المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



في بعض ما كان من القوم مع الإمام علي والسيدة الزهراء (عليهما السلام)  
  
1806   01:22 صباحاً   التاريخ: 25/12/2022
المؤلف : السيد علي الحسيني الميلاني
الكتاب أو المصدر : مظلومية الزهراء ( ع )
الجزء والصفحة : ص 41-77
القسم : سيرة الرسول وآله / السيدة فاطمة الزهراء / شهادتها والأيام الأخيرة /

أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت ، والقضايا التي وقعت .

ومن الطبيعي أنْ لا يصلنا كلّ ما وقع ، وأنْ لا تصلنا تفاصيل الحوادث ، مع الحصار الشديد المضروب على الروايات والأحاديث ، ومع ملاحقة المحدّثين والرواة ، ومنعهم من نقل الأحاديث المهمة ، ومع حرق تلك الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأيّ شكل من الأشكال .

فإذن ، من بعد هذه القرون المتطاولة ، ومن بعد هذه الحواجز والموانع ، لا نتوقّع أنْ يصل إلينا كلّ ما وقع ، وإنّما يمكننا العثور على قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدّثين وبعض المؤرخين .

رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم يخبر أهل بيته بأنّ الأمّة ستغدر بهم ، وأنّهم سيظهرون ضغائنهم من بعده ، وسينتقمون منه أي :

سينتقمون من النبي بانتقامهم من بضعته ، لأنّها بضعته ، والانتقام من الزهراء انتقام من النبي ، وإنّما أبقى هذه البضعة في هذه الأمّة ليختبر الأمّة ، وليظهروا ما في ضمائرهم .

ولم تطل المدة ، فقد وقع الاختبار ، وكانت المدة على الأشهر أشهرُ ، ثمّ عادت البضعة إلى رسول اللّه واتّصلت اللحمة ببدنه المبارك وجسده الشريف ، وكلّ ذلك وقع .

وكما قلنا لا نتوقّع أنْ نعثر على كلّ تفاصيل تلك القضايا ، ولكننا لو عثرنا على الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين البقيّة .

لقد رأيتم كيف يحرّفون الروايات ، حتّى تلك الكلمة القاسية التي يقولها أبو سفيان في حقّ النبي ، رأيتم كيف يرفعون اسم أبي سفيان ويضعون مكان الاسم كلمة قال رجل ، فكيف تتوقّعون أنْ يروي لنا الرواة كلّ ما حدث بعد رسول اللّه ، أو يتمكّن الرواة من نقل كلّ ما حدث ؟

وبالرغم من ذلك الحصار الشديد ، ومن ذلك المنع الأكيد ، ومن ذلك الإرعاب والتهديد ، مع ذلك ، تبلغنا أطرافٌ من أخبار ما وقع .

ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلاّ من أهم مصادر أهل السنّة ، ولا نتعرّض لِما ورد في كتبنا أبداً ، وحتّى أنّا ننقل - قدر الإمكان - عن أسبق المصادر وأقدمها ، فلا ننقل في الأكثر والأغلب عن الكتب المؤلَّفة في القرون المتأخّرة .

فههنا مسائل :

المسألة الأُولى : مصادرة ملك الزهراء وتكذيبها

وإنّنا نعتقد بأنّ تكذيب الزهراء عليها السّلام من أعظم المصائب ، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أنّ أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين عليه السّلام قرأ جملة : « دخلت زينب على ابن زياد » وأراد أن يشرح ذلك الموقف ، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية ، قال : لأنّا نريد أن نؤدّي حقّ هذه الجملة : « دخلت زينب على ابن زياد » وهذه المصيبة ، وما أعظمها ! ! دخلت زينب على ابن زياد ! !

مجرّد تكذيب الزهراء سلام اللّه عليها وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض وملك ، إنّما القضية ظلم الزهراء سلام اللّه عليها وتضييع حقّها ، وعدم إكرامها ، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها ، ولاحظوا خلاصة القضية أنقلها

كما في المصادر المهمة المعتبرة :

أوّلاً : لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وأنّ رسول اللّه أعطى فاطمة فدكاً ، فكانت فدك عطية من رسول اللّه لفاطمة .

وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين .

أمّا من أهل السنة : فقد أخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نزلت الآية ( وآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فاطمة فأعطاها فدكاً .

وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس .

تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدّثين في كتاب الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور[1].

ومن رواته أيضاً : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم .

ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في منهاج السنة على أنّه خال من الموضوعات[2].

فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر .

وقد أقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول اللّه ، وأنّ فدكاً كانت عطيةً منه صلّى اللّه عليه وآله وسلم للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصّوا على هذا المطلب .

منهم : سعد الدين التفتازاني .

ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق إذ يقول : « إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً »[3].

فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر .

فلماذا انتزعها ؟ وبأيّ وجه ؟ لنفرض أنّ أبا بكر كان جاهلاً بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً ، فهلاّ كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟

وثانياً : لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها ، فهل كان يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة على كونها مالكة لفدك ؟ إنّ هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام اللّه عليه ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإنْ علم صدقه ! لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر يقولون : لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد[4].

نقول : لكنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قَبِل شهادة الواحد - وهو خزيمة ذو الشهادتين - وخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبد اللّه بن عمر ، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وفي جامع الأصول لابن الأثير[5].

أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبد اللّه بن عمر في نظر النبي ؟

وثالثاً : لو سلّمنا حصول الشك لأبي بكر ، وفرضنا أنّ أبا بكر كان في شك من شهادة علي ، فهلاّ طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلاّ طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بشاهد ويمين .

راجعوا  صحيح مسلم  في كتاب الأقضية[6] ، و  صحيح أبي داود [7] بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على النبي ، كما في كتاب الخلافة من  كنز العمّال  .

وهنا يقول صاحب  المواقف  وشارحها : لعلّه لم ير الحكم بشاهد ويمين[8]  .

نقول : فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو ، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟

وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء ، وبغضّ النظر عن عصمة علي عليه السّلام ، لو أردنا أن ننظر إلى القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب أن تطبّق عليها القواعد المقررة في كتاب الأقضية .

وأيضاً ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد للزهراء أيضاً أم أيمن ، ورسول اللّه يشهد بأنّها من أهل الجنّة ، كما في ترجمتها من كتاب  الطبقات  لابن سعد وفي  الإصابة  لابن حجر[9] .

ثمّ نقول : سلّمنا ، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين ، وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء سلام اللّه عليها في حياة النبي ، فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟ ! تنزّلنا عن كونها بضعة رسول اللّه ، تنزّلنا عن كونها معصومة ، لا إشكال في أنّها من الصحابة ، وقد كان لأحد الصحابة قضية مشابهة تماماً لقضيّة الزهراء ، وقد رتّب أبو بكر الأثر على قول ذلك الصحابي وصدّقه في دعواه .

هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين وأم أيمن ، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي .

استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية :

أخرج الشيخان عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري : « إنّه لمّا جاء أبا بكر مال البحرين ، وعنده جابر ، قال جابر لأبي بكر : إنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم قال لي : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثم حثوت لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدّم فخذ بعددها » .

فنقول : رسول اللّه ليس في هذا العالم ، ويدّعي جابر أنّ رسول اللّه قد وعده لو أتى مال البحرين لأعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ، وتوفي رسول اللّه وجاء مال البحرين بعد رسول اللّه ، وأبو بكر خليفة رسول اللّه ، ورتّب أبو بكر الأثر على قوله وصدّقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد .

هذه هي القضية ، وتأمّلوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين .

فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري ، كيف يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق كلام صحابي ودعواه على رسول اللّه ، وقد رحل رسول اللّه عن هذا العالم ، ثمّ أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما ادّعاه ، ولم يطلب منه بيّنة ، ولا يميناً ! ! لاحظوا ماذا يقولون ! !

يقول الكرماني في كتابه  الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري  وهو من أشهر شروح البخاري يقول : « وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه ، فلقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم : « من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار » ، فهو وعيد ، ولا يُظنّ بأنّ مثله - مثل جابر - يقدم على هذا »[10].

فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم على هذا الشيء ، ويكذب على رسول اللّه ، بل بالعكس ، تظنّون كونه صادقاً في دعواه ، فهلاّ ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراء - بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما كرّرنا - وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة !

ثمّ لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في  فتح الباري  يقول : « وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو  لو هذه وصلية  جرّ ذلك نفعاً لنفسه[11].

فالحديث يدلّ على قبول خبره ، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحة دعواه ، وهلاّ فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأنّ رسول اللّه نحلني فدكاً ، أعطاني فدكاً ، ملّكني فدكاً ! !

ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري  « قلت : إنّما لم يلتمس شاهداً منه - أي من جابر - لأنّه عدل بالكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) وقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) ، فمثل جابر إنْ لم يكن من خير أُمّة فمن يكون ؟ وأمّا السنّة فلقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم « من كذب عَلَيّ متعمداً . . . » .

لاحظوا بقية كلامه يقول : « ولا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب على رسول اللّه متعمداً »[12].

فكيف نظن بجابر هكذا ؟ فكان يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق جابراً في دعواه ، فلِمَ لم يصدق الزهراء في دعواها ؟ وهل كانت أقل من جابر ؟ ألم تكن من خير أُمّة أُخرجت للناس ؟ أيظن بها أن تتعمّد الكذب على رسول اللّه ؟ وأنت تقول : لا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب متعمّداً على رسول اللّه ؟

أقول : ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصدّيقة الطاهرة سلام اللّه عليها ، بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك ، وفرضها واحداً أو واحدة من الصحابة فقط ؟ ما الفرق ؟ لماذا يعطى جابر ؟ ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة ؟ ولماذا لا يكذَّب جابر بل يصدّق ويترتّب الأثر على قوله بلا بيّنة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟

إذن ، هناك شيء آخر . . . .

إذن ، من وراء القضيّة - قضيّة الزهراء - شيء آخر . . . .

فرجعت فاطمة خائبة إلى بيتها . . . .

ثمّ جاءت مرّةً أخرى لتطالب بفدك وغير فدك من باب الإرث من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، لأنّ فدكاً أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالإجماع ، وكلّ ما يكون كذا فهو ملك لرسول اللّه بالإجماع ، وكلّ ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنّه لوارثه من بعده بالإجماع ، والزهراء أقرب الناس إلى رسول اللّه في الإرث بالإجماع .

هذه مقدمات أربع ، وكلّها مترتبة متسلسلة .

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - واللفظ للأوّل - « إنّ فاطمة عليها السّلام بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول اللّه قال : « لا نورّث ما تركنا صدقة » ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال ، وإنّي واللّه لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول اللّه عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللّه ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللّه . فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبي ستّة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة »[13].

وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الإرث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الأيّام ، وخطبتها سلام اللّه عليها في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدى الأيّام ، وهنا أيضاً نسأل ونتسائل فنقول :

كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول اللّه أعطى فدكاً للزهراء ، هذه الإخبارات والشهادات كلها غير مقبولة ، ويكون خبر أبي بكر وحده في أنّ الأنبياء لا يورّثون مقبولاً ؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضيّة ، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطراباً فاحشاً ، وكان أوجه حلّ للقضيّة أنْ يقال بأنّ الخبر متواتر ، ولم يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر ، وإنّما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة ، وهنا نقاط :

النقطة الأولى : كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول اللّه ؟ ولم ينقله أحد ؟ وحتّى أبو بكر لم يُسمع منه هذا الخبر والإخبار به عن رسول اللّه إلى تلك الساعة ؟

النقطة الثانية : كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتّى ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى أبي بكر يطالبن بسهمهنّ من الإرث ! هلاّ قال لهنّ عثمان - في الأقل - إنّ رسول اللّه قال كذا ؟ ولماذا مشى إلى أبي بكر وبلّغه طلب الزوجات ؟

وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجّلتها ، هذه الكلمة في  تفسيره  يقول : « إنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلاّ فاطمة وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة ، لأنّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يورّث من الرسول ، فكيف يليق بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها ، ولا يبلّغها إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة ؟[14]

النقطة الثالثة : إنّه لو تنزّلنا عن كلّ ذلك ، فإنّ دعوى تواتر الخبر كاذبة ، لأنّهم ينصّون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر ، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجيّة خبر الواحد ، ومثّلوا بهذا الخبر من جملة ما مثّلوا ، وإن كنتم في شك من ذلك فارجعوا إلى :  مختصر  ابن الحاجب[15] ، و  المحصول في علم الأصول[16]  للفخر الرازي ، و  المستصفى في علم الأصول[17]  للغزّالي ، و  الإحكام في أصول الأحكام[18]  للآمدي ، و  كشف الأسرار عن اُصول البزدوي[19] لعبد العزيز البخاري ، وغير هذه الكتب .

مضافاً إلى هذا ، هناك في الأحاديث أيضاً شواهد على انفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا مثلاً :  كتاب كنز العمال [20] .

وحتّى المتكلّمون أيضاً يقرّون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا :  شرح المواقف[21]  ، و  شرح المقاصد[22]  ، بل أقول في :

النقطة الرابعة : إنّ أبا بكر أيضاً ليس من رواة هذا الحديث ، لا أنّه منفرد به ، بل إنّ هذا الحديث موضوع ، وضعه بعض الناس دفاعاً عن أبي بكر ، وأبو بكر في تلك القضيّة لم يكن عنده جواب ، حتّى بهذا الحديث لم يستدل . بناءً على قول الحافظ عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش : إذ قال : « هذا الحديث باطل ، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان » .

وهو الراوي للقصّة ، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفى سنة 283 والذي ألّف جزئين في مثالب الشيخين قال : سمعت عبدان يقول : قلت لابن خراش : حديث ما تركنا صدقة ؟ قال : باطل ، أتّهم مالك بن أوس بالكذب[23].

فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير ، والذي لأجل هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الحديث ، ولأجل تأليفه جزئين في مثالب الشيخين ، رموه بالرفض ، ومع ذلك كلّ كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال .

لاحظوا كيف يتهجّم عليه الذهبي يقول : هذا واللّه الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه ، فإنّه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة ، وبعد هذا فما انتفع بعلمه  وكأنّ الانتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم ! !  فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى »[24].

هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة ، فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى ! !

فظهر أن هذه القضية - قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت - من جملة القضايا التي أخبر عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وإنّ الفؤاد ليقطر دماً عندما يكتب الإنسان الحرّ الأبي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها ، ولكن اُريد أنْ اُسيطر على أعصابي ، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصّلت إليه ، لتكونوا على بصيرة أو لتزدادوا بصيرة .

المسألة الثانية : إحراق بيتها

وقد ذكرنا أنّ القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث وجزئيّات الأُمور ، وتفاصيل الوقائع ، أتتوقّعون أن ينقل لكم البخاري أنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً أحرقوا دار الزهراء بأيديهما ؟ ! بهذا اللفظ تريدون ؟ ! لقد وجدتم البخاري ومسلماً وغيرهما يحرّفون الأحاديث التي ليس لها من الحسّاسيّة والأهميّة ولا عشر معشار ما لهذه المسألة .

إنّ إحراق بيت الزهراء من الأُمور المسلّمة القطعيّة في أحاديثنا وكتبنا ، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلّفينا ، ومن أنكر هذا أو شكّ فيه أو شكّك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا ، وسيخرج عن دائرة أبناء طائفتنا كائناً من كان .

أمّا في كتب أهل السنّة ، فقد جاءت القضيّة على أشكال ، وأنا قد رتّبت القضايا والروايات والأخبار في المسألة ترتيباً ، حتّى لا يضيع عليكم الأمر ولا يختلط ، وحتّى تكونوا على يقظة ممّا يفعلون في نقل مثل هذه القضايا والحوادث فإنّ القدر الذي ينقلونه أيضاً يتلاعبون به ، أمّا الذي لم ينقلوه ومنعوا عنه وتركوه عمداً ، فذاك أمر آخر . وسأذكر لكم ما يتعلّق بهذه المسألة تحت عناوين :

1 - التهديد بالإحراق :

بعض الأخبار والروايات تقول بأنّ عمر بن الخطّاب قد هدّد بالإحراق ، فكان العنوان الأول التهديد ، وهذا ما تجدونه في كتاب  المصنّف  لابن أبي شيبة ، من مشايخ البخاري المتوفى سنة 235 يروي هذه القضيّة بسنده عن زيد بن أسلم ، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر ، يقول :

حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّه ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللّه ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب ، خرج حتّى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول اللّه ، واللّه ما أحد أحبّ إلينا من أبيك ، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت[25].

وفي  تاريخ الطبري  بسند آخر :

« أتى عمر بن الخطّاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير  هذه نقاط مهمّة حسّاسة لا تفوتنّكم ، في البيت كان طلحة أيضاً ، الزبير كان من أقربائهم ، أمّا طلحة فهو تيميّ  ورجال من المهاجرين فقال : واللّه لأُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتاً سيفه ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه »[26].

وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد .

لكن بعض كبار الحفّاظ منهم لم تسمح له نفسه لأنْ ينقل هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف ، لاحظوا كتاب  الاستيعاب  لابن عبد البر ، فإنّه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزّار بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة ، يرويه عن زيد بن أسلم عن أسلم وفيه : إنّ عمر قال لها : ما أحد أحبّ إلينا بعده منك ، ثمّ قال : ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك ، ولأن يبلغني لأفعلنّ ولأفعلن[27].

نفس الخبر ، بنفس السند ، عن نفس الراوي ، وهذا التصرف ! وأنتم تريدون أنْ ينقلوا لكم إنّه أحرق الدار بالفعل ؟ وأيُّ عاقل يتوقّع من هؤلاء أنْ ينقلوا القضيّة كما وقعت ؟ إنّ من يتوقّع منهم ذلك إمّا جاهل وإمّا يتجاهل ويضحك على نفسه ! !

2 - المجيء بقبس أو بفتيلة :

وهناك عنوان آخر ، وهو « جاء بقبس » أو « جاء بفتيلة » هذا أيضاً أنقل لكم بعض مصادره :

روى البلاذري المتوفى سنة 224 في  أنساب الأشراف  بسنده : « إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقّته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا بن الخطّاب ، أتراك محرّقاً عَلَيّ بابي ؟ ! قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك »[28].

وفي  العقد الفريد  لابن عبد ربّه المتوفى سنة 328 : « وأمّا علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر  ولم يكن عمر هو الذي بادر ، بَعَثَ أبو بكر عمر بن الخطّاب  ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إنْ أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أنْ يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا بن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمّة »[29].

أقول : وقارنوا بين النصوص بتأمّل لتروا الفوارق والتصرّفات .

وروى أبو الفداء المؤرخ المتوفى سنة 732 في  المختصر في أخبار البشر  الخبر إلى : وإنْ أبوا فقاتلهم ، ثمّ قال : « فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار »[30].

3 - إحضار الحَطَب ليحرّق الدار

وهذا هو العنوان الثالث ، ففي رواية بعض المؤرخين : أحضر

الحَطَب ليحرّق عليهم الدار ، وهذا في تاريخ المسعودي  مروج الذهب  وعنه ابن أبي الحديد في  شرح النهج  عن عروة بن الزبير ، أنّه كان يعذر أخاه عبد اللّه في حصر بني هاشم في الشِعب ، وجمعه الحطب ليحرّقهم ، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبد اللّه ابن الزبير : بأنّ عمر أحضر الحطب ليحرّق الدار على من تخلّف عن البيعة لأبي بكر[31].

« أحضر الحطب » هذا ما يقوله عروة بن الزبير ، وأولئك يقولون « جاء بشيء من نار » فالحطب حاضر ، والنار أيضاً جاء بها ، أتريدون أنْ يصرّحوا بأنّه وضع النار على الحطب ، يعني إذا لم يصرّحوا بهذه الكلمة ولن يصرّحوا ! نبقى في شك أو نشكّك في هذا الخبر ، الخبر الذي قطع به أئمّتنا ، وأجمع عليه علماؤنا وطائفتنا ؟ ! !

4 - المجيء للإحراق :

وهذه عبارة أخرى : إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرّقه أو ليحْرقه .

وبهذه العبارة تجدون الخبر في كتاب  روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر  لابن الشحنة المؤرخ المتوفى سنة 882 ، وكتابه مطبوع على هامش بعض طبعات الكامل لابن الأثير - وهو تاريخ معتبر - يقول : « إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرّقه على من فيه ، فلقيته فاطمة فقال : أُدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة » .

هذا ، وفي كتاب لصاحب الغارات إبراهيم بن محمد الثقفي ، في  أخبار السقيفة  ، يروي عن أحمد بن عمرو البجلي ، عن أحمد بن حبيب العامري ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد ( عليهما السّلام ) قال : « واللّه ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته » .

كتاب السقيفة لهذا المحدّث الكبير لم يصلنا ، ولكن نقل هذا المقطع عن كتابه المذكور : الشريف المرتضى في كتاب  الشافي في الإمامة[32].

وعندما نراجع ترجمة هذا الشخص - إبراهيم بن محمّد الثقفي المتوفى سنة 280 أو 283 نرى من مؤلّفاته كتاب السقيفة وكتاب المثالب ، ولم يصلنا هذان الكتابان ، وقد ترجم له علماء السنّة ولم يجرحوه بجرح أبداً ، غاية ما هناك قالوا : رافضي .

نعم ، هو رافضي ، ألّف كتاب السقيفة وألّف كتاب المثالب ، ونقل مثل هذه الأخبار ، روى مسنداً عن الصادق أبي جعفر بن محمّد : واللّه ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته .

وممّا يدلّ على صحّة روايات هذا الشخص - إبراهيم بن محمد الثقفي - ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قال : لمّا صنّف كتاب المناقب والمثالب أشار عليه أهل الكوفة أن يخفيه ولا يظهره ، فقال : أيّ البلاد أبعد عن التشيّع ؟ فقالوا له : إصفهان - إصفهان ذاك الوقت - ، فحلف أنْ يخفيه ولا يحدّث به إلاّ في إصفهان ثقةً منه بصحة ما أخرجه فيه ، فتحوّل إلى الإصفهان وحدّث به فيها[33].

وذكره أبو نعيم الأصبهاني في  أخبار إصبهان  .

في هذه الرواية : « واللّه ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته » ، وأولئك كانوا يتجنبون التصريح بهذه الكلمة ، صرّحوا « بالحطب » صرّحوا « بالنار » صرّحوا « بالقبس » صرّحوا « بالفتيلة » صرّحوا بكذا وكذا ، إلاّ أنّهم يتجنّبون التصريح بكلمة إنّه وضع النار على الحطب ، وتريدون أنْ يصرّحوا بهذه الكلمة ؟ أما كانوا عقلاء ؟ أما كانوا يريدون أنْ يبقوا أحياء ؟ إنّ ظروفهم ما كانت تسمح لهم لأنْ يرووا أكثر من هذا ، ومن جهة أخرى ، كانوا يعلمون بأنّ القرّاء لكتبهم والذين تبلغهم رواياتهم سوف يفهمون من هذا الذي يقولون أكثر ممّا يقولون ، ويستشمّون من هذا الذي يذكرون الأُمور الأخرى التي لا يذكرون ، أتريدون أنْ يقولوا بأنّ ذلك وقع بالفعل ويصرّحوا به تمام التصريح ، حتّى إذا لم تجدوا التصريح الصريح والتنصيص الكامل تشكّون أو تشكّكون ، أنّ هذا واللّه لعجيب !

المسألة الثالثة : إسقاط جنينها

وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدّاً ، يعرف ذلك كلّ من

يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم .

لقد نصّت رواياتهم على أنّه كان لعلي عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام ثلاثة ذكور : حسن ، وحسين ، ومحسن أو محسِّن أو محسَّن ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قد سمّى هؤلاء بهذه الأسامي تشبيهاً بأسماء أولاد هارون : شَبَر شُبير ومشبّر ، وهذا موجود في :  مسند أحمد[34]  ، وفي  المستدرك  وقد صحّحه الحاكم[35] ، والذهبي أيضاً صحّحه[36] ، وموجود في مصادر أُخرى[37].

فيبقى السؤال : هل كان لعلي ولد بهذا الاسم أو لا ؟ قالوا : كان له ولد بهذا الاسم . . . فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثمّ يختلفون ، أتريدون أن يصرّحوا تصريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟ ! إنّه في القضايا الجزئيّة البسيطة يتلاعبون بالأخبار والأحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث ، وسنرى في المباحث الآتية ، وفي مثل هذه القضيّة تتوقّعون أن يصرّحوا ؟ نعم ، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا ، وتحمّلوا ما تحمّلوا .

أحدهم : ابن أبي دارم المتوفى سنة 352 :

قال الذهبي بترجمته : الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمّد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي  أصبح شيعياً ! !  محدِّث الكوفة ، حدّث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابن مردويه ، ويحيى بن إبراهيم المزكِّي ، وأبو الحسن ابن الحمّامي ، والقاضي أبو بكر الجيلي ، وآخرون . كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة ، إلاّ أنّه يترفّض  لماذا يترفّض ؟  قد ألّف في الحطّ على بعض الصحابة »[38].

لا يقول أكثر من هذا : ألّف في الحطّ على بعض الصحابة ، فهو إذنْ يترفّض .

ولو راجعتم كتابه الآخر  ميزان الإعتدال  فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له ، وينقل عن الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي[39] فيقول : قال محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي - بعد أن أرّخ موته - كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن[40].

كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، لكنّه في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، فهو - إذن - خارج عن الإستقامة ! !

أتذكّر أنّ أحد الصحابة وهو عمران بن حصين - هذا الرجل كان من كبار الصحابة ، يثنون عليه غاية الثناء ، ويكتبون بترجمته إنّ الملائكة كانت تحدّثه ، لعظمة قدره وجلالة شأنه[41] - هذا الشخص عندما دنا أجله ، أرسل إلى أحد أصحابه ، وحدّثه عن رسول اللّه بمتعة الحج - التي حرّمها عمر بن الخطّاب وأنكر عليه تحريمها - ثمّ شرط عليه أنّه إنْ عاش فلا ينقل ما حدّثه به ، وإنْ مات فليحدّث[42].

نعم ، كان هذا الرجل ( ابن أبي دارم ) مستقيم الأمر عامّة دهره ، اقتضت ظروفه أن لا ينقل مثل هذه القضايا ، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره ! ! ثمّ في آخر أيّامه عندما دنا أجله وقرب موته ، حينئذ ، جعل يُقرأ له المثالب واتفق أنْ دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلاً يقرأ له هذا الخبر « إنّ عمر رفس فاطمة . . . » ، فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً ، وذلك في أواخر حياته ، حتّى إذا مات ، أو حتّى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب ، فقد عاش في هذه الدنيا وعمّر عمره .

ورجل آخر هو : النظّام ، إبراهيم بن سيّار النظّام ا لمعتزلي المتوفى سنة 231 .

هذا أيضاً ينصّ على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها ، وهذا الرجل كان رجلاً جليلاً ، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون ، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلامية تذكر في الكتب ، وربّما خالف فيها المشهور بين العلماء ، وكانت أقواله شاذّة ، إلاّ أنّه من كبار العلماء ، ذكروا عنه أنّه كان يقول : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح عمر : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين .

وممّن نقل عنه هذا : الشهرستاني في  الملل والنحل  ، والصّفدي في  الوافي بالوفيات[43]  ، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين .

وممّن عثرنا عليه : ابن قتيبة صاحب كتاب  المعارف  ، لكن لا تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة فالكتاب محرّف .

ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ينقل عن كتاب المعارف قوله : إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي[44].

أمّا في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق ! ! فلفظه : أمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير[45].

وتجدون في كتاب  تذكرة الخواص  للبسط ابن الجوزي أنه يقول : مات طفلاً[46].

لكن البعض الآخر منهم - وهو الحافظ محمد بن محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين ، وله كتب ، منها  نُزل الأبرار فيما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار  يقول بأنّه مات صغيراً[47].

وعندما نراجع ابن أبي الحديد ، نراه ينقل عن شيخه - حيث حدّثه قضية هبّار بن الأسود ، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر ، وأنّ هذا الرجل روّع زينب بنت رسول اللّه فألقت ما في بطنها - قال شيخه : لمّا ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول اللّه دم هبّار لأنّه روّع زينب فألقت ما في بطنها ، فكان لا بدّ أنّه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها ، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك .

هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد .

فيقول له ابن أبي الحديد : أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أنّ فاطمة رُوّعت فألقت محسناً ؟ فقال : لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه[48].

نعم لا يروون ، وإذا رووا يحرّفون ، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتّهمون .

المسألة الرابعة : كشف بيتها

وكشف القوم بيت فاطمة الزهراء ، وهجموا على دارها ، وهذا من الأمور المسلّمة التي لا يشكّ ولا يشكّك فيها أحد حتّى ابن تيميّة ، ولو أنّ أحداً شكّ ، فيكون حاله أسوأ من حال ابن تيميّة ، فكيف لو كان يدّعي التشيّع أو يدّعي كونه من ذريّة رسول اللّه وفاطمة الزهراء ؟

ورووا عن أبي بكر أنّه قال قبيل وفاته : « إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول اللّه » .

وهذا حديث مهم جدّاً ، والقدر الذي نحتاج إليه آلان :

أوّلاً : قوله : وودت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب .

ثانياً : قوله : وددت أني كنت سألت رسول اللّه لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد .

أترونه صادقاً في تمنّيه هذا ؟ ألم يكن ممّن بايع يوم الغدير وغير يوم الغدير من المواقف والمشاهد ؟

وتجد هذا الخبر - خبر تمنّيه هذه الأُمور - في :  تاريخ الطبري  ، وفي  العقد الفريد  لابن عبد ربّه ، وفي  الأموال  لأبي عبيد القاسم بن سلاّم المحدّث الحافظ الكبير الإمام ، وفي  مروج الذهب  للمسعودي ، وفي  الإمامة والسياسة  لابن قتيبة[49].

ولكن هنا أيضاً يوجد تحريف ، فراجعوا كتاب الأموال ، فقد جاء فيه بدل قوله : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة ، هذه الجملة : وددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا .

يحذفون الكلام ويضعون بدله كلمة : كذا وكذا ! !

أتريدون أنْ ينقلوا الحقائق على ما هي عليه ؟ وممّن تريدون هذا ؟ وممّن تتوقّعون ؟ .

أمّا ابن تيميّة ، فلا ينكر أصل القضيّة ، ولا ينكر تمنّي أبي بكر ، وإنّما يبرّر ! ! لاحظوا تبريره هذه المرّة يقول :

« إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال اللّه الذي يقسمه ليعطيه للمسلمين ! ! »

وكذلك يفعلون ! !

وكذلك يقولون ! !

ذكرنا مسألة فدك ، وإحراق البيت ، وإسقاط الجنين ، وكشف البيت وهجومهم على البيت بلا إذن وأنّهم فعلوا ما فعلوا ! !

قضايا أُخَر

وبقيت أمور أتعرّض لها باختصار :

الأمر الأوّل :

إنّ فاطمة سلام اللّه عليها ماتت ولم تبايع أبا بكر ، ماتت وهي واجدة على أبي بكر ، وهذا موجود في الصحاح وغيرها ، وقد قرأنا نصّ الحديث عن عائشة .

أترون أنّها ماتت بلا إمام ؟ ماتت ولم تعرف إمام زمانها ؟ ماتت ميتة جاهلية وهي التي فضّلوها على أبي بكر وعمر ؟ وهي التي قالوا : بأنّ إيذاءها كفر ومحرّم ؟ ماتت بغير إمام ميتةً جاهلية ؟ أيقولها أحد ؟ فمن كان إمامها ؟

الأمر الثاني :

إنّ عليّاً عليه السّلام لم يؤذن أبا بكر بموت الزهراء ، ولم يخبره بأمرها ، ولم يحضر لا هو ولا غيره للصلاة عليها .

وأنتم تعلمون أنّ الصلاة على الميّت في تلك العصور كانت من شؤون الخليفة ، ومع وجود الخليفة أو أمير المدينة لا يحقّ لأحد أنْ يتقدّم للصلاة على ميّت إلاّ بإذن خاص ، ولذا لمّا دفنوا عبد اللّه بن مسعود بلا إذن وبلا إخبار من عثمان ، أرسل عثمان إلى عمّار بن ياسر وضرب عمّار لهذا السبب ، وله نظائر كثيرة .

فكان عدم إخباره أبا بكر للحضور للصلاة رمزاً وعلامةً لرفض إمامته وخلافته .

ولكن القوم يعلمون بأنّ عدم صلاة أبي بكر على الزهراء دليل على عدم إمامته ، فوضعوا حديثاً بأنّ عليّاً أرسل إلى أبي بكر ، فجاء أبو بكر وجاء معه عمر وعدّة من الأصحاب وصلّوا على الزهراء ، واقتدى علي بأبي بكر في تلك الصلاة ، وكبّر أبو بكر أربعاً في تلك الصلاة ! ! لاحظوا الكذب ! ! أنقل لكم هذا النص :

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة عبد اللّه بن محمّد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي : أحد الضعفاء ،  هذا الشخص أحد الضعفاء  أتى عن مالك  مالك بن أنس  بمصائب منها :

عن جعفر بن محمّد يرويه عن أبيه الباقر عن جدّه قال : توفّيت فاطمة ليلاً ، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة ، فقال أبو بكر لعلي : تقدّم فصلِّ ، قال لا ، لا واللّه لا تقدّمت وأنت خليفة رسول اللّه ، فتقدّم أبو بكر وكبّر أربعاً[50].

وهذا من مصائب أُمّتنا ، أنْ لا تنقل القضايا كما هي ، وتوضع في مقابلها موضوعات يتقوّلون على أهل البيت ويضعون الأخبار عن أهل البيت أنفسهم ! وكم له من نظير ، ولي مذكّرات في هذا الباب ، أَنّهم كثيراً مّا يضعون الأشياء عن لسان أهل البيت ، عن لسان أمير المؤمنين وأبنائه ، وعن لسان ولده محمد بن الحنفيّة ينقلون كثيراً من الأشياء .

الأمر الثالث :

وكان دفنها ليلاً بوصية منها ، لتبقى مظلوميّتها على مدى التاريخ ، وخطاب أمير المؤمنين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق ، وحقيق على كّل مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لأمير المؤمنين عند دفن الزهراء سلام اللّه عليها .

يقول ابن تيميّة في مقام الجواب : كثير من الناس دفنوا ليلاً .

ولكن فاطمة أوصت أن تغسّل ليلاً وأن تدفن ليلاً ، وأنْ لا يخبر أحد ممّن آذاها .

 

[1] الدرّ المنثور 4 / 177 ، مجمع الزوائد 7 / 49 ، مسند أبي يعلى 2 / 334 ، شرح نهج البلاغة 16 / 268 ، كنز العمّال 3 / 767 .

[2] منهاج السنّة 7 / 13 .

[3] الصواعق المحرقة : 37 .

[4] شرح المواقف في علم الكلام 8 / 356 .

[5] أنظر : جامع الأصول 10 / 198 .

[6] صحيح مسلم 5 / 128 .

[7] سنن أبي داود 2 / 169 .

[8] شرح المواقف 8 / 356 .

[9] الطبقات الكبرى 2 / 248 ، الإصابة في معرفة الصحابة 8 / 264 .

[10] الكواكب الدراري في شرح البخاري 10 / 125 .

[11] فتح الباري 4 / 389 .

[12] عمدة القاري 12 / 171 .

[13] صحيح البخاري 4 / 42 ، 209 و 5 / 82 و 8 / 503 صحيح مسلم 5 / 153 - كتاب الجهاد والسير .

[14] التفسير الكبير 9 / 210 .

[15] المختصر في علم الأصول 1 / 161 بشرح العضد .

[16] المحصول في علم الأصول 3 / 86 .

[17] المستصفى من علم الأصول : 249 .

[18] الإحكام في أصول الأحكام 2 / 66 و 323 .

[19] كشف الأسرار عن اُصول البزدوي 2 / 374 .

[20] كنز العمّال 5 / 604 ، 623 ، 625 و 7 / 242 .

[21] شرح المواقف 8 / 355 .

[22] شرح المقاصد 5 / 278 .

[23] الكامل في ضعفاء الرجال 4 / 322 .

[24] تذكرة الحفّاظ 2 / 684 ، وأنظر : سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، ميزان الإعتدال 2 / 600

[25] المصنّف 8 / 572 .

[26] تاريخ الطبري 2 / 433 .

[27] الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 975 .

[28] أنساب الأشراف 2 / 268 .

[29] العقد الفريد 5 / 13 .

[30] المختصر في أخبار البشر 1 / 156 .

[31] مروج الذهب 3 / 77 ، شرح ابن أبي الحديد 20 / 147 .

[32] الشافي في الإمامة 3 / 241 .

[33] لسان الميزان 1 / 102 .

[34] مسند أحمد 1 / 98 و 118 .

[35] المستدرك على الصحيحين 3 / 165 .

[36] المستدرك على الصحيحين . ذيله .

[37] مجمع الزوائد 4 / 59 ، المعجم الكبير 3 / 39 ، لسان العرب 4 / 393 ، تاج العروس 3 / 289 ، كنز العمال 13 / 659 ، تاريخ مدينة دمشق 45 / 304 ، البداية والنهاية 7 / 53 .

[38] سير أعلام النبلاء 15 / 576 .

[39] سير أعلام النبلاء 14 / 309 .

[40] ميزان الإعتدال 1 / 139 ، سير أعلام النبلاء 15 / 578 .

[41] الإصابة 4 / 585 .

[42] نصّ الخبر : عن مطرف قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه ، فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ اللّه أنْ ينفعك بها بعدي ، فإنْ عشت فاكتم عَلَيّ وإنْ متُّ فحدّث بها إنْ شئت ، إنّه قد سُلّم علي ، واعلم أنْ نبي اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد جمع بين حج وعمرة ، ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه ، ولم ينه عنها نبي اللّه ، فقال رجل برأيه فيها ما شاء . راجع باب جواز التمتّع من الصحيحين ، وهو في مسند أحمد 4 / 434 .

[43] الملل والنحل 1 / 57 ، الوافي بالوفيات 6 / 15 .

[44] مناقب آل أبي طالب 3 / 133 .

[45] المعارف : 211 .

[46] تذكرة الخواص : 57 .

[47] نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار : 74 .

[48] شرح نهج البلاغة 14 / 193 .

[49] كتاب الأموال : 144 ، الإمامة والسياسة 1 / 36 ، تاريخ الطبري 2 / 619 ، العقد الفريد 5 / 21 - 22 ، مروج الذهب 2 / 301 .

[50] ميزان الإعتدال 2 / 488 ، لسان الميزان 3 / 334 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.