أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016
2060
التاريخ: 31-8-2016
2053
التاريخ: 29-8-2016
1327
التاريخ: 26-8-2016
1391
|
المشهور بين الاصحاب في عنوان البحث جعل محل النزاع هو جواز اجتماع الامر والنهي في شيء واحد ذي جهتين وامتناعه ولكن الاولى أن يجعل عنوان البحث على وجه آخر وذلك بأن يقال إذا تعلق امر ونهى بشيئين اتحدا في الخارج وجودا وايجادا فهل يوجب ذلك سراية كل منهما إلى ما تعلق به الاخر ليلزم سقوط احد هما لامتناع اجتماع الحكمين المتضادين في مورد واحد اوان اتحاد الوجودين في الخارج لا يوجب السراية المذكورة فلا يلزم من ثبوت الحكمين فيه اجتماع الضدين (وجه الاولوية) ان العنوان المعروف يوهم ان القائل بالجواز لا يعترف بتضاد الحكمين فلذا يقول بجواز اجتماعهما مع ان الامر ليس كذلك بل هو انما يدعى الجواز لا دعائه عدم لزوم اجتماع الحكمين من اتحاد المتعلقين خارجا لا انه يدعى جوازه بعد تسليم تحقق اجتماعهما ضرورة ان استحالة اجتماع الحكمين بعد وضوع التضاد بينهما لا تكاد تخفى على عاقل فضلا عن فاضل فالنزاع انما هو في استلزام ثبوت الحكمين وفعليتهما لاجتماعهما في شيء واحد وعد مه لا في جواز الاجتماع وامتناعه ثم انه يقع الكلام في المقام في جهتين (الاولى) في سراية كل واحد من الامر والنهي إلى متعلق الاخر وعدمه ومنشأ النزاع في هذه الجهة هو النزاع في ان الجهتين المتحققتين في المجمع تعليليتان أو تقييديتان ويترتب على القول بالسراية المزبورة وقوع التعارض بين دليلي الواجب والحرام وعلى القول بعدمها عدمه وذلك لان الجهتين إذا كانتا تعليليتين تعلق الامر بما تعلق به النهي بعينه فيقع التعارض بين الدليلين لا محالة وهذا بخلاف القول بعدم السراية فان تعدد متعلق الامر والنهي لأجل كون الجهتين تقييديتين ينفى موضوع التعارض بالضرورة
(الثانية) في أن الجهتين إذا كانتا تقييديتين فهل يوجب انطباقهما على شيء واحد وقوع التزاحم بين حكميهما اولا (1) والنزاع من هذه الجهة يبتنى على ان اعتبار القدرة في متعلق التكليف هل هو من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز أو من جهة اقتضاء نفس الطلب ذلك فان قلنا بالأول فالفرد المأتى به وان كان غير مقدور عليه لان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا الا أنه يصح الاتيان به بداعي امتثال الامر بالطبيعة لما افاده المحقق الثاني (قدس سره) من كفاية القدرة على بعض افراد الطبيعة في صحة الامر بها فان انطباق الطبيعة على فردها قهري والاجزاء عقلي واما إذا قلنا بالثاني واعتبرنا في تحقق الامتثال القدرة على الفراد بخصوصه فلا محالة يقع التزاحم بين الحكمين لما عرفت من ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فلا بد من سقوط النهي ليكون المجمع مقدورا ويقع به الامتثال من دون عصيان أو سقوط الامر ليتمحض الاتيان بالمجمع في كونه معصية من دون امتثال فكونه امتثالا من جهة وعصيانا من جهة اخرى مستحيل على هذا التقدير بالضرورة (ثم ان النزاع) من هذه الجهة لابد من أن يكون مع وجود المندوحة إذ وقوع التزاحم بين الحكمين مع عدم المندوحة وانحصار الطبيعة المأمور بها في المجمع واضح لا يخفى ومن اعتبر قيد المندوحة في محل الكلام قد نظر إلى ذلك واما النزاع من الجهة الاولى وهى سراية كل من الحكمين إلى متعلق الاخر وعدمها فلا يفرق فيه بين وجود المندوحة وعد مها كما هو واضح إذا عرفت ذلك فلا بد لتحقيق المقام من تقدم مقدمات ينتفع بها في كلتا الجهتين أو في خصوص احديهما المقدمة الاولى في تحقيق الحال في كون هذه المسألة اصولية أو غير اصولية (فنقول) يمكن أن تكون المسألة كلامية باعتبار (2) انها يبحث فيها عن استحالة اجتماع الحكمين في مورد واحد وجوازه وبما ان الامر والنهي من الامور الواقعية يصح البحث عن امتناع اجتماعهما وجوازه (ويمكن) ان تكون المسألة فرعية (3) باعتبار انه يبحث فيها عن صحة الاتيان بالمجمع وحصول الامتثال به وعدمها (ويمكن) ان تكون المسألة من المبادئ الأحكامية باعتبار انه يبحث فيها عن استلزام (4) حرمة الشيء ووجوبه لعدم الاخر وعدم استلزامه له فيكون البحث فيها نظير البحث عن استلزام وجوب الشيء لو جوب مقد مته أو لحرمة ضده غاية الامر ان البحث فيها عن لازم حكم واحد وفي ما نحن فيه عن لازم حكمين (ويمكن) ان تكون المسألة اصولية عقلية اما كونها عقلية فلما اشرنا إليه سابقا من ان الاحكام العقلية على قسمين (فتارة) يحكم العقل بشيء من دون توسط حكم شرعي كحكمه بحسن شيء أو قبحه وهذا القسم يسمى بالمستقلات العقلية (واخرى) يحكم بشيء بعد صدور حكم شرعي من المولى كمباحث الاستلزامات كلها ويسمى هذا القسم بالأحكام العقلية غير المستقلة ومسئلتنا هذه من القسم الثاني فانها يبحث فيها عن استلزام اجتماع متعلقي الحكمين في مورد واحد لسقوط احدهما وعدم استلزامه له واما كونها اصولية فباعتبار ان نتيجة البحث فيها تقع في طريق الاستنباط فانه إذا أتى بالمجمع ترتبت على جواز الاجتماع وعدم سقوط شيء من الحكمين صحة العبادة كما انه يترتب على القول بامتناعه ولزوم سقوط احدهما فسادها ولكن التحقيق (5) ان المسألة من المبادئ التصديقية ضرورة انه لا يترتب فساد العبادة على القول بالامتناع بل القول به يوجب دخول دليلي الوجوب والحرمة في باب التعارض واجراء احكامه عليهما ليستنبط من ذلك حكم فرعى وقد عرفت فيما تقدم ان الميزان في كون المسألة اصولية هو ترتب نتيجة فرعية عليها بعد ضم صغرى نتيجة تلك المسألة إليها وليس ذلك متحققا في ما نحن فيه قطعا وعليه فالنزاع وعليه فالنزاع في الجهة الاولى يدخل في مبادى بحث التعارض كما ان النزاع في الجهة الثانية يدخل في مبادى بحث التزاحم المقدمة الثانية ان المعاني التي تفهم من الالفاظ وبهذا الاعتبار تسمى بالمفاهيم (تارة) تلاحظ بما انها مدركات عقلية (واخرى) بما أنها منطبقة على مصاديقها في الخارج فهي باعتبار اللحاظ الاول تكون بسيطة ابدا كما اشرنا إليه فيما تقدم من مباحث الحروف والمشتقات ومتباينة بعضها بالنسبة إلى بعضها الاخر وكليات (6) وجزئيات عقلية غير قابلة للصدق على ما في الخارج واما باعتبار اللحاظ الثاني فهي تنقسم إلى بسائط ومركبات خارجية باعتبار تركبها من العادة والصورة ومركبات تحليلية باعتبار تركبها من الجنس والفصل وتعرضها احدى النسب الاربع التي ستعرف تفصيلها وملاكها ويطلق عليها الكليات أو الجزئيات الطبيعية ومن هذا البيان يظهر فساد ما استند إليه بعض القائلين بجواز اجتماع الامر والنهي من ان متعلق الامر مفهوم مباين لما تعلق به النهي فالاجتماع انما هو في مقام الامتثال لا في مقام التكليف ليلزم منه اجتماع الضدين في موضوع واحد وجه الظهور ان تباين المفاهيم في مقام التعقل والادراك وان كان صحيحا الا أنها بهذا الاعتبار لا يعقل تعلق التكليف بها لأنها كليات عقلية يمتنع صدقها على الخارجيات فما تعلق به التكليف لا مناص من التي ام يكونه من الكليات الطبيعية الملحوظة فانية في مصاديقها وعليه فلا تكون النسبة بين متعلق الامر ومتعلق النهي نسبة التباين لئلا يلزم الاجتماع في مقام التكليف (ثم ان) الموجود اما أن يكون موجودا في عالم العين أو في عالم الاعتبار وعلى كل منهما فاما أن يكون من الموجودات المتأصلة أو من الموجودات الانتزاعية فتكون الاقسام اربعة (الاول) الموجود المتأصل في العين كالجواهر وجملة من الاعراض كالسواد و البياض ونحوهما (الثاني) الموجود الانتزاعي في العين كالزوجية المنتزعة عن الاربعة ووجود هذا القسم انما هو بوجود منشأ انتزاعه (الثالث) الموجود المتأصل في عالم الاعتبار كالوجوب والحرمة والزوجية للزوجين والفرق بين هذا القسم وبين القسم الثاني ان القسم الثاني لا وجود له الا بوجود منشأ انتزاعه وهذا القسم موجود بنفسه غاية الامران وجوده في عالم الاعتبار لا في عالم العين (الرابع) الموجود الانتزاعي في عالم الاعتبار كسببية شيء للحكم التكليفي أو الوضعي كما في سببية الدلوك وموت المورث لوجوب الصلاة وملك الوارث فان ما هو الموجود المتأصل في عالم الاعتبار انما هو نفس الحكم التكليفي أو الوضعي عند تحقق موضوعه في الخارج واما عنوان السببية فهو انما ينتزع من وجود الموضوع باعتبار تحقق الوجود الاعتباري عند تحققه فيكون حال الامر الانتزاعي في عالم الاعتبار كحال الامر الانتزاعي الخارجي في أن وجوده انما هو بوجود منشأ انتزاعه في الوعاء المناسب له (ثم) ان تفصيل الحاصل في النسب الاربع وبيان ملاكها انما هو بأن يقال ان كل مفهومين اما أن يكون صدوق كل منهما على افراد متحدا مع صدق الاخر على افراده في ملاك الصدق وجهته أو تكون جهة الصدق في أحدهما مغايرة لجهة الصدق في الاخر وعلى الاول فلا محالة تكون النسبة بينهما هو التساوي (7) ويستحيل صدق احدهما على شيء دون الاخر و (توهم) ان الصدق من جهة واحدة لا يستلزم التساوي بين المفهومين كما في المفاهيم الصادقة على ذاته المقدسة تعالى (مدفوع) بما عرفت في آخر المشتق من ان صدق المفاهيم على الذات المقدسة يغاير نحو صدقها على الذوات الاخرى فانها مفاهيم مقولة بالتشكيك والمرتبة العالية من كل صفة في ذلك المقام الشامخ متحدة مع المرتبة العليا من الصفة الاخرى وذكرنا هناك مثالا خارجيا لتصوير ذلك في صفات النفس فقياس صدق المفاهيم المتعددة على الذات المقدسة بصدق المفاهيم الصادقة على غيرها قياس مع الفارق واما على الثاني فاما ان تكون الجهتان متعاندتين اولا وعلى الاول فلا محالة تكون النسبة بين المفهومين هو التباين وعلى الثاني فان كان كل ما يصدق عليه أحد المفهومين مندرجا تحت المفهوم الاخر فتكون النسبة بينهما هو العموم والخصوص المطلق والا فالنسبة بينهما هو العموم والخصوص من وجه ومن ذلك يظهر ان نسبة العموم والخصوص من وجه يستحيل ان تتحقق بين جوهرين (8) ضرورة استحالة كون الشيء الواحد متفصلا بفصلين كل منهما عرض الآخر ليكون صدق احد المفهومين من جهة وصدق المفهوم الاخر من جهة اخرى بل النسبة المذكورة انما تتحقق بين جوهر وعرضي كالحيوان والابيض أو بين عرضيين كالأبيض والحلو المقدمة الثالثة قد ذكرنا في مبحث المشتق ان مبادى الاشتقاق مأخوذة يشرط لا سواء كان ذلك بالإضافة إلى معروضاتها أو بإضافة بعضها إلى بعض ولذلك لا يصح الحمل بينها اصلا كما هو الحال في الهيولى والصورة حيث لا يحمل احد هما على الاخر ولا على النوع فلا بد في صحة الحمل من اخذ المحمول لا بشرط كما في العناوين (9) الاشتقاقية المحمولة على الذات وفي الجنس والفصل مثلا العلم والعدالة لا يصح حمل احد هما على الاخر ولا على الذات المعروضة لهما بخلاف عنوان العالم والعادل كما ان النفس والبدن لا يصح حمل احدهما على الاخر ولا على الإنسان المركب منهما بخلاف الحيوان أو الناطق (نعم) بين مبادى الاشتقاق والهيولى والصورة فرق من جهة اخرى وهى ان مبادى الاشتقاق بما ان كلا منها يغاير الاخر ذاتا ووجودا لا يصح حمل بعضها على بعض ولا على الذات المعروضة له فان اعتباره لا بشرط لا يخرجه عن حقيقته ولا يوجب اتحاده مع غيره المفروض عدم اتحاده مع بل غاية ما يترتب على اخذها لا بشرط حمل العناوين الاشتقاقية منها بعضها على بعض أو على الذات المعروضة لها وهذا بخلاف الهيولى والصورة فانهما إذا اخذ الا بشرط المعبر عنها حينئذ بالجنس والفصل صحيح حمل احد هما على الاخر لما تقدم من انهما مع كون احدهما جهة القوة والاخر جهة الفعلية متحدان في الوجود فإذا اعتبرا بما هما عليه من حد القوة والفعلية المعبر عنها حينئذ بالمادة والصورة لم يصح الحمل بينهما واما إذا الغى عنهما اعتبار الشرط لائية بإلغاء الحد من كل منهما ولو حظا بما هما عليه من الاتحاد في الوجود صح الحمل بينهما لا محالة المقدمة الرابعة ان مبادى المشتقات اما أن تكون من سنخ الصفات الجسمانية أو النفسانية أو تكون من سنخ الافعال الاختيارية (وعلى الاول) فلا محالة يكون كل منها بحسب الوجود الخارجي ممتازا عن الاخر كالبياض والحلاة أو العلم والعدالة (وعلى الثاني) فاما أن يكون احد المبدئين الصادرين من فاعل واحد مغايرا للآخر وجودا أو ايجادا بمعنى ان ايجاد احدهما لا يستلزم ايجاد الاخر كالصلاة والنظر إلى الاجنبية أو لا تكون مغايرا له بل يكونان موجودين بتأثير واحد اما الاول فلا كلام لنافيه في بحث اجتماع الامر والنهي واما الثاني فهو على قسمين لان الموجودين بتأثير واحد اما ان لا تكون الاشارة الحسية إلى احدهما اشارة إلى الاخر كاستقبال القبلة واستد بار الجدى أو تكون الاشارة إلى أحدهما عين الاشارة إلى الاخر اما في القسم الاول فكل واحد من الموجودين يغاير الموجود الاخر لا محالة ولا يكون بينهما جهة تركيب اصلا غاية الامر انهما يكونان متلازمين في الوجود واما في القسم الثاني فلا محالة يتحقق التركيب بينهما كما في الصلاة والغصب لكن التركيب انضمامي لا اتحادي وهذا بخلاف العنوانين الاشتقاقيين منهما فان التركيب بينهما يكون اتحاديا (والسر) في ذلك هو ان مبدء الاشتقاق المأخوذ بشرط لا بما انه ماهية واحدة وحقيقة فاردة لا محالة يكون محفوظا بتمام ماهيته من دون نقصان فيه أين ما سرى بداهة ان البياض الموجود في الثلج أو الصلاة الموجودة في المكان المغصوب متحد في الماهية مع البياض الموجود في العاج أو الصلاة الموجودة في المكان المباح كما ان الغصب المأخوذ بشرط لا ايضا ماهية واحدة (10) سواء وجد في ضمن الصلاة أم في ضمن فعل آخر فلا محالة يكون التركيب بينهما في مورد اجتماعهما تركيبا انضماميا نظير الهيولى والصورة ويستحيل اتحادهما ليكون التركيب اتحاديا (وهذا) بخلاف معروض المبادئ فان ماهيته تختلف في الخارج ولا تكون وحدة ماهية العرض موجبة لوحدة ماهية معروضه كما ان تعدد الاعراض القائمة به لا يوجب تعدده مثلا الذات التي يقوم بها المبدء في مورد اجتماع الحلاوة والبياض كالسكر ذات وفي مورد الافتراق من طرف الحلاوة كالدبس ذات اخرى و في مورد الافتراق من طرف البياض كالعاج ذات ثالثة فماهية ذات المعروض لا تتعدد بتعدد المبادئ القائمة بها فلا محالة يكون التركيب بين العنوانين الصادقين عليها في مورد الاجتماع كالأبيض والحلو والمصلى والغاصب اتحاديا لان المفروض وحدة ذات المعروض وجودا وماهية والتعدد انما هو في العرضين القائمين به وتعدد العرض لا يقتضى تعدد معروضه المقدمة الخامسة قد بينا في بحث المشتق أن صدق كل عنوان اشتقاقي على ذات معلول لقيام مبدء الاشتقاق بها وعليه فلا محالة تكون جهة الصدق في صدق عنوانين اشتقاقيين على ذات واحدة جهة تعليلية إذ المفروض انه لا تعدد في ذات المعروض لا وجودا ولا ماهية بل التعدد انما هو في الاعراض القائمة به وعليه يكون صدق كل من العنوانين كالمصلى والغاصب على شخص واحد معلولا لعلة غير ما هو علة لصدق الاخر و قد عرفت آنفا ان التركيب بين العنوانين اتحادي لا انضمامي واما جهة الصدق في صدق كل من المبادئ على فرده المتحقق في مورد الاجتماع فهي جهة تقييدية لان المفروض ان كلتا الماهيتين المأخوذتين بشرط لا بعينهما موجودة في مورد الاجتماع وأن التركيب بينهما انضمامي وعليه تكون الحركة الخارجية من جهة وجود ماهية الصلاة فيها فردا من الصلاة ومن جهة وجود ماهية الغصب (11) فيها فردا من الغصب ومعنى كون الجهة تقييدية في المقام هو كون الفرد الواحد مندرجا تحت ماهيتين حقيقة لكون التركيب بينهما انضماميا وهذا بخلاف كون الجهة تقييدية في نفس العناوين الكلية عند تقييدها بقيد فان المراد من كون الجهة تقييدية فيها هو اضافة قيد إلى المطلق ليكون به نوعا مغايرا لما هو مقيد بقيد آخر فكون الجهة تقييدية في المقام يوجب توسعة الفرد الواحد واندراجه تحت ماهيتين وهذا بخلاف تقييد العناوين الكلية فانه يوجب تضييقها المانع من صدقها على فاقد القيد فاثر التقييد في كل من الموردين على عكس اثر التقييد في المورد الاخر (فان قلت) اليست الحركة الواحدة الخارجية يصدق عليها انها صلاة كما يصدق عليها انها غصب وعليه فلا محالة يكون التركيب بينهما اتحاديا ويكون كل منهما بالإضافة إلى الاخر لا بشرط للمنافاة الواضحة بين صحة الحمل واخذ المحمول والموضوع كل منهما بالقياس إلى الاخر بشرط لا فلا فرق بين المبادئ والعناوين الاشتقاقية في أن الجهة في كلتيهما تعليلية لا تقييدية (قلت) ليس الامر كذلك فان الصلاة من مقولة والغصب من مقولة اخرى منضمة إليها اعني بها مقولة الاين ومن الواضح ان المقولات كلها متباينة يمتنع اتحاد اثنتين منها في الوجود وكون التركيب بينهما اتحاديا وما ذكر من صدقهما على حركة شخصية واحدة يستلزم تفصل الجنس الواحد اعني به الحركة بفصلين في عرض واحد وهو غير معقول هذا مضافا إلى أن الاعراض بسائط خارجية وما به الاشتراك في كل مقولة عين ما به الامتياز فيها بداهة ان نسبة الحركة إلى المقولات التي تقبل الحركة نسبة الهيولى الاولى إلى الصور فكما انها لا توجد الا في ضمن صورة كذلك لا توجد الحركة الا في ضمن مقولة وفي أي مقولة تحققت تكون عينها فالحركة في الكيف لا تزيد على وجود الكيف كما ان الحركة في الكم أو الاين أو الوضع لا تزيد عليها فالحركة الموجودة في الصلاة مباينة (12) للحركة الموجودة في ضمن الغصب لفرض انهما من مقولتين متباينتين ففرض كون الحركة الواحدة مصداقا للصلاة والغصب معا يستلزم اتحاد مقولتين متباينتين في الوجود وهو مستحيل وتوهم ان الحركة الخارجية المحققة لعنوان الغصب معروضة للصلاة فلا يترتب على وحدتها اتحاد المقولات مدفوع اولا بان الحركة بما انها عرض قائم بغيره يستحيل كونها معروضة لعرض آخر لامتناع قيام العرض بمثله وثانيا ان اجتماع الغصب والصلاة في مورد واحد لا يتوقف على فرض حركة المصلى بل يمكن فرضه حال سكونه ايضا ومن ذلك يظهر ان محقق الغصب انما هو نفس هيئة الكون في المكان التي هي عبارة عن مقولة الاين واما الصلاة فهى من مقولة اخرى وعليه يكون التركيب بينهما تركيبا انضماميا نظير التركيب الانضمامي بين الهيولى والصورة نعم التركيب الانضمامي في المقام يغاير التركيب الانضمامي بين الهيولى والصورة من جهة ان الهيولى بالإضافة إلى الصورة جهة القوة كما ان الصورة بالإضافة إلى الهيولى جهة الفعلية وهذا بخلاف المقام فان كلا من العرضين اجنبي عن الاخر وفعليته بنفسه فنسبة كل منهما إلى الاخر نسبة التشخص إلى المتشخص فكما ان الصلاة قد تتشخص بوقوعها في غير الدار الغصبية كذلك تتشخص بوقوعها فيها وهكذا الغصب قد يتشخص بغير الصلاة وقد يتشخص بها المقدمة السادسة قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن محل الكلام في المقام هو ما إذا كان ما تعلق به الامر والنهي طبيعتين متغايرتين بينهما عموم وخصوص من وجه وصدر بأنفسهما من المكلف في الخارج بإيجاد واحد ليصح النزاع في كون الجهتين تعليليتين أو تقييديتين فيخرج عن محل الكلام ما إذا كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا كما إذا امر بالصلاة ونهى عن الصلاة في الدار المغصوبة (وجه الخروج) ان المفهوم العام وان كان يغاير المفهوم الخاص بالعموم والخصوص بلحاظ مقام التصور والادراك إلا أنه متحد معه في الخارج ووجود الخاص في الخارج بعينه هو وجود العام فما هو مصداق المنهي عنه هو بنفسه مصداق المأمور به فليس هناك جهة ينطبق المأمور به على الموجود الخارجي باعتبارها وجهة اخرى ينطبق المنهي عنه عليه باعتبارها ليصح تعلق الامر بأحديهما والنهي بالأخرى وحينئذ يدخل الدليلان في باب التعارض فلا بد من اعمال قواعده من تحكيم دليل الخاص على دليل العام وتخصيص العام به (وكذلك) يخرج عن محل الكلام ما إذا كانت نسبة العموم والخصوص من وجه بين موضوعي الحكمين دون نفس متعلقيهما كما في قضيتي اكرام العالم ولا تكرم الفاسق أو أكرم العلماء ولا تكرم الفساق فان كلا من العنوانين الاشتقاقيين بما انه مأخوذ لا بشرط والتركيب بينهما اتحادي كما عرفت تكون ذات واحدة و هوية واحدة مجمعا للعنوانين والتعدد انما هو في نفس المبدئين اللذين لا يصح تعلق التكليف بأنفسهما وانما هما جهتان تعليليتان لانطباق العنوانين على معنونهما فيستحيل تعلق الوجوب والحرمة بإكرام ذات الوحدة فيقع التعارض بين الدليلين لا محالة ولابد من اعمال قواعده (ومنه يظهر) خروج مثل اشرب الماء ولا تغصب عن محل الكلام فيما إذا كان الماء بنفسه مغصوبا فانه حينئذ يكون كل تصرف متعلق به غصبا فيقع الشرب (13) مصداقا للغصب فيستحيل كو نه مأمورا به إذ المفروض انه ليس هناك غير الجهة المنهي عنها جهة اخرى منضمة إليها قابلة لتعلق الامر بها بل الغصب و الشرب يتحدان في الخارج والتركيب بينهما اتحادي (نعم) لو كانت حرمة الشرب ناشئة من جهة اخرى غير ناحية التصرف فيه كما إذا وقع الشرب في الدار المغصوبة لتحققت هناك جهتان انضماميتان احديهما شرب الماء والاخرى كونه في الدار المغصوبة فيكون الشرب فيها داخلا في محل الكلام ايضا (وكذلك) يخرج عن محل الكلام ما إذا كانت نسبة العموم والخصوص من جه بين فعلين توليديين كما في اكرام العالم والفاسق المتحقق بفعل واحد فيما إذا كان الاول مأمورا به والثاني منهيا عنه فإذا أكرم زيدا العالم وعمرا الفاسق بقيام واحد فذلك القيام لا يكون مصداقا للمأمور به و المنهي عنه معا وذلك لما عرفت مرارا من ان الفعل التوليدي متحد مع ما يتولد منه في الخارج وعنوان له وكل حكم يتعلق به يتعلق بما يتولد منه قهرا ولذا بنينا على خروج المقدمات السببية بهذا المعنى عن محل الكلام في بحث وجوب المقدمة وقلنا ان الوجوب المتعلق بذى المقدمة يتعلق بنفسه بالمقدمات السببية حقيقة فيكون واجبة بنفس وجو به لا بوجوب اخر غيرى مترشح منه وعليه فالقيام في مفروض المثال بما انه موجود واحد وليس له الاهوية واحدة يمتنع اجتماع الوجوب والحرمة فيه لحيثيتين تعليليتين فيدخل الدليلان بذلك في باب التعارض فلا بد من اعمال قواعده ورفع اليد عن احد هما تعيينا أو تخييرا المقدمة السابعة في بيان ان القول في الجواز في هذا البحث يتوقف على القول يتعلق الاوامر بالطبائع كما ان القول بالامتناع يتوقف على القول بتعلقها بالأفراد (توضيح ذلك) ان النزاع في تلك المسألة ان كان مبتنيا على النزاع في ان الموجود في الخارج هل هو نفس الطبيعي أو افراده فعلى الاول تتعلق الاحكام بالطبائع وعلى الثاني بالأفراد كان ذلك البحث اجنبيا عما نحن فيه بالكلية بداهة انه إذا بنينا على ان الحيثيتين في محل الكلام تقييديتان والتركيب بينهما انضمامي فعلى القول بتعلق الاحكام بالطبائع يكون الكليان الموجودان في الخارج منضمين احدهما إلى الاخر كما انه على القول بتعلق الاحكام بالأفراد يكون الفردان الموجودان اللذان ينتزع عنهما الكليان منضمين احدهما إلى الاخر كما انه إذا بنينا على ان الحيثيتين تعليليتان وان التركيب اتحادى كان الموجود الخارجي الذي له هوية واحدة كليا واحدا معنونا بعنوانين على القول بتعلق الاحكام بالطبائع وفردا واحدا كذلك على القول بتعلقها بالأفراد فلا يكون لذلك المبحث مساس بمبحثنا اصلا واما إذا كان النزاع هناك بمعنى الامر المتعلق بالطبيعة هل يتعلق بمشخصاتها الخارجية ايضا أو انها من لوازم الوجود وخارجة عن حيز الامر فالنزاع في المقام يبتنى على النزاع في تلك المسألة لا محالة (بيان ذلك) ان المدعى لتعلق الامر بالمشخصات ان اراد تعلقه بها كتعلقه بالأجزاء والشرائط وبما انها ملحوظة للأمر استقلالا فمن الواضح بطلان هذه الدعوى ضرورة ان المشخصات بعد عدم كونها دخيلة في عرض الآمر كما هو المفروض كيف يعقل تعلق الارادة بها ويصح طلبها مع انه بلا موجب هذا مضافا إلى ان طلبها مع انها لابد من تحققها في الخارج عند تحقق الطبيعة المأمور بها يكون من اللغو الواضح ولا يفرق في ذلك بين تعلق الامر بكلى التشخص ليكون التخيير بين افراده عقليا وتعلقه بأحد افراده لا بعينه ليكون التخيير بينهما شرعيا مع ان ضم كل التشخص إلى الطبيعي المأمور به لا يجعله متشخصا ليكون المأمور به هو الفرد فيلغو اعتباره في المأمور به من هذه الجهة ايضا وان اراد تعلق الامر بالمشخصات بما انها ملحوظة تبعا ومتعلقة للإرادة قهرا بتبع الارادة المتعلقة بالطبيعي لاستحالة انفكاكه عنها في الخارج فالنزاع في ثبوت ذلك وعد مه نزاع معقول وان كان الصحيح كما عرفت ذلك في محله هو عدم تعلق الامر بالمشخصات ولو تبعا وان كانت لا بد من وجودها حين وجود الطبيعي المتشخص بها كما هو الحال في المشخصات عند تعلق الارادة التكوينية بصرف الطبيعة غير الملحوظ معها شيء من مشخصاتها ولا يقاس التشخصات بالمقدمات الوجودية الواجبة من قبل وجوب الواجب المتوقف عليها بداهة ثبوت ملاك الوجوب التبعي في المقدمات دون المشخصات فان الواجب النفسي المتوقف على المقدمة لا يكون مقدورا الا بإيجاد مقدمته فلا بد من تعلق الارادة بها (14) ايضا سواء في ذلك الارادة التكوينية والتشريعة وهذا بخلاف المقام فان المشخصات لا دخل لها في القدرة على الطبيعة المأمور بها وليس فيها ملاك آخر يقتضى ارادتها وطلبها غاية الامر ان وجود المأمور به لا ينفك عنها خارجا وكيف كان فانا إذا بنينا على تعلق الامر بالمشخصات سواء كان الامر بها استقلاليا أم تبعيا و كانت نسبة كل من المأمور به و المنهي عنه إلى الاخر نسبة المشخصات فلا محالة يكون كل منهما محكوما بحكم الاخر فيلزم منه اجتماع الحكمين المتضادين في موضوع واحد فلا بد من رفع اليد عن احدهما بإعمال قواعد التعارض في دليليهما واما إذا بنينا على خروج المشخصات عن حيز الطلب فلا يسرى الامر إلى متعلق النهي ولا النهي إلى متعلق الامر فيكون القول بالجواز والامتناع مبنيا على القول بتعلق الاوامر بالطبائع أو الافراد بالضرورة (واما توهم) ابتناء النزاع في المقام على النزاع في مسألة اصالة الوجود أو المهية كما عن صاحب الفصول (قدس سره) فهو في غير محله بداهة أن القائل بكون التركيب انضماميا وكون الحيثية تقييدية يرى ان الموجود في الخارج هويتان انضمت احديهما إلى الاخرى سواء انطبق عليهما مفهوم الوجود بالذات والمهية بالعرض ام كان انطباق مفهوم الوجود ونفس الماهية عليهما بعكس ذلك كما أن القائل يكون التركيب اتحاديا وكون الحيثية تعليلية يرى ان الموجود في الخارج هوية واحدة سواء كانت تلك الهوية مطابق مفهوم الوجود بالذات ومطابق نفس الماهية بالعرض ام كانت بعكس ذلك فلا يكون للنزاع في اصالة الوجود والماهية اثر فيما نحن فيه اصلا المقدمة الثامنة في بيان ان النزاع في المقام كما يجرى على القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد يجرى على القول بعدم تبعيتها لها كما ذهب إليه الاشعري ضرورة ان استحالة اجتماع حكمين في فعل واحد الناشئة من تضاد الاحكام لا يختلف فيها انظار العقلاء والأشعري وغيره فيه شرع سواء فمن يرى ان الحيثيتين في مورد الاجتماع تعليليتان وان التركيب اتحادى ذهب إلى امتناع الاجتماع ولو لم يلتزم بكون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد كما ان من يرى ان الحيثيتين تقييديتان وان التركيب انضمامي ذهب إلى جواز الاجتماع ولو كان ممن يلتزم بالتبعية المزبورة فالنزاع في تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد لا اثر له في المقام اصلا وعليه فما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من ابتناء النزاع في المقام على كون المجمع واجدا لملاك الامر والنهي في غير محله (ثم) ان المحقق المزبور ذكر في الامر الثامن والتاسع من الامور التي قدمها على بيان مختاره في بحث اجتماع الامر والنهي ان دليلي الحكمين في مورد الاجتماع قد يد لان على الحكم الفعلي وقد يد لان على الحكم الاقتضائى وذكر ايضا انه إذا كان مدلول الدليلين هو الحكم الاقتضائى فلا تعارض بينهما في مورد الاجتماع إلا إذا علم من الخارج بكذب احد هما ولا يخفى ما في كلا الامرين المذكورين في كلامه اما الاول فلما عرفته في بعض المباحث السابقة من ان الحكم قبل وجود موضوعه خارجا يكون انشائيا ثابتا لموضوعه المقدر وجوده وبعد وجود موضوعه يستحيل ان لا يكون فعليا فكون الحكم في محل الاجتماع فعليا مرة واقتضائيا مرة اخرى غير معقول واما الثاني فلما سيجيء (15) في محله انشاء الله تعالى من أن العلم الاجمالي بكذب احد الدليلين لا يجعلهما من المتعارضين بل يكون العلم بذلك موجبا لاشتباه الحجة باللاحجة.
(وبالجملة) ما ذكره (قدس سره) في الامر الثامن والتاسع من مبحث الاجتماع الامر والنهي مما لا محصل له المقدمة التاسعة ان محل الكلام في المقام هو ما إذا كان من متعلق الامر والنهي من الافعال الاختيارية وكان بينهما تركيب في الجملة وهذا انما يتحقق في ثلاثة موارد (الاول) فيما إذا كان من الفعلين مقولة في قبال الآخر كما في القيام في الدار المغصوبة فان القيام فرد من أفراد مقولة الوضع واما الهيئة الحاصلة لشخص القائم من كونه في الدار المغصوبة فهى من مقولة الاين وهما مقولتان يغاير كل منهما الاخر في الخارج وقد ذكرنا في بحث المعاني الحرفية ان الاين يضاف إلى جوهر فيقال زيد في الدار فيكون من المقولات الخارجية ويكون الظرف حينئذ مستقرا واخرى يضاف إلى العرض القائم به فيقال قام زيد في الدار فيكون متمما للمقولة ويكون الظرف لغوا (الثاني) فيما إذا كان متعلق الامر مثلا فردا من المقولات ومتعلق النهي متمما للمقولة ونعنى بمتمم المقولة ما يمتنع عروضه الجوهر بلا وساطة عرض من أعراضه كالشدة والضعف والابتداء والانتهاء مثلا وهذا ينقسم إلى قسمين فان متمم المقولة تارة يكون منوعا لها ويجعلها ذات مراتب من دون ان يكون موجودا آخر في قبالها كالشدة والضعف والسرعة والبطوء فان الشدة في البياض والسرعة في الحركة مثلا انما تنتزعان من مرتبة خاصة من البياض والحركة وما به الاشتراك في مراتب شيء واحد عين ما به الامتياز فيها فلا البياض الشديد ولا الحركة السريعة يزيدان على حقيقة البياض والحركة بشيئ ولا البياض الضعيف ولا الحركة البطيئة يفقدان من حقيقة البياض أو الحركة شيئا فالشدة والضعف أو السرعة والبطوء موجودان بنفس وجود البياض والحركة لا بوجود آخر ومثل هذا القسم خارج عن محل الكلام في مبحث اجتماع الامر والنهي واخرى لا يكون كذلك بل يكون امرا انتزاعيا من اضافة مقولة إلى شيء كالابتداء والانتهاء فان السير الخارجي الذي هو فرد لمقولة حقيقية ينتزع منه الابتداء بالإضافة إلى البصرة مثلا فالابتداء موجود خارجي متمم لمقولة السير باعتبار صدوره من البصرة (ومثل) هذا القسم داخل في محل الكلام نظير ما إذا توضأ من الانية المغصوبة أو آنية الذهب أو الفضة فان الوضوء باعتبار نفسه الذي هو فرد من افراد المقولة مأمور به وباعتبار اضافته إلى الاناء الذي يحرم التصرف فيه منهى عنه وليس نفس استعمال الاناء داخلا في احدى المقولات التسع العرضية بل هو متمم لمقولة من المقولات دائما كالأكل والشرب والوضوء وامثال ذلك فمن يقول بجواز الاجتماع يقول به في المقام (16) ايضا والا فلا (الثالث) فيما إذا كان المأمور به سببا توليديا وكان المنهي عنه مسببا توليديا عنه أو بالعكس أو كان أحد المسببين محكوما بالوجوب والاخر بالحرمة وهذا فيما إذا كانت السببية المزبورة دائمية خارج عن محل الكلام قطعا إذا لم تكن دائمية بل كانت بنحو الاتفاق وكانت النسبة بين المأمور به و المنهي عنه عموما وخصوصا من وجه كما هو المفروض فلا مناص من فرض شيء آخر يضم إلى ذات السبب ليكون به سببا تاما ضرورة انه يستحيل ان يكون السبب تاما في نفسه ومع ذلك تكون السببية اتفاقية وحينئذ فلذلك الشيء المتمم للسبب اما أن يكون اضافة القصد إلى الفعل أو اضافة شيء آخر إليه فهنا قسمان (اما القسم الاول) وهو ما إذا كان تتميم السبب بإضافة القصد إلى الفعل كما إذا امر المكلف بالقيام ونهى عن اكرام عمرو فقام قاصدا به اكرامه وكما إذا امر بإكرام زيد ونهى عن اكرام عمرو فقام قاصدا به اكرامهما فهو خارج عن محل النزاع في المقام لان القصد بنفسه بما انه لم يتعلق به التكليف بل تعلق بالفعل المقصود به الاكرام مثلا كما انه لا يوجب انضمام حيثية اخرى إلى القيام في الخارج يكون التركيب في امثال المورد اتحاديا والحيثية تعليلية فلا محالة يكون القيام بنفسه في المثال محكوما بالوجوب لذاته أو لانطباق عنوان اكرام زيد عليه ومحكوما بالحرمة لانطباق عنوان اكرام عمرو عليه فتكون الجهتان تعليليتين فيدخل الدليلان بذلك في باب التعارض (واما القسم الثاني) اعني به ما إذا كان تتميم السبب بإضافة شيء آخر إلى الفعل فهو داخل في محل الكلام سواء في ذلك تعلق الامر بالسبب و النهي بالمسبب وعكسه وان يكون هناك مسببان توليدان من فعل واحد بضم اضافتين وجوديتين إليه وقد تعلق الامر بأحدهما و النهي بالأخر والقائل بجواز الاجتماع يرى ان ذات السبب محكوم بحكم والحيثية المنضمة إليه محكومة بحكم آخر اوان احدى الحيثيتين المنضمتين إلى ذات السبب متعلق للأمر والحيثية المنضمة إليه متعلق للنهى كما هو الحال في غير الافعال التوليدية بعينه هذا ولكن التحقيق ان هذا القسم ير جع إلى احد القسمين السابقين فان الخصوصية المنضمة إلى الفعل اما أن تكون بنفسها من المقولات أو تكون متممة لمقولة فلا يكون هذا القسم قسما برأسه بل هو داخل في احد القسمين السابقين فتد بر إذا عرفت ذلك فلا بد لتحقيق المقام من ذكر ادلة القول بالجواز والامتناع وتعقيب ذلك بما هو المختار فنقول قد استدل القائل بالجواز بأمور الاول ما عن المحقق القمي (قدس سره) وحاصله ان الفرد مقدمة لوجود الطبيعي وعليه فان لم نقل بوجوب المقدمة كما هو الحق كان معروض الحرمة وهو المقدمة مغايرا لمعروض الوجوب وهو الواجب المتوقف عليها فلا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد واما إذا بنينا على وجوب المقدمة فاجتماع الوجوب والحرمة في المقدمة وان كان متحققا إلا أنه لا بأس به لان احدهما نفسي والاخر غيرى (ويرد عليه) انه ان اريد من كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي انه مقدمة له مطلقا سواء كان الطبيعي متعلقا للأمر ام كان متعلقا للنهى ففيه مضافا إلى أن المحقق المزبور (قدس سره) لا يلتزم بذلك و لذلك حكم بحرمة الفرد الخارجي نفسيا في محل الكلام انه لا يعقل كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي مطلقا إذ الفرد متحد مع الكلى المنطبق عليه في الخارج فكيف يعقل كونه مقدمة لوجوده وان اريد به كون الفرد مقدمة لتحقق المأمور به دون المنهي عنه بدعوى ان التكليف في طرف النهي بما انه انحلالي يكون كل واحد من افراد الطبيعة المنهي عنها مبغوضا ومنهيا عنه لا محالة وهذا بخلاف الامر فان متعلقه كما عرفت انما هو صرف الوجود فلا يكون الفرد بنفسه متعلقا له وانما هو مقدمة ومحصل لوجود المأمور به في الخارج فيرد عليه ان اعتبار الطبيعة على نحو صرف الوجود كما في طرف الامر انما يمتاز عن اعتبارها عن نحو مطلق الوجود كما في طرف النهي بان الاعتبار الثاني يستلزم انحلال الحكم بتعدد افراد الطبيعة في الخارج فيمكن ان يفرض لها فردان عرضيان أو طوليان ويكون كل منهما محكوما بحكم مستقل مغاير لحكم الاخر وهذا بخلاف الاعتبار الاول فان لازمه عدم كون الحكم انحلاليا وان لا يمكن وجود فردين له في الخارج عرضيين أو طوليين واما كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي فهو مستحيل في كلا الموردين بداهة ان اول وجود الطبيعة هو نفس صرف الوجود لا انه غيره ليكون مقدمة له هذا كله إذا أريد من كون الفرد مقدمة للطبيعي ما هو معناها الحقيقي واما إذا أريد به ان الكلى غير موجود في الخارج وانما هو عنوان انتزاعي لأفراده فيرد عليه مضافا إلى أن الصحيح هو كون الكلى موجودا في الخارج كما هو مذهب المحقق المزبور (قدس سره) ان ذلك يستلزم اجتماع الوجوب والحرمة في الفرد الذي هو مجمع للعنوانين فلا يترتب على كون الفرد مقدمة للطبيعي اثر في محل الكلام اصلا (ثم ان) ما اختاره (قدس سره) من عدم وجوب المقدمة قد عرفت ما فيه في بحث وجوب المقدمة من ان الصحيح هو القول بوجوبها (واما) ما ذكره (قدس سره) من جواز اجتماع الوجوب الغيرى مع الحرمة النفسية (فيرد عليه) ان امتناع اجتماع الحكمين المتضادين لا يختص بالتكليفين النفسيين لان المعاندة والمنافرة بينهما نعم جميع اقسام الحكم نفسيها وغيريها نعم يمكن فرض المقدمة واجبة فعلا مع كونها حراما بنحو الترتب (17) كما مر بيان ذلك لكنه اجنبي عما نحن فيه الثاني ان الاجتماع لو كان آمريا ومن قبل المولى لكان ذلك مستحيلا لكنه في المقام ليس كذلك بداهة انه مأموري ومن قبل نفس المكلف بسوء اختياره فلا يكون هناك مانع عن الاجتماع وفيه أن الاجتماع في مقام الامتثال وان كان مأموريا ولا بد من ان يكون كذلك إذا لجمع بين المأمور به و المنهي عنه انما يحصل بفعل المكلف لا بفعل الامر الا ان الاجتماع في مقام الخطاب أمري لان المفروض ان كلا من الخطابين لإطلاق متعلقه يعم المجمع فيقع بينهما التنافي لا محالة ضرورة انه لو لم يكن مثل هذا الاجتماع موجبا للتنافي بين الحكمين لما تحقق التعارض بين دليلي وجوب اكرام العالم وحرمة اكرام الفاسق مثلا مع انه لا اشكال في تعارضهما بالعموم من وجه الثالث أن الاحكام من قبيل الاعراض الذهنية ومعروضاتها انما هي المفاهيم الذهنية لا الموجودات الخارجية ولا اشكال في مغايرة كل من متعلقي الامر و النهي في هذا المقام ولا ينافيها اتحادهما بحسب الخارج عن هذا المقام اتفاقا وفيه ما عرفت سابقا من استحالة كون متعلق الاحكام هي المفاهيم الذهنية بل متعلقها ذات المفاهيم باعتبار فنائها في معنوناتها وعليه فلا محالة يقع التنافي بين حكمي المفهومين الفانتين في معنون واحد ولو لا ذلك لما وقع التنافي بين الدليلين فيما كانت النسبة بينهما عموما من وجه كما في المثال المتقدم مع انه لأشكال في تنافيهما كما عرفت (الرابع) ما استند إليه بعض من قال بجواز الاجتماع وملخصه انه ذكر أو لا انه لا اشكال في ان الموضوع والمحمول في القضايا الحملية لا بد من أن يكون لهما جهة وحدة وجهة تغاير وهاتان الجهتان في غير القضايا الذاتية متحققتان بلا عناية واما القضايا الذاتية كزيد إنسان فلا بد فيها من ان يفرض الموضوع منخلعا عنه المحمول بان يلاحظ في طرفه الجسمية مثلا ليحصل التغاير بينهما من جهة ويحكم باتحاد هما بلحاظ الخارج ثم ذكر بعد ذلك ان الاحكام لو كانت متعلقة بالطبائع باعتبار نتيجة الحمل وهي لحاظ الاتحاد في الوجود الخارجي لامتنع اجتماع الامر والنهي في مورد واحد واما إذا كانت متعلقة بها باعتبار المغايرة الموجب لامتياز الموضوع عن المحمول جاز اجتماعهما في مورد واحد لتغاير الطبيعتين اللتين تعلق الامر بأحدهما والنهي بالأخرى ثم قال الظاهر ان تعلق الاحكام بالطبائع انما هو بالاعتبار الثاني دون الاول وذلك لوجود التكليف في ظرف العصيان مع انه لا وجود لمتعلق التكليف في هذا الظرف خارجا ليتحد به (وانت خبير) بعد ما ارتباط القول بالجواز أو الامتناع بصحة هذه المقدمة أو فسادها فان لحاظ التغاير والاتحاد في القضية الحملية انما يكون بلحاظ الموضوع منخلعا عنه المحمول تارة لتحقق المغايرة بينه وبين المحمول وبلحاظه متحدا معه في الخارج اخرى ليصح الحمل بينهما واما المحمول فلا يجرى فيه هذان اللحاظان بل هو قبل الحمل وبعده هو الطبيعي الساري إلى افراده وبعبارة أخرى الاتحاد بين الموضوع والمحمول في القضايا الذاتية ذاتي لكن الحمل بما انه يحتاج إلى جهة التغاير لابد من اعمال العناية في طرف الموضوع بلحاظه مجردا عن محموله واما المحمول فلا يحتاج إلى اعمال العناية في طرفه اصلا واذ قد عرفت ان متعلقات الاحكام هي الطبائع الفانية في افرادها ولا يختلف حالها باعتبار صدقها على افرادها قبل الحمل وبعده وانما الاختلاف في الافراد الخارجية المحمولة عليها تلك الطبائع تعرف ان الترديد المزبور في كيفية تعلق الاحكام بالطبائع وان تعلقها بها هل هو باعتبار نتيجة الحمل أو باعتبار المغايرة باطل من اصله بل الصحيح كما عرفت ان القول بالجواز والامتناع يبتنيان على كون التركيب بين المتعلقين انضماميا والجهة تقييدية وكون اتحاديا والجهة تعليلية (الخامس) ان الاحكام انما تتعلق بالطبائع بلحاظ عدم تحصلها في الخارج ومن الظاهر انها في هذا المقام متغايرة فيجوز تعلق الامر بواحده منها و النهي بالأخرى و لا ينافى ذلك كون النسبة بينهما عموما وخصوصا من وجه واتحادهما في الخارج احيانا فان الاتحاد في غير مقام تعلق الاحكام بالطبائع لا ينافى التغاير في مقام تعلقها بها اصلا (وفيه) انه ان اريد من تعلق التكليف بطبيعة ما بلحاظ عدم تحصلها في الخارج تعليق التكليف بالماهية الملحوظ فيها عدم التحصل التي لا موطن لها الا الذهن ويستحيل اتحادها مع الموجود الخارجي فيرد عليه ان الماهية المقيدة بما لا موطن له الا الذهن يستحيل تعلق التكليف بها خارجا وان اريد بذلك ان متعلق الامر هي الماهية التي لم يلحظ فيها التحصل كما ان متعلق النهي ايضا كذلك غاية الامران تعلق الامر بها يقتضى طلب تحصلها وتعلق النهي بها يقتضى طلب عدم تحصلها فالفرق بينهما انما هو من ناحية الهيئة والا فالمتعلق فيها واحد فهو وان كان صحيحا في نفسه الا أنه اجنبي عن المقام فان القول بالجواز لا يبتنى على ذلك بل على أن الطبيعتين اللتين احداهما متعلقة للأمر والاخرى متعلقة للنهى هل هما متحصلتان في الخارج بتحصل واحد والتركيب بينهما اتحادى ليمتنع الاجتماع أو هما متحصلتان بتحصلين والتركيب انضمامي ليجوز الاجتماع.
واستدل المانعون بوجوه عديدة لا يهمنا التعرض الا لوجه واحد هو احسنها وامتنها وهو الذي استدل به المحقق الخراساني (قدس سره) على الامتناع وجعله مركبا من اربع مقدمات (الاولى) في بيان تضاد الاحكام باسرها (الثانية) في بيان ان متعلقات الاحكام ليست هي المفاهيم بأنفسها بل بما هي فانية في معنوناتها (الثالثة) في بيان ان الموجود الواحد يمكن ان تنطبق عليه مفاهيم متعددة متغايرة (الرابعة) في بيان ان الموجود الواحد لا يمكن ان يكون له الا ماهية واحدة ثم رتب على جميع ذلك ان المجمع بما انه واحد وجودا وماهية يستحيل اجتماع الامر و النهي فيه ولا يكون تعدد العنوان والوجه موجبا لتعدده وهذا الاستدلال وان كانت صحة اكثر مقدماته بديهية الا أن المقدمة الثالثة منها غير صحيحة وذلك لما ذكرناه سابقا من انه يستحيل انتزاع مفهومين بينهما عموم من وجه من موجود واحد بجهة واحدة بل لابد من أن يكون ذلك بجهتين (18) وقد تقدم ان قياس المقام بصدق المفاهيم المتعددة على الباري جل وعلا قياس في غير محله وعليه فالقول بالامتناع يبتنى على كون الجهتين اللتين لا بد منهما في صدق المفهومين على المجمع تعليليتين ليكون التركيب اتحاديا فيستحيل الاجتماع كما ان القول بالجواز يبتنى على كون الجهتين تقييديتين والتركيب انضماميا فانه على ذلك لا يلزم محذور اجتماع الضدين في شيء واحد فعمدة ما يترتب عليه الجواز والامتناع هو ما ذكرناه مع ان المحقق المذكور (قدس سره) لم يتعرض له نفيا واثباتا في كلامه اصلا (إذا تبين ذلك) فنقول ان الاقوال في المسألة ثلاثة ثالثها التفصيل بالقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا وهذا القول مما لا محصل له بداهة ان العرف لا سبيل له إلى الحكم بالجواز والامتناع وانما يرجع إليه في تشخيص مفاهيم الالفاظ ومداليلها واما توجيه ذلك بأن العقل يرى المجمع شيئين فيحكم بالجواز بخلاف العرف المبتني نظره على المسامحة دون الدقة فانه يرى المجمع شيئا واحدا ذا عنوانين فيحكم بالامتناع فهو غير سديد لان نظر العرف لا يكون حجة في التطبيق اصلا فإذا كان مصداقا الصلاة في الخارج مغايرا لمصداق الغصب عقلا لم يكن مناص عن الالتزام بالجواز ولو كان العرف بنظره المسامحى يرى الصلاة مصداقا للغصب وبالعكس (والحق عندنا) هو القول بالجواز لما عرفت من انه لا بد من أن تكون المباديء بعضها بالإضافة إلى بعض مأخوذة بشرط لا وان المبدأ الموجود في المجمع متحد ماهية (19) مع ما هو الموجود في محل الافتراق فالصلاة الموجودة في المجمع لا تنقص عن حقيقة الصلاة بشيء كما ان الغصب الموجود فيه لا ينقص من حقيقة الغصب بشيء وقد عرفت استحالة اشتمال هوية واحدة على الصلاة والغصب مثلا باعتبار كون الحركة الواحدة جنسا لهما لما ذكرناه من استحالة تفصل الجنس الواحد بفصلين في عرض واحد وان الاعراض بسائط خارجية وما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز فالحركة في ضمن الصلاة متحدة معها كما ان الحركة في ضمن الغصب متحدة معه فلا يعقل اتحادهما في حركة واحدة بعد ثبوت تغايرهما انفسهما وكونهما من مقولتين كما عرفت استحالة كون الحركة الواحدة معروضة للصلاتية والغصبية لما تبين من استحالة قيام العرض بعرض آخر فينتج جميع ذلك كون التركيب في المجمع انضماميا لا اتحاديا وعليه فلا مانع من كون احدهما مأمورا به والاخر منهيا عنه إذ المستحيل انما هو توارد الامر و النهي على محل واحد وبعد اثبات ان التركيب انضمامي يكون متعلق احدهما غير متعلق الاخر لا محالة فيكون احدهما متصفا بالوجوب محضا والاخر متصفا بالحرمة كذلك (غاية الامر) ان كلا من المأمور به و المنهي عنه من مشخصات الاخر وقد تقدم ان مشخصات المطلوب لا تد خل في حيز الطلب اصلا فلا يكون حينئذ تعارض بين دليليهما ويكشف عما ذكرناه من كون التركيب انضماميا (20) ان نسبة المكان المغصوب إلى الفعل الواقع فيه أو الجوهر المكين فيه نسبة واحدة إذ لا فرق بين قولنا زيد في الدار وقولنا صلى في الدار فكما ان كون زيد فيها لا يصحح حمل الغصب عليه كذلك كون الصلاة فيها لا يصحح حمل الغصب عليها فلا محالة يكون التركيب بين الصلاة والغصب في محل الاجتماع انضماميا والحيثية تقييدية ولا يفرق فيما ذكرناه من كون التركيب انضماميا بين القول بان المطلوب في الصلاة هي الهيئات الخاصة من الركوع والسجود والقيام لتكون المقدمات من الهوى و النهوض خارجة عن حيز الطلب والقول بان المطلوب هي الافعال الخاصة اما مطلقا أو بعضها كالركوع والسجود ليكون الهوى اليهما مقوما للمأمور به وذلك لان المأمور به على كلا التقديرين من مقولة الوضع (21) واما الغصب فهو من مقولة الاين ويستحيل اتحاد المقولتين في الخارج فلا مناص عن كون التركيب بينهما في محل الاجتماع انضماميا (وقد تحصل مما ذكرناه) ان تصادق العنوانين على مورد واحد يوجب تحقق التعارض بين دليلي الامر و النهي فيما إذا كانت الجهتان تعليليتين كما إذا أمر المولى بإكرام المصلى ونهى عن اكرام الغاصب فلابد حينئذ من الرجوع إلى قواعد التعارض واما إذا كانت الجهتان تقييديتين والتركيب انضماميا فان قلنا بتعلق الامر بالطبائع وخروج المشخصات عن حيز الطلب كما هو الصحيح فلا تعارض بين الدليلين اصلا واما إذا قلنا بتعلقه بالأفراد وسراية الطلب إلى المشخصات فلا بد من القول بالامتناع وبذلك تقع المعارضة بين دليلي الحكمين لا محالة فالميزان في دخول المجمع في محل الكلام انما هو كون الجهتين تقييديتين لا تعليليتين واما ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من ان الميزان في التعارض هو عدم وجود الملاك الا في متعلق احد الحكمين مع عدم احرازه بخصوصه كما ان الميزان في دخول المجمع في بحث جواز اجتماع الامر والنهي هو كون كل من المتعلقين واجدا للملاك حتى في مورد الاجتماع فقد عرفت فساده فيما تقدم لما مر من ان البحث في المقام لا يدور مدار القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد اصلا بل البحث يجرى حتى على مذهب الاشعري المنكر لتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد مضافا إلى ان ما ذكره يستلزم عدم تحقق مورد للتعارض اصلا لان انتفاء الملاك في احد الحكمين لا يمكن استكشافه من نفس الدليلين لعدم تكاذبهما (22) في وجدان كل من المتعلقين لملاك الامر و النهي وانما تكاذبهما في نفس مدلوليهما اعني الوجوب والحرمة فلا بد من أن يكون استكشاف انتفاء الملاك في احدهما من دليل خارجي وهو مع ندرته على فرض وجوده لا يوجب التعارض بل يوجب اشتباه الحجة باللاحجة (23) وحكمه غير حكم التعارض كما يظهر ذلك في باب التعارض انشاء الله تعالى وينبغي التنبيه على امرين (الاول) قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه انه لو بنينا على كون التركيب في مورد الاجتماع اتحاديا والجهة تعليلية فلا مناص عن القول بالامتناع فيدخل الدليلان بذلك في باب التعارض فان الصلاة والغصب مثلا لو فرض انطباقهما على هوية واحدة امتنع الامر بها و النهي عنها فعلا فيقع التعارض بين اطلاقي دليليهما لما عرفت من ان حقيقة التعارض انما هو تنافى الدليلين في مرحلة جعل الاحكام على موضوعاتها المقدر وجودها من دون دخل لعجز المكلف عن الامتثال في تحقق التنافي بينهما وان حقيقة التزاحم انما هو تنافى الحكمين في مقام الامتثال الناشئ من عجز المكلف عن امتثالهما معا ومن الواضح انه بناء على الامتناع يقع التنافي بين الوجوب والحرمة في مورد الاجتماع في نفس مقام الجعل بلا دخل لعجز المكلف عن امتثالهما معا وعليه فالإطلاق في طرف النهي لكونه شموليا يتقدم على الاطلاق البدلي في طرف الامر لما عرفت في بعض المباحث السابقة وستعرف في بحث التعارض انشاء الله تعالى من ان كون الاطلاق شموليا من جملة مرجحات الدلالة (24) فانه مع وجود الاطلاق الشمولي لا تتم مقدمات الحكمة في طرف الاطلاق البدلي ويترتب على ذلك ان الصلاة في الدار المغصوبة مثلا تخرج عن حيز الامر واقعا وتكون متمحضة في الحرمة فلا تقع صحيحة ولو اتى بها مع الجهل بالغصب كما هو الحال في بقية موارد التعارض بالعموم من وجه وتقديم احد الدليلين على الاخر (والسر في ذلك) ما عرفته سابقا من ان الحكم في القضايا الحقيقية تابع لوجود موضوعه واقعا وعلم المكلف وجهله كعلم الامر وجهله به اجنبي عن ذلك فكما ان في مورد تعارض دليلي وجوب اكرام العالم وحرمة اكرام الفاسق مع تقديم دليل الحرمة لا يكون اكرام العالم الفاسق مع الجهل بالفسق مصداقا للمأمور به كذلك الصلاة في الدار المغصوبة لا يكون مصداقا للمأمور به مع الجهل بالغصب مع ان المفروض خروج هذا الفرد عن دليل الوجوب واقعا واما تسالم الاصحاب على صحة الصلاة في الدار المغصوبة مع الجهل بالغصب فلا بد من أن يكون مبنيا على تسالمهم (25) على الجواز من الجهة الاولى من الجهتين اللتين عنونا هما في صدر
المبحث فيكون نزاعهم في الجواز والامتناع منحصرا بالجهة الثانية ويؤيد ذلك انهم اعتبروا وجود المندوحة في محل البحث وقد عرفت ان اعتبارها فيه انما يلزم فيما إذا كان النزاع في الجهة الثانية من الجهتين المزبورتين واما النزاع في الجهة الاولى فان وجه لاعتبار وجود المندوحة في مورده اصلا ومن العجيب ان المحقق العلامة الأنصاري (قدس سره) مع انه جعل البحث في المقام من مقدمات بحث التعارض بتقرير ان القول بالامتناع يستلزم دخول مورد الاجتماع في باب التعارض قد حكم في طي البحث بدخول مورد الاجتماع في باب التزاحم بناء على الامتناع واعمل قواعد التزاحم فيه فحكم بصحة الصلاة في الدار المغصوبة جهلا وقد عرفت ان الفرق بين البابين ودخول مورد الاجتماع في باب التعارض دون التزاحم على القول بالامتناع في غاية الوضوح ويترتب عليه خروج المجمع عن حيز الامر وعدم صحته في مورد الجهل ايضا كما في تقية موارد التعارض (واما توهم) ان المجمع من جهة اشتماله على ملاك الوجوب وملاك التحريم يكون داخلا في صغرى التزاحم فان كلا من الملاكين يوجب جعل الحكم الاقتضائى على طبقه فيتزاحمان بالقياس إلى الحكم الفعلي فان كان كل من الملاكين معلوما كان تأثير اقواهما فعليا لا محالة وبما ان المفروض في المقام ان ملاك الحرمة هو الاقوى فتكون العبادة فاسدة لتمحضها في كونها محرمة واما إذا كان ملاك التحريم مجهولا كما هو المفروض عند الجهل بالغصب في المثال لم يكن الحكم الناشئ من قبله فعليا فيؤثر ملاك الوجوب قهرا لعدم مزاحم له في مقام الفعلية كما هو الحال في بقية موارد التزاحم مثال ذلك ما إذا فرضنا توجه خطاب الازالة وخطاب الصلاة إلى المكلف في زمان واحد فان التكليف بالإزالة إذا كان معلوما له كان ذلك معجزا مولويا عن امتثال خطاب الصلاة لا محالة لاشتراط خطابها بالقدرة عقلا ومن الواضح ان العجز الشرعي كالعجز العقلي في كونه رافعا لموضوع الحكم فلا يكون التكليف بالصلاة فعليا واما إذا كان المكلف جاهلا بتوجه خطاب الازالة إليه لجهله بوجود النجاسة في المسجد فالتكليف المجهول بما انه لا يمكن ان يكون شاغلا للمكلف بامتثاله لا يوجب عجز المكلف عن فعل آخر غير متعلقة فيكون المكلف بالإضافة إلى متعلق الخطاب الاخر قادرا فيكون خطابه فعليا لا محالة وبالجملة المانع من فعلية خطاب المهم انما هو فعلية خطاب الاهم فإذا فرض الجهل به وعدم فعليته لم يكن هناك مانع من فعلية خطاب المهم اصلا (فهو فاسد) من وجوه (اما اولا) فلان جعل الحكم الاقتضائى على طبق كل من الملاكين لا يكون بنفسه باعثا للمكلف وزاجرا له لوضوح ان الانبعاث والإنزجار انما ينشئان من البعث والزجر الفعليين وبما ان الحكم الفعلي في محل الاجتماع يكون واحدا لا محالة كان جعل الحكمين الاقتضائيين لغوا محضا لا يترتب عليه شيء مع انك قد عرفت في ما تقدم ان الامر الملتفت إلى التقسيمات الاولية كتقسيم الصلاة إلى الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة والواقعة في غيرها وتقسيم العالم إلى العادل والفاسق يستحيل في حقه الاهمال بحسب مقام الثبوت فانه حين التفاته إلى الانقسام المزبور لا بد من ان تتعلق ارادته بتمام الاقسام أو ببعضها ولا يمكن فرض الاهمال في مقام الثبوت وانما يمكن ذلك في مقام الد لالة والاثبات فلا يعقل جعل حكمين اقتضائيين بحيث لا يكون الحاكم حين حكمه بكل منهما ناظرا إلى متعلق الحكم الاخر ليكون الحكم اقتضائيا جهتيا فلا بد من أن يكون متعلق كل من الحكمين لدى الحاكم معلوما بينا من اول الامر على نحو الاطلاق أو التقييد (واما ثانيا) فلان التزاحم في الملاكات باعتبار تأثيرها في حكم الحاكم وان كان مما لا ينكر الا انه اجنبي عن التزاحم في محل الكلام فان التزاحم في محل الكلام انما هو في ما إذا تم كل من الحكمين في نفسه وجعل على موضوعه المقدر وجوده لكن وقع التزاحم في مقام الامتثال لفرض عدم قدرة المكلف على امتثال كليهما و صلوح كل منهما لان يكون شاغلا للمكلف بامتثاله عن امتثال غيره ورافعا لموضوعه اعني به القدرة على ايجاد متعلقه فإذا فرض كون احد الحكمين اهم من الاخر تعين ذلك في كونه معجزا عن امتثال الاخر دون العكس لكن تعجيزه عنه انما هو على تقدير وصوله إلى المكلف ولزوم امتثاله بحكم العقل واما في ظرف الجهل به فبما انه لا يكون شاغلا للمكلف بامتثاله لا يكون معجزا له عن امتثال غيره فلا محالة يكون التكليف في طرف المهم بلا مزاحم وهذا بخلاف التزاحم في الملاكات باعتبار تأثيرها في حكم الحاكم فان المناط فيه هو علم الامر وجهله بها بلا دخل لعلم المكلف وجهله بها اصلا فإذا كان المولى جاهلا بمفسدة الغصب أو جاهلا بإمكان اجتماع الغصب مع الصلاة في مورد ما فلا محالة يأمر بالصلاة مطلقا ولو كانت مفسدة الغصب في الواقع غالبة على مصلحة الصلاة فيتوقف التزاحم في مقام تأثير الملاك في الحكم على علم الامر بوجود المصلحة مطلقا وبوجود المفسدة كذلك وبجواز اجتماع العنوانين في بعض الموارد سواء كان المأمور عالما بالملاك أم لم يكن عالما به وعليه فإذا كان احد الملاكين ارجح من الاخر في نظر الامر كان التأثير له لا محالة وكان الحكم في مورد الاجتماع على طبقه فيخرج المجمع بذلك عن حيز الحكم الاخر رأسا إذ المفروض غلبة ارجح الملاكين على الاخر في مقام التأثير في نظر الامر فلا يوجب جهل المكلف بالملاك الغالب مع فرضه كونه هو المؤثر في نظر الامر دخول المجمع تحت الحكم الاخر بعد خروجه عنه واقعا وبالجملة تعدية حكم التزاحم في مقام الامتثال بعد تمامية الحكمين في حد ذاتهما إلى التزاحم في مقام تأثير الملاكات في الاحكام ناشئة من الغفلة عن الفرق بين التزاحمين و (اما ثالثا) فلان البيان المذكور يستلزم جواز الامتثال بالمجمع عند جهل المكلف بالملاك الاقوى في جميع موارد التعارض بالعموم والخصوص من وجه مع انه لا يلتزم به أحد مثال ذلك إذا امر المولى بإكرام العالم ونهى عن اكرام الفاسق وفرضنا ان المجمع مشتمل على ملاك الوجوب والحرمة وان الاقوى هو ملاك الحرمة فإذا جهل المكلف كون زيد العالم فاسقا واكرمه كان لازم البيان المذكور هو الالتزام بتحقق امتثال الواجب بإكرامه مع انه باطل قطعا ولا يلتزم به ففيه ابدا الثاني ان جماعة من القائلين بجواز اجتماع الامر و النهي قد استدلوا عليه بوقوعه في الشريفة المقدسة كما في موارد العبادات المكروهة وهذا الاستدلال وان لم يكن في محله كما سيظهر ذلك في طي البحث انشاء الله تعالى الا أنه لا بأس بتوضيح الحال في تصوير كيفية الكراهة في العبادة لما اشكل الامر فيها على كثير من الاعلام فنقول الكراهة في العبادة على ثلاثة اقسام فان النسبة بين المأمور به و المنهي عنه بالنهي التنزيهي اما أن تكون على نحو العموم والخصوص من وجه أو على نحو العموم والخصوص المطلق وعلى الثاني فاما أن تكون العبادة المكروهة