أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016
1300
التاريخ: 21-9-2016
2359
التاريخ: 20-9-2016
1592
التاريخ: 20-9-2016
1432
|
وهذه القاعدة أيضاً من القواعد المعروفة المشهورة، والبحث فيها يستدعي التكلّم في مقامات:
المقام الأوّل: في مستند هذا الاشتراك الذي يرجع إلى عدم شرطية الإيمان المقابل للكفر في باب التكاليف والأحكام، وهو امور:
الأوّل: ثبوت الشهرة وتحققها من فقهائنا قديماً وحديثاً على وفقه (1) ، بل يظهر من عبارة كثير من الأصحاب دعوى الإجماع عليه؛ فإنّهم يعبّرون عنه بلفظ عندنا وعند علمائنا ونحو ذلك(2) ، بل ربما يقال : إنّه من ضروريات مذهب الإمامية ، والظاهر أنّ المراد كونه من ضروريات فقههم لا ضروريات مذهبهم.
ولكنّ الظاهر أنّه لا حجية لهذا الإجماع ؛ لأنّه- مضافاً الى وجود المخالف في المسألة كالمحدّث الكاشاني (3) والأمين الأسترابادي (4) وصاحب الحدائق (5) على ما حكي عنهم، وإلى أنّ الإجماع المنقول لا حجية فيه كما بيّن في محلّه- لا يكون هذا الإجماع كاشفاً؛ لاحتمال كون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية، فلا يكون للإجماع أصالة وكاشفية بوجه.
الثاني: إطلاق أدلّة التكاليف وعدم تقييد العناوين المأخوذة فيها بقيد الإيمان غالباً، كما في مثل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا } [النساء: 1] ، وغيرهما ممّا هو شامل للكافر أيضاً وأمّا ما وقع فيه عنوان المؤمن، كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] إلى آخر الآية. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } [المائدة: 6] إلى آخر الآية. وغيرهما من الآيات التي وقع فيها بيان التكليف بصورة الخطاب للمؤمنين (6).
فالظاهر أنّه لا دلالة فيه على الاختصاص، بل الخطاب إلى المؤمنين إنّما هو لأجل كونهم متصدّين لإطاعة التكاليف والإتيان بالوظائف، وإلّا فربّما وقع هذا النحو من التعبير في باب الاصول الاعتقادية، مع أنّه لا شبهة في اشتراك الكفّار مع المؤمنين في هذه المسائل؛ ضرورة أنّ الكافر يجب عليه أن يرفع اليد من الكفر ويؤمن بما آمن به المؤمن، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ } [النساء: 136] إلى آخر الآية.
فيستفاد منه أنّ تخصيص الخطاب بالمؤمنين ليس لأجل اختصاص الحكم بهم.
نعم، قد يقع بيان الحكم بصورة الخطاب إلى شخص خاصّ أو طائفة خاصّة، كزرارة مثلًا، وفي مثله تجرى قاعدة الاشتراك المتقدّمة، ومقتضاها عدم الفرق بين المؤمن والكافر أيضاً، كما لا يخفى.
الثالث: ما ربما يقال من أنّه لا ريب في كون الكفّار مكلّفين بالإيمان، وقد ورد في بعض الأخبار أنّ الإيمان ليس مجرّد الاعتقاد بالعقائد الحقّة، بل هو مع العمل بالأركان وإطاعة الوظائف والأحكام (7).
واورد عليه بأنّ الإيمان ليس هي المواظبة على جميع الأحكام قطعاً، والترجيح لبعض الأحكام لا وجه له، ولا ريب أنّ فاعل المحرّمات وتارك الواجبات مع اعتقاده العقائد الحقّة يسمّى مؤمناً مسلماً، فما في الرواية المتقدّمة يكون تعريفاً للإيمان الكامل، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] .
الرّابع: بعض الآيات الظاهرة في أنّهم مكلّفون بالفروع، كقوله تعالى حكاية عنهم بعد السؤال عنهم عن أنّه : {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 42 - 46].
وقوله تعالى: { فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} [القيامة: 31].
وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 6، 7].
واورد عليه بأنّ قوله تعالى: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، لا دلالة على كونهم مكلّفين بالصلاة في حال الكفر، بل لعلّ المراد أنّه لو آمنّا وصرنا مكلّفين بالصلاة وصلّينا لنجونا، ولكن لم نك من المصلّين؛ لعدم كوننا من المسلمين، وكذا قوله تعالى: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى لا يدلّ على التكليف بالصلاة في حال عدم التصديق، بل مثل هذه العبارة يقال كثيراً في الأمرين المترتّبين أو الامور المترتبة؛ فإنّه إذا قيل لزيد: «أضف عمراً، وإذا أضفته فأعطه درهماً»، فإنّ الإعطاء وجوبه مشروط بالضيافة، بحيث لو لم يمكن الضيافة لا يجب الإعطاء، فإذا ترك زيد كليهما يقال: «لا أضاف ولا أعطى»، ولا يلزم وجوب كلّ منهما وجوباً مطلقاً (8).
هذا، والظاهر كون هذا الإيراد مخالفاً لظاهر الآية؛ فإنّ ذكر ترك الصلاة أوّلًا بعنوان العلّة الموجبة للسلوك في سقر لا يلائم مع عدم التكليف بها في حال الكفر، وبعبارة اخرى: إذا لم يكن الكافر مكلّفاً بالصلاة أصلًا، فلا وجه لأن يقال: إن بان ترك الصلاة صار موجباً لوقوعه في سقر في رديف الخوض مع الخائضين، والتكذيب بيوم الدين الذي هو عبارة اخرى عن الكفر، فالظاهر تمامية الاستدلال بالآية، وكذا بالآيتين بعدها.
نعم، أجاب صاحب الحدائق عن الآية الاولى بأنّ المراد من قوله تعالى: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أنّه لم نك من أتباع الأئمة عليهم السلام، كما في تفسير عليّ بن إبراهيم(9)، فيكون المصلّي بمعنى الذي يلي السابق(10) (11).
ويدفعه وضوح كونه خلاف ظاهر الآية، خصوصاً مع ملاحظة قوله: وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، والرواية لعلّها ناظرة إلى كونه من بطون القرآن.
الخامس: ما ربما يقال: من أنّه لولا تكليف الكفّار بالفروع يلزم أن يكون الكافر القاتل للنبيّ صلى الله عليه وآله والمعين له من الكفّار متساويين في العقاب؛ لفرض عدم التكليف، مع أنّ ضرورة العقل قاضية بخلافه، وليس ذلك إلّا من جهة كونه معاقباً على الفروع ومكلّفاً بها كالأصول(12).
وربما يجاب بأنّ عدم تساويهما لا يستلزم كونهما مكلّفين بفروع شرع الإسلام؛ لأنّه يمكن أن تكون العلّة هي قبح القتل في شرع الكفر أيضاً.
وردّ هذا الجواب بأنّ ثبوت الإسلام ناسخ للشرائع السّابقة، فلا دين غيره حتى يكون التفاوت لأجل مخالفة ذلك الدين دون الإسلام، فلا ينافي عدم كونه مكلّفاً في شرعنا الذي هو محلّ الخلاف في هذا المقام.
وقال صاحب العناوين: يمكن أن يقال: إنّ نزاع التكليف بالفروع إنّما هو في الفروع الثابتة بالشرع ابتداءً، وأمّا ما يستقل به العقل- كالظلم والقتل ونحو ذلك- فلا بحث في كون الكافر مؤاخذاً به ومعاقباً عليه.
وما ذكرته من المثال إنّما هو من الثاني دون الأوّل، أو يقال: إنّ نسخ الإسلام للشرائع السّابقة فيما استقلّ به العقل ممنوع، بل هو باقٍ على حكم الشرائع السّابقة، فيكون العقاب لقبحه في شرعهم كشرعنا، ومجرّد فرض كون العقاب إنّما هو لمخالفة هذا الشرع دون السابق إنّما ينفع في إثبات كون شرعنا مطاعاً من حيث هو كذلك ، فما وافق الشرع السابق أيضاً يؤخذ من حيث كونه من شرعنا، لا من حيث كونه من الشرع السابق، ولا من حيث الاجتماع، ولا ينفع في مقامنا هذا؛ إذ الدليل قضى بالتفاوت بين القاتل والمعين، وأمّا أنّ ذلك لجهة شرعنا أم لا، فلا يقضي به ذلك (13).
أقول: عطف القتل على الظّلم فيما استقلّ العقل بقبحه ممنوع؛ لأنّ القتل ربما ينطبق عليه بعض العناوين المحسّنة بل المشتملة على المصلحة الملزمة، فيستدعي وجوبه، ولا أقلّ مشروعيته وجوازه، كالقتل الواقع قصاصاً، والقتل الواقع حدّاً، وليس شيء ممّا يستقلّ به العقل خارجاً عن حكمه باعتبار عروض بعض العناوين، فالظلم بعنوانه قبيح مطلقاً، والقتل القبيح إنّما هو فيما إذا انطبق عليه عنوان الظلم، ولا مجال لعطف القتل على الظلم في الحكم بالقبح مطلقاً.
وعلى ما ذكرنا فيمكن أن لا يكون هناك تكليف منجّز ولا عقوبة على قتل الكافر النبيّ صلى الله عليه وآله فيما إذا كان اعتقاده كذبه، وأنّه مخالف لما هو دين اللَّه، وأنّه يجب أن يقتل خوفاً من الإضلال، كما هو الغالب في وجه هذا النحو من القتل، وهذا بخلاف الظلم الذي لا ينفك عن استحقاق العقوبة بوجه، فتدبّر.
السادس: بعض الروايات التي يستفاد منها ذلك، كرواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أخبرني عن الفرائض التي فرض اللَّه على العباد ما هي؟
قال: شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً رسول اللَّه، وإقام الصّلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان، والولاية، فمن أقامهنّ، وسدّد، وقارب، واجتنب كلّ مسكر، دخل الجنّة(14)؛ فإنّ مورد السؤال ما افترض اللَّه على عموم العباد؛ لأنّ الجمع المحلّى يفيد العموم، وظاهر الجواب في نفسه أيضاً ذلك؛ لأنّه جعل الواجبات الفرعية عطفاً على الشهادتين اللتين تجبان على جميع العباد بلا إشكال، والاقتصار في الجواب على الامور الخمسة بلحاظ أهميّتها وعلوّ شأنها، كما يظهر من الرواية المعروفة الدالّة على أنّ الإسلام بني على خمس(15)، وليس ذلك لأجل اختصاص العمومية بهذه الخمسة، ويؤيّده ذيل الرواية الظاهر في توقّف دخول الجنّة على اجتناب المسكر ومثله أيضاً، كما لا يخفى.
وصحيحة البزنطي قال: ذكرت لأبي الحسن الرّضا عليه السلام الخراج وما سار به أهل بيته، فقال: العشر ونصف العشر على من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده، واخذ منه العشر في ما عمر منها وما لم يعمر منها، أخذه الوالي فقبله ممّن يعمره، وكان للمسلمين، وليس في ما كان أقلّ من خمسة أو ساق شيء، وما اخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها، والناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السّواد، وقد قبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر(16).
والاستدلال بها مبنيّ على كون المراد من العشر ونصف العشر هو الزكاة التي مقدارها كذلك، ولكنّ الظاهر خصوصاً بملاحظة قوله عليه السلام: «يقبله بالّذي يرى»، وبملاحظة قوله عليه السلام: والناس يقولون: «لا تصلح قبالة الأرض»، هو أنّ العشر ونصف العشر جزء من قبالة الأرض المجعولة من قبل الإمام لا من باب الزكاة.
السّابع: قاعدة الجبّ المستفادة من قوله صلى الله عليه وآله: الإسلام يجبّ ما قبله ، وتقريب دلالتها على الاشتراك في المقام أنّه على تقدير اختصاص الأحكام الفرعيّة بالمؤمنين، يلزم اختصاص مورد قاعدة الجبّ ومفادها بخصوص الكفر والشرك المتحقّق قبل الإسلام، بحيث كان مُفاد القاعدة: أنّ الإسلام يجبّ ما قبله من الشرك والكفر ويجعلهما كالعدم، مع أنّ شأن ورودها- كما تقدّم في البحث فيها- هو بعض الأحكام الفرعيّة، مثل القتل وشبهه، مع أنّ الفقهاء- رضي اللَّه عنهم- يستدلّون بها على جبّ مثل ترك الصلاة والصوم والزكاة وأشباهها ، فهذه القاعدة أيضاً دليل على الاشتراك في المقام.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا تماميّة أكثر أدلّة المشهور القائلين بالاشتراك، وأمّا المنكرون له فقد استدلّوا بوجوه تعرّض في الحدائق لخمسة منها(17) :
منها: عدم الدليل على الاشتراك، وهو دليل العدم.
ويدفعه وجود أدلّة المشهور التي عرفت تمامية أكثرها.
ومنها: الرّوايات الظاهرة في توقّف التكليف على الإقرار والتصديق بالشهادتين، كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إنّ اللَّه عزّ وجلّ بعث محمّداً صلى الله عليه وآله إلى الناس أجمعين رسولًا وحجّة للَّه على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن باللَّه وبمحمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله واتّبعه وصدّقه، فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن باللَّه وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن باللَّه ورسوله ويعرف حقّهما؟ الحديث(18).
قال في الوافي بعد نقل هذه الرّواية: وفي هذا الحديث دلالة على أنّ الكفّار ليسوا مكلّفين بشرائع الإسلام كما هو الحقّ، خلافاً لما اشتهر بين متأخّري أصحابنا(19).
والظاهر أنّ وجه الدلالة أنّه إذا لم تجب معرفة الإمام على الكافر باللَّه ورسوله، فعدم وجوب سائر التكاليف وعدم ثبوتها يكون بطريق أولى، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الوصول والاطّلاع على سائر الأحكام يكون نوعاً من طريق الإمام عليه السلام.
وما رواه علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره المعروف في تفسير قوله تعالى : {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7] عن أبان بن تغلب قال: قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: يا أبان أترى أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به، حيث يقول: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} ؟ قلت له: كيف ذاك جعلت فداك؟ فسِّره لي. فقال: ويل للمشركين الّذين أشركوا بالإمام الأوّل وهم بالأئمّة الآخرين كافرون، يا أبان إنّما دعا اللَّه العباد إلى الإيمان به، فإذا آمنوا باللَّه وبرسوله إفترض عليهم الفرائض(20).
وما رواه في الاحتجاج في احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على زنديق من قوله عليه السلام: وأمّا قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ: 46] فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- نزّل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة، كما خلق السّموات والأرض في ستّة أيّام، ولو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر لخلق، ولكنّه جعل الأناة والمداراة مثالًا لأمنائه ، وإيجاباً للحجّة على خلقه، فكان أوّل ما قيّدهم به: الإقرار بالوحدانية والرّبوبية، والشهادة بأن لا إله إلّا اللَّه، فلمّا أقرّوا بذلك تلاه بالإقرار لنبيّه صلى الله عليه وآله بالنبوّة والشهادة له بالرّسالة، فلمّا انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة، ثمّ الصوم، ثمّ الحجّ، ثمّ الجهاد، ثمّ الزكاة، ثم الصدقات وما يجري مجراها من مال الفيء(21).
أقول: الظاهر أنّ الرّواية الأخيرة لا دلالة لها على مرام القائل بالاختصاص وإن كان فيها إشعار بذلك؛ فإنّ ظاهرها بيان كون نزول الأحكام إنّما هو بنحو التدريج والتدرّج، والكلام إنّما هو بعد النّزول، ولو قيل بثبوت الدلالة لكان اللازم الالتزام بالترتيب في مسألة الوحدانية والرّسالة، مع أنّه لا ترتيب بينهما من حيث الوجوب، وكذا الالتزام بالترتيب في الأحكام الفرعية بين الصلاة والصوم، وبين الصوم والحج الخ، مع أنّه لم يقل به أحد.
وأمّا الرّوايتان الأوّلتان فقد أجاب عنهما الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره في كتاب طهارته في مسألة وجوب الغسل من الجنابة وغيرها من الأحداث على الكافر بأقسامه عند حصول سببه بما لفظه: إنّا لا نقول بكون الكفّار مخاطبين بالفروع تفصيلًا، كيف وهم جاهلون بها غافلون عنها؟! وكيف يعقل خطاب منكري الصانع والأنبياء؟! وعلى تقدير الالتفات فيستهجن بل يقبح خطاب من أنكر الرّسول بالإيمان بخليفته والمعرفة بحقّه وأخذ الأحكام منه، بل المراد أنّ المنكر للرسول صلى الله عليه وآله مثلًا مخاطب بالإيمان به والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، فإن آمن وحصل ذلك كلّه كان مطيعاً، وإن لم يؤمن ففعل المحرّمات وترك الواجبات عوقب عليها كما يعاقب على ترك الإيمان؛ لمخاطبته بها إجمالًا وإن لم يخاطب تفصيلًا بفعل الصلاة وترك الزنا ونحو ذلك لغفلته عنها.
نظير ذلك ما إذا أمر الملك أهل بلد نصب لهم حاكماً بالإذعان بولايته من قبل الملك، والانقياد له في أوامره ونواهيه المسطورة في طومار بيده، فلم تذعن تلك الرعية لذلك الحاكم ولم يلتفتوا إلى ذلك الطومار ولم يطّلعوا عليه أصلًا، فاتّفق وقوعهم من أجل ذلك في كثير من النواهي وترك الأوامر الموجودة فيه؛ فإنّه لا يقبح عقابهم على كلّ واحد واحد من تلك المخالفات؛ لكفاية الخطاب الإجمالي مع تمكّن المخاطب من المعرفة التفصيلة (22).
أقول: تارة تلحظ الروايتان مع قطع النظر عن التعليل الوارد فيهما، واخرى مع ملاحظته.
ففي الأوّل: لا مجال للمناقشة فيهما؛ لظهورهما في أنّ التكليف بمثل الصلاة والصيام يختصّ بالمؤمن الذي آمن باللَّه وبرسوله، والقياس بالمورد المذكور في كلام الشيخ حينئذ مع الفارق؛ لأنّ في المقيس عليه يكون المفروض توجّه تكليفين من ناحية الملك: أحدهما متعلّق بقبول الولاية والإذعان لها، والثاني بالائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، وفي المقام لا يكون بحسب ظاهر الرّوايتين حكم مع عدم الإيمان باللَّه وبرسوله.
وبعبارة اخرى: ليس الكلام في المقام بهذا اللحاظ إلّا ما يكون مرتبطاً بمقام الإثبات، وهو أنّه هل الدليل على عدم الاختصاص أو عليه، موجود أم لا؟ وفي هذه المرحلة لا خفاء في ظهور الروايتين في الاختصاص.
وفي الثاني: وإن كان تجري المناقشة في التعليل؛ لظهوره في الاستحالة ولا أقلّ من الاستهجان، إلّا أنّ هذه المناقشة لا تسري إلى أصل الحكم المذكور فيهما، الذي هو العمدة في مقام الاستدلال، فاللازم أن يقال :
أمّا الرواية الثانية الواردة في تفسير الآية فهي في مقام بيان تأويل الآية؛ لأنّ حمل الشرك والكفر على الشرك بالأوّل والكفر بالآخرين لا يكون خارجاً عن التأويل بوجه، ولا ينافي الاستناد إلى ظاهر الآية الذي هو عبارة عن كون المراد بالشرك والكفر هو المعنى الظاهر منهما، وعن كون المشركين مأمورين بالزكاة، مضافاً إلى أنّ الشرك الملازم لعدم الإتيان بالزكاة ليس الشرك بالمعنى المذكور في الرواية، فتدبّر.
وأمّا الرواية الاولى، فهي دالّة على عدم كون الكافر مأموراً بالولاية ومعرفة الإمام، التي هي من الاصول الاعتقادية، مع أنّ الظاهر أنّه لا يقول القائل بالاختصاص بذلك أيضاً؛ فإنّ ظاهرهم التسلّم على ثبوت التكليف للكافر بالإضافة إلى جميع الاصول الاعتقاديّة، فالروايتان لا تصلحان للاستدلال بهما.
ومنها- وهو العمدة-: أنّ التكاليف ممتنعة الحصول من الكافر حال كفره؛ إذ لا إشكال في اشتراط الصحّة بالإسلام وعدم وقوع العبادة من الكافر متّصفة بالصّحة. ومقتضى قوله صلى الله عليه وآله الإسلام يجبّ ما قبله أنّ الإسلام مسقط لما قبله، فإذا كان كذلك فلا يمكن صدور العمل من الكافر على وجه يوافق الأمر، فلا مجال للقول بكون الكافر مكلّفاً بالفروع مع عدم جواز التكليف بما لا يطاق عندنا وعند أكثر العقلاء، ولو لم يكن ممتنعاً على تقدير الإسلام فهو لغو قطعاً؛ إذ طلب الفعل على تقدير- لو اريد الإتيان به على ذلك الفرض لسقط الخطاب- خال عن الفائدة بالمرّة .
والجواب عنه- مضافاً إلى أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، وإلى أنّ قاعدة الجبّ كما مرّ البحث فيها سابقاً، لا تشمل جميع التكاليف والأحكام الوضعيّة-: ما مرّ في تلك القاعدة أيضاً من أنّ هذا الإشكال إنّما يرد على تقدير اختصاص التكليف بالكافر وكونه المخاطب بالخصوص.
وأمّا على تقدير عموميّة الخطاب وثبوت التكليف بنحو العموم، فلا مجال لهذا الإشكال؛ لأنّه لا يعتبر في التكاليف والخطابات العامّة أن يكون جميع مصاديقها وأفرادها واجداً للشرائط، فيصحّ توجيه الخطاب إلى العموم وإن كان بعض الأفراد عاجزاً غير قادر؛ لأنّه لا يعتبر في صحّته إلّا عدم كون الأكثر كذلك، لا كون كلّ أفراده كذلك، ويدلّ عليه الرجوع إلى العقلاء الذين هم الملاك في الحكم بصحّة الخطاب وعدمها.
وبالجملة: لو كانت الخطابات العامّة منحلّة إلى الخطابات الجزئية المتكثّرة حسب تكثّر الأفراد وتعدّدها، لكان اللازم ملاحظة حال جميع الأفراد لفرض الانحلال. وأمّا مع عدم الانحلال كما هو الحقّ فلا مجال لملاحظة حال الجميع، فالتكليف يشمل العاجز أيضاً في ضمن العموم، غاية الأمر كون عجزه مانعاً وعذراً له في مقابل المولى، ولا يكاد يكون الكفر كذلك؛ لأنّه باختياره، ويمكن له رفع اليد عنه.
وهذا المعنى الذي ذكرناه لا يرتبط بمسألة القضية الحقيقية وكون الأحكام مبنيّة بمثلها، بل هو مبنيّ على كون الخطاب بنحو العموم غير المنحلّ إلى الخطابات الجزئية ولو لم تكن القضية حقيقية، فإذا قال المولى لعبيده المتعدّدين: سافروا غداً، يصحّ هذا الخطاب إذا كان أكثرهم قادرين على السفر وإن كان بعضهم غير قادر عليه، والمصحّح له كون الخطاب بنحو العموم وعدم الانحلال إلى تعدّد الخطابات حسب تعدّد العبيد، مع عدم كون القضية حقيقية بلا ريب، فما ذكرناه مبنيّ على افتراق الخطاب بنحو العموم عن الخطابات الشخصية، ولا يرتبط بالقضية الحقيقيّة بوجه.
وبالجملة: فهذا الدليل أيضاً غير وجيه.
ومنها : غير ذلك ممّا يظهر جوابه ممّا ذكرنا، أو يكون جوابه ظاهراً في نفسه؛ مثل لزوم التكليف بما لا يطاق لو كان الكافر مكلّفا بالفروع؛ لأنّه جاهل بالتكليف والأمر والنهي، وتكليف الجاهل قبيح. وما ورد ممّا ظاهره تخصيص الأمر بطلب العلم بالمسلم؛ كقوله صلى الله عليه وآله : طلب العلم فريضة على كلّ مسلم(23).
واختصاص الخطاب في ظواهر بعض الآيات بالمؤمنين؛ كقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] الآية ، وهو يوجب تقييد ما ورد بصورة العموم.
وعدم أمر النبي صلى الله عليه وآله كلّ من أسلم بالغسل مع العلم العادي بأنّه جنب.
والجواب عن الأخير: منع عدم الأمر، بل الظاهر أنّ الاغتسال بعد الإسلام كان من الامور المعتادة، كما هو المتداول في هذه الأزمنة ... وقد انقدح من جميع ما ذكرنا تمامية القاعدة من حيث المستند.
المقام الثاني: في مفاد القاعدة وما يراد منها، ونقول: المراد منها هو مجرّد اشتراك الكفار مع المؤمنين في التكاليف الانشائية والفعلية البالغة مرتبة البعث والزجر؛ بمعنى أنّه كما يكون المسلم مبعوثاً إلى مثل الصلاة، كذلك يتوجّه البعث إلى الكافر أيضاً من دون فرق، وكما يكون المسلم مزجوراً عن مثل شرب الخمر، كذلك يتوجّه الزجر إلى الكافر أيضاً بنفس ذلك الخطاب. وأمّا مرحلة التنجّز المتوقفة على الالتفات والعلم أو الاحتمال الذي لا يكون معذوراً فيه، فتتوقّف في الكافر على شرائطها كما تتوقّف في المسلم.
وعليه: فالتكليف في أكثر الكفّار لا يبلغ هذه المرحلة؛ للغفلة أو العلم بالخلاف باعتبار اعتقادهم بصحة مذهبهم أو بطلان الإسلام بالمرّة. ومنه يظهر أنّه لا مجال لعطف العقاب على التكليف في أكثر العبارات؛ فإنّ دائرة العقاب محدودة ببلوغ التكليف مرحلة التنجّز، بخلاف أصل التكليف الذي لا يشترط فيه الإسلام ولا العلم والالتفات أصلًا، كما لا يخفى.
المقام الثالث: في أنّه بعد ما لم يكن الإسلام شرطاً في أصل التكليف وفعليّته، فهل يكون شرطاً في الصحّة إذا كان العمل عبادة، أم لا يكون شرطاً فيها أيضاً ؟ ربما يقال: نعم ؛ لإجماع الأصحاب عليه (24) في ما عدا الوقف والصدقة والعتق، على القول باشتراط نيّة القربة فيها، ولاشتراط نيّة القربة في صحّة العبادة، وهي لا تتحقق من الكافر، ولقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54] .
ولدلالة الآيات الكثيرة على كون الكفار معذّبين بالنّار خالدين فيها (25) ، ولو كانت عباداتهم صحيحة لزم وصول الأجر إليهم في الآخرة وهو منفيّ بالآيات المذكورة ، ولقوله تعالى: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27] بضميمة أنّ أوّل التقوى الإسلام، ولدلالة الأخبار الكثيرة على بطلان عبادة المخالف(26)، فضلًا عن الكافر.
واجيب عن الإجماع بأنّه لا أصالة له ؛ لإحتمال استناده إلى الأدلّة الاخرى، وعن مسألة قصد القربة بأنّ عدم إمكانه إنّما هو في الكافر الجاحد بالربوبيّة مطلقاً، وأمّا الكافر المقرّ باللَّه المنكر لصفة أو للنبوّة، فيعقل فيه قصد القربة، خصوصاً إذا كان من المنتحلين للإسلام كالغلاة والنواصب، وترى أهل الكتاب يجتمعون في معابدهم ويعملون أعمالًا يكون الداعي لهم إليها التقرّب إلى اللَّه تعالى بالمعنى الشامل للوصول إلى الثواب والفرار عن العقاب.
نعم، يمكن أن يقال بأنّ العمل العبادي الذي يكون في الإسلام وليس له سابقة في الأديان لا يكون الكافر المنكر للنبوّة معتقداً بكونه مأموراً به من اللَّه تعالى ومقرّباً للعبد إليه. وعليه: فكيف يتمشّى منه قصد القربة مع هذا الاعتقاد؟
نعم، يمكن فرضه في الأعمال العبادية المشتركة، وهي قليلة؛ إذ الاختلاف موجود ولا أقلّ في الكيفية.
واجيب عن الاستدلال بقوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ... بأنّ القبول أخصّ من الصّحة.
وفيه: أنّ المراد بالقبول إن كان ترتّب الثواب فهو لا ينفك عن الصحة؛ لأنّه إذا كان العمل موافقاً للمأمور به جامعاً لجميع الخصوصيات المعتبرة فيه، فلا محالة يكون صحيحاً وتترتّب عليه المثوبة، وإن كان المراد به ما هو أعلى من ترتّب الثواب، فهو ممنوع؛ فإنّ القبول الفقهي مساوق للصحّة.
ودعوى أنّ ضمير الجمع في الآية يرجع إلى المنافقين، والبحث إنّما هو في الكافرين، مدفوعة بأنّ ظاهر الآية: أنّ المانع من القبول والعلّة المانعة عنه هو الكفر باللَّه والرّسول لا عنوان النّفاق.
واجيب عن الآيات الدالّة على أنّ الكفّار معذّبين بالنّار، بأنّه لا ينافي صحّة أعمالهم والمثوبة عليها في الدنيا، ويمكن أن يقال بتأثير عملهم في تخفيف العذاب، فإنّ للنار مراتب متفاوتة بالشدّة والضعف، كما أنّه يمكن أن يقال بأنّ التعذيب بالنار إنّما هو لأجل عدم إتيانهم خارجاً بما هو وظيفة لهم، والبحث إنّما هو في الصحّة على تقدير الإتيان.
وبعبارة اخرى: ما ذكر في مقام الاستدلال من أنّه لو كانت عباداتهم صحيحة لزم وصول الأجر إليهم في الآخرة، لابدّ وأن يكون المراد بالعبادات الواردة هي العبادات التي حثّ عليها في الإسلام، ومن الواضح عدم إتيانهم بشيء منها خارجاً، فلا ينافي كونهم معذّبين بالنار خالدين فيها، كما هو ظاهر.
وأمّا الأخبار الدالّة على بطلان عبادة المخالف، فظاهر أكثرها- مثل الرواية المعروفة الدالّة على أنّه بني الإسلام على خمس ، ومن جملتها الولاية، وأنّه لم يناد أحد بشيء ما نودي بالولاية (27) - أنَّ عمل غير القائل بالولاية حيث لا يكون بدلالة الوالي لا يكون من حيث الصحّة مورداً للاطمئنان؛ لعدم أخذه علم الأحكام من العالم بها المطّلع عليها، ولا دلالة له على البطلان مع الموافقة التامّة والاجتماع لشرائط الصّحة؛ لأجل عدم الاعتقاد بالولاية.
هذا، ومع ذلك كلّه لا يبعد القول ببطلان عبادة الكافر وإن كانت مشتملة على نيّة القربة؛ لتماميّة بعض الوجوه المذكورة، فتدبّر.
وأمّا الوقف والصدقة والعتق، فقد ذكر صاحب العناوين أنّ بعض من اعتبر قصد القربة فيها منع من صحّتها من الكافر(28)، وجماعة منهم قالوا بصحّتها، منهم:
الشهيد رحمه الله في اللمعة؛ فإنّه مع اشتراطه القربة في العتق قال: والأقرب صحّة العتق من الكافر(29) ، وخلافهم في هذه الثلاثة مع اتّفاقهم على بطلان سائر العبادات منه:
إمّا من جهة أنّ الدليل دلّ في هذه الامور على اعتبار إرادة وجه اللَّه تعالى، وهي ممكن من الكافر كما في الخبر: أنّه «لا عتق إلّا ما اريد به وجه اللَّه تعالى» (30).
وليس كذلك سائر العبادات، وقد علّل بذلك الشهيد الثاني رحمه الله (31).
وإمّا من جهة تركّب هذه الثلاثة من جهة ماليّة وجهة عبادة، ويرجّح من ذلك جانب الماليّة.
وإمّا من جهة أنّ هذه كلّها إخراج عن الملك، وملك الكافر أضعف من ملك المسلم، فهو أولى بالفكّ.
وإمّا من جهة أنّ الكافر ليس بمالك في الحقيقة، وإنّما هو صورة ملك لبقاء النّظم، فإذا أخرجه ودفعه خرج عن ملكه وإن لم يترتّب عليه الآثار من الثواب ونحوه.
ثمّ قال: والتحقيق أنّ هذه الثلاثة أيضاً ليست صحيحة من جهة كونها عبادة، ولذلك لا ثواب فيه. نعم، هي صحيحة من جهة كونها معاملة وفكّ ملك، غاية ما هناك أنّه يرد أنّ هاتين الجهتين مرتبطتان لاتنفكّ إحداهما عن الاخرى، ولذلك لو لم ينو المسلم القربة لم يصحّ عتقه أصلًا.
ونجيب عن ذلك بأنّ الكافر والمخالف يُلزم بمعتقده؛ فإنّ اعتقاده فيه الصحّة، وهذا المقدار يصير حجّة عليه في الخروج عن الملك، ويدخل في عموم «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» (32).
أقول: على تقدير القول ببطلان عبادة الكافر لابدّ من الالتزام بالبطلان في هذه الثلاثة أيضاً؛ إذ لم يقم دليل على الصحة فيها حتى يوجّه بما ذكر، وقاعدة الإلزام على تقدير جريانها في الكافر- مع أنّ موردها المخالف- تقتضي الحكم بصحّة سائر عباداته أيضاً، إلّا أن يقال بالفرق بينها وبين مثل الصلاة، فتدبّر.
هذا تمام الكلام في قاعدة اشتراك الكفّار مع المؤمنين في التكليف.
_______________
(1) الحدائق الناضرة: 3/ 39، العناوين: 1/ 23، مجمع الفائدة والبرهان: 3/ 236، ذخيرة المعاد: 563، مصباح الفقيه: 3/ 268، العناوين: 2/ 714، وغيرها ممّا تقدّم في ص 255.
(2) الحدائق الناضرة: 3/ 39، العناوين: 1/ 23، مجمع الفائدة والبرهان: 3/ 236، ذخيرة المعاد: 563، مصباح الفقيه: 3/ 268، العناوين: 2/ 714، وغيرها ممّا تقدّم في ص 255.
(3) الوافي: 2/ 82 ذ ح 523، تفسير الصافي: 2/ 394.
(4) الفوائد المدنية: 202- 226.
(5) الحدائق الناضرة: 3/ 39/ 40.
(6) كسورة التحريم 66: 8.
(7) عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/ 125 ب 35 قطعة من ح 1، وعنه وسائل الشيعة: 15/ 168، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 46 ح 33 والبحار: 68/ 262- 263 قطعة من ح 20، وفي البحار: 68/ 256 ح 15 عن الكافي: 2/ 27 ح 1، ويراجع الكافي: 2/ 33 باب أنّ الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلّها.
(8) العناوين: 2/ 716.
(9) تفسير القمّي: 2/ 395.
(10) الكافي: 1/ 419 ح 38.
(11) الحدائق الناضرة: 3/ 43.
(12) العناوين: 2/ 715.
(13) العناوين: 2/ 715.
(14) الفقيه: 1/ 131 ح 612، المحاسن: 1/ 452، كتاب مصابيح الظلم ب 46 ح 1041، وعنهما وسائل الشيعة: 1/ 19، أبواب مقدّمة العبادات ب 1 ح 17.
( 15) الكافي: 2/ 18- 21 ح 1، 3، 5، 7 و8 وج 4/ 62 ح 1، المحاسن: 1/ 445، ح 1033 تهذيب الأحكام: 4/ 151 ح 418، الفقيه: 2/ 44 ح 196، وعنها وسائل الشيعة: 1/ 13- 18، أبواب مقدّمة العبادات ب 1 ح 1، 2، 5، 10 و11 وغيرها.
( 16) تهذيب الأحكام: 4/ 119 ح 342، وعنه وسائل الشيعة: 15/ 158، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو ب 72 ح 2.
( 17) الحدائق الناضرة: 3/ 39- 40.
( 18) الكافي: 1/ 180 ح 3.
( 19) الوافي: 2/ 82 ذ ح 523.
( 20) تفسير القمّي: 2/ 262.
( 21) الاحتجاج: 1/ 601.
( 22) كتاب الطهارة( تراث الشيخ الأعظم): 2/ 569.
( 23) الكافي: 1/ 30 ح 1 وص 31 ذ ح 5، بصائر الدرجات: 2، 3 ح 1 و3، روضة الواعظين: 16، أمالي الطوسي: 488 صدر ح 1069، وص 569 صدر ح 1176، منية المريد: 18، وعنها وسائل الشيعة: 27/ 26- 30، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 4 ح 16، 18، 20، 23، 26، 27 و35.
( 24) العناوين: 2/ 720- 721، منتهى المطلب: 2/ 657( طبع الحجري)، مدارك الأحكام: 1/ 277، جواهر الكلام: 3/ 39.
( 25) كسورة البينّة 98: 6، وسورة البقرة 2: 39 و257.
( 26) وسائل الشيعة: 1/ 118، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات ب 29.
( 27) وسائل الشيعة: 1/ 18، أبواب مقدّمة العبادات ب 1 ح 10.
( 28) السرائر: 3/ 20، شرائع الإسلام: 3/ 107، تحرير الأحكام: 4/ 189، قواعد الأحكام: 3/ 198 و199.
( 29) اللمعة الدمشقية: 133، الخلاف: 6/ 371 مسألة 12، المبسوط: 6/ 70- 71.
( 30) الكافي: 6/ 178 ح 1، الفقيه: 3/ 68 ح 228، تهذيب الأحكام: 8/ 217 ح 772، وعنها وسائل الشيعة: 23/ 14، كتاب العتق ب 4 ح 1.
( 31) الروضة البهية: 6/ 243.
( 32) العناوين: 2/ 722.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|