النمر بن قاسط، من بطون ربيعة وقال: يا معشر النمر، نزعت اليكم غريبا حزينا فانظروا لي امرأة اتزوجها، قد اذلها الفقر، وادبها الغنى لها حسب وجمال، فاختاروا له على هيئة ما طلب. فكانت آثر الناس عنده واذهبهم لبلواه(69). فكان مرجع العربي اختيار شرف الحسب وسناء الذكر قبل الثراء. وبالمقابل كان للفتاة حرية الاختيار وبخاصة حينما يتقدم أكثر من خطيب يطلب يدها. فلما اقبل سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب على عتبة بن ربيعة يخطبان اليه ابنته هند، عرض عليها ار كل منهما فآثرت أبا سفيان، فزوجت منه(70) .
وتتجلى حرية الفتاة في الموافقة على من يتقدم لخطبتها او الرفض فيما روى عن الخنساء بنت عمرو بن الشريد، لما تقدم دريد بن الصمة لخطبتها قال له ابوها: مربا بك يا أبا قرة، إنك كريم لا يطعن في حسبه، والسيد لا يرد عن حاجته، والفحل لا يقرع انفه. ولكن لهذه المرأة في نفسها ما ليس لغيره. وانا ذاكرك لها وهي فاعلة. ثم دخل اليها وقال لها: يا خنساء، اتاك فارس هوازن وسيد بني جشم، دريد بن الصمة يخطبك وهو من تعلمين فقالت يا أبت: أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح وناكحة شيخ بن جشم هامة اليوم او غدا فخرج اليه ابوها، وقال: يا أبا قرة قد امتنعت. ولعلها ان تجيب فيما بعد فانصرف(71) بل ربما اختارت المرأة لنفسها الرجل المناسب، فلا لوم ولا نكير، فقد وصف لخديجة بنت خويلد الشريفة، ذات الحسب والنسب والمال، محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله ) وما كمله الله به من ادب طاهر وخلق عظيم. فخطبته لنفسها.
كان الرجال في بعض الأحيان يرسلون امرأة يثق بها الى بيت العروس لتأتي له بوصف عنها بعد محادثتها وفحصها إذا لم يوافق أهلها على ان يجالسها، اما الشائع عندهم فان من حق الرجل ذلك(72)، وكان الرجال يفضلون الغرائب من النساء لأنهن على اعتقادهم اولد للنجباء من الأبناء وقيل في ذلك:
أنذر من كان بعيد الهم *** تزويج أولاد بنات العم
فليس ناج من ضوى وسقم (73)
وقد شجع الرسول (صلى الله عليه وآله) على الزواج من الغرباء لقوله: (اغتربوا لا تضووا) أي تزوجوا الغرائب حتى لا ينكفن عن الضعاف(74)، على ان بعض أبناء العشائر كانوا يؤثرون الأقارب من النساء لانهن اصبر على نبوة(75) الخلق وريب الزمان، وكان بنو عبس يؤثرون بنات العم، ذلك انهم لما سئلوا أي النساء وجدتم اصبر، فقالوا بنات العم(76).
