أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-9-2016
2111
التاريخ: 2024-03-09
814
التاريخ: 28-9-2016
1951
التاريخ: 17-4-2020
2308
|
فضلهم : لقد حاز الأئمّة الطاهرون من أهل البيت ( عليهم السلام ) السبق في ميادين الفضل والكمال ، ونالوا الشرف الأرفع في الأحساب والأنساب .
فهم آل رسول اللّه وأبناؤه ، نشأوا في ربوع الوصي ، وترعرعوا في كنَف الرسالة ، واستلهموا حقائق الإسلام ومبادئه عن جدّهم الأعظم ، فكانوا ورَثه علمه ، وخزّان حكمته ، وحماة شريعته الغرّاء ، وخُلفاءه الميامين .
وقد جاهدوا في نصرة الدين وحماية المسلمين ، جهاداً منقطع النظير ، وفدوا أنفسهم في سبيل اللّه تعالى ، حتّى استشهدوا في سبيل العقيدة والمبدأ ، لا تأخذهم في اللّه لومةُ لائم ، ولا تخدعهم زخارف الحياة .
وكم لهم مِن أيادٍ وحقوق على المسلمين ، ينوء القلم بشرحها وتعدادها , بيد أنّي أُشير إليها إشارةً خاطفة ، وهي :
1 - معرفتهم : كما جاء في الحديث المتواتر بين الفريقين ، وفي الصحاح المعتبرة ، قوله ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( مَن مات ولم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليّة ) (1) .
الإمام هو خليفة النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وممثله في أُمّته ، يبلغها عنه أحكام الشريعة ويسعى جاهداً في تنظيم حياتها ، وتوفير سعادتها ، وإعلاء مجدها .
وحيث كان الإمام كذلك ، وجَب على كلّ مسلم معرفته ، كما صرّح بذلك الحديث الشريف ليكون على بصيرةٍ مِن عقيدته وشريعته ، وليسير على ضوء توجيهه وهداه .
فإذا أغفل المسلم معرفة إمامه ، ولم يستهد به ، وهو الدليل المُخلص ، والرائد الأمين ، ضلّ عن نهج الإسلام وواقعه ، ومات كافراً منافقاً .
وقد أشعر الحديث بضرورة وجود الإمام ووجوب معرفته مدى الحياة ؛ لأنّ إضافة الإمام إلى الزمان تستلزم استمراريّة الإمامة ، وتجدّدها عبر الأزمنة والعصور .
وهكذا توالت الأحاديث النبويّة ، المتواترة بين الفريقين ، والمؤكّدة على ضرورة معرفة الأئمّة الطاهرين ، والاهتداء بهم ، كقوله ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( في كلٍّ خلف مِن أُمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المُبطلين ، وتأويل الجاهلين , ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى اللّه ، فانظروا مَن توفدون ) (2) .
وقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، ( كما جاء في صحيح مسلم ) : ( لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ) .
وهذا الحديث شاهدٌ على وجود الإمامة حتّى قيام الساعة ، وقصرها على الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، دون غيرهم من ملوك الأمويين والعباسيين لزيادتهم عن هذا العدد.
2 - موالاتهم : معرفة الإمام لا تجدي نفعاً ، ولا تحقّق الأماني والآمال المعقودة عليه ، إلاّ إذا اقترنت بولائه ، والسير على هداه , ومتى تجرّدت المعرفة مِن ذلك غدت هزيلةً جوفاء .
ذلك أنّ الإمام هو خليفة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وحامل لواء الإسلام ، ورائد المسلمين نحو المثل الإسلاميّة العليا ، يبيّن لهم حقائق الشريعة ، ويجلو أحكامها ، ويصونها من كيد المُلحدين ودسّهم ، ويعمل جاهداً في حماية المسلمين ، ونصرهم ، وإسعادهم ماديّاً وروحيّاً ديناً ودُنياً .
من أجل ذلك كان التخلّف عن موالاة الإمام والاهتداء به ، مَدعاةً للزيغ والضلال ، والانحراف عن خطّ الإسلام ونهجه المرسوم , كما نوّه النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) عن ذلك ، وأوضح للمسلمين أنّ الهدى والفوز في ولاء الأئمة الطاهرين من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وأنّ الضلال والشقاء في مجافاتهم ومخالفتهم .
قال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( إنّما مثَل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، مَن ركبها نجا ، ومَن تخلّف عنها غرق ) (3) .
وقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( إنّي تركت فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ تضلّوا بعدي : كتاب اللّه حبلٌ ممدودٌ مِن السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولنْ يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) (4) .
وقد أوضح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) معنى العترة : فعن الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : سئل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن معنى قول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( إنّي مخلّفٌ فيكم الثقلين ، كتاب اللّه وعترتي ) ، مَن العترة ؟.
فقال : ( أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة مِن ولد الحسين ، تاسعهم مهديّهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم ، حتّى يردا على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) حوضه ) .
وهذا الحديث يدلّ بوضوح أنّ القرآن الكريم والعترة النبويّة الطاهرة ، صِنوان مقترنان مدى الدهر ، لا ينفكّ احدهما عن قرينه ، وأنّه كما يجب أنْ يكون القرآن دستوراً للمسلمين وحجّةً عليهم ، كذلك وجَب أنْ يكون في كلّ عصر إمامٍ من أهل البيت ( عليهم السلام ) يتولّى إمامة المسلمين ، ويوجّههم وجهة الخير والصلاح .
وقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( مَن أحبَّ أنْ يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعَدَني ربّي وهي جنّة الخُلد ، فليتولّ عليّاً وذرّيته من بعده ، فإنهم لنْ يخرجوكم مِن باب هدىً ، ولنْ يدخلوكم باب ضلالة ) (5) .
إلى كثير من الأحاديث النبوية المحرضة على موالاة أهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بهم .
3 - طاعتهم : قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء : 59].
ولقد أوجب اللّه تعالى على المسلمين في الآية الكريمة طاعة الأئمّة مِن آلِ محمّدٍ بِصفتهم خُلفاء رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وأُمراء المسلمين ، وقادة الفكر الإسلامي ، ليستضيئوا بهُداهم ، وينتفعوا بتوجيههم الهادف البنّاء ، ولا ينحرفوا عن واقع الإسلام ، ونهجه الأصيل .
فرَض طاعتهم ، كما فرض طاعته وطاعة رسوله ، سَواء بسواء , وهذا ما يشعر بخلافتهم الحقّة عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وعصمتهم مِن الآثام ؛ لأنّ الطاعة المطلقة لا يستحقّها إلاّ الإمام المعصوم ، الذي فرض اللّه طاعته على العباد .
فمِن الخطأ الكبير تأويل ( أُولي الأمر ) وحملها على سائر أُمراء المسلمين ، لمخالفة الكثيرين منهم للّه تعالى ورسوله ، وانحرافهم عن خطّ الإسلام .
يُحدّثنا زرارة ، وهو مِن أجلّ المحدّثين والرواة ، عن فضل موالاة الأئمّة مِن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وضرورة طاعتهم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : ( بُني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحجّ ، والولاية ) , قال زرارة : فقلت وأيّ شيء مِن ذلك أفضل ؟ , قال : ( الولاية ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهن..)
إلى أنْ قال : ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( ذروة الأمر ، وسنامه ، ومفتاحه ، وباب الأشياء ورضا الرحمان الطاعة للإمام ، بعد معرفته .
إنّ اللّه عزّ وجل يقول : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } [النساء : 80] .
أما لو أنّ رجلاً قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدّق بجميع ماله ، وحجّ دهره ، ولم يَعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على اللّه حقٌّ في ثواب ، ولا كان من أهل الإيمان ) (6) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( وصل اللّه طاعة وليّ أمره.. بطاعة رسوله ، وطاعة رسوله... بطاعته ، فمَن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللّه ولا رسوله ) (7) .
4 - أداء حقّهم مِن الخُمس : قال تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [الأنفال : 41] .
وهذا الحقّ فرضٌ محتّم على المسلمين ، شرّعه اللّه عزّ وجل لأهل البيت ( عليهم السلام ) ومَن يمُتّ إليهم بشرف القُربى والنسَب .
وهو حقٌّ طبيعي يفرضه العقل والوجدان ، كما يفرضه الشرع .
فقد درجت الدوَل على تكريم موظّفيها والعاملين في حقولها ، فتمنحهم راتباً تقاعديّاً يتقاضوه عِند كبر سنّهم ، ويورّثونه لأبنائهم ، وذلك تقديراً لجهودهم في صالح أُممهم وشعوبهم .
وقد فرض اللّه الخُمس لآل محمّد وذراريهم ، تكريماً للنبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وتقديراً لجهاده الجبّار ، وتضحياته الغالية ، في سبيل أُمّته ، وتنزيهاً لآله عن الصدقة والزكاة .
وقد أوضح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مفهوم ذي القربى ، فقال : ( نحن واللّه الذين عنى اللّه بذي القربى ، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه ، فقال : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [الحشر : 7] .
منّا خاصّة ؛ لأنّه لم يجعل لنا سَهماً في الصدقة ، وأكرم اللّه نبيّه ، وأكرمنا أنْ يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس ) (8) .
وعن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : أصلحك اللّه ، ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ , قال : ( مِن أكل مال اليتيم درهماً ، ونحن اليتيم ) (9).
5 - الإحسان إلى ذرّيتهم : من دلائل مودّة الأئمّة الطاهرين ( عليهم السلام ) ، ومقتضيات ولائهم ، والوفاء لهم رعاية ذراريهم ، والبِرّ بِهم ، والإحسان إليهم , وهم جديرون بذلك لشرف انتمائهم إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، وانحدارهم مِن سلالة أبنائه المعصومين (عليهم السلام ) .
وقد أعرب النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) عن اغتباطه وحبّه لمُبجّليهم ومكرميهم ، كما أوضح استنكاره وسخطه على مؤذيهم والمسيئين إليهم .
فعن الرضا عن آبائه عن عليّ ( عليه السلام ) ، قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : أربعةٌ أنا لهم شفيع يوم القيامة : المُكرم لذُرّيتي مِن بعدي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في أمولهم عند اضطرارهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه ) (10) .
وعن الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : إذا قمتُ المقام المحمود ، تشفّعت في أصحاب الكبائر مِن أُمّتي ، فيُشفّعني اللّه فيهم , واللّه لا تشّفعت فيمَن آذى ذرّيتي ) (11) .
6 - مدحهم ونشر فضلهم : طبع النُّبلاء على تقدير العظماء والمجلّين في ميادين الفضائل والمكرمات ، فيطرونهم بما يستحقّونه مِن المدح والثناء ، تكريماً لهم وتخليداً لمآثرهم .
وحيث كان الأئمّة الطاهرون أرفع الناس حسباً ونسباً ، وأجمعهم للفضائل ، وأسبقهم في ميادين المآثر والأمجاد ، استحقّوا مِن مواليهم ومحبّيهم أنْ يعربوا عمّا ينطوون عليه مِن عواطف الحبّ والولاء ، وبواعث الإعجاب والإكبار ، وذلك بمدحهم ، ونشر فضائلهم ، والإشادة بمآثرهم الخالدة ، تكريماً لهم ، وتقديراً لجهادهم الجبّار ، وتضحياتهم الغالية في خدمة الإسلام والمسلمين.
وناهيك في فضلهم أنّهم كانوا غياث المسلمين ، وملاذهم في كلّ خَطب ، لا يألون جُهداً في إنقاذهم ، وتحريرهم مِن سطوة الطغاة والجائرين ، وإمدادهم بأسمى مفاهيم العزّة والكرامة ، ما وسَعهم ذلك حتّى استشهدوا في سبيل تلك الغاية السامية .
والناس إزاء أهل البيت ، فريقان : فريقٌ حاقد مُبغض ، ينكر فضائلهم ومُثلهم الرفيعة ويتعامى عنها ، رغم جمالها وإشراقها ، فهو كما قال الشاعر :
ومَن يك ذا فَمٍ مُرّ مريضٍ يجِد مُرّاً به الماء الزلالا
وفريقٌ والهٌ بحبّهم وولائهم ، شغوفٌ بمناقبهم ، طروبٌ لسماعها ، ويلهج بترديدها والتنويه عنها وإنْ عانى في سبيل ذلك ضروب الشدائد والأهوال , وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقوله : ( لو ضَربتُ خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أنْ يبغضني ما أبغضني ، ولو صبَبت الدنيا بجماتها على المنافق ، على أنْ يحبّني ما أحبّني ، وذلك أنّه قضى فانقضى على لسان النبيّ الأُمّي ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، أنّه قال : يا علي ، لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق ) .
مِن أجل ذلك كان العارفون بفضائلهم ، والمتمسّكون بولائهم ، يتبارون في مدحهم ، ونشر مناقبهم ، معربين عن حبّهم الصادق وولائهم الأصيل ، دونما طلبِ جزاءٍ ونوال .
وكان الأئمّة ( عليهم السلام ) يستقبلون مادحيهم بكلّ حفاوة وترحاب ، شاكرين لهم عواطفهم الفيّاضة ، وأناشيدهم العذبة ، ويكافؤنهم عليها بما وسِعت يداهم مِن البرِّ والنوال ، والدعاء لهم بالغفران ، وجزيل الأجر والثواب .
فقد جاء في ( خزانة الأدب ) : حكى ( صاعد ) مولى الكميت ، قال : دخلت مع الكميت على عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) فقال : إنّي قد مدحتك بما أرجو أنْ يكون لي وسيلة عند رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، ثمّ أنشده قصيدته التي أوّلها :
مَن لقلب متيم مستهام غير ما صبوة ولا أحلام
فلمّا أتى على آخرها ، قال له : ( ثوابك نعجز عنه ، ولكن ما عجزنا عنه فإنّ اللّه لا يعجز عن مكافأتك ، اللهمّ اغفر للكميت ) .
ثمّ قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمِئه ألف درهم ، وقال له : ( خذ يا أبا المستهل ) .
فقال له : لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي ، ولكن إنْ أحببت أنْ تحسن إليّ فادفع إليّ بعض ثيابك أتبرّك بها ، فقام فنزع ثيابه ودفعها إليه كلّها ، ثمّ قال : ( اللهم إنّ الكميت جاد في آل رسولك وذرّية نبيّك بنفسه حين ضنّ الناس ، وأظهر ما كتمه غيره من الحقّ ، فأحيه سعيداً وأمته شهيداً ، وأره الجزاء عاجلاً ، وأجزل له المثوبة آجلاً ، فإنّا قد عجزْنا عن مكافأته ) .
قال الكُميت : مازلت أعرف بركة دعائه (12) .
وقال دعبل : دخلت على عليّ بن موسى الرضا ( عليه السلام ) - بخراسان - فقال لي : ( أنشدني شيئاً ممّا أحدثت ) ، فأنشدته :
مدارس آياتٍ خلت مِن تلاوة ومنزل وحي مقفرٍ العرصات
حتّى انتهيت إلى قولي :
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ
فبكى حتّى أُغمي عليه ، وأومأ إلى خادم كان على رأسه : أنْ اسكت ، فسكتُّ فمكث ساعة ثمّ قال لي : أعد .
فأعدتُ حتّى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً ، فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولى ، وأومأ الخادم إليّ أنْ أسكت ، فسكت .
فمكث ساعة أُخرى ، ثمّ قال لي : أعد , فأعدت حتّى انتهيت إلى آخرها ، فقال لي : أحسنت ثلاث مرّات .
ثمّ أمر لي بعشرة آلاف درهم ، ممّا ضرب باسمه ، ولم تكن دُفِعت إلى أحدٍ بعد .
وأمر لي مِن في منزله ، بحليّ كثيرٍ أخرجه إليّ الخادم ، فقدِمت العراق ، فبعت كلّ درهم منها بعشرة دراهم ، اشتراها منّي الشيعة ، فحصل لي مِئة ألف درهم ، فكان أوّل مالٍ اعتقدته .
قال ابن مهرويه : وحدّثني حذيفة بن محمّد ، أنّ دعبلاً قال له : إنّه استوهب مِن الرضا ( عليه السلام ) ثوباً قد لبسه ، ليجعله في أكفانه , فخلع جبّةً كانت عليه ، فأعطاه إيّاها , فبلغ أهل قم خبرها ، فسألوه أنْ يبيعهم إيّاها بثلاثين ألف درهم ، فلم يفعل ، فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصباً ، وقالوا له : إنْ شئت أنْ تأخذ المال فافعل ، وإلاّ فأنت أعلم , فقال لهم : إنّي واللّه لا أعطيكم إيّاها طوعاً ، ولا تنفعكم غصباً ، وأشكوكم إلى الرضا ( عليه السلام ) . فصالحوه ، على أنْ أعطَوه الثلاثين ألف درهم وفردكم مِن بطانتها ، فرضي بذلك , فأعطوه فردَكم فكان في أكفانه (13) .
وكم لهذه القصص مِن أشباهٍ ونظائر ، يطول عرضها وتعدادها في هذا المجال المحدود .
7 - زيارة مشاهدهم : ومِن حقوقهم على مواليهم وشيعتهم ، زيارة مشاهدهم المشرّفة ، والتسليم عليهم , فإنّها مِن مظاهر الحبّ والولاء ، ومصاديق الوفاء والإخلاص فهم سيّان ، أحياءً وأمواتاً.
قال الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه : ( إنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) والأئمّة مِن عترته خاصّة ، لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا ، بإعلام اللّه تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال ، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام ، بلطيفةٍ من لطائف اللّه تعالى ، بيّنهم بها مِن جمهور العباد ، وتبلغهم المناجاة من بُعد ، كما جاءت به الرواية ، وهذا مذهب فقهاء الأمامية كافّة .
وقد قال اللّه تعالى فيما يدلّ على جملته : {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [آل عمران : 169، 170] .
وقال في قصّة مؤمن آل فرعون : {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } [يس : 26، 27].
وقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( مَن سلّم عليّ عند قبري سمعته ، ومَن سلّم عليّ مِن بعيد بلغته ) , سلام اللّه عليهم ورحمته وبركاته .
وقد تواترت نصوص أهل البيت ( عليهم السلام ) ، في فضل زيارة مشاهدهم ، وما تشتمل عليه من الخصائص الجليلة ، والثواب الجم .
فعن الوشّا ، قال : سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول : ( إنّ لكلّ إمامٍ عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ مِن تمام الوفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه ، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة ) (14) .
وعن زيد الشحّام قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السلام ) : ما لِمَن زار واحداً منكم ؟ , قال : ( كمَن زار رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ) (15) .
وعن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) قال : ( إذا كان يوم القيامة ، كان على عرش الرحمان أربعةٌ مِن الأوّلين ، وأربعةٌ مِن الآخرين ، فأمّا الأربعة الذين هُم مِن الأوّلين : فنوحٌ وإبراهيم وموسى وعيسى ، وأمّا الأربعة مِن الآخرين : محمّدٌ وعليّ والحسن والحسين ( عليهم السلام ). ثمّ يُمدّ الطعام فيقعد معنا مَن زار قبور الأئمّة ، ألا إنّ أعلاهم درجة وأقربهم حبوةً زوّار قبر ولدي ) (16) .
وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : زارنا رسول اللّه وقد أهدت لنا أُمّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً ، قدّمنا منه ، فأكل ، ثمّ قام إلى زاوية البيت فصلّى ركعات ، فلمّا كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً ، فلَم يسأله أحدٌ منّا إجلالاً وإعظاماً ، فقام الحسين في الحجرة وقال له : يا أبه لقد دخلت بيتنا ، فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ، ثمّ بكيت بكاءً غمّاً ، فما أبكاك ؟, فقال : يا بني ، أتاني جبرئيل آنفاً ، فأخبرني أنّكم قتلى ؟, وأنّ مصارعكم شتّى , فقال : يا أبه ، فما لِمَن يزور قبورنا على تشتّتها ؟, فقال : يا بني ، أُولئك طوائف من أُمّتي، يزورونكم ، فيلتمسون بذلك البركة ، وحقٌ عليّ أنْ آتيهم يوم القيامة حتّى أُخلّصهم مِن أهوال الساعة مِن ذنوبهم ، ويسكنهم اللّه الجنّة ) (17) .
_____________________
1- انظر مصادر الحديث ورواته في الغدير ، للحجّة الأميني : ج 10 , ص 359 - 360 .
2- المراجعات : ص 21 .
3- المراجعات : ص17 .
4- المراجعات : ص 14 .
5- المراجعات : ص 156 .
6- سفينة البحار : ج 2 ، ص 691 نقل بتصرّف .
7- سفينة البحار : ج 2 ، ص 691 .
8- الوافي : ج 6 ، ص 38 ، عن الكافي .
9- البحار : م 20 ، ص 48 ، عن كمال الدين للصدوق ، وتفسير العيّاشي .
10- البحار : م 20 ، ص 57 ، عن عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) .
11- البحار : م 20 ، ص 57 ، عن أمالي الصدوق .
12- الغدير : ج 2 ، ص 189 .
13- الغدير : ج 2 ، ص 350 - 351 .
14- البحار : م 22 ، ص 6 عن عيون أخبار الرضا ، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه .
15- البحار : م 22 ص 6 ، عن عيون أخبار الرضا ، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه .
16- البحار : م 22 ، ص 8 ، عن الكافي .
17- البحار : م 22 ، ص 7 عن كامل الزيارة ، وأمالي ابن الشيخ الطوسي (ره) .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|