جمع القرآن في زمن عثمان
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص139 -142
2025-07-01
438
لقد ثبت تاريخيا - كما تقدم - أن القرآن قد جمع قبل عثمان وعمر وأبي بكر بمعنى آخر أنه جمع في زمن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وهذا هو الجمع الأول وكان على يد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهذا الجمع من قبل الإمام علي (عليه السلام) هو بحد ذاته كان على مرحلتين المرحلة الأولى جمعه من مادته الأولى من العسب والرقاع والأقتاب واللخاف والأكتاف وغير ذلك فضم السور بعضها إلى البعض الآخر ثم ربطها بخيط بحيث كانت السور مشخصة بآياتها ابتداء وانتهاء. أما المرحلة الثانية فربما كان عمله في توحيد صحائف أجزاء وسور القرآن إذ جعل ذلك كله من جنس واحد وكما عرفت أن هذه المرحلة تمت عقيب وفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) . أما العمل الذي أقدم عليه عثمان فلم يكن بكرا بل أن عمله كان منصبا على توحيد القراءة والرسم، ثم أوكل هذا الأمر إلى لجنة تضم عدة من الصحابة. قال الزهري أخبرني أنس بن مالك قال: فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها - أي الآيات أو السور أو الصحف المحضرة من بيت حفصة في المصاحف وقال لهم إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش فإن القرآن أنزل بلسانهم ففعلوا[1].
عن أنس بن مالك قال قدم حذيفة بن اليمان على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف تنسخها في المصاحف ثم تردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوه وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. [2].
ونقل أبو بكر السجستاني: أن عثمان سأل جماعة من أكتب الناس؟ قالوا زيد بن ثابت قال فأي الناس أعرب؟ قالوا سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد [3]. وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له أثني عشر رجلا من قريش والأنصار [4] فبعثوا إلى الربعة [5] التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤوا [6] في شيء أخروه. قال محمد: فظننت إنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله.
في هذا الخبر يظهر لنا عدة أمور:
أ - أن جمع القرآن بأمر عثمان كان منوطا بلجنة قوامها اثنا عشر رجلا من المهاجرين والأنصار والمهاجرون جلهم من قريش.
ب - أن اللجنة اعتمدت - في جمعها - على النسخة التي جمعت زمن أبي بكر والتي كانت مودعة عند حفصة.
ج - إن خلافا كان يحصل بين قريش وآخرين من الأنصار في شأن القراءة.
د - يبدو من الخبر أن تسوية الخلاف بين الكتاب في شأن توحيد القراءة منوط بعثمان لكونه من قريش.
هـ - ما ورد في الخبر من (كتابة المصاحف والجمع) إنما قصد القراءة ودليله: ما أخرجه ابن أبي داود عن سويد بن غفلة قال علي: لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا قال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد يكون كفرا؟ قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف قلنا نعم ما رأيت [7].
ومما يؤكد هذا المعنى قول ابن التين في الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان. قال: إن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته.
وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك وقد انتهت فاقتصر على لغة واحدة. أضف إلى ما تقدم قول الحارث المحاسبي قال: المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة يوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات.
وهكذا قال أبو بكر القاضي في (الانتصار): لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وإلغاء ما ليس كذلك. ومما يذكر في المقام أن جمع عثمان - سواء كان استنساخه المصحف أو جمعه في توحيد القراءة - كان باقتراح من الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وهذا ما ذكره ابن طاووس في (سعد السعود) والشهرستاني في مقدمة تفسيره ذكر ابن طاووس نقلا عن كتاب جعفر بن محمد بن منصور ورواية محمد بن زيد بن مروان في اختلاف المصاحف أن القرآن.
جمعه على عهد أبي بكر زيد بن ثابت وخالفه في ذلك (أبي) و (عبد الله بن مسعود) و (سالم) مولى أبي حذيفة ثم عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأخذ عثمان مصاحف أبي وعبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة فغسلها. وفي رواية أخرى أنه أحرقها وفي رواية ثالثة سلقها بالماء الحار والخل [8].
[4] وفي رواية.. المهاجرين والأنصار منهم أبي بن كعب وزيد المصاحف ص 26
[5] الربعة: إشارة إلى المصحف الكتب المجتمعة.
[6] تدارؤوا: تدافعوا أي دافع كل منهم قول الآخر ورده وخالفه.
[7] تاريخ القرآن للزنجاني 75 والإتقان1/ 88
[8] تاريخ القرآن ص 674 تاريخ اليعقوبي 2/ 170
الاكثر قراءة في جمع وتدوين القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة