المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

رقم كابا Kappa Number
21-10-2018
Full Reptend Prime
24-11-2019
أصباغ الازو
2024-03-18
تشكل الامشاج Gametogenesis
5-2-2016
توضيح فاعلية المونومر بالمعادلات
2-11-2017
القرآن المجيد والكذب
14-7-2019


شهاداتٌ وإفادات عظماء قريش بالقران الكريم  
  
8421   02:43 صباحاً   التاريخ: 7-11-2014
المؤلف : محمّد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : تلخيص التمهيد
الجزء والصفحة : ج2 ، ص101-112.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-09-2014 2740
التاريخ: 7-11-2014 9890
التاريخ: 3-12-2015 3970
التاريخ: 9-05-2015 2673

 لم تكن العرب لتجهل موضع الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) وصدقه وإخلاصه في دعوته ، كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وقد لمسوا من حقيقة القرآن أنّه الكتاب الذي لا ريب فيه ، وقد بهرهم جماله وحسن أُسلوبه وعجيب بيانه ، نعم ، سوى حميّة جاهلية حالت دون الاستسلام للحقّ الصريح والاعتراف بصدق رسالته الكريمة ، فلم تكن محاولاتهم تلك إلاّ تملّصات هزيلة ، وتخلّصاً مُعوجّاً عن سحر بيانه ، وانفلاتاً من روعة جلاله وهيمنة كبريائه .

كانت قضية الإعجاز القرآني بدأت تفرض ثقلها على كاهل العرب ، شاءت أو لم تشأ ، وقد أدركت قريش من أَوّل يومها ما لهذا الكلام السماوي من روعة وسحر وتأثير ، ولم يكد يملك أيّ عربيّ صميم ـ إذ يجد ذوقه الأصيل سليقةً وطبعاً ـ إلاّ أن يرضخ لأُبّهة بيانه الخارق ، معترفاً بأنّه كلام الله وليس من كلام البشر .

كانت قضية الإعجاز القرآني بدأت تفرض ثقلها على كاهل العرب ، شاءت أو لم تشأ ، وقد أدركت قريش من أَوّل يومها ما لهذا الكلام السماوي من روعة وسحر وتأثير ، ولم يكد يملك أيّ عربيّ صميم ـ إذ يجد ذوقه الأصيل سليقةً وطبعاً ـ إلاّ أن يرضخ لأُبّهة بيانه الخارق ، معترفاً بأنّه كلام الله وليس من كلام البشر . 

الوليد بن المغيرة المخزومي :

هذا هو طاغية العرب وكبيرها الأَسنّ ، وعظيمها الوليد بن المغيرة المخزومي يقول : يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة ، فو الله ما هو بشعرٍ ولا بسحرٍ ولا بهذي جنون ، وإنّ قوله لمن كلام الله ... (1) .

قاله على ملأ من قريش ، وذلك بعد أن سمع القرآن لأوّل مرّة على أفواه المسلمين يُرتّلونه ترتيلاً ، فأعجبه قرآنه وبهرته جذبته .

وإنّ قريشاً لهابت تلك المفاجأة الخطيرة ، ومِن ثَمّ تآمرت على أن تحول دون إشاعة النبأ ، فقالوا : لئن صبأ الوليد ـ وهو ذو حسب ومال ـ لتصبأنّ قريش كلّها .

قال أبو جهل : أنا أكفيكم شانه ، فانطلق حتّى دخل على الوليد بيته ، فقال له : ألم ترَ أنّ قومك قد جمعوا لك الصدقة ! ( يريد التأنيب عليه بأنّه إنّما قال كلامه الآنف طمعاً في المال ) قال : ألست أكثرهم مالاً وولداً ؟! فقال له أبو جهل : يتحدّثون أنّك إنّما تدخل على أصحاب محمّد لتصيب من طعامهم ! قال الوليد : أقد تحدّثت به عشيرتي ؟! فلا تقصر عن سائر بني قصيّ ... فعزم أن لا يقرب أحداً من المسلمين بعد ذلك .

وله شهادة أُخرى نظيرتها ، قالها عندما مرّ على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وهو يتلو في صلاته بضع آيات من سورة المؤمن ، فانقلب إلى مجلس قومه مندهشاً قائلاً : والله لقد سمعت من محمّد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ ، والله إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّه يعلو ولا ، يعلى عليه (2) .

وفي رواية أُخرى ـ ذكرها القاضي عياض ـ : لمّا سمع الوليد بن المغيرة من النبي ( صلّى الله عليه وآله ) يقرأ : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل : 90] أَعجَبته فقال : والله إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أسفله لمُغدق ، وإنّ أعلاه لمثمر ، ما هذا بقول بشر (3) .

ورواها أبو حامد الغزالي ناسباً لها إلى خالد بن عقبة ، ولعلّه أخو الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، جاء إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وقال : اقرأ عليَّ القرآن ! فقرأ عليه : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى ... إلخ ) ، فقال له خالد : أعد ! فأعاد ( صلّى الله عليه وآله ) ، فقال خالد : والله إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وما يقول هذا بشر (4) .

وهكذا جاء في الإصابة وفي الذيل ( وما هذا بقول بشر ) ، أمّا الاستيعاب وأُسد الغابة فمتوافقان مع نسخة الغزالي .

قال أبو عمر : لا أدري هو خالد بن عقبة بن أبي معيط أو غيره ، وظنّي أنّه غيره (5) .

وأيضاً روى الحاكم بإسناده الصحيح أنّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) فقرأ عليه القرآن ، فكأنّه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال : يا عمّ ، إنّ قومك يَرون أن يجمعوا لك مالاً ! قال الوليد : لِمَ ؟ قال : ليعطوكه ، فإنّك أتيت محمّداً لتتعرّض لما قبلَه ! قال : قد علمت قريش أنّي من أكثرهم مالاً ، قال أبو جهل : فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنّك منكرٌ له أو أنّك كارهٌ له ، قال : وماذا أقول ، فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّي ولا أعلم برَجَز ولا بقصيدة منّي ولا بأشعار الجنّ ، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا ، ووالله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنّه ليعلوا وما يُعلى ، وإنّه ليُحطّم ( أو ليحكم ) ما تحته ، قال أبو جهل : لا يرضى عنك قومك حتّى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكّر ، فلمّا فكّر قال : هذا سحرٌ يُؤثر ، يأثره عن غيره ، فنزلت : {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر : 11] .

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري (6) .

وهكذا ائتمروا فيما يصنعون عندما تَفِد العرب في مواسم الحج فيستمعوا إلى قرآنه فينجذبون إليه انجذاباً ، فتوافقوا على أن يترصّدوا لقبائل العرب عند وفودها للحجّ في مداخل مكّة ، ويأخذوا بسبل الناس ، لا يمرّ بهم أحد إلاّ حذّروه من الإصغاء إلى ما يقوله محمّد بن عبد الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فيقولوا : إنّه لسحرٌ يُفرّق به بين المرء وأخيه وأبيه وبين المرء وزوجه وولده وعشيرته !

كان الوليد قد حضر الموسم ، فاستغلّت قريش حضوره فاستشاروه بشأن دعوة محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، فأشار عليهم بتهمة السحر ؛ لمّا لم يجدوا سبيلاً إلى رميه بجنون أو شعر أو كهانة !

قال : يا معشر قريش : إنّه قد حضر هذا الموسم ، وإنّ وفود العرب ستقدّم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فاجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا تختلفوا ، فيكذّب بعضكم بعضاً ، ويردّ قولكم بعضه بعضاً !

قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به .

قال : بل أنتم فقولوا ، أَسمع .

قالوا : نقول : كاهن ! قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكُهّان ، فما هو بزمزمة الكاهن  ولا سجعه .

قالوا : فنقول : مجنون ! قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما بخنقه ولا تعالجه  ولا وسوسته .

قالوا : فنقول : شاعر ! قال : وما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كلّه رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر .

قالوا : فنقول : ساحر ! قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحّار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم (7 .

قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟

قال : والله إنّ لقوله لحلاوة ، وإنّ أصله لعَذق (8) ، وإنّ فرعه لجناه ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلاّ عرف أنّه باطل . وإنّ أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقوله هو ، سحر يُفرّق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرّقوا عنه بذلك .

فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم ، لا يمرّ بهم أحد إلاّ حذّروه إيّاه ، وذكروا لهم أمره (9) .

وكانوا إذا رفع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) صوته بالقرآن جعلوا يُصفّقون ويُصفّرون ويخلطون بالكلام لئلاّ تُسمع قراءته {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت : 26].

قال ابن عبّاس : كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وهو بمكّة إذا قرأ القرآن يرفع صوته ، فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون : لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ، قال : بالتصفير والتخليط في المنطق على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إذا قرأ القرآن ، قريش تفعله (10) . الطفيل بن عمرو الدوسي :

وكان الطفيل بن عمرو الدوسي شاعراً لبيباً من أشراف العرب ، كان قد قَدِم مكّة و رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بها ، فمشى إليه رجال من قريش وقالوا له : يا طفيل ، إنّك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا  وقد فرّق جماعتنا وشتّت أمرنا ، وإنّما قوله كالسحر يُفرّق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وزوجته ، وإنّا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلّمه ولا تَسمَعن منه شيئاً .

وكانت قريش قد تخوّفت من إسلام الطفيل ، الشاعر المُفلّق ، وللشعر عند العرب مكانة سامية ، فإذا أسلم اندفعت العرب وراءه .

قال الدوسي : فوالله ما زالوا بي حتّى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أُكلّمه ، حتى حشوت في أُذُني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً ، فَرَقاً من أن يبلغني شيء من قوله .

قال : فغدوت إلى المسجد وإذا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قائم يُصلّي عند الكعبة ، فقمت قريباً منه ، فأبى الله إلاّ أن يسمعني بعض قوله : فسمعت كلاماً حسناً ، فقلت في نفسي : واثكل أُمّي ، والله إنّي لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته وإن كان قبيحاً تركته .

قال : فتبعته إلى بيته ، وحدّثته الحديث ، وقلت له : فأعرض عليَّ أمرك ! قال : فعرض ( صلّى الله عليه وآله ) عليَّ الإسلام وتلا عليّ القرآن ، فلا والله ما سمعت قولاً قطّ أحسن منه ، ولا أمراً أعدل منه ، فأسلمت وشهدت شهادة الحقّ ، فرجع إلى قومه وكان داعية الإسلام ، وأسلمت معه قبيلة دوس (11) .

هذه شهادة شاعر لبيب له مكانته عند العرب ، وله معرفته وذوقه وسليقته ، جذبته روعة كلام الله وقلبته من كافر وثنيّ مشرك إلى داعية من دعاة الإسلام !

النضر بن الحارث :

كان أبو جهل قد أزمع على أن ينال من محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، فأخذ حجراً و جلس ينتظر قدومه ، حتّى إذا جاء وقام للصلاة بين الركن اليماني والحجر الأسود جاعلاً الكعبة بينه وبين الشام ، فلمّا سجد احتمل أبو جهل الحجر وأقبل نحوه ، حتّى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه  مرعوباً ، قد يسبت يداه على حجره ، حتّى قذف الحجر من يده ، فقامت إليه رجال من قريش وقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة ـ وكان قد عاهد الله ليفضخنّ  رأسه بحجر ما أطاق حمله ـ فلمّا دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، لا والله ما رأيت مثل هامته ولا مثل قَصَرته  ولا أنيابه لفحل قطّ ، فهمّ بي أن يبتلعني !

فلمّا قال لهم ذلك أبو جهل قام النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف وكان من رؤساء قريش ، فقال : يا معشر قريش ، إنّه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ، قد كان محمّد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثاً ، وأعظمكم أمانةً ، حتى إذا رأيتم في صدغيه  الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر ! لا والله ما هو بساحر ، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم : كاهن ! لا والله ما هو بكاهن ، قد رأينا الكهنة وتخالجهم  وسمعنا سجعهم ، وقلتم : شاعر ! لا والله ما هو بشاعر ، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلّها ، هَزجه ورَجزه ، وقلتم : مجنون ! لا والله ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه ، قال : يا معشر قريش ، فانظروا في شأنكم ، فإنّه والله لقد نزل بكم أمرٌ عظيم .

قال ابن هشام : وكان النضر هذا من شياطين قريش ، وكان ممّن ينصب العداء لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) (12) ، ومِن ثَمّ لم تكن شهادته تلك اعترافاً بصدقه ، ولا إيماناً بكتابه ، وإنّما هي إثارةً لشحناء قريش وتأليباً لعدائهم نحو دعوة الإسلام .

وسنأتي على بعض مواقفه التعنّتية مع رسول الإسلام ( في فصل القرعات ) ، وقع أسيراً يوم بدر ، فقتله رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فيمَن قتله صبراً (13) .

عتبة بن ربيعة :

قال ابن إسحاق : وحدّثني يزيد بن زياد عن محمّد بن القرظي قال :

حدّثت أنّ عتبة بن ربيعة ـ وكان سيّداً ـ قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمّد فاُكلّمه وأعرض عليه أُموراً لعلّه يقبل بعضها فنعطيه أيّها شاء ويكف عنها ؟ وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يزيدون ويكثرون ، فقالوا : بلى يا أبا الوليد ، قم إليه فكلمه .

فقام إليه عتبة حتّى جلس إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فقال : يا ابن أخي ، إنّك منا حيث قد علمت من السِطة  في العشيرة والمكان في النسب ، وإنّك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرّقت به جماعتهم ، وسفّهت به أحلامهم  وعيّبت به آلهتهم ودينهم ، وكفّرت به مَن مضى من آبائهم ، فاسمع منّي أعرض عليك أُموراً تنظر فيها ، لعلّك تقبل منها بعضها !

فقال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : قل يا أبا الوليد ، أسمع !

قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتّى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا حتّى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به مُلكاً ملّكناك علينا ... قال : وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّاً تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطبّ وبذلنا فيه أموالنا حتّى نُبرئك منه ، فإنّه ربّما غلب التابع  على الرجل حتّى يُداوى منه !

حتّى إذا فرغ عتبة ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يستمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ! قال ( صلّى الله عليه وآله ) : فاسمع منّي ! قال عتبة : أفعل !

فجعل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يقرأ من مُفتتح سورة فصّلت :

{حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [فصلت : 1 - 4] فمضى ( صلّى الله عليه وآله ) يقرأها عليه ، وهو منصتٌ لها .

قال : وكان عتبة ينصت لقراءته ( صلّى الله عليه وآله ) وقد ألقى يديه خَلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه ، ثُمّ انتهى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى السجدة منها ، فسجد ثمّ قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ؟ فأنت وذاك !

فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلمّا جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟

قال : ورائي أنّي قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قطّ ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ! يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فوالله ليكوننّ لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فمُلكه مُلككم وعزّه عزّكم ، وكنتم أسعد الناس به .

قالوا : سَحَرك والله يا أبا الوليد بلسانه .

قال : هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم (14) .

وهي أيضاً شهادة ضافية من كبار قريش وزعماء العرب وسادتهم .

اُنيس بن جنادة :

هو أخو أبي ذر الغفاري ، كان أكبر منه ، وكان شاعراً معارضاً يفوق أقرانه عند المعارضة ، ينبئك عن ذلك حديث إسلام أخيه أبي ذر جندب بن جنادة ، قال : والله ما سمعت بأشعر  من أخي اُنيس ، لقد ناقضَ  اثني عشر شاعراً من معاريف شعراء الجاهلية فغلبهم ، وكان قاصداً مكّة ، فقلت له : فليستخبر من حال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فراث  عليَّ ، ثُمّ جاء فقلت : ما صنعت ؟ قال :

لقيت رجلاً بمكّة على دينك ـ ( إذ كان أبو ذر يصلّي إلى ربه منذ ثلاث سنين ) ـ يزعم أنّ الله أرسله .

قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون شاعر ، كاهن ، ساحر .

قال أبو ذر ـ وكان اُنيس أحد الشعراء ـ : قال اُنيس : لقد سمعت قول الكَهَنة فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر ، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنّه شعر ! والله إنّه لصادق وإنّهم لكاذبون .

قوله : أقراء الشعر أي أوزانه وقوافيه (15) . ثلاثة من أشراف قريش يتسلّلون بيت الرسول :

كانت قريش ربّما تتسلّل ليلاً إلى استماع القرآن من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أو أحد أصحابه ؛ لترى ما في هذا الكلام من سرّ التأثير ، فقد اتّفق أنّ أبا سفيان بن حرب (16) وكذا أبو جهل بن هشام والأخنس بن شريق الثقفي ـ وكان لمّازاً خبيثاً يتظاهر بغير ما يبطنه ـ خرجوا ليلاً إلى بيته ( صلّى الله عليه وآله ) من غير أن يعلم كلّ بصاحبه ، فجلس كلّ واحد في مخبئه لا يعلم به أحد حتّى مطلع الفجر ، يستمعون إلى قرآنه وهو قائم يصلّي في بيته ، وعند الصباح أخذ كلّ منهم طريقه إلى بيته ، حتّى إذا جَمَعهم الطريق فشلوا وتلاوموا ، وقال لبعضهم لبعض : لا تعودوا لمثل ذلك ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ، وكان ذلك تأييداً لموضع محمّد ، ثمّ انصرفوا ، ولكن من غير أن ينقضي عَجبهم أو يرتوي ظمأُهم إلى استماع هذا الكلام السحريّ العجيب ، ومِن ثَمّ عادت مسرتهم في الليلة الثانية والثالثة ، وفي كلّ ليلة يُفتضحون عند الصباح ، حتّى تعاهدوا فيما بينهم أن لا يعودوا أبداً .

وفي صباح اليوم الثالث جاء الأخنس إلى أبي سفيان يَسترئيه فيما سمعه من محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، فقال : والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها ! فقال الأخنس : وأنا كذلك ، والذي حلفت به !

ثمّ رجع إلى أبي جهل ودخل عليه وقال : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمّد ؟ فقال : ماذا سمعتُ ! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتّى إذا تجاثينا على الرُّكب وكنّا كفرسيّ رهان !

والآن قالوا : منّا نبيّ يأتيه الوحي من السماء فمتى نُدرك مثل هذه والله لا نؤمن به أبداً ولا نُصدّقه ، فقام عنه الأخنس وتركه ! (17) .

هكذا تحكّم الحسد والعصيبّة في نفوس قريش ، فحال دون قبولهم للحقّ الصريح ، فأخزاهم الله .

{قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران : 119] ، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة : 21].
_____________________

1- تفسير الطبري : ج29 ، ص98 .

2- المعجزة الخالدة للسيّد هبة الدين الشهرستاني : ص21 ، والطلاوة ـ مثلثة الطاء ـ : البهجة والنضارة وأغدقت

3- الشفاء للقاضي عياض : ص220 ، وراجع الشرح للملاّ علي القارئ : ج1 ، ص316 .

4- إحياء العلوم : باب تلاوة القرآن ، ج1 ، ص281 ، ط 1358 .

5- الإصابة لابن حجر : ج1 ، ص410 ، والاستيعاب بهامش الإصابة : ج1 ، ص412 ، أُسد الغابة لابن الأثير : ج2 ، ص90 .

6- المستدرك على الصحيحينِ : ج2 ، ص507 ، وراجع الدّر المنثور : ج6 ، ص 283 ، وجامع البيان للطبري : ج29 ، ص98 .

7- إشارة إلى ما كان يفعل الساحر بأن يعقد خيطاً ثُمّ ينفث فيه ، أي ينفخ ما يدمدمه من أَوراد .

8- قال السهيلي : العَذق بفتح العين النخلة ، استعارة من النخلة التي ثبت أصلها وقوي ، وطاب فرعها إذا اجني أي اقتطف ثمرها . ( الروض الأنف : ج2 ، 21 ) .

9- سيرة ابن هشام : ج1 ، ص288 ـ 289 .

10- الدرّ المنثور للسيوطي : ج5 ، ص362 ـ 363 .

11- سيرة ابن هشام : ج2 ص 21 ـ 25 ، أُسد الغابة : ج3 ص54 .

12- سيرة ابن هشام : ج1 ص320 ـ 321 .

13- الدرّ المنثور : ج3 ص 180 .

14- سيرة ابن هشام : ج1 ص313 ـ 314 .

15- الشفاء للقاضي عياض : 224 ، شرح الشفاء للملاّ علي القاري : ج1 ص320 طبع اسلامبول 1285هـ ، راجع صحيح مسلم ج7 ص153 ، والمستدرك للحاكم : ج3 ص339 ، والإصابة : ج1 ص76 و ، ج4 ص63 .

16- ويُروى مكان أبي سفيان : الوليد بن المغيرة ، قال الرفاعي : وهؤلاء الثلاثة من بلغاء قريش الذين لا يعدل بهم في البلاغة أحد ، ( إعجاز القرآن ـ في الهامش ـ : ص213 ) .

17-ابن هشام : ج1 ص337 ـ 338 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .