اختلاف المصاحف
المؤلف:
محمد هادي معرفة
المصدر:
تلخيص التمهيد
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص218-224.
16-10-2014
15075
كانت الغاية من إرسال مصاحف إلى الآفاق هي : رعاية جانب وحدة الكلمة ؛ لئلاّ تختلف ، وليجتمع المسلمون على قراءةٍ واحدة ونبْذ ما سواها ، فكان يجب أن تكون هذه المصاحف مستنسخة على نمطٍ واحد ، وأن تكون موحَّدة من جميع الوجوه ، ومن ثمَّ كان يجب على أعضاء المشروع أن يتحقَّقوا من وحدتها ويقابلوا النُسخ مع بعضها في دقّة كاملة .
غير أنَّ الواقعية بدَت بوجه آخر ، وجاءت المصاحف يختلف مع بعضها البعض ، كان المصحف المدَني يختلف عن المصحف المكّي ، والمصحف المكّي يختلف عن الشامي ، وهذا عن البصري والكوفي وهكذا ، الأمر الذي يدلّ بوضوح أنَّ اللجْنة تساهلت في أمر المقابلة أيضاً ، فلم يأخذوا بالدقَّة الكاملة في جانب توحيد المصاحف المرسَلة إلى الآفاق .
وصار هذا الاختلاف في المصاحف من أهمّ أسباب نشوء الاختلاف القرائي فيما بعد ، وفتح باب جديد لاختلاف القراءات في حياة المسلمين .
كان قارئ كلِّ مِصر ومُقريها يلتزم طبعاً بقراءة ما في مصحفهم من نصٍّ ، وكان عليه أيضاً أن يختار نوع الحرف والشكل حسب ما يبدو له من ظاهر الكلمة المثبتة في المصحف بلا نُقَط ولا تشكيل ، ومن ثمَّ كانت السلايق والمذاويق ، وكذلك الأنظار والأفهام تختلف في هذا الاختيار .
أمّا الرواية والسماع عن الشيخ ، فهي لا تنضبط تماماً وفي جميع الوجوه إذا لم تكن مثبتة في سجلٍّ ، أو في نصِّ المصحف ذاته ، فلابدَّ أن يقع فيها خلط أو اشتباه من جانب النقل أو السماع ، ولاسيَّما إذا طالت الفترة بين الشيخ الأوَّل والقارئ الأخير .
ومن ثمَّ ظهرت : قراءة مكَّة ، وقراءة المدينة ، وقراءة البصرة ، وقراءة الكوفة ، وقراءة الشام وهكذا ، الأمر الذي كان كرّاً على ما فرّوا منه .
وزعم الزرقاني أنَّ هذا الاختلاف في النصّ كان عن عمْدٍ منهم وعن قصْد ، لحكمةِ تحمُّل اللفظ كلَّ قراءة ممكنة ، قال : وكتبوها متفاوتة في إثباتٍ وحذفٍ وبدَل وغيرها ؛ لأنَّ عثمان قصد اشتمالها على الأحرف السبعة ، فكانت بعض الكلمات يُقرأ رسمها بأكثر من وجه نحو ( فتبيَّنوا ) و( ننشزها ) .
أمّا الكلمات التي لا تَحتمل أكثر من قراءة ، فإنَّهم كانوا يرسمونها في بعض المصاحف برسم ، وفي بعض آخر برسم آخَر ، كـ( وصّى ) بالتضعيف ، و( أوصى ) بالهمز ، وكذلك ( تحتها الأنهار ) في مصحف ، و( من تحتها الأنهار ) بزيادة ( من ) في مصحف آخَر ... (1) .
قلت : هذا تعليل عليل ، بعد أن كان الغرض من نَسْخ المصاحف وتوحيدها ، هو رفع الاختلاف في القراءات ، كان أحدهم يقول : قراءتنا خير من قراءتكم .
فلئلاّ يقع مثل هذا الجدل المرير تأسَّس المشروع المصاحفي باتّفاق من آراء الصحابة ، أمّا وبعد أن أَنجزت اللجْنة مهمَّتها ، وإذا بدواعي الاختلاف ـ الاختلاف في القراءة ذاتها ـ موجودة .
أمّا قضيَّة الأحرف السبعة المفسَّرة إلى القراءات السبْع ، فحديث مشتبه ربَّما بلغ تفسيره إلى أربعين معنى (2) ، وأوهَن المعاني هو : تفسيره بالقراءات ، إذ لم يثبت أنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) قرأ القرآن على سبعة وجوه ، كما أنَّ لاختلاف القرّاء في قراءتهم عِللاً وأسباباً تخصّهم هم ، وقد فصَّلها أبو محمَّد مكّي بن أبي طالب في كتابه ( الكشف عن وجوه القراءات وعِللها وحُججها ) فراجع ، وقد تكلَّمنا عن حديث الأحرف السبعة في فصل خاصّ يأتي إن شاء الله .
هذا ، وأمّا الأستاذ الأبياري فإنَّه يرى أنَّ هذا الاختلاف إنَّما كان بين مصاحف سبقت مصحف عثمان ، وجاء هذا الأخير ليرفع تلكم الاختلافات (3) .
لكنَّها نظرةٌ تخالف النصَّ القائل : بأنَّ الاختلاف كان في نفس مصاحف عثمان (4) .
وعلى أيّة حال ، فإنَّ الاختلاف بين المصاحف المبعوثة إلى الآفاق شيء واقع ويؤسف عليه ، وكانت البذرة التي انبثق منها اختلاف القراءات فيما بعد .
وفيما يلي عرض نموذجي عن اختلاف مصاحف الآفاق ، اعتمدنا فيه على نصّ ابن أبي داود في كتابه ( المصاحف ) (5) .
ملحوظة : مصحفنا اليوم يتوافق أكثريّاً مع مصحف الكوفة ، سوى مواضع نرمز إليها في الجدول التالي بعلامة (*) .
غير أنَّ مصحف البصرة كان أدقَّ من سائر المصاحف.
تدلّنا على ذلك الآية 87 من سورة المؤمنون ، إنَّها في مصحف البصرة : { قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } [المؤمنون: 86، 87] ، وهي في مصحف الكوفة وغيرها : ( سيقولون لله ) .
وكذلك الآية 89 من نفس السورة ، والآية 33 من سورة فاطر ، مثبتة في مصحف البصرة : ( من ذهبٍ ولؤلؤ ) ، وفي غيره : ( ولؤلؤاً ) .
وهكذا الآية 16 من سورة الإنسان في مصحف البصرة : {قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 15، 16] ، وفي غيره : ( قواريراً * قواريراً من فضة ) ... إلى غير ذلك .
وإليك جدولاً نموذجيّاً يعيِّن مواضع الاختلاف من مصاحف الآفاق : الشام ، الكوفة ، البصرة ، مكّة ، أهمّ البلاد التي أُرسلت إليها المصاحف ، ومقارنتها مع المصحف الإمام ( مصحف المدينة ) :
جدول نموذجي يعين مواضع الاختلاف من مصاحف الآفاق
|
السورة
|
الآية
|
مصحف المدينة
|
مصحف الشام
|
مصحف الكوفة
|
مصحف البصرة
|
مصحف مكة
|
|
البقرة
|
116
|
قالوا اتخذوا الله ولداً
|
قالوا
|
وقالوا
|
وقالوا...
|
|
|
"
|
132
|
وأوصى بها ابراهيم
|
واوصى
|
ووصى
|
ووصى
|
|
|
آل عمران
|
133
|
سارعوا الى مغفرة من ربكم
|
سارعوا
|
وسارعوا
|
وسارعوا..
|
|
|
"
|
184
|
جاؤوا بالبينات وبالزبر
|
بالزبر
|
والزبر
|
...والزبر
|
|
|
النساء
|
66
|
.....
|
ما فعلوا إلا قليلا
|
إلا قليل
|
... إلا قليلا
|
|
|
"
|
171
|
....
|
...
|
فامنوا بالله ورسوله
|
فامنوا بالله ورسله
|
... ورسوله
|
|
المائدة
|
53
|
يقول الذين آمنوا
|
يقول
|
ويقول
|
ويقول...
|
|
|
"
|
54
|
من يرتدد
|
من يرتدد
|
من يرتد
|
من يرتد
|
|
|
الأنعام
|
32
|
....
|
ولدار الاخرة
|
وللدار الاخرة
|
وللدار الاخرة
|
|
|
"
|
63
|
لئن انجيتنا
|
......
|
لئن انجانا
|
لئن انجيتنا
|
|
|
الأعراف
|
3
|
قليلا ما يتذكرون
|
يتذكرون
|
تذكرون
|
.. تذكرون
|
|
|
"
|
43
|
ما كنا لنهتدي
|
ما كنا
|
وما كنا
|
وما كنا...
|
|
|
"
|
75
|
قال الملأ
|
قال الملأ
|
وقال الملأ *
|
وقال الملأ
|
|
|
"
|
141
|
وإذ انجاكم
|
وإذ انجاكم
|
وإذ انجيناكم
|
وإذ انجيناكم
|
|
|
"
|
195
|
ثم كيدوني
|
ثم كيدوني
|
ثم كيدون
|
ثم كيدون
|
|
|
السورة
|
الآية
|
مصحف المدينة
|
مصحف الشام
|
مصحف الكوفة
|
مصحف البصرة
|
مصحف مكة
|
|
الأنفال
|
67
|
...
|
ما كان للنبي
|
ما كان لنبي
|
ما كان لنبي
|
|
|
التوبة
|
100
|
...
|
...
|
...
|
تجري تحتها الأنهار
|
تجري من تحتها الانهار
|
|
التوبة
|
107
|
الذين اتخذوا مسجداً ضراراً
|
اذين
|
والذين
|
والذين
|
|
|
يونس
|
22
|
هو الذي ينشركم
|
هو الذي ينشركم
|
هو الذي يسيركم
|
هو الذي يسيركم
|
|
|
الرعد
|
42
|
وسيعلم الكافر
|
...
|
وسيعلم الكفار
|
وسيعلم الكفار
|
|
|
الإسراء
|
93
|
قال سبحان ربي
|
...
|
قل سبحان ربي
|
قل سبحان ربي
|
|
|
الكهف
|
36
|
لأجدن خيرا منهما
|
منهما
|
منها
|
.. منها
|
|
|
"
|
95
|
قال ما مكني
|
مكنني
|
مكنني *
|
.. مكنني
|
|
|
الانبياء
|
4
|
قال ربي يعلم
|
...
|
قال ربي يعلم
|
قال ربي يعلم
|
|
|
"
|
112
|
....
|
...
|
قال رب احكم
|
قل رب احكم
|
|
|
المؤمنون
|
87
|
قل من رب... سيقولون لله
|
سيقولون لله
|
سيقولون لله
|
سيقولون لله
|
|
|
"
|
89
|
قل من بيده... سيقولون لله
|
سيقولون لله
|
سيقولون لله
|
سيقولون لله
|
|
|
"
|
112
|
قال كم لبثتم
|
...
|
قال كم لبثتم
|
قال كم لبثتم
|
|
|
الشعراء
|
217
|
فتوكل على العزيز
|
فتوكل
|
وتوكل
|
وتوكل...
|
|
|
فاطر
|
33
|
من ذهب ولؤلؤاً
|
...
|
ولؤلؤاً
|
...ولؤلؤ
|
|
|
السورة
|
الآية
|
مصحف المدينة
|
مصحف الشام
|
مصحف الكوفة
|
مصحف البصرة
|
مصحف مكة
|
|
يس
|
35
|
وما علمته
|
...
|
وما علمت*
|
وما علمته
|
|
|
غافر
|
21
|
كانوا هم اشد منكم
|
كانوا هم اشد منكم
|
منهم
|
... منهم
|
|
|
"
|
26
|
وان يظهروا في الارض
|
وأن
|
أو أن
|
أو أن...
|
|
|
الشورى
|
30
|
بما كسبت ايديكم يا
|
بما كسبت ايديكم
|
فبما كسبت ايديكم
|
فبما كسبت ايديكم
|
|
|
الزخرف
|
68
|
يا عبادي
|
يا عبادي
|
يا عباد
|
يا عباد
|
|
|
"
|
71
|
ما تشتهيه الانفس
|
ما تشتهيه الانفس
|
ما تشتهي الانفس *
|
ما تشهي الانفس
|
|
|
الأحقاف
|
15
|
بوالديه حسناً
|
....
|
بوالديه احساناً
|
بوالديه احسانا
|
|
|
محمد (ص)
|
18
|
أن تأتيهم بغتة
|
..
|
..
|
ان تأتيهم..
|
ان تأتهم
|
|
الرحمن
|
12
|
والحب ذا العصف
|
والحب ذا العصف
|
والحب ذو العصف
|
والحب ذو العصف
|
|
|
"
|
78
|
تبارك اسم ربك ذو
الجلال
|
ذو الجلال
|
ذي الجلال
|
ذي الجلال
|
|
|
الحديد
|
10
|
وكل وعد الله الحسنى
|
وكل..
|
وكلا..
|
وكلا....
|
|
|
"
|
24
|
ان الله الغني الحميد
|
ان الله الغني
|
ان الله هو الغني
|
ان الله هو الغني...
|
|
|
الجن
|
20
|
قال انما ادعوا ربي
|
...
|
قال انما ادعوا ربي
|
قل انما ادعو ربي
|
|
|
الإنسان
|
16
|
قواريرا قواريرا من
|
....
|
قواريراً.
|
قوارير من
|
قوارير من
|
|
الشمس
|
15
|
فلا يخاف عقباها
|
فلا يخاف
|
ولا يخاف..
|
ولا يخاف...
|
|
______________________
(1) مناهل العرفان : ج1 ، ص251 .
(2) راجع الإتقان : ج1 ، ص45 .
(3) تاريخ القرآن لإبراهيم الأبياري : ص99 .
(4) راجع المصاحف : ص39 .
(5) المصدر السابق .
الاكثر قراءة في جمع وتدوين القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة