أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
2823
التاريخ: 16-10-2014
1855
التاريخ: 2024-08-22
252
التاريخ: 18-11-2014
1672
|
إذا كانت روايات أهل السنة قد اختلفت ، حول موضوع جمع القرآن في عهد الخلفاء ، بواسطة زيد بن ثابت . فنحن نختار واحدةً من تلك الروايات ، ونحيل القارئ إلى الكتب والمصادر ، التي ذكرت سائرها (1) ؛ فنقول : روى البخاري في صحيحه ، عن زيد بن ثابت ، قال : أرسل إليّ أبو بكر ، مقتل أهل اليمامة ؛ فإذا عمر بن الخطاب عنده ؛ فقال أبو بكر :
إن عمر أتاني ؛ فقال : إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وأنا أخشى : أن يستحر القتل بالقراء في المواطن ؛ فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى : أن تأمر بجمع القرآن ..
فقلت لعمر : كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه واله).
قال عمر : هو والله خير..
فلم يزل يراجعني : حتى شرح الله صدري لذلك ؛ ورأيت في ذلك الذي رأى عمر..
قال زيد : قال أبو بكر : إنك شاب عاقل ، لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه واله) ؛ فتتبع القرآن ، اجمعه .. فو الله ، لو كلفوني نقل جبل من الجبال ، ما كان أثقل علي ، مما أمرني به ، من جمع القرآن.
قلت : كيف تفعلان شيئاً ، لم يفعله رسول الله ؟
قال : هو والله خير.
فلم يزل أبو بكر يراجعني ، حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ؛ فتتبعت القرآن أجمعه من العسب ، واللخاف ، وصدور الرجال.. ووجدت آخر سورة التوبة ، مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع غيره : لقد جاءكم رسول.. حتى خاتمة براءة.. فكانت الصحف عند أبي بكر ، حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر (2).
نحن وهذه الرواية :
أما بالنسبة لخصوص هذه الرواية ، ومثيلاتها ؛ فإننا نحسب : أن ما تقدم في الفصل السابق ، يكفي لإثبات عدم صحّتها ونظائرها.
وذلك لأن جمع القرآن ، قد تم في عهد الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الذي كان قد وضع له كتّاباً مخصوصين. وكان يشرف بنفسه على أعمالهم.. وكانوا ـ كما يروي لنا زيد بن ثابت ـ عند رسول الله (صلى الله عليه واله) ، يؤلفون القرآن من الرقاع..
وكان لدى الصحابة مصاحف كثيرة ، يحثهم الرسول (صلى الله عليه واله) على احترامها ، وعلى قراءة القرآن نظراً فيها وغير ذلك..
وكانوا يعرضون ما عندهم عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم باستمرار..
وكان كثير من الصحابة ، قد جمعوا القرآن في عهده (صلى الله عليه واله) ، إلى آخر ما قدمناه ، مما لا مجال لإعادته..
وإذن.. فلم يكن القرآن منتشراً في العسب ، واللخاف ، والأكتاف ، وصدور الرجال. بل هو قد خرج من تلك الصدور ، ليصبح مثبتاً في السطور ، وصار له أول ، وله آخر ، وكان (صلى الله عليه واله) يشرف بنفسه على وضع كل شيء في المكان الذي ينبغي أن يكون فيه.. إلى آخر ما تقدم من شواهد وأدلة قاطعة ، وبراهين ساطعة..
ونزيد هنا :
أولاً : إن هذه الرواية وروايات أخرى تدعي : أن بعض القرآن على الأقل قد اثبت بشاهدين ، أو بشاهد واحدٍ ذي شهادتين ، أو بدونها..
وهي دعوى خطيرة جداً.. ولا ريب في بطلانها ؛ إذ لا ريب في أن القرآن كله ، قد نقل بطريق التواتر ، من طبقة إلى طبقة ، ومن جيل إلى جيل.. إلى أن ينتهي الأمر إلى رسول الله (صلى الله عليه واله).. فهذا النص إذن يخالف ما هو ثابت بالضرورة..
ويتضح ذلك إذا علمنا : أنه قد كان هناك المئات ، إن لم يكن الألوف من الصحابة ، يحفظون القرآن ، ويقال : إن عشرات ، أو مئات منهم قد قتلوا في واقعة اليمامة وقبل ذلك في بئر معونة..
فهل يعقل ـ بعد هذا ـ أن يختص خزيمة بن ثابت ، أو أبو خزيمة الأنصاري ، أو غيره ، بالاطلاع على آيتين منه ، دون سائر الصحابة ، وحتى دون أمير المؤمنين عليه السلام ، وأبي وابن مسعود ، وغيرهم؟.
وثانياً : ما الداعي إلى جمع القرآن من العسب ، واللخاف ، وصدور الرجال؟ فقد كان بوسعهم أن يرجعوا إلى القرآن الذي كتبه كتّاب الوحي للرسول (صلى الله عليه واله).. وكانوا يؤلفونه بين يديه (صلى الله عليه واله) من الرقاع ، حسبما تقدم ، ولا تصل النوبة إلى خزيمة بن ثابت ، ولا إلى غيره..
ولماذا لا يرجعون إلى مصحف ابن مسعود ، أو مصحف أبي ، أو مصحف زيد نفسه ، أو مصحف علي عليه السلام؟ فإنها كانت جاهزة ، وقريبة المأخذ ، وإن كان مختلفة الترتيب ، حسب روايتهم (3) أو زاد بعضهم في هوامشها بعض الأدعية ، كما سنرى إن شاء الله تعالى..
وثالثاً : لماذا لا يأخذون القرآن من ابن مسعود ، الذي كان يملي القرآن عن ظهر قلبه في الكوفة؟ (4) أو من أحد الأربعة ، الذين أمر النبيّ (صلى الله عليه واله) الناس بأخذ القرآن عنهم ، وهم : ابن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل (5)؟.
كما وأخبرهم (صلى الله عليه واله) : أنهم إذا أرادوا : أن يأخذوا القرآن رطباً ، كما أنزل ، فليأخذوه من ابن أم عبد ، أو فليقرؤه على قراءة ابن أم عبد ، أي ابن مسعود (6).
وأخبرهم أن : أقرأهم أبي بن كعب ، أو قال : أقرأ أمتي أبي (7).
وعن عمر بن الخطاب : أبي أقرؤنا ، وأقضانا علي. وإنا لندع من لحن أبي ، وذلك أن أبيا يقول : لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله (صلى الله عليه واله) ، وقد قال الله تعالى : ما ننسخ من آية أو ننسأها (8).
وإذا كان الله سبحانه ، قد أمر نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم : أن بعض ، أو يقرأ القرآن على أبي بن كعب (9) ، فلماذا لا يأمر النبيّ (صلى الله عليه واله) أمته بذلك أيضاً؟! أضف إلى ذلك : أنهم يقولون : إن أبي بن كعب قد قرأ القرآن على النبيّ (صلى الله عليه واله) (10).
أو.. لماذا لا يرجعون إلى علي (عليه السلام) ؟ الذي يقول عنه أبو عبد الرحمن السلمي : (ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من علي).
وقال أيضاً : (ما رأيت أقرأ من علي ، عرض القرآن على النبيّ (صلى الله عليه واله) ، وهو من الذين حفظوه أجمع بلا شك عندنا) (11).
وقال ابن مسعود : (ما رأيت أحداً أقرأ من علي بن أبي طالب للقرآن) (12).
وبعد.. فهل يزيد الشاهدان على كل هؤلاء ، في الثقة والجلالة ، والعلم والضبط ؟! وهؤلاء أليسوا أكثر من شاهدين ، وقد جاء توثيقهم ، والأمر بالرجوع إليهم ـ في قراءة القرآن ـ على لسان رسول الله (صلى الله عليه واله) ؟!.
والأعجب من ذلك : أن كل واحدٍ من هؤلاء الكبار ، يصر على القراءة ، حسب ترتيب مصحفه. ولا يعير المصحف الذي جمعه زيد أي اهتمام!! حتى لتشيع قراءاتهم في الأمة ، وتنتشر بعد ذلك ؛ بصورة مطردة ، إلى أن حزمت الهيئة الحاكمة أمرها ، وتصدّت للقضاء على كل ما لا يوافق السبيل الذي هي عليه..
بل إن بعضهم ، حينما أصر عثمان على جمع المصاحف ، وعدم السماح إلا لمصحفه بالانتشار ، والتداول. ـإن هذا البعض ـ وهو ابن مسعود ، يمتنع عن تسليم مصحفه لهم ، كما هو معروف ومشهور (13).
ولو كان جمع أبي بكر للقرآن قد أريد به : أن يكون قرآنه عاماً لجميع المسلمين ، لم يكن لهؤلاء أن يحتفظوا بمصاحفهم ، من زمان أبي بكر إلى زمان عثمان ، وبعده..
وأخيراً.. فإننا نجد الطحاوي ، يروي لنا : أن زيداً قال عن المصحف ، الذي جمعه لأبي بكر : ((..فكتبته في قطع الأدم ، وكسر الأكتاف ، والعسب ، يعني الجريد. فلما هلك أبو بكر ؛ فكان عمر ، كتب ذلك في صحيفة واحدة. فلما هلك كانت عند حفصة ، ثم إن حذيفة بن اليمان ، قدم من غزوة إلخ..)) (14).
ومعنى ذلك : أن زيداً هو الذي كتب المصحف لأبي بكر ، في العسب ، والأكتاف ، وغيرها. لا أنه قد جمعه منها ، وكتبه عنها ، كما يظهر من الرواية المتقدمة ، وغيرها..
_________________________________
(1) راجع على سبيل المثال : الإتقان ج1 ص57 فما بعدها.
(2) الإتقان ج1 ص57 ، وصحيح البخاري ج3 ص145 وج2 ص90ـومشكل الآثار ج3 ص4/5وج4 ص192/193 ، والسنن الكبرى ج2 ص41 وتاريخ الخلفاء ص77 وراجع : الفهرست لابن النديم ص27 والفائق ج2 ص431 وصفة الصفوة ج1 ص704/705 ومسند أحمد ج1 ص13 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص447 و136 وحياة الصحابة ج2 ص399 عن كنز العمال ج1 ص289 وج2 ص373 عن عبد الرزاق وابن أبي داود في المصاحف ، وأبي نعيم ، والأوائل ج1 ص213/215 والنشر ج1 ص7 عن النسائي والترمذي وابن حبان ، والطيالسي ، وابن سعد وغيرهم وراجع : تاريخ واسط ص251 والمصنف ج8 ص367 ومسند أحمد ج5 ص189و188 وج1 ص13 وجامع البيان ج1 ص20 والبرهان للزركشي ج1 ص234 والبداية والنهاية ج7 ص347. وسير أعلام النبلاء ج2 ص431.
(3) راجع للاطلاع على اختلاف ترتيب مصاحفهم : الإتقان ج1 ص62 و64 وفتح الباري ج9 ص38 و39. ولاسيما آخر ص36 ومناهل العرفان ج1 ص240 وتاريخ القرآن للزنجاني من ص 70 حتى ص80 والتمهيد في علوم القرآن ج1 ص268ـ274و252 فما بعدها. وتاريخ اليعقوبي ج2 ص135 /136. والفهرست لابن النديم ص29 ـ30.
(4) صفة الصفوة ج1 ص398 عن أحمد ، وفي هامشه عن : البزار ، والطبراني ، وأبي يعلى. ومجمع الزوائد ج9 ص287 والإستعياب بهامش الإصابة ج2 ص322.
(5) راجع : صحيح البخاري ج3 ص146 وتهذيب الأسماء ج1 ص109 وتفسير القرآن العظيم ج4 (الذيل) ص27 ولباب التأويل ج1 ص7 عن الترمذي ومجمع الزوائد ج9 ص311 وأنساب الأشراف ج1 ص264 ، والإتقان ج1 ص70 وكنز العمال ج2 ص33 و31 عن الترمذي ، ومستدرك الحاكم ، والبخاري ومسلم والبيان للخوئي ص296.
(6) راجع : كشف الأستار ج3 ص250و249 ومستدرك الحاكم ج3 ص318 وتلخيصه للذهبي بهامشه ، وصححاه على شرط الشيخين والايضاح لابن شاذان ص223و232 ومجمع الزوائد ج9 ص287و288 عن أحمد ، وأبي يعلى ، والبزار ، والطبراني وصفة الصفوة ج1 ص399 والنهاية في اللغة ج3 ص371 ومسند أحمد ج1 ص445 والجامع لأحاكم القرآن ج1 ص82 وتذكرة الحفاظ ج1 ص14 والإصابة ج2 ص369 والإستيعاب بهامشه ج2 ص320 وتفسير القرآن العظيم ج4 (الذيل) ص28.
(7) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص49 وراجع ص50 وتهذيب الأسماء ج1 ص109 وأسد الغابة ج1 ص49 وتهذيب التهذيب ج1 ص188 وراجع : الإيضاح لابن شاذان ص223و230/231 وفي هامشه عن مصادر أخرى والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص665و664 والجامع لأحاكم القرآن ج1 ص82 ومشكل الآثار ج1 ص350 و351.
(8) راجع : الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص50 وصحيح البخاري ج3 ص147 ومستدرك الحاكم ج3 ص305 وراجع : طبقات ابن سعد ط صادر ج2 ص339.
(9) الإستعياب بهامش الإصابة ج1 ص49 ومستدرك الحاكم ج2 ص224 ، وتلخيصه للذهبي ، بهامشه ، ومسند أحمد ج5 ص131 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص666 وحلية الأولياء ج1 ص251 وج4 ص187 ، ومجمع الزوائد ج9 ص312 ، والدر المنثور ج6 ص378 عن أحمد ، والترمذي ، والحاكم ، وصححه هذان الأخيران والبداية والنهاية ج7 ص340.
(10) تذكرة الحفاظ ج1 ص16.
(11) راجع : الغدير ، للعلامة الأميني ج6 ص308 عن : طبقات القراء ج1 ص546 ، وعن : مفتاح السعادة ج1 ص351.
(12) المناقب ، لابن شهر آشوب ج2 ص42. يحتمل أن يريد بذلك : أنه أكثر الناس في قراءة القرآن من حيث الضبط والحفظ ، ويحتمل أن يريد : أنه كثير القراءة له ، ويحتمل إرادته لكلا الأمرين.
(13) شهرة هذا الأمر ، تغني عن ذكر مصادره ، وإن شئت فراجع : مستدرك الحاكم ج2 ص228 وتاريخ اليعقوبي ج2ص170 وطبقات ابن سعد ج2 قسم 2 ص105 والإيضاح لابن شاذان ص225 وفتح الباري ج9 ص36 و44 وتاريخ القرآن للأبياري ص111 والتراتيب الإدارية ج2 ص284 والتمهيد في علوم القرآن ج1 ص290 عن المصاحف للسجستاني ص15.
(14) مشكل الآثار ج4 ص193.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|