أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-2-2017
570
التاريخ: 14-2-2017
719
التاريخ: 14-2-2017
1010
التاريخ: 14-2-2017
589
|
قوله تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة: 2].
أن الأوصاف الجميلة و الثناء الحسن كلها لله الذي تَحُق له العبادة لكونه قادرا على أصول النعم وفاعلا لها ولكونه منشئا للخلق و مربيا لهم و مصلحا لشأنهم ، و في الآية دلالة على وجوب الشكر لله على نعمه و فيها تعليم للعباد كيف يحمدونه ..
_________________________
1- تفسير مجمع البيان - الطبرسي ،ج1 ، ص58 .
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ } :
هذه الجملة إخبار بمعنى الإنشاء ، لأن المتكلم قصد احداث الحمد للَّه ، لا الأخبار عن ثبوت الحمد للَّه . . وهي تلقين وتعليم من اللَّه لعباده : كيف يحمدونه أي قولوا يا عبادي : الحمد للَّه .
ومعنى الحمد للَّه الثناء عليه سبحانه بقصد التعظيم والتبجيل على كل حال ، حتى على الضراء ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في بعض خطب النهج : « نحمده على آلائه ، كما نحمده على بلائه » .
ومحمد وأحمد ومحمود وحامد وحميد وحمدان أسماء مأخوذة من الحمد . . وقد يأتي الحمد وصفا للشيء الذي ترضى عنه ، قال تعالى : {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} [الاسراء 79 ] . . وقالوا : حمد السوق من ربح . . وعند الصباح يحمد القوم السرى .
ولفظ الرب يطلق على السيد والمالك ، وكل من المعنيين يصح إرادته هنا ، ولكن معنى الخالق هو المتبادر من لفظ هذه الآية الكريمة .
والعالمين جمع عالم بفتح اللام ، والعالم يطلق على نوع خاص من الكائنات ، فيقال : عالم الجماد ، وعالم النبات ، وعالم الحيوان ، وعالم الإنسان ، ولا يطلق لفظ عالم على المفرد ، لأنه اسم للجمع . . والمراد بالعالمين هنا كل ما عدا اللَّه سبحانه ، فيعم جميع الكائنات . . وقد يطلق على جميع أصناف الناس ، كقوله :
{ هُدىً لِلْعالَمِينَ} [ آل عمران 96 ] . . وإذا صح جمع العالمين بالياء نصبا وجرا فينبغي أن يصح جمعه بالواو رفعا ، فيقال : العالمون . . وقال أبو حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط : انه شاذ .
ومعنى رب العالمين خالق كل شيء ومدبره ، ولفظ رب بدل كل من لفظ الجلالة ، ويشعر بالعلية ، أي اني أحمد اللَّه ، لأنه رب العالمين .
__________________
1- الكاشف، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص32-33.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ } الحمد على ما قيل هو الثناء على الجميل الاختياري و المدح أعم منه، يقال: حمدت فلانا أو مدحته لكرمه، و يقال: مدحت اللؤلؤ على صفائه و لا يقال: حمدته على صفائه، و اللام فيه للجنس أو الاستغراق و المال هاهنا واحد.
و ذلك أن الله سبحانه يقول: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [غافر: 62].
فأفاد أن كل ما هو شيء فهو مخلوق لله سبحانه، و قال: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة: 7] .
فأثبت الحسن لكل شيء مخلوق من جهة أنه مخلوق له منسوب إليه، فالحسن يدور مدار الخلق و بالعكس، فلا خلق إلا و هو حسن جميل بإحسانه و لا حسن إلا و هو مخلوق له منسوب إليه، و قد قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر: 4].
و قال: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } [طه: 111]
فأنبأ أنه لم يخلق ما خلق بقهر قاهر و لا يفعل ما فعل بإجبار من مجبر بل خلقه عن علم و اختيار فما من شيء إلا و هو فعل جميل اختياري له فهذا من جهة الفعل، و أما من جهة الاسم فقد قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8].
و قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] .
فهو تعالى جميل في أسمائه و جميل في أفعاله، و كل جميل منه.
فقد بان أنه تعالى محمود على جميل أسمائه و محمود على جميل أفعاله، و أنه ما من حمد يحمده حامد لأمر محمود إلا كان لله سبحانه حقيقة لأن الجميل الذي يتعلق به الحمد منه سبحانه، فلله سبحانه جنس الحمد و له سبحانه كل حمد.
