المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8127 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



قاعدة « الفراغ والتجاوز » (*)  
  
2321   11:51 صباحاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج1 ص315 - 356.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / الفراغ و التجاوز /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-7-2019 1400
التاريخ: 14-3-2022 1946
التاريخ: 18-9-2016 1953
التاريخ: 3-6-2020 1703

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدتي الفراغ والتجاوز.

وفيها مباحث : [ المبحث ] الأوّل : في أنّهما هل من الأصول التنزيليّة أو من الأمارات؟

وأمّا احتمال أن يكونا من الأصول غير التنزيليّة فبعيد لا ينبغي المصير إليه والبحث عنه.

فنقول : قد ذكرنا مرارا أنّ المناط في الأماريّة بناء على ما هو التحقيق في وجه حجيّتها هو تتميم كشفها في عالم الاعتبار التشريعي بعد ما كان فيها كشف ناقص ، فالشارع في عالم الاعتبار التشريعي يعتني بذلك الكشف الناقص التكويني ، ويحسبه ويعتبره كشفا تامّا.

فأماريّة الأمارة متوقّفة على أمرين :

أحدهما : أن تكون فيه جهة كشف ناقص.

والثاني : عدم إلغاء الشارع تلك الجهة ، بل اعتنائه بها واعتبارها كشفا تامّا وإن لم يكن تامّا بحسب التكوين ، بل احتمال الخلاف فيه موجود.

إذا عرفت هذا فنقول : لا شكّ في أنّ في مورد هاتين القاعدتين يكون لهما نحو كشف وطريقيّة ، لوجود العمل التام الصحيح بعد الفراغ في مورد قاعدة الفراغ ، ووجود الجزء المشكوك بعد تجاوز محلّه في قاعدة التجاوز ؛ وذلك لأنّ الإنسان إذا أراد إيجاد عمل مركّب في الخارج فإرادته تتعلّق بإيجاد تمام أجزائه وشرائطه ، كلّ في محلّه إن كان له محلّ ، وترك جميع موانعه ، وإلاّ ليس في مقام الامتثال ، وهو خلاف الفرض.

فالظاهر أنّ العمل يصدر منه طبق تلك الإرادة ، وكما أنّه بعيد غاية البعد أن يريد إيجاد شي‌ء ويوجد شيئا مباينا لما أراد ، كذلك لا يخلو من البعد أن يريد إيجاد مجموع الأجزاء والشرائط وترك جميع الموانع ، ثمَّ يأتي ببعضها بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط ، ويترك بعضها بالنسبة إلى الموانع ولو غفلة ونسيانا ؛ لأنّ الغفلة والنسيان حالتان قد تعرض على الإنسان في بعض الأحيان بالنسبة إلى بعض الأعمال ، فهاتان الحالتان ليستا دائميّتين ولا غالبيّتين ، ولذلك بناء العقلاء على أصالة عدم الغفلة والنسيان عند الشكّ فيهما ، وذلك من جهة أنّ الغفلة والنسيان خروج عن مقتضى الطبع الأوّلي وإن قيل بأنّ السهو والنسيان كالطبيعة الثانية للإنسان.

وحاصل الكلام : أنّ مقتضى طبع الإرادة المتعلّقة بالمركّب إيجاده على طبقها ، ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ الإرادة الكليّة المتعلّقة بالمركّب هي المحرّكة للعضلات نحو إيجاد الأجزاء ـ كما هو الحقّ ـ وبين القول بتولّد إرادات جزئيّة من تلك الإرادة الكليّة وتعلّق كلّ واحدة منها بجزء من الأجزاء ، أو شرط من الشروط ، أو ترك مانع من الموانع.

والسرّ في عدم الفرق أنّ وجود الأجزاء والشرائط وعدم الموانع بالآخرة مسبّب عن تلك الإرادة الكلّية ، غاية الأمر إمّا بلا واسطة أو مع الواسطة.

إذا تبيّن ذلك وعرفت أنّ الجهة الأولى من الجهتين اللتين تتوقّف الأمارة عليهما موجود في مورد القاعدتين إلاّ وهو الكشف الناقص ، فلننظر في الجهة الثانية وهو أن‌ يكون الجعل الشرعي بلحاظ تلك الجهة وتتميم الكشف الناقص الموجود فيهما واعتباره كشفا تامّا.

ولا بدّ في تعيين هذه الجهة وتشخيصهما من ملاحظة أدلّة حجيّتهما وأنّ أيّ شي‌ء يستفاد منها.

فنقول : إنّ السنّة أدلّتهما مختلفة ، ففي بعضها حكم بأنّه يمضي ، وفي بعضها حكم بأنّ « شكّك ليس بشي‌ء » ، وفي جملة منها « إنّما الشكّ في شي‌ء لم تجزه ».

والإنصاف أنّ هذه العبارات على اختلافها لا تدلّ على أكثر من الجري العملي ، ولا يمكن إثبات الأماريّة بها.

نعم في بعض أخبار الشكّ في أجزاء الوضوء بعد الفراغ عنه : « هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ » وظاهر هذا التعليل لعدم الإعادة هي الأماريّة ، وأنّ حجيّتها بلحاظ الكشف عن وجود المشكوك.

هذا كلّه بحسب الأخبار ، وأمّا بناء على كون حجيّتهما من باب بناء العقلاء على صحّة المركّب الذي صدر منهم إذا شكّوا في إتيانه كاملا بعد الفراغ عنه ، أو إذا شكّوا في إتيان جزء بعد التجاوز عن محلّه إذا كان للجزء محلّ ، فتكون القاعدتان من الأمارات يقينا ، وعلى كلّ حال تكونان مقدّما على الاستصحاب إمّا من باب الحكومة لو كانا من الأمارات ـ وقد أوضحنا وجه حكومة الأمارات على الأصول وإن كانت الأصول تنزيليّة ـ وأمّا بناء على كونهما من الأصول التنزيليّة ، فتقديمها على الاستصحاب من جهة كون جعلهما في مورد الاستصحاب غالبا ، فلو لم يقدّما عليه يلزم لغويّة جعلهما.

وربما يقال في وجه تقديمهما عليه وإن كانا من الأصول التنزيليّة أيضا بحكومتهما عليه ، كما لو كانا أمارتين من جهة أنّ موضوع الاستصحاب هو الشكّ في البقاء بعد اليقين بالحدوث ، ومفاد القاعدتين هو البناء على عدم الاعتناء بالشكّ في بقاء العدم ، بل البناء العملي على انقلاب العدم بالوجود ، فيرتفع موضوع الاستصحاب تعبّدا ، وهذا معنى الحكومة ، فتأمّل.

ثمَّ إنّه لو شككنا ولم نحرز أنّهما من الأمارات أو من الأصول ، فمقتضى القاعدة عدم ترتيب آثار الأمارة عليهما من ترتيب آثار الشرعيّة التي للوازمهما العقليّة عليها ؛ لأنّ مرجع هذا الشكّ هو الشكّ في إثبات اللوازم بهما ، وإلاّ بالنسبة إلى أصل المؤدّى فلا فرق بينهما ، أي سواء كانا من الأصول أو من الأمارات يثبت المؤدّى بهما ، ومعلوم أنّ نتيجة الشكّ في حجيّتهما في إثبات اللوازم عدم حجيّتهما كما هو الشأن في كلّ مشكوك الحجيّة.

[ المبحث ] الثاني : في أنّهما من القواعد الفقهيّة أو من المسائل الأصولية؟

وقد ذكرنا مرارا أنّ الضابط في كون المسألة أصوليّة أن تكون واسطة في إثبات المحمولات الفقهيّة لموضوعاتها.

والسرّ في ذلك أنّه لا شكّ في أنّ كلّ قضيّة ومسألة ليس ثبوت محمولها لموضوعها بديهيّا ومبيّنا في نفسه ، فالتصديق بثبوت ذلك المحمول لذلك الموضوع يحتاج إلى دليل ومثبت ، وذلك الدليل والمثبت هو الذي تسمّيه بالواسطة في الإثبات.

ولا شكّ في أنّ أغلب المسائل الفقهيّة نظريّة يحتاج إلى النظر والاجتهاد والاستنباط في عصر الغيبة ، بل وفي عصر حضور الإمام عليه السلام ، كما يظهر ذلك من أمرهم صلوات الله عليهم بعض أصحابهم في زمان حضورهم بالجلوس والإفتاء بين الناس.

فالمجتهد هو الذي يفتّش ويفحّص عن وجود الدليل على ثبوت محمول المسألة الفقهيّة لموضوعها ، والعلم المتكفّل لتعيين تلك الأدلّة هو علم الأصول ، فكل قاعدة ومسألة تقع نتيجة البحث عنها واسطة لإثبات محمول مسألة فقهيّة لموضوعها يكون من المسائل الأصولية ؛ لأنّه لا همّ ولا غرض للأصولي إلاّ معرفة المبادي التصديقيّة‌ للمسائل الفقهيّة والأدلّة لها ، ولأجل هذا الغرض وهذه النتيجة ألّفوا على الأصول ، ولذا عرّفوه :

بأنّه العلم بالقواعد التي تقع كبرى في قياس يستنتج منه الحكم الشرعي الفرعي الكلّي.

إذا عرفت ما ذكرناه ، فنقول : إنّ مفاد قاعدة الفراغ والتجاوز ليس إلاّ الحكم بصحّة العمل الذي فرغ منه ، وشكّ في أنّه هل أخلّ بذلك العمل المأمور به بترك جزء ، أو شرط ، أو إتيان مانع في قاعدة الفراغ ؛ وأيضا ليس إلاّ الحكم بإتيان جزء أو شرط إذا شكّ في إتيانه بعد تجاوز محلّه إذا عيّن له محلّ.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا المعنى الذي هو مفاد القاعدتين بنفسه حكم شرعي فرعي كلّي ينطبق على مواردها انطباق جميع الأحكام الشرعيّة الفرعيّة على مواردها ، وليس واسطة لإثبات حكم شرعي فرعي كلّي آخر ؛ فليست من المسائل الأصوليّة بل هما قاعدتان فقهيّتان.

بقي شي‌ء : وهو أنّه ما الفرق بين المسألة الفقهيّة وقاعدتها؟ ولما ذا سمّيتهما بالقاعدة الفقهيّة دون مسألتها.

والجواب أنّه صرف اصطلاح ، وإلاّ فليس ها هنا فرقا جوهريّا نعم جرى اصطلاحهم على تسمية المسائل العامّة التي تحتها مسائل ، وتنطبق على أبواب متعدّدة كمسألتينا ، هاتين حيث أنّهما تنطبقان على كلّ عمل شكّ في وقوع الخلل فيه وصحّته بعد الفراغ في قاعدة الفراغ ، وفي وجود أيّ جزء أو شرط شكّ في وجوده بعد التجاوز عن محلّه في قاعدة التجاوز في أيّ باب من أبواب الفقه ، بناء على عدم اختصاص قاعدة التجاوز بالصلاة ، وإلاّ تكون منحصرة فيها بأبواب الصلاة من أجزائها وشرائطها.

فقاعدة الفراغ تجري في جميع أبواب العبادات والمعاملات ، وقاعدة التجاوز أيضا كذلك ، بناء على عدم اختصاصها بالصلاة. وأمّا بناء على الاختصاص سمّيت بالقاعدة‌ لشمولها لجميع أبواب الصلاة من جميع أجزائها وشرائطها ، مثلا لو قال الفقيه : « لو شكّ المصلّي في القراءة بعد أن ركع فليمض في صلاته ولا يعتني بشكّه » فهذه مسألة فقهيّة. ولو قال : « لو شكّ في وجود أيّ جزء أو شرط للصلاة بعد التجاوز عن محلّه فليمض في صلاته ولا يعتني بشكّه » فهذه قاعدة فقهيّة ، وهذه هي قاعدة التجاوز. وهكذا الحال في سائر المسائل الفقهيّة وقواعدها.

[ المبحث ] الثالث : في أنّهما قاعدتين أو قاعدة واحدة ؟

بمعنى أنّ الكبرى المجعول واحدة في كليهما ، أو الكبرى المجعول في إحديهما غير المجعول في الأخرى؟

أقول : لا شكّ في أنّ مفاد كلّ واحدة منهما ومفهومه غير مفهوم الآخر ؛ لأنّ قاعدة الفراغ عبارة عن الحكم بصحّة الشي‌ء المشكوك صحّته وتماميّته بعد الفراغ عنه ومضيّه ، وقاعدة التجاوز عبارة عن حكم الشارع بوجود الشي‌ء الذي شكّ في وجوده بعد التجاوز عن محلّه. وسنتكلّم إن شاء الله تعالى في أنّه ما المراد من المحلّ في بعض الأمور الآتية.

وبعد ما عرفت أنّ مفهوميهما ومفاديهما مختلفان ، فيرجع البحث إلى أنّ المجعول من قبل الشارع هل هو كبرى واحد ، بحيث ينطبق على كلا المفهومين ويكون كلا المفادين المذكورين من مصاديق تلك الكبرى المجعول الجامع بين مضمون القاعدتين أم لا؟

وهاهنا مقامان :

الأوّل : في مقام الثبوت ، وأنّه هل يمكن في مقام التشريع جعل كبرى واحد تكون شاملة لكلتا القاعدتين وتنطبق على كلا المفادين ، أم لا يمكن؟ لعدم جامع بين‌ المفادين فلا يمكن جمعهما في استعمال واحد في مقام الجعل والتشريع.

 

الثاني : في مقام الإثبات والاستظهار من الأدلّة ، وأنّه بعد الفراغ عن إمكان جعل كبرى واحدة تشملهما ، هل هناك في أدلّة الباب دليل يدلّ على مثل هذا الجعل أم لا؟

أمّا المقام الأوّل : فالذي يقول بعدم إمكان الجمع بينهما في جعل واحد ، يقول بأنّ الشكّ في قاعدة التجاوز متعلّق بأصل وجود الشي‌ء ، وفي قاعدة الفراغ بصحّة الموجود ، وأن الأوّل مفاد كان التامّة ، والثاني مفاد كان الناقصة.

والتعبّد بوجود الشي‌ء غير التعبّد بصحّة الموجود ؛ فلا يمكن الجمع بينهما في استعمال واحد ، إلاّ بناء على جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، وهو محال.

أقول : لا يفيد في المقام القول بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ؛ لأنّه على فرض الجواز أيضا يكون المجعول أمرين مختلفين ، وهو خلاف المفروض في المقام ؛ لأنّ المفروض والمدّعى في المقام أن يكون المجعول معنى واحد جامعا بين مفادي قاعدة التجاوز ـ الذي هو التعبّد بوجود المشكوك ـ وقاعدة الفراغ الذي هو التعبّد بصحّة الموجود ، أعني تماميّة ما أوجده من دون وقوع خلل فيه.

فالمدّعى هو أنّ المجعول معنى واحد يكون مفاد كلتا القاعدتين ومضمونهما من ذلك المعنى الواحد ، فلو أمكن ذلك يكون من باب استعمال اللفظ في معنى واحد لا من باب استعماله في المتعدّد ، وإن لم يكن جعل ذلك المعنى الواحد الجامع بين المفادين فجواز استعمال اللفظ في المعاني المتعددة لا أثر له.

نعم أجاب شيخنا الأعظم الأنصاري عن هذا الإشكال (1) بإمكان إرجاع قاعدة الفراغ أيضا إلى مفاد كان التامّة ، بأن يقال : إنّ التعبّد فيها أيضا يرجع إلى التعبّد بوجود الصحيح ، لا التعبّد بصحّة الموجود ، حتّى يكون مفاد كان الناقصة.

وبعبارة أخرى : جعل الصحّة قيدا للموضوع لا للمحمول كي يكون المحمول هو الوجود المطلق ، فيكون مفاد كان التامة ، بأن يقال عند الشكّ في صحّة العمل الذي فرغ عنه ـ صلاة كان ذلك العمل أو حجّا أو غيره ـ : العمل الصحيح وجد.

والمناط في مفاد كون القضيّة مفاد كان التامّة أن يكون المحمول هو الوجود المطلق ، ولو لوحظ ألف قيد في جانب الموضوع.

ومناط كونها مفاد كان الناقصة هو أن يكون المحمول هو الوجود المقيّد ، سواء أكان الموضوع مطلقا أو مقيّدا ، فالإطلاق والتقييد في جانب المحمول هو المناط في كون القضيّة مفاد كان التامّة أو الناقصة.

وأمّا الإطلاق والتقييد في جانب الموضوع فلا أثر لهما أصلا ، فبناء على ما ذكره تكون الكبرى المجعولة معنى واحدا ، وهو التعبّد بوجود الشي‌ء.

وأورد عليه شيخنا الأستاذ أوّلا : بأنّ التعبد بوجود الصحيح لا يثبت صحّة الموجود ، إلاّ بناء على القول بالأصل المثبت ، والأثر مترتّب على صحّة الموجود لا على وجود الصحيح.

إن قلت : يكفي في سقوط الأمر والامتثال التعبّد بوجود الصحيح.

قلت : على فرض كفايته في العبادات لا يكفي في المعاملات ؛ لأنّ الأثر فيها مترتّب على كون هذه المعاملة الموجودة في الخارج ـ بعد الفراغ عن كونها موجودة ـ صحيحة ، لا على وجود المعاملة الصحيحة.

نعم لو قلنا بأنّ هاتين القاعدتين من الأمارات لا يبقى وجه لهذا الإشكال ؛ لأنّه حينئذ مثبتاتهما حجّة.

وثانيا : بأنّ متعلّق التجاوز الواردة في الأخبار في قاعدة الفراغ ذات الشي‌ء ونفسه ، وفي قاعدة التجاوز محلّه ، ولا جامع بينهما. (2) ‌

ولكن يمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بأنّ التجاوز عن الشي‌ء كما أنّه يصدق بالتجاوز عن نفسه وإتمامه والمضي عنه ، كذلك يصدق بالتجاوز عن محلّه الذي عيّن له‌ الشارع.

وأجاب شيخنا الأستاذ عن هذا الإشكال بأنّ متعلّق التجاوز في قاعدة الفراغ أيضا محلّ الجزء المشكوك وجوده ، لأنّ الشكّ في صحّة العمل المركّب الذي صدر عنه بعد الفراغ عنه أيضا مسبّب عن وجود ذلك الجزء المشكوك الوجود في محلّه ، ومعلوم أنّ حصول هذا الشكّ المسبّبي إنّما يكون بعد التجاوز عن محلّ ذلك الجزء المشكوك الوجود (3).

ولكن أنت خبير بأنّ هذا الكلام معناه إرجاع قاعدة الفراغ إلى قاعدة التجاوز ، بل إنكار قاعدة الفراغ بالمرّة ، مضافا إلى أنّه يلزم الاستخدام في ضمير قوله عليه السلام « إنّما الشكّ في شي‌ء لم تجزه » (4) إذ المراد بناء على هذا الجواب من « الشي‌ء » نفس المركّب ، ومن الضمير في « لم تجزه » الراجع إلى « الشي‌ء » الجزء المشكوك الوجود ، وهذا هو الاستخدام وهو خلاف الأصل والظاهر.

إن قلت : إن المراد من « الشي‌ء » أيضا هو الجزء المشكوك.

قلت : فلا ينتج صحّة المركّب إلاّ على القول بالأصل المثبت.

بأنّ متعلّق الشكّ في قاعدة التجاوز هو الجزء ، وفي قاعدة الفراغ هو الكلّ ، ولا جامع بين الجزء والكلّ في عالم اللحاظ ؛ لأنّ لحاظ الجزء شيئا بحيال ذاته لا يكون إلاّ في الرتبة السابقة على المركّب والكلّ ، لأنّ النسبة بين الأجزاء والكلّ نسبة العلّية والمعلوليّة ، وللأجزاء تقدّم على الكلّ.

وبعبارة أخرى : شيئيّة الأجزاء مندكّة في شيئيّة الكلّ ، ففي مرتبة لحاظ الكلّ شيئا لا يمكن لحاظ الجزء شيئا ؛ لأنّه لا شيئيّة له في تلك المرتبة.

والحاصل : أنّه ليس لحاظ شيئيّة الجزء وشيئيّة الكلّ في مرتبة واحدة ، ففي مرتبة لحاظ شيئيّة الجزء ليس كلّ في البين حتّى يلاحظ شيئيّته ، وفي مرتبة لحاظ شيئيّة الكلّ لا شيئيّة للجزء ؛ لأنّ شيئيّة الجزء في هذا اللحاظ مندكّة في شيئيّة الكلّ ، فالجمع بينهما في لحاظ واحد ممّا لا يمكن أن يكون.

ولكن أنت خبير بأنّ ما لا يمكن الجمع بينهما في لحاظ واحد هو شيئيّة الجزء بعنوان أنّه جزء مع شيئيّة الكلّ بعنوان أنّه كلّ ، لا شيئيّة الجزء والكلّ بعنوان أنّهما موجودان وشيئان كسائر الأشياء ، فلا مانع من شمول عنوان « الشي‌ء » لهما كما أنّه يشمل سائر الأشياء ، ولا يحتاج إلى شيئيّة الجزء والكلّ بعنوان أنّه جزء وكلّ ، حتّى يقال بأنّه لا يمكن اجتماعهما في لحاظ واحد.

وبعبارة أخرى : لا شكّ في أنّ كلّ موجود ـ سواء أكان موجودا في الخارج ، أو كان موجودا في الذهن ، أو كان موجودا في عالم الاعتبار ـ شي‌ء ؛ لأنّ الشيئيّة مساوق للوجود يدور معه حيثما دار ، فالجزء والكلّ شي‌ء بعناية واحدة وهي أنّهما موجودان. نعم الذي لا يمكن هو لحاظ الاثنين ـ أي : الكل والجزء ـ بعنوانهما الخاصّ في لحاظ واحد ، واستعمال واحد ، من لفظ واحد.

إذا عرفت ما ذكرنا فلا يبقى وجه لما تكلّفه شيخنا الأستاذ في مقام الجواب عن هذا الإشكال : بأنّ مصداقيّة الجزء للشي‌ء بعناية التعبّد وتنزيل الشكّ في الجزء في خصوص باب الصلاة منزلة الشكّ في الكلّ ، ولذا لا تجري قاعدة التجاوز في غير باب الصلاة مطلقا ، ولا خصوصيّة للطهارات الثلاث حتّى يقال إنّ خروجها وتخصيصها بالإجماع والأخبار ؛ لأنّه بناء على هذا لا عموم للقاعدة ، فيكون خروج الطهارات الثلاث كغيرها من سائر المركّبات ما عدا الصلاة من باب التخصّص لا التخصيص.

وحاصل ما أفاده في دفع هذا الإشكال هو أنّ الكبرى المجعولة هي عبارة عن‌ عدم الاعتناء بالشكّ في وجود الشي‌ء بعد التجاوز عنه. (5) ‌

ولكن انطباق هذه الكبرى على الكلّ لا يحتاج إلى عناية أخرى لأن شيئيّة الكلّ وجدانيّة قطعيّة ، وأمّا انطباقها على الجزء لا يمكن إلاّ بعد عناية أخرى وهو تنزيل الجزء منزلة الكلّ في هذا الأثر ، كي يصير الجزء بواسطة هذا التنزيل فردا ومصداقا تعبديا لمفهوم الشي‌ء في تلك الكبرى المجعولة.

وحيث أنّ هذا التعبّد والتنزيل وقع في الصلاة دون سائر المركّبات ، كما يدلّ عليه رواية زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال عليه السلام : « يمضي ». قلت : رجل شكّ في الإقامة وقد كبّر ، قال عليه السلام : « يمضي ». قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ ، قال عليه السلام : « يمضي ». قلت : شكّ في القراءة وقد ركع ، قال عليه السلام : « يمضى ». قلت : شكّ في الركوع وقد سجد ، قال عليه السلام : « يمضي في صلاته » ثمَّ قال عليه السلام : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء ». (6) ‌

فلذلك لا تجري هذه القاعدة إلاّ في الصلاة ، وسائر المركّبات خارجة عن عمومها تخصّصا لا تخصيصا ، ولا فرق في ذلك بين الطهارات الثلاث وغيرها.

ولكن أنت خبير أنّ معنى هذا الكلام هو إنكار قاعدة التجاوز والالتزام بجريان قاعدة الفراغ في خصوص أجزاء الصلاة لمكان ذلك التنزيل دون سائر المركبات ، فكأنّه جعلت أجزاء الصلاة بواسطة التنزيل المذكور كأنّه مركّب مستقلّ من المركّبات العباديّة ، ففي الحقيقة هو التزم بأنّه هناك قاعدة واحدة وهي قاعدة الفراغ ، ولكنّها لا تجري في الأجزاء إلاّ في أجزاء الصلاة بواسطة التنزيل.

وقد عرفت عدم تماميّة ما أفاد ويأباه الذوق السليم ، والسليقة المستقيمة تحكم بأنّ قوله عليه السلام « إنّما الشكّ في شي‌ء لم تجزه » مفهوم عام يشمل أجزاء الصلاة وغيرها‌ من المركّبات التي لأجزائها محلّ شرعي ، ويصدق بعد التجاوز عن ذلك المحلّ الشرعي إذا شكّ في إتيان ذلك الجزء أنّه شكّ بعد التجاوز عنه ؛ فتخصيصها بخصوص أجزاء الصلاة لا وجه له.

فحينئذ لا بدّ وأن يكون عدم جريانها في أجزاء الطهارات الثلاث لجهة ، من إجماع أو غيره ، كما ادّعاه شيخنا الأعظم الأنصاري. (7) ‌

هذا كلّه في مقام الثبوت.

وأمّا في مقام الإثبات بعد الفراغ عن إمكان جعل كبرى واحدة تشمل كلتا القاعدتين في عالم الثبوت.

فنقول أوّلا : لا بدّ من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب حتّى نرى ما ذا يستفاد :

منها : رواية حماد بن عثمان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أشكّ وأنا ساجد ، فلا أدري ركعت أم لا؟ فقال عليه السلام: « قد ركعت ». (8) ‌

ومنها : ما ذكرنا وتقدّم من رواية زرارة ونقلناها ، ومحلّ الشاهد ما في آخرها من قوله عليه السلام : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء ».

ومنها : رواية إسماعيل بن جابر قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شي‌ء شكّ فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمضى عليه ». (9) ‌

ومنها : موثقّة ابن بكير عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال عليه السلام : « كلّ ما‌ شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ». (10) ‌

ومنها : موثّقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشي‌ء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » (11).

ومنها : موثّقة بكير بن أعين قال : قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ قال عليه السلام : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (12).

وهناك روايات أخر نقلوها ليست بصراحة ما ذكرناها من حيث اشتمالها على الكبرى الكليّة ، وفيما ذكرناها غنى وكفاية.

فنقول : أمّا قوله عليه السلام في الرواية الأولى ، أي رواية زرارة « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » فهي كبرى كلّية ينطبق على الخروج عن الجزء ودخوله في جزء آخر ، أو مطلق ما كان غيره كي يشمل الجزء الأخير ، وعلى الخروج عن المركّب المأمور به والدخول في غيره ، مثل الصلاة والحجّ وغيرهما.

وأمّا مسألة لزوم الدخول في الغير ـ أو يكفي صدق التجاوز عن الشي‌ء والمضي عنه ، وإنّما ذكره الدخول في الغير لأجل تحقّق التجاوز عن الشي‌ء ـ فهذا شي‌ء سنتكلّم عنه إن شاء الله تعالى في المباحث الآتية.

والحاصل : أنّه بناء على ما ذكرنا وعرفت « الشي‌ء » له معنى عامّ ينطبق على الجزء وعلى المركّب الذي نسمّيه بالكلّ ، والخروج عنه له مصداقان كما تقدّم :

أحدهما : التجاوز عن محلّه الذي عيّن الشارع له ، وبهذا الاعتبار يشمل قاعدة التجاوز.

والثاني : التجاوز عن نفسه والفراغ عنه ، وبهذا الاعتبار يشمل قاعدة الفراغ.

والجامع بينهما هو عنوان الخروج عن الشي‌ء ، ولا يلزم محذور أصلا.

وأمّا قوله عليه السلام في رواية إسماعيل بن جابر : « كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » لا شكّ في أنّه أيضا كبرى كليّة أمر عليه السلام بالمضي وعدم الاعتناء بالشكّ في كلّ ما شكّ فيه ، سواء أكان ذلك المشكوك فيه نفس المركّب أو جزء من أجزائه بعد ما مضى عنه ، غاية الأمر المضي عن المركّب بإتمامه والفراغ عنه وعن الجزء بالمضي عن محلّه ، كما بيّنّا لك في رواية زرارة فلا نعيد.

وعلى هذا القياس قوله عليه السلام في موثقّة ابن بكير « كل ما شككت ممّا قد مضى فامضه كما هو ».

وأمّا قوله عليه السلام في موثّقة ابن أبي يعفور : « إنّما الشكّ إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » فبمفهوم الحصر يدلّ على أنّه إذا جزت عن شي‌ء فليس شكّ هناك ، بمعنى أنّ الشارع ألقى الشكّ في كلّ شي‌ء جزت عنه ، وجعل وجوده بمنزلة العدم ، فيكون حال هذه الرواية أيضا حال سائر الروايات من كونه عليه السلام بصدد بيان كبرى كليّة ، أي عدم الاعتناء بالشكّ في كلّ شي‌ء جزت عنه ، سواء أكان ذلك الشي‌ء نفس المركب أو أحد أجزائه.

ولا فرق في حكم الشارع بعدم الاعتناء بالشكّ بعد أن خرج عن المشكوك ودخل في غيره بأن يكون الخروج عن جزء والدخول في جزء آخر ، وبين أن يكون الخروج عن مجموع المركّب والدخول في شي‌ء آخر غيره.

نعم الخروج عن الجزء باعتبار الخروج عن محلّه ؛ لأنّ المفروض أن أصل وجود الجزء مشكوك ، فلا معنى للخروج عن نفس الجزء. وأمّا عدم الفرق في حكمه بعدم‌ الاعتناء بالشكّ بعد التجاوز عن المشكوك أو بعد المضي عنه بين الكلّ والجزء ، فالأمر أوضح كما هو واضح.

[ المبحث ] الرابع : في أنّه ما المراد من المضي والتجاوز في القاعدتين؟

حيث جعل الشارع موضوع حكمه بعدم الاعتناء بالشكّ أحد هذين العنوانين ، أو عنوان الخروج عن المشكوك والدخول في غيره؟

أقول : قد تقدّم أنّ لمفهوم التجاوز والمضي مصداقين :

أحدهما : التجاوز عن نفس الشي‌ء بمعنى إتمام وجوده والمضي عنه ، وهذا مورد قاعدة الفراغ.

والثاني : التجاوز عن محلّه ، وهذا مورد قاعدة التجاوز.

وهذان كلاهما مصداقان حقيقيان لمفهوم التجاوز عن الشي‌ء ، وليس في الثاني منهما تجوّز أو إضمار ، بل التجاوز عن المحلّ الذي عيّن الشارع لشي‌ء يكون تجاوزا عن ذلك الشي‌ء حقيقة ، فالذي يقرأ السورة مثلا تجاوز حقيقة عن فاتحة الكتاب، وهكذا الأمر في جميع أجزاء المركّبات التدريجيّة الوجود التي جعل الشارع لإيجاد أجزائها ترتيب ، فكلّ جزء له محلّ شرعي لا يجوز تقديمه عليه ولا تأخيره عنه ؛ لا كلام في هذا.

وإنّما الكلام في أنّه هل المحلّ العادي للجزء أيضا هكذا ، بمعنى أنّ التجاوز عن المحلّ العادي للشي‌ء هل تجاوز عن الشي‌ء أم لا؟ فإن صدق عليه التجاوز عن الشي‌ء حقيقة ، كما أنّه يصدق على التجاوز عن محلّه الشرعي التجاوز عن ذلك الشي‌ء حقيقة ، كما أنّه عليه السلام طبق الكبرى على التجاوز عن محلّه الشرعي في ما نقلناه من رواية‌ زرارة وغيرها ، فتشمل القاعدة التجاوز عن المحلّ العادي أيضا ، وتترتّب على التعميم ثمرات فقهيّة مهمّة ، مثلا الذي من عادته الوضوء عقيب الحدث الأصغر ، أو الغسل عقيب الحدث الأكبر فلو شكّ في وقت من الأوقات أنّه توضّأ عقيب الحدث الأصغر ، أو اغتسل عقيب الحدث الأكبر ، فعلى التعميم لا بدّ وأن نقول في الأوّل بطهارته من الحدث الأصغر ، وفي الثاني بطهارته من الحدث الأكبر.

ولكن أنت خبير بأنّه لا وجه لإلحاق المحلّ العادي بالمحلّ الشرعي ؛ لأنّه ليس في الأخبار عنوان « التجاوز عن المحلّ » حتى نتكلّم في أنّ لفظ « المحلّ » هل يشمل المحلّ العادي أم لا؟ بل الموجود فيها عنوان « المضي عن الشي‌ء والتجاوز عنه» وأمثال ذلك من العناوين ، فالمدار على صدق أحد هذه العناوين.

وقد عرفت أنّ في التجاوز عن المحلّ الشرعي يقال بأنّه تجاوز عن عن الشي‌ء حقيقة بلا تجوّز ولا إضمار على ما هو التحقيق ، أو بتقدير لفظ « المحلّ » كما أنّه ربما قال به المشهور من باب دلالة الاقتضاء ، صونا للكلام عن اللغويّة ، كما أنّهم قالوا بتقدير « الأهل » في قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] لأجل هذه الجهة.

إن قلت : فبناء على هذا يكون لفظ « المحلّ » المقدّر أعمّ من المحلّ الشرعي والعادي.

قلت : إنّ هذا التقدير من ناحية دلالة الاقتضاء ، وتطبيقه عليه السلام التجاوز عن الشي‌ء على التجاوز عن المحلّ الشرعي حيث أنّه عليه السلام طبّق هذه الكبرى ـ أي قوله « إنّما الشكّ في شي‌ء لم تجزه » وأمثالها ـ على الشكّ في وجود الأجزاء بعد التجاوز عن محلّها الشرعي ، كما تقدّم في بعض الروايات المتقدّمة ، حيث قال عليه السلام بعد قول السائل : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال عليه السلام : « يمضى ». قلت : رجل شكّ في الإقامة وقد كبّر ، قال عليه السلام : « يمضى ». وهكذا سأل السائل عن الشكّ في‌ الأجزاء بعد تجاوز المحلّ الشرعي ، فأجابه بأنّه « يمضي » إلى أن قال عليه السلام : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء ».

فلا بدّ من أن نقول بأنّ المراد من الخروج عن الشي‌ء في هذه الرواية والمضي والتجاوز في سائر الروايات ، هو الخروج عن محلّها الشرعي والمضي والتجاوز عنه ؛ لأنّ هذا المقدار هو الذي طبّق الإمام عليه السلام ، وأمّا أكثر من هذا المقدار ـ أي المحلّ الشرعي كي يشمل المحلّ العادي ـ فلا تقتضيه دلالة الاقتضاء ، وليس لفظ « المحلّ » في البين حتّى نأخذ بعمومه.

وهنا وجه آخر لشمول التجاوز عن الشي‌ء التجاوز عن المحلّ الشرعي ، وهو تنزيل التجاوز عن محلّه الشرعي الذي عيّن له الشارع ، كما في المركّبات المترتّبة الأجزاء منزلة التجاوز عن نفس الشي‌ء ، وادّعاء أنّه هو ، كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ (13) ومعلوم أنّ مثل هذا التنزيل والادّعاء من طرف الشارع لا يكون إلاّ بالنسبة إلى المحلّ الشرعي الذي عيّن له هو ، وأمّا المحلّ العادي فأجنبي عن تنزيله.

ولكن التحقيق : في وجه عدم التعميم هو الوجه الأوّل الذي ذكرنا الشمول التجاوز عن الشي‌ء التجاوز عن المحلّ الشرعي ، وهو أنّه لمفهوم التجاوز عن الشي‌ء مصداقان : أحدهما التجاوز عن نفسه ، والثاني التجاوز عن محلّه الشرعي.

وبعبارة أخرى : التجاوز عن الشي‌ء كما أنّه يتحقّق بإيجاد الشي‌ء والفراغ عنه ، كذلك يتحقّق حقيقة لا ادّعاء بالتجاوز عن المحلّ الذي عيّن الشارع له في المركّبات المترتّبة الأجزاء.

والسرّ في ذلك : أنّ المهيّات المخترعة المترتّبة الأجزاء التدريجيّة الوجود في عالم التشريع ، مثل المهيّات التدريجيّة الوجود في عالم التكوين ، فكما أنّه لو ترك آية من سورة من سور القرآن ، أو شعر من أشعار قصيدة معيّنة معلومة وشرع في الآية التي‌ بعد تلك الآية المتروكة ، وهكذا شرع في البيت الذي بعد ذلك البيت المتروك ، يقال : تجاوز من تلك الآية المتروكة ومن ذلك البيت المتروك ، كذلك لو ترك جزء من هذا المركّب المترتّب الأجزاء شرعا ودخل في الجزء الذي بعده ، يقال : إنّه تجاوز عن ذلك الجزء المتروك وتعدّى عنه.

وبناء على هذا الوجه أيضا لا ربط له بالمحلّ العادي ؛ لأنّ جريان العادة بإيجاد شي‌ء في محلّ من دون أن يكون ترتّب تكويني أو تشريعي في البين ، لا يوجب صدق التجاوز بالنسبة إلى الجزء أو الكلّ المشكوك الوجود في ذلك المحلّ العادي.

هذا ، مضافا إلى أنّ تعميم القاعدة والقول بصدق التجاوز بالنسبة إلى المحلّ العادي مستلزم لتأسيس فقه جديد ، وهذا بنفسه محذور ، ولو لم يكن محذور آخر في البين. كيف وقد عرفت ما فيه ، وأنّ الشكّ في وجود جزء من أجزاء المركّب أو تمامه بعد التجاوز عن المحلّ الذي جرت العادة بإتيان ذلك الجزء ، أو ذلك الكلّ في ذلك المحلّ ، ليس مشمولا لقاعدة التجاوز في الجزء ، ولا لقاعدة الفراغ في الشكّ في الكلّ.

ثمَّ أنّه لو شكّ في الجزء الأخير من المركّب المترتّب الأجزاء كالتسليم في باب الصلاة ، فهل تجري قاعدة التجاوز أو الفراغ، أو إحديهما ، أو لا يجري شي‌ء منهما؟ احتمالات.

وتحقيق المقام : هو أنّ الجزء الأخير لا بدّ وأن يكون في المركّب المترتّب الأجزاء ، وإلاّ تكون الأجزاء عرضيّة ولا يبقي معنى للجزء الأخير حينئذ. وذلك المركّب المترتّب الأجزاء على قسمين ؛ لأنّه إمّا أن يعتبر الموالاة بين أجزائه أم لا.

فنقول : أمّا ما لم يعتبر الموالاة بين أجزائه كالغسل ، إذا شكّ في جزئه الأخير أي غسل الجانب الأيسر ، فجريان قاعدة التجاوز فيه لا وجه له أصلا ؛ لأنّه لم يتحقّق بالنسبة إليه تجاوز ، لا عن نفس وجوده لأنّ المفروض أنّه مشكوك الوجود ، ولا عن محلّه الشرعي لأنّ المفروض عدم اعتبار الموالاة فيه ؛ ففي أيّ وقت أتى به يكون في‌ محلّه.

وأمّا إلحاق المحلّ العادي بالمحلّ الشرعي فقد عرفت الحال فيه.

وأمّا بالنسبة إلى قاعدة الفراغ فجريانها أيضا لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ المفروض أنّ الجزء الأخير مشكوك الوجود ، فكيف يصدق الفراغ عن ذلك العمل والمضي عنه؟ نعم ربما يصدق الفراغ عرفا إذا شكّ في جزء يسير من الجزء الأخير في المثال المذكور ، كما أنّه لو شكّ في غسل إصبع من الجانب الأيسر مع القطع بغسل ذلك الجانب إلاّ هذا المقدار اليسير منه.

والحاصل : أنّ المناط في جريانها هو صدق عنوان الفراغ عن العمل ومضي المركّب عرفا.

وأمّا ما اعتبر فيه الموالاة كالصلاة والوضوء ، فلا يبعد جريانهما بناء على عدم اختصاص قاعدة التجاوز بخصوص الصلاة حتّى في الجزء الأخير من الوضوء إذا كان الشكّ بعد فوات الموالاة ، لأنّه يصدق عليه التجاوز والمضي عن العمل ، وعن الجزء الأخير أيضا.

وأمّا بناء على اختصاص قاعدة التجاوز بالصلاة ، ففيها حتّى بالنسبة إلى الجزء الأخير تجري كلتا القاعدتين. وأمّا في غيرها فلا تجري إلاّ قاعدة الفراغ ، فإذا شكّ في التسليم فتجري القاعدتان إذا كان مشغولا بالتعقيب ؛ لصدق التجاوز عن محلّه الشرعي ، وأيضا الفراغ بدخوله في التعقيب ، لأنّ محلّ التعقيب شرعا بعد التسليم.

وأمّا إذا شكّ في التسليم ولم يكن دخل في التعقيب بعد ، فإمّا أن يكون بعد صدور المنافي عنه ـ ولا فرق في ما نذكره بين المنافي العمدي والسهو كالحدث ، وبين ما هو المنافي عمدا لا سهوا كالتكلّم ، ولا بين أن يكون المنافي أمرا وجوديا كالحدث والتكلّم ، أو عدميّا كالسكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة ، أو لا بل يكون قبل صدور المنافي عنه ـ فإذا كان بعد صدور المنافي عنه بجميع أقسامه فالظاهر أيضا جريان كلتا القاعدتين ، أمّا قاعدة التجاوز لأنّ محلّ التسليم شرعا قبل فعل المنافي ، فيكون الشكّ بعد التجاوز عن محلّه.

وأمّا قاعدة الفراغ لصدق عنوان الفراغ بعد الاشتغال بالمنافي ولو كان أمرا عدميا كالسكوت الطويل.

وأمّا إذا كان قبل صدور المنافي وقبل أن يدخل في التعقيب ، فالظاهر عدم جريان كلتا القاعدتين ؛ لعدم التجاوز عن محلّ الجزء المشكوك ، وعدم صدق الفراغ عن العمل والمضي عنه ؛ لأنّه لو علم بالترك وأتى به لكان في محله.

هذا تمام الكلام في معنى التجاوز على الجزء والفراغ عن المركّب وحكم الشكّ في الجزء الأخير.

المبحث الخامس : في أنّ الدخول في الغير معتبر في جريان القاعدتين أم لا؟

فنقول : اعتبار الدخول في الغير في كلتا القاعدتين أو إحديهما تارة يكون من جهة توقّف تحقّق هذه العناوين ، أي عنوان « التجاوز » و « المضي » و « الفراغ » عليه ، وأخرى يقال باعتباره تعبّدا ، من جهة دلالة الدليل عليه من دون توقّف أحد هذه العناوين عليه.

وتفصيل الحال : هو أنّه أمّا في قاعدة التجاوز بالنسبة إلى غير الجزء الأخير فواضح أنّه لا يتحقّق التجاوز وما شابهه من العناوين إلاّ بعد الدخول في الجزء المترتّب عليه ، أي على المشكوك ؛ لأنّ التجاوز فيها لا يتحقّق إلاّ بالتجاوز عن محلّ الجزء ، ومعلوم أنّ التجاوز عن محلّ المشكوك لا يصدق إلاّ بعد الدخول في الجزء التالي ، وإلاّ فالمحلّ باق بعد. وأمّا السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة عقيب الجزء المشكوك الوجود وإن كان يوجب التجاوز عن المحلّ ، ولكن من جهة أنّه قاطع يكون موجبا لبطلان الصلاة ، فلا يبقى مجال لجريان قاعدة التجاوز وتصحيح الصلاة بها.

فبالنسبة إلى غير الجزء الأخير لا يتحقّق التجاوز عن المحلّ الذي هو معتبر في‌ جريان قاعدة التجاوز إلاّ بالدخول في الغير.

وأمّا بالنسبة إلى الجزء الأخير ، كالتسليم في باب الصلاة يمكن أن يقال : إنّ التجاوز لا يصدق إلاّ بعد الدخول في شي‌ء غير الصلاة من تعقيب ، أو فعل ما هو مناف للصلاة.

ولكن التحقيق : أنّ السكوت الطويل ها هنا يوجب تحقّق عنوان التجاوز وتجري قاعدة التجاوز ، من دون أن يكون الدخول في الغير في البين ، فما أفاده شيخنا الأستاذ من اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز مطلقا (14) ليس كما ينبغي.

وأمّا في قاعدة الفراغ ، فإذا كان منشأ الشكّ في صحّة العمل ما عدا الجزء الأخير فبإتيان الجزء الأخير يصدق الفراغ والتجاوز إذا كان إتيان معظم الأجزاء معلوما ، من دون الاحتياج إلى الدخول في الغير. وأمّا إذا كان المنشأ هو الشكّ في إتيان الجزء الأخير فربما يقال بأنّه لا يصدق الفراغ إلاّ بالدخول في الغير ، بل ربما يقال بعدم صدق الفراغ ما لم يحرز إيجاد الجزء الأخير بالوجدان أو بالتعبّد.

ولكن التحقيق : أنّه إذا كان إتيان معظم الأجزاء محرزا وكان في حالة منافية للصلاة مثلا ، يصدق الفراغ والتجاوز ولو كان العمل ممّا له صورة وهيئة اتّصالية ، فالسكوت الطويل القاطع للهيئة الاتّصالية أيضا يوجب صدق عنوان الفراغ ، إذا كان قد أتى بمعظم الأجزاء مع عدم دخوله في الغير.

والحاصل : أنّ الدخول في الغير ليس ممّا يعتبر في تحقّق عنوان الفراغ ، فإن كان فلا بدّ وأن يكون بتعبّد شرعي ، وطريق إثباته ملاحظة الأدلّة الواردة في هذا الباب.

فنقول : في رواية زرارة قال عليه السلام : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثمَّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » ، وفي رواية إسماعيل بن جابر « كلّ شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ». وظاهر هاتين الروايتين اعتبار الدخول في‌ الغير ، كما أنّ ظاهر موثقّة ابن بكير قال عليه السلام : « كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » عدم الاعتبار من جهة الإطلاق.

وموثقّة ابن أبي يعفور « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » مختلف صدرا وذيلا ، فباعتبار الصدر يدلّ على الاعتبار ، وباعتبار الذيل مطلق. ومقتضى القواعد الأوّلية حمل المطلق على المقيّد والقول باحتياج جريانهما إلى الدخول في الغير بعد إحرازه وحدة المطلوب.

ولكن يمكن أن يقال بورود القيد مورد الغالب ، كما في قوله تعالى شأنه : {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فلا موجب لحمل المطلق على المقيّد ، بل لا بدّ وأن يؤخذ بالإطلاق. ولكن يعارض هذا الوجه أنّه يمكن أن يقال مقابل هذا القول بأنّ المطلق محمول على الغالب لأنّه غالبا الفراغ عن الشي‌ء والتجاوز عنه ملازم مع الدخول في الغير ، لا سيما إذا عممنا الغير ، وقلنا بشموله لكلّ حالة مغايرة للحالة التي كان هو فيها من الاشتغال بالمركب ، فلا إطلاق في البين.

ولكن في كلا الأمرين تأمّل ، أمّا احتمال ورود القيد مورد الغالب فمنفي بأنّ الأصل في باب القيود أن يكون القيد احترازيّا ، إلاّ أن يدلّ دليل معتبر على أنّه وارد مورد الغالب وليس احترازيّا ، وإلاّ فبصرف احتمال ذلك لا يرفع اليد عن ظهوره في كونه احترازيّا.

وأمّا احتمال حمل المطلق على الغالب وانصرافه إليه فقد حقّقنا في محلّه أنّ غلبة الوجود لا يوجب الانصراف ، ولا ينسدّ باب التمسّك بالإطلاق ؛ لأنّ أغلب الطبائع بعض أفرادها أو بحسب بعض حالاتها أكثر وجودا من الأبعاض الأخر ، بل الانصراف لا يكون إلاّ بظهور المطلق في البعض المنصرف بواسطة كثرة الاستعمال ، وإثبات هذا المعنى في المقام لا يخلو عن إشكال ، فلا مناص إلاّ عن الأخذ بالقواعد الأوّلية وحمل المطلق على المقيّد.

المبحث السادس‌ : في أنّ الغير المعتبر دخوله فيه في خصوص قاعدة التجاوز يشمل مقدمات الأجزاء ، مثل الهوى للركوع ، والنهوض للقيام ، وهكذا أبعاض الأجزاء كأبعاض السورة مثلا أم لا؟

فنقول : الاحتمالات ثلاثة :

أحدها : اختصاص الغير بالأجزاء المذكورة في الروايات ، كرواية زرارة ، ورواية إسماعيل بن جابر.

وهذا الاحتمال مبني على اختصاص قاعدة التجاوز بالصلاة ، وبناء على هذا الاحتمال لا تشمل السورة إذا شكّ في الحمد بعد دخوله فيها ، وأيضا لا تشمل التشهّد إذا شكّ في السجود بعد دخوله فيه ؛ إذ لا ذكر من هذين ، أي السورة والتشهد في تلك الأخبار.

الثاني : شموله لكلّ جزء من أجزاء الصلاة المستقلّة بالتبويب في الكتب الفقهيّة.

وهذا الاحتمال أوسع من الاحتمال الأوّل لشموله للسورة والتشهّد ، ولكن لا يشمل مقدّمات الأجزاء ، ولا أجزاء الأجزاء.

والثالث : التعميم لكلّ ما يصدق عليه مفهوم الغير ، ولكن بشرط أن لا يكون خارجا عن الصلاة ، بناء على اختصاص القاعدة بالصلاة ومطلقا ، سواء أكان منها أو من غيرها بناء على عدم اختصاصها بها.

وشيخنا الأستاذ رجّح الاحتمال الثاني ، وذلك من جهة ما أفاد وبيّنّاه فيما تقدّم‌ من أنّ إطلاق الشي‌ء على الأجزاء يكون بالعناية والادّعاء ، وإلاّ لا يكون الجزء شيئا في عرض شيئيّة الكلّ. وحيث أنّ هذا الادّعاء والتنزيل لم يتحقّق من قبل الشارع إلاّ في الأجزاء المستقلّة بالتبويب ، فلا يطلق الشي‌ء والغير على ما عداها من أجزاء الأجزاء ومقدّماتها.

إن قلت : إنّ التنزيل قد وقع في الأجزاء المذكورة في الروايات فقط ، أعني الروايتين المتقدّمتين من زرارة وإسماعيل بن جابر ، وليس فيهما عين ولا أثر من السورة والتشهّد.

قلنا : إنّ ذكر تلك الأجزاء من باب المثال ، وإلاّ فالمقصود بالتنزيل هو مطلق الإجزاء المستقلّة بالتبويب. هذا ما أفاده شيخنا الأستاذ (15).

ولكن قد عرفت عدم تماميّة هذا الكلام وأنّ الشي‌ء يطلق على الأجزاء والكلّ في عرض واحد حقيقة بدون عناية وادّعاء وتنزيل ، بل يستعمل في الجامع بينهما ، ولا تلاحظ في حال الاستعمال خصوصيّة كلّ واحد منهما حتّى تقول بعدم إمكان الجمع بين اللحاظين في استعمال واحد وأمثال ذلك ممّا تقدّم ذكره من المحاذير.

هذا ، مضافا إلى أنّ الكلام في عموم الغير لا الشي‌ء ، ولا شكّ في أنّه بعد ما شمل الشي‌ء المتجاوز عنه الأجزاء المستقلّة بعناية كما أفاد ، أو بدون الاحتياج إلى عناية وتنزيل كما ادّعينا يشمل لفظ الغير من غير ذلك الشي‌ء الحقيقي كما نقول ، أو الادّعائي كما يقول هو.

وفي شمول لفظ « الغير » للأجزاء المستقلّة كما يقول هو ، أو لجميع ما هو غير ذلك الجزء المتجاوز عنه كما نقول ، لا يحتاج إلى إعمال عناية وادّعاء وتنزيل أصلا.

فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ المراد من « الغير » المعتبر في جريان قاعدة التجاوز الدخول فيه ، سواء أكان اعتباره من باب تحقّق التجاوز والمضي به ، أو كان من جهة‌ دلالة الأخبار تعبّدا ، هو مطلق ما كان مصداقا لمفهوم غير الجزء المشكوك الوجود ، فتشمل الأجزاء وأجزاء الأجزاء ومقدّمات الأجزاء.

وحيث قلنا بعدم اختصاصها بالصلاة فلا فرق فيما ذكرنا من شمول لفظ « الغير » للأجزاء ، وأجزاء الأجزاء ومقدّمات الأجزاء بين الصلاة وسائر المركّبات التي أمر الشارع بإيجادها كالحجّ مثلا ، فإذا شكّ في أثناء السعي مثلا في الطواف أو في جزء منه ، يكون مشمولا لقاعدة التجاوز.

نعم يبقى الكلام في وجه عدم جريانها في الطهارات الثلاث ـ الوضوء والغسل والتيمم ـ وسنتكلّم عنه إن شاء الله تعالى.

ومن الواضح الجلي أنّه بناء على ما ذكرنا لا يبقى فرق في صدق الغير أن يكون من الأجزاء المستحبّة أو الواجبة ، بل وإن لم يكن جزء وكان خارجا عن حقيقة المركّب كالتعقيب.

المبحث السابع : في جريان قاعدة التجاوز في الشروط‌ :

وتحقيق المقام هو أنّ الشرائط على أقسام :

الأوّل : أن يكون شرطا عقليّا لتحقّق عنوان المأمور به ، كقصد الظهريّة والعصريّة في صلاة الظهر والعصر مثلا ، فإنّ عنوان الظهريّة والعصريّة لا يمكن أن يتحقّق في صلاتيهما إلاّ بهذا القصد ؛ لأنّها أمور قصديّة.

الثاني : ما يكون شرطا شرعيّا لصحّة المأمور به وتحقّقه ، كالاستقبال والستر والطهارة وأمثال ذلك.

الثالث : ما يكون شرطا شرعيّا للجزء ، كالجهر والإخفات بناء على كونهما‌ شرطين للقراءة لا للصلاة في حال القراءة.

ثمَّ إنّ الشرط الشرعي للصلاة إمّا يكون شرطا لها في حال الاشتغال بها ، وأمّا يكون شرطا لها مطلقا ولو في حال السكونات المتخلّلة ، كالستر والاستقبال والطهارة الحدثيّة.

وعلى كلّ واحد من التقديرين إمّا أن يكون له محلّ شرعي ، وإمّا أن لا يكون. فالأوّل كالطهارة الحدثيّة حيث أنّها شرط شرعي للصلاة ، ولها محلّ شرعي وهو أن يكون قبل الصلاة ، كما يدلّ عليه قوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6].

والثاني كالستر والاستقبال.

إذا عرفت هذه الأقسام ، فنقول :

أمّا القسم الأوّل : ـ أي ما يكون شرطا عقليّا لتحقّق عنوان المأمور به ، كقصد الظهريّة والعصريّة والمغربيّة والعشائيّة والصبحيّة لتحقّق هذه العناوين ، أعني صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ـ فلا تجري فيها قاعدة التجاوز ؛ لأنّ تعنون الصلاة بهذه العناوين من الآثار العقليّة التكوينيّة لواقع قصدها ، فالتعبّد بوجود نيّة الظهر مثلا لا يترتّب عليه هذه الثمرة وهذا الأثر ، فيكون مثل هذا التعبّد لغوا. بل ولا تجري قاعدة الفراغ أيضا لو شكّ في قصد الظهريّة والعصريّة مثلا بعد الفراغ عن العمل ؛ لأنّ مجرى قاعدة الفراغ هو أن يشكّ في صحّة العمل وفساده بعد إحراز عنوانه.

وأمّا فيما لم يحرز عنوانه ، كما إذا شكّ في أنّ هذا الذي صدر منه هل كان صلاة أو كان لعبا؟ فقاعدة الفراغ لا تثبت أنّه كان صلاة.

هذا كلّه في الشكّ في النيّة بمعنى قصد العنوان المقوّم لعناوين الظهريّة والعصريّة وأمثالها.

وأمّا إذا شكّ في النيّة بمعنى قصد القربة ، فتارة نقول بأنّ قصد القربة شرط شرعي مأخوذ في متعلّق الأمر ولو كان بمتمّم الجعل ، وأخرى نقول بأنّه ليس شرطا شرعيّا ، بل تكون ممّا يعتبره العقل في مقام الامتثال.

فهناك فرق بين قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ ؛ إذ الأولى لا تجري على كلا القولين ؛ لأنّه ليس لها ـ أي النيّة بمعنى قصد القربة ـ محلّ شرعي.

نعم لا بدّ وأن يكون تمام العمل مقرونا بهذه النيّة ، أي قصد القربة وإتيان العمل بداعي محبوبيّته ومطلوبيّته لله تعالى شأنه ، فالعقل يحكم بلزوم هذا القصد من أوّل الشروع في العمل إلى إتمامه ، لا أنّ الشارع عيّن محلا لهذا النيّة.

وقد تقدّم أنّ المراد من التجاوز عن المحلّ هو التجاوز عن المحلّ الشرعي لا المحلّ العادي أو العقلي.

وأمّا قاعدة الفراغ فلا تجري لو قلنا بأنّه شرط عقلي ، فمع الشكّ فيه يكون شكّا في الامتثال ، والمفروض أنّه أمر عقلي فلا ينافي له التعبّد الشرعي. وأمّا لو قلنا بأنّه شرط شرعي لصحّة العمل فقاعدة الفراغ تجري فيها بلا كلام ؛ لأنّ مجرى قاعدة الفراغ هو الشكّ في صحّة العمل بعد الفراغ عنه ، من جهة احتمال وقوع الخلل فيما اعتبر الشارع فيه ، من ترك جزء أو شرط ، أو وجود مانع.

وأمّا القسم الثاني : أي ما كان شرطا شرعيّا للمركّب المأمور به ، كالستر والاستقبال والطهارة للصّلاة مثلا.

ولا فرق في هذا القسم بين أن يكون شرطا للمركّب في حال الاشتغال بالأجزاء ونفس العمل ، أو كان شرطا مطلقا ، أي حتّى في حال السكونات المتخلّلة بين الاجزاء. ففي كلا القسمين إما له محلّ شرعي أو لا؟

فإن لم يكن له محلّ شرعي فلا تجري فيه قاعدة التجاوز ؛ لما ذكرنا من أنّ موضوع هذه القاعدة هو التجاوز عن المحلّ المقرّر شرعا للشي‌ء المشكوك الوجود ،

فإذا لم يكن للشرط محلّ مقرّر شرعا فلا موضوع لهذه القاعدة.

وأمّا قاعدة الفراغ فإذا كان الشكّ بعد الفراغ عن المشروط ـ أي المركّب المأمور به ـ فتجري ؛ لأنّه شكّ في صحّة العمل المركّب الذي أوجده ، من جهة احتمال وقوع الخلل فيه من ناحية فقدان شرطه.

وأمّا إذا كان الشكّ في أثناء العمل المشروط كالصلاة مثلا ، فإن كان الجزء أو الأجزاء الماضية عملا مستقلا عند العرف ـ كما أنّه في أفعال الحجّ ربما يكون كذلك ، فالإحرام ، والطواف والسعي وصلاة الطواف والوقوفان كلّ واحد منها يعدّ عملا مستقلاّ عندهم ولو قلنا بأنّ الحجّ شرعا عمل واحد وعبادة واحدة ارتباطيّة كالصلاة ـ فتجري قاعدة الفراغ في الأثناء بالنسبة إلى ذلك الجزء المستقلّ عند العرف أيضا ؛ لتحقّق موضوعها ، وهو الفراغ عن ذلك الجزء مع الشكّ في صحّته.

وأمّا إن لم تكن الأجزاء الماضية عملا مستقلاّ عندهم ، فلا وجه لجريان قاعدة الفراغ أيضا ؛ لعدم تحقّق موضوعه.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن للشرط محلّ شرعي.

وأمّا إذا كان له محلّ شرعي كالطهارة الحدثيّة ، وكصلاة الظهر لصلاة العصر ، والمغرب لصلاة العشاء ـ حيث أنّ محلّ الطهارة الحدثيّة قبل الصلاة بقوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ، ومحلّ صلاة الظهر والمغرب قبل العصر وقبل العشاء ؛ لقوله عليه السلام « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (16) ـ ففي جريان قاعدة التجاوز في الشرط المشكوك الوجود وعدمه وجهان.

وعلى تقدير الجريان ، فهل يثبت بها وجود الشرط مطلقا حتّى بالنسبة إلى مشروط آخر ، فلا تجب الطهارة حتّى بالنسبة إلى صلاة أخرى غير هذه التي بيده ما‌ لم يوجد حدث جديد. وفي مثال الظهر والمغرب إذا شكّ فيهما في أثناء العصر والعشاء فيثبت بقاعدة التجاوز وجودهما مطلقا ، فلا يجب الإتيان بهما حتّى بعد الفراغ عن العصر والعشاء ، أو لا تثبت بها تلك الشروط إلاّ من حيث شرطيّتها لتلك المذكورات ، فلا بدّ من تحصيل الطهارة للصلوات الأخر ، وإتيان الظهر والمغرب بعد الإتيان بالعصر والعشاء وإتمامهما.

وهناك احتمال آخر وهو إثبات الشرط بالنسبة إلى الأجزاء الماضية فقط ، وأمّا بالنسبة إلى الأجزاء الباقية من المركّب التي لم يأت بها بعد فيجب تحصيل الشرط إن كان ممكنا ، وإلاّ فيبطل العمل إذا كان المركّب الواجب ارتباطيّا.

فنقول : أمّا بالنسبة إلى جريان قاعدة التجاوز في هذا المفروض فلا وجه للإشكال فيه ؛ لأنّه لا فرق بين الجزء المشكوك والشرط المشكوك الوجود ، فكما أنّها تجري في الجزء فكذلك تجري في الشرط ؛ لأنّ مناط الجريان فيهما واحد ، وهو أنّ صحّة العمل متوقّف على وجود الجزء أو الشرط المشكوك وجودهما بعد التجاوز عن محلّهما المقرّر لهما شرعا ، فلا تفاوت بينهما.

وأمّا بالنسبة إلى الوجهين أو الوجوه التي ذكرناها على تقدير الجريان ، ففرق بين أن نقول بأنّها أمارة أو أصل ، إذ على تقدير كونها أمارة يثبت وجود الشرط ، بناء على أنّ جعل الأمارة حجّة عبارة عن تتميم كشفها في عالم الاعتبار ، فيكون كما إذا قامت البيّنة على وجود الشرط فيترتّب عليه جميع آثار وجود الشرط واقعا ، فلا يجب عليه تحصيل الطهارة ولو للصلوات الأخر ، ولا إتيان صلاة الظهر والمغرب بعد إتمام العصر والعشاء ، كلّ ذلك من جهة إثبات الأمارة ـ أعني قاعدة التجاوز ـ وجود الشرط واقعا ، أي الطهارة لو شكّ في أثناء الصّلاة في وجودها ، وصلاة الظهر لو شكّ في وجودها في أثناء العصر ، وصلاة المغرب لو شكّ في وجودها في أثناء العشاء.

وأمّا إذا قلنا بأنّها من الأصول التنزيليّة ، إذ احتمال كونها من الأصول غير‌ التنزيليّة بعيد وسخيف جدّا ، فيكون مفادها ترتيب آثار وجود الشرط من حيث كونه شرطا لهذا العمل الذي بيده وشكّ في وجود الشرط في أثنائه ، فيجب معاملة وجود صلاة الظهر مثلا من حيث شرطيّته لصحّة صلاة العصر لا مطلقا.

وأمّا الإشكال على جريان قاعدة التجاوز بأنّ التجاوز الذي هو موضوع القاعدة لم يتحقّق بالنسبة إلى الأجزاء الباقية التي لم يأت بها بعد ، فلا أثر لجريان القاعدة في الأثناء بحيث يثبت بها صحّة العمل من ناحية احتمال فقد الشرط.

ففيه : أن ما هو الشرط لمجموع العمل وجود الظهر مثلا قبل العصر ، فبمحض دخوله في صلاة العصر تجاوز عن محلّ الشرط.

نعم ربما يؤيّد هذا الإشكال ـ كما نبّه عليه الشيخ الأعظم الأنصاري  (17) ـ بصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يكون على وضوء ثمَّ يشكّ على وضوئه هو أم لا؟ قال عليه السلام : « إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها ، وإن ذكرها وقد فرغ من صلاته أجزاء ذلك » (18) فتأمّل.

وأمّا [ القسم ] الثالث : أي إذا كان شرطا عقليّا للجزء كالموالاة بين حروف الكلمة ، فتجري قاعدة التجاوز بلا إشكال ؛ لأنّ مرجع هذا الشكّ إلى الشكّ في وجود الجزء الذي هو الكلمة بعد التجاوز عن محلّه كما هو المفروض في المقام ؛ لأنّ المفروض أنّ الشرط شرط عقلي للجزء ، فالشكّ فيه مستلزم للشكّ في المشروط أعني الجزء.

وأمّا إذا كان شرطا شرعيّا للجزء ـ وهو القسم الرابع (19) من الأقسام التي ذكرناها للشروط ، وذلك كالجهر والإخفات بناء على كونهما شرطين للقراءة لا للصلاة في حال القراءة ـ فجريان قاعدة التجاوز فيه لا يخلو عن إشكال ؛ لأنّ الشرط حيث أنّه‌ ليس له وجود مستقلّ فلا يقال إنّه قد تجاوز عنه. وأمّا نفس المشروط فلا شكّ في وجوده حتّى تجري فيه قاعدة التجاوز ؛ لأنّه موجود قطعا.

ولكن الأظهر جريان قاعدة التجاوز في الشرط والمشروط ، أمّا في الشرط المشكوك الوجود فلأنّ الجهر وكذلك الإخفات شي‌ء شكّ في وجوده بعد التجاوز عن محلّه ، وعدم كونه جوهرا ومستقلّ الوجود لا ينافي مع كونه شيئا كما هو واضح وأمّا في المشروط فلأنّ المشروط بوصف كونه صحيحا مشكوك الوجود ، فلا فرق بين الشرط العقلي وبين الشرط الشرعي لما هو جزء.

المبحث الثامن‌ :

في أنّه يعتبر في جريان قاعدتي التجاوز والفراغ أن يكون المكلّف محرزا ـ بإحراز وجداني أو تعبّدي ـ جميع أجزاء المركّب المأمور به ، وشرائطه وموانعه ، وأنّ متعلّق التكليف عبارة عن المركّب من هذه الأمور ، وإنّما الشكّ يكون بعد العمل وفي مقام انطباق المأتي به ، على ما هو المأمور به ، فلا يتحقّق مثل هذا الشكّ إلاّ بعد العمل ؛ لأنّه لا بدّ وأن يكون عمل في البين كي تشكّ في أنّه مطابق مع المأمور به أم لا؟

فمركز الشكّ في هاتين القاعدتين هو انطباق العمل المأتي به على المأمور به.

وأمّا إذا كان شكّه في صحّة العمل من جهة احتمال اعتبار شي‌ء في العمل ـ شرطا أو جزء ، أو احتمال اعتبار عدمه كي يكون مانعا ـ فهذا غير مربوط بالقاعدتين ، بل لا بدّ من المراجعة إلى الأمارات ، وعند فقدها إلى الأصول العمليّة لعلاج هذا الشكّ ، ولا ربط له بمفاد القاعدتين.

وبعبارة أخرى : هاتان القاعدتان من الأصول المستعملة في مقام الامتثال وإسقاط التكليف ، لا في مقام إثبات التكليف ، فلا بدّ في جريان القاعدتين من صدور عمل عن المكلّف والشكّ في مطابقته لما هو المأمور به. فإن كان حصول هذا الشكّ في‌ أثناء العمل فهذا يكون مورد قاعدة التجاوز ، وإن كان بعد الفراغ عن العمل فيكون مورد قاعدة الفراغ.

إذا عرفت ما ذكرنا فلنذكر صورا من فروع هذه المسألة لكي ترى هل أنّها من موارد الشكّ في الانطباق حتّى يكون من موارد القاعدتين ، أم لا فلا؟

الصورة الأولى : أن يشكّ مع التفاته حين العمل إلى الأجزاء والشرائط والموانع في صحّة العمل وفساده بواسطة احتمال طروّ غفلة أو سهو أو نسيان ، فإن كان هذا الشكّ حصل له في أثناء العمل بعد التجاوز عن المحلّ المقرّر شرعا عن جزء المشكوك الوجود ، أو عن الشرط المشكوك الوجود فيكون مجرى قاعدة التجاوز. وإن كان حصول هذا الشكّ بعد الفراغ عن العمل يكون مجرى قاعدة الفراغ.

ويمكن أيضا جريان قاعدة التجاوز في بعض الصور ، بناء على ما هو الصحيح من عدم اشتراط اتّصال زمان حصول الشكّ بزمان ذلك الجزء المشكوك الوجود ، أو ذلك الشرط المشكوك.

وهذه الصورة هو القدر المتيقّن من صور جريان قاعدة التجاوز والفراغ ؛ لاجتماع شرائط جريانهما فيها.

الصورة الثانية : هي عين هذه الصورة ولكن فيما إذا كان احتمال تركه للجزء أو الشرط عن عمد واختيار لا عن غفلة ونسيان ، والظاهر عدم جريان القاعدتين في هذه الصورة ؛ لأنّه لو كان المدرك لهما بناء العقلاء فليس لهم في مثل هذا المورد بناء على وجود الجزء أو الشرط المشكوك الوجود ، إذ منشأ بنائهم على ذلك أصالة عدم الغفلة والسهو والنسيان ، كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم. ففي مورد احتمال الترك عن عمد لا مورد لهذه الأصول العدميّة العقلائيّة.

وكذلك الأمر لو كان المدرك لهما الأخبار ؛ لأنّه ليس مفاد الأخبار حكما تعبديا صرفا في ظرف الشكّ في وجود جزء أو شرط ، بل باعتبار أنّ المكلّف إذا أراد إتيان‌ عبادة مركّبة من أجزاء وشرائط ، يكون ما يأتي به على طبق ما أراد ، وألقى الشارع احتمال الغفلة والسهو والنسيان لا احتمال الترك عمدا.

ويدلّ على ما ذكرنا تعليقه عليه السلام للمضي وعدم الاعتناء بالشكّ في بعض الأخبار بقوله عليه السلام : « هو حين ما يتوضّأ أذكر » (20) وظهور هذا التعليل في كون منشأ الترك هي الغفلة أو السهو والنسيان لا العمد ممّا لا ينكر ؛ لأنّ الترك العمدي لا ينافي مع كونه حين الوضوء أذكر.

نعم الترك عن غفلة أو عن سهو ونسيان بعيد ؛ مع كونه ذلك الوقت أذكر ؛ ولذلك قالوا : من شرائط جريان القاعدتين أن لا يكون احتمال الترك عن عمد ، فليس لروايات الباب إطلاق تشمل صورة كون احتمال الترك عن عمد.

الصورة الثالثة : أن لا يكون ملتفتا إلى الأجزاء والشرائط حال الاشتغال بالمركّب المأمور به ، بمعنى أنّه لا معرفة له بتمام أجزاء المركّب وجميع شرائطه وموانعه ، مثلا حال الاشتغال بالعمل لم يعلم أنّ هذا المشكوك الوجود ـ جزء كان أو شرطا ـ جزء أو شرط ، سواء أكان جهله من ناحية الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة.

فالأوّل مثل أنّه لم يعلم أنّ السورة جزء للصلاة. والثاني مثل أنّه يعلم أنّ الاستقبال شرط للصلاة ، ولكن لم يعلم أنّ هذه الجهة التي صلّى إليها قبلة أم لا؟ وبعد حصول الشكّ يعلم بصورة العمل الذي صدر منه ، ويحتمل أن تكون الجهة التي صلّى إليها قبلة من باب الاتّفاق.

والظاهر عدم جريان القاعدة في هذه الصورة أيضا ؛ لأنّ مطابقته للواقع لو كانت فهي من باب الاتّفاق ، فلا تشملها الأخبار ولا بناء العقلاء ؛ لما ذكرنا في الصورة السابقة من بناء العقلاء باعتبار أنّ المكلّف إذا أراد أن يأتي بالمأمور به يكون المأتي به‌ طبق المأمور به ، واحتمال السهو والغفلة ملقى عند العقلاء ، وأخبار الباب أيضا ناظرة إلى هذا المعنى.

وهذا فيما إذا كان عالما بالأجزاء والشرائط حال العمل ، حتّى يكون عدم مطابقة المأتي به مع المأمور به مستندا إلى الغفلة أو السهو والنسيان ، ولم تكن له شبهة حكميّة ولا موضوعيّة. وأمّا فيما لم يكن كذلك ، وكانت له شبهة حكميّة أو موضوعيّة ـ واحتمال مطابقة المأتي به مع المأمور به كان بصرف الاتّفاق ـ فغير مربوط بمفاد كلتا القاعدتين.

الصورة الرابعة : أنّ يشكّ في الصحّة بعد العمل ، أو في أثنائه ولكن بعد التجاوز عن محلّ المشكوك شرعا ، وكان هذا الشكّ له قبل أن يدخل في العمل أيضا ولكن كان له الدخول في العمل شرعا مع وجود هذا الشكّ. وذلك كما إذا كان شاكّا في بقاء طهارته من الحدث ، فلا محالة يكون شاكّا في صحّة الصلاة التي يريد أن يدخل فيها بتلك الحالة ؛ لأنّ الطهارة الواقعيّة شرط للصلاة لا إحراز الطهارة ، فالشكّ فيها ملازم مع الشكّ في صحّة الصلاة ، ولكن مع ذلك يجوز له الدخول فيها بواسطة استصحاب الطهارة ، وبعد الصلاة في الفرض إذا زال الاستصحاب وانقلب إلى الشكّ الساري لزوال اليقين السابق في الظرف الذي كان موجودا ، فالآن ليس استصحاب في البين حتّى نقول بأنّ الشرط موجود تعبدا.

فهل يمكن في هذه الصورة تصحيح العمل بقاعدة الفراغ أم لا؟

والظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ في هذه الصورة أيضا ؛ لأنّ الشكّ ليس متمحّضا في انطباق المأتي به على المأمور به ؛ لأنّ الاستصحاب الذي كان محرز للشرط لم يبق وزال ، بل تبيّن بعد العمل أنّ وجود الاستصحاب كان وجودا خياليّا لا واقعيّة له ، فكأنّه صلّى بدون إحراز شرطه.

ولا شكّ في أنّ الصلاة بدون إحراز شرطها ومع الشكّ فيه باطلة ، فلا يبقى مجال‌ لجريان قاعدة الفراغ ، لما قلنا أنّ قاعدة الفراغ والتجاوز موردهما هو الشكّ في صحّة العمل من جهة وجود خلل في المأتي به غفلة أو سهوا أو نسيانا ، وما نحن فيه ليس الأمر كذلك ، لأنّ المصلّي في المفروض لم يغفل ولم يسه عن جزء أو شرط ، بل دخل في الصلاة باستصحاب زائل لا ثبات له ، بل ربما يكون دخوله بشهادة رجلين يتخيّل عدالتهما ثمَّ يتبيّن فسقهما حال الشهادة ، فيكون الدخول مستندا إلى تخيّل البيّنة ، لا البيّنة الواقعيّة.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في الصورة الخامسة ، وهي عيّن الصورة السابقة باستثناء جواز الدخول فيه ـ أي في المركّب المأمور به ـ فالمفروض في هذه الصورة عدم جواز الدخول ، بخلاف الصورة السابقة. مثلا لو شكّ قبل الصلاة في أنّه محدث ولم يكن استصحاب الطهارة في البين ، فلا يجوز له أن يدخل في الصلاة ؛ للزوم إحراز الشرط ، أي الطهارة ، فلو غفل وصلّى فلا شكّ في أنّه بعد الصلاة يشكّ في صحّة عمله ، فتارة يحتمل أنّه بعد ما شكّ في الحدث توضّأ مثلا ، وأخرى لا يحتمل.

أما في الصورة الأولى فلا شكّ في شمول القاعدتين ؛ لأنّ حال الشكّ في الحدث ليس بأعظم من القطع بالحدث ، ومع القطع بالحدث لو غفل ودخل في الصلاة ولكن بعد الصلاة يحتمل أنّه توضّأ بعد ذلك القطع فتشمل القاعدتان مثل هذا المورد ، ففي مورد الشكّ يكون شمولهما له بطريق أولي.

وأمّا إذا لا يحتمل الوضوء بعد ذلك القطع ، فالظاهر عدم شمول القاعدة له ؛ لما ذكرنا من أنّ قاعدة التجاوز والفراغ مفادهما إلقاء احتمال ترك جزء أو شرط ، غفلة أو سهوا أو نسيانا.

وفيما نحن فيه المفروض أنّه دخل في الصلاة غفلة عن كونه شاكّا في كونه محدثا ، وإلاّ لو لم يكن غافلا لما كان يجوز له أن يدخل في الصلاة ، فمع فرض دخوله فيها غفلة عن كونه شاكّا في وجود الشرط كيف يمكن أن يقال بأنّ مقتضى قاعدة الفراغ أو‌ التجاوز عدم غفلته عن إيجاد الشرط وأنّه لم يترك.

والحاصل : أنّ صور هذه المسألة كثيرة.

والضابط في جريان القاعدتين وعدم جريانهما هو أنّه لو كان حدوث الشكّ بعد العمل ، أو في الأثناء بعد التجاوز عن المحلّ المقرّر للمشكوك ، وكان الشكّ متمحّضا في انطباق المأتي به مع المأمور به ، ولم يكن هذا الشكّ مسبوقا بالشكّ في صحّة المركّب المأمور به قبل أن يشرع في العمل لاحتمال فقد شرط أو وجود مانع ، فحينئذ يكون مورد جريان القاعدة.

مثلا لو احتمل أن يكون جنبا ، ثمَّ غفل ودخل في الصلاة ، أو دخل باستصحاب عدم الحدث ثمَّ زال الاستصحاب ، فلا مجال لجريان قاعدة الفراغ بعد العمل ، أو التجاوز في أثنائه بعد التجاوز عن المحلّ المقرّر شرعا للمشكوك ؛ لأنّ الشكّ في صحّة العمل بعده مسبوق بالشكّ فيها قبله ، فيجب على الفقيه مراعاة هذا الضابط في مقام إجراء هاتين القاعدتين.

المبحث التاسع : في وجه عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء بل في الغسل والتيمم أيضا‌ :

فنقول : أمّا بناء على مسلك شيخنا الأستاذ من اختصاص قاعدة التجاوز بالصلاة فقط ، (21) فلا إشكال في البين حتّى يحتاج إلى بيان الوجه.

وأمّا بناء على ما ذكرنا من وحدة الكبرى المجعولة في القاعدتين ، وأنّ عموم‌ « الشي‌ء » في قوله عليه السلام « إنّما الشكّ في شي‌ء لم تجزه » في موثّقة ابن أبي يعفور وأمثاله في سائر الروايات يشمل الشكّ في الجزء والكلّ بلا عناية أمر آخر ، فلا بدّ حينئذ من التماس وجه ودليل لتخصيص قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الوضوء ، حيث أنّ بناءهم على عدم إجراء قاعدة التجاوز ، بل ربما يلحقون به التيمّم بل الغسل أيضا.

فنقول : أمّا بالنسبة إلى الوضوء فمضافا إلى الإجماع على عدم جريان القاعدة صحيحة زرارة « إذا كنت قاعدا في وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا ، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله ممّا سمّى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله تعالى ممّا أوجب الله عليك لا شي‌ء عليك » (22). فإنّها صريحة في عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء وجريان قاعدة الفراغ فيه. وقد ألحقوا به الغسل والتيمم.

وإلحاق التيمّم بالوضوء يمكن أن يوجّه بأنّ البدل بحسب المتفاهم العرفي في حكم المبدل عنه ، وإن كان لا يخلو عن إشكال.

وأمّا إلحاق الغسل فلا وجه له أصلا. اللهمّ إلاّ أن يدّعي الإجماع على الإلحاق ، أو على عدم جريان قاعدة التجاوز ابتداء فيه من دون كونه بعنوان الإلحاق ، وعلى كلّ حال ثبوت هذا الحكم ـ أي عدم جريان قاعدة التجاوز فيه ـ في غاية الإشكال ، بل وفي التيمم أيضا مشكل.

وأمّا ما أورده شيخنا الأعظم الأنصاري في هذا المقام وجها لعدم جريان القاعدة في الوضوء بأنّه عمل واحد أثره ، وبهذا الاعتبار ليس له أجزاء بحيث يكون‌ كلّ واحد من تلك الأجزاء مصداقا لمفهوم « الشي‌ء » حتّى يشمله عموم « إنّما الشكّ في شي‌ء لم تجزه » (23) ، قد تقدّم جوابه ، من إمكان أن يكون الجامع بين الكلّ والجزء هو المراد من لفظ « الشي‌ء » في أخبار الباب ، ووحدة الأثر وبساطته لا يوجب بساطة السبب المؤثر.

كيف وكثير من العبادات المركّبة ذات الأجزاء ، آثارها لها وحدة وبساطة ومع ذلك لها أجزاء ، وكلّ جزء من أجزائها يطلق عليه « الشي‌ء » ، والوضوء أيضا كذلك له أجزاء متميّزة بعضها عن بعض ، فغسل الوجه غير غسل اليدين ، وهما غير مسح الرأس والرجلين وإن كان أثر جميع تلك الأجزاء المسمّاة بالوضوء أمر واحد بسيط ، وهي النورانيّة النفسانيّة ، وقد أشار إلى ذلك بقوله عليه السلام « الوضوء نور ، والوضوء على الوضوء نور على نور » (24).

هذا ، مضافا إلى ما في رواية ابن أبي يعفور قوله عليه السلام : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء » .

ولا شكّ في أنّ المراد من قوله عليه السلام : « في شي‌ء من الوضوء » أي في جزء من أجزاء الوضوء ، ففرض عليه السلام أجزاء للوضوء. وإذ كان المرجع في ضمير « غيره » في كلمة « وقد دخلت في غيره » هو « الشي‌ء » في كلمة « شي‌ء من الوضوء » فهذا يدلّ على أنّ الشارع فرض الوضوء ذا أجزاء وجعل الشكّ في كلّ جزء من تلك الأجزاء ـ بعد الدخول في غير ذلك الجزء ـ ملغى لا يعتنى به ، فيكون مفادها اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء أيضا ، فيكون معارضا لصحيحة زرارة المتقدّمة النافية لاعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء بخلاف قاعدة الفراغ ، حيث أنّها تدلّ على الوضوء‌ حجّيتها فيه ، أي في الوضوء.

وأمّا إن قلنا بأنّ مرجع الضمير هو كلمة « الوضوء » لا كلمة « شي‌ء » فحينئذ وإن كانت لا تدلّ على حجيّة قاعدة التجاوز ويرتفع التعارض ، لكن تدلّ على كلّ حال على أنّ الوضوء ليس أمرا بسيطا ، بل الشكّ في كلّ جزء من أجزائه لا يعتنى به ، إمّا بعد الدخول في غير ذلك الجزء ، أو في غير الوضوء.

فكلام شيخنا الأعظم الأنصاري من أنّ الوضوء باعتبار وحدة أثره وبساطة ذلك الأثر أمر واحد بسيط لا جزء له (25) لا يخلو عن غرابة.

المبحث العاشر‌ :

في أنّ المضي وعدم الاعتناء بالشكّ في القاعدتين هل على نحو العزيمة ـ بمعنى أنّه لا يجوز الاعتناء بالشكّ وإتيان المشكوك ثانيا ـ أو لا ، بل على نحو الرخصة؟ بمعنى أنّه يجوز أن تمضي ولا تعتني بالشك ، ويجوز أيضا أن تأتي بالمشكوك بعنوان الاحتياط ورجاء ادراك الواقع.

قال أستاذنا المحقّق في هذا المقام : الظاهر أنّ حكم الشارع في مورد قاعدة التجاوز بالمضي على نحو العزيمة ؛ لأنّه بعد حكم الشارع بوجوب المضي وعدم الاعتناء بالشكّ وإلغائه لا يجوز إتيان الجزء أو الشرط المشكوك فيه ولو رجاء ، لأنّه لا موضوع له مع هذا الحكم بوجوده ، فيكون الإتيان به حينئذ من الزيادة العمديّة.

أقول : قد عرفت فيما تقدّم أنّ الاحتياط وإتيان المحتمل الآخر غير ما قام عليه الحجّة لا ينافي مع الحجّة حتّى الأمارات فضلا عن الأصول ؛ لأنّ معنى حجيّة الأمارة أو الأصل لزوم الإتيان بمؤدّاهما ، لا عدم الإتيان بالمحتمل الأخر.

وأمّا قوله « مع الحكم بوجوب المشكوك والأمر بالبناء عليه لا موضوع للاحتياط » ففيه : أنّ موضوع وجوب الاحتياط أو جوازه هو احتمال التكليف وفيما نحن فيه احتمال عدم وجود المشكوك ، وهذا أمر وجداني لا يرتفع باعتبار قاعدة التجاوز وحكمه بالمضي وعدم الاعتناء بالشك.

وأمّا قوله « يلزم من الاحتياط الزيادة العمديّة » ففيه أولا : إن كان المراد من الزيادة العمديّة احتمال الزيادة ، فهذا الاحتمال موجود في الشكّ في المحل ؛ لأنّ التجاوز عن المحلّ قلنا إنّه لا يرفع الاحتمال.

ان قلت : إنّ الشكّ في المحلّ والشكّ بعد التجاوز عن المحلّ فرق بينهما ، بأنّ الأوّل محكوم شرعا بالاعتناء وبإتيان المشكوك، والثاني بإلغاء احتمال عدم الإتيان بالمشكوك ؛ فقياس أحدهما بالآخر لا وجه له.

قلنا : لا فرق بينهما في ما هو محلّ الكلام وهو أنّه في كليهما احتمال الزيادة موجود ، فلو كان احتمال الزيادة مضرّا لا بدّ وأن يكون مضرّا في كلا الموردين. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ أدلّة لزوم الإتيان بالمشكوك في الشكّ في المحلّ ، لها حكومة على أدلّة مبطليّة الزيادة العمديّة في الصلاة ، بمعنى أنّ الشارع حكم بأنّ الزيادة الاحتمالية في مورد الشكّ في المحلّ ليست بزيادة، كما أنّه قال : إنّ شكّ كثير الشكّ ليس بشكّ. وأنّى لهم بإثبات ذلك.

وثانيا : بناء على المختار ليست قاعدة التجاوز مخصوصة بالصلاة ، والزيادة العمديّة مبطلة في خصوص الصلاة ، فهذا الدليل أخص من المدعى.

وثالثا : يمكن الاحتياط بإعادة الصلاة ، لا بإعادة الجزء فقط كي يلزم الزيادة العمديّة.

فالحقّ في المقام أنّ حال قاعدة التجاوز حال سائر الحجج الشرعيّة من الأمارات والأصول ، وليس في موردها في الاحتياط برجاء إدراك الواقع محذور.

هذا‌ تمام الكلام في قاعدتي الفراغ والتجاوز.

والحمد لله أوّلاً وآخراً.

_______________

(*) « عناوين الأصول » عنوان 5 ؛ « اصطلاحات الأصول » ص 191 ؛ « قاعدة الفراغ والتجاوز » الهاشمي ؛ « القواعد » ص 191 ؛ « قواعد فقهي » ص 270 ؛ « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج 2 ، ص 212 ؛ « ما وراء الفقه » ج 1 ، ص 270 ؛ « المبادي العامة للفقه الجعفري » ص 246.

(1) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 715.

(2) « الأصول » ج 4 ، ص 620فوائد.

(3) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 623.

(4) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 101 ، ح 272 ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة ، ح 111 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 330 ، أبواب الوضوء ، باب 42 ، ح 2.

(5) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 623.

(6) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 352 ، ح 1459 ، باب أحكام السهو ، ح 47 ؛ « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 336 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 23 ، ح 1.

(7) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 712.

(8) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 151 ، ح 594 ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة ، ح 52 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 358 ، ح 1356 ، باب من شكّ وهو قائم فلا يدرى أركع أم لا ، ح 6 ؛ « وسائل الشيعة » ج 4 ، ص 936 ، أبواب الركوع ، باب 13 ، ح 2.

(9) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 153 ، ح 602 ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة ، ح 60 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 358 ، ح 1359 ، باب من شكّ وهو قائم فلا يدري أركع أم لا ، ح 9 ؛ « وسائل الشيعة » ج 4 ، ص 937 ، أبواب الركوع ، باب 13 ، ح 4.

(10) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 344 ، ح 1426 ، باب أحكام السهو ، ح 14 ؛ « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 336 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 23 ، ح 3.

(11) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 101 ، ح 262 ، باب صفة الوضوء والغرض منه والسنّة ، ح 111 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 330 ، أبواب الوضوء ، باب 42 ، ح 2.

(12) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 101 ، ح 265 ، باب صفة الوضوء والغرض منه والسنة ، ح 114 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 331 ، أبواب الوضوء ، باب 42 ، ح 7.

(13) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 627.

(14) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 631.

(15) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 635.

(16) « الكافي ج 3 ، ص 281 ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح 16 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 260 ، ح 1037 ، باب المواقيت ، ح 74 ؛ « وسائل الشيعة » ج 3 ، ص 95 ، أبواب المواقيت ، باب 4 ، ح 20.

(17) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 715.

(18) « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 333 ، أبواب الوضوء ، باب 44 ، ح 2.

(19) هذا هو القسم الثالث من الأقسام في الصفحة 339.

(20) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 101 ، ح 265 ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنّة ، ح 114 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 331 ، أبواب الوضوء ، باب 42 ، ح 7.

(21) « فوائد الأصول » ج 4 ، ص 626.

(22) « الكافي » ج 3 ، ص 33 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 2 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 100 ، ح 261 ، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنّة ، ح 110 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 330 ، أبواب الوضوء ، باب 2 ، ح 1.

(23) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 713.

(24) « الفقيه » ج 1 ، ص 41 ، باب صفة وضوء رسول الله 6 ، ح 82 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 265 ، أبواب الوضوء ، باب 8 ، ح 8.

(25) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 713.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.