مما لها بدل أو لا يكون لها بدل فهذه ثلاثة اقسام (اما القسم الاول) اعني به ما إذا كانت النسبة بين المأمور به و المنهي عنه تنزيها نسبة العموم والخصوص من وجه فلا اشكال فيه في صحة العبادة وعدم كون الدليل النهي التنزيهي مقيدا لإطلاق المأمور به على القول بالجواز لان المأمور به يكون حينئذ مغايرا للمنهى عنه بالهوية فلا موجب للتقييد واما على القول بالامتناع وفرض وحدة الهوية في الخارج فربما يتوهم التنافي بين وقوع المأتى به مصداقا للمأمور واتصافه بالكراهة فعلا لان تضاد الاحكام لا يختص بالوجوب والحرمة بل يعم الاحكام الالزامية وغيرها ففرض كون العبادة مكروهة ينافى فرض كونها مصداقا للواجب أو المستحب فلا مناص عن تقييد دليل الامر بغير موارد الكراهة كما كان هو الحال فيما إذا كان النهي تحريميا (ولكن التحقيق) ان العبادة على هذا القول وان كانت منهيا عنها لا محالة الا ان النهي عن حصة خاصة لا يوجب تقييد المأمور به بغيرها ما لم يكن النهي تحريميا أو كان النهي مسوقا لبيان المانعية (توضيح ذلك) ان النهي عن حصة خاصة من العبادة تارة يكون مسوقا لبيان كون تلك الخصوصية المتخصصة بها العبادة مانعة عن صحتها من دون دلالته على حكم تكليفي كما في النهي عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه و النهي في هذا القسم لا اشكال في كونه مقيدا لإطلاق المأمور به وكشفه عن اختصاص الامر بغير تلك الحصة واخرى يكون النهي مسوقا لبيان حكم تكليفي وذلك الحكم اما أن يكون حكما تحريميا أو يكون حكما تنزيهيا فان كان الحكم تحريميا كان مقتضاه عدم وجود متعلقه في الخارج وهو ينافي ما يستفاد من اطلاق المأمور به من الترخيص في تطبيقه على أي فرد من افراده اراد المكلف تطبيقه عليه في مقام الامتثال فلا محالة يكون النهي عن حصة خاصة موجبا لتضيق المأمور به وتقييد اطلاقه بغيرها مثال ذلك ما إذا امر الشارع بالصلاة من غير تقييد بحصة خاصة فاطلاق المتعلق يستلزم ترخيص المكلف في تطبيق المأمور به على أي فرد اراد المكلف ايجاده من افراده فان كل فرد بخصوصه وان لم يتعلق به الامر إذ المفروض تعلقه بصرف وجود الطبيعة القابلة للانطباق على كل فرد الا ان العقل يخير المكلف في تطبيق تلك الطبيعة المطلقة المأمور بها على أي فرد من افرادها اراد المكلف ايجاده في الخارج لتساوي نسبتها إلى تلك الافراد فإذا كان بعض افرادها منهيا عنه بالنهي التحريمي كانت حرمته مانعة عن سراية رخصة التطبيق المستفادة من الاطلاق إلى ذلك الفرد قطعا واما إذا كان النهي من حصة خاصة نهيا تنزيهيا فهو لا ينافى رخصة تطبيق المأمور به على تلك الحصة بالضرورة وذلك لان النهي التنزيهي متضمن للرخصة في ايجاد متعلقه على الفرض فلا تنافى بينه وبين اطلاق المأمور به ليكون مقيدا له بغير متعلق النهي غاية الامر ان تطبيق المأمور به على الفرد المنهي عنه يكون مرجوحا بالإضافة إلى تطبيقه على غيره من الافراد وبالجملة النهي التنزيهي وان كان مضادا للوجوب لتضاد الاحكام باسرها ولازم ذلك ان لا يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهي ولو كان النهي تنزيهيا الا أن النهي عن بعض افراد المأمور به لا يستلزم اجتماع الحكمين المتضادين في شيء واحد لان الامر على الفرض لم يتعلق الا بصرف وجود الطبيعة مع قطع النظر عن جميع خصوصياته الطارية عليه واما النهي التنزيهي فهو متعلق بخصوص حصة خاصة دون صرف وجود الطبيعة فلو كان هناك تناف لكان ذلك بين النهي وترخيص تطبيق المأمور به على أي فرد من افراده اراد المكلف تطبيقه عليه في الخارج لكن النهي إذا كان تحريميا تحقق التنافي بين الامرين لا محالة فلا بد من رفع اليد عن اطلاق المأمور به لما تعلق به النهي واما إذا كان النهي تنزيهيا فهو بما انه يتضمن الترخيص في ايجاده لا يقع التنافي بينه وبين الاطلاق المزبور فلا موجب لرفع اليد عن الاطلاق بسببه فيجزى في مقام امتثال الامر المتعلق بصرف الوجود الاتيان بالفرد المنهي عنه تنزيها وان كان الامتثال المتحقق به مرجوحا بالإضافة إلى غيره ولعل من فسر الكراهة في العبادة بأقلية الثواب اراد به ما ذكرناه لا ان النهي استعمل في غير طلب الترك ارشادا إلى كون متعلقه اقل ثوابا من غيره فعلى ذلك يكون النهي مستعملا في طلب الترك لمرجوحية الفعل لكن المرجوحية انما هي في تطبيق المأمور به على الفرد المنهي عنه تنزيها وهو لا ينافى الرخصة في تطبيقه عليه كما عرفت الا أنها توجب اقلية الثواب عند تحقق الامتثال بذلك الفرد لا محالة وما ذكرناه هو السر في عدم التزام الاصحاب بتقييد المطلقات الالزامية بالأمر الإستحبابي و النهي التنزيهي المتعلقين ببعض افرادها بل حملوا الاول على افضل الافراد والثاني على اقلية الثواب كما انه هو السر في عدم التزامهم بالتقييد في باب المستحبات وحملهم المقيد على كونه افضل الافراد وسيتضح ذلك في بحث المطلق والمقيد انشاء الله تعالى (واما القسم الثاني) اعني به ما إذا كانت نسبة المنهي عنه بالنهي التنزيهي إلى المأمور به نسبة الخاص إلى العام مع فرض وجود بدل له فحال النهي فيه هو حاله في القسم الاول بناء على الامتناع كما هو ظاهر فلا حاجة إلى اعادة الكلام فيه (واما القسم الثالث) اعني به ما إذا كانت النسبة بين المأمور به و المنهي عنه نسبة العموم والخصوص المطلق مع فرض عدم بدل للمنهى عنه في الخارج فلا يمكن فيه الالتزام بما التزمناه في القسمين السابقين لان ما تعلق به النهي فيه كصوم يوم عاشوراء هو بعينه متعلق الامر والمفروض انه لا بدل له فلم يتعلق الامر بصرف وجود الطبيعة الجامعة بين الفرد المنهي عنه وغيره ليكون النهي التنزيهي متعلقا بتطبيق المأمور به على خصوص فرد من أفراده وغير مناف لأطلاق المأمور به ولأجل ذلك ذهب جماعة تبعا للعلامة المحقق الأنصاري (قدس سره) في هذا القسم إلى عدم كراهة المنهي عنه بل حملوا النهي عن الفعل فيه على الارشاد إلى وجود مصلحة في الترك ارجح من مصلحة الفعل لأجل كون الترك سببا توليديا لعنوان راجح في نفسه كمخالفة بنى امية لعنهم الله تعالى فيرجع الامر إلى أن كلا من الفعل والترك مستحب في نفسه لكن مصلحة الترك ارجح من مصلحة الفعل فليس معنى الكراهة هنا هو كون الفعل مرجوحا لمفسدة فيه لينافي ذلك استحبابه وتعلق الامر به بل معناها هو رجحان الترك لأجل كونه سببا توليديا لعنوان راجح وهو لا ينافى اشتمال الفعل على مصلحة موجبة لرجحانه ايضا (ولكنه لا يخفى (26) ان الفعل والترك إذا كان منهما مشتملا على مقدار من المصلحة فبما انه يستحيل تعلق الامر بكل من النقيضين في زمان واحد يكون المؤثر في نظر الامر احدى المصلحتين على تقدير كونها اقوى من الاخرى وتسقط كلتاهما عن التأثير على تقدير التساوي لاستحالة تعلق الطلب التخييري بالنقيضين لأنه من طلب الحاصل وعليه يستحيل كون كل من الفعل والترك مطلوبا بالفعل وبالجملة اشتمال كل من الفعل والترك على المصلحة يوجب تزاحم الملاكين في تأثيرهما في جعل الحكم على طبق كل منهما لاستحالة تأثيرهما في زمان واحد في طلب النقيضين تعيينا أو تخييرا وعليه يتفرع وقوع التزاحم في التأثير فيما كان كل من الضدين الذين لا ثالث لهما مشتملا على المصلحة أو المفسدة الداعية إلى جعل الحكم على طبقها وفيما إذا كان أحد المتلازمين دائما مشتملا على مصلحة والاخر مشتملا على مفسدة فان في جميع ذلك يستحيل جعل الحكم على طبق كل من الملاكيين تعيينا أو تخيير الرجوع إلى طلب النقيضين المفروض استحالته فلا بد من جعل الحكم على طبق احد الملاكين ان كان احدهما اقوى من الاخر والا فلا يؤثر شيء منهما في جعل الحكم على طبقه نعم إذا كان كل من الضدين الذين لهما ثالث مشتملا على مصلحة الزامية أو غير الزامية لم يكن مانع من تعلق الامر بكل منهما تخييرا والفرق بينهما وبين النقيضين أو الضدين اللذين ليس لهما ثالث ظاهر لا يكاد يخفى (والتحقيق في الجواب) عن هذا القسم يتضح برسم مقدمة نافعة في جملة من الموارد وهى أنه لا شبهة في أن النذر إذا تعلق بعبادة مستحبة فالأمر الناشئ من النذر يتعلق بذات العبادة التي كانت متعلقة للأمر الإستحبابي في نفسها فيندك الامر الإستحبابي في الامر الوجوبي ويتحد به فيكتسب الامر الوجوبي جهة التعبد من الامر الإستحبابي كما ان الامر الإستحبابي يكتسب جهة اللزوم من الامر الوجوبي فيتولد من اندكاك احد الامرين في الاخر امر واجد وجوبي عبادي والسر في ذلك انه إذا كان متعلق كل من الامرين عين ما تعلق به الاخر فلا بد من اندكاك احدهما في الآخر والا لزم اجتماع الضدين في شيء واحد واما إذا كانت العبادة المستحبة متعلقة للإجارة في موارد النيابة عن الغير كان متعلق الامر الإستحبابي مغايرا لما تعلق به الامر الوجوبي لان الامر الإستحبابي (27) على الفرض تعلق بذات العبادة واما الامر الناشئ من الاجارة فهو لم يتعلق بها بل تعلق بإتيان العبادة بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه بداهة ان ذات العبادة من دون قصد النيابة عن المنوب عنه لم يتعلق بها غرض عقلائي من المستأجر ولأجله تبطل الاجارة لو تعلقت بها أو بمثلها مما لم يتعلق به غرض عقلائي و على ذلك يترتب انه يستحيل تداخل الامرين باندكاك احدهما في الآخر في موارد الاجارة على العبادة إذ التداخل فرع وحدة المتعلق والمفروض عدمها في تلك الموارد فلا يلزم اجتماع الضدين في شيء واحد من تعلق الامر الإستحبابي بذات العمل وتعلق الامر الوجوبي بإتيان العبادة بداعي امتثال الامر المتوجه إلى المنوب عنه (إذا عرفت ذلك) فنقول ان الاشكال في اتصاف العبادة بالكراهة في القسم الثالث انما نشأ من نخيل ان متعلق الامر والنهي هو شيء واحد مع أنه ليس كذلك لوضوح ان متعلق الامر هو ذات العبادة واما النهي التنزيهي فهو لم يتعلق بها لعدم مفسدة في فعلها ولا مصلحة في تركها بل تعلق (28) بالتعبد بهذه العبادة لما فيه من المشابهة للأعداء وبما ان النهي تنزيهي وهو متضمن للترخيص في الاتيان بمتعلقه جاز التعبد بتلك العبادة بداعي امتثال الامر المتعلق بذاتها نعم لو كان النهي تحريميا لكان مانعا من تعلق الامر بها بخصوصها ومن شمول اطلاق المأمور به للفرد المنهي عنه لوضوح التنافي بينه وبين حرمة التعبد به فيكون الفرد المنهي عنه خارجا عن حيز الامر ويكون دليل النهي مقيدا لإطلاق دليل الامر فظهر ان متعلق النهي التنزيهي في هذا القسم بما أنه مغاير لمتعلق الامر لا يكون منافيا له وبما انه تنزيهي لا يكون مانعا من التعبد بمتعلق فارتفع اشكال اجتماع الضدين في هذا القسم من العبادات المكروهة ايضا. بقى الكلام في الجهة الثانية من الجهتين اللتين ذكرناهما في اول البحث وملخص الكلام في هذا المقام هو ان يقال بعد ما ثبت كون الجهة تقييدية والتركيب انضماميا انه هل يشترط في امتثال الامر بالطبيعة كون الفرد بنفسه مقدورا كما ذهب إليه جماعة من المحققين أو يكفى فيه القدرة في الجملة على ايجاد الطبيعة المأمور بها وان كان الفرد المأتى به بشخصه غير مقدور شرعا كما ذهب إليه المحقق الثاني ومورد كلامه (قدس سره) وان كان هي الافراد الطولية الا أن ملاكه متحقق في الافراد العرضية ايضا فان قلنا بالأول فلا محالة يقع التزاحم بين الامر و النهي في المجمع إذ النهي يجعله غير مقدور فلا يصح الامتثال به فلا بد اما من رفع اليد عن النهي ليكون المأتى به مقدورا أو من رفع اليد عن اطلاق الامر وتقييده بغير المجمع لكونه غير مقدور بتعلق النهي به واما إذا قلنا بالثاني فلا تزاحم بين الامر و النهي اصلا لان المفروض ان القدرة في الجملة على ايجاد الطبيعة تكفى في صحة الامتثال بالفرد وان لم يكن شخص الفرد مقدورا فان الانطباق قهري والاجزاء عقلي (ثم ان النزاع) في صحة امتثال الامر بالطبيعة بإتيان فردها وان لم يكن شخص الفرد مقدورا وعدم صحته انما نشأ من النزاع في ان اشتراط الامر بشيء بالقدرة على متعلقه هل هو من جهة حكم العقل بقبح الخطاب بغير المقدور أو من جهة ان نفس البعث إلى شيء والتحريك نحوه يستلزم كون المبعوث إليه مقدورا فان التحريك نحو غير المقدور غير معقول فمتعلق الطلب في نفسه وان كان يعم غير المقدور الا ان نفس تعلق الطلب به يوجب تقييده بالحصة المقدورة فغير المقدور من افراده يخرج عن حيز الامر لا محالة فان قلنا بالأول صح امتثال الامر بالطبيعة بإتيان فردها وان لم يكن شخص الفرد مقدورا لما تقدم من ان الانطباق قهري والاجزاء عقلي واما إذا قلنا بالثاني امتنع الامتثال بغير المقدور فان الطبيعة بما هي وان كانت منطبقة على غير المقدور ايضا الا انها بما هي مأمور بها لا تنطبق عليه فلا يصح الامتثال به واذ قد عرفت في ما تقدم ان نفس تعلق الطلب بشيء يقتضى (29) اعتبار القدرة في متعلقه تعرف ان الحق في المقام هو القول بالامتناع من جهة الثانية فلا يصح امتثال الامر بالطبيعة بالإتيان بالمجمع في حال الالتفات والعمد (فان قلت) ان حكم الاصحاب بفساد الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة في حال العمد والالتفات وبصحتها في حال الجهل لا يستقيم على القول بامتناع اجتماع الامر و النهي ولا على القول بجوازه فانا إذا قلنا بامتناع اجتماع الامر و النهي من الجهة الاولى لاستلزامه اجتماع الضدين فقد سبق ان لازمه وقوع التعارض بين الدليلين وخروج المجمع عن تحت الامر بالكلية على تقدير تقديم دليل الحرمة وان لازم ذلك هو فساد العبادة باتيان المجمع حتى في صورة الجهل بالحرمة وقد مر انه خلاف المتسالم عليه بين الاصحاب واما إذا قلنا بالجواز من تلك الجهة وتعدد متعلق الامر و النهي فلازمه الحكم بصحة العبادة باتيان المجمع حتى في صورة العلم بالحرمة ولو قلنا بالامتناع من الجهة الثانية وذلك ايضا ينافى تسالم الاصحاب على البطلان في فرض العلم بالحرمة (قلت) (30) اما استلزام القول بالامتناع من الجهة الاولى للقول بفساد العبادة بالإتيان بالمجمع حتى في صورة الجهل بالحرمة فهو صحيح كما بيناه سابقا واما استلزام القول بالجواز من تلك الجهة للقول بالصحة حتى في صورة العلم بالحرمة ولو بنينا على الامتناع من الجهة الثانية فهو غير صحيح (31) لا الموجب لصحة العبادة حينئذ اما ان يكون هو الامر المتعلق بها على نحو الترتب أو يكون هو الملاك المقتضى للأمر لا سبيل إلى الاول لما عرفت سابقا من امتناع الترتب في موارد اجتماع الامر و النهي ولا إلى الثاني لان ملاك الامر لابد من أن يكون غير مزاحم بالقبح الفاعلي ليكون صالحا للتقرب به والملاك المفروض وجوده في المقام ليس كذلك فان الصلاة والغصب مثلا بما انهما ممتزجان في الخارج بحيث لا تمكن الاشارة إلى احدهما دون الاخر كانا متحدين في مقام الايجاد والتأثير فيكون موجدهما مرتكبا للقبيح في ايجاده ومعه يستحيل ان يكون الفعل الصادر منه مقربا له نعم إذا كانت الحرمة مجهولة وكان المكلف معذورا في مخالفتها فيما انها لا تكون صارفة للمكلف عن متعلقها لا تكون معجزة له عن فعل المأمور به فيقع مورد الاجتماع صحيحا في ظرف الجهل كما هو الحال في بقية موارد التزاحم (هذا كله) فيما إذا كان هناك مندوحة واما فيما إذا لم تكن فتقع المزاحمة بين نفس خطابي الوجوب والحرمة وذلك يكون على قسمين (الاول) فيما إذا كان من متعلقي الوجوب والحرمة شموليا يشمل مورد الاجتماع (الثاني) ما إذا كان كل من متعلقي الوجوب بدليا وانحصر امتثاله من باب الاتفاق بالإتيان بالمجمع لأجل عدم وجود المندوحة (اما القسم الاول) فقد ظهر من مطاوي ما ذكرناه ان الخطابين بالنسبة إلى مورد الاجتماع في هذا القسم يكونان متعارضين وجعل احد الحكمين فيه بنفسه ينافى جعل الاخر فيكون المجمع من اول الامر داخل في افراد المأمور به أو داخلا في افراد المنهي عنه ولا تصل النوبة حينئذ إلى التزاحم.
(واما القسم الثاني) اعني به ما إذا كان متعلق الوجوب بدليا وانحصر امتثاله من باب الاتفاق بالإتيان بالمجمع فهو على قسمين لان الانحصار به اما أن لا يكون بسوء اختيار المكلف أو يكون بسوء اختياره فالكلام يقع في مقامين (اما الكلام في المقام الاول) اعني به ما إذا كان الانحصار بغير سوء اختيار المكلف فتوضيحه بأن يقال ان اعتبار القيود العدمية اما أن يكون مدلولا للنهى الغيرى فيكون التقييد هو المستفاد من الدليل ابتداء واما ان يكون مستفادا بالدلالة الالتزامية من النهي النفسي الدال على الحرمة كما في موارد النهي عن العبادة أو موارد اجتماع الامر و النهي بناء على الامتناع من الجهة الاولى واما ان يكون لأجل مزاحمة المأمور به للمنهى عنه مع فرض تقديم جهة الحرمة على الوجوب فهناك اقسام (اما القسم الاول) اعني به ما كان اعتبار القيد العدمي في المأمور به مدلولا ابتدائيا للنهى الغيرى كما في النهي عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه فمقتضى اطلاق دليل التقييد فيه على تقدير تمامية مقدماته هو اعتبار القيد في المأمور به في جميع احوال المكلف ولازم ذلك هو سقوط الامر عند انحصار الامتثال بالفرد الفاقد للقيد كما في صورة الاضطرار إلى ليس الحرير أو غير المأكول المعتبر عدمهما في الصلاة الا أن ما دل على ان الصلاة لا تسقط بحال قد دل على الغاء الشارع كل قيد من قيودها في حال العجز عن تحصيله (واما القسم الثاني) اعني به ما كان اعتبار القيد العدمي مستفادا من نهى نفسي فان قلنا فيه بكون التقييد تابعا للحرمة ومتفرعا عليها كما هو المشهور (32) فمقتضى القاعدة فيه هو سقوط القيد عند الاضطرار لسقوط علته المقتضية اعني بها الحرمة واما إذا قلنا بكون التقييد والحرمة معلولين للنهى في مرتبة واحدة من دون سبق ولحوق بينهما فيكون حال هذا القسم حال القسم الاول في ان القاعدة الاولية فيه تقتضي سقوط الامر عند تعذر قيده والقاعدة الثانوية تقتضي سقوط التقييد ولزوم الاتيان بكل ما امكن الاتيان به من اجزاء الصلاة وشرائطها (واما القسم الثالث) أعنى به ما كان اعتبار القيد العدمي ناشئا من مزاحمة المأمور به للمنهى عنه فالقاعدة فيه تقتضي سقوط التقييد عند الاضطرار لان التزاحم فرع وجود التكليف التحريمي وتنجزه كي يكون معجزا للمكلف عن الاتيان بالمأمور به ومعذرا له في تركه فإذا فرض سقوط الحرمة بالاضطرار لم يبق موضوع للتزاحم الموجب لعجز المكلف شرعا عن الاتيان بالمأمور به فلا محالة يسقط التقييد ويبقى الامر متعلقا بغير المقيد (ثم ان جماعة) حكموا بلزوم الاقتصار على قدر الضرورة من التصرفات التي لا بد منها عند الاضطرار إلى الغصب فلم يجوزوا التصرف الزائد على ذلك ورتبوا عليه وجوب الايماء في الصلاة بدل الركوع والسجود عند الاضطرار إلى التصرف في المكان المغصوب لان الركوع والسجود تصرف زائد على قدر الضرورة فلا موجب لسقوط حرمتهما (وقد اورد على ذلك) بان الجسم إذا كان لابد من ان يشغل مقدارا معينا من الحيز بقدر حجمه كيف ما كان وضعه ولا يختلف مقدار حيزه باختلاف اوضاعه فلا موجب لسقوط وجوب الركوع والسجود لينتقل التكليف إلى وجوب الايماء (وفيه) ان الاعتبار في صدق التصرف الزائد على قدر الضرورة انما هو ينظر العرف (33) لا بالدقة الفلسفية ولا ريب في أن الركوع والسجود يعدان عرفا من التصرف الزائد فلا يكون الاضطرار إلى الغصب موجبا للترخيص فيهما فلا بد من الاقتصار على الايماء بدلا عنهما (هذا كله) فيما إذا كان المضطر إلى الغصب غير متمكن من التخلص عنه كما إذا كان محبوسا فيه واما إذا كان متمكنا من التخلص عنه كما إذا كان المتوسط في الارض المغصوبة بغير اختياره قادرا على الخروج عنها فان كان قادرا على الصلاة في غير المكان المغصوب فلا اشكال في وجوبها عليه لعدم ما يوجب سقوط قيد من قيود الصلاة حينئذ واما إذا لم يكن قادرا عليها في غير ذلك المكان المغصوب لضيق الوقت مثلا فالواجب عليه حينئذ هو الصلاة حال الخروج مع الايماء بدلا عن الركوع والسجود ولا يجوز له الركوع والسجود لما عرفت من كونهما تصرفا زائدا عرفا على قدر الضرورة.
(واما المقام الثاني) اعني به ما إذا كان الانحصار بسوء الاختيار كما إذا توسط المكلف الارض المغصوبة باختياره فيقع الكلام فيه في موضعين (الاول) في حكم الخروج في حد ذاته (الثاني) في حكم الصلاة الواقعة في المكان المغصوب (اما الموضع الاول) فقد وقع فيه الخلاف على أربعة اقوال (الاول) ان الخروج واجب وحرام فعلا وقد ذهب إلى هذا القول أبو هاشم ويظهر اختياره من المحقق القمي (قدس سره) وهذا القول مبنى على دخول المقام في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار خطابا وعقابا (الثاني) انه واجب فعلا ولكن يجرى عليه حكم المعصية للنهى السابق الساقط بالاضطرار وذهب إليه صاحب الفصول (قدس سره) (الثالث) انه غير محكوم فعلا بحكم من الاحكام الشرعية الا انه واجب عقلا لكونه اقل المحذورين واخف القبيحين ولكنه يجرى عليه حكم المعصية للنهى السابق الساقط بالاضطرار
وهذا القول قد اختاره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) وهذان القولان مبنيان على دخول المقام في كبرى قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا لا خطابا (الرابع) انه واجب شرعا ولا يجرى عليه حكم المعصية لدخوله في كبرى قاعدة وجوب رد المال إلى مالكه ولا ربط له بقاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار من جهة العقاب والخطاب أو من جهة العقاب فقط وهذا القول هو مختار المحقق العلامة الأنصاري (قدس سره) وهو الصحيح عندنا (34) نعم بناء على دخول المقام في ذيل كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار فالحق هو ما اختاره صاحب الكفاية (قدس سره) فلنا دعويان (الاولى) ان الخروج لا يكون محكوما بحكم شرعي فعلا ويجرى عليه حكم المعصية بناء على دخول المقام تحت كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار (الثانية) ان المقام ليس داخلا تحت تلك الكبرى وانما هو داخل تحت قاعدة اخرى اعني بها قاعدة وجوب رد المال إلى مالكه فلا يكون الخروج محكوما الا بالوجوب (اما الدعوى الاولى) فيكفى في اثبات بطلان القولين السابقين فنقول اما قول ابى هاشم فيبطله انه طلب المحال وهو مستحيل من الحكيم الملتف إلى استحالته (واما توهم) ان الخطاب التحريمي في المقام ليس خطابا بعثيا ليستحيل صدوره من الحكيم الملتفت وانما هو خطاب تسجيلي ليصح به عقاب العبد كما هو الحال في الاوامر المتوجهة إلى العصاة مع علم الامر بعدم تحقق الاطاعة منهم (فيدفعه) انه لا يعقل معنى صحيح للخطاب التسجيلي لان العبد إذا كان مستحقا للعقاب مع قطع النظر عن هذا الخطاب فما فائدة الخطاب وان لم يكن مستحقا له في نفسه فكيف يصح خطابه بهذا الداعي مع فرض عدم قدرة العبد على امتثاله وهل يعد ذلك الا تعديا من المولى على عبده العاجز عن الامتثال (واما قياس المقام) بخطاب العصاة مع العلم بعدم تحقق الاطاعة منهم (فهو قياس) في غير محله إذ الخطاب المتوجه إليهم خطاب حقيقي كالخطاب المتوجه إلى غيرهم ضرورة انه لا يعتبر في صحة البعث أو الزجر الحقيقيين الا امكان الانبعاث أو الانزجار من المكلف في الخارج وهذا المعنى متحقق في موارد تكليف العصاة على الفرض فان العصيان انما هو باختيارهم واين ذلك من الخطاب التسجيلي المفروض فيه عدم قدرة العبد على الامتثال (واما قول صاحب الفصول) (قدس سره) فيبطله امتناع تعلق الحكمين بفعل واحد ولو كان زمان الايجاب مغايرا لزمان التحريم لان الاعتبار في الاستحالة والامكان انما هو باتحاد زمان صدور الفعل وتعدده لا باتحاد زمان الايجاب والتحريم وتعدده من حيث انفسهما وذلك لان الاحكام كما عرفت انما تتعلق بالطبائع باعتبار صدورها من المكلف في الخارج فالاعتبار انما هو بوحدة زمان الفعل وتعدده لا بوحدة زمان التكليفين وتعدده وعليه فإذا فرض ان الخروج تعلق به النهي السابق ولذلك يجرى عليه حكم المعصية امتنع تعلق الوجوب به فعلا ونظير ذلك ما صدر من المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) في تعليقته على المكاسب من الالتزام بان المال الواقع عليه العقد الفضولي بعد صدور العقد وقبل حصول الاجازة محكوم عليه واقعا بكونه ملك من انتقل عنه وبعد الاجازة بحكم عليه واقعا بكونه ملكا في ذلك الزمان بعينه لمن انتقل إليه ولا منافاة بين الحكمين اصلا لتعدد زمانهما وان اتحد زمان المحكوم بهما وما ذكره (قدس سره) يشارك (35) ما ذهب إليه صاحب الفصول (قدس سره) في ملاك الاستحالة لما عرفت من ان الاعتبار في الاستحالة والامكان انما هو باتحاد زمان المتعلقين وتعدده لا باتحاد زمان الحكمين بأنفسهما وتعدده (وبالجملة) الامر أو النهي انما يصدر من المولى ليكون باعثا للمكلف إلى الفعل أو زاجرا له عنه فإذا فرض سقوط التحريم في ظرف امكان صدور متعلقه امتنع جعله (ومن ذلك يظهر) بطلان توهم ان القول بصحة الواجب المعلق يستلزم صحة تعلق الحكمين بفعل واحد إذا كان زمان احد الحكمين غير زمان الاخر وذلك لان الالتزام بالواجب المعلق على تقدير صحته في نفسه انما يصح فيما إذا كان الحكم السابق مستمرا إلى زمان امتثاله كما إذا وجب الحج قبل مجيئي زمانه وبقى وجوبه إلى اوان امتثاله واما إذا فرض سقوط الحكم في زمان العمل المتعلق له كما في المقام المفروض فيه سقوط الحرمة السابقة وعروض الوجوب على الخروج امتنع جعل الحكم السابق بالضرورة. (واما الدعوى الثانية) اعني بها دعوى عدم دخول المقام في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار فيدل عليه امور:
(الاول) ان ما يكون داخلا في موضوع كبرى تلك القاعدة لا بد من أن يكون قد عرضه الامتناع بحيث يكون خارجا عن القدرة وكان ذلك مستندا إلى اختيار المكلف كالحج يوم عرفة ممن ترك المسير إليه باختياره وكحفظ النفس ممن القى نفسه من شاهق ومن الواضح ان الخروج من الدار المغصوبة ليس كذلك فانه على ما هو عليه من كونه مقدورا للمكلف بعد دخوله فيها ولم يطرأ عليه ما يوجب امتناعه (36) نعم مطلق الكون في الدار المغصوبة الجامع بين الخروج والبقاء باقل زمان يمكن فيه الخروج وان كان مما لابد منه ولا يمكن المكلف تركه بعد دخوله الا انه اجنبي عن الاضطرار إلى خصوص الغصب بالخروج كما هو محل الكلام وسيظهر حكم الاضطرار إلى الجامع بين الخروج والبقاء بعيد ذلك انشاء الله تعالى.
(الثاني) ان محل الكلام في تلك القاعدة انما هو (37) ما إذا كان ملاك الحكم مطلقا بنحو يكون متعلق ذلك الحكم واجد للملاك سواء وجدت مقدمته الاعدادية ام لم توجد وكان الحكم بنفسه مشروطا بمجيئ زمان متعلقه وهذا كخطاب الحج فانه وان كان مشروطا بمجيئ يوم عرفة على ما هو الحق من امتناع الواجب المعلق الا ان ملاكه يتم بتحقق الاستطاعة فمن ترك المسير إلى الحج بعد الاستطاعة يستحق العقاب على تركه وان امتنع عليه الفعل في وقته لان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار وهذا بخلاف المقام فان التصرف بالدخول من المقدمات التي لها دخل في تحقق القدرة على الخروج وتحقق ملاك الحكم فيه فان الداخل هو الذي يمكن توجيه الخطاب إليه بفعل الخروج أو بتركه دون غيره وإذا كان كذلك امتنع كون الخروج داخلا في موضوع تلك القاعدة. (الثالث) ان الملاك في دخول شيء في موضوع كبرى تلك القاعدة هو أن تكون المقدمة موجبة للقدرة على ذي المقدمة ليكون الآتي بها قابلا لتوجيه الخطاب بإتيان ذي المقدمة إليه وهذا كالمسير إلى الحج فانه حيث كان مقدمة اعداديه للحج وبه تحقق القدرة عليه كان الآتي به قابلا لتوجه الخطاب بالحج إليه كما ان تاركه لامتناع الحج عليه يستحيل طلبه منه لكن الاستحالة لكونها منتهية إلى الاختيار لا تسقط العقاب لان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار واما في المقام فالدخول وان كان مقدمة اعدادية للخروج الا ان تحققه في الخارج يوجب سقوط النهي عن الخروج إذ بالدخول يكون ترك الخروج غير مقدور على ما اختاروه فكيف يمكن ان يكون الخروج من صغريات تلك القاعدة.
(وبالجملة) ان ما نحن فيه ومورد القاعدة متعاكسان إذ وجود المقدمة في ما نحن فيه اعني بها الدخول يسقط الخطاب بترك الخروج ولا بد من ان تكون المقدمة في مورد القاعدة دخيلة في فعلية الخطاب كما عرفت. (الرابع) ان الخروج فيما نحن فيه واجب (38) في الجملة ولو كان ذلك بحكم العقل فيكشف ذلك عن كونه مقدورا وقابلا لتعلق التكليف به وكل ما كان كذلك لا يدخل تحت تلك القاعدة قطعا إذ موردها هو ما إذا كان الفعل غير قابل لتعلق الخطاب به لامتناعه فإذا كان قابلا لتعلق الخطاب به ولو عقلا لم يكن هناك ما يوجب سقوط خطابه المتعلق به شرعا فتعلق الخطاب الوجوبي به وكونه داخلا تحت تلك القاعدة متنافيان فالالتزام بوجوبه ولو عقلا يستلزم خروجه عن موضوع تلك القاعدة ودخوله تحت قاعدة اخرى (فتبين) من هذه الادلة بطلان دخول المقام تحت قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار فلا مناص عن الالتزام بكونه داخلا تحت قاعدة اخرى اعني بها قاعدة (39) وجوب رد مال الغير إلى مالكه فكما يجب رد المغصوب إلى مالكه في غير المقام يجب رده إلى مالكه في المقام ايضا والخروج بما انه تتحقق به التخلية بين المال ومالكه التى بها يتحقق الرد في غير المنقولات يكون واجبا لا محالة (ومن ذلك يظهر) ان ترك مطلق الكون في الدار المغصوبة بعد الدخول بقدر اقل زمان يمكن فيه الخروج وان لم يكن مقدورا للداخل فيها الا ان فردين منه اعني بهما السكون فيها والحركة في غير سبيل الخروج لا اشكال في حرمتهما لانهما تصرف في ملك الغير بدون إذ نه بلا ضرورة تقتضيه واما الخروج فهو واجب بحكم العقل والشرع لكونه مصداقا لرد المال إلى مالكه فالاضطرار إلى كلى التصرف في مال الغير الذي يكون بعض افراده واجبا وبعضها حراما لا يكون اضطرارا إلى خصوص الفرد المحرم منه لترتفع به حرمته كما هو الحال في ما إذا اضطر المكلف لرفع عطشه إلى شرب الماء الجامع بين النجس وغيره فانه لا يوجب ارتفاع الحرمة عن شرب النجس لعدم الاضطرار إليه وعلى ذلك فلا موجب لتوهم دخول المقام تحت قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار (ثم انه) إذا بنينا على ان الشارع لا يرضى بالتصرف في مال الغير بدون اذنه وان كان ذلك بعنوان التخلية ورده إليه كالخروج من الدار المغصوبة كما هو ليس ببعيد فغاية ذلك ان يكون حال الخروج في المثال حال شرب الخمر المتوقف عليه حفظ النفس فان الشارع حيث لا يرضى بصدور شرب الخمر من أي شخص كان لما فيه من المفسدة الالزامية يحكم بحرمة المقدمة التي بها يضطر المكلف إلى شربه ولكنه بعد تحقق تلك المقدمة في الخارج لا يقع الشرب المتوقف عليه حفظ النفس الا مطلوبا عقلا وشرعا (40) فيكون الخروج في محل الكلام كذلك فان الشارع بما انه لا يرضى بالتصرف في مال الغير بغير اذنه يحرم المقدمة التي بها يضطر المكلف إلى الخروج اعني بها الدخول فيقع الدخول محرما من جهة نفسه ومن جهة كونه علة للخروج واما الخروج نفسه فهو بعد الدخول يقع محبوبا لا محالة (فتحصل) مما ذكرناه ان التصرف في مال الغير بدون اذنه لا يخلو الامر فيه (41) من أن يكون حاله حال ترك الصلاة المختصة مبغوضيته بحال دون حال ولذلك يجوز للمرأة ان تتوسل إليه بفعل ما يترتب عليه الحيض في الخارج أو من ان يكون حاله حال شرب الخمر المشتمل على ملاك الحرمة في جميع التقادير فيحرم التسبب بفعل ما يضطر المكلف معه إليه لكنه على تقدير تحقق الاضطرار في الخارج لتوقف واجب فعلى عليه أو لكونه بنفسه مصداق الواجب لا يقع الفعل الا محبوبا وعلى كل تقدير لا يكون الخروج داخلا في موضوع كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار (ومن ذلك يظهر) فساد ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من ان لزوم الخروج في المقام انما هو بحكم العقل ارشادا إلى اخف القبيحين واقل المحذورين (وجه الظهور) هو ان حكم العقل بذلك انما يكون فيما إذا كان كل من الفعلين قبيحا ومعصية وكان احدهما اقبح من الاخر واضطر المكلف إلى ارتكاب احدهما في الخارج فيحكم العقل في مثل ذلك باختيار اقلهما قبحا واما في المقام فحكم العقل بلزوم الخروج فيه انما هو بملاك لزومه على من توسط الارض المغصوبة بغير اختياره لان الملاك في الجميع واحد (42) اعني به ملاك وجوب رد مال الغير إلى مالكه فلا يقع الخروج حينئذ قبيحا ومعصية ليكون حكم العقل بلزومه من باب حكمه الارشادي بلزوم اختيار اقل القبيحين. (واما الموضع الثاني) عنى به حكم الصلاة الواقعة حال الخروج إذا كان الدخول بسوء اختيار المكلف فمجمل القول فيه ان الصلاة الواقعة حال الخروج إذا كانت في سعة الوقت وتمكن المكلف من ايقاعها في خارج الدار المغصوبة تامة الاجزاء والشرائط فلا ينبغى في فسادها سواء اتى بها مع الركوع والسجود ام اتى بها مع الايماء بدلا عنهما والوجه في ذلك ظاهر بعد الاحاطة بما تقدم واما إذا وقعت في ضيق الوقت أو ممن هو غير مكلف الا بمثل ما يأتي به حال الخروج فان بنينا في هذا الفرض على كون الخروج واجبا و محبوبا فقط فلا اشكال في صحة الصلاة حينئذ بشرط ان لا يستلزم تصرفا زائدا على نفس الخروج كالركوع والسجود على ما تقدم بيان ذلك عند التعرض لحكم الاضطرار بغير سوء الاختيار واما إذا بنينا على دخوله في موضوع قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار واجرينا عليه حكم المعصية فان قلنا بجواز الاجتماع الامر و النهي من الجهة الاولى فلا اشكال في صحة الصلاة ايضا فانه عليه يكون متعلق الامر مغايرا لمتعلق النهي في مورد الاجتماع لان مقوم الصلاة حينئذ يكون هو القيام الذي هو من مقولة الوضع واما متعلق النهي فهو من مقولة الاين وبذلك يتغاير المتعلقان ويكون كل منهما محكوما بحكمه واما القبح الفاعلي المانع من التقرب فلا يتحقق في ما نحن فيه قطعا (43) لان ما دل على ان الصلاة لا تسقط بحال يستفاد منه بالدلالة الالتزامية ارتفاع القبح الفاعلي عند مزاحمته لترك الصلاة رأسا واما إذا قلنا بالامتناع من الجهة الاولى وكون التركيب بين متعلقي الامر و النهي اتحاديا فكون الخروج مبغوضا فعلا يستلزم خروج الفرد المتحد به عن تحت الامر بالصلاة واقعا فلا يصح الامتثال به قطعا وذلك يستلزم سقوط الامر بالصلاة حينئذ لعدم القدرة على امتثاله (44) وهذه نتيجة مهمة تترتب على النزاع في بحث جواز اجتماع الامر و النهي من الجهة الاولى وهنا تم الجزء الاول يتلوه في الجزء الثاني بين دلالة النهي على الفساد والحمد لله رب العالمين الجزء الثاني من اجود التقريرات (في بيان دلالة النهي عن العبادة أو المعاملة على فساد المنهي عنه وعدمها) وقبل الخوض في ذلك لا بد لنا من تمهيد مقدمات (الاولى) الفرق بين هذه المسألة ومسألة اجتماع الامر و النهي هو ان محط البحث في المسألة السابقة كما عرفت انما هو ان متعلق الامر و النهي في مورد الاجتماع هل هو هوية واحدة والتركيب بينهما اتحادي ليكون الدليلان الدالان على الوجوب والحرمة متعارضين أو انهما هويتان وان احدهما غير الاخر وجودا ليكون التركيب انضماميا ولا يقع التعارض بين دليلي حكميهما وبعبارة اخرى النزاع في تلك المسألة انما هو في ان العبادة المجتمعة نحو اجتماع مع المنهي عنه هل يسرى إليها النهي المتعلق بما هو مجتمع معها بدعوى ان التركيب بينهما اتحادى أو انه لا يسرى إليها لكون التركيب بينهما انضماميا وكون متعلق النهي مغايرا لمتعلق الامر في الخارج واما النزاع في المقام فهو في ان النهي بعد الفراغ عن تعلقه بعبادة أو معاملة هل يدل على فسادها أو انه لا يستلزم فساد ما تعلق به منها فالفرق بين المسألتين في غاية الوضوح (ثم) ان هذه المسألة من المسائل الاصولية قطعا فان نتيجة البحث كبرى كلية إذا انضمت إليه صغراها انتجت نتيجة فقهية بلا توسط شيء اخر وهذا بخلاف المسألة السابقة فانك قد عرفت (45) ان نتيجتها لا تقع في طريق الاستنباط بلا واسطة (ولا يخفى) ان هذه المسألة من المسائل الاستلزامية العقلية ولا ربط لها بمباحث الالفاظ اصلا لوضوح ان غاية ما يدل عليه النهي باللزوم البين بالمعنى الاعم انما هو عدم الامر بمتعلقه لتضاد هما واما عدم تحقق الملاك فيه ليحكم العقل بفساده فليس اللفظ دالا عليه قطعا والسر في ذكر المسألة في مباحث الالفاظ انما هو ان الاصوليين لم يعقدوا عنوانا خاصا للأحكام العقلية غير المستقلة اعني بها مباحث الاستلزامات بل ذكروا كلا منها في مورد لأجل مناسبة ما ومن الظاهر ان المناسب للتعرض لهذه المسألة انما هي مباحث النواهي فلذلك ذكروها فيها هذا بناء على المختار من كفاية اشتمال العبادة على الملاك في صحتها واما بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قدس سره) من اشتراط الامر في الصحة فكون المسألة من مباحث الالفاظ لا يخلو من وجه.
المقدمة الثانية : ان المراد بالنهي في المقام هو النهي التحريمي النفسي وأما النهي التنزيهي أو التحريمي الغيرى فلا يدلان على فساد العبادة قطعا (اما الاول) فلما عرفت سابقا من ان النهي التنزيهي عن فرد لا ينافى الرخصة الضمينة المستفادة من اطلاق الامر فلا يكون بينهما معارضة ليقيد به اطلاقه نعم إذا كان شخص المأمور به منهيا عنه كما إذا كان اطلاق الامر شموليا فلا محالة يقع التعارض بين دليليهما فإذا قدم دليل النهي فلا موجب لتوهم الصحة بإتيان الفرد المنهي عنه لان الصحة تدور مدار وجود الامر أو الملاك والاول مفقود في المقام على الفرض والثاني لا كاشف عنه إذ الكاشف عنه منحصر بالأمر بذلك الفرد بخصوصه إذ المفروض عدم وجود اطلاق بدلى كاشف عن وجود الملاك في متعلقه على اطلاقه فالإتيان ب المنهي عنه يقع فاسدا لا محالة لكن هذا الفرض خارج عن محل الكلام لان محل الكلام انما هو فيما إذا كانت دلالة النهي على الفساد هو الموجب (46) لوقوع المعارضة بين دليلي الامر و النهي ولتقييد متعلق الامر بغيرها تعلق به النهي ومن الواضح ان التعارض في مفروض الكلام لا يتوقف على دلالة النهي على الفساد اصلا (واما الثاني) اعني به النهي الغيرى فهو على قسمين الاول ما كان نهيا شرعيا اصليا مسوقا لبيان اعتبار قيد عدمي في المأمور به الثاني ما كان نهيا تبعيا ناشئا من توقف واجب فعلى على ترك عبادة مضادة له بناء على توقف وجود احد الضدين على عدم الاخر (اما القسم الاول) اعني به النهي المسوق لبيان المانعية كما في النهي عن الصلاة في غير المأكول فلا اشكال في دلا لته على الفساد بداهة ان المأمور به إذا اخذ فيه قيد عدمي فلا محالة يقع فاسدا بعدم اقترانه به وهذا خارج عن محل الكلام إذ حال هذه النواهي حال الاوامر المتعلقة بالأجزاء والشرائط المسوقة لبيان الجزئية والشرطية فتكون دلالتها على الفساد عند عدم اقتران المأمور به بالقيد العدمي كدلالة الاوامر على الفساد عند عدم اقتران المأمور به بالقيود الوجودية فكما لا خلاف ولا اشكال في دلالة الاوامر المتعلقة بالأجزاء أو الشرائط على اعتبارها في المأمور به جزء أو شرطا بالمطابقة وعلى فساد العمل الفاقد لشيء منها بالالتزام لا خلاف ولا اشكال في دلالة النهي الغيرى على اعتبار فيد عدمي في المأمور به بالمطابقة وعلى فساد العمل الفاقد له بالالتزام (واما القسم الثاني) اعني به النهي التبعي الناشئ من توقف واجب فعلى على ترك عبادة كالنهي عن الصلاة المتوقف على تركها وجود الازالة بناء على كون ترك احد الضدين مقدمة لوجود الاخر فلا موجب لتوهم دلالته على الفساد اصلا وذلك لما عرفته في محله من ان غاية ما يترتب على النهي الغيرى الناشئ من كون ترك متعلقه مقدمة للواجب الاهم انما هو عدم الامر به فعلا ومن انه يكفى في صحة العبادة اشتمالها على ملاك الامر وان لم يتعلق بها بالفعل امر من الموالي ومن الواضح انه لا يمكن استكشاف عدم الملاك من النهي الغيرى المزبور فلا موجب لفساد العبادة المنهي عنها بمثل هذا النهي وقد تقدم الكلام في الكاشف عن وجود الملاك في هذا الحال فلا حاجة إلى الاعادة نعم لو بنينا على اعتبار الامر في صحة العبادة كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) ومنعنا صحة الترتب لكان هذا النهي الغيرى ايضا دالا على الفساد لكنك قد عرفت فيما تقدم صحة القول بالترتب وعدم اعتبار الامر في صحة العبادة فلا يكون في النهي الغيرى دلالة على الفساد اصلا.
المقدمة الثالثة: انه لا اشكال في دخول العبادة بالمعنى الاخص اعني بها الوظيفة التي شرعت لأجل التعبد بها في محل النزاع في المقام واما العبادة بالمعنى الاعم كغسل الثوب وامثاله من مقدمات الصلاة فهي من جهة وقوعها عبادة موجبة للتقرب بها تدخل في محل النزاع فعلى القول بدلالة النهي على الفساد لا تصح عبادة مع النهي عنها واما من جهة اثارها الوضعية المترتبة عليها ولو لم تقع عبادة كطهارة الثوب المترتبة على غسله بالماء فلا يدل النهي عنها على فسادها قطعا كما لا اشكال في دخول المعاملة بالمعنى الاعم من العقود والايقاعات في محل النزاع إذ لا موجب لاختصاصه بالمعاملة بالمعنى الاخص المتوقفة على الايجاب والقبول كما هو ظاهر واما المعاملة بالمعنى الاعم الشاملة للتحجير والحيازة وامثالهما فلم يتوهم احد دلالة النهي فيها على الفساد وعليه فالمراد من المعاملة في محل البحث هو كل امر انشائي يتسبب به إلى امر اعتباري شرعي فيكون شاملا للعقود والايقاعات المقدمة الرابعة: ان التقابل بين الصحة والفساد ليس من قبيل تقابل الايجاب والسلب بداهة ان تقابل الايجاب والسلب يختص بالعدم والوجود المحموليين اللذين يمتنع خلو ماهية من الماهيات من الاتصاف بأحدهما ومن الواضح ان الصحة والفساد ليسا كذلك بل يحتاج صدقهما في الخارج إلى فرض محل قابل لهما ولكنه وقع الكلام في ان الفساد امر عدمي ليكون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة أو انه امر وجودي كنفس الصحة ليكون التقابل بينهما من قبيل تقابل التضاد (والظاهر) هو الاول وذلك لان اتصاف عبادة أو غيرها بالفساد لا يحتاج إلى علة مقتضية له في الخارج بل يكفى في تحققه انتفاء شيء مما اعتبر في صحة تلك العبادة أو غيرها فلا يكون الفساد امرا وجوديا ثم ان الصحة قد تقابل بالفساد فيراد به اختلال الشيء من جهة اجزائه أو شرائطه المقومة له المستلزم لعدم ترتب الاثر عليه بالمرة وقد تقابل بالعيب فيراد به اختلال الشيء من جهة اجزائه أو شرائطه الكمالية غير الدخيلة في قوامه المستلزم لعدم ترتب الاثر عليه على النحو الكامل اما ما يقابل الصحة بالمعنى الثاني فلا كلام لنا فيه في المقام واما ما يقابلها بالمعنى الاول اعني الفساد فهو قد يكون في الامور الخارجية وقد يكون في الامور الشرعية لا كلام لنا على الاول وانما الكلام في دلالة النهي على الفساد وعدم دلا لته عليه في القسم الثاني اعني به الامور الشرعية من عبادة أو معاملة (ثم لا يخفى) ان معروض الصحة والفساد لا يمكن ان يكون هي الامور البسيطة من جميع الجهات ولا الامور المركبة التي اعتبرت موضوعا للتكليف بل هما يتصفان بالوجود أو العدم ليس الا اما عدم امكان اتصاف موضوع التكليف بالصحة والفساد فلان موضوعه كالبالغ العاقل المستطيع لا تأثير له في نفس التكليف لما عرفت في بحث الواجب المشروط من ان الاحكام المجعولة الشرعية انما يكون تحققها باعتبار الشارع و جعله اياها على تقدير وجود موضوعها فوجود الموضوع في الخارج وجود لما جعل الحكم على تقدير وجوده من دون ان يكون له دخل فيه بوجه والا لزم انقلاب المجعول التشريعي مجعولا تكوينا وهو خلف (واما عدم) امكان اتصاف الامور البسيطة بالصحة أو الفساد فلان الامور البسيطة من جميع الجهات يستحيل ان تقع في الخارج تارة بنحو تترتب عليها الاثار واخرى بنحو لا تترتب عليها لتتصف بالصحة تارة وبالفساد اخرى (فان قلت) قد بنيت في بحث الصحيح والاعم على ان الفاظ العقود والايقاعات اسام للمسببات دون الاسباب ولا اشكال في انها امور بسيطة فلو كانت الامور البسيطة غير قابلة للاتصاف بالصحة والفساد لامتنع اتصاف العقود والايقاعات بالصحة تارة وبالفساد اخرى مع انه لا اشكال في صحة اتصافهما بهما (قلت) (47) قد ذكرنا في ذلك البحث ان نسبة صيغ العقود بالإضافة إلى ما يترتب عليها كالملكية ونحوها ليست نسبة الاسباب التكوينية إلى مسبباتها بل نسبتها إليها نسبة الالة إلى ذى الالة فليس انشاء الملكية مثلا بصيغته مغايرا لوجود الملكية خارجا بل الفرق بينهما انما هو الفرق بين الايجاد والوجود اعني به الفرق بين المصدر واسم المصدر فالملكية بالمعنى المعبر عنه باسم المصدر وان كانت بسيطة ولا تتصف الا بالوجود والعدم الا انها بالمعنى المعبر عنه بالمصدر اعني به انشاءها باللفظ المتحد معه خارجا تتصف بالصحة والفساد (بيان ذلك) ان الشارع لما اعتبر بنحو القضية الحقيقية وجود لفظ خاص مع قيود خاصة انشاء للملكية مثلا وآلة لوجودها في عالم التشريع فالصيغة الموجودة في الخارج التي انشا بها الملكية تتصف بالصحة إذا وقعت مطابقة لما اعتبره الشارع انشاء لها في عالم تشريعه كما انها تتصف بالفساد إذا لم تقع مطابقة له وبذلك ظهر ان مناط اتصاف العقود بالصحة والفساد هو انطباق ما اعتبره الشارع في تشريعه انشاء لشيء ما على ما يوجده المنشئ خارجا وعدم انطباقه عليه وبما ذكرناه من ان نسبة صيغ العقود إلى ما يترتب عليها ليست نسبة الاسباب إلى مسبباتها قد دفعنا في البحث المزبور اشكال عدم جواز التمسك بإطلاقات العقود والايقاعات بناء على كون الفاظها اسامى للمسببات دون الاسباب وقد ذكرنا ان ما افاده المحقق العلامة الأنصاري (قدس سره) في مقام الجواب عن الاشكال المزبور من ان امضاء المسببات يستلزم امضاء الاسباب لا يمكن الالتزام به فراجع (فتحصل) ان المحل القابل للاتصاف بالصحة والفساد في الامور التشريعية انما هي الامور المركبة من متعلقات الاحكام والمعاملات بالمعنى الاعم الشامل للعقد والايقاع ولمثل التذكية والتطهير ونحوهما اما اتصاف متعلقات التكليف بهما فإنما هو باعتبار ما يترتب عليها من الاثر التكويني الاعدادي (48) فانها إذا وقعت في الخارج على النحو الذي تعلق بها الامر فهي تتصف بالصحة الا بالفساد واما اتصاف المعاملة بهما فهو باعتبار ما يترتب عليها من الاثر التشريعي التوليدي لأنها اسباب توليدية في حكم الشارع أو العقلاء لأثار خاصة فان وقعت في الخارج على النحو الذي اعتبرت به سببا في عالم الاعتبار لما يتولد منها بان كانت تامة الاجزاء والشرائط فهى تتصف بالصحة والا فبالفساد (فان قلت) ان ما ذكرته من اتصاف متعلق التكليف بالصحة والفساد باعتبار ترتب اثره الاعدادي عليه و عدم ترتبه عليه لا يستقيم بناء على ما مر في بحث الصحيح والاعم من عدم كون الاثر المترتب على المأمور به متعلقا للأمر ولا قيدا له فانه كيف يعقل مع ذلك كون ترتبه وعدم ترتبه عليه مناطا للصحة والفساد (قلت) لا ملازمة بين كون الشيء باعتبار وجوده وعد مه مناطا للصحة والفساد وكونه مأمورا به استقلالا أو ضمنا وان ما ادعيته من الملازمة بين الامرين ليس بينا في نفسه ولا مبنيا في سياق الدعوى هذا مضافا إلى ان الطبيعي الذي يتعلق به الامر باعتبار ما يترتب عليه من اثره لا يتصف بالصحة والفساد في مقام تعلق الامر به وانما يتصف بهما الموجود الخارجي باعتبار انطباق المأمور به وعدم انطباقه عليه ففي الحقيقة مناط الاتصاف بالصحة والفساد انما هو انطباق المأمور به وعدم انطباقه على الموجود الخارجي و اما ما ذكره من ان مناط اتصاف المأتى به بالصحة والفساد هو ترتب الاثر وعدم ترتبه عليه فانما هو باعتبار استلزام ترتب الاثر على المأتي به لانطباق المأمور به عليه واستلزام عدم ترتب الاثر عليه لعدم انطباق المأمور به عليه فالتعبير بكون ملاك الصحة والفساد هو ترتب الاثر وعدمه انما هو عبارة اخرى عن الانطباق المزبور وعدمه (ثم انك) بعد ما عرفت ان الاتصاف بالصحة والفساد في متعلقات التكاليف وفي المعاملات انما يدور مدار الانطباق و عدمه على ما عرفت بيا نه تعرف ان تفسير الصحة بموافقة الشريعة كما عن المتكلمين أو بإسقاط الاعادة والقضاء كما عن الفقهاء انما هو تفسير بما يهم كل طائفة منهما من آثارها لا ان معنى الصحة عند المتكلم يغاير معناها عند الفقيه (ثم) ان في كون الصحة والفساد امرين انتزاعيين كالسببية والجزئية والشرطية والمانعية أو جعليين كالملكية والزوجية والضمان ونحوها اقوالا ثالثها التفصيل بين العبادات والمعاملات بتقريب ان الصحة والفساد كما تقدم انما ينتزعان من ترتب الاثر وعدم ترتبه وبما ان ترتب اثار العبادة عليها امر تكويني لا تناله يد الجعل تكون الصحة والفساد من الامور الانتزاعية من الامر التكويني وغير قابلين للجعل التشريعي واما المعاملات فبما ان ترتب آثارها عليها انما هو بجعل الشارع ولو كان ذلك من جهة امضائه لحكم العقل تكون الصحة والفساد فيها من الامور الجعلية ورابعها التفصيل بين الصحة الواقعية والظاهرية بالالتزام بكون الصحة الواقعية من الامور الانتزاعية وكون الصحة الظاهرية امرا مجعولا تشريعيا وهذا هو المختار (بيان ذلك) انه قد تحقق ان ملاك الصحة والفساد في العبادات هو انطباق المأمور به على المأتي به خارجا وعدم انطباقه عليه و في المعاملات هو انطباق اسبابها على الموجود الخارجي وعدمه ومن الواضح الضروري ان انطباق الكلى الطبيعي على ما في الخارج وعدم انطباقه عليه امر تكويني غير قابل للجعل التشريعي سواء في ذلك الماهيات الجعلية وغيرها فانطباق المأمور به الواقعي الاولى أو الثانوي أو المأمور به الظاهري على الموجود الخارجي وعدم انطباقه عليه كانطباق اسباب المعاملات على الموجودات الخارجية وعدم انطباقها عليها غير قابل للجعل التشريعي كما هو الحال في انطباق الماهيات غير الجعلية على الموجودات الخارجية وعدم انطباقها عليها ومما ذكرناه يظهر ان جعل الملكية وغيرها من الاحكام الوضعية عند صدور اسبابها الخاصة وان كان بيد الشارع الا ان تلك الاسباب في مقام الجعل لا تتصف بصحة ولا فساد وانما يتصف بهما الموجود الخارجي باعتبار انطباق تلك الاسباب وعدم انطباقها عليه في الخارج ومن الواضح ان انطباقها وعدم انطباقها على شيء يستحيل تعلق الجعل التشريعي بهما فلا محالة تكون الصحة والفساد في المعاملات ايضا غير قابلة للجعل بل بملاحظة ما ذكرناه في باب الاجزاء من استحالة عدم كون المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي مجزيا عن الواقعي الاولى لاستحالة الامر بالفاقد للقيد مع بقاء اعتبار التقييد فمن تعلق الامر بالفاقد يستكشف عدم اعتبار التقييد في هذا الحال يظهر لك ان الصحة في موارد الاوامر الواقعية الثانوية بالنسبة إلى الاوامر الواقعية الاولية غير قابلة للجعل ايضا (واما الصحة) والفساد في موارد الاوامر الظاهرية بالنسبة إلى الاوامر الواقعية فالحق انهما مجعولان بأنفسهما قبل انكشاف الخلاف وبعده اما قبل انكشاف الخلاف فلان انطباق المأمور به الواقعي على المأتى به في الخارج وان كان مشكوكا فيه ومقتضى القاعدة الاولية فيه هو الاشتغال والحكم بعدم ترتب اثار الانطباق الا أن للشارع ان يحكم في هذا الحال بالانطباق بمقتضى اصل أو امارة ويتعبد المكلف بترتيب آثار الصحة عملا كما ان له ان لا يحكم به بل يمضى حكم العقل بالاشتغال وعدم ترتيب آثار الانطباق فإذا تعبدنا بذلك كانت الصحة التي هي عبارة عن انطباق المأمورية على المأتى به من الاحكام المجعولة كما انه إذا لم يتعبدنا به وامضى حكم العقل بالاشتغال كان الفساد الذي هو عبارة عن عدم الانطباق مجعولا له امضاء واما بعد انكشاف الخلاف فبما ان للشارع ايضا ان يكتفى بما وقع ناقصا ويفرضه مطابقا للمأمور به وله ان لا يكفى به كانت الصحة والفساد في هذا الفرض ايضا مجعولين بجعل الشارع لكن حكمه بالصحة في هذا الفرض لا يكون من الاحكام الظاهرية الصرفة بل يكون متوسطا بينها وبين الاحكام الواقعية الثانوية فمن جهة اخذ الشك في موضوعه يكون من الاحكام الظاهرية ومن جهة كونه موجبا لفراغ ذمة المكلف من التكليف الواقعي ولو انكشف له الخلاف بعد ذلك يكون شبيها بالأحكام الواقعية الثانوية .
المقدمة الخامسة: ان النزاع في دلالة النهي على الفساد يعم ما إذا كان هناك ما يقتضى الصحة من اطلاق أو عموم لو لا النهي وما إذا لم يكن ذلك ولو مع قطع النظر عن وجود النهي بحيث كان متعلق النهي في نفسه مشكوك الصحة والفساد لأجل شبهة موضوعية أو حكمية وكان لأجله محكوما بالفساد ولو لم يكن هناك نهى ف النهي عن عبادة أو معاملة بناء على دلا لته على الفساد يوجب في القسم الاول تقييد المطلق أو تخصيص العام بغير الفرد المنهي عنه واما القسم الثاني فالحكم بالفساد فيه وان كان ثابتا في نفسه ومع قطع النظر عن النهي ايضا لان الاصل عدم مشروعية تلك العبادة وعدم ترتب الاثر على تلك المعاملة إلا أنه حكم مستند إلى الاصل العملي و النهي بناء على دلالته على الفساد يكون دليلا عليه ورافعا لموضوع الاصل العملي فلا تصل النوبة إليه وعليه فتخصيص المحقق القمي (قدس سره) محل النزاع بما إذا كان هناك ما يقتضى صحة العبادة أو المعاملة من اطلاق أو عموم ليخرج مثل النهي عن صوم الوصال والقمار عن محل الكلام تخصيص في غير محله ولو لم يكن صرح هو بنفسه بالمثال لمدعاه لا مكن حمل كلامه على انه اراد من الاقتضاء كون الفعل في نفسه قابلا للصحة والفساد فيوافق ما افاده (قدس سره) حينئذ ما اخترناه من ان النزاع المذكور يختص بالمورد القابل للاتصاف بالصحة والفساد لكن تصريحه بالمثال جعل كلامه ظاهرا فيما نسبناه إليه وقد عرفت ان اعتباره في محل الكلام في غير محله. المقدمة السادسة: انه لا اصل يعول عليه في المسألة الاصولية عند الشك في دلالة النهي على الفساد وعدمها سواء كان النزاع في دلالة النهي على الفساد لفظا ام كان في دلا لته عليه عقلا لأجل دعوى الملازمة بين الحرمة والفساد وعدمها واما الاصل في المسألة الفرعية فيختلف بالنسبة إلى العبادات والمعاملات لان الاصل في جميع موارد الشك في صحة المعاملة يقتضى الفساد لأصالة عدم ترتب الاثر على المعاملة الخارجية وبقاء متعلقها على ما كان عليه قبل تحققها من دون فرق في ذلك بين أن يكون الشك لأجل شبهة حكمية أو موضوعية واما العبادة (49) فان كان الشك في صحتها وفسادها لأجل شبهة موضوعية فمقتضى قاعدة الاشتغال فيها هو الحكم بفساد المأتى به وعدم سقوط امرها واما إذا كان لأجل شبهة حكمية فالحكم بالصحة والفساد عن الشك يبتنى على الخلاف في جريان البراءة والاشتغال عند الشك في الجزئية أو الشرطية أو المانعية (50) هذا كله بحسب ما تقتضيه القاعدة الاولية واما بالنظر إلى القواعد الثانوية الحاكمة على القواعد الاولية فربما يحكم بصحة العبادة أو المعاملة عند الشك فيها بقاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحة أو غير ذلك. إذا عرفت هذه المقدمات فالكلام يقع في مقامين (الاول) في العبادات (والثاني) في المعاملات (اما المقام الاول) فتوضيح الحال فيه بان يقال ان النهي تارة يتعلق بذات العبادة واخرى بجزئها وثالثة بشرطها ورابعة بوصفها الملازم لها أو الخارج عنها اما النهي عن ذات العبادة بذاتها أو بواسطة احد هذه الامور بحيث يكون ذلك واسطة في ثبوت تعلق النهي بذاتها فالحق ان النهي يدل على فسادها وقبل الاستدلال على ذلك لا بأس بدفع الشبهات التي ربما تورد في المقام (الاولى) انه كيف يعقل تعلق النهي بالعبادة مع ان فرض كونها عبادة يستلزم فرض كونها مقربة وفرض تعلق النهي بها يستلزم فرض كونها مبعدة ويستحيل كون شيء واحد في آن واحد مقربا ومبعدا معا (والجواب) عنها هو ما اشرنا إليه سابقا من ان المراد من العبادة في المقام هو العمل الذي لو شرع لكان تشريعه لأجل التعبد به وكان امره تعبديا أو العمل الذي كان بحسب ذاته عبادة كالسجود والركوع وامثالهما والشبهة المزبورة انما نشأت من تخيل ان المراد من العبادة المنهي عنها هو ما يكون عبادة مقربة بالفعل مع ان الامر ليس كذلك لضرورة استحالة تعلق النهي بمثل ذلك (الثانية) ان العبادة وان فرض تعلق النهي بما الا ان فسادها لا يستند إلى النهي ابدا لان الفساد انما يترتب على عدم مشروعية العبادة ولو مع قطع النظر عن تعلق النهي بها فلا يكون للنهى اثر في فسادها اصلا (والجواب) عنها ان فساد العبادة في فرض عدم تعلق النهي بها انما يكون مستندا إلى الاصل العملي وهي اصالة عدم مشروعيتها عند الشك فيها واما في فرض تعلق النهي بها فالفساد انما يكون مستندا إلى الدليل عليه الرافع لموضوع الاصل العملي اعني به الشك فالفساد في فرض وجود النهي يستند إليه لا محالة (الثالثة) ان النهي عن العبادة من جهة النهي عن جزئها أو شرطها أو وصفها وان كان امرا معقولا الا انه يستحيل تعلق النهي بها بذاتها واما ما ذكر مثالا لذلك من صوم الوصال أو صوم الحائض ونحوهما فهو غير صحيح لان النهي في هذه الموارد ايضا متعلق بخصوصية من خصوصيات العبادة لا بذاتها (والجواب) عنها ان الخصوصية التي بها تتخصص العبادة على نحوين احدهما ما لا يكون موجبا لانقسام العبادة إلى نوعين أو صنفين بل يكون امرا اخر مقارنا لها وموجبا لتشخصها به كالنظر إلى الاجنبية في الصلاة ونحو ذلك و النهي في هذا القسم لا بد (51) من ان يتعلق بتلك الخصوصية دون ذات العبادة والوجه فيه ظاهر وثانيهما ما يكون موجبا للانقسام المزبور فإذا تعلق النهي بخصوص نوع أو صنف من العبادة كان هذا النوع أو الصنف منهيا عنه بذاته لا محالة والظاهر ان خصوصية صوم الوصال وصوم الحائض من القسم الثاني فان المكلف هو الركن الاعظم في تشريع الحكم وجعله وباختلافه يختلف ذات العبادة حسنا وقبحا فربما تكون عبادة محبوبة من شخص وتكون مبغوضة من شخص آخر فالصوم الصادر من الحائض نوع مستقل في قبال الصوم الصادر من غيرها كما ان الزمان من مقومات الصوم وباختلافه تختلف حاله حسنا وقبح فيكون محبوبا في زمان ومبغوضا في زمان اخر فالمناقشة في اصل المثال كالمناقشة في امكان تعلق النهي بذات العبادة مناقشة في غير محلها (واما الدليل) على المدعى اعني به دلالة النهي على الفساد فهو ان النهي إذا تعلق بذات عبادة ولو كان ذلك بواسطة امر اخر يكون واسطة في الثبوت فهو لا محالة يستلزم عدم الامر بها فان اعتبرنا في صحة العبادة تعلق الامر بها كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) فد لا لة النهي عن العبادة على فسادها في غاية الوضوح وان اكتفينا في صحتها باشتمالها على الملاك كما هو المختار فلان الملاك الذي يمكن بحكم العقل ان يتقرب بالفعل المشتمل عليه من المولى انما هو الملاك الذي يكون في حد ذاته علة تامة للبحث ولم يكن عدم طلب المولى على طبقه الا من جهة عدم قدرة المكلف على امتثاله لأجل وجود طلب آخر اهم من ذلك الطلب كما هو الحال في موارد التزاحم في مرحلة الامتثال واما الملاك المعدوم أو المغلوب لملاك النهي فكما انه يستحيل كونه داعيا للمولى إلى البعث يستحيل ان يكون موجبا لصحة التقرب بما اشتمل عليه فإذا فرضنا ان اكرام العالم الفاسق ليس فيه ملاك يقتضى طلبه أو فرضنا ان ملاكه مغلوب لملاك حرمته امتنع التقرب به من المولى وبما ان المفروض في المقام حرمة العبادة وانها تكشف كشفا قطعيا عن عدم ملاك الامر فيها أو عن كونه مغلوبا لملاك طلبه لا يصح التقرب بها قطعا هذا مضافا إلى ما ذكرناه (52) في المبحث السابق من ان فعلية التقرب بما يصلح ان يتقرب به في نفسه مشروطة عقلا بعدم كونه مزاحما بالقبح الفاعلي وبما ان العبادة المنهي عنها تصدر مبغوضة ومتصفة بالقبح الفاعلي يستحيل التقرب بها من المولى وان كان فيها ملاك الوجوب ايضا (هذا كله) في النهي المتعلق بذات العبادة واما النهي عن جزء العبادة فالتحقيق انه يدل ايضا على فسادها (وتوضيح الحال) فيه هو ان جزء العبادة اما أن يؤخذ فيه عدد خاص كالوحدة المعتبرة في السورة بناء على حرمة القران واما ان لا يؤخذ فيه ذلك اما الاول اعني به جزء العبادة المعبر فيه عدد خاص ف النهي المتعلق به يقتضى فساد العبادة لا محالة لا الاتي به في ضمن العبادة اما ان يقتصر عليه فيها أو يأتي بعده بما هو غير منهى عنه وعلى كلا التقديرين لا ينبغى الاشكال في بطلان العبادة المشتملة عليه فان الجزء المنهي عنه لا محالة يكون خارجا عن اطلاق دليل الجزئية أو عمومه فيكون وجوده كعدمه فان اقتصر المكلف عليه في مقام الامتثال بطلت العبادة لفقدها جزئها وان لم يقتصر عليه بطلت من جهة الاخلال بالوحدة المعتبرة في الجزء كما هو الفرض ومن هنا تبطل صلاة من قرأ احدى العزائم في الفريضة سواء اقتصر عليها ام لم يقتصر لان قراءتها تستلزم الاخلال بالفريضