المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



قاعدة « لا شك في النافلة »  
  
220   07:58 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص317 - 342.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / لا شك في النافلة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016 221
التاريخ: 20-9-2016 219

من جملة القواعد الفقهية المشهورة هو أنه « لا شك في النافلة ».

وفيها جهات من البحث :

الجهة الأولى

  في مدركها‌ :

وهو أمران :

الأول : الروايات :

فمنها : قوله عليه السلام في حسنة البختري : « لا سهو في نافلة » (1) بعد الفراغ عن أن المراد من السهو بقرينة سائر الفقرات هو الشك.

ومعلوم أن المراد من نفي الشك في النافلة هو نفيه تشريعا لا تكوينا ، والنفي التشريعي للأمور التكوينية لا بد وأن يكون بلحاظ الآثار التشريعية لذلك الشي‌ء ، وإلا فالشي‌ء التكويني لا يمكن رفعه حقيقة في عالم الاعتبار ، كما أنه لا يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار والتشريع وإلا ينقلب الاعتبار تكوينا ، وهو خلف محال.

والأثر المجعول للشك في عدد الركعات في عالم التشريع هو البطلان في الثنائية‌ والثلاثية ، والبناء على الأكثر في الرباعية ، فإذا كانت صلاة النافلة أربع ركعات ـ كما في صلاة الأعرابي وبعض الموارد الأخر المنصوصة ـ فمعنى نفي الشك فيها هو عدم وجوب البناء على الأكثر ، بل إما البناء على الأقل بحكم الاستصحاب بعد سقوط حكم الشك ـ أي البناء على الأكثر ـ بواسطة هذه الروايات وغيرها من الأدلة ، وإما التخيير بين الأقل والأكثر بعد البناء على عدم حجية الاستصحاب في عدد ركعات الصلاة إجماعا.

وإذا كانت أقل من أربع ركعات فحكم الشك هو البطلان ، للروايات المستفيضة الواردة في هذا الباب ، فإذا ارتفع البطلان فالحكم إما البناء على الأقل لو قلنا بحجية الاستصحاب في عدد الركعات ، أو التخيير بناء على عدم حجيته.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته عن السهو في النافلة؟ فقال عليه السلام : « ليس عليك شي‌ء ـ وفي بعض النسخ ـ سهو » (2) وعلى كلتا النسختين ، النتيجة واحدة وهي صحة الصلاة وعدم وجوب البناء على الأكثر.

ومنها : ما رواه في الكافي مرسلة وقال : وروى : « إذا سها في النافلة بنى على الأقل » (3).

وظاهر هذه المرسلة هو تعين البناء على الأقل ، وبناء على ما قلنا ـ من عدم دلالة الصحيحة على وجوب البناء على الأكثر بل لها دلالة على عدم البناء على الأكثر ، كما أنه يجب ذلك أي البناء على الأكثر ، في الرباعيات من الفريضة فإنه حكم الشك فيها ومرفوع في النافلة ـ فلا تعارض بينها وبين المرسلة التي رواها الكليني ، فتكون النتيجة هو البناء على الأقل.

ولكن لما تحقق الإجماع على التخير ، بل قال في الأمالي : إنه من دين الإمامية ، فلا يمكن الالتزام بالبناء على الأقل.

وبعبارة أخرى : مقتضى الصحيحة هو المضي في الصلاة التي كانت نافلة وعدم الاعتناء بالشك ، فيلاحظ المصلي ما هو صرفته فيبني عليه ، سواء كان هو الأقل أو الأكثر ، فربما يكون صرفته في البناء على الأكثر ، فله أن يبني عليه ، كما أنه إذا كان صرفته في البناء على الأقل له أن يبني عليه.

وهذا المعنى خلاف التخيير ، بل معناه لزوم البناء على الأقل في صورة ، ولزوم البناء على الأكثر في صورة أخرى ، وظاهر المرسلة هو تعين البناء على الأقل مطلقا.

ولكن بواسطة هذا الإجماع المحقق لا بد وأن يرفع اليد عن ظهور كل واحد في تعين خصوص الأقل أو الأكثر ، أي يجمع بين الصحيحة والمرسلة هكذا.

وربما يقال : بأن ظاهر الصحيحة هو التخيير ، لأن ظاهر قوله عليه السلام « ليس عليك شي‌ء » هو أنك لست ملزما بشي‌ء ، فلو كان الواجب هو البناء على الأقل أو كان هو البناء على الأكثر فيلزم أن يكون عليه شي‌ء ، وهو وجوب البناء على خصوص الأقل أو خصوص الأكثر ، فمقتضى نفي الشي‌ء عليه هو التخيير.

هذا ، ولكن الظاهر من نفي الشي‌ء هو صلاة الاحتياط ، أو سجود السهو ، إن كان المراد من السهو خصوص النسيان ، أو الأعم منه ومن الشك.

والتحقيق : هو أنه لو لم يكن هذا الإجماع لكان مقتضى قوله عليه السلام : « لا سهو في النافلة » بناء على أن يكون المراد من السهو هو الشك ـ نفي حكم الشك الذي هو البطلان في الثنائية والثلاثية ، والبناء على الأكثر في الرباعية ، وبعد نفي هذين الاثنين ، فإما التخيير لو قلنا بعدم حجية الاستصحاب في الركعات كما أنه قيل ، أو البناء على الأقل بناء على حجيته.

وأما خصوص البناء على الأكثر فلا يستفاد من هذه الرواية أصلا ، وأما الصحيحة‌ فقد عرفت أن ظاهرها هو البناء على الصرفة. وأما المرسلة فقد عرفت أن ظاهرها تعين البناء على الأقل ، وأما تعين البناء على الأكثر فليس له أثر في الأخبار إلا إذا كان فيه الصرفة.

والإنصاف : أنه لو لم يكن هذا الإجماع على التخيير كان المتعين هو الأخذ بالصرفة الذي هو مفاد الصحيحة ، لأن المرسلة وإن كان لا ينكر ظهورها في تعين البناء على الأقل ، إلا أن مخالفتها للشهرة بل الإجماع المحقق توجبها ضعفا على ضعف ، فلا يمكن الالتزام بمؤداها.

وأما قوله عليه السلام في حسنة البختري « لا سهو في النافلة » فلا تعارض له مع مفاد الصحيحة ، أي الأخذ بالصرفة ، لأنه في مقام نفي حكم الشك لا البناء على خصوص الأقل أو الأكثر. ولكن هذا الإجماع المحقق على التخيير يمنع عن تعين الأخذ بالأقل أو الأكثر وإن كان فيه الصرفة.

وربما يقال : إن المراد من « لا سهو في النافلة » أو قوله عليه السلام « ليس عليه شي‌ء » أي ليس عليه الإعادة ـ من جهة الحكم بالبطلان ، كما هو كذلك في جملة من موارد الشك في الفريضة التي حكم فيها ، ببطلان ما وقع الشك فيها كفريضة الصبح والمغرب ، أو الذي لا يدري أنه كم صلى ـ أو أنه ليس عليه جبر مع البناء على الأكثر ، أي يبني على الأكثر وليس عليه صلاة الاحتياط ، مثلا لو شك بين الواحد والاثنين فيبني على الاثنين بدون تدارك ما احتمل فوته ، أي الركعة الثانية بالركعة المنفصلة احتياطا ، كما أنه كان يجب الاحتياط في الفريضة.

واحتمل أن الكليني فهم ـ من صحيحة محمد بن مسلم ـ عن أحدهما قال : سألته عن السهو في النافلة؟ قال عليه السلام : « ليس عليه شي‌ء أو في نسخة أخرى : ليس عليه سهو » هذا المعنى ، أي ليس عليه الجبر بصلاة الاحتياط ويجب البناء على الأكثر فقط ، بخلاف الفريضة ، لأن فيها الجبر ويجب فيها البناء على الأكثر أيضا.

فمفاد الصحيحة بناء على هذا هو ، أنّ النافلة والفريضة مشتركان في البناء على الأكثر ، والفرق بينهما هو أنّه ليس في النافلة جبر ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط ، بخلاف الفريضة فإنّ فيها الجبر. وحيث فهم من الصحيحة هذا المعنى ، أي البناء على الأكثر مع عدم الجبر ذكر بعد ذلك تلك المرسلة التي تدلّ على البناء على الأقلّ كي يجمع بينهما وبين الصحيحة بإرادة التخيير.

ولكن أنت خبير بما في هذا الاحتمال من الضعف والخلل ، وقد عرفت أن الظاهر من الصحيحة هو البناء على الصرفة ، لأن الظاهر من كلمة « لا شي‌ء عليه » أي يمضي في صلاته بدون أن يكون عليه شي‌ء من الإعادة أو الجبر بصلاة الاحتياط ، ولازم هذا المعنى هو الأخذ بالصرفة التي قلنا بها في معنى الحديث.

الثاني : الإجماع ، وقد ادعاه جمع من الأعاظم كما في المعتبر (4) ، والرياض (5) ، والمصابيح ، والتهذيب (6) ، وعن مفتاح الكرامة نقلا عن الأمالي أنه من دين الإمامية (7) ، وعن الغنية والخلاف كما في الجواهر نقلا عنه حيث قال : لا سهو في النافلة ، وبه قال ابن سيرين. وقال باقي الفقهاء : حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو. دليلنا : إجماع الفرقة ، وأيضا الأصل البراءة ، فمن أوجب حكما فعليه الدليل ، وأخبارنا في ذلك أكثر من أن تحصى (8).

وقد عرفت مرارا ما في الاستدلال بالإجماع في هذه الموارد فلا نعيد. نعم هذه الإجماعات المدعاة في أمثال المقام توجب الوثوق بصدور الرواية التي مفادها مفاد هذه الإجماعات.

الجهة الثانية

في مفاد هذه القاعدة وبيان المراد منها‌ :

فنقول : إن توضيح هذا المطلب يتوقف على بيان أمور :

الأول : أن التخيير المدعى في المقام بين الأقل والأكثر من جهة الإجماع والقدر المتيقن منه هو ، أن لا يكون البناء على الأكثر موجبا لفساد الصلاة ، وذلك لأنه بمناسبة الحكم والموضوع يفهم أن هذا الحكم ـ أي التخيير ـ توسعة في مقام امتثال النوافل ، ومن باب المسامحة فيها وأن الاهتمام في حفظ النوافل وحدودها ليس مثل الاهتمام بالفرائض وحدودها ، وكذلك الاهتمام بفرض الله أزيد من الاهتمام بفرض النبي ، ويتسامح فيه بما لا يتسامح في فرض الله.

وبعبارة أخرى : التخيير للتسهيل ، فهو ينافي ما إذا كان موجبا لبطلان العمل ولزوم الإعادة ، فظهر أن التخيير فيما إذا كان الشك بين الواحد والاثنين فيما إذا كانت النافلة ثنائية كما هو كذلك في أكثر النوافل ، أو كان بين الاثنين والثلاث كما في نافلة الوتر بناء على أن الشفع والوتر صلاة واحدة ، أو بين الثلاث والأربع كصلاة الأعرابي بناء على أنها أربع ركعات متصلة.

والحاصل : أن لا يكون طرف الأكثر من شكه أزيد من الصلاة المشكوك فيها ، ففي مثل هذه الموارد مخير بين البناء على الأقل والأكثر ، لأن البناء على كل واحد منهما لا ينافي مع صحة الصلاة ، فالقول بالتخيير مطلقا لا وجه له.

وأما إذا كان الشك بين الاثنين والثلاث فما زاد في الثنائية ، أو الثلاث والأربع فما زاد في الثلاثية ، أو الأربع والخمس فما زاد في الرباعية ، كل ذلك بعد إكمال السجدتين وفي حال الجلوس ، فليس له البناء على الأكثر ، بل يتعين عليه البناء على الأقل كي تكون صلاته صحيحة.

وهذا معنى قوله عليه السلام : « لا شي‌ء عليه » لأنه بناء على هذا لا اعادة عليه ، ولا عليه‌ صلاة الاحتياط بل إن كان طرف الأقل آخر ركعة ، صلاته صحيحة فيتشهد ويسلم وينصرف ، وإن كان غيرها فيقوم ويأتي بالباقي ركعة أو ركعات متصلة ـ لا مثل صلاة الاحتياط منفصلة ـ ويتشهد ويسلم ، ولا يضر هاهنا زيادة ركعة أو ركعات واقعا ، كما كان مضرا في الفريضة ، وذلك لما ذكرنا من عدم اهتمام الشارع بحفظ حدود النوافل ، مثل اهتمامه بحفظ حدود الفرائض ، كل ذلك من جهة اختلاف المصالح الواقعية فيها.

الثاني : في أنه ما هو مقتضى الأصل لو شك في ثبوت هذا الحكم في مورد ، مثلا لو شك في النافلة المنذورة ، كما إذا نذر أن يصلي صلاة الليل أو صلاة جعفر وأنه هل يشملها هذا الحكم أم لا؟ ومعلوم أنه لو كان إطلاق لدليل إلغاء الشك في النافلة بحيث يشمل مورد الشك فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي مطلقا ، تنزيليا كان أم غير تنزيلي لحكومة الإطلاقات اللفظية على الأصول العملية ، فإن شك في شمول الإطلاقات لمورد ربما يتوهم الرجوع إلى استصحاب عدم تحقق الأكثر من طرفي الشك فتكون النتيجة البناء على الأقل ووجوب الإتيان بالباقي ، فمقتضى الأصل صحة الصلاة ووجوب إتيان ما يحتمل عدم الإتيان به من ركعات الصلاة المنذورة. وهذا هو عين البناء على الأقل عملا.

 

وفيه : أنه لا شك في أن الصلاة إما نافلة ، بمعنى أنها مصداق حقيقي لمفهوم النافلة ، وإما ليست بنافلة. والثاني إما رباعية أو غير رباعية ، فهذه ثلاثة أقسام.

أما غير الرباعية سواء كانت ثنائية أو ثلائية ، وكذلك الرباعية إذا كان الشك في تحقق الأوليين ، بمعنى أنه شك مثلا بين الواحد والاثنين ، ففي هذه الصور الثلاث ، الأدلة تدل على بطلان الصلاة ، فلا مورد ولا مجال للاستصحاب.

وأما إذا كان الشك في الرباعية في الأخيرتين بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، فالأدلة تدل على وجوب البناء على الأكثر ، فأيضا لا يبقى مورد‌ للاستصحاب ، لحكومة تلك الأدلة على الاستصحاب.

وأما إذا كان الشك في النافلة فألغي الشك بحكم الشارع ، فلا يبقى مورد للاستصحاب في عدد الركعات مطلقا.

وبعد ما ظهر لك أنه لا مجال للاستصحاب في عدد الركعات فنقول :

إن أدلة الشكوك في الصلاة تدل على بطلان الصلاة في بعض الموارد ، وعلى البناء على الأكثر في بعض الموارد الآخر ، ودليل « لا شك في النافلة » خصص هذين الحكمين ـ أي البطلان في البعض ، والبناء على الأكثر في بعض آخر ـ بلسان الحكومة بغير النافلة ، أي أخرج النافلة عن تحت هذين الحكمين لكن لا بلسان التخصيص بل بلسان الحكومة.

وحيث أن لفظ النافلة مجمل مفهوما في هذا المقام كما هو المفروض ، ولا يعلم أن المراد منه أن تكون نافلة بالذات وبالفعل ـ بمعنى أنها تكون نافلة بحسب الجعل الأولي ولم يطرأ عليها ما يوجب صيرورتها واجبة بالعرض ، كأمر السيد أو الوالدين ، أو بنذر ، أو حلف ، أو ما شابه ذلك ـ أو يكفي كونها نافلة بالعرض ولو لم تكن نافلة بالذات ، أو يكفي كونها نافلة بالذات ولو لم تكن نافلة بالفعل وصارت واجبا بالعرض؟

وخلاصة الكلام : أنه إذا حصل الشك ولم يكن استظهار في البين فالمرجع هو العام ، لإجمال المخصص مفهوما ، كما هو محرر في الأصول. والعام هاهنا أدلة الشكوك التي مفادها إما بطلان الصلاة إذا كانت ثنائية أو ثلاثية أو كانت في الركعتين الأوليين من الرباعية ، وإما البناء على الأكثر إن كانت الصلاة التي الشك فيها رباعية ، وكان الشك بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي ، لحكومة الإطلاقات عليها.

الثالث : ما هو الذي يستظهر من الأدلة ، وهل نفي الشك عن النافلة ، يشمل‌ الأقسام الثلاثة للنافلة ، أو ظاهر في بعضها دون بعض؟

فنقول : أما الأقسام الثلاثة : فالأول : هو أن تكون نفلا بالذات وبالفعل ، كصلاة الليل التي لم يطرأ عليها عنوان الوجوب بسبب من الأسباب ، وهذا هو القدر المتيقن من مورد النفي.

والثاني : أن تكون نفلا بالذات ولكن صارت واجبة بالعرض.

والثالث : أن تكون واجبة بالذات ولكن صارت نفلا بالعرض.

وفي هذين القسمين ـ الأخيرين ، أي ما كان نفلا بالذات ولكن صار واجبا بالعرض ، أو كان واجبا بالذات ولكن صار نفلا بالعرض ـ وقع الخلاف ، وأن المدار في هذا الحكم ـ أي عدم الاعتناء بالشك وإلغاؤه ـ هل هو فعلية النفل وإن كان عرضيا ، المدار فيه على كونها نفلا بالذات وإن لم يكن نفلا فعلا ، أو المدار على اجتماع الأمرين أي يكون نفلا بالذات وبالفعل؟

اختار صاحب الجواهر كونها نفلا بالذات وإن صارت واجبة بالعرض (9).

فبناء على قوله لو نذر أن يصلي صلاة جعفر حيث أنها بالذات نافلة ، لو شك مثلا بين الواحد والاثنين فيشمله قوله عليه السلام : « ليس في النافلة سهو » ، ويكون الشك ملغا ولا تكون باطلة.

وقال آخرون : المدار على النافلة الفعلية سواء كانت بحسب الجعل الأولى أيضا نافلة ، أو لم تكن بل كانت فريضة بالذات ولكن طرأ عليها أمر صارت نافلة ، كصلاة العيدين في عصر عدم حضور الإمام عليه السلام أو عدم بسط يده ، وكصلاة المعادة جماعة استحبابا ، أو كصلاة المعادة احتياطا استحبابيا ، ففي مثل هذه المذكورات لو حصل الشك ففي مورد البطلان ـ لو لا طرو هذا الاستصحاب ـ لا تكون باطلة ، وفي مورد البناء على الأكثر يكون مخيرا ، لأنه فعلا نافلة وظاهر الدليل هو نفي الشك عما هو‌ نافلة فعلا.

واستدل صاحب الجواهر على ما اختاره (10) من أن المدار على كونه نفلا بالذات بوجهين :

الأول : أن عنوان النافلة الذي جعل موضوعا لهذا الحكم إشارة إلى الذوات التي تكون بحسب الجعل الأولى نافلة ، وليس لوصف النفل مدخلية في الحكم ، والقول بانتفاء هذا الحكم عند انتفاء هذا الوصف استدلال بمفهوم الوصف ، وقد ثبت في محله عدم مفهوم للوصف ، خصوصا في الوصف الغالبي ، والوصف الذي ليس متعمدا على الموصوف كما في المقام ، لأن قوله عليه السلام : « ليس في النافلة سهو » ليس من قبيل الوصف المعتمد على الموصوف وأيضا الوصف غالبي ، لأن تلك الذوات غالبا متصفة بالنفل ، وقد يعرض عليها الوجوب بواسطة طرو عنوان آخر كالنذر ، أو أمر الوالدين ، أو الإجارة أو غير ذلك من موجبات الوجوب.

وفيه : إننا لا نريد أن نستدل على نفي هذا الحكم ـ أي عدم الاعتناء بالشك عن النافلة التي طرأ عليها الوجوب ـ بمفهوم الوصف ، حتى تقول بأنه لا مفهوم للوصف ، خصوصا في الوصف الغالبي ، والوصف غير المعتمد على الموصوف ، بل نقول بأن ظاهر كل عنوان أخذ موضوعا لحكم هو أن يكون ذلك العنوان فعليا ، لا أنه كان كذلك أو يكون فيما بعد.

هذا ، مضافا إلى أنه ثبت في محله أن المشتق مجاز فيما انقضى عنه المبدأ ، فيصح سلب مفهوم النافلة عن النافلة التي طرأ عليها الوجوب ، فيكون من قبيل انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع ، لا من قبيل الاستدلال بالمفهوم.

الثاني : الاستصحاب ، وبيانه أن صلاة جعفر مثلا قبل نذرها كان الشك فيها ملغا لا يعتنى به ، وبعد أن نذرها يشك في بقاء هذا الحكم فيستصحب. وكذلك في العكس ، أي صلاة الظهر التي صلاها فرادى ، فيعيدها جماعة استحبابا نقول هذه الصلاة قبل أن تكون معادة كان الشك فيها أي في الركعتين الأخيرتين بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية موجبا للبناء على الأكثر ، وبعد أن طرأ عليها الاستحباب يشك في بقاء هذا الحكم فيستصحب.

وفيه : بعد الإغماض عن عدم اتحاد القضيتين بحسب الموضوع حتى عرفا ، أن الاستصحاب فيما إذا لم يكن دليل اجتهادي في البين ، وهاهنا إطلاق دليل « لا سهو في النافلة » لو شمل النافلة بالعرض فلا يبقى مجال للاستصحاب ، كما أنه لو لم يشمل وكان مفهوم النافلة منصرفا عن مثل هذه الاستحبابات العرضية يكون مشمولا لإطلاقات أدلة البناء على الأكثر في بعض الموارد ، ولأدلة البطلان في البعض الآخر ، وعلى كل حال لا يبقى مجال ومحل للاستصحاب.

وخلاصة الكلام في المقام : هو أنه لا بد وأن يرجع إلى العرف في تعيين مفهوم النافلة وأنه عبارة عن النوافل الأصلية التي جعلها الشارع نافلة بعنوانه الأولي ـ ولو طرأ عليها عنوان الوجوب بعد ذلك لجهة أخرى وخرج عن كونه نافلة وصار واجبا بالعرض كما يدعيه صاحب الجواهر ـ أولا؟ بل الظاهر والمتفاهم العرفي هو أن يكون بالفعل متلبسا بمبدإ الاشتقاق كما هو الحال في سائر المشتقات ، فإن كل ذات كان متلبسا بمبدإ الاشتقاق فإطلاق المشتق عليه حال تلبسه حقيقي ، سواء كان بحسب الجعل الأولي كذلك أو لم يكن.  

اللهم إلا أن يدعي الانصراف إلى النوافل الأصلية ، أو كان مفهوم النافلة عنوانا مشيرا إلى تلك النوافل الأصلية التي جعلها الشارع نافلة بعنوانها الأولي.

أو يقال بأن مفهوم النافلة غير مفهوم المستحب ، فإن مفهوم المستحب مقابل مفهوم الواجب ، فإن الواجب هو المطلوب الذي لم يرخص الشارع في تركه ، والمستحب هو المطلوب الذي رخص في تركه. وأما مفهوم النافلة عبارة عن الأفعال التي لها ـ بعناوينها الأولية ـ ملاكات ومصالح غير ملزمة ، فبناء على هذا إطلاق‌ النافلة على هذه المستحبات التي صارت مطلوبة بواسطة طرو بعض العناوين عليها غير صحيح.

ولكن أنت خبير بأن هذه الدعاوي كلها خالية عن البينة والبرهان ، بل ظاهر اللفظ هو أن يكون مستحبا فعلا خصوصا بمناسبة الحكم والموضوع ، لأن عدم الاعتناء بالشك والمسامحة يناسب المستحب الذي يسامح فيه بأشياء لا يسامح في الواجب ، كما أنه لم يعتبر القيام والسورة والاستقبال والاستقرار وغير ذلك.

فالأولى أن يقال : إن في ثبوت هذا الحكم ـ أي إلغاء الشك وعدم الاعتناء به ـ لا بد من اجتماع كلا الأمرين : أي يكون نافلة في الأصل أي بالذات ، وبالفعل أيضا أي لم يطرأ عليه الوجوب.

أما لزوم كونها بالفعل نافلة ولم يطرأ عليه لما عرفت من أن ظاهر كل عنوان أخذ موضوعا للحكم هو أن يكون بالفعل كذلك ، أي متصفا بذلك العنوان ، وأما ما يصح سلبه عنه ومع ذلك يكون موضوعا فهو في غاية الركاكة ، فموضوع هذا الحكم في لسان الدليل هو عنوان النافلة فقوله عليه السلام : « ليس في النافلة سهو » شموله لما ليس بنافلة فعلا وما يصح سلب هذا المفهوم عنه في غاية البعد ، فلا بد في شموله من كونه نافلة بالفعل.

وأما لزوم كونها نافلة في الأصل وبالذات فمن جهة الشك في شمول قوله عليه السلام : « ليس في النافلة سهو » للفريضة التي طرأ عليها النفل لاحتمال أن يكون عنوان النافلة في الرواية عنوانا مشيرا إلى تلك النوافل الأصلية التي بالذات ـ أي بعنوانها الأولي ـ جعلها الشارع نافلة ، وهذا الاحتمال يكون موجبا لعدم ظهور لفظ النافلة في مطلق النافلة ، سواء كان نفلها بالذات أو بالعرض ، فإذا سقطت هذه الرواية عن ظهورها في الإطلاق لأجل هذا الاحتمال يكون المرجع عموم أو إطلاق أدلة البناء على الأكثر في بعض الموارد ، أو أدلة بطلان الصلاة بالشك في بعض الموارد الأخر. ولا تصل النوبة‌ إلى الاستصحاب ، وذلك لحكومة الإطلاقات والعمومات التي هي أمارة على الاستصحاب. وقد تقدم تفصيل ذلك.

وخلاصة الكلام ، أن ثبوت هذا الحكم ، أي التخيير بين البناء على الأقل والأكثر ، وإلغاء الشك وعدم الاعتناء به مختص بما إذا كانت الصلاة التي وقع الشك فيها نافلة بالفعل وبالذات ، وأما إذا كانت نافلة بالذات وطرأ عليها الوجوب كالنافلة المنذورة، أو كانت فريضة بالذات ولكن طرأ عليها النفل كالمعادة جماعة بعد ما أتى بها فرادى فلا يشملهما هذا الحكم.

ثمَّ إنهم ذكروا أمثلة وموارد للنفل بالذات والنفل بالعرض ، وكذلك الفرض بالذات والفرض بالعرض لا يخلو بعضها عن المناقشة والخلط ، فها نحن نذكرها لتميز الصحيح منها عن غير الصحيح.

وبعد ما عرفت واقع الأمر تعرف أن حكمهم بعدم الاعتناء بالشك والتخيير بين الأقل والأكثر في بعض الموارد والأمثلة ، وكذلك حكمهم بالاعتناء بالشك والبطلان أو البناء على الأكثر في بعض الموارد والأمثلة الأخر لا وجه له ، بل خلط واشتباه.

فمن القسم الأول : وقولهم بجريان حكم النفل ـ أي عدم الاعتناء بالشك والتخيير بين الأقل والأكثر ـ هو صلاة الطواف لمن اعتمر استحبابا بزعم أن الصلاة فيها نفل بالذات عرض عليها الفرض.

وهذا الزعم باطل ، لأن صلاة الطواف في العمرة المستحبة ليس مستحبة كي يقال بأنها نافلة طرأ عليها الفرض ، بل هي واجبة فيها وإن كانت العمرة في أصل شروعها مستحبة. ولكنه حيث يجب إتمامها بعد أن دخل فيها استحبابا فكل فعل يصدر من المعتمر بعد الشروع فيها يقع بصفة الوجوب ، فصلاة الطواف فيها بهذا القيد ـ أي بعد الشروع فيها وان كان أصل الشروع فيها غير واجب ـ تكون أزلا وأبدا واجبة ، ولم تكن في آن من الآنات نفلا كي يقال بأنها نفل بالذات عرض عليها الوجوب ، بل هي‌ فريضة بالذات دائما.

ومن القسم الثاني : صلاة العيدين في عصر الغيبة حيث أنّهم يقولون بأنّها كانتا فريضتين بالذات فصارتا بواسطة غيبة الإمام ـ عجل الله تعالى فرجه ـ نافلة بالعرض ، فبناء على كون المدار في ثبوت هذا الحكم وعدمه هو النفل والفرض الأصلي ، وإن تغيّرا بالعرض بواسطة طروّ عنوان عليهما يقولون بالاعتناء بالشكّ فيهما ، لأنّهما بالذات من الفرائض ، فيحكمون ببطلانهما بوقوع الشكّ فيهما لأنّهما ثنائيّة.

ولكن أنت خبير بأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ، وهي تختلف بحسب اختلاف الحالات ، فيمكن أن تكون لصلاة العيدين في حال الحضور مصلحة ملزمة ، وفي حال الغيبة لا تكون مصلحتهما ملزمة ، فيكون من قبيل التنويع فنوع منها ـ أي في حال الحضور ـ واجب بالذات ، ونوع آخر منها ـ أي في حال الغيبة ـ تكون نافلة بالذات ، فيكون الحكم فيهما في حال الغيبة هو التخيير بين البناء على الأقلّ أو الأكثر ، لأنّهما في هذا الحال نافلتين بالذات.

وكذلك نقول في عبادة الصبي ـ بناء على شرعيّتها ـ أنّها نافلة بالأصل ، وليس مما هو واجب بالأصل فصار نافلة بالعرض ، لما ذكرنا من اختلاف المصالح والمفاسد باختلاف الحالات بل الأزمنة ، وأيضا بطروّ العناوين للأفعال كالقيام بعنوان تعظيم المؤمن له مصلحة ، وبعنوان إهانته والاستهزاء به يصير ذا مفسدة. فصلاة الظهر مثلا في حال الكبر لها مصلحة ملزمة وتكون واجبة. وفي حال الصغر ليست لها مصلحة ملزمة ولذا لا تكون واجبة ، فإنّها في تلك الحال إمّا ليس لها مصلحة أصلا فلا تكون عبادته شرعيّة وهذا مبنى القول بعدم شرعيّة عبادات الصبي ، وإمّا لها مصلحة ولكن ليست ملزمة فتكون نفلا وهذا مبنى القول بمشروعيّتها.

وعلى كلّ حال : بناء على شرعيّة عباداته تكون عباداته نفلا بالذات وبالأصل ، لا أنّ صلاة الظهر مثلا كانت واجبة بالأصل مطلقا فصارت بواسطة الصغر نفلا‌ بالعرض.

وهذا ليس بأولى من أن يقال : كانت صلاة الظهر نفلا بالذات فلمّا وصل إلى حدّ البلوغ صارت فرضا بالعرض.

نعم فيما إذا كان فعل في حدّ نفسه وبعنوانه الأوّلي له مصلحة غير الملزمة ، أو الملزمة فصار بعنوان ثانوي ما ليس له مصلحة ملزمة ذا مصلحة ملزمة أو بالعكس صحّ أن يقال في الأوّل كان نفلا بالذات فصار فرضا بالعرض ، كصلاة الليل أو صلاة جعفر حيث أنّها بعنوانها الأوّلي ليست لها مصلحة ملزمة من أيّ شخص وفي أيّ زمان أو مكان كانت ، ولكن لمّا تعنونت بعنوان الحلف أو النذر أو العهد تصير ذا مصلحة ملزمة فيصحّ أن يقال كانت صلاة الليل أو صلاة جعفر مثلا أو سائر النوافل نفلا بالذات وبالأصل ، وبواسطة النذر أو العهد أو الحلف صارت فرضا بالعرض. وصحّ أن يقال في الثاني ـ أي فيما له المصلحة الملزمة ـ كانت فرضا بالذات فصارت نفلا بالعرض.

ولكن ليس من هذا القبيل صلاة المعادة جماعة لمن صلاّها فرادى ، وذلك من جهة أنّ المعادة أيضا فرض مثل المبتدئة فرادى ، ولذلك يجب عليه أن ينوي أنّه يريد أن يأتي بما هو واجب عليه أي بالصلاة الواجبة ، غاية الأمر بمصداق آخر لتلك الطبيعة التي تعلّق بها الأمر الوجوبي فيختار الله أحبّهما إليه.

وكذلك الأمر في صلاة المتبرّع بها عن الغير ، فليست من الفرض الذي عرض له النفل ، بل المتبرّع يأتي بما هو واجب على غيره ، ولذلك يجب عليه أن يأتي بها بقصد الأمر الوجوبي المتوجّه إلى ذلك الغير في حياته ولم يمتثله قصورا أو تقصيرا.

وكذلك النوافل المستأجرة عليها ليست من النفل الذي عرض عليها الفرض بواسطة الإجارة ، بل هي باقية على نفليّتها حتّى بعد الإجارة. والأمر الذي يأتي من قبل الإجارة وإن كان أمرا وجوبيّا ـ أي يجب على المستأجر إتيان ما هو متعلّق‌ الإجارة ـ ولكن ذلك الأمر الوجوبي لم يتعلّق بالصلاة بعنوان كونها صلاة ، مثلا لو استأجر على صلاة جعفر فليس الأمر الآتي من قبل هذه الإجارة متعلّقا بصلاة جعفر بعنوان صلاة جعفر ، بل هي باقية على استحبابه ، وإنّما الأمر الوجوبي الآتي من قبل الإجارة متعلّق بالوفاء بهذا العقد.

وإن شئت قلت : إنّ المستأجر ملك على ذمّة الأجير هذا العمل ، ويجب على الأجير تسليم ما ملكه المستأجر في ذمّته إليه.

وربما يقال في النفل المنذور أيضا إنّ لله تعالى بواسطة النذر يتعلّق حقّ بالمنذور ، فيجب على الناذر إيصال ذلك الحقّ إليه تبارك وتعالى بالوفاء بنذره ، ولا تجب نفس الصلاة المنذورة.

ولكن ما ذكرنا في باب النذر والحلف والعهد هو الصحيح ، وهو أنّ هذه الأمور عناوين ثانويّة توجب تغيير المصلحة في نفس الفعل ، فيطرأ عليه الوجوب ، ولذلك لو نذر إتيان مستحبّ عبادي فهناك يتعلّق بذلك الفعل أمران : أحدهما : واجب توصّلي ، وهو الأمر الذي يأتي من قبل النذر. والآخر : مستحبّ تعبّدي. وكلّ واحد من الأمرين يكتسب لونا من الآخر ويتّحدان ، فالأمر الاستحبابي العبادي يكتسب الوجوب من الأمر النذري ، والأمر النذري يكتسب العباديّة من الأمر الاستحبابي العبادي.

والنتيجة : أنّه بعد كسب كلّ واحد منهما من الآخر ما قلنا يكون الفعل واجبا عباديّا.

والسرّ في ذلك : أنّ الأمر النذري يتعلّق بعين ما تعلّق به الأمر الندبي ، ويكون الأمران عرضيّين لا طوليّة بينهما فقهرا يتّحدان ، وإلاّ يلزم اجتماع الضدّين أي الوجوب والاستحباب.

وبعبارة أخرى : الأمر الندبي يلغي حدّ الاستحبابي ويتلبّس حدّ الوجوبي ، والأمر‌ الوجوبي حيث توصّلي يكتسب لون التعبّدي من الأمر الندبي ، فتصير النتيجة هو أن يكون الفعل واجبا تعبديّا ، فهاهنا من الموارد التي يطرأ الوجوب على النفل الأصلي.

وأمّا أمر السيّد عبده بإتيان صلاة النافلة ، أو أمر أحد الوالدين بها ، أو الاستئجار عليها فليس من هذا القبيل.

بيان ذلك : أنّ متعلّق الوجوب في هذه الأمور ليس ذات العمل ، بل متعلّق الوجوب في أمر الوالدين وأمر السيّد هو عنوان الإطاعة ، أو في أمر الوالدين ليس وجوب في البين ، بل يحرم مخالفتهما ـ أي العقوق ـ وعلى كلّ حال تحصل الإطاعة أو يمتثل حرمة المخالفة بإتيان ذلك المستحبّ الذي أمر كلّ واحد من السيّد والوالدين به ، ولم يتعلّق أمر من قبل الله تبارك وتعالى بذات العمل ، لا ابتداء ولا من قبل أمر هؤلاء.

فالنفل الأصلي باق على ما كان ولم يطرأ عليه وجوب أصلا ، وكذلك في باب الإجارة المأمور به هو الوفاء بعقد الإجارة ، والوفاء يتحقّق بإتيان هذا العمل المستحبّ.

هذا ما ذكره شيخنا الأستاذ وأنّ الأمر الآتي من قبل أمر الوالدين أو من قبل الإجارة في طول الأمر الندبي المتعلق بذات العمل ، وأنّ الأمر الآتي من قبل النذر في عرض الأمر الندبي المتعلّق بذات العمل ، ففي مورد النذر يطرأ الوجوب على ما هو نافلة بالأصل دون هذه الموارد الثلاث ، أي أمر السيّد ، وأمر الوالدين ، وأمر الآتي من قبل الإجارة (11).

ولكن أنت خبير بأنّ الفرق لا يخلو من مناقشة بل تحكّم ، وخلاصة الكلام أنّ الأمر الآتي من قبل هذه الأمور لم يتعلّق بالفعل بعنوان أنّها صلاة ، بل بعنوان الوفاء بالعقد أو العهد أو النذر أو الإطاعة كلّ في مورده ، وهذه العناوين أجنبيّة عن الصلاة.

فالإنصاف أنّ الصغرى لهاتين الكبريين ـ أي النفل الأصلي الذي طرأ عليه الفرض ، أو بالعكس ـ إمّا لا توجد أو في غاية القلّة ، فهذا البحث ـ أي أنّ موضوع هذا الحكم هل هو اجتماع الأمرين أي يكون نفلا ذاتا وبالفعل ، أو يكفي كونها ذاتا وان لم يكن بالفعل ، أو يكفي كونها نفلا بالفعل وإن لم يكن كذلك ذاتا ـ قليل الجدوى أو لا جدوى فيه أصلا.

الرابع : الظاهر أنّ هذا الحكم ـ أي عدم الاعتناء بالشكّ وإلغائه في النافلة ـ فيما إذا كان في عدد الركعات ، لا فيما إذا تعلّق الشكّ بأفعال الصلاة ، فلو شكّ في أنّه كبّر تكبيرة الافتتاح ، أو قرأ فاتحة الكتاب ، أو ركع ، أو سجد ، أو تشهّد ، أو سلّم أو لا فحال النافلة من هذه الجهة حال الفريضة ، فإذا كان شكّه قبل تجاوز المحلّ يأتي به ، لأصالة عدم الإتيان به. وإذا كان بعد تجاوز المحلّ فيمضي ، لقاعدة التجاوز.

وذلك من جهة أنّ المراد بالسهو في قوله عليه السلام : « ليس في النافلة سهو » هو خصوص الشكّ ، من جهة وحدة السياق مع سائر الفقرات التي في الرواية. والرفع تعبدي ، لأنّ الرفع التكويني أوّلا ليس من وظيفة الشارع في عالم التشريع ، وثانيا رفع التكويني يحتاج إلى أسباب تكوينيّة ولا يتحقّق بصرف النفي ، كما أنّه لم يتحقّق وموجود كثيرا ، والرفع التشريعي مرجعه إلى رفع الآثار الشرعيّة التي للشي‌ء.

والآثار الشرعيّة للشك المجعولة له من قبل الشارع هو البطلان لو كان الشكّ في الثنائيّة أو الثلاثيّة ، أو كان في الرباعيّة ولكن في الأوليين قبل إكمال السجدتين ، أو البناء على الأكثر لو كان في الرباعيّة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانيّة منها ، وكلا الأمرين في الشكّ في عدد الركعات ولا ربط لهما بالشكّ في أفعال الصلاة ، ولم يجعل الشارع للشكّ في أفعال الصلاة إذا كان الشكّ في المحلّ حكم كي يرفع بقوله « ليس في النافلة سهو » بل وجوب إتيانه لأصالة العدم ، ولو لم تكن أصالة العدم لكان وجوب الإتيان بمقتضى قاعدة الشغل.

وأمّا إذا كان بعد التجاوز عن المحلّ فحينئذ وإن حكم الشارع بعدم الاعتناء والمضيّ فيها ، ولكن ارتفاع هذا الحكم معناه الاعتناء بالشكّ فيكون نقيض ما هو المراد من القاعدة ، لأنّ الظاهر من القاعدة بمناسبة الحكم والموضوع هو المسامحة والتسهيل وعدم الاهتمام بحفظ حدود النافلة كثيرا مثل الاهتمام بالواجبات والفرائض ، وإلغاء الشكّ ، وفرضه كالعدم فيها ، فرفع حكم عدم الاعتناء بالشكّ إذا كان بعد التجاوز عن المحلّ معناه عدم إلغائه والاعتناء به ، وهذا نقيض ما يستفاد من ظاهر هذه القاعدة ، فاتّضح عدم شمول هذه القاعدة للشكّ في الأفعال.

الخامس : لا فرق في جريان هذا الحكم ـ أي عدم الاعتناء بالشكّ ورفع حكمه من الإبطال أو تعيّن البناء على الأكثر وتدارك ما احتمل نقصانه بصلاة الاحتياط ، أي بالركعة أو الركعات المنفصلة ، والتخيير ـ بين أن تكون صلاة النافلة ثنائيّة ـ كما هو الغالب ، بل دائما إلاّ في موردين ـ وبين أن تكون ثلاثيّة أو رباعيّة.

أمّا النافلة الثلاثيّة كصلاة الوتر بناء على أنّ الشفع والوتر صلاة واحدة وليس بينهما تسليم بل يقوم بعد أن تشهّد في الثانية ويأتي بالوتر.

والشاهد على ذلك بعض الروايات الذي مفاده أنّ القنوت في الوتر في الثالثة.

وأمّا النافلة الرباعيّة فكصلاة الأعرابي مثلا ، فلو شكّ فيها بين الاثنين والثلاث ، أو الثلاث والأربع أو غير ذلك من الأقسام الشكّ المتصوّر فيها فهو مخيّر بين البناء على الأكثر أو الأقلّ ، فكذلك في صلاة الوتر لو شكّ بين ما هو الأقلّ وبين ما هو الأكثر فهو مخيّر بين الأقلّ والأكثر.

ولكن تقدّم أنّ هذا التخيير فيما إذا لم يكن البناء على الأكثر موجبا لبطلانه وإلاّ ليس له التخيير ، وكذلك إذا شكّ في الثنائيّة التي كونها نافلة هو الغالب ، بل وكذلك لو شكّ في الوتر بناء على أنّها ركعة واحدة ، فلو شكّ في أنّه أتى بالوتر ركعة واحدة أو اثنتين لم تبطل صلاته ، ولكن ليس له هاهنا التخيير ، بل يتعين عليه البناء على الأقلّ ، لأنّ البناء على الأكثر موجب لفساده وبطلانه.

ودليل عدم الفرق بين أقسام الثلاثة من النافلة إطلاق قوله عليه السلام « ليس في النافلة سهو » فيشمل بإطلاقه النافلة مطلقا ، ثنائيّة كانت أو ثلاثيّة أو رباعيّة ، وليس مقيّدا يقيّده أو يخصّصه بقسم خاصّ منها.

نعم ، روى الشيخ في الصحيح عن العلاء ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشكّ في الفجر؟ قال : « يعيد». قلت : المغرب؟ قال : « نعم ، والوتر والجمعة » من غير أن أسأله (12).

وعن الخصال في حديث الأربعمائة قال : « لا يكون السهو في الخمس : في الوتر ، والجمعة ، والركعتين الأوليين من كلّ صلاة مكتوبة ، وفي الصبح ، والمغرب » (13).

وظاهر الصحيح أنّه تجب إعادة الوتر إذا شك فيه ، كما أنّ ظاهر رواية الخصال أيضا ذلك من باب وحدة السياق ، لأنّ المراد من نفي السهو في غير الوتر من الأربعة التي يذكرها بعده هو البطلان ، فلا بدّ وأن يكون المراد من نفي السهو في الوتر أيضا هو البطلان بحكم وحدة السياق.

وقد يقال في توجيه الروايتين ـ بناء على قول المشهور من عدم بطلان الوتر ـ بأنّهما منزلان على الغالب ، وهو أن يكون في أصل وجود الوتر لا الشكّ في عدد ركعاته.

وهو توجيه بعيد ، خصوصا بملاحظة وحدة السياق ، وقد حمل صاحب الوسائل إعادة الوتر مع الشكّ في الصحيح على الاستحباب ، وهو حسن.

السادس : في أنّ هذا الحكم ـ أي عدم الاعتناء بالشك في عدد الركعات والمضي في الصلاة ، وكونه مخيّرا بين البناء على الأقلّ أو الأكثر ـ هل يختصّ بالشكّ‌ أم يجري في‌ نسيان الركعة أو نسيان فعل من أفعال الصلاة؟ فيكون المراد من السهو هو الغفلة كي يكون أعمّ من الشكّ والنسيان كما احتمله الوحيد البهبهاني قدس سرّه في قوله عليه السلام « ليس سهو في النافلة » (14) فرفع النسيان ونفيه تشريعا عبارة عن عدم ترتّب الأثر على النسيان ، فيكون نفيه عبارة عن عدم بطلانها بالنسيان ، ونتيجته عدم لزوم الإعادة وإن كان المنسي ركنا من الأركان؟

أقول : بعد ما عرفت أنّ المراد من السهو بقرينة وحدة السياق هو الشكّ ، ـ لا خصوص النسيان ولا الأعمّ منه ومن الشكّ ـ فلا وجه لإسراء هذا الحكم إلى النسيان.

وأمّا القول بأنّ مناط هذا الحكم في باب الشكّ ـ أي المسامحة والتسهيل في أمر النافلة ـ موجود في النسيان أيضا ، فهو أشبه بالقياس ما لم يكن مدلولا لدليل لفظي.

السابع : يغتفر زيادة الركن في النافلة.

ويدلّ عليه خبر الحلبي : سألته عن الرجل سها في ركعتين من النافلة ، فلم يجلس بينهما حتّى قام فركع في الثالثة؟ قال عليه السلام : « يدع ركعة ويجلس ويتشهّد ويسلّم ثمَّ يستأنف الصلاة » (15). وخبر الصيقل عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلّي الركعتين من الوتر ، ثمَّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع ، ويذكر وهو راكع؟ قال : « يجلس من ركوعه فيتشهّد ثمَّ يقوم فيتمّ » قال : قلت : أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما يركع مضى ثمَّ يسجد سجدتين بعد ما ينصرف فيتشهد فيهما؟ قال عليه السلام : « ليس النافلة مثل الفريضة » (16).

هذا ما قيل.

ولكن أنت خبير بأنّ ظاهر خبر الحلبي أنّه يريد أن يأتي بنافلة الظهر مثلا ثمانية ركعات ، ركعتين ركعتين ، وبعد كلّ ركعتين يجلس ويتشهّد ويسلّم ، ثمَّ يقوم ويشرع في الركعتين الأخريين ، وهكذا يجلس ويتشهّد ويسلّم ، ثمَّ يقوم في الركعتين الأخريين حتّى يتمّ الصلاة ، أي نافلة الظهر التي هي ثماني ركعات. فعلى هذا لم يزد ركنا في النافلة ، وإنّما أبطل صلاته الثاني لعدم إتمام الأوّل ، فالمراد بقوله عليه السلام « ثمَّ يستأنف الصلاة » أي الصلاة الثانية من النافلة.

وبعبارة أخرى : نافلة الظهر مثلا عبارة عن أربع صلوات ، كلّ واحدة منها ركعتين مثل فريضة الصبح أو نافلته ، فإذا سها أي نسي التشهّد والتسليم من إحديهما وقام للصلاة الأخرى وكبّر وقرأ وركع ، ثمَّ بعد أن ذكر بعد الركوع فيقول عليه السلام : يجلس ويتشهّد ويسلم ، ثمَّ يستأنف أي يشتغل بصلاة أخرى من تلك الصلوات الأربع التي هي نافلة الظهر فلم يزد في النافلة شي‌ء ، لأنّه دخل في صلاة أخرى لنسيان التشهّد والتسليم ، لا أنّه مثلا كبّر وقرأ وركع بعنوان أنّه في الركعتين الأوليين من النافلة حتّى تكون زيادة الركن فيها وتكون مغتفرة.

والشاهد على ذلك أنّ قوله : « فلم يجلس بينهما » ليس المراد من ضمير التثنية هو الركعتين ، أي عدم الجلوس بين نفس الركعتين حتّى يكون معناه عدم الجلوس بين الركعة الأولى والثانية ، إذ لا ارتباط بين عدم الجلوس بين نفس الركعتين والقيام للثالثة.

فالمراد من « بينهما » أي بين الركعتين الأوليين وبين الركعتين الثانيتين أي النافلتين ، وحينئذ يكون الأمر كما وجّهنا أي ليس ما زاد على الركعتين زيادة فيها ، بل من جهة شروعه في نافلة أخرى لنسيان التشهّد والتسليم في النافلة الأولى ، فلا ربط لهذه الرواية باغتفار زيادة الركن في النافلة.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ظاهر قوله : « حتّى قام فركع في الثالثة » أي بدون تكبيرة الإحرام وبعنوان أنّه يأتي بتتمّة النافلة التي كان مشغولا بها وسها عن أنّ هذه هي الركعة الثالثة ، بل يأتي بها بزعم أنّها الثانية ، ثمَّ بعد أن ركع التفت بأنّها ثالثة ، فقوله عليه السلام : « يجلس ويتشهّد ويسلّم » صريح في أنّ زيادة الركوع ليس بمضرّ.

نعم هذه الرواية لا تدلّ على أنّ زيادة غير الركوع من سائر الأركان أيضا ليس بمضرّ إلاّ على سبيل القياس الباطل ، وأيضا لا تدلّ على عدم بطلان النافلة بنقيصة الأركان بطريق أولى.

وأمّا خبر الصيقل : فعلى تقدير انفصال صلاة الوتر عن الشفع ـ كما هو المعروف ـ وكونهما صلاتين مستقلّتين فلا يدلّ على المطلوب ، لأنّ معنى قوله : « ثمَّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع ويذكر وهو راكع » اشتغاله بصلاة الوتر بزعم إتمام صلاة الشفع لنسيانه التشهّد والتسليم ، ثمَّ تذكر بعد أن ركع للوتر فقوله عليه السلام : « يجلس من ركوعه » ـ إلى آخر ما قال عليه السلام ـ معناه أنّه يرفع اليد عن الوتر ويتمّ الشفع ، ثمَّ يقوم ويتمّ الوتر ، فلم تقع زيادة في نافلة الشفع ولا في نافلة الوتر ، لأنّه يرفع اليد عن المقدار الذي أتى بنافلة الوتر ، ويأتي بالتشهّد والتسليم لإتمام الشفع ، ثمَّ يأتي بالوتر من أوّله ويستأنف أو يبني على ما أتى ، وعلى كلّ حال ، لم يأت بزيادة لا في الشفع ولا في الوتر.

وأمّا لو قلنا بأنّهما ـ أي الشفع والوتر ـ صلاة واحدة ولا بدّ أن يأتي بالوتر متّصلة فلا محالة يكون من زيادة الركوع في النافلة ، كما هو واضح.

ويشهد على ذلك أيضا قوله عليه السلام : « ليس النافلة مثل الفريضة » بعد سؤال الراوي ، وقوله : « أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد ما يركع مضى ثمَّ يسجد سجدتين بعد ما ينصرف فيتشهّد فيهما ».

فكلامه يدلّ على أنّ زيادة الركوع في الفريضة توجب بطلان الصلاة ، ولذلك بعد أن دخل في الركوع ليس له أن يرجع ويتشهّد ، أي يرجع ويأتي بالمنسي ، لأنّه بعد‌ أن يأتي بالتشهّد المنسي إمّا أن يأتي بما بعده ممّا أتى به وقت النسيان ، وإمّا أن لا يأتي. ففي الصورة الأولى يلزم زيادة الركوع الذي هو ركن ، وفي الصورة الثانية يلزم ترك جملة من أجزاء الصلاة عمدا، وفيها الركن أعني الركوع.

وأمّا في النافلة وإن لزم أيضا من إتيان المنسي زيادة الركوع الذي هو ركن ، ولكن يفهم من هذه الرواية أنّ زيادة الركوع في النافلة ليس بمضرّ.

ثمَّ إنّ المذكور في الروايتين وان كان زيادة الركوع من جهة نسيان التشهّد ، فهل يشمل لو كانت الزيادة في غير الركوع من الأركان؟ لا يخلو من إشكال.

وأيضا هل يشمل ما إذا كان المنسي ابتداء هو نفس الركوع مثلا في الركعة السابقة فيرجع ويأتي به ، ثمَّ يأتي بما بعده وفيه الركوع؟

والإنصاف أنّه لا يخلو من إشكال وإن كان التعليل بعدم كون النافلة كالفريضة يشعر بشمول كلتا الصورتين أيضا ، نعم لا يشمل النقيصة قطعا.

الثامن : أنّه لا تجب سجدتا السهو في النافلة إذا طرأ عليها ما يوجبهما في الفريضة ، ولا القضاء فيما فيه القضاء في الفريضة كنسيان السجدة والتشهّد في النافلة ، وذلك لاختصاص دليلها أي دليل القضاء بالفريضة اليوميّة ، فلا تجب في سائر الواجبات فضلا عن النافلة. وإن شئت راجع أخبار الباب فإنّ موردها فريضة اليوميّة ، وليس لها إطلاق يتمسّك به لوجوب القضاء في غير الفريضة اليوميّة.

الجهة الثالثة

في نسبة هذه القاعدة مع الأدلّة الأوّلية

التي دلّت على ثبوت أحكام الشكّ وفي موارد تطبيقها‌:

أمّا الأوّل : فدليل هذه القاعدة ، أي قوله عليه السلام : « ليس في النافلة سهو » له حكومة‌ على الأدلّة التي مفادها بيان حكم الشكّ في عدد ركعات الصلاة ، والحكومة هاهنا حكومة واقعيّة في جانب الموضوع بالتضييق. وقد شرحنا الحكومة وأقسامها الثمانية في كتابنا « منتهى الأصول » (17) وإن شئت فراجع. وذلك من جهة أنّ الشكّ جعل موضوعا للبناء على الأكثر في الصلوات الرباعيّة إذا كان في الركعتين الأخيرتين منها ، أو جعل موضوعا للبطلان في الثنائيّة والثلاثيّة ، أو في الرباعيّة إن كان قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية ، فدليل هذه القاعدة ـ الذي هو عبارة عن قوله عليه السلام : « ليس في النافلة سهو » أي الشكّ ـ يرفع الشكّ تعبّدا ، وهذا معنى تضييق الموضوع تعبّدا.

وأمّا الثاني : أي موارد تطبيق هذه القاعدة : فقد عرفت كثيرا منها ولا يحتاج إلى ذكرها وإعادتها ، وبطور الإجمال : إذا كان الشكّ في عدد ركعات النافلة ، أيّ نافلة كانت ، ثنائيّة أو ثلاثيّة أو رباعيّة مخيّر بين البناء على الأقلّ والأكثر ، إلاّ إذا كان البناء على الأكثر موجبا لبطلانها فيتعيّن البناء على الأقلّ.

والحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.

________________

(1) « الكافي » ج 3 ، ص 358 ، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر ... ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 54 ، ح 187 ، باب أحكام الجماعة ... ، ح 99 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 340 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 24 ، ح 8.

(2) « الكافي » ج 3 ، ص 359 ، باب من شك في صلاته كلها ... ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 343 ، ح 1422 ، باب أحكام السهو ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 331 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 18 ، ح 1.

(3) « الكافي » ج 3 ، ص 395 ، باب من شك في صلاته كلها ... ، ح 6.

(4) « المعتبر » ج 2 ، ص 395.

(5) « الرياض » ج 1 ، ص 222.

(6) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 178 ، ذيل ح 713.

(7) « مفتاح الكرامة » ج 3 ، ص 345.

(8) « جواهر الكلام » ج 12 ، ص 424.

(9) « جواهر الكلام » ج 12 ، ص 427.

(10) « جواهر الكلام » ج 12 ، ص 427 ـ 428.

(11) « كتاب الصلاة » ج 3 ، ص 187.

(12) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 180 ، ح 722 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 23 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 366 ، ح 1395 ، باب الشكّ في فريضة الغداة ، ح 6.

(13) « الخصال » ص 828 ، أبواب الثمانين وما فوقه.

(14) لم نجد هذه العبارة في الكتب الروائيّة والموجود هكذا : « سالته عن السهو في النافلة فقال ليس عليك شي‌ء ». « الكافي » ج 3 ، ص 359 ، ح 6 ، « التهذيب » ج 2 ، ص 343 ، ح 10 ، باب 13 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 331 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 18 ، ح 1.

(15) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 189 ، ح 750 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 51 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 331 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 18 ، ح 4.

(16) « الكافي » ج 3 ، ص 448 ، باب صلاة النوافل ، ح 22 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 189 ، ح 751 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 52 ، « وسائل الشيعة » ج 4 ، ص 997 ، أبواب التشهّد ، باب 8 ، ح 1.

(17) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 535.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.