أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-29
1063
التاريخ: 15-10-2016
1806
التاريخ:
4417
التاريخ: 15-10-2016
1222
|
كتب لنا الكُتَّابُ عدداً ضخماً من الكتب ليوسّع نطاق علمنا بالإنسان البدائي، ويخفوا معالم جهلنا به، ونحن نترك للعلوم الأخرى ذات الخيال المبدع مهمة وصف الناس في العصرين الحجريين القديم والحديث، ونكتفي هنا بما نحن مَعنِيُّون به، وهو تعقّب الإضافات التي أضافتها الثقافات الحجرية بعصريها القديم والحديث، إلى حياتنا المعاصرة.
إن الصورة التي ينبغي أن نكونّها لأنفسنا بطانةً للقصة التي نرويها، هي صورة أرض تختلف اختلافاً بيّنا عن الأرض التي تحملنا اليوم في حياتنا العابرة؛ هي صورة أرض ربما كانت ترتجف بأنهار الثلج التي كانت تجتاحها حيناً بعد حين، والتي جعلت من المنطقة المعتدلة اليوم منطقة متجمدة مدى آلاف السنين، وكوَّمَت جلاميد من الصخر مثل جبال الهمالايا والألب والبرانس، في طريق هذا المحراث الثلجي الذي كان يشق الأرض في سيره شقاً{تعليق}تحدد النظرية الجيولوجية القائمة الآن تاريخ عصر الجليد الأول بسنة 500000 ق.م، والمرحلة الأولى التي توسطت عصرين جليديين بسنة تقع بين475000 و 400000 ق.م، وعصر الجليد الثاني بسنة 400000 ق.م. والمرحلة الثانية التي توسطت عصرين جليديين بسنة بين 375000 و 175000 ق.م؛ والعصر الجليدي الثالث بسنة 175000 ق.م، والمرحلة الثالثة التي توسطت عصرين جليديين بسنة تقع بين 150000 و 50000 ق.م؛ والعصر الجليدي الرابع "والأخير" بسنة تقع ببين 50000 و 25000 ق.م ونحن الآن في مرحلة أعقبت عصراً جليدياً لم يحسب تاريخ نهايته حسابا دقيقا.{انتهى} .
فلو أخذنا بنظريات العلم المعاصر على سرعة تغيّرها قلنا إن الكائن الذي أصبح فيما بعد إنساناً حين تعلمّ الكلام، كان أحد الأنواع القادرة على الملاءمة بين نفسها وبين البيئة، التي بقيت بعد هذه القرون المتجمدة بجليدها؛ وبينما كان الجليد يتراجع في المراحل التي تتوسط العصور الجليدية، "بل قبل ذلك بكثير فيما نعلم" استكشف هذا المخلوق العجيب النار، وطَوَّرَ فنَّ نحت الصخر والعظم ليصنع أسلحة وآلات، فمهد السبيل بذلك لقدوم المدنيَّة.
ولقد وجدت بقايا كثيرة ترجع إلى هذا الإنسان السابق للتاريخ- ولو أن هذه المعلومات أصابها كثير من التعديل فيما بعد- ففي سنة 1929 كشف صيني شاب عالم بالحفريات الحيوانية والنباتية، وهو "و.س.بي" W.C.pei في كهف عند "تشوكوتين"- وهو يبعد عن "بيبين" Peiping نحو سبعة وثلاثين ميلاً- عن جمجمة، وقد قال عنها علماءُ خبراءُ مثل "الأب بريل" Abbe Breuil و "ج.إليَت سمث" G. Eliot Smith أنها جمجمة بشرية ووجدت آثار من النار بالقرب من الجمجمة؛ كما وجدت أحجار استخدمت آلات بغير شك؛ لكنهم وجدوا كذلك عظام حيوان ممزوجة بتلك الآثار، أجمع الرأي على أنها ترجع إلى عصر البليستوسين الأول وهو عصر تاريخه مليون سنة مضت؛ هذه الجمجمة التي وجدت عند "بيبين" هي بإجماع الآراء أقدم ما نعرف من القواقع البشرية، والآلات التي وجدت معها هي أقدم مصنوعات في التاريخ؛ وكذلك وَجَدَ "دُوسُن" Dawson و "وُودوُورد" Woodward عند "بلِتداون" في مقاطعة سَسِكس بإنجلترا، سنة 1911 قطَعاً من العظم يمكن أن تكون بشرية، وهي التي تعرف اليوم باسم "إنسان بلِتداون" أو باسم "يوانتروبس" Eoanthropus "معناها إنسان الفجر" والتاريخ الذي يحددونه يتراوح على مسافة طويلة من الزمن، من سنة مليون إلى 000ر125 ق.م؛ ومثل هذه التخمينات يدور أيضاً حول عظم الجمجمة وعظم الفخذ التي وجدت في جاوة سنة 1891 وعظمة الفك التي وجدت قرب هيدلبرج سنة 1907؛ وأقدم القواقع التي لا شك في أنها بشرية وجدت في "نياندرتال" بالقرب من دسلدورف بألمانيا سنة 1857، وتاريخها فيما يظهر هو سنة 40,000 قبل الميلاد، وهي تشبه البقايا البشرية التي كُشف عنها في بلجيكا وفرنسا وإسبانيا بل وعلى شواطئ بحر جاليلي؛ حتى لقد صَوَّر العلماء عصراً بأسره من "إنسان النياندرتال" ساد أوربا منذ حوالي أربعين ألف عام قبل عصرنا هذا؛ وكان هؤلاء الناس قصاراً، لكن لهم جماجم سعة الواحدة منها 1600 سنتيمتر مكعب أي أنها أكبر من جمجمة الرجل في هذا العصر بمائتي سنتيمتر مكعب.
ويظهر أن قد حل جنس جديد اسمه "كرو- مانيون" Cro-Mangon حول سنة 20,000 ق.م محل هؤلاء السكان الأقدمين لأوربا، كما تدلنا الآثار التي كُشف عنها (سنة 1868) في مغارة بهذا الاسم في منطقة "دوردوني" في فرنسا الجنوبية؛ ولقد استخرجت بقايا كثيرة من هذا النمط ترجع إلى العصر نفسه؛ من مواضع مختلفة في فرنسا وسويسرا وألمانيا وويلز. وكلها تدل على قوم ذوي قوة عظيمة وقوام فارع يتراوح طوله من خمس أقدام وعشر بوصات إلى ست أقدام وأربع بوصات ولهم جماجم سعة الواحدة منها تختلف من 159 إلى 1715 سم مكعب، وتعرف فصيلة "كرو- مانيون" كما تعرف فصيلة "نياندرتال" باسم "سكان الكهوف" ذلك لأن آثارهم وجدناها في الكهوف، لكن ليس هناك دليل واحد على أن الكهوف كانت كل ما لديهم من المساكن؛ فقد يكون ذلك سخرية بنا من الزمن، أعني أن علماء الحفريات لم يجدوا من آثار هؤلاء الناس إلا آثار من سكنوا الكهوف ولاقوا فيها مناياهم؛ والنظرية العلمية اليوم تذهب إلى أن هذه الفصيلة العظيمة إنما جاءت من آسيا الوسطى مارة بإفريقية. حتى بلغت أوربا، وأنها شقت طريقها فوق جسور من اليابس يقال أنها كانت عندئذ تربط إفريقية بإيطاليا وأسبانيا. وأن طريقة توزيع هذه القواقع البشرية ليميل بنا إلى الظن بأنهم لبثوا عشرات من السنين بل ربما لبثوا قروناً طوالا يقاتلون فصيلة "نياندرتال" قتالا عنيفاً لانتزاع أوربا من أيديهم. وهكذا ترى أن النزاع بين ألمانيا وفرنسا ضارب بجذوره في القدم؛ ومهما يكن من أمر فقد زال إنسان "نياندرتال" عن ظهر الأرض حيث عمرها إنسان "كرو- مانيون" الذي أصبح السلف الأساسي الذي عنه جاءت أوربا الغريبة الحديثة، وهو الذي وضع أساس المدنية التي انتهت إلى أيدينا اليوم.
إن الآثار الثقافية لهذه الأنماط البشرية التي بقيت في أوربا من العصر الحجري القديم تقع في سبعة أقسام رئيسية تختلف باختلاف المواضع التي وجدنا فيها أقدم الآثار أو أهمها في فرنسا. وكلها جميعاً إنما تتميز باستخدام آلات غير مصقولة؛ والأقسام الثلاثة الأولى منها قد تم لها التكوين في الفترة المضطربة التي توسطت العصرين الجليديين الثالث والرابع.
1- الثقافة "أو الصناعة" السابقة للعهد الشيلي Pre-Chellean وهو عصر يقع تاريخه حول سنة 125,000ق.م ومعظم الأحجار الصوّانية التي وجدناها في هذه الطبقة الوطيئة من طبقات الأرض لا تدل دلالة قوية على أن أهل ذلك العصر قد صاغوها بصناعتهم والظاهر أنهم قد استخدموها كما صادفوها في الطبيعة (ذلك إن كانوا قد استخدموها إطلاقا) لكن وجود أحجار كثيرة بينها لها مقبض يلائم قبضة اليد، ولها حَدُّ وَطَرَفُ "إلى حَدّ ما" يجعلنا نزعم هذا الشرف للإنسان السابق للعهد الشيلي، شرف صناعة أول آلة استخدمها الأوربيون، وهي المدية الحجرية.
2- الثقافة الشيلية ويقع تاريخها حول سنة 100,000 ق.م وقد تحسنت فيها الآلة بإرهاف جانبيها إرهافاً على شيء من الغلظة وبتدبيبها بحيث تتخذ شكل اللوزة، ثم بتهيئتها تهيئة تكون أصلح لقبضة اليد البشرية.
3- الثقافة الأشولية Acheulean ويقع تاريخها حول 75,000ق.م ولقد تخلفت عنها آثار كثيرة في أوربا وجرينلندة والولايات المتحدة والمكسيك وإفريقية والشرق الأدنى والهند والصين؛ وهذه المرحلة لم تُصلح من المدية الحجرية إصلاحاً يجعلها أكثر تناسقاً وأحَدَّ طرفا فحسب، بل أنتجت إلى جانب ذلك أنواعاً كثيرة من الآلات الخاصة كالمطارق والسندانات والكاشطات والصفائح ورءوس السهام وسنان الرماح والمدى، وفي هذه المرحلة تستطيع أن ترى صورة تدل على مرحلة نشيطة للصناعة البشرية.
4- الثقافة الموستيرية Mousterian، وتوجد آثارها في القارات كلها، مرتبطة ارتباطاً يسترعي النظر ببقايا إنسان النياندرتال، وذلك في تاريخ يقع على نحو التقريب ق.م بأربعين ألفا من السنين؛ والمدية الحجرية نادرة نسبيا بين هذه الآثار، كأنما أصبحت عندئذ شيئا عفا عليه الزمان وحلّ محله شيء جديد؛ أما هذه الآلات الجديدة فقوام الواحدة منها رقيقةّ واحدة من الصخر، أخف من المدية السابقة وزنا وأرهف حَداً وأحسن شكلا، صنعتها أيد طال بها العهد بقواعد الصناعة؛ فإذا صعدت طبقة من الأرض في طبقات العهد البليستوسيني في جنوب فرنسا وجدت بقايا الثقافة التالية.
5- الثقافة الأورجناسية Aurignacian وتقع حول عام 25,000 ق.م، وهي أول المراحل الصناعية بعد أعصر الجليد، وأولى الثقافات المعروفة لإنسان "كرو- مانيون"؛ وهاهنا في هذه المرحلة أضيفت إلى آلات الحجر آلات من العظم- مشابك وسندانات وصاقلات الخ- وظهر الفن في نقوش غليظة منحوتة على الصخر، أو في رسوم ساذجة بارزة، أغلبها رسوم لنساء عاريات ثم جاءت في مرحلة متقدمة من مراحل تطور إنسان "كرومانيون" ثقافة أخرى، هي:
6- الثقافة "السُّولَترْيه" Solutrean التي ظهرت حول سنة 20,000 ق.م في فرنسا وأسبانيا وتشيكوسلوفاكيا وبولندة؛ وهنا أضيفت إلى أسلحة العهد الأورجناسي السالف وأدواته، مُدّى وصفائح ومثاقب ومناشير ورماح وحراب وصُنِعَتْ كذلك إبَرّ دقيقة حادة من العظم، وقُدَّت آلات كثيرة من قرن الوعل؛ وترى قرون الوعل منقوشة أحيانا برسوم جسوم حيوانية أرقى بكثير من الفن في العصر الأورجناسي السابق.
7- الثقافة المجدلية Magdalenian التي ظهرت في أرجاء أوربا كلها حول سنة 16,000 ق.م، وهي تتميز في الصناعة بمجموعة كبيرة منوعة من رقيق الآنية المصنوعة من العاج والعظم والقرن، وهي تبلغ حدها الأقصى في مشابك وإبر متواضعة لكنها تصل حد الكمال في الإتقان، وهذه المرحلة هي التي تميزت في الفن برسوم "أَلتَاميرا" Altamira وهي أدق وأرق ما صنعه إنسان كرومانيون.
وضع إنسان ما قبل التاريخ، في هذه الثقافات التي شهدها العصر الحجري القديم، أسس الصناعات التي كُتِبَ لها أن تبقى جزءا من التراث الأوربي حتى الثورة الصناعية، وكان مما سَهَّل نقلها إلى المدنيَّة الكلاسيكية والمدنية الحديثة انتشار صناعة العصر الحجري القديم؛ والجمجمة وتصاوير الكهوف التي وجدناها في روسيا سنة 1921، والأحجار الصَّوانية التي كشف عنها في مصر "دي مورجان" De Morgan سنة 1896، وآثار العصر الحجري القديم التي وجدها "سِتُن كار" Seton-Karr في الصومال؛ ومستودعات العصر الحجري القديم في منخفض الفيوم{تعليق}واحة إلى الغرب من النيل الأوسط.{انتهى} وثقافة جليج ستِل في جنوب إفريقية، كلها تدل على أن "القارة المظلمة" قد اجتازت نفس المراحل تقريبا التي أوجزناها فيما سلف عن أوربا قبل التاريخ، وذلك من حيث صناعة الرقائق الحجرية؛ بل ربما كانت الآثار التي وجدناها في تونس والجزائر، مما يشبه آثار العصر الأورجناسىّ، يؤيد النظرية القائلة بأن إفريقية هي الأصل في تلك الثقافة، أو هي الحد الذي وقف عنده إنسان "كرومانيون"، وبالتالي الإنسان الأوربي ولقد احتُفِرَت آلات من العصر الحجري القديم في سوريا والهند والصين وسيبيريا وغيرها من أصقاع آسيا كما عثر عليها "أندرو" وسابقوه من الجزويت في منغوليا؛ وكذلك احتُفِرَت هياكل لإنسان النياندرتال وأحجار صَوَّانية كثيرة من العهدين "الموستيري" و "الأورجناسىّ" في فلسطين، ولقد رأينا كيف كشف حديثا في "ببين" عن أقدم ما نعرفه من بقايا الإنسان وأدواته، ووجدت آلات من العظم في نبراسكا، وأراد بعض العلماء الذين يتأثرون بالروح الوطنية أن يردوها إلى عام500,000ق.م، وكذلك وجدت رءوس سهام صنعت عام 350,000ق.م، وهكذا تراه جسرا عريضا ذلك الذي نقل عَبرَ إنسان ما قبل التاريخ أسس المدنيَة إلى زميله الإنسان الذي يظهر في عصور التاريخ.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|