كانت الخطوة التالية بعد الاختيار هي الاتفاق على المهر، الذي كان يعد فرضا واجبا على الرجل، لا يتم الزواج دون تقديمه، والا اعتبر بغيضا وسفاحا. وتستثنى من ذلك حالة الاسر في الحروب(77) فكان للرجل حق الدخول بالمرأة دون مهر، لذلك تمسك الحرائر واهلوهم لأنه كان يعد من دلائل الشرف والحرية علو المكانة. وكان المهر من سلع مختلفة كقطعان الضأن او العطور او الاقمشة او قطع النقد من الذهب والفضة، وكان اعز مهورهن الذهب السبيك، والاينق العشراء، يبذلون منها على قدر رزقهم وقوة ثرائهم، وكان يبلغ عند أصحاب الجاه والثراء نحو مائة رطل او مائة ناقة، وقد يجمع الرجل بينهما. فكان مهر عبد المطلب بن هاشم لفاطمة بنت عمرو مائة ناقة ومائة رطل من الذهب(78). اما من قدر عليه رزقه فكان يسوق الى امرأته عرضا مما يباع ويشتري. وذكر ابن سيده ان العرب يقولون الأزواج ثلاثة: زوج مهر، وزوج بهر، وزوج دهر. اما زوج مهر، فرجل لا شرف له يثنى المهر ليرغب فيه، واما زوج بهر، فالشريف وان قل ماله تتزوجه المرأة لتفتخر به، واما زوج دهر، ذلك الكفء الذي لا عيب فيه(79). وكان المهر يصبح ملكا خاصا لولي امر الفتاة يتصرف فيه كيف يشاء، لذلك كان القوم يبادرون الاب بالتهنئة عندما تولد له بنت قائلين: هنيئا لك النافحة أي السحابة كثيرة المطر. وبعد الاتفاق على المهر ينتهي الامر بكلمة الرجل خطب، فيرد عليه بكلمة نكح(80)، وخلال ذلك ينهض الرجل واقفا او يعتلي شرفا من الأرض او يتبوأ ظهر راحلته. فإذا انتهى القوم من ذلك نحرت الجزر، ومدت المطاعم وسمع الغناء من مجالس النساء وتسمى وليمة ذلك اليوم بالنقيعة(81)، وهذا اليوم هو ما كان يعرف بيوم الأملاك، أي الاتفاق والعقد وتقديم المهر. ولقد اقر الإسلام هذا التقليد، غير انه جعل من المهر صداقا حقا من حقوق المرأة خالصا لها لا ينازعها فيه أحد، قال تبارك وتعالى { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} [النساء: 4، 5] (82).
اما يوم البناء وهو يوم الدخول فكان يتميز بالفرح والسرور والبهاء وكان الفتيان يتبارون باللعب بالرماح، وينتصلون بالسيوف ويستبقون على متون الخيل، ويسرحون ويمرحون. بينما تجلس النساء على النمارق المصفوفة والزرابي المبثوثة، ثم تزين الفتاة ويفرغ عليها الحلي مما تملك وما لا تملك لان قومها كانوا يستعيرون لها امتع ما في الحي من حلي. فمن ذلك ان عتبة ابن ربيعة قد استعار حلى بني ابي الحقيق لتزف فيها ابنته هند على ابي سفيان(83). وكانت النساء تتبارى في تزيين العروس وتجميلها بكل فنون التجميل من التكحل(84)، والتنمص(85)، والتزجيح(86)، والتفليج(87)، والتلمية(88)، والوشر(89)، والوصل(90)، والخضاب(91).
كانت العروس تجلس الى أمها لتلقي النصائح قبيل حملها الى بيت زوجها، فلما خطب الحارث بن عمرو – ملك كندة ابنة عوف بن محلم الشيباني – قالت لها أمها: (أي بنية؛ ان الوصية لو تركت لفضل ادب تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو ان امرأة استغنت عن الزوج لغنى ابويها، وشدة حاجتهما اليها، كنت اغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.. أي بنية إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت، وعشك الذي فيه درجت، الى رجل لم تعرفيه وقرير لم تألفيه، فكوني له امة، يكن لك عبدا، واحفظي له خصالا عشرا، يكن لك ذخرا اما الأولى والثانية، فالخشوع له بالقناعة وحسن الطاعة. واما الثالثة والرابعة، فالتفقد لموضع عينه وانفه، فلا تقع عينه منك على قبح ولا يشم منك الا اطيب ريح.. واما الخامسة والسادسة، فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة. واما السابعة والثامنة، فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الامر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير. وأما التاسعة والعاشرة، فلا تعصين له أمرا، ولا تفشين له سرا، فإنك ان خالفت أمرة، أوغرت صدره، وان افشيت سره، لم تأمني غدره. ثم إياك والفرح بين يديه إن كان ترحا والترح بين يديه إذا كان فرحا، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وكوني اشد ما تكونين له إعظاما، يكن اشد ما يكون لك اكراما، واشد ما تكونين له موافقة يكون أطول ما يكون لك مرافقة. واعلمي إنك لا تصلين الى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك، فيما أحببت او كرهن، والله يخير لك) (92).
وفي نهاية يوم البناء تسير الفتاة في زيها البهي في حشد من اقاربها ومعارفها اللائي يودعنها عند مفارقتها لهن باليمن والبركة.
ومن تقاليدهم استقبال المولود بذبح شاه وتلطيخ رأسه بشيء من دمها، وتعرف هذه الذبيحة بالعقيقة والعقيقة هي شعر المولود حين يخرج على رأسه في بطن امه ونسب للذبيحة لذبحها عند الاحتفال بحلق هذا الشعر(93). ثم يتم دلك فم المولود بالتمر الممضوغ او عسل النحل او دلك جسمه بالملح او الحلو لان الحلو رمز السعادة والفرح، والملح عنصر هام للحياة. ولأن الخز والملح هما رمز الصداقة والمودة والمحافظة على العهود. وكان الختان من عاداتهم التي تمسكوا بها وهو نوع من أنواع العبادة الدموية التي كان يقدمها الانسان الى الالهة، فقط جزء من البدن واسالة الدم منه هو تضحية في عرفهم، كما كان حلق الشعر او تقصيره يعد نوعا من أنواع التقرب الى الارباب(94). وكان العرب يعيبون من لم يختتن، ويعتبرونه بقولهم الاغلف والاعزل، ويعدون الاغلف ناقصا وكانوا يلبسون لطفل الكحلة، وهي خرزة تجعل على الصبيان فتقيهم اذى العين وتحميهم من الجن والانس وربما اتخذها النساء لتأليف قلوب الرجال.
كان العرب قبل الإسلام يفضلون الأولاد الذكور على البنات. وكانت الزوجة التي لا تنجب ذكرا تتعرض للهجر وفرار زوجها منها، فلما تعرضت زوجة ابي حمزة الصنبي لهجر زوجها لها والإقامة في خيمة جيرانه فرارا منها لكثرة إنجاب البنات قالت:
يظل في البيت الذي يلينا *** يظل في البيت الذي يلينا
تا الله مـــا ذلك في أيدينا *** تا الله مــــا ذلك في أيدينا
ونحن كالأرض لـزراعينا *** ونحن كالأرض لزارعينا
ننبت ما قد زرعوه قينا(95)
كان الوأد من أقبح العادات التي عرفت عند بعض القبائل العربية قبل الإسلام، فكانوا يدفنون بناتهم حين ولادتهن يدفعهن الى ذلك اسرافهم في الاعتزاز بأنفسهم وشرفهم، خوفا من الحاق العار بالعشيرة يوم يخطف ابنتهم عدو يهتك عرضها، او لوجود نقص خلقي او مرض او قبح، كان تكون زرقاء او شيماء او كسحاء، وهي من الصفات التي كانوا يتشاءمون منها وقد ذكر الوأد في القران الكريم في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } [التكوير: 8، 9] (96). كما كان من عاداتهم قتل الأولاد ذكورا وإناثا خشية الفقر والفاقة. وقد نهى الإسلام عن ذلك في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} [الأنعام: 151] (97).
كان الوأد يتم بإلقاء الوليدة في حفرة بعد تطيبيها وتزيينها ثم يهال عليها التراب حتى تستوي الحفرة بالأرض وقد استنكر الإسلام هذه الفعلة الشنيعة في قوله تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59] (98). يرجع إدخال عادة وأد البنات في بلاد العرب الى رئيس قبيلة ربيعة، وذلك أن ابنتها لما وقعت في الاسر خلال احدى حروب القبيلة، اختارت البنت البقاء في كنف اسرها على العودة الى بيت ابيها، فغضب زعيم القبيلة واستن هذه العادة السيئة وقلدته بعض العشائر والقبائل فمنها قيس وأسد وهذيل وكندة وبكر بن وائل وتميم(99).
ومن الجدير بالذكر ان هذه العادة لم تكن ظاهرة عامة في بلاد العرب، بل كان بعض العرب يعيبها ويرى في انقاذ الموءودة شرفا ومكرمة لا يبخل في سبيلها بمال، فلما مر صعصعة بن ناجية – جد الفرزدق – يوما برجل يحفر ليئد ابنته وامرأته تبكي. سأل الرجل عن ذلك فأجابه خشية الفقر. فعرض عليه ان يستبقي ابنته مقابل ناقتين عشراوين يمنحهما إياه، فقبل فأعطاه
صعصعة ناقتين وحملا ثم قال في نفسه، ان هذه لمكرمة ما سبقنا اليها أحد من العرب، فجعل على نفسه الا يسمع بموءودة الا فداها وقد فخر الفرزدق بذلك في قوله(100):
أبى أحد الغيثين صعصعة الذي *** متى تخلف الجوزاء والدلو يمطر
أجــار بنات الوائدين ومن يجر *** على الفقر يعلـــم انه غير محضر
كذلك كان زيد بن عمرو بن نفيل يقوم بذلك، فكان يحيى الموءودة بان يكفى أباها مؤونتها ان كان فقيرا(101).
قصارى القول ان عادة وأد البنات لم تكن متبعة عند كافة القبائل العربية في الجاهلية، بل اقتصرت على بعض البطون والعشائر وقام كثير من سادات العرب بمحاربة هذه العادة البشعة والتخفيف من آثارها. ولم يرتبط الوأد بالفقر وحده، لأنه لم يقتصر على الطبقات الفقيرة بل كان عاما عند فقراء القبائل وأغنيائها، بل ان الفقر لم يرد في الآيات القرآنية الكريمة التي نزلت في الوأد انما كانت خشية الإملاق هي السبب الساسي في قتل الأولاد. وقد نهى الإسلام عن ذلك في مواضع كثيرة فمنها قوله تبارك وتعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } [الأنعام: 140] (102).
كان من عاداتهم الاجتماعية عقر العقائر على قبور الموتى وتلطيخ جوانب القبر ونضخه بالدم، حتى يشفى غليل الروح ويسكنها وذلك لاعتقادهم ان روح الميت تتحول وتصير طائرا يرفرف فوق قبره، ويسمى الهامة ويظل يصيح اسقوني حتى يؤخذ بثأره في حالة كون الميت قتيلا. قال زياد الاعجم يرثي المغيرة بن المهلب(103):
فـــاذا مررت بقبـــــره فـــــاعقر به *** كــــــوم الجلاد وكـــل طرف سابح
وانضـــح جوانب قبـــــره بدمائــها *** فلقــــد يكون اخــــــــــــادم وذبائح
يا عمرو الا تدع شتمي ومنقصتي *** اضربك حتى تقول الهامة اسقوني
ومن عاداتهم أيضا حمل رؤسائهم على اعناقهم إذا اشتد بهم المرض لكي يشفى لان رفعه على الاعناق أكثر راحة لروحه من وضعه على الأرض(104).
كان الإعلان عن موت الشخص بالبكاء والعويل، وكان النعي والبكاء بحسب منزلة الميت ومكانته، فكان شق الجيوب عليه من وسائل التقدير والاكرام، يقوم بذلك ناع او جملة نعاة، فيركب الناعي فرسا ويسير بين الناس ذاكرا اسم الميت واعماله المجيدة وحسبه ونسبه. وكانت زوجة الميت يطلق عليها النواحة. واجتماع النسوة للبكاء والعويل على الميت يسمى مناحة(105). ومن عاداتهم عند ذلك شق الجيوب وتعفير الرؤوس بالتراب ولطم الخدود وكانت المناحة تستمر أياما يذكر خلالها مناقب الميت وكان يشترك مع اهل الميت نادبات محترفات وكانت مدة العزاء عند العرب قبل الإسلام عاما كاملا تقوم خلاله الصالقات(106) والحالقات(107) والشاقات(108) بعملهن. وقد
نهى الإسلام عن ذلك فقال الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم: ((ليس منا من صلق او حلق او خرق)) (109).
كانت المناحة تستمر سبعة أيام، تندب فيها الانساء وتنوح في الصباح والمساء وفي ايديهن النعال تصفقن بها وجوههن وصدورهن(110). وتظهر قريبات الميت حاسرات يلطمن الخدود ويشققن الجيوب، ولا يستعملن مدة المناحة طيبا او زيتا، ولا يغسلن رؤوسهن ويقتصرن على استعمال ملابس الحزن وهي الملابس البيضاء. ذلك ان اللون الأبيض كان شعار الحزن في بلاد الشام والحجاز. وكانت زوجة الميت تقيم من بعده سنة كاملة لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تزيل شعرا (111). وكانت تقيم الحفش وهي عبارة عن خيمة او بيت صغير، وذلك حدادا على وفاة زوجها وتلبس شر ثيابها. يقول صاحب تاج العروس: ((كانت المرأة إذا توفى زوجها دخلت خفشا ولبست شر ثيابها حتى تمر بها سنة. ثم تؤتى بدابة، شاة طائر فتفتض بها، ثم تخرج فتعطى بعرة ترمى بها. وكانت لا تغتسل ولا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تنتف وجهها شعرا، ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر، ثم تفتض بطائر. وتنبذه فلا يكاد يعيش)) (112).
جرت عادة العرب قبل الإسلام على دفن الميت بملابسه وتغطية رأسه وقد حل الكفن في الإسلام محل الملابس، الا في حالة الاستشهاد فيدفن الشهيد بملابسه التي استشهد فيها(113)، وكانوا يصلون على الميت وذلك بوضعه على سرير ثم قيام وليه بذكر محاسنه ومآثره، وإذا كان سيدا عظيما ذكرت مناقبه مرة أخرى عند قبره وكان يتم دفن الموتى على جوانب طرق الرحلة اثناء سير القوافل. بينما يدفن في المنزل في حالة الاستقرار. وقد نهى الإسلام عن اتخاذ المنازل مقابر. قال الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم "لا تجعلوا بيوتكم مقابر"(114). وكانوا يدفنون مع الموت بعض الأشياء التي قد يحتاجها الميت في حياته الأخرى فعثر في مقابر اهل اليمن وجنوب الجزيرة العربية على حلي واحجار ثمينة وغيرها مدفونة مع موتاهم. وكان بعض العرب يدفنون موتاهم في مقابر منفصلة عن المنازل وفي هذه الحالة كانوا يضربون القباب على القبور ليقيم فيها أقارب الميت ليجاوروه خلال مدة العزاء ولاستقبال زائريه وفضلا عن ذلك كانوا يعقلون ناقة الميت عند قبره بان يعكسوا عنقها ويديروا رأسها الى مؤخرها ويتركوها في حفرة لا تطعم ولا تسقى حتى تموت وربما أحرقت بعد موتها. وكانوا يزعمون ان من مات ولم تعقل ناقته عند قبره، حشر ماشيا، ومن كانت له بلية (الناقة المعقولة) حشر راكبا على بليته وفي ذلك يقول عويمر النبهاني(115):
ابني لا تنس البلية انها *** لا بيك يوم نشوره مركوب (116)
كان القبر عند العرب محترما مهابا مقدسا، فكانوا يضعون العلامات حوله حتى لا يقترب منه انسان او حيوان وكانوا يحلقون شعورهم او بعضها ويرمونه على القبر، وحلق الضفيرتين اكراما وتعظيما كما كانوا يفعلون مع الالهة في مواسم الحج، وفي هذا تضحية بأعز ما يملكون. والقبر تسمية كانت شائعة في بلاد العرب قبل الإسلام، والمقبرة هي موضع القبر(117). والقبر المستوي مع الأرض كان يسمى رمسا، فاذا رفع عنها فهو قبر مسنم، فقال ابن مغفل ارمسوا قبري رمسا"(118)، وقد نهى الإسلام عن تسنيم القبور وجعلها حكمها في حكم الاوثان(119)، وذلك للقضاء على ظاهرة تقديس القبور.
اما عاداتهم في الاحتفالات فكان لهم يومان يلعبون فيهما ويلهون وهما النيروز والمهر جان نقلا عن الفرس فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى يثرب أبطلهما واحل محلهما يومي الفطر والاضحى. اما الاعراب في البادية فكانوا يحتفلون بيومي السبع والسباسب، قال النابغة الذبياني(120):
رقاق النعال، طيب حجزاتهم *** يحيون بالريحان يوم السباسب
وكانوا يحتفلون بأعيادهم بضروب مختلفة من التسلية فمنها، الصيد وسباق الخيل ولعب الكرة والال والجماح، والمدحاة والارجوحة، والخدروف ووضاح ولعب الميسر، وكان الصيد من امتع أنواع التسلية، خاص إذا ما اقترن بالمراهنات، فكان الرجل يراهن صاحبه على شيء معلوم هذا رهنا وهذا رهنا، فإيهما فاز في السباق اخذ رهنه ورهن صاحبه(121). اما لعب الكرة فكان يستعمل فيه الصوالجة وشبيها بذلك القلة والمقلى وهما عودان، فيرمي الصبي بالقلة في الهواء ثم يضربها بمقلى في يده وإذا وقعت كان طرفاها مجافيين للأرض، فيضرب أحد طرفيها فتستدير وترتفع فيعترضها بالمقلى فتطير في الهواء(122).
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) احمد امين: فجر الإسلام، ص10.
(2) سورة الانسان: الآيتان (8 – 9).
(3) سورة الذاريات: الآيات (24 – 27).
(4) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ1، ص335.
(5) الالوسي: بلوغ الارب، جـ1، ص416.
(6) ابن عبد ربه: المصدر السابق، جـ1، ص335.
(7) الالوسي: المصدر السابق، جـ1، ص416.
(8) الالوسي: المصدر السابق، جـ1، ص51.
(9) مسلم: صحيح مسلم، جـ4، ص14.
(10) مسلم: المرجع السابق، جـ4، ص14.
(11) الاصفهاني: كتاب الأغاني، جـ10، ص228.
(12) شوقي ضيف: العصر الجاهلي، ص349.
(13) سورة الانفال: اية (45).
(14) سورة الانفال: الآيتان (15 – 16).
(15) ابن سعد: الطبقات الكبير، جـ1، ص43 – 46.
(16) سورة ال عمران: اية (134).
(17) عبد الله عفيفي: المراة العربية في جاهليتها واسلامها، جـ1، ص62 – 63.
(18) سورة النور: الآيتان (30 – 31).
(19) الاصفهاني: كتاب الأغاني، جـ20، ص134.
(20) سورة النحل: اية (91).
(21) لوبون: حضارة العرب، ص453.
(22) سورة الصافات: اية (158).
(23) سورة الانعام: اية (100).
(24) الالوسي: بلوغ الارب، جـ2، ص303.
(25) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ5، ص313.
(26) العيني: عمدة القارئ، جـ7، ص35، ابن القيم الجوزية: زاد المعاد، جـ4، ص354.
(27) القسطلاني: ارشاد الساري، جـ8، ص40.
(28) السهيلي: الروض الانف، جـ1، ص137.
(29) الزبيدي: تاج العروس، جـ6، ص193.
(30) ابن دريد: الاشتقاق، ص288.
(31) السهيلي: الروض الانف، جـ1، ص118.
(32) ابن خلدون: المقدمة، ص107.
(33) الازلام: هي أسهم مكتوب على بعضها افعل والباقي لا تفعل، فاذا جاء أحد يريد الاستقسام، اجال السادن الازلام فما يخرج يعمل به.
(34) ابن الكلبي: الاصنام، ص28.
(35) سورة المائدة: اية (3).
(36) الالوسي: بلوغ الأرب جـ1، ص330.
(37) الزبيدي: تاج العروس، جـ3، ص364.
(38) انظر الحيوان: جـ3، ص437.
(39) الجاحظ: المصدر السابق، جـ3، ص438.
(40) الجزري: جامع الأصول، جـ8، ص452.
(41) ابن منظور: لسان العرب، جـ4، ص378.
(42) العيني: عمدة القارئ، جـ21، ص289.
(43) الزبيدي: تاج العروس، جـ2، ص138.
(44) الجاحظ: الحيوان، جـ3، ص457-458.
(45) الجاحظ: المصدر السابق، جـ3، ص439.
(46) ابن سيده: المخصص، جـ13، ص24.
(47) الجاحظ: الحيوان، جـ3، ص136.
(48) الدميري: حياة الحيوان، جـ1، ص181.
(49) الالوسي: بلوغ الارب، جـ2، ص338.
(50) الجاحظ: جـ1، ص160-161.
(51) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ5، ص334.
(52) الجاحظ: الحيون، جـ6، ص29.
(53) سورة البقرة: اية (102).
(54) انظر: ابن خلدون: المقدمة، ص108.
(55) جواد علي: تاريخ العرب قبل السلام، جـ5، ص340.
(56) سورة الفلق.
(57) القسطلاني: ارشاد الساري، جـ7، ص14.
(58) Perron: Femmes Arabes, P. 165.
(59) الهنمة: خرزة تجتذب بها المرأة قلب زوجها؛ ابن منظور: لسان العرب، جـ6، ص107.
(60) الدردبيس: خرزة سودا تتحبب بها المرأة الى زوجها.
(61) كرار: خرزة يؤلف بها نساء البادية قلوب رجالهن؛ ابن منظور: لسان العرب، جـ6، ص452.
(62) القبلة: خرزة نساء الاعراب ورقيتها (يا قبلة اقبليه).
(63) الصرفة: خرزة يصرفن بها الرجال إذا قست قلوبهم.
(64) العطفة: خرزة يعطفن بها الرجال إذا قست قلوبهم.
(65) الينجلب: خرزة يتخذنها للرضا بعد الغضب؛ الالوسي: بلوغا الارب، جـ3، ص706.
(66) ابن منظور: لسان العرب، جـ14، ص72.
(67) الالوسي: بلوغ الارب، جـ2، ص348.
(68) الحماطة: شجرة شبيهة بالتين تأوي اليها الحيات.
(69) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ3، ص373.
(70) ابن عبد ربه: المصدر السابق، جـ3، ص274.
(71) الاصفهاني: المصدر السابق، جـ14، ص132.
(72) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ3، ص282.
(73) الضوى: دقة العظم وقلة الجسم خلقة او هزالا.
(74) الزبيدي: تاج العروس، جـ10، ص221.
(75) نبوة: ما يشوبه من السوء.
(76) ابن قتيبة: عيون الاخبار، جـ1، ص197.
(77) Smith: Kinship and Marriage, P. 76.
(78) الحلبي: انسان العيون، جـ1، ص48.
(79) انظر المخصص، جـ4، ص24.
(80) الزبيدي: تاج العروس، جـ1، ص251.
(81) الحلبي: انسان العيون، جـ1، ص149.
(82) سورة النساء: الآيتان(4-5).
(83) ابن سعد: الطبقات الكبير، جـ7، ص171.
(84) التكحل: اخز العين بقليل من الكحل تداويا او ازديانا وأكثر ما يكون التكحل بحدر الاثمد.
(85) التنمص: اخذ ما بين الحاجبين من الشعر.
(86) التزجيح: حف ما حول الحاجبين من الشعر واطالتهما بالإثمد.
(87) التفليج: تفري ما بين الثنايا والرباعيات.
(88) التلمية: خضاب الشفاه واللثات.
(89) الوشر: تخزيز الاسنان وتحديدها بمبرد ونحوه.
(90) الوصل: ان تصل المرأة شعرها بشعر مستعار.
(91) الخضاب: تجميل الوجنات بالخضاب.
القسطلاني: ارشاد الساري، جـ8، ص475-477.
(92) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ3، ص272.
(93) العيني: عمدة القارئ، جـ1، ص82.
(94) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ5، ص277.
(95) الجاحظ: البيان والتبيين، جـ1، ص104.
(96) سورة التكوير: اية (7).
(97) سورة الاسراء: اية (31).
(98) سورة النحل: اية (85).
(99) الاصفهاني: كتاب الأغاني، جـ19، ص3.
(100) الاصفهاني: كتاب الأغاني، جـ19، ص3.
(101) مسلم: صحيح مسلم، جـ3، ص113.
(102) سورة الانعام: اية (140).
(103) الالوسي: بلوغ الارب، جـ2، ص343.
(104) الالوسي: المرجع السابق، جـ3، ص20.
(105) الزبيدي: تاج العروس، جـ3، ص20.
(106) الصالقة: هي التي ترفع صوتها بالنياحة.
(107) الحالقة: هي التي تحلق رأسها عند نزول المصيبة.
(108) الشائقة: هي التي تشق جيبها.
(109) مسلم: صحيح مسلم جـ1، ص70.
(110) المبرد: الكامل في اللغة والادب، جـ2، ص263.
(111) القسطلاني: ارشاد الساري، جـ 8، ص 298-211.
(112) الزبيدي: تاج العروس، جـ5، ص289.
(113) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ5، ص 289.
(114) ابن القيم الجوزية: زاد المعد، جـ4، ص239.
(115) الالوسي: بلوغ الارب، جـ 2، ص 340-342.
(116) ابن منظور: لسان العرب، جـ 6، ص 376.
(117) ابن منظور: لسان العرب جـ 6، ص376.
(118) ابن منظور: المصدر السابق، جـ 7، ص405.
(119) مسلم: صحيح مسلم، جـ 3، ص 61.
(120) الالوسي: بلوغ الارب، جـ1، ص347
(121) ابن عبد ربه: العقد الفريد، جـ1، ص207.
(122) ابن سيده: المخصص، جـ4، ص 17-19.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|