أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-17
1192
التاريخ: 19-02-2015
2252
التاريخ: 21-11-2020
2289
التاريخ: 2024-08-26
399
|
إذا كان الأخذ بظواهر الكلام أمراً لازماً في الذكر الحكيم والسنّة القطعية ، فكيف تُفسّر الصفات الخبرية التي تدلّ بظواهرها على التجسيم والتشبيه تعالى عن ذلك علواً كبيراً ؟
فهل يمكن لنا الأخذ بظاهر قوله سبحانه : {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [الذاريات : 47] ، فظاهر الآية يدلّ على أنّه سبحانه بنى السماء بأيديه وأنّ له يداً كالإنسان ، كما أنّ ظاهر قوله سبحانه {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه : 5] أنّه سبحانه استقر على عرشه وسريره ، فالقول بلزوم الأخذ بالظواهر يستلزم حمل هذه الآيات على ظواهرها المنبئة عن التجسيم والجهة ؟
هذا هو السؤال المطروح في المقام ، وللإجابة عنه ، نقول :
قد عرفت أنّ الضابطة الكلية ، أعني : لزوم الأخذ بظاهر الكتاب والسنّة القطعية ، أمر لا يمكن النقاش فيها ، ولا يصحّ استثناء آية من تلك الضابطة بعدَ تشخيص الظاهر عن غيره ، فلو تبيّن بالدلائل القطعية ما هو الظاهر يجب اتّباعه ، لكن الكلام في تعيين الظاهر ، و تمييز الظهور التصديقي عن الظهور التصورّي ، والظهور البدوي عن الظهور النهائيّ ، ومثل هذا لا يتحقق إلاّ بالتأمّل والإمعان في نفس الآية الكريمة وما اختصّ بها من القرائن اللفظية ، فعندئذ يتميّز الظاهر عن غيره فيجب الأخذ به بلا كلام ، والتجسيم والتشبيه إنّما هو في الظهور البدوي ، دون الظهور النهائي بعد الإمعان في الآية .
وما ربّما يتصوّر من أنّ أهل العدل والتنزيه يحملون الآيات الواردة فيها الصفات الخبرية على خلاف ظواهرها ، فهو كلام غير صحيح ، فإنّهم لا يأخذون بالظهور التصوّري أو الظهور البدوي للآيات ، وأمّا الظهور التصديقي أو الاستقراري فيأخذونه بتمامه ، ولا يحملونها على غير ظاهرها .
ولتمييز الظهور الجزئي عن الظهور الجملي ، والتصوّري عن التصديقي نأتي بمثالين :
1 ـ إذا قلت : رأيت أسداً في الحمام ، فلفظة ( أسد ) وحدها ظاهرة في الحيوان المفترس ولكنّها بظهورها الجملي ظاهرة في الرجل الشجاع ، فلو قيل : إنّ الجملة حُملت على خلاف ظاهرها ، فإنّما يصحّ بالنسبة إلى ظهور جزء من الكلام ، أعني : الأسد دون المجموع ، فاللازم للأخذ هو الظهور الجملي لا الجزئي .
2 ـ إذا قلت : زيد كثير الرماد ، فالظهور البدوي أنّ بيت زيد غير نظيف ولكنّه ظهور بدوي ، فإذا لوحظ أنّ الكلام ورد في مقام المدح يكون قرينةً على أنّ المراد لازم المعنى وهو الجود ، فلو قيل بأنّ الكلام حُمل على خلاف ظاهره ، فإنّما هو بحسب ظهوره البدوي لا الاستقراري ، فالذي يجب الأخذ به هو الظهور الجملي لا الحرفي ، والظهور المستقر لا البدوي .
وعلى ذلك فحمل الجملة الأُولى على الحيوان المفترس والثانية على الجود أخذ بالظاهر وليس فيه شائبة تأويل ، ومَن يرمي هذه التفاسير بالتأويل فهو لا يفرّق بين الظهورين : البدوي والاستقراري .
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الآيات الحاكية عن الصفات الخبرية إذا لوحظت مع القرائن المحتفّة بالكلام ، يتبيّن الظهور التصوّري عن التصديقي والابتدائي عن الاستقراري ، ويتبين أنّ هذه الآيات غنية عن التأويل( بمعنى حمل الظاهر التصديقي على خلاف ظاهره ) وأنّ دلالتها على معانيها قطعيّة لكن بالشرط الذي ذكرناه .
ولأجل توضيح ذلك نفسّر الآيات التي ورد فيها لفظ اليد حتى يتضح أنّ تلك الآيات ليست بحاجة إلى التأويل بهذا المعنى ، أي حمل الظاهر على خلافه ، ويكون مقياساً لسائر الآيات التي ربّما يكون ظاهرها البدويّ ، موهماً خلاف التنزيه :
1 ـ يقول سبحانه { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ } [ص: 75].
فنقول : إنّ اليد في الآية استعمل في العضو المخصوص ولكن كُنِّي بها عن الاهتمام بخلقة آدم حتى يتسنّى بذلك ذم إبليس على ترك السجود لآدم ، فقوله سبحانه : ( ما منَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بيدي ) كناية عن أنّ آدم لم يكن مخلوقاً لغيري حتى يصحّ لك يا شيطان التجنّب عن السجود له ، بحجة أنّه لا صلة له بي ، مع أنّه موجود خلقتُه بنفسي ، ونفخت فيه من روحي ، فهو مخلوقي الذي قمت بخلقه ، فمع ذلك تمرّدت عن السجود له .
فأُطلقت الخلقةُ باليد وكُنّي بها عن قيامه سبحانه بخلقه ، وعنايته بإيجاده ، وتعليمه إيّاه أسماءه ؛ لأنّ الغالب في عمل الإنسان هو القيام به باستعمال اليد ، يقول : هذا ما بنيته بيدي ، أو ما صنعته بيدي ، أو ربيّته بيدي ، ويراد من الكل هو القيام المباشري بالعمل ، وربّما استعان فيه بعينه وسمعه وغيرهما من الأعضاء ، لكنّه لا يذكرها ويكتفي باليد ، وكأنّه سبحانه يندّد بالشيطان بأنّك تركتَ السجود لموجود اهتممت بخلقه وصنعه .
2 ـ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71] فالمجسّمة المتعبّدة بظواهر النصوص البدوية تستدلّ بالآية على أنّ للّه سبحانه أيدي يقوم بها بالأعمال الكبيرة ، ولكن المساكين اغترّوا بالظهور التصوريّ ولم يتدبّروا في الظهور التصديقي ، أخذوا بالظهور الجزئي دون الجملي ، فلو كانوا ممعنين في مضمون الآية وما احتفّ بها من القرائن ، لميّزوا الظهور التصديقي الذي هو الملاك عن غيره ، فإنّ الأيدي في الآية كناية عن تفرّده تعالى بخلق الأنعام وأنّه لم يشاركه أحد فيها ، فهي مصنوعة للّه تعالى والناس ينتفعون بها ، فبدل أن يشكروا ، يكفرون بنعمته ، وأنت إذا قارنت بين الآيتين تقف على أنّ المقصود هو المعنى الكنائي ، والمدار في الموافقة والمخالفة هو الظهور التصديقي لا التصوري .
قال الشريف المرتضى (1) : قوله تعالى : ( لِما خَلَقْتُ بِيَديّ ) جارٍ مجرى قوله : ( لِما خلقت أنا ) وذلك مشهور في لغة العرب ، يقول أحدهم : هذا ما كسبتْ يداك ، وما جرّت عليك يداك ، وإذا أرادوا نفي الفعل عن الفاعل استعملوا فيه هذا الضرب من الكلام فيقولون : فلان لا تمشي قدمه ، ولا ينطق لسانه ، ولا تكتب يده ، وكذلك في الإثبات ، ولا يكون للفعل رجوع إلى الجوارح في الحقيقة بل الفائدة فيه النفي عن الفاعل (2) .
3 ـ قال سبحانه : {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] فاليد وإن كانت
ظاهرة في العضو الخاص لكنّها في الآية كناية عن القوة والإحكام بقرينة قوله : ( وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) وكأنّه سبحانه يقول : والسماء بنيناها بقدرة لا يوصف قدرها وإنّا لذو سعة في القدرة لا يعجزها شيء ، أو بنيناها بقدرة عظيمة ونوسعها في الخلقة .
إلى هنا خرجنا بالنتائج التالية :
1 ـ إنّ دلالة ظواهر الكتاب والسنّة القطعية على مضامينها دلالة قطعية .
2 ـ لا يجوز تأويل الآيات بمعنى حملها على خلاف ظاهرها إلاّ في مورد جرت السنّة فيه على إمكان إرادة خلاف الظاهر كما هو الحال في مجال التقنين والتشريع .
3 ـ إنّ اللازم في الصفات الخبرية ، أعني : اليد والرجل والعين والاستواء ، هو تحصيل الظهور التصديقي لا التصوّري ، والظهور الجملي لا الجزئي ، فعندئذ يُتعبّد به ولا يعدل عنه ، ولا يحتاج إلى حمل الظاهر على خلافه .
4 ـ إنّ اليد في الآيات الثلاث ، إمّا كناية عن قيام الفاعل بالفعل مباشرة لا باستعانة من الغير كما في الآيتين الأُوليين ، أو كناية عن القدرة الخارقة .
5 ـ حمل الآية على خلاف ظهورها البدوي أمر لا مانع منه ؛ لأنّ الظهور البدوي ليس بحجّة ومخالفته لا تعد خلافاً للحجة .
وأمّا حمل الآية على خلاف ظاهرها التصديقي الذي استقر ظهور الكلام فيه أمر غير جائز مطلقاً إلاّ فيما جرت السيرة فيه ، أعني : مجال التشريع ، مثل : حمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاص .
وما ربّما يتراءى من المشايخ من ( أنّ الظواهر خفيفة المؤنة يمكن التصرف فيها ) صحيح في الظهور البدوي أو الظهور الجزئي لا في الظهور الجملي والتصديقي الاستقراري .
سؤال : إذا كانت الظواهر قطعية الدلالة فما هو الوجه في اختلاف المفسرين ؟
والجواب : إنّ اختلافهم يرجع إلى الصغرى ، وهي عدم وجود ظاهر في البين لأجل الاختلاف في الأُمور التالية :
1 ـ اختلاف القراءات .
2 ـ اختلاف وجوه الإعراب وإن اتفقت القراءات .
3 ـ اختلاف اللغويين في معنى الكلمة .
4 ـ اشتراك اللفظ بين معنيين فأكثر .
5 ـ احتمال العموم والخصوص .
6 ـ احتمال الإطلاق أو التقييد .
7 ـ احتمال الحقيقة أو المجاز .
8 ـ احتمال الإضمار أو الاستقلال .
9 ـ احتمال الكلمة زائدة .
10 ـ احتمال حمل الكلام على الترتيب وعلى التقديم والتأخير .
11 ـ احتمال أن يكون الحكم منسوخاً أو محكماً .
12 ـ اختلاف الرواية في التفسير عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وعن السلف ( رض ) (3) .
ما ذكره من وجوه الاختلاف صحيح لكن ثَمّة وجه آخر للاختلاف هو تطبيق الآية على العقيدة التي يعتنقها المفسّر ، فالجبري يحاول صرف الآيات الدالة على الاختيار عن ظاهرها ، كما أنّ التفويضي يسعى إلى صرف ما يدلّ بظاهره على أنّ للسماء دوراً في أفعال البشر ، إلى صرفها إلى خلاف ظاهرها ، وقلّما يتّفق أن يتجرّد المفسّر من معتقداته والأُصول التي يتبناها ، وهذا هو العامل المهم في اختلاف المفسرين .
ثمّ إنّ هناك وجهاً آخر للاختلاف وهو الاختلاف في الأُصول التي يجب أن يصدر عنها المفسّر .
فالشيعي الإمامي يصدر عمّـا روي عن النبي وأهل بيته ( عليهم السَّلام ) بطرق خاصة ويفسّر بها الآيات لا سيّما فيما يرجع إلى الأحكام ، ولكن المفسّر السنّي يصدر عن غير هذا المصدر فيأخذ بقول كلّ صحابي وإن أدرك النبي يوماً أو يومين أو شهراً ولم تثبت عدالته ، كما أنّ هناك من يأخذ بالإسرائيليات التي جرّت الويلات على المفسرين .
_______________________________
1 ـ أمالي المرتضى : 1 / 565 .
2 ـ الكشّاف : 3 / 21 .
3 ـ ابن الجوزي : التسهيل : 1 / 9 .
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
مزارع العتبة العباسية تسهم في تعزيز السوق المحلي بأصناف عالمية من محصول الحنطة
|
|
|