أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-10-2016
938
التاريخ: 19-10-2016
621
التاريخ: 19-10-2016
974
التاريخ: 19-10-2016
803
|
الدكتور مصطفى أحمد كناكر، نقلا عن موقع:
http://www.kanaker.com/fainal/arabic/02/06.htm
العولمة كلمة غير قديمة، لهذا لا نجد لها تعريفاً في قواميس اللغة أو السياسة أو الاقتصاد، "ولذلك عندما تطرح فكرة العولمة لا يقصد بها مفهوم مجرد فقط، بل يُلتفت إلى عملياتها الأساسية، وهي: المنافسة بين القوى العظمى، والابتكار التكنولوجي، وانتشار عولمة الإنتاج والتبادل الاقتصادي والتحديث.
وفي الحقيقة إن مفهوم العولمة يعيدنا إلى العالَم، أي الكون، وليس إلى العلم، لذلك أطلق بعضهم عبارات تدل عليها: كالنظام العالمي الجديد، والإمبراطورية الجديدة، والقرية الكونية، وكل ذلك يعني شمول هذا التعبير للأمور الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية والاجتماعية، بل وحتى التقاليد والأعراف...
وعلى كل فالعولمة نظام جديد، أو ظاهرة جديدة، فرضها الواقع في أواخر القرن العشرين، لذلك فليست المشكلة في تعريف العولمة، إنما المشكلة في دراسة أهدافها وبدائلها وتحدياتها وكيفية نشوئها، وهل تلغي الهوية الوطنية؟ وهل تؤثر على الأمور القومية؟." (محمد عمر الحاجي، العولمة أم عالمية الشريعة الإسلامية، دمشق، دار المكتبي، ط1، 1420هـ/1999م، ص16 و 19).
والعولمة ترادفها أيضاً كلمة الكوكبة، وهي تعني أيضاً جعل نطاق الشيء وتطبيقه عالمياً. "ولكن هذا المفهوم الموحي بالبراءة لا يلبث أن يكشف عن مخاطر كبيرة تقف وراءها قوى شرسة، ترفع مصالحها فوق كل اعتبار، وتنظر إلى العالم كله على أنه مساحة مفتوحة، أو ينبغي أن تكون مفتوحة أمامها، وتستخدم القوة لفرض تلك المصالح، وما يرافقها ويتمخض عنها من تهديد على الآخرين، ولحماية ما تسفر عنه مما يحقق أهدافها، وهي بذلك تضفي هيمنتها الشاملة على عصرنا الحاضر." (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، دمشق، العددان (4-5)، شتاء 1998/1999م، ص216).
ومن أبرز أنواع العولمة نوعان هما:
1_ عولمة الإعلام والثقافة والاتصالات: "وهي تهدف إلى التعظيم المتسارع والمستمر في قدرات وسائل الإعلام على تجاوز الحدود بين الدول، والتأثير في المتلقين الذين ينتمون إلى ثقافات متباينة، وذلك لدعم عملية توحيد ودمج أسواق العالم من ناحية، وتحقيق مكاسب للأطراف المهيمنة على صناعة الإعلام والاتصال من ناحية ثانية." (محمد عمر الحاجي، العولمة أم عالمية الشريعة الإسلامية، (مرجع سابق)، ص20).
2_ عولمة الاقتصاد: لها فوائدها ومضارها، فمن فوائدها أنها تخلق مكاسب جديدة في الرفاهية والتقدم، وتخلق أيضاً المنافسة والسعي نحو تحقيق الجودة في العمل والإنتاج، إلا أن من أضرارها الكبيرة أيضاً أنها تهمِّش الدول النامية، وتزيدها فقراً على فقر، وفساداً فوق فسادها الداخلي، والاتجاهات الراهنة لعملية العولمة تشير بشكل واضح أن هذه الظاهرة ليست في صالح الدول النامية، التي ستصير سوقاً استهلاكية للدول المتقدمة. (انظر: محمد عمر الحاجي، العولمة أم عالمية الشريعة الإسلامية، (مرجع سابق)، ص25- 26).
ويرى كثير من الباحثين أن العولمة الاقتصادية شر كلها،
وتجب مواجهتها، لأن "النظام العالمي الجديد بصفة عامة، والنظام الاقتصادي العالمي الجديد بصفة خاصة، نظم تقوم على رعاية الدول المتقدمة لتزداد غنى وسيطرة على حساب الدول النامية أو الفقيرة لتزداد فقراً، فهي نظم الأغنياء، فيها منتديات اقتصادية للسيطرة على الفقراء وإذلالهم تحت وطأة الحاجات الأصلية لعيش الإنسان. وهذه النظم ظاهرها فيه التعاون، وباطنها الاستغلال والاحتكار وأكل أموال الشعوب بالباطل.
ويجب أن نقر أن نظام العولمة الاقتصادية شر يجب الجهاد والتضحية للتقليل من خسائره، فإثمه أكبر من نفعه، ولا يظن أولئك أن هناك علاقة أخوة وحب ومودة وتكامل وتضامن بين الدول التي تسيطر على النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وبين الدول الفقيرة مثل اليمن وفلسطين وبنجلاديش والعراق وليبيا والسودان ومصر ولبنان.. بل الحقد والكراهية والتربص والاستغلال ومحاولة الإذلال" (نعمات أحمد، كيف يواجه العالم الإسلامي أخطار العولمة الاقتصادية، مجلة الاقتصاد الإسلامي، دبي، 1998م، العدد (209)، ص25)، هي الحقيقة، التي أضحت ظاهرة لكل مطلع ومشاهد.
ويشير واقع وكالات الإعلان الأمريكية إلى الهدف الاستعماري للعولمة، "فالأسواق العالمية هي حكر لعدد من وكالات الإعلان الأمريكية التي يبلغ عددها (22) وكالة إعلان من مجموع (25) وكالة دولية.
وهناك (71) دولة من (91) دولة نامية تعتمد إذاعاتها على الإعلانات، كما أن الوكالات الأمريكية تسيطر على ثلثي الشركات الإعلامية في (46) دولة نامية .
ويمكن القول إن هذه الوكالات في اختراقها للدول ومؤسساتها الإعلامية لا تقوم بخلق نموذج ثقافي استهلاكي عالمـي فقط، وإنما تتحدد مخاطرها في تهديدها للثقافات القومية، وقتل التنمية في هذه البلدان النامية." (ياس البياتي، احتلال العقول، د.م، دار الحكمة، 1991م، ص144).
والعولمة ليست لمصلحة الشعوب المتقدمة أيضاً، بل هي لمصلحة فئة مسيطرة فيه، فنحن رأينا المظاهرات في لندن وكوريا وروسيا وغيرهم من دول العالم المتقدمة ضد هذا النظام العالمي الجديد، في عيد العمال العالمي، في: 1/أيار/2001م، وكذلك في عام 2002م، فقد خرج ملايين العمال يطالبون بنظام جديد ينظر إلى مصلحة العامل والفقير.
وهكذا نرى "أن العولمة ليست من أجل مصلحة شعوب العالم بقدر ما هي وسيلة لتحقيق مصالح الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية... وأن هذه القوى لا تنظر إلى الآخرين إلا من خلال استمرارية مصالحها وهيمنتها عليهم.
ويرون أيضاً أن مسألة العولمة لا تنحصر فقط على تعميم النموذج الغربي على العالم، بل هدفها الرئيس تشكيك أمم الحضارات العريقة في حضاراتها ونفسها وعقائدها، وتغريب إنسانها في أفكاره ومناهج تعليمه، بل في طراز عمارته وأسلوب حياته.. بل في طعامه وشرابه عن طريق انتشار مطاعمها وألوان الطعام الخاصة بها.
وتتساءل المفكرة والكاتبة (نعمات أحمد): كيف يقنعنا الغرب برغبته في التعاون والتكامل معنا من خلال ما يطرحه علينا من أفكار وفلسفات ونظم، وهو يترصد للإسلام ويتهجم عليه، ويلصق به تهم الإرهاب والتطرف؟ كيف نتعامل مع هؤلاء ونقتنع بما يعرضونه علينا، وهم يمولون ويدفعون لكل من يثير القلق، وينفذ عمليات الإرهاب داخل أقطارنا العربية والإسلامية؟ كيف نقتنع بحسن نواياهـم، وهم يشجعون إسرائيل على العدوان واغتصاب الحقوق والاستهانة بالعرب وحقوقهم في استرداد أراضيهم المغتصبة؟." (نعمات أحمد، كيف يواجه العالم الإسلامي أخطار العولمة الاقتصادية، مجلة الاقتصاد الإسلامي، (مرجع سابق)، العدد (209)، ص23).
ويحدد بعض الخبراء معنى العولمة بشكل أدق، ويرى أنها تعني الأمركة، "فالأمريكي (توم فريدمان) يقول: (نحن أمام معارك سياسية وحضارية فظيعة، العولمة هي الأمركة، والولايات المتحدة الأمريكية قوة مجنونة، نحن قوة ثورية خطيرة، وأولئك الذين يخشوننا على حق، إن صندوق النقد الدولي قطة أليفة بالمقارنة مع العولمة، في الماضي كان الكبير يأكل الصغير، أما الآن فالسريع يأكل البطيء).
وهذا القول لا يقدّم إلا بعض الحقيقة، فوراء هذه القوة الخطرة برامج أكثر خطورة، قد يؤدي تحقيق أهدافها في النهاية إلى المس بجوهر الإنسان، ومقومات المناخ من حوله.
والوطن العربي حيال هذه التكتلات الكبيرة والأوضاع الخطيرة الضاغطة، ممزق وضعيف وفقير، يسهل اصطياد أقطاره وإخضاعها، والتحكم بمساحات اقتصاده تحكماً مباشراً، ولاسيما ثرواته الرئيسة كالنفط، ويزيده بعض أهله إفقاراً وضعفاً بضخ الأموال منه، وإيداعها في الغرب خاصة، واستثمارها بما يقوي عدوهم أحياناً." (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، دمشق، العددان (4و5)، شتاء 1998/1999م، ص221).
ويظهر أن الدعوة للعولمة دعوة أمريكية بشكل خالص، تسعى لها وتريد فرضها على العالم، ففي لقاء بين (محاذير محمد) رئيس وزراء ماليزيا، ووزيرة الخارجية الأمريكية، "قال محاذير: على الدول الصغيرة أن تحذر الدخول في العولمة بلا تحوطات. فردت وزيرة الخارجية الأمريكية بضجر واضح: يا سيد محمد إن الدخول في العولمة أمر واقع لا خيار لأحد فيه." (زكريا بشير إمام، في مواجهة العولمة، عَمّان، مكتبة روائع مجدلاوي، ط1، 1420هـ/2000م، ص180).
والرئيس الأمريكي "(جورج بوش الأب) قال بعد حرب الخليج الثانية، في مناخ الاحتفال بالنصر: (إن القرن القادم سوف يشهد انتشار القيم الأمريكية، وأنماط العيش، والسلوك الأمريكي)." (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، (مرجع سابق)، العددان (4و5)، ص223).
وهذا نزوع استعماري واضح، يستهدف ثقافة الآخرين وتاريخهم، وجعلهم تبعاً لهذا الزعيم الوحيد، وهو أمريكا تحت السيطرة اليهودية.
والواقع اليوم يؤكد لنا هذا الكلام، فحرب أمريكا لأفغانستان، من غير جرم مؤكَّد، وحربها على العراق مع اختلاق الأكاذيب والحجج الواهية، وتخطيطها الاستعماري لكثير من الدول الضعيفة مالكة الكنوز الأرضية من نفط وغاز.. وحربها على عدو اختلقته واصطنعته من أوهامها سمتَّه الإرهاب، وقصدت به الإسلام والمسلمين، ليست إلا شواهد على هذا الاستعمار الجديد، تحت اسم جديد هو العولمة.
"لقد لاحظ كثيرون أن النظام العالمي الجديد، والدعوة إلى العولمة التي يبشر بها كأيديولوجية، وهي في الواقع من صنع اليهود بغية السيطرة على العالم التي تحققت لهم في نهاية القرن العشرين بلا جدال.. ولا أدل على ذلك من سيطرتهم الكاملة على الكونغرس الأمريكي وعلى الإدارة الأمريكية، خاصة في عهد الرئيس كلينتون، حيث أكثر من ستة من وزرائه من اليهود الصهاينة الموالين تماماً لإسرائيل، ومنهم وزراء الخارجية والدفاع والأمن القومي، وعدد كبير من السفراء.
[واليوم يقرر رئيس وزراء إسرائيل شارون أن أكبر من خدم اليهود من رؤساء أمريكا هو الرئيس الحالي جورج بوش الابن]
ولقد كشف مدى الهيمنة الكاملة لليهود على الإدارة الأمريكية وعلى مقدرات المجتمع الأمريكي الكاتب (بول فندلي) في كتابه: (Who Dares to Speak) الذي ترجم إلى العربية تحت عنوان: (من يجرؤ على الكلام)، فبيّن بول فندلي كيف أن اليهود يسيطرون على دور النشر بأمريكا سيطرة كاملة.. وكذلك يسيطرون على أسواق العملات والأسهم والبنوك وكبريات الشركات والإعلام والجامعات، وكل شيء تقريباً في صناعة الأفلام في هوليود، ولا تقتصر سيطرتهم على الولايات المتحدة وحدها، بل تعدت ذلك إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا..
إن سيطرة اليهود اليوم على العالم كله كبيرة جداً، وحتى العالم الإسلامي والعربي لم يسلما من تلك السيطرة والهيمنة." (زكريا بشير إمام، في مواجهة العولمة، (مرجع سابق)، ص178).
ويكشف لنا بعض المسؤولين الأمريكيين الأحرار أن في أمريكا اليوم حكومة خفية تدعى حكومة الظل، هي التي تخطط وتنفِّذ، لا يعلم كنهها أكثر السياسيين الأمريكيين.
ولو أردنا أن نفهم هذه اللعبة أكثر، علينا أن نراجع ما ورد في البروتوكولات الصهيونية، وقراءة تخطيطهم للسيطرة على العالم وقيادته.
ورد في "البروتوكول الرابع عشر: عندما نصبح أسياد الأرض لن نسمح بقيام دين غير ديننا.. من أجل ذلك يجب علينا إزالة العقائد، وإذا كانت النتيجة التي وصلنا إليها مؤقتاً قد أسفرت عن خلق الملحدين، فإن هدفنا لن يتأثر بذلك.. بل يكون ذلك مثلاً للأجيال القادمة التي ستستمع إلى دين موسى، هذا الدين الذي فرض علينا مبدؤه الثابت النابه وضع جميع الأمم تحت أقدامنا." (عبد العزيز شرف، الإعلام الإسلامي وتكنولوجيا الاتصال، القاهرة، دار قباء، 1998م، ص128).
فالخطر كبير وعظيم لا محالة، ولكن علينا أن لا نصاب باليأس، فاليأس صفة من صفات الكافرين، وعلينا أن نتسلح بالإيمان واليقين أولاً، وبالعلم والحقائق ثانياً، وأن نبذل جهدنا وجهادنا، فهذه القوة ليست في أكبر حدودها إلا قوة بشرية ضعيفة، يمكن للناس الآخرين الانتصار عليها، وإلحاق الهزيمة بها.
وتضخيم هذا الأمر بحيث يشعر القراء ومتابعو وسائل الإعلام أن القوة الأمريكية بالإدارة اليهودية قوة عظيمة، لا يمكن تخيّلها أو معاداتها أو حتى التفكير في ذلك، وأنها شبح عظيم، أو تنين خارق تستحيل مواجهته بالوسائل البشرية، هذه الفكرة بحدّ ذاتها فكرة صهيونية وحرب نفسية، يهدفون من خلالها إلى بثِّ الخوف والذعر في نفوس الناس، ليسلِّموا لهم، ويستسلموا من غير مقاومة تُذكر.
هذا ما يفكرون به ويخططون له، والله سبحانه يقول: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (سورة الأنفال، الآية: 30)، والذي يبدو لي أن سلاح العولمة الذي يحاربون به اليوم هو نفسه سينقلب عليهم، وسيستخدم ضدّ أمانيهم وأهوائهم، ويحقق عليهم النصر المبين.
فها نحن اليوم أصبحنا نشهد إسلام كثير من الأجانب عن طريق وسائل الإعلام- هذه الوسائل التي هي أدوات أساسية في العولمة- وخصوصاً عبر وسيلة الإنترنت.
والواقع والتاريخ والحقيقة تظهر أن الإسلام دين إلهي لا يمكن أن يقهر، وأنه ما شارك في معركة إلا كان المنتصر، حتى لو انهزم المسلمون.
وهذا ما حدث يوم هجوم التتار على المسلمين، فقتلوا وأفسدوا فساداً عظيماً، لكن هذا الجيش الغالب لم يمض على انتصاره إلا أشهر معدودة حتى دخل في دين المغلوب، وصار جيشاً يدافع عن حمى الإسلام، ويقاتل في سبيله.
بغت أمم التتـار فأعقبتهـا مـن الإيمان عاقبة الأماني
وأصبح عابدو الأصنام قدماً حماة البيت والركن اليماني
فلا خوف على الإسلام، فالله سبحانه حافظ دينه، "ولكن الخوف على المسلمين، وعلى كل من هم في حكم الضعفاء والمستضعفين من بني البشر أن يعوا ما يستهدفهم، وأن يعملوا ليكون لهم ما يدفع عن عقيدتهم [وثقافتهم] غائلة الشر.
ليس المطلوب الهرب من العولمة أو العالم، فالعولمة ليست الشر المطلق الذي لا بد من أن نتجنبه، أو نتلمس نجاة منه، بل إنها مما يمكن أن نواجه تحدياته بإمكانيتنا ووعينا، وهي في بعض جوانبها تحتوي على إيجابيات قد تعود علينا بالنفع، إذا ما أحسنا تفهمها والانتفاع ببعض معطياتها والاستجابة لتحدياتها...
والعولمة تحتاج منا أولاً وقبل كل شيء إلى الفهم العميق لقوانين العالم المعاصر وقواه ومعارفه وأدواته وسبل الأداء الناجح في ميادينه والاستجابة لتحدياته، وليست نجاة العرب والمسلمين والإسلام، بل والعالم كله بالابتعاد عن معطيات العصر وتجنب تحدياته، لأن العصر بكل بساطة وموضوعية يقتحم الباب علينا بقوة، ولن نكون فيه ما لم نشارك في بناء حضارته، ونتحمل مسؤولياتنا فيه بإيجابية تامة، وما لم نتعامل مع معطياته باقتدار ونجاح." (علي عقلة عرسان، العولمة والثقافة، مجلة الفكر السياسي، (مرجع سابق)، العددان (4و5)، ص228).
ويؤيد هذه الفكرة كثير من الباحثين العرب، فنحن لا ينبغي أن نحارب العولمة جملة وتفصيلاً، بل نأخذ خيرها، ونترك شرها، ونطبق معها سياسة الانتقاء.
ولكن واقع العولمة اليوم لا يعني العالمية، بل يعني الأمركة وبسط النفوذ الصهيوني، ومحاربة العرب والمسلمين.. يظهر ذلك في الأخبار اليومية، حيث نرى حربهم على المؤسسات الإسلامية الأهلية، والجمعيات الخيرية، وحجرهم على أموال المسلمين داخل بلادهم، والإساءة السافرة إلى الشخصيات الإسلامية البارزة، وما معاملتهم لحليفتهم تركيا إلا شاهد على هذه العدوانية، والأنانية المفرطة.
فعندما يتحدثون عن فتح الحدود وإزالة الحواجز لا يريدون الخير لهم وللآخرين، بل يقصدون أن يجعلوا بلاد المسلمين سوقاً استهلاكية لمنتجاتهم المادية والفكرية..
ولو كانت العولمة تعني في حقيقتها العالمية، وفتح الحدود وكسر الحواجز بين البشر، لكانت مطلباً هاماً للإسلام، فالإسلام ما خاف يوماً من الانفتاح على الآخرين، بل هذا ما يسعى إليه، فالجهاد الإسلامي يهدف من جملة أهدافه إلى فتح طريق الدعوة، وإزالة العقبات بين الإسلام والعباد، ليُتركوا بعد ذلك أحراراً يختارون الدين الذي يشاؤون.
"فقد انتشر الإسلام من جزيرة العرب إلى كافة أرجاء المعمورة، وأقام حضارة راسخة البنيان... لأنه امتزج بالمدنيّات التي سادها، وتكيف معها تكيفاً لم يلغ أسسه المقدسة،" (إعداد دار طويق للنشر، المسلمون في مواجهة البث المباشر، الرياض، دار طويق للنشر، ط1، 1417هـ/1996م، ص66) ولم يحارب حياة الشعوب وعاداتهم وثقافاتهم، بل أبقى على كل ذلك، وأعطاهم من خيره وهداه ونوره، فصاروا جميعاً إخوة مؤمنين متحابين، يستخدمون اسم بلدهم الذي ولدوا فيه للتعارف ليس إلا، واستطاع الإسلام أن يحقق العالمية، وتكون في صالح البشر جميعاً.
ولو أن المسلمين استطاعوا أن يحولوا العولمة لصالح دعوتهم لقدموا بذلك خدمة عظيمة وجليلة للإسلام، فهذه العالمية تكفي المسلمين عناء الجهاد والقتال، وتحقق لهم إلغاء الحدود الإعلامية، وحينها يمكننا القول أننا أصبحنا في العصر الذهبي للدعوة الإسلامية، وأصبحنا في أجمل الظروف لنشر الإسلام.
فمعركة الإسلام اليوم كبيرة وخطيرة، وصار الإسلام بحاجة إلى من يعيش في سبيل الله أكثر من حاجته إلى من يموت في سبيل الله.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|