ثم إن الظاهر من السياق و بقرينة الالتفات الذي في قوله: {إياك نعبد} الآية أن السورة من كلام العبد، و أنه سبحانه في هذه السورة يلقن عبده حمد نفسه و ما ينبغي أن يتأدب به العبد عند نصب نفسه في مقام العبودية، و هو الذي يؤيده قوله: "الحمد لله".
و ذلك أن الحمد توصيف، و قد نزه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين من عباده حيث قال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 159، 160] .
و الكلام مطلق غير مقيد، و لم يرد في كلامه تعالى ما يؤذن بحكاية الحمد عن غيره إلا ما حكاه عن عدة من أنبيائه المخلصين، قال تعالى في خطابه لنوح (عليه السلام): { فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 28] .
و قال تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39].
و قال تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في بضعة مواضع من كلامه: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الإسراء: 111].
و قال تعالى حكاية عن داود و سليمان (عليهما السلام) {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: 15].
و إلا ما حكاه عن أهل الجنة و هم المطهرون من غل الصدور و لغو القول و التأثيم كقوله. {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]
و أما غير هذه الموارد فهو تعالى و إن حكى الحمد عن كثير من خلقه بل عن جميعهم، كقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } [الشورى: 5].
و قوله {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } [الرعد: 13] و قوله {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 44].
إلا أنه سبحانه شفع الحمد في جميعها بالتسبيح بل جعل التسبيح هو الأصل في الحكاية و جعل الحمد معه، و ذلك أن غيره تعالى لا يحيط بجمال أفعاله و كمالها كما لا يحيطون بجمال صفاته و أسمائه التي منها جمال الأفعال، قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] فما وصفوه به فقد أحاطوا به و صار محدودا بحدودهم مقدرا بقدر نيلهم منه، فلا يستقيم ما أثنوا به من ثناء إلا من بعد أن ينزهوه و يسبحوه عن ما حدوه و قدروه بأفهامهم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74] ، و أما المخلصون من عباده تعالى فقد جعل حمدهم حمده و وصفهم وصفه حيث جعلهم مخلصين له، فقد بان أن الذي يقتضيه أدب العبودية أن يحمد العبد ربه بما حمد به نفسه و لا يتعدى عنه، كما في الحديث الذي رواه الفريقان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): +" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك الحديث "+ فقوله في أول هذه السورة: {الحمد لله} ، تأديب بأدب عبودي ما كان للعبد أن يقوله لو لا أن الله تعالى قاله نيابة و تعليما لما ينبغي الثناء به.
{رب العالمين}
فالرب هو المالك الذي يدبر أمر مملوكه، ففيه معنى الملك، و معنى الملك الذي عندنا في ظرف الاجتماع هو نوع خاص من الاختصاص و هو نوع قيام شيء بشيء يوجب صحة التصرفات فيه، فقولنا العين الفلانية ملكنا معناه: أن لها نوعا من القيام و الاختصاص بنا يصح معه تصرفاتنا فيها و لو لا ذلك لم تصح تلك التصرفات و هذا في الاجتماع معنى وضعي اعتباري غير حقيقي و هو مأخوذ من معنى آخر حقيقي نسميه أيضا ملكا، و هو نحو قيام أجزاء وجودنا و قوانا بنا فإن لنا بصرا و سمعا و يدا و رجلا، و معنى هذا الملك أنها في وجودها قائمة بوجودنا غير مستقلة دوننا بل مستقلة باستقلالنا و لنا أن نتصرف فيها كيف شئنا و هذا هو الملك الحقيقي.
والذي يمكن انتسابه إليه تعالى بحسب الحقيقة هو حقيقة الملك دون الملك الاعتباري الذي يبطل ببطلان الاعتبار و الوضع، و من المعلوم أن الملك الحقيقي لا ينفك عن التدبير فإن الشيء إذا افتقر في وجوده إلى شيء فلم يستقل عنه في وجوده لم يستقل عنه في آثار وجوده، فهو تعالى رب لما سواه لأن الرب هو المالك المدبر و هو تعالى كذلك.
و أما العالمين: فهو جمع العالم بفتح اللام بمعنى ما يعلم به كالقالب و الخاتم و الطابع بمعنى ما يقلب به و ما يختم به و ما يطبع به، يطلق على جميع الموجودات و على كل نوع مؤلف الأفراد و الأجزاء منها كعالم الجماد و عالم النبات و عالم الحيوان و عالم الإنسان و على كل صنف مجتمع الأفراد أيضا كعالم العرب و عالم العجم و هذا المعنى هو الأنسب لما يئول إليه عد هذه الأسماء الحسنى حتى ينتهي إلى قوله مالك يوم الدين على أن يكون الدين وهو الجزاء يوم القيامة مختصا بالإنسان أو الإنس و الجن فيكون المراد بالعالمين عوالم الإنس و الجن و جماعاتهم و يؤيده ورود هذا اللفظ بهذه العناية في القرآن كقوله تعالى {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42].
و قوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] ، و قوله تعالى: { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] .
______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص18-21.
بعد البسملة، أول واجبات العباد أن يستحضروا دوماً مبدأ عالم الوجود، ونِعَمه اللامتناهية، هذه النعم التي تحيطنا وتغمر وجودنا، وتهدينا إلى معرفة الله من جهة، وتدفعنا على طريق العبودية من جهة اُخرى.
وعند ما نقول أن النعم تشكّل دافعاً ومحرّكاً على طريق العبودية، لأنّ الإِنسان مفطور على البحث عن صاحب النعمة حينما تصله النعمة، ومفطور على أن يشكر المنعم على أنعامه.
من هنا فان علماء الكلام (علماء العقائد) يتطرقون في بحوثهم الأولية لهذا العلم إلى «وجوب شكر المنعم» باعتباره أمراً فطرياً وعقلياً دافعاً إلى معرفة الله سبحانه.
وإنما قلنا إن النعم تهدينا إلى معرفة الله، لأن أفضل طريق وأشمل سبيل لمعرفته سبحانه، دراسة أسرار الخليقة، وخاصة ما يرتبط بوجود النعم في حياة الإنسان.
ممّا تقدم ابتدأت سورة الحمد بعبارة {اَلْحَمدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ولفهم عمق هذه العبارة وعظمتها يلزمنا توضيح الفرق بين «الحمد» و «المدح» و«الشكر» والنتائج المترتبة على ذلك:
1 ـ «الحمد» في اللغة: الثناء على عمل أو صفة طيبة مكتسبة عن اختيار، أي حينما يؤدي شخص عملا طيّباً عن وعي، أو يكتسب عن اختيار صفة تؤهله لأعمال الخير فإنّنا نحمده ونثني عليه.
و«المدح» هو الثناء بشكل عام، سواء كان لأمر إختياري أو غير إختياري، كمدحنا جوهرة ثمينة جميلة. ومفهوم المدح عام، بينما مفهوم الحمد خاص.
أمّا مفهوم «الشكر» فأخصّ من الاثنين، ويقتصر على ما نبديه تجاه نعمة تغدق علينا من منعم عن إختيار(2).
ولو علمنا أنّ الألف واللام في (الحمد) هي لاستغراق الجنس، لعلمنا أنّ كل حمد وثناء يختص بالله سبحانه دون سواه.
ثناؤنا على الآخرين ينطلق من ثنائنا عليه تعالى، لأنّ مواهب الواهبين كالأنبياء في هدايتهم للبشر، والمعلمين في تعليمهم، والكرماء في بذلهم وعطائهم، والأطباء في علاجهم للمرضى وتطبيبهم للمصابين، إنّما هي في الأصل من ذاته المقدسة. وبعبارة اُخرى: حمد هؤلاء هو حمد لله، والثناء عليهم ثناء على الله تعالى.
وهكذا الشمس حين تغدق علينا بأشعتها، والسحب بأمطارها، والأرض ببركاتها، كلّ ذلك منه سبحانه، ولذلك فكلّ الحمد له.
وبكلمة أُخرى: جملة {اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إشارة إلى توحيد الذات، والصفات، والأفعال (تأمّل بدقة).
2 ـ وصف (الله) بأنه {رَبّ الْعَالَميِن} هو من قبيل ذكر الدليل بعد ذكر الادعاء، وكأنّ سائلا يقول: لم كان حمد لله؟ فيأتي الجواب: لأنه (رب العالمين).
وفي موقع آخر يقول القرآن عن الباري سبحانه: { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة: 7].
ويقول أيضاً: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].
3 ـ يستفاد من (الحمد) أن الله سبحانه واهب النعم عن إرادة وإختيار، خلافاً لأولئك القائلين إنّ اللّه تعالى مجبر على أن يفيض بالعطاء كالشمس!!
4 ـ جدير بالذكر أن الحمد ليس بداية كل عمل فحسب، بل هو نهاية كل عمل أيضاً كما يعلمنا القرآن.
يقول سبحانه عن أهل الجنة: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [يونس: 10].
5 ـ أما كلمة «ربّ» ففي الأصل بمعنى مالك وصاحب الشيء الذي يهتم بتربيته وأصلاحه. وكلمة «ربيبة» وهي بنت الزوجة، ومأخوذة من هذا المفهوم للكلمة. لأن الربيبة تعيش تحت رعاية زوج أُمّها.
والكلمة بلفظها المطلق تعني ربّ العالمين، وإذا أطلقت على غير الله لزم أن تضاف، كأن نقول: ربّ الدار، وربّ السفينة(3).
وذكر صاحب تفسير (مجمع البيان) معنىً آخر للرب، وهو السيد المطاع، ولكن لا يبعد أن يعود المعنيان إلى أصل واحد(4).
6 ـ كلمة «عالمين» جمع «عالم»، والعالم: مجموعة من الموجودات المختلفة ذات صفات مشتركة، أو ذات زمان ومكان مشتركين، كأن نقول: عالم الإِنسان، وعالم الحيوان، وعالم النبات. أو نقول عالم الشرق وعالم الغرب، وعالم اليوم، وعالم الأمس. فكلمة العالم وحدها تتضمن معنى الجمع، وحين تجمع بصيغة «عالمين»، فيقصد منها كل مجموعات هذا العالم.
ويلفت النظر هنا أن كلمة عالم جُمعت هنا جمعاً مذكراً سالماً، ونعرف أن جمع المذكر السالم يستعمل في العاقل عادة، ومن هنا ذهب بعض المفسرين إلى أن كلمة «عالمين» إشارة إلى المجموعات العاقلة في الكون كالبشر، والملائكة، والجن، ولكن قد يكون هذا الاستعمال للتغليب، أي لتغليب المجموعات العاقلة على غير العاقلة.
7 ـ يقول صاحب المنار: (ويؤثر عن جدنا الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أن المراد بـ(العالمين) النّاس فقط)(5).
ثم يضيف: وقد وردت كلمة (العالمين) في القرآن الكريم أيضاً بهذا المعنى كقوله: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان: 1].
ولكن، لو استعرضنا مواضع استعمال (عالمين) في القرآن، لرأينا أن هذه الكلمة وردت في كثير من الآيات بمعنى بني الإنسان، بينما وردت في مواضع اُخرى بمعنى أوسع يشمل البشر وسائر موجودات الكون الاُخرى، كقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الجاثية: 36] وكقوله سبحانه: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [الشعراء: 23، 24].
وعن الإِمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) في تفسير (ربّ العالمين) قال: «رَبُّ الْعَالَمِينَ هُمُ الْجَمَاعَاتُ مِنْ كُلِّ مَخْلُوق مِنَ الْجَمَادَاتِ وَالْحَيْوَانَاتِ»(6).
كلمة عالمين يمكن فهمها في إطارها الكوني الأوسع، ويمكن فهمها في إطار عالم (الإِنسان) ـ كما ورد في رواية الإمام زين العابدين(عليه السلام)، لأن الكائن البشري أشرف المخلوقات، ولأن الإِنسان هو الهدف الأساس من هذه المجموعة الكبرى وليس بين الفهمين أي تناقض.
8 ـ جدير بالذكر أن هناك من قسّم العالم إلى: عالم صغير وعالم كبير، والمقصود من العالم الصغير هو الإِنسان، لأنه لوحده ينطوي على مجموعة من نفس القوى المتحكمة في هذا الكون الفسيح. والإنسان ـ في الواقع ـ عينيّة مصغرة لكل هذا العالم.
الذي دعانا إلى التوسّع في مفهوم كلمة (العالم) هو أن عبارة «ربّ العالمين» جاءت وكأنها دليل على عبارة (الحمد لله)، أي أننا نقول في سورة الفاتحة: إن الحمد مختص بالله تعالى لأنه صاحب كل كمال ونعمة وموهبة في العالم.
_________________
1- تفسير الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص33-36.
2 ـ «الشكر»، من وجهة نظر اُخرى أوسع إطاراً، لأنّ الشكر يؤدي بالقول أحياناً وبالعمل
اُخرى. أمّا الحمد والمدح فبالقول غالباً.
3 ـ قاموس اللغة، ومفردات الراغب، وتفسير مجمع البيان، وتفسير البيان.
4 ـ لابدّ من الإِلتفات إلى أن (رب) من مادة (ربب)، لا من (ربو)، أي إنه مضاعف لا ناقص.
5 ـ المنار، ج 1، ص 51.
6 ـ تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 17.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
بالصور: معهد نور الإمام الحسين (ع) للمكفوفين وضعاف البصر التابع للعتبة الحسينية.. جهود كبيرة وخدمات متعددة
|
|
|