أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-10-2016
1483
التاريخ: 6-10-2016
1646
التاريخ: 2023-02-22
1046
التاريخ: 6-10-2016
1736
|
الكبر كالعجب في كيفية العلاج إجمالا و تفصيلا ، إذ الكبر لما تضمن معنى العجب - أي استعظام النفس - و كان العجب منشأ له ، فما ذكر لعلاج مطلق العجب هو العلاج لمطلق الكبر أيضا.
ولكن ما به الكبر - أعني بواعثه - هي بواعث العجب بعينها ، فما ذكر لعلاج العجب بالبواعث المذكورة مشترك بينهما.
ومن المعالجات المختصة بالكبر : أن يتذكر ما ورد في ذمه من الآيات والأخبار المذكورة و غيرها ، و يتأمل فيما ورد في مدح ضده - أعني التواضع كما يأتي.
ولكون الكبر مشتملا على شيء زائد على العجب هو رؤية النفس فوق الغير، فينبغي أن يعلم أن الحكم بخيرية نفسه من الغير غاية الجهل و السفاهة ، فلعل في الغير من خفايا الأخلاق الكريمة ما ينجيه ، و فيه من الملكات الذميمة ما يهلكه و يرديه.
وكيف يجترئ صاحب البصيرة أن يرجح نفسه على الغير، مع إبهام الخاتمة و خفاء الأخلاق الباطنة واشتراك الكل في الانتساب إلى اللَّه تعالى ، و في صدورها و ترشحها منه و معلوليتها و لازميتها له ، فالواقف بخطر الخاتمة و إناطة النجاة و الهلاك بالبواطن لا يرى لنفسه مزية على غيره ، و العارف بكون كل فرد من أفراد الموجودات أثرا من آثار ذاته و لمعة من لمعات أنوار صفاته ، بل رشحة من رشحات فضله و جوده و قطرة من قطرات تيار فيض وجوده ، لا ينظر إلى أحد بنظر السوء و العداوة ، بل يشاهد الكل بعين الخيرية و المحبة.
اشكال و حل
(فإن قيل) : كيف يحسن أن يتواضع العالم الورع للجاهل الفاسق و يراه خيرا من نفسه ، مع ظهور جهله و فسقه ، و قطعه باتصاف نفسه بالعلم و الورع و خلوه عنهما؟ , و كيف يجوز له أن يحب فاسقا أو كافرا أو مبتدعا و يتواضع له و لا يعاديه ، مع أنه مبغوض عند اللَّه ، فيكون مأمورا ببغضه ، و الجمع بين الحب و التواضع و بين البغض جمع بين النقيضين؟.
(أجبنا) عن (الأول) بأن حقيقة التواضع ألا يرى النفس لذاتها مزية واقعية و خيرية حقيقية على الغير ، لا ألا يرى مزية لذاتها عليه في الصفات الظاهرة التي يجزم باتصاف نفسه بها و عدم اتصافه بها ، كالعلم و العبادة و السخاوة و العدالة و الاجتناب عن الأموال المحرمة و غير ذلك إذ العالم ببعض العلوم لا يمكنه أن يدفع عن نفسه القطع بكونه عالما بها و كون فلان العامي غير عالم بها.
لكن المزية الواقعية والخيرية النفس الآمرية إنما هو بالتقرب إلى اللَّه و الوصول إلى السعادة الدائمية ، و لا شك في أن ذلك لا يحصل بمجرد تعلم بعض العلوم و المواظبة على بعض العبادات أو غير ذلك من الصفات المحمودة ، بل المناط فيه حسن الخاتمة ، و هو أمر مبهم ، إذ العواقب مطوية عن العباد ، فيمكن أن يسلم الكافر و يختم له بالإيمان و يضل هذا العالم الورع ويختم له بالكفر، فعلى كل عبد إن رأى من هو شرا منه ظاهرا أن يقول : لعل هذا ينجو و أهلك أنا ، فلا يراه شرا من نفسه في الواقع خائفا من العاقبة و يقول : لعل بر هذا باطن ، بأن يكون فيه خلق كريم بينه و بين اللَّه فيرحمه اللَّه و يتوب عليه و يختم له بأحسن الأعمال ، و برّي ظاهر لا آمن أن تدخله الآفات فتحبطه.
وبالجملة : ملاحظة الخاتمة و السابقة و العلم بأن الكمال في القرب من اللَّه و سعادة الآخرة دون ما يظهر في الدنيا من الأعمال الظاهرة - يوجب نفي الكبر و التواضع لكل أحد.
وعن (الثاني) أن الحب ينبغي أن يكون لأجل النسبة الشريفة المذكورة و التواضع لأجل ملاحظة الخاتمة ، و بغضه و غضبه عليه لأجل ما ظهر منه من الكفر و الفسوق.
وأي منافاة بين الغضب للَّه في صدور معصية من عبد ، و بين عدم الكبر و الإذلال ؟ إذ الغضب إنما هو لله لا لنفسك ، إذ أمرك بأن تغضب عند مشاهدة المنكر، و التواضع و عدم الكبر إنما هو بالنظر إلى نفسك ، بألا ترى نفسك ناجيا و صاحبك هالكا في حال غضبك عليه لأمر اللَّه ، بل يكون خوفك على نفسك مما علم اللَّه من خفايا ذنوبك أكثر من خوفك عليه مع الجهل بالخاتمة ، فليس من ضرورة الغضب و البغض للَّه أن تتكبر على المغضوب عليه ، و ترى قدرك فوق قدره.
ومثال ذلك , أن يكون لملك غلام و ولد ، و قد وكل الملك الغلام على ولده بأن يراقبه و يضربه مهما ساء أدبه ، و يغضب عليه إذا اشتغل بما لا يليق به ، فإن كان الغلام مطيعا محبا لمولاه يغضب عليه إذا ساء أدبه امتثالا لأمر مولاه ، و مع ذلك يحبه لانتسابه إلى مولاه بالولادة ، و لا يتكبر عليه و يتواضع له ، و يرى قدره عند مولاه فوق قدر نفسه ، لأن الولد أعز لا محالة من الغلام.
تذنيب (العلاج العملي للكبر)
ما ذكرناه لعلاج الكبر إنما هو العلاج العلمي ، و أما (العلاج العملي) فهو أن يتواضع بالفعل للَّه و لسائر الخلق ، و يواظب على أخلاق المتواضعين ، و يكلف نفسه على ذلك إلى أن تقطع عن قلبه شجرة الكبر بأصولها و فروعها ، و يصير التواضع ملكة له.
وللقطع الكلي و حصول ملكة التواضع امتحانات يعرفان بها ، فلا بد أن يمتحن نفسه بها حتى يطمئن بأنه متواضع ، إذ النفس قد تضمر التواضع و تدعى البراءة من الكبر، فإذا وقعت الواقعة عادت إلى طبعها و نسيت وعدها : (الأول) ان يناظر مع أقرانه في بعض المسائل فإذا ظهر شيء من الحق على لسانهم ، فإن اعترف به مع السرور و الاهتزاز و الشكر لهم لتنبيههم إياه على ما غفل عنه فهو علامة التواضع ، و إن ثقل عليه القبول و الاعتراف و لم يسر بظهور الحق على لسانه فهو دليل بقاء الكبر بعد.
فليعالجه من حيث العلم بأن يتذكر سوء عاقبته و خسة نفسه و خباثتها ، من حيث إن قبول الحق يثقل عليها ، و من حيث العلم بأن يكلف نفسه على ما يثقل عليها من الاعتراف بالحق و إطلاق اللسان بالثناء و الشكر ، و الإقرار على نفسه بالعجز و القصور ، و يقول : ما أحسن فطانتك ! لقد أرشدتني إلى الحق ، فجزاك اللَّه خيرا ، فإذا واظب على ذلك مراتب متوالية ، صار ذلك له طبعا ، و سقط ثقل الحق عن قلبه و طاب له قبوله ، و إن لم يثقل عليه في الخلوة و ثقل عليه في الملإ ، فليس فيه كبر، بل فيه رياء ، فليعالج بما يأتي في معالجة الرياء.
(الثاني) ان يقدم الأقران و الأمثال على نفسه في المحافل ، و يمشي خلفهم في الطرق ، فإن لم يثقل ذلك عليه فهو متواضع ، و إلا فمتكبر، فليقدمهم بالتكلف ، و يجلس تحتهم ، و يظهر السرور و الارتياح بذلك ، حتى يسقط عنه ثقله.
قال أبو عبد اللَّه الصادق (عليه السلام) : «إن من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه».
وقال (عليه السلام) : «من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس ، و أن تسلم على من تلقى ، و أن تترك المراء و إن كنت محقا ، و لا تحب أن تحمد على التقوى».
ومن المتكبرين من إذا لم يجد مكانا في الصدر يجلس في صف النعال ، أو يجعل بينه و بين الأقران بعض الأراذل و لا يجلس تحتهم و غرضهم من ذلك استحقار الأقران أو إيهام أن تركهم للصدر إنما هو بالتفضل ، فهو أشد أنواع التكبر.
(الثالث) أن يجيب دعوة الفقير، ويمر إلى السوق في حاجة الرفقاء و الأقارب ، و يحمل حاجتهم وحاجة نفسه منه إلى البيت ، فإن لم يثقل عليه ذلك في الخلوة و الملأ فليس فيه كبر و رياء ، و إن ثقل عليه فيهما ففيه كبر و رياء ، و إن ثقل عليه عند مشاهدة ، الناس دون الخلوة ففيه رياء دون الكبر.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لا ينقص الرجل الكامل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله».
وروي : « أنه اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته ، فقال له بعضهم احمل عنك يا أمير المؤمنين ؟ , فقال: لا! أبو العيال أحق أن يحمل».
وروي : «أن الصادق (عليه السلام) : نظر إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا و هو يحمله , فلما رآه الرجل استحيي منه ، فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السلام) : اشتريته لعيالك و حملته إليهم ، أما و اللَّه لو لا أهل المدينة لأحببت أن اشترى لعيالي الشيء ثم أحمله إليهم».
(الرابع) ان يلبس ثيابا بذلة ، فإن لم يثقل عليه ذلك أصلا فليس فيه كبر و رياء ، و إلا كان متكبرا أو مرائيا ، قال رسول اللَّه ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) : «من اعتقل البعير و لبس الصوف فقد بريء من الكبر».
وقال ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) : «إنما أنا عبد آكل في الأرض ، و ألبس الصوف ، و أعقل البعير، و ألعق أصابعي ، و أجيب دعوة المملوك ، فمن رغب عن سنتي فليس مني»
وقيل لسلمان : لم لا تلبس ثوبا جديدا؟ , فقال : « إنما أنا عبد ، فإذا اعتقت يوما لبست جديدا» أشار به إلى العتق في الآخرة.
وقال رسول اللَّه ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) البذاذة أي الدون من اللباس من الإيمان».
وعوتب أمير المؤمنين (عليه السلام) في إزار مرقوع ، فقال : «يقتدي به المؤمن و تخشع له القلوب».
(الخامس) أن يأكل مع خدامه و غلمانه ، فإن لم يثقل عليه فهو متواضع و إلا فمتكبر.
وروى رجل من أهل بلخ ، قال : كنت مع الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان ، فدعا يوما بمائدة ، فجمع عليها مواليه من السودان و غيرهم ، فقلت : جعلت فداك! لو عزلت لهؤلاء مائدة ، فقال (عليه السلام) : إن الرب تعالى واحد ، و الدين واحد ، و الأم واحدة ، و الأب واحد ، و الجزاء بالأعمال».
والامتحانات لبقاء الكبر ليست منحصرة بما ذكر، بل هي كثيرة : كأن يحب قيام الناس له أو بين يديه ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد و بين يديه قوم قيام».
وقال بعض الصحابة : «لم يكن شخص أحب إليهم من رسول اللَّه.
وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك».
وأن يحب أن يمشي خلفه غيره ، و قد روي « أنه لا يزال العبد يزداد من اللَّه بعد ما مشى خلفه».
وكان رسول اللَّه ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) في بعض الأوقات يمشي مع بعض الأصحاب فيأمرهم بالتقدم و يمشي في غمارهم.
وألا يزور غيره ، و إن كان في زيارته فائدة دينية , و أن يستنكف من مجالسة الفقراء و المعلولين و المرضى.
روي أنه دخل على رسول اللَّه رجل و عليه جدري قد تقشر، و عنده ناس من أصحابه يأكلون فما جلس عند أحد إلا قام من جنبه , فأجلسه النبي ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) إلى جنبه.
وكان ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) في نفر من أصحابه يأكلون في بيته ، إذ دخل عليهم رجل به زمانة تنكره الناس لأجلها فأجلسه رسول اللَّه على فخذه و قال له : «اطعم» ، و كأن رجلا من قريش اشمأز منه و تكره ، فما مات ذلك الرجل حتى كانت به زمانة مثلها.
ومر سيد الساجدين (عليه السلام) على المجذومين و هو راكب حماره ، و هم يتغدون ، فدعوه إلى الغداء ، فقال : «أما إني لو لا أني صائم لفعلت» ، فلما صار إلى منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه ، ثم دعاهم ، فتغدوا عنده و تغدى معهم , و قس على هذه غيرها من الامتحانات.
و لقد كانت سيرة رسول اللَّه ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) جامعة لجميع ما يمتحن به التواضع بريئة عن جميع ما يصدر من الكبر من الأفعال و الحركات ، فينبغي لكل مؤمن أن يقتدي به.
وقد روى أبو سعيد الخدري : «أنه ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) كان يعلف الناضح ، و يعقل البعير، و يقم البيت ، و يحلب الشاة ، و يخصف النعل ، و يرقع الثوب ، و يأكل مع خادمه ، و يطحن عنه إذا أعيى ، و يشري الشيء من السوق ، و لا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجمله في طرف ثوبه و ينقلب إلى أهله , يصافح الغني و الفقير و الصغير و الكبير، و يسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير أسود أو أحمر حر أو عبد من أهل الصلاة ، ليست له حلة لمدخله و لا حلة لمخرجه ، لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي ، و إن كان أشعث أغبر، و لا يحقر ما دعي إليه و إن لم يجد إلا حشف الرّقل ، لا يدفع غداء لعشاء و لا عشاء لغداء.
هين المؤنة ، لين الخلق ، كريم الطبيعة ، جميل المعاشرة ، طلق الوجه ، بساما من غير ضحك محزونا من غير عبوس ، شديدا في غير عنف , و متواضعا في غير مذلة ، جوادا من غير سرف ، رحيما لكل ذي قربى ، قريبا من كل ذمي و مسلم ، رقيق القلب ، دائم الإطراق ، لم يبسم قط من شبع ، و لا يمد يده إلى طمع».
هذا و قال أبو الحسن (عليهما السلام ) -: «التواضع : أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه».
وسئل عن حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا ، فقال : «التواضع درجات : منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه ، إن رأى سيئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ عاف عن الناس ، و اللَّه يحب المحسنين» .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|