المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

الترقية Promotion ومـعاييـرها
1-10-2021
الإعلام: الماهية والتعريف
22-1-2023
شبه الجزيرة العربية مَهْد الحضارة الإسلامية
30-3-2017
التفسير اصطلاحا
13-10-2014
حكم الجمع بين الصلاتين.
11-1-2016
Bose Condensation
25-8-2016


الاسناد الاعتباري والمجازي  
  
554   08:40 صباحاً   التاريخ: 2-9-2016
المؤلف : محاضرات السيد علي الحسيني السيستاني بقلم السيد منير السيد عدنان القطيفي
الكتاب أو المصدر : الـرافـــد فـي عــلـم الاصـول
الجزء والصفحة : ص 81 – 93.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-9-2016 544
التاريخ: 5-9-2016 875
التاريخ: 10-8-2016 532
التاريخ: 4-9-2016 461

إن لهذا البحث آثاراً علمية مهمة على صعيد العلوم الأدبية والعلوم العقلية والعلوم الاعتبارية كالفقه والأصول، فلذلك نتعرض له عرضاً مفصلاً في ثلاث نقاط :

أ - أقسام الواسطة .

ب - ثمرات البحث.

ج - أقسام الواسطة في العروض.

النقطة الأولى :

أقسام الواسطة : تنقسم لثلاثة أقسام :

1 - واسطة في الثبوت .

2 - واسطة في الاثبات .

3 - واسطة في العروض .

أما الواسطة في الثبوت فهي منشأ الوجود الشامل للعلة الفاعلية وهي ما منه الأثر، والعلة الغائية وهي الموجبة لفاعلية الفاعل باعتبار تأثير تصورها ذهناً في حدوث الارادة نحو العمل ، فالمراد بها - الواسطة في الثبوت - ما كان منشأ للوجود الواقعي . وأما الواسطة في الاثبات فهي المعبر عنها في علم المنطق بالحد الأوسط ، والمراد بها ما كان موجباً لثبوت المحمول للموضوع ، فإن كانت واسطة في الثبوت أيضاً أي علة للنتيجة فالبرهان لمي ، وإن كانت معلولاً للنتيجة فالبرهان إني من القسم الأول ، لان كانا متلازمين فهو إني من القسم الثاني.

إذن فالنسبة بين الواسطتين عموم من وجه ، لأن ثبوت المحمول للموضوع في باب القضايا إن كان بديهياً لا يحتاج لواسطة إثباتية كثبوت الحرارة للنار فهذا مورد للواسطة في الثبوت دون الواسطة في الاثبات ، باعتبار حاجة كل معلول للعلة في صميم وجوده ، وان كان ثبوت المحمول للموضوع نظرياً محتاجاً لواسطة إثباتية مع كون تلك الواسطة هي العلة الواقعية في الثبوت فهذا مورد اجتماع الواسطتين ، وإن كانت الواسطة الاثباتية معلولاً للنتيجة لا علة لها فهذا مورد للواسطة في الاثبات دون الثبوت .

وأما الواسطة في العروض فالمراد بها أن تكون الواسطة متصفة بصفة معينة أولا وبالذات ويتصف بها ذو الواسطة ثانياً وبالعرض ، كقولنا جرى النهر، فالواسطة في الجريان هنا هو الماء وهو المتصف بصفة الجريان أولاً وبالذات وإنما يتصف بها النهر ثانياً وبالعرض ، وهذا مقابل الواسطة في الثبوت فان ذا الواسطة فيها يتصف بالصفة حقيقة وبالذات لا ثانياً وبالعرض، كقولنا الماء يغلي ، فإن غليان الماء بواسطة النار الا أن الماء متصف حقيقة وبالذات بالغليان لا بالعرض ، فبين الواسطة العروضية والثبوتية نسبة التباين كما هو ملاحظ . وكذلك فإن النسبة بين الواسطة العروضية والواسطة الاثباتية هي نسبة التباين أيضاً ، ولتوضيح الفرق بين الواسطة في العروض والواسطة في الثبوت نستعرض أموراً :

الأول : إن قيام الصفة بالواسطة الثبوتية قيام صدوري وقيام الصفة بالواسطة العروضية قيام حلولي ، والمراد بالقيام الصدوري الأعم من تأثير العلة الفاعلية كتأثير النار في حرارة الماء وتأثير العلة الغائية كتأثير صورة الجلوس في صنع الكرسي ، ومنه تأثير ملاكات الأحكام الشرعية في جعل الحكم الشرعي ، لأن الملاك غاية للجعل .

الثاني : إن اسناد الصفة للشيء مع الواسطة الثبوتية إسناد حقيقي ومن باب وصف الشيء بحال نفسه بينما إسناد الصفة للشيء مع الواسطة العروضية إسناد مجازي ، ولو تجوزاً عقلياً إن لم يكن تجوزاً أدبياً كما سياتي بيانه ، وهو المعبر عنه في مصطلح علم البيان بانه وصف الشيء بحال متعلقه ، وبحسب الاصطلاح الفلسفي يعبر عنه بالسبق بالحقيقة، حيث أن الواسطة هي المتصفة حقيقة بالصفة المعينة وانما يتصف بها ذو الواسطة بالعرض ، وهذا لون من السبق في الاتصاف يسمى بالسبق بالحقيقة .

الثالث : إن الصفة العارضة للشيء مع الواسطة في العروض فرد واحد من الصفة عارض أولاً وبالذات للواسطة نحو جرى الميزاب وعارض بالعرض لذي الواسطة ، بينما الصفة العارضة مع الواسطة في الثبوت قد تكون فرداً واحداً عارضاً لذي الواسطة حقيقة كعروض الغليان للماء بواسطة النار، وقد تكون فردين أحدهما عارض للواسطة حقيقة والأخر عارض لذيها حقيقة كالنار الموجبة لاتصاف الماء بالحرارة، حيث أن هنا فردين من الحرارة أحدهما عارض للماء والأخر عارض للنار.

الرابع : إن الصفة العارضة للشيء مع الواسطة في الثبوت حيث أن الشيء متصف بها حقيقة فيستحيل أن يتصف بنقيضها أو ضدها حقيقة، للزوم محذور اجتماع النقيضين أو الضدين . نعم لا مانع من اتصافه بالنقيض والضد مجازاً، بينما الشيء المتصف بوصف مع واسطة في العروض بما أنه غير متصف بالوصف حقيقة فلا مانع من اتصافه بنقيضه وضده حقيقة، إذ لا يترتب على ذلك محذور اجتماع النقيضين والضدين.

النقطة الثانية:

ثمرة البحث : إن لهذا البحث ثمرات علمية كثيرة على صعيد الأدب والفقه والأصول ، ونحن نستعرض بعض الثمرات:

أ - من الثمرات الفقهية للبحث ما ذكره الفقهاء من أن صاحب الدار لو قال لرجل ادخل الدار فإنك صديقي فالمفهوم عرفاً من هذا الكلام أن الصداقة واسطة في العروض ، أي أن الحكم وهو جواز الدخول مترتب على عنوان الصديق أولاً وبالذات وانما يتوجه للمخاطب باعتبار انطباق موضوع الحكم عليه ، فلو علم المخاطب بانه ليس بصديق لصاحب الدار فلا يجوز له الدخول ، لأن موضوع الحكم هو عنوان الصديق الا أن صاحب الدار أخطأ في التطبيق وليس موضوع الحكم هو المخاطب حتى يجوز له الدخول على كل حال ، ولو قال له « ادخل الدار لأنك صديقي » فالمفهوم عرفاً من ذلك أن الصداقة واسطة في الثبوت ، أي أن موضوع الحكم بجواز الدخول هو ذات المخاطب لا عنوان الصديق وانما الصداقة من دواعي الأذن بالدخول ، فهنا حتى مع علم المخاطب بعدم كونه صديقاً يجوز له الدخول ما دام هو الموضوع للحكم بالجواز.

ب - من الثمرات الأصولية التي تترتب على هذا البحث تفريق العلماء بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية، حيث أن الحيثية التعليلية راجعة للواسطة في الثبوت والحيثية التقييدية راجعة للواسطة في العروض (1)، ويرتبط بذلك جملة من البحوث ، منها : ما ذكروه من أن الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية راجعة للحيثيات التقييدية، فمثلاً حكم العقل بوجوب نصب السلم لأنه مقدمة للواجب راجع لحكمه بان المقدمة واجبة ومن باب التطبيق على الفرد المذكور حكم بوجوبه ، لذلك لا مانع من اجتماع الاستحباب الذاتي مع الوجوب الغيري في المقدمة، فالاستحباب الذاتي مثلاً للوضوء بما هو وضوء والوجوب الغيري له بما هو مقدمة، ومع اختلاف الجهة فلا مانع من اجتماعهما .

ج - ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره ) في باب مفهوم الموافقة من أن المولى لو قال :«لا تشرب الخمر فإنه مسكر » فظاهر الجملة أن الاسكار واسطة في العروض وحيثية تقييدية، فالموضوع للحرمة حقيقة هو المسكر لا عنوان الخمر وانما يتصف الخمر بالحرمة ثانياً وبالعرض باعتبار انطباق الموضوع عليه ، وحينئذٍ فيستفاد من التعليل المذكور عموم مفهوم الموافقة لكل مسكر ما دام الموضوع للحرمة هو عنوان المسكر.

وأما لو قال المولى : « لا تشرب الخمر لأنه مسكر أو لإسكارها » فالمفهوم من ذلك عرفاً أن الإسكار واسطة في الثبوت وحيثية تعليلية فقط ، وأن الموضوع للحرمة واقعاً هو الخمر وانما من دواعي جعل الحرمة له اسكاره لا أن موضوع الحكم هو عنوان المسكر، والمستفاد حينئذٍ عدم سعة مفهوم الموافقة لغير الخمر من المسكرات (2)، وغير ذلك من الثمرات .

النقطة الثالثة :

في أقسام الواسطة في العروض : للواسطة في العروض ثلاثة تقسيمات :

أ - باعتبار الوضوح والخفاء .

ب - باعتبار التغاير الوجودي والمفهومي .

ج - باعتبار النسبة بين الواسطة وذي الواسطة .

التقسيم الأول : وهو انقسام الواسطة في العروض الى جلية وخفية وأخفى .

الواسطة الجلية : وهي ما يعد عند العرف من باب الاسناد لغير ما هو له كقولنا جرى الميزاب، حيث يرى العرف هنا أن الجريان حقيقة للماء لا للميزاب فالواسطة في المثال جلية، وكقولنا البيوت متحركة مع أن الحركة واقعاً  للأرض لا للبيوت . ومن الأمثلة الفقهية للواسطة الجلية متعلقات الأحكام ، فمثلاً إذا قال المولى . يجب الصلاة ، فإن العرف الساذج قد يتصور أن الصلاة الخارجية هي المعروض للوجوب حقيقة بل ربما طرح ذلك في كلمات العلماء الأعلام ، ففي الكفاية في بحث اجتماع الأمر والنهي - بعد دعوى التضاد الحقيقي بين الأحكام الخمسة - ذكر بان المعروض الواقعي للحكم هو العمل الخارجي للمكلف (3) ، مع أن هذا المفهوم لا يقره العرف المتأمل وذلك لعدة أمور:

أولاً : لأن الوجوب أمر اعتباري ولا يمكن أن يتشخص في وعاء الاعتبار الا بحد معين وهذا الحد هو طبيعي الصلاة الموجود بالوجود الاعتباري ، إذ من المستحيل تشخص ما هو اعتباري بما هو خارجي كما يستحيل العكس أيضاً ، فمن المستحيل كون الصلاة الخارجية حدا للوجوب الاعتباري.

ثانياً : على فرض عدم حصول الصلاة خارجاً لعصيان أو غيره فيلزم من ذلك تقوم الموجود وهو الوجوب الاعتباري بالمعدوم وهو الصلاة الخارجية، وذلك مستحيل .

وثالثا : إن العمل الخارجي مسقط للتكليف فكيف يكون معروضاً له ، لذلك فالمتصف حقيقة بالوجوب هو الماهية الموجودة في وعاء الاعتبار واتصاف الفرد الخارجي به من باب الواسطة في العروض ، وهي واسطة التطابق لا الانطباق ، لأن الانطباق إنما يكون بين الكلي وفرده والعمل الخارجي ليس فرداً للماهية الموجودة في وعاء الاعتبار بل هو مطابق ومشابه لها، وهذه الواسطة جلية لمن تأمل في المطلب .

الواسطة الخفية : وهي ما كان الاسناد فيها بحسب النظر العرفي اسناداً حقيقياً وإن كان بحسب النظر العقلي إسناداً مجازياً ، ومثاله الحد الأوسط في  باب البرهان إذا كان علة للنتيجة وكان البرهان لمياً ، كقولنا : « كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس فكل إنسان حساس » ، فهنا الاحساس وصف للحيوان بما هو حيوان ، وعروضه للإنسان وان كان إسناداً حقيقياً بنظر العرف ولكنه بحسب النظرة العقلية إسناد مجازي ، باعتبار كون هذا الثبوت مستنداً لواسطة وهي الحيوانية .

والمثال الفقهي المرتبط بذلك باب المعقول الثاني باصطلاح الفلاسفة ، بيان ذلك : أن المعقول قد يكون له ارتباط واحد، إما خارجي كارتباط البياض بالجسم وهذا معقول أولي وإما ذهني كالكلي العقلي الذي ليس له ارتباط بالخارج أصلاً وهذا معقول ثانوي باصطلاح المناطقة والفلاسفة ، وقد يكون له ارتباطان ، ارتباط بمعروضه الذهني وارتباط بموصوفه الخارجي ، فهو معقول ثانوي باصطلاح الفلاسفة ، كالإمكان فإن المعروض له ذهناً هو الماهية المعلولة والمتصف به خارجاً هو الموجود الخارجي .

ومثاله من الأحكام الفقهية النجاسة والملكية ، فإن معروضهما الذهني هو العنوان الذهني للدم والمال مثلاً، بينما المتصف بهما خارجاً هو عين الدم وعين المال . ومثاله أيضاً وجوب الحج على المستطيع ، فإن الوجوب له ارتباطان ، ارتباط اعتباري بعنوان المستطيع وهو ارتباط المقيد بقيده في وعاء التقييد وارتباط خارجي بالمعنون نفسه ، فالمستطيع الخارجي ليس هو المعروض للوجوب حقيقة اذ يستحيل تقيد الاعتباري بالأمر الخارجي .

وإنما المعروض الحقيقي للوجوب هو المستطيع في الوعاء الاعتباري ، لكن علاقة التطابق بين ما في الخارج وما في الاعتبار الذهني أوجبت اسناد الوجوب للمستطيع الخارجي على نحو العروض عليه ، وهو إسناد مجازي بنظر العقل لرجوعه لواسطة التطابق وإن كان هو متصفاً بالتكليف حقيقة، الا أن الاتصاف غير العروض كما هو مذكور في كتب الحكمة .

ويترتب على هذا البحث عدة ثمرات أصولية :

أ - ما ذكره الأصوليون بان للحكم مرتبتين مرتبة الانشاء ومرتبة الفعلية، مع أن الحكم المجعول واحد وليس له وجودان متعاقبان ، إذن فمقصودهم ما ذكرنا من أن وجوب الحج مثلاً له ارتباطان ، ارتباط بمعروضه وهو المستطيع في وعاء الاعتبار، وهذه هي مرحلة الجعل ، وارتباط بموصوفه وهو المستطيع الخارجي ، وهذه هي مرحلة الفعلية، أي مرحلة اتصاف ما في الخارج بكونه مكلفاً بالحج مثلاً، والا فليس هناك تعدد في وجود الحكم إطلاقاً.

ب - ما طرحه الاستاذ السيد الخوئي (قدس سره ) في الاشكال على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية من أن استصحاب عدم الجعل معارض باستصحاب بقاء المجعول (4)، فمثلاً استصحاب بقاء حرمة وطء الحائض بعد نقائها وقبل غسلها معارض باستصحاب عدم سعة الجعل لما بعد فترة الحيض ، وقد يلاحظ عليه - كما هو مذكور في كلمات المحقق النائيني (قدس سره ) - بان استصحاب عدم الجعل في المقام مثبت (5) ، ولعله لأن استصحاب الجعل أو عدمه متقوم بالارتباط الأول وهو ارتباط الحكم بمعروضه بينما استصحاب المجعول متقوم بالارتباط الثاني وهو ارتباط الحكم بموصوفه ، فاحد الاستصحابين لا يعارض الأخر ولا ينفيه ، إذ لا توجد نقطة جامعة بينهما فكل منهما مرتبط بمرحلة معينة.

ج - مسألة الشرط المتأخر، حيث أورد بعض علماء الأصول بان الشرط المتأخر مستلزم لتقوم المتقدم بالمتأخر الراجع لتقوم الموجود بالمعدوم وهو مستحيل ، لكن صاحب الكفاية قد ذكر بان المتفرقات في وعاء الزمان مجتمعات في وعاء الاعتبار، فالوجوب مقيد حقيقة بالقيد الموجود في وعاء الاعتبار(6) إذ لابد  من اجتماع المقيد والقيد في وعاء واحد، لا أنه مقيد بالقيد المتأخر زماناً ، فما هو قيد للوجوب حقيقة هو العنوان الاعتباري وهو مقارن للحكم لا متأخر عنه وما هو المتأخر عنه ليس بقيد له بل هو مطابق للقيد الحقيقي .

فتبين لنا من خلال هذه البحوث أهمية التعرف على أقسام الواسطة في العروض ، والفرق بين الخفية والجلية منها ، ففي المثال إسناد الشرطية للمتأخر وجوداً وإن كان إسناداً حقيقياً بنظر العرف لكنه مع الواسطة في العروض ، وهي واسطة التطابق بين ما في الخارج وما في وعاء الاعتبار، فهو إسناد مجازي بنظر العقل ، والشرطية للقيد الاعتباري المقارن لا للوجود الخارجي المتأخر.

الواسطة الأخفى : وهي ما كان الاسناد فيها بنظر العقل إسناداً حقيقياً ولكن بحسب الدقة الفلسفية العقلية يكون إسناداً مجازياً ، فمثلاً قولنا الجسم أبيض يعد إسناداً حقيقياً بنظر العرف والعقل ، ولكن بحسب الدقة الفلسفية المبنية على تعدد الوجود للجوهر والعرض فالأبيض في الواقع هو البياض لا الجسم ، وهذا الاسناد مجازي باعتبار ارتباط الوجودين خارجاً على نحو التركيب الاتحادي أو الانضمامي على الخلاف فيه ، ومثله قولنا زيد موجود فإنه إسناد حقيقي بنظر العرف والعقل لكنه إسناد مجازي بنظر الفيلسوف المتأمل باعتبار القول بأصالة الوجود، فالموجود حقيقة هو الوجود وإنما ينسب للماهية ثانياً وبالعرض ، إذن فالواسطة في هذه الأمثلة اخفى من الواسطة في الموردين السابقين لأن التنبه لها يحتاج لدقة فلسفية .

التقسيم الثاني : لا شك أنه لابد من وجود الارتباط بين الواسطة وذي الواسطة كالحالية والمحلية والعلية والمعلولية وشبه ذلك ، والا لما صح إسناد وصف الواسطة لذي الواسطة ولو مجازاً، ولابد من التغاير بينهما إما بحسب الوجود وإما بحسب المفهوم وإما بلحاظهما معاً، ولولا ذلك لما كانا شيئين أحدهما واسطة والاخر ذو الواسطة فهنا ثلاثة أقسام :

الأول : التغاير الوجودي والمفهومي بين الواسطة وذيها، وهو على قسمين .

أ - ما يمكن فيه الاشارة الحسية ويسمى بـ (التغاير في الوضع ) كالسفينة والجالس فيها ، فإنهما متغايران وجوداً ومفهوماً مع إمكان التفريق بينهما بالإشارة الحسية ، فإذا قيل راكب السفينة متحرك فهو إسناد مجازي لغير من هو له .

ب - ما لا يمكن فيه الاشارة الحسية كما هو بين العرض وموضوعه ، فمثلاً إذا قيل الجسم منحني أو مستقيم فالأسناد هنا مجازي لوجود الواسطة في العروض ، وذلك لأن الانحناء والاستقامة من الكيفيات العارضة للكميات فالمتصف بالانحناء والاستقامة هو الكم وهو الخط في المثال لا الجسم نفسه لكنه أسند للجسم مجازاً بواسطة أحد أعراضه وهو الكم ، وبين العرض وهو الواسطة والجوهر الموضوع له وهو ذو الواسطة تغاير وجودي بناءاً على المسلك المشهور من تعدد الوجود للجوهر والعرض لا على مسلك آغا علي مدرسي من كونهما وجوداً واحداً متطوراً بعدة أطوار عرضية وهو المختار عندنا، وبينهما تغاير مفهومي أيضاً لكن لا يمكن التفريق بينهما بحسب الاشارة الحسية .

