أقرأ أيضاً
التاريخ:
1929
التاريخ: 8-11-2016
5392
التاريخ: 8-11-2016
2314
التاريخ: 26-8-2018
8493
|
الفكر السياسي العربي قبل الإسلام:
العرب قبل الإسلام، حضر وبدو وبينهما حاشية هي وسط بين البداوة وبين الحضارة، فهي مستقرة نوعا ما في بيوت هي وسط بين الحضارة وبن بيوت البداوة تعيش على شيء من الزرع وعلى رعى الغنم والماعز والبقر وتربية الدجاج والإبل وقد تنتقل إلى مواضع الكلأ. ولكنها منيخة في الغالب في حواشي الحواضر ومن هنا صارت وسطاً بين أهل الدر وبين أهل الوبر.
ومن هذا الواقع نبع الفكر السياسي العام لهذه المجتمعات الثلاثة، وطبع كل مجتمع منها بطابع خاص امتاز به.
ففي المجتمعات المتحضرة، ولا سيما المجتمعات الكبيرة منها، ظهر الفكر السياسي الهادف إلى جمع فتات المستوطنات المبعثرة هنا وهناك لضمها إلى مجتمع موحد هو الحكومة التي تراسها كهنة ملوك قبل الميلاد، يصدرون أحكامهم وأوامرهم باسم الآلهة. ولا سيما إله الشعب الرئيس الذي هو نواة الحكومة، وذلك فيما قبل الميلاد بسبب انفراد الملوك بالحكم، وإيداع أعمال الشؤون الدينية إلى الكهنة حكام المعابد والمتحدثين باسم الآلهة.
ومع انفصال السلطتين ظل التعاون المتين قائماً بين صاحب السلطان وبين المتكلم باسم الآلهة، لتشابه المصالح وارتباطها بهما، فالملك يتقدم إلى الآلهة بالنذور وبالأموال وبإقامة المعابد وبتأديب الخارج على الكهنة تباركه وتشد أزره وتتكلم باسم الآلهة في تأييده، فالملك هو الرئيس المسير لأمور السلم والحرب ورؤساء المعابد هم الناطقون باسم الآلهة في تأييد الآلهة والحكومة في السلم والحرب.
وعلى الشعب إبداء الطاعة للسلطتين ، والدفاع عن الدولة في السلم وفي الحرب، والشعب هنا هو القبيلة التي تكون نواة الحكومة والتي ينتمي إليها الملوك والكهنة، ثم القبائل المتحالفة والقبائل المغلوبة على أمرها التي اضطرت على الخضوع لها بالقوة، فهي بمعنى "أمة" أو "شعب" باصطلاحنا الحديث(1) ينطبق ذلك على حكومات الإعراب كذلك، لتكونها من قبيلة رئيسية إلى جانبها قبائل صارت منها لعوامل متعددة.
وفي العربية الجنوبية مصطلح، له صلة بمعنى "المواطنة" والمواطنين بالمعنى الحديث، هو مصطلح: "خمس" ويجمع على "اخمس" ويراد به مواطنو مملكة أو إمارة بمعنى المواطنة أو الرعاية في الاصطلاح الحديث، فكل من يعيش في حكومة ما في اي مكان كان، فهو "خمس" في تلك الحكومة ، أي المواطن من رعايا تلك الحكومة، وعلى الحكومة، حمايته والدفاع عنه، لأنه أحد رعاياها، كما إن على القبيلة التي ينتمي إليها واجب حمايته ودفع الأذى عنه.
وتؤدي لفظة "هوصت" معنى: "ملة" والملة في الإسلام، يراد بها نظام ديني واقتصادي واجتماعي، ارتبط إفراده بمجتمع واحد، برابط الامور المذكورة فهي في معنى شريعة ودين وأمة وسنة وطريقة، وقد وردت في خمسة عشر موضعاً في القرآن الكريم، وفيها "ملة إبراهيم"(2)، ومن هذا الإطلاق قبل: ملة محمد، وملة عيسى، وملة موسى.
اما لفظة "كوم"، "جوم"(3)، فترادف لفظة "قوم" في عربيتنا، ويرتبط القوم برباط متين يربط إفراده، هو الإله الذي ينتمي القوم إليه، فورد "جوم عثتر" و "جوم ود" أي "قوم عثتر" و "قوم ود" وهما إلهان، فالقوم اذن جماعة وإخوة في الدين، تؤمن باله يجمع شمل المؤمنين به، ويربط بينهم برباط العقيدة والإيمان به لا برباط النسب وصلة الرحم والدم.
ومن هذا المصطلح نطلق اليوم: القومية بمعنى الجنسية التي ينتمي إليها الإنسان، فنقول "القومية العربية" بمعنى: الأمة العربية من حيث أن العرب جنس له لسانه وخصائصه وعرفه وعاداته التي تميزه عن غيره من أمم العالم.
وترد لفظة "عم" بمعنى شعب في الكتابات النبطية وفي الثمودية والصفرية وقد نعت ملوك النبط أنفسهم "رحم عمه" أي "رحم شعبه"، "راحم شعبه" بمعنى أنه محب له رحيم به. وفي هذا التعبير تقرب منه وتلطف به(4). وبين الشعب والآلهة رابطة مقدسة وصلة متينة لا انفصام لها، فهو بالنسبة لقومه اب شفيق غفور رحيم، بمنزلة الوالد من أبنائه، وقد عبروا عن هذه النظرة بـ "ودم ابم" وبـ "اولد عم" إي "ود أب" و "أولاد عم" و "عم" اسم إله ، كما عبروا عن هذه الرابطة التي تربط بين الآلهة وبين أبنائها بمصطلح "حبلم"، إي حبل متين يربط بين الـ "جوم" وبين الآلهة، وهو مصطلح يذكرنا بالآية: {واعتصموا بحبل الله} (5) وبالآية : {أين ما تقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس}(6).
والإله حامي شعبه والذاب عنه، والمؤيد له في السلم وفي الحرب، لذلك نعت بـ "شيم"، إي حام وحافظ ومدافع، فهو يقاتل معهم، ويحملونه معهم في القتال ويدافع عنهم في السلم، ويبعث النماء والبركات في زروعهم وفي أموالهم ما داموا في طاعته يؤدون ما عليهم من حقوق لآلهتهم ولملوكهم فإذا نكصوا عن أداء ما عليهم، نكصت الهتهم عنهم، وعلى ذلك فسروا أسباب الهزيمة التي تقع على المغلوب في الحرب أو النكبات الطبيعية وغيرها التي قد تنزل بالقوم ، وهو تفسير لا زال يقول به بعض الناس في حالة الاندحار وحلول النكبات.
وفي تعبير "أهل عثتر" الوارد في نصوص المسند، تعبير يذكرنا بتعبير "أهل الله" الوارد في الإسلام، في مقابل "اهل هبل" أو أهل الأصنام والأوثان "فأهل الإله عثتر هم جماعته وقومه وشعبه والمنتمون إليه، فهم مواطنوه".
والملك هو رئيس الحكومة الأعلى، ولم أعثر على اسم ملكة في نصوص المسند أي في كتابات العربية الجنوبية، وقد ذكرت الكتابات الآشورية اسم ملكات حكمن العرب الشماليين، مهن: "شمسي" أي "شمس" و "زبيبي" أي "زبيبة" و "تلخونو". وقد حاربن الآشوريين وعرفت ملكة "الزباء" ملكة تدمر ، وقد جاء اسمها في كتابات تدمر، كما ورد اسم زوجها "اذينة" في هذه الكتابات كذلك.
ولم نعثر في كتابات عرب ما قبل الإسلام على نعوت تفخيم وتعظيم ذيلت بها أسماء ملوكهم على غرار النعوت التي ذيلت بها أسماء القياصرة أو الأكاسرة، إلا ما ورد في لقب "اذينة" صاحب تدمر، حيث دعى نفسه بـ "ملك ملكا" أي "ملك الملوك"(7) وقد كان رؤساء هذه المدينة قبله يلقبون أنفسهم بـ "رش تذمور" أي "رئيس تدمر" ثم تركوه ونعتوا أنفسهم بـ "ملك " وهو ألطف واعلى درجة من "رش" أي رئيس. وإنما كان ملوك العربية الجنوبية يتخذون لهم لقباً بسيطاً يذيلون به اسمهم، مثل " غيلن" في "يدع ابغ يلن" أحد ملوك حضرموت ومعناه الفيل او القياض ، و"بين " في "يدع ال بين" و "نمرن" في "رب شمس نمرن" معناه النمر، وأمثال ذلك وذلك لأن العقيلة العربية لا تستطيع ما يستسيغه الأعاجم لأنفسهم من التلقيب بالا قاب الفخمة وإحاطة أنفسهم بهالة من التعظيم والتفخيم بل هي تميل إلى خلقة الطبيعة التي لم تفرق أحداً على أحد في المنزلة والمكانة، وإنما الإنسان نفسه هو الذي خلق هذه الفروق ولعل ذلك اجع إلى طبيعة البيئة التي يعيش فيها العرب الذين لا زالوا حتى الآن يحاطبون حكامهم بـ "يا أبا فلان" أو "يا فلان".
وقد وصلت إلينا نصوص حضرمية تذكر إن الملك حين تنتقل الملوكية إليه يذهب إلى "محفد آنود" وهو حصن، في موكب رسمي ضخم، ليعلن عن تتويجه وعن اللقب الذي سيلقب نفسه به ويقولون عن ذلك "هملقب" إي "تلقب" ويحضر هذا الاحتفال كبار رجال المملكة ورجال من الحكومات الأخرى، وعندئذ يعلن لقبه مثل: "بين " مبعنى "البين" و "علن" بمعنى "المعروف"، وما شاكل ذلك فإذا أعلنه صار لقبه الرسمي المميز له.
ولم أقف حتى الآن على صورة تاج توج راس ملوك العرب الجنوبيين وقد طبعت صرة بعض الملوك على نقودهم، وهم جالسون على كرسي، ورؤوسهم مكشوفة، ولكن ذلك لا يكون دليلاً على انهم لم يكونوا يلبسون التيجان ، فقد كان لبس التاج من علامات التملك، وقد أشير إليه في نص "امرئ القيس" الذي عثر في النمارة والذي يعود تاريخه إلى سنة (328 للميلاد)، فذكر أنه "حاز التاج"، وذلك بتأثير الفرس والروم على العرب الشماليين.
وللملوك قصور مثل قصر "غمدان" ، "غندن"، وقصر "سلحن" ، تكون دارا لهم ومقرا للحكم، فإذا ورد أسمها في النصوص عرف أنها تعني دار الحكم، وفي هذا القصر موظفون يقومون بتمشية أعمال حكومة سبأ، كما كان لحمير قصر "ذريدن" بظفار(8).
ويرتكز الحكم في العربية الجنوبية على أساس الأخذ بالرأي والرجوع إلى آراء الناس في المعضلات، ففي القرى مجالس من سادة ووجوه أهل القرية منها مجلس الثمانية "ثمنيتن" وهو مجلس سناده ثمانية رجال من وجوه المكان، ويحكم ذلك المكان، وقد عرف بـ "المثامنة" عند الهمداني.
وقد أشير في نص إلى حكم مجلس ال "ثمنيتن" كما اشير مجلس "ابعل" الذي كان يحكم ضواحي ومدينة "حرمي" وقد أصدر أحكامه باسم الإله "هلفن" رب ادثتم(9).
وتقرأ في المساند اسم مجلس مهم كان يقدم الرأي للملك عرف بـ "مسود" فكان في دولة معين مسود عرف بـ "مسود معن"، وكان في مملكة سبأ وحضرموت وقتبان مجلس "مسود" كذلك. وعرف أعضاء هذا المجلس بـ "اسود" أي "أسياد" "سادة" (10).
ونظر إلى هذا المجلس نظرة تقدير وتعظيم، فنعت في الكتابات بـ (منعن) أي (المنيع)، الرفيع(11). وكان الحكم في مملكة (لحيان) التي هي في العربية الشمالية الغربية إلى مجلس يمثل أصحاب الرأي والوجاهة، عرف بلسانهم بـ (هجيل) أي (الجيل). وقد عمل الملوك بقراراته، بدليل ما نجده في كتاباتهم من أمثال لفظة (براي)ن بعد إقرار الملك امراً، وهي لفظة تفيد انا لملك اتخذ قراره بـ "رأي" المجلس (هجيل) وقد نعت المجلس بنعوت تقدير وتعظيم مثل (على شان) أي (العلي الشأن) (الرفيع) (12). وقد تصور بعض العلماء وجود احزاب سياسية في هذه المملكة، غير إننا لم نعثر على نص فيه شيء عن الحزبية والأحزاب في مملكة لحيان(13).
وكان أهل (تدمر) مجلس (سنات) على غرار مجلس شيوخ (روحة). مؤلف من أصحاب الجاه والسلطان وقادة الجيش والقوافل وله رئيس وكاتب.
بل كانت هنالك مجالس طبقية وحرفية، فكان لكبار الملاكين مجلس عرف بـ (طبنن)، و (الطبن) في عربيتنا: الرجل الفطن الحاذق العالم بكل شيء (14) ورجاله من الوجوه أصحاب الأرض ورؤساء أفخاذ القبيلة، وقد أشير إليه بعد (ألمسود) في نص قتباني(15)، وكان من رجال (الطبنن) من كان عضوا في (المسود). ونجد ذكر هذا المجلس في كتابات يظن أنها ترجع إلى أواسط القرن الخامس قبل الميلاد(16).
وترد في الكتابات السبئية لفظة تشير إلى طبقة خاصة بسبأ، عرفت بـ "(عهرو)، عهر. والظاهر أنها جماعة من أصحاب العقار والاملاك.
كما أشير إلى طبقة عرفت بـ (اذ غدر) ، (ذو اعذر)، يظهر أنها كانت طبقة من الأشراف لا يربط بينها دم، ولا يجمع بينهم وبين القبيلة التي ينزلون بينها أو بين الناس الذي يعيشون بينهم، صلة رحم، ولا يملكون أرضاً، وإنما هم حلفاء وجيران، نزلوا بين قوم فصاروا مثلهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، يؤدون ما يؤديه حليفهم من القبيلة من واجب وعمل، وعلى حليفهم مراعاتهم، لأنهم في جواره وفي حلفه(17).
وقد انبعث هذا الحكم من طبيعة العربية الجنوبية ومن حكم بيئتها ، فهي قرى ومدن وسهول وجبال ، واودية ، ومن عيون ونهيرات وآبار، وسدود وأرض هذا شأنها تتولد فيها أنظمة تستند على حكم التكتلات التي تجبر (الملك) على الانصياع لرأيها والأخذ بما تبديه من آراء.
واما أصول الحكم عند (آل لخم) فأننا لا نملك نصوصاً لهم مدونة، كذلك لا نملك نصوصاً فيها شيء عن أصول الحكم عند الغساسنة، ولم يشر أهل الأخبار إلى وجود مجالس على نمط (المسود) عند المناذرة أو الغساسنة، لذلك لا نستطيع أن نتحدث بأي حديث عن الشورى واخذ الرأي عند اللخميين او عند آل غسان.
بل يستنبط من بعض روايات أهل الأخبار، إن ملوك آل نصر وآل غسان وآل آكل المرار، كانوا ملوكاً غلب على حكمهم الاستبداد بالرأي، إذ لم يعملوا برأي مجلس، وإنما كانوا يعملون برأيهم الراضين عنهم من حاشيتهم، والواقع إن لتطور الزمن علاقة بهذا الوضع، فقد ساد بعد الميلاد الحكم المطلق في كل مكان، فالعربية الجنوبية التي تحدثت عن أخذها بالرأي وعن مجالسها المتعددة. تحولت منذ القرن الثالثة للميلاد فما بعده من حكم الأخذ بالرأي إلى حكم الملوك الانفرادي، فاختفى ذكر (ألمسود) من الكتابات، وكذلك ذكر مجالس الملاكين والحرفيين وظهر اسم الملك فيها وكأنه الأول والأخير مما يمثل انتكاسة خطيرة في الفكر السياسي العربي في كل جزيرة العرب.
ولعل سبب ذلك هو تدخل الجيش في العربية الجنوبية، واستيلائهم على أجزاء منها، وقيام ملوك العربية الجنوبية بمحاربة الغزاة لإبعادهم عنها، مما جعلهم في حالة حرب وتعبئة عامة، وفي مثل هذه الحالة يتولى الملك وقادة جيشه القيادة، ويهمل الأخذ بالرأي، إلا أن هذه الحالة دفعت بعض القبائل على الاتصال بالحبشة لرغبتها في الانفصال بالرأي، إلا ان هذه الحالة دفعت بعض القبائل على الاتصال بالحبشة لرغبتها في الانفصال والاستقلال انصياعاً للروحية القبلية، حتى صارت العربية الجنوبية ميداناً للتناحر والتقاتل، مما انزل بها الخراب والدمار وسبب في تهدم السدود وهجرة القبائل، ثم إلى تدخل الفرس في شؤون اليمن، فصار في العربية الجنوبية حبش وفرس يقاتلونهم وسادات قبائل لقبوا أنفسهم ملوكاً منهم من انضم إلى الحبش ومنهم من انضم إلى الفرس رجاء إنقاذ بلادهم من الحبش، ومنهم من قاتل الحبش والفرس معاً رجاء تحرير البلاد من الحكم الاجنبي.
وكان لمكة مجلس ينسب ظهوره إلى (قصي) عرف بـ (دار الندوة) وهي دار قصي، ومجمع قومه، به كان يجتمع (الملأ) ، وهم من كان له حق إبداع الرأي في هذا المجلس، على طريقة الرأي والمشاورة، وصارت هذه المشاورة قاعدة للحكم في الإسلام، بمنزل الأمر بها في كتاب الله: {واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}(18)، و {أمرهم شورى بينهم}(19).
ولما عاب رسول الله عبادة (الملأ) اجتمعوا بدار الندوة لاتخاذ رأي فيه، فطرحوا ما جاء عندهم من رأي، ثم تآمروا على قتله، وكذلك كانوا يفعلون في كل أمر يقع لهم.
وقد مونتنا نصوص المسند بأسماء عدد من مناصب الحكم المدنية والعسكرية عند العرب الجنوبيين: مثل (كبر)، أي (الكبراء)، و(الأقيال) والـ (سمخض) ، وهو مدبر امور الري والأرضين، والـ (ملوطن) ناظر الاملاك الاميرية، وغير ذلك من مناصب تخصصية ، تعطيك صورة واضحة بينة عن جهاز حكومي منظم يشرف على إدارة شؤون الحكومة والناس.
وجاءت نصوص المسند بأسماء درجات عسكرية ، تفيد إن الجيش كان بأمرة ضباط، وان الجيش المتطوع كان بأمره يقوده من أبناء القرى والعشائر الذين ينضمون إلى الجيش النظامي أيام النفير.
وقد كان ملوك المناذرة والغساسنة مثل ذلك، فقد كان في الحيرة ديوان يتولى أمر الإشراف على المراسلات التي تجرب بينهم وبين بلاط الساسانيين، باللغتين الفارسية والعربية ، كما كان للملوك عمال يشرفون على الإعمال الخاضعة، ولهم رسل يرسلونهم في مهمات سياسية وإلى القبائل، وقد كان مثل ذلك عند ملوك الغساسنة كذلك.
واما القبيلة في الواقع دولة لها موطنها الذي تكون به، ومواطنوها وهم إفرادها، وساداتها ورؤساء أفخاذها، كما أن لها أعرافها وسياستها بالنسبة للداخل والخارج ولها مجلسها كذلك، وهو مجلس القبيلة ، المكون وسياستها بالنسبة للداخل والخارج ولها مجلسها كذلك، وهو مجلس القبيلة، المكون من وجوه أفخاذ القبيلة للداخل والخارج ولها مجلسها كذلك، وهو مجلس القبيلة، المكون من وجوه أفخاذ القبيلة من أصحاب الرأي والسداد والحكمة، فإذا حدث للقبيلة حادث اجتمع الرؤساء للنظر فيه.
وبين القبائل صلات وعهود ومحالفات، على نحو ما نجده بين الدولة، وذلك لضرورة المحافظة على البقاء فقد فرضت الطبيعة على أبناء البوادي التنازع والتقاتل في سبيل الحصول على القوت، القوي منها على الضعيف والأقوياء بعضهم على بعض، واضطر الضعفاء التكتل، وعلى التحالف مع حليف قوي، وبالتراسل مع القبائل ومع حكومات الحضر بمختلف وسائل الاتصال التي تمثل ضرباً من العلاقات والأعراف الدولية.
وفي نصوص المسند مصطلحات سياسية دقيقة جداً في التعبير عن العلاقات الدولية قبل الإسلام، فقد أطلق العرب الجنوبيون على السفير الذي يمثل دولة لها صلة ممتازة جداً عند دولة صديقة أخرى لفظة (حشكت)، كالذي جاء في نص (أبرهة) الشهير، فقد أطلق هذا النص هذه اللفظة على سفيري الحبشة والروم اللذين وفدا عليه، بينما أطلق لفظة (تنبلت) على مبعوث الساسانيين إليه، وذلك لصلة أبرهة القوية بالحبشة وهو منهم، وصلة الحبشة القوية بالروم، وتحالفهم معهم، ولارتباطهم معهم بالنصرانية، واصل (حشكت) في العربية الجنوبية زوجة، وقد رأى العرب الجنوبييون إطلاقها على سفراء الدولة العظمى المتحالفة معهم والتي لها مكانة خاصة، بينما استعملوا لفظة (تنبلت) على رسل الفرس وأمثالهم لأن صلاتهم بهم لم تكن على مستوى صلاتهم بالحبشة وبالروم.
واطلق نص أبرهة على مبعوثي الملك الغساسنة والمناذرة إليه، لفظة (رسل)، وهي دون اللفظتين : (حشكت) و (تنبلت) في المنزلة، مما يدل على وجود عرف دبلوماسي لا يختلف عن العرف الدبلوماسي المستعمل بين الدول في الوقت الحاضر من التمييز بين البعثات الدبلوماسية بالاستناد إلى منازل الدولة وقربها او بعدها بعضها من بعض.
وفي سيرة الرسول أنه أرسل رسلاً إلى قيصر وإلى كسرى وإلى النجاشي وإلى المقوقس، وإلى ملك المناذرة والغساسنة، وقد حملهم كتباً ختمها بخاتمه، لأنهم قالوا لرسول الله ان الملوك لا تقرأ كتباً غير مختومة، وفي ذلك دليل على وجود العرف (الدبلوماسي) عند العرب قبل الإسلام.
ونجد في الموارد العراقية التي تعود إلى ما قبل الميلاد وفي الموارد اليونانية واللاتينية إن اتصالات دبلوماسية كانت تجري بين حكومات جزيرة العرب وبين حكومات العراق والروم، فلجزيرة العرب أهمية خاصة نظراً لموقعها الجغرافي، كما أنها كانت تستورد حاصلات إفريقيا والهند وسرنديب وتحملها إلى العراق او إلى غزة لبيعها إلى أهل البحر المتوسط.
وقد عرفت العربية الجنوبية باللبان وبأنواع من البخور وكانت مطلوبة جداً عند أهل أوربا في ذلك الوقت طلب العالم اليوم للنفط، وقد حسد الرومان العرب على هذه النعمة، ووضعوا الأساطير حول ثراء العرب فزعموا أن بيوتهم قصور من حجارة الذهب، وأنهم يأكلون بأوان من ذهب ، وأنهم كانوا يبيعون لهم ولا يشترون منهم شيئاً، وهذا ما حملهم على إرسال حملة (اوليوس غالس) على اليمن، انتهت بفشل ذريع بسبب أسلحة أهل اليمن وقوة مقاومتهم للغزاة، بل بسبب قيام الحملة على أساس من الجهل بطبيعة البلاد التي ساروا منها إلى اليمن بهلك كثير منهم عطشا وجوعا، مما جعلهم يقرون العودة إلى مصر، مركز تجمعهم، رامين فشلهم هذا على رقبة الوزير (صالح) وزير ملك النبط، الذي جعل دليل للحملة، رمي بالخداع والغش وحكموا عليه بالقتل.
لقد علمتنا هذه الحرب وكذلك حروب ما قبلها وما بعدها، إن العرب كانوا في حروبهم مستمراً، ولم يجهزوها بأسلحة متطورة بالنسبة لمفهوم التطور في ذلك الوقت، فكان إذا التحم جيشهم بجيوش نظامية، قاتلها بحماس شديد إلا أنه لا يصبر على قتاله مدة طويلة لأنه لم يتعود على صبر الجندي النظامي ولا على حذقه باستعمال سلاحه، ثم ان نزعته الميالة إلى الاشتراك بالقتال لنيل مغنم، تتغلب عليه، إذا طالت الحرب ومل نها، فكان الساسانيون والروم والحبش، يستغلون مواطن الضعف هذه، ويرشون من يرون فيه الميل إلى المال، وبذلك ضبطوا الحدود والأمن، وآية ذلك أنك تجد مع هذه الجيوش قبائل عربية كانت تقاتل معها القبائل العربية المحاربة لها، أو تجد الساسانيين يدفعون المناذرة على غزو الغساسنة، والروم يحملون الغساسنة على مهاجمة المناذرة، مع إنهم عرب.
ذلك ان عرب ما قبل الإسلام لم تكن عندهم نظرة سياسية قومية عامة، بمعنى السعي لجمع شمل العرب كلهم وإنشاء دولة عالية عربية، وإنما كانت دولهم دولا ملكية ، يسيرها ملوك، أو سادات قبائل وفق المثل التي يرسمونها ويسعون لتحقيقها، بتوسيع ملكهم وبمناهضة أعدائهم، ودولة ليست لها مثل عالية لا يمكن أن تفكر في سياسة عالية، والإسلام هو الذي جعل العرب يخرجون من جزيرتهم بمثله التي جاء بها، من نشء الرسالة وفتح أبواب الإسلام لمن يريد الدخول فيه، فقاتلوا عن رسالة ثابتة وتمكنوا بهذه الرسالة من الفتح.
فإذا قاتل المناذرة الساسانيين أو قاتل الغساسنة الروم أو قاتل أهل العربية الجنوبية الحبش قاتل المناذرة وحدهم وربما قاتلت بعض قبائلهم مع الفرس وهكذا الحال مع الغساسنة ومع أهل العربية الجنوبية ذلك لأن العصبية القبلية أو العصبية الإقليمية أو العصبية العائلية كانت متغلبة على نفوسهم هي قوميتهم التي كانوا يحملون بها آنذاك ولم تكن عندهم فلسفة عامة في السياسة على النحو الذي وقع في الإسلام فيما ثبتت الفكرة السياسية وانهجت ووضع لها مثلما توحد هدف العرب وناضلوا من اجلها فتحوا الأبواب وحارب أهل الحيرة وهم نصارى مع المسلمين ذلك لأنهم كانوا عرباً وهم المسلمون من جنس واحد والعرب متسامحون جداً لا يميزون بعضهم عن بعض بسبب الاختلاف في الدين فصار من كان يدافع عن الساسانيين أو عن الروم في الصفوف المقاتلة من صفوف المسلمين ودول أجنبية وهي: الساسانية والرومية والحبشية هي التي أثارت النزاعات الطائفية الدينية بين العرب قبيل الإسلام فحرضت اليعاقبة وهم نصارى على النساطرة وهم نصارى كذلك وما مذبحة (الأخدود) بنجران لا صفحة من هذه الصفحات إثارتها السياسة الاجنبية بين العرب الجنوبين وقد عمل الروم منذ فقدوا بلاد الشام ومصر وما وراء ذلك على أثارت الحقد بين النصارى والمسلمون باسم الدين وقامت أوربا بحربها الصليبية باسم الدين ولا تزال على هذه الوتيرة ولكن الدين بعبد عن السياسة الاستغلالية التي تشغل كل وسيلة في سبيل سيطرة فئة من الناس على فئة أخرى منهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام (5-181).
(2) Phodokanakis Der Yrunds – astyder affentichkat. Sudarahinschen Urkunkin, S., 42. 1945 Dictionary of Islam, p. 348 (12).
(3) يلفظ الحرف الاول بنحو نطق المصريين لهذا الحرف.
(4) Cis, 11, 197 Huber 29, Euting 2.
(5) سورة آل عمران، الآية: 103.
(6) سورة آل عمران، الآية: 112.
(7) Dis Araher, 11, S., 254.
(8) المفصل (5-232).
(9) Halevy 147, Stud., 1, 8. 57.
(10) الحرف الثاني لا وجود له في أبجديتنا وهو بين الزاي والسين وقد عبرت عنه بحرف السين.
(11) "مسود متعن" الحسود المتيع" ؛ Caskel, Fihanisch, S., 109, No.
(12) Caskel, Fihanisch, S., 109, No: 71, 77, 87, 91, js41….
(13) Arabien, S., 50.
(14) اللسان (17-132)، (طين) القاموس (4-224).
(15) Ylaser, 4..
(16) Yrohmann, S., 127, Rhoclkankis, Yrusd. Haudbu.
(17) Ch, 1, S., 122.
(18) سورة آل عمران، الآية: 159.
(19) سورة الشورى، الآية: 38.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|