أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-10-2016
1754
التاريخ: 11-10-2016
919
التاريخ: 15-10-2016
1893
التاريخ: 15-10-2016
1806
|
لو أننا في هذا الموضع أوجزنا ذكر الآلات التي صنعها إنسان العصر الحجري القديم، لصورَّنا لأنفسنا صورة عن حياته أوضح مما لو تركنا لخيالنا الحبل على الغارب؛ وطبيعي أن يكون أول الآلات حجرا في قبضة الإنسان، فكم من حيوان كان في مستطاعه أن يعلمّ الإنسان هذه الآلة؛ وإذن فقد أصبحت المدية الحجرية المُدبَبَةُ في أحد طرفِيها، والمستديرة في طرفها الآخر لتلائم قبضة اليد، أصبحت هذه المدية الحجرية للإنسان البدائي مطرقة وفأساً وإزميلاً وكاشطة وسكيناً ومنشاراً؛ إلى يومنا هذا ترى الكلمة "الإنجليزية" التي نستعملها لتدل على المطرقة: "hammer" معناها حجر من حيث أصلها اللغوي ثم حدث على مَرّ الأيام أن تنوعت هذه الآلات في أشكالها حتى بَعُدَت عن أصلها المتجانس، فثقبت الثقوب لتركيب مقبض، وأُدخلت الأسنان لتكون الآلة منشارا، وغرزت فروع في المدية الحجرية لتصبح مغرازا أو سهما أو حربة؛ كما أصبح الحجر الكاشط الذي كان يتخذ شكل القوقعة، مجرافا أو معزاقا؛ وأما الحجر الخشن الملمس فقد جعلوه مِبرَداً، وجعلوا حجر المقلاع أداة للقتال بقيت قائمة حتى اجتاز بها الإنسان عصر المدنيَّة الكلاسيكية ذاتها؛ ولما ظفر إنسان العصر الحجري القديم بالعظم والخشب والعاج إلى جانب الحجر، صنع لنفسه مجموعة منوعة من الأسلحة والآلات: صنع الصاقلات والهاونات والفؤوس والصفائح والكاشطات والمثاقب والمصابيح والمدى والأزاميل والشواطير والحراب والسندانات، وحافرات المعادن والخناجر وأشصاص السمك وحراب الصيد والخوابير والمغازير والمشابك وكثيراً غير هذه بغير شك؛ فكان يَعُثرُ في كل يوم على عِلمٍ جديد، وكان له من قدرته العقلية أحيانا ما يُطوَرُ به مكتشفات المصادفة إلى مخترعات مقصودة.
لكن آيته العظمى هي النار، وفي ذلك أشار "دارون" إلى أن حمم البراكين الحار قد يكون هو الذي علمّ الإنسان ما النار؛ ويقول لنا "أسخيلوس"{تعليق}أسخيلوس مسرحي يوناني قديم، ومن أهم مسرحياته "برومثيوس" الذي علم الإنسان سر النار فعذبه جميع الآلهة لذلك، إذ كان هذا السر من علم الآلهة وحدهم. (المعرب){انتهى} إن "برومثيوس" صنع النار بإشعاله حَطَبةً في فوهة بركان مشتعل على جزيرة "لمنوس" ؛ وبين آثار إنسان النياندرتال قِطَعُّ من الفحم وقطع من العظم المحترق، وإذن فالنار التي صنعها الإنسان تذهب في القِدَم إلى أربعين ألف عام مضت وقد أعد إنسان "كرو- مانيون" لنفسه آنية خاصة تمسك الشحم الذي كان يشعله ليستضيء بضوئه، وإذن فالمصباح كذلك له من العمر هذا الزمن الطويل؛ والراجح أن تكون النار هي التي مكنت الإنسان من اتقاء البرد الناشئ عن الجليد الزاحف؛ وهي التي أتاحت له النوم في الليل آمنا من الحيوان الذي ارتعد لهذه الأعجوبة ارتعاداً يَعدِل عبادة الإنسان البدائي إياها؛ وهي التي قهرت الظلام فكانت أول عامل من العوامل التي حَدَّت من الخوف، والتقليل من خوف الإنسان أحد الخيوط الذهبية في نسيج التاريخ الذي ليست كل خيوطه ذهبا، وهي التي أدت أخيرا إلى صهر المعادن والتحام بعضها في بعض، وهي الخطوة الوحيدة الحقيقية التي تقَدَمها الإنسان في فنون الصناعة من عهد إنسان "كرو- مانيون" إلى عصر الانقلاب الصناعي.
وإننا لنروي لك عجبا- وكأنما نرويه لنوضح قصيدة "جوتييه"{تعليق}شاعر فرنسي عاش في القرن التاسع عشر؛ والقصيدة المشار إليها عنوانها "الفن" وهي مترجمة إلى العربية في الجزء الثالث من قصة الأدب في العالم ص142- 144. (المعرب){انتهى} على الفن الجبار الذي يحيا بعد فناء الأباطرة وزوال الدول- إننا نروي لك عجباً إذ نقول إن أوضح آثار خلفها لنا إنسان العصر الحجري القديم هي قِطَع من فنه؛ فقد حدث منذ ستين عاما أن وقع "السنيور مارسلينو دي سوتولا" Marceleno de Soutuola على كهف واسع في مزرعته في "أَلتَاميرا" في شمال أسبانيا، وكان هذا الكهف قد لبث آلاف الأعوام مقفل الباب كأنه صومعة راهب، أقفلته صخور سقطت عليه وأمدتها الطبيعة بملاط من لدنها حين ربطت بعضها ببعض بأعمدة من رواسب؛ ثم جاء الإنسان فضرب في هذا الموضع بضرباته لينشئ لنفسه جديدا، فإذا به يكشف بضرباته عن مدخل الكهف بطريق المصادفة؛ ومرت بعدئذ ثلاثة أعوام ثم جاء "سوتولا" ليستطلع الكهف فلحظ على جدرانه علامات غريبة؛ وذات يوم صحبته ابنته الصغيرة، ولما لم تكن بذات طول يُلزمها الانحناء كما كانت الحال مع أبيها، فقد صعَّدت بصرها نحو السقف تشهد ما فيه، فرأت تخطيطا غامضاً لبَيزُونٍ ضخم "البيزون هو ثور بريُّ" جميع الرسم ناصع الألوان؛ فلما فُحص السقف وفُحصت الجدران فحصاُ دقيقاً وجدت صور أخرى كثيرة، وفي عام 1880 نشر "سوتولا" تقريراً عن مشاهدته، فقابله علماء الآثار بريبة هي من خصائصهم دائماً؛ وتفضل عليه بعض هؤلاء العلماء بزيارة يفحص فيها تلك الرسوم، وينتهي بها إلى الإعلان بأن الرسوم زائفة خطتَّها يد خادعة؛ ودام هذا الشك- الذي ليس لأحد أن يعترض عليه مدى ثلاثين عاماً؛ ثم اكتُشِفت رسوم أخرى في كهوف يُجمع الرأي على أنها من عهد ما قبل التاريخ "مما فيها من آلات صَوَّانية غير مصقولة وعظم وعاج مصقولين" فأيدت ما كان وصل إليه "سوتولا" من رأي لكن "سوتولا" عندئذ لم يكن على قيد الحياة؛ وجاء الجيولوجيون إلى "ألتاميرا" وأقروا بإجماع أدرك الحقيقة بعد أوانها، أقروا بإجماع أن الرواسب التي كانت تغطي بعض الرسوم إنما ترجع إلى العصر الحجري الأول وأن الرأي السائد الآن هو أن رسوم "ألتاميرا"- والجزء الأكبر من بواقي الفن التي بقيت لنا من عهد ما قبل التاريخ- ترجع إلى الثقافة المجدلية؛ أي إلى عهد يقع نحو سنة 000ر16 ق.م؛ وكذلك وجدت رسوماً أحدث تاريخا من هذه بقليل، لكنها ما زالت من بقايا العصر الحجري القديم، في كهوف كثيرة في فرنسا{تعليق}مثل "كومبارل" و " ليزى ليز" و "فون دى جوتييه" وغيرهما.{انتهى} .
وتمثل الرسوم في معظم الحالات صنوفا من الحيوان- أوعالا وماموث وجياداُ وخنازير ودببة وغيرها؛ وربما كانت هذه الصنوف عن إنسان ذلك العصر طعاما شهيا، ولذلك كانت موضع عنايته في صيده؛ وأحيانا نرى صورة حيوان مطعونا بالسهام، ومن رأى "فريزر" و "ريناخ" Reintach أن أمثال هذه الصور قُصد بها أن تكون رسوما سحرية تأتي بالحيوان في قبضة الفنان أو الصائد، وبالتالي تأتي به إلى معدته ومن الجائز أنها رسوم لم يقصد بها إلا إلى الفن الخالص. دفع إليها الإبداع الفني وما يصاحبه من لذة فنية خالصة؛ ذلك لأن أغلظ الرسوم كان يكفي لتحقيق غايات السحر، على حين ترى هذه الصور في كثير من الحالات قد بلغت من الرقة والقوة والمهارة حداً يوحي إليك بما يحزنك، وهو أن الفن- في هذا الميدان على أقل تقدير- لم يتقدم كثيراً في شوط التاريخ الإنساني الطويل؛ فها هنا الحياة والحركة والفخامة قد عُبّر عنها تعبيراً قوياً أخاذا بخط واحد جريء أو خَطين؛ وهاهنا خَط واحد يصور حيواناً حياً مهاجماً" أم هل تكون سائر الخطوط قد محاها الزمن؟" تُرى هل تبقى صورة "العشاء الأخير" لـ "ليوناردو" Leonardo أو صورة الادعاء للرسام "إلجريكو" El Greco كما بقيت رسوم "كرو- مانيون" فتظهر خطوطها وألوانها بعد عشرين ألف عام؟.