الثاني : التغاير الوجودي مع الوحدة الماهوية، ونذكر له ثلاثة أمثلة :

أ - المعلوم بالذات والمعلوم بالعرض ، فالصورة المرتسمة فى أفق النفس هي المعلوم بالذات ومطابقها الخارجي معلوم بالعرض ، فتسمية ما في الخارج معلوماً لا بنحو الاسناد الحقيقي بل هو مجازي معتمد على واسطة في العروض، وهي مرآتية ما في الذهن لما في الخارج ، والا فيستحيل أن يكون الأمر الخارجي حداً لما هو أمر نفسي وهو العلم ، فهنا يوجد بين الواسطة وهي المعلوم بالذات وذيها وهو المطابق الخارجي تغاير وجودي ، لأن أحدهما وعاؤه الذهن والاخر وعائه الخارج لكنهما متحدان ماهية بناءاً على المسلك المشهور من كون المعلوم نفس الموجود الخارجي .

ب - المراد بالذات والمراد بالعرض ، فإذا اشتاق الانسان مثلا للعب الكرة فالمراد أولاً وبالذات هو العنوان النفسي المحدد للإرادة النفسية في وعائها والمراد ثانياً وبالعرض هو اللعب نفسه ، فالأسناد مجازي مع الواسطة في العروض .

ج - متعلقات الأحكام كالصلاة الواجبة ، حيث إننا إذا تأملنا هنا نجد أن المعروض للوجوب حقيقة هي الماهية الاعتبارية للصلاة، لأن نسبة متعلق الاعتبار للاعتبار نفسه نسبة الماهية للوجود، وهي كما يقال في الحكمة نسبة الحد للمحدود، ويستحيل أن يكون الأمر الاعتباري محدوداً بحد خارجي فالمعروض الاعتباري المحقق للوجوب الاعتباري يختلف وجوداً عن العمل الخارجي المحقق للامتثال لكنهما يتحدان ماهية ومفهوماً ، وهذه الوحدة المفهومية واسطة في عروض أوصاف كل منهما للآخر ونذكر لذلك مثالين :

أ) إن الصلاة الخارجية تتصف بالوجوب مجازاً، لأن هذا الوجوب وإن كان عارضاً على الصلاة الاعتبارية حقيقة ولكن لتطابق ما في الاعتبار مع ما في الخارج صح توصيف ما في الخارج بوصف ما في وعاء الاعتبار. وكذلك الصلاة الاعتبارية تتصف بكونها ذات مصلحة وملاك مجازاً، لأن الواجد للملاك حقيقة هو الصلاة الخارجية لا الذهنية لكن لتطابقهما في الماهية صح اتصاف ما في الاعتبار بصفات ما في الخارج .

ب ) باب النواهي كما لو قال المولى لا تشرب الخمر، فهنا المعروض الحقيقي للنهي الاعتباري هو طبيعي الخمر ولكن الملاك وهو المفسدة في الشرب موجود في الفرد الخارجي للخمر ومتعدد بتعدده ، فلو قصرنا النظر على وعاء الاعتبار لقلنا بعدم انحلال النهي لعدة نواهي بعدد الأفراد، لأن ما هو متكثر في الخارج ليس معروضاً للنهي وما هو معروض له في وعاء الاعتبار واحد لا كثرة فيه وهو طبيعي شرب الخمر، ولكن لو تأملنا وجدنا أن الخمر الاعتباري والخارجي متغايران وجوداً الا أنهما متحدان مفهوماً ، وحينئذٍ تتحقق مرآتية ما في الذهن لما في الخارج ومع هذه المرآتية تسري أوصاف كل منهما للآخر بنحو الواسطة في العروض ، فالكثرة الخارجية للأفراد والمفاسد ملحوظة في طبيعي شرب الخمر حين ورود النهي عليه .

وهذا ما ندعيه من الانحلال ، وهو أن الجاعل عندما يلاحظ الماهية المنهي عنها لملاك فيها ويرى أن الملاك متعدد بعدد أفراد الماهية خارجاً يصب نهيه على الماهية لا على نحو صرف الوجود بل بما هي مرآة حاكية للأفراد المتعددة الواجدة للمفسدة ، خلافاً لمن ينكر الانحلال كالسيد البروجردي (قدس سره ) .

الثالث : التغاير المفهومي مع الاتحاد الوجودي ، ولذلك عدة أمثلة منطقية وفقهية :

1 - ما ذكر في علم المنطق من وجود الماهيات الطولية بوجود واحد، كالإنسان والحيوان فإنهما يوجدان بوجود واحد فيمكن نسبة صفات أحدهما للآخر بواسطة الاتحاد الوجودي بينهما، فيقال الانسان حساس بما هو حيوان والحيوان ناطق بما هو إنسان ، وهذا الاسناد مجازي مستند للواسطة في العروض وهي الوحدة الوجودية .

2 - الأمور الانتزاعية مع مناشيء انتزاعها، بناءاً على وجودها بوجود منشأ انتزاعها بالعرض لا بالتبع كما حرر في الأسفار(7)، فهنا يتحقق الاتحاد الوجودي بين ماهيتين فيمكن إسناد صفات إحداهما للأخرى بواسطة الاتحاد الوجودي ، فيصح - مثلاً - إسناد صفات عمل السرقة خارجاً لعنوان الغصب المنتزع منه وبالعكس .

3 - الطبيعي مع فرده فإنهما متغايران مفهوماً متحدان وجوداً ، فهل يصح اسناد صفات أحدهما للآخر بواسطة الاتحاد الوجودي بينهما أم لا؟ ذهب صاحب الكفاية في بحث الأصل المثبت وبحث استصحاب الكلي إلى صحة جريان استصحاب الفرد لإثبات اثار الكلي باعتبار خفاء الواسطة بينهما(8)، لاتحادهما وجوداً بحيث لا يرى العرف ثنائية بينهما بل يرى أن آثار أحدهما آثار للآخر بلا تفكيك ، بينما ذهب الأعلام إلى كون ذلك أصلاً مثبتاً وأن وجود الواسطة في العروض بينهما لا يسوغ إسناد آثار أحدهما للآخر في باب التنزيلات الشرعية كالاستصحاب ، لكونه من الأصول العملية التنزيلية .

4 - بحث اجتماع الأمر والنهي كالصلاة والغصب ، وتوضيحه : انه ان قلنا في هذا البحث بالاجتماع الموردي فلا شاهد فيه وان قلنا بالاتحاد الوجودي على نحو التركيب الانضمامي فلا شاهد فيه ايضاً وإن قلنا بالاتحاد الوجودي على نحو التركيب الاتحادي بين الماهيتين فهذا موضع الاستشهاد، حيث يتم البحث في أن ملاك أحدهما هل يسري للآخر فيكون المورد من قبيل تزاحم الملاكات وينتج عنه القول بامتناع الاجتماع أم لا ، فالقول بالسراية مبني على ما ذكرنا من كون الإتحاد الوجودي بين الماهيتين واسطة في عروض صفات احداهما للأخرى .

5 - ما ذكر في بحث مقدمة الواجب ، من أن الجزء كالسجود في الصلاة مع اتصافه بالوجوب الغيري لكونه مقدمة للكل هل يتصف بالوجوب النفسي الضمني ، فيسري الوجوب النفسي من المركب لأجزائه بواسطة اتحادهما وجوداً وان كانا متغايرين مفهوماً أم لا .

وغير ذلك من ثمرات البحث في الواسطة وأقسامها .

التقسيم الثالث : في نسبة الواسطة لذيها، تنقسم الواسطة في العروض بلحاظ نسبتها لذيها إلى أربعة أقسام :

1 - نسبة التباين كما هو بين السفينة والجالس فيها.

2 ـ نسبة العموم من وجه كالصلاة والغصب في مورد اجتماعهما.

3 - نسبة التساوي كالأجزاء بالأسر مع الكل فإنهما شيء واحد والاختلاف مفهومي .

4 - نسبة العموم المطلق حيث تكون الواسطة أعم مطلقاً نحو لا تشرب الخمر فانه مسكر، أو تكون الواسطة أخص مطلقاً كقولنا الحيران ناطق بما هو إنسان .

وبهذا يتضح لنا الحاجة الماسة لمعرفة الواسطة في العروض وأقسامها حتى لا نقع في المغالطة بجعل ما بالعرض مورد ما بالذات وترتيب الآثار على ذلك .

_________________
(1) اجود التقريرات 1 : 498 ـ 499.

(2) اجود التقريرات ا : 498 .

(3) الكفاية : 158

(4) مصباح الاصول 3 : 36 - 40 .

(5) اجود التقريرات 2 : 89 1 - 0 9 1 .

(6) الكفاية 93 - 4 9 .

(7) الاسفار 1 : 274 ـ 275.

(8) الكفاية : 406 و 414 .




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.