أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-8-2016
632
التاريخ: 3-8-2016
669
التاريخ: 25-8-2016
712
التاريخ: 3-8-2016
562
|
اختلفوا في دلالة النهي على فساد المنهي عنه ، على أقوال :
عدم الدلالة مطلقا ، نقله في المحصول عن أكثر الفقهاء (١) ، والآمدي عن أكثر المحققين (٢)
والدلالة مطلقا (٣) ، واختاره ابن الحاجب من العامة (٤) ، والسيد المرتضى منا لكن قال : إن دلالته على الفساد شرعا لا لغة (٥) ، واختاره الشهيد في قواعده (٦) ، والمحقق الشيخ علي في شرح القواعد (٧) ، بشرط عدم رجوع النهي إلى وصف غير لازم.
« واختاره بهذا الشرط الفخر الرازي في المعالم ، ونقله في الوجيز ، عن الشافعي ، ونقله الآمدي عن أكثر أصحاب الشافعي، واختاره هو » (٨).
والقول الثالث : التفصيل ، وهو الدلالة (9) في العبادات ، لا في المعاملات ، وهو مختار المحصول منهم (10) ، والعلامة (11) ، والمحقق (12) ، وكثير من المتأخرين منا (13).
والحق : أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه مطلقا ، فههنا مقامان :
الاول : أن النهي يقتضي فساد ما تعلق به من العبادات.
والدليل عليه : أن المنهي عنه لا يكون مرادا ومطلوبا للمكلف ، والعبادة الصحيحة ـ واجبة أو مندوبة ـ تكون مرادة ومطلوبة للمكلف ، فلا يكون المنهي عنه عبادة صحيحة ، وهو ظاهر.
واعلم أن النهي : قد يرجع إلى نفس العبادة ، كالنهي عن صلاة الحائض.
وقد يرجع إلى جزئها ، كالنهي عن قراءة العزائم في اليومية ، بناءا على جزئية السورة.
وقد يرجع إلى وصف لازم ، كالنهي عن الجهر في الفرائض النهارية.
وقد يرجع إلى (14) أمر مقارن غير لازم ، كالنهي عن قول ( آمين ) بعد الحمد ، وعن التكفير ـ وهو وضع اليمين على الشمال في الصلاة ـ ونحو ذلك.
واقتضاء النهي الفساد في الثلاثة الاول ظاهر ، إذ صحة الكل والملزوم ، مع فساد الجزء واللازم(15) ، ظاهر الفساد.
وأما القسم الاخير : فقد وقع الخلاف فيه بين فقهائنا : فبعضهم يقول : إن النهي عن مثل (16) هذه الامور ، لا يوجب فساد العبادة الواقعة هي فيها ، أو المتصفة بها ، إذ هذه امور خارجة (17) ومغايرة للعبادة ، ولا دليل على استلزام فسادها لفساد العبادة ، والامر يقتضي الاجزاء إجماعا ممن يعتد به.
وبعضهم يقول بفساد العبادة بفسادها ، وكأن الوجه فيه : أنه يفهم من النهي أن عدم المنهي عنه من شرائط تحقق العبادة الشرعية ، ووجوده مانع منه ، فلا يمكن تحقق العبادة مع وجوده.
والحق أن يقال : إن العبادة إذا كانت بحيث قد علم من دليل شرعي جميع أجزائها وشرائطها وموانعها ، ولا يكون هذا المنهي عنه شيئا منها ، فالنهي حينئذ لا يقتضي فساد العبادة المقارنة للمنهي عنه ، لما مر ، وأما مع عدم ذلك فالظاهر أن المنهي عنه من موانع حقيقة العبادة شرعا، إذ جميع أجزاء العبادة وشرائطها وموانعها ، إنما يعلم من الاوامر والنواهي ، فليس لاحد أن يقول : إن النهي إنما يدل على حرمة المنهي عنه ، وهو لا يستلزم فساد العبادة.
كما أنه ليس له أن يقول : إن الامر إنما يدل على وجوب المأمور به في العبادة (18) ، ولا دلالة له (19) على جزئيته للعبادة، أو شرطيته.
ولو صح هذا القول ، لانسد طريق الاستدلال على بطلان الصلاة والصوم وغيرهما ، بترك جل أجزائها وشرائطها كما لا يكاد (20) يخفى.
ثم لا يخفى عليك : أن مانعية المنهي عنه ، إنما هو على تقدير اختصاص النهي بالعبادة ، فلو علم أن النهي عن الشيء في عبادة إنما هو لأجل حرمة ذلك الشيء مطلقا ، كالنهي عن النظر إلى الاجنبية في الصلاة ، فهو لا يقتضي فساد العبادة ، إذ حينئذ معلوم أن المنهي عنه لا ارتباط له بالعبادة في المانعية.
المقام الثاني : أن النهي يقتضي فساد ما تعلق به من المعاملات ، كأقسام البيوع والأنكحة والطلاق وغيرها ، سواء كان النهي يرجع إلى نفس الصيغة ، كلفظ التحليل في النكاح ، والكنايات في الطلاق ، ونحو ذلك ، أو إلى أحد العوضين ، كبيع الميتة والخمر ونكاح المحرمات ، أو إلى وصف لازم ، كبيع الملامسة والمنابذة والربا ونكاح الشغار ونحو ذلك ، ويمكن إدخال كثير من هذه في الاولين.
والدليل على اقتضاء النهي الفساد في هذا القسم ـ من وجهين :
الاول : استدلال العلماء :
فإن علماء الامصار في الاعصار ، لم يزالوا يستدلون على الفساد بالنهي ، في أبواب الربا ، والأنكحة والبيوع وغيرها (21).
وليس الفساد مدلولا للفظ النهي (٢2) ، إذ لا يفهم سلب (23) الاحكام من النهي المتعلق بشيء، ولا تلازم بين التحريم وسلب الاحكام ، إذ لا بعد (24) في أن تكون المصلحة في عدم شيء ، ولكن بعد وجوده تكون المصلحة في ترتب آثاره عليه (25) ، ولهذا حكم شرعا بالتطهير إذا وقعت إزالة النجاسة بالماء المغصوب ، ويترتب على الوطئ في الحيض آثاره من لحوق الولد، ووجوب المهر ، والتحليل للزوج الاول ، ونحو ذلك.
بل الفساد مما يحكم به العقل في المعاملات من ظاهر حال الناهي.
وقد وقع في الروايات ما يدل على اقتضاء النهي الفساد :
روى الشيخ في التهذيب ، في الصحيح : « عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام ، أنه قال : لو لم يحرم على الناس أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لقول الله عز وجل {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } [الأحزاب: 53] ـ حرم على الحسن والحسين عليهما السلام ، لقوله عز وجل : {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22](26).
وروى في الموثق : « عن الحسن بن الجهم ، قال : قال أبو الحسن الرضا عليه السلام : يا أبا محمد ، ما تقول في رجل تزوج بنصرانية على مسلمة؟ قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك؟!
قال : لتقولن ، فإن ذلك يعلم (27) به قولي.
قلت : لا يجوز تزويج النصرانية على المسلمة ، ولا على غير مسلمة.
قال : لم؟ قلت : لقول الله عز وجل : {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221].
قال : فما تقول في هذه الآية : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ؟ فقلت : قوله تعالى : {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} نسخت هذه الآية ، فتبسم ثم سكت » (28).
وروى : « عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : لا ينبغي نكاح أهل الكتاب.
قلت : جعلت فداك ، وأين تحريمه؟ قال : قوله {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } [الممتحنة: 10] (29).
وفي الحسن ـ بإبراهيم بن هاشم ـ : « عن زرارة بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ؟ فقال : هي منسوخة بقوله : {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }» (30).
فإن الامام عليه السلام استدل بالنهي عن التحريم ، ومعلوم أن المراد من التحريم في هذه الصور بطلان النكاح ، كما في قوله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...} [النساء: 23] الآية.
وروى في الحسن ـ به ـ : « عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده؟ فقال : إن ذلك إلى سيده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما.
فقلت : أصلحك الله ، إن الحكم بن عتيبة (31) ، وإبراهيم النخعي ، وأصحابهما ، يقولون : إن أصل النكاح باطل ، فلا تحل إجازة السيد له.
فقال أبو جعفر عليه السلام : إنه لم يعص الله ، إنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز » (32).
وفي حديث آخر عنه أيضا : « فقلت لأبي جعفر عليه السلام فإن أصل النكاح كان عصيانا (33).
فقال أبو جعفر عليه السلام : إنما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص لله ، وإنما عصى سيده ، ولم يعص الله ، إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه » (34).
فإنهما يدلان على فساد النكاح إذا كان معصية لله تعالى.
وفي الحسن : عن « محمد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : من طلق ثلاثا في مجلس على غير طهر ، لم يكن شيئا ، إنما الطلاق : الذي أمر الله عز وجل به ، فمن خالف لم يكن له طلاق » (35).
وجه الدلالة : أن الطلاق إذا كان منهيا عنه كان مخالفا لما أمر الله عز وجل به.
والروايات فيما يدل على المطلوب أكثر من أن تعد وتحصى ، فتدبرها (36).
الثاني : أن لزوم الآثار والاحكام للمعاملات ليس عقليا ، بل هو بمجرد جعل الشارع ، من قبيل الاحكام الوضعية الناقلة عن الاصل ، فلا يحكم به إلا مع العلم ، أو الظن الشرعي ، ومع تعلق النهي بمعاملة لا يحصل العلم ولا الظن بأن الشارع جعل تلك المعاملة المنهي عنها سببا ومعرفا لشيء من الاحكام ، نعم إن علم في معاملة أن الشارع جعلها معرفا لأحكام مخصوصة مطلقا ـ سواء أكانت منهيا عنها لنفسها أو لجزئها أو لوصفها أو لم تكن ـ أمكن الحكم بترتب آثارها عليها مع حرمتها ، بأحد الوجوه المذكورة ، لكن الظاهر أن مثل ذلك ليس واقعا في أحكامنا.
هذا ، ولو رجع النهي في المعاملة إلى أمر مقارن ، كالنهي عن البيع وقت النداء ، فهل يوجب الفساد أو لا؟
والحق فيه ـ أيضا ـ : مثل ما مر في مثله في النهي في العبادات ، بأن يقال ـ مع اختصاص النهي ، وعدم العلم بعدم مانعية المنهي عنه في صحة المعاملة ـ : الظاهر كون المنهي عنه مانعا من ترتب أحكامها عليها ، ويجري فيه الدليل المذكور ، فتأمل.
_______________
١ ـ المحصول : ١ / ٣٤٤.
٢ ـ الاحكام : ٢ / ٤٠٧ ، التمهيد : ٢٩٢.
٣ ـ العدة : ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.
٤ ـ كذا حكى الإسنوي في التمهيد : ٢٩٢ ، ولكن ابن الحاجب قد فصل بين النهي عن الشيء لعينه فيدل على الفساد شرعا لا لغة ، وبين النهي عن الشيء لوصفه. وحكم في هذه الصورة بالفساد مطلقا : المنتهى : ١٠٠ ـ ١٠١ ، وشرح العضد على المختصر : ١ / ٢٠٩ ( المتن ).
٥ ـ الذريعة : ١ / ١٨٠.
٦ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٩٩ قاعدة ٥٧.
٧ ـ المسمى ب : جامع المقاصد : ٢ / ١١٦.
٨ ـ ما بين القوسين نص عبارة الإسنوي في التمهيد : ٢٩٣.
9 ـ زاد في ط كلمة ( مطلقا ) في هذا الموضع.
10 ـ المحصول : ١ / ٣٤٤.
11 ـ تهذيب الوصول : ٣٣.
12 ـ معارج الاصول : ٧٧.
13 ـ معالم الدين : ٩٦.
14 ـ زاد في ب في هذا الموضع كلمة : وصف.
15 ـ حرف العطف ساقط من أ وب.
16 ـ كذا في أ و ب ، وفي الاصل و ط : ان نهي مثل.
17 ـ كذا في أ و ط ، وفي الاصل و ب : خارجية.
18 ـ في الاصل : والعبادة. وما اثبتناه مطابق لسائر النسخ.
19 ـ كلمة ( له ) زيادة من أ.
20 ـ كلمة ( يكاد ) : زيادة من ط.
21 ـ في ب : ونحوها.
2٢ ـ هذا تعريض بالمحقق الحلّي ، والعلامة الحلّي ، والشيخ حسن حيث استدلوا على عدم دلالة النهي على الفساد في هذا القسم بعدم الدلالة اللفظية عليه : معارج الاصول : ٧٧ ، تهذيب الوصول : ٣٤ ، معالم الدين : ٩٦ ـ ٩٧.
23 ـ في أ : سبب.
24 ـ في أ : يبعد.
25 ـ هذا رد على دعوى المحقق الشيخ حسن : معالم الدين : ٩٧.
26 ـ الحديث في : التهذيب : ٧ / ٢٨١ ح ١١٩٠.
27 ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : تعلم.
28 ـ التهذيب : ٧ / ٢٩٧ ح ١٢٤٣.
29 ـ الحديث في : التهذيب : ٧ / ١٩٧ ح ١٢٤٤.
30 ـ التهذيب : ٧ / ٢٩٨ ح ١٢٤٥.
31 ـ في أ : عيينة. وهو تصحيف.
32 ـ التهذيب : ٧ / ٣٥١ ح ١٤٣٢.
33 ـ كذا في النسخ ، وفي المصدر : عاصيا.
34 ـ التهذيب ٧ / ٣٥١ ح ١٤٣١.
35 ـ التهذيب : ٨ / ٤٧ ح ١٤٦.
36 ـ كذا في أ ، وفي سائر النسخ : فليتدبرها.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|