إن التصوير فن مترف، لا يظهر إلا بعد قرون طوال تنقضي في تطور عقلي وفني؛ ولو أخذنا بالنظرية السائدة اليوم "ومن الخطر دائما أن تأخذ بالنظريات السائدة" فالتصوير قد تطور عن صناعة التماثيل، التي بدأت بتماثيل كاملة، ثم تطورت إلى تماثيل بارزة على لوحة منحوتة، وعن هذه جاءت خطوة التصوير بالخطوط والألوان؛ وإذن فالتصوير عبارة عن نحت نقص بعد من أبعاده؛ والخطوة الوسطى من فن ما قبل التاريخ تراها ممثلة خير تمثيل في نحت بارز يدهشك بقوة وضوحه؛ والنحت تمثال لرجل رامٍ بسهم "أو بحربة" وهو منقوش على الصخور الأورجناسيّة "بلوسل" في فرنسا؛ وكَشَفَ "لوي بجوان" Louis Begouen في كهف "بأربيج" في فرنسا- بين آثار مجدلية أخرى عن كثير من المقابض المزخرفة صنعت من قرون الأوعال؛ وأحد هذه المقابض يدل على فن ناضج ممتاز، كأنما كان الفن عندئذ قد اجتاز أجيالا من التدريب والتطور؛ وكذلك ترى في أرجاء البحر الأبيض المتوسط منذ عهد ما قبل التاريخ- في مصر وكريت وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا- صوراً لا عدد لها لنساء سمينات قصيرات تدل إما على عبادة هؤلاء الناس للأمومة، وإما على تصوير الإفريقيين عندئذ للجمال؛ واستخرجت من الأرض في تشكوسلوفاكيا تماثيل حجرية لحصان وحشي ووعل وماموث، وجدت بين آثار ترجع- على سبيل الشك- إلى سنة 30,000ق.م .
ان تفسيرنا لسير التاريخ على أنه سير إلى الأمام، لينهار من أساسه إذ شككنا في أن هذه التماثيل وهذه النقوش البارزة وهذه الصور- على كثرة عددها- قد لا تكون إلا جزءاً صغيراً جداً من الفن الذي عبر به الإنسان البدائي عن نفسه، أو الذي زَيَّنَ به حياته؛ إن ما بقى لنا كله في كهوف، حيث عَزَّ على عوامل المناخ أن تتسلَّل إليها فتفسدها، ولكن ذلك لا يقتضي أن إنسان ما قبل التاريخ لم يكن فناناً إلا حين سكن الكهوف؛ فربما نحتوا في كل مكان كما يفعل اليابانيون، وربما أكثروا صناعة التماثيل مثل اليونان، وربما لم يقتصروا في تصويرهم على صخور الكهوف، بل صوروا كذلك رسومهم على أقمشة وخشب وعلى كل شيء آخر- غير مستثنين أجسامهم؛ ربما أبدعوا في الفن آيات تفوق بكثير هذه القطع التي بقيت لنا؛ ففي أحد الكهوف وجدنا أنبوبة مصنوعة من عظم الوعل وملآنة بمادة ملونة لجلد الإنسان؛ وفي كهف آخر وجدنا لوحة مصور فنان مما يوضع عليه الألوان عند التصوير، وجدناها لا تزال تحمل على سطحها طلاء مَغْرَةِ "تراب حديدي" أحمر، على الرغم من مائتي قرن مضت عليه؛ فالظاهر أن الفنون بلغت درجة عالية من التطور، واتسع نطاقها بين الناس منذ ثمانية عشرة ألف عام؛ فيجوز أن قد كان بين أهل العصر الحجري القديم فنانون محترفون، ويجوز أن قد كان بينهم كذلك همج متأخرين يتضورون جوعا ويسكنون الكهوف الحقيرة، حيث ينكرون الطبقات الغنية من التجار، ويتآمرون على قتل المجاميع العلمية، ويصنعون بأيديهم أشياء وصلت إلينا فأصبحت تُحفَا.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
جامعة كربلاء: مشاريع العتبة العباسية الزراعية أصبحت مشاريع يحتذى بها
|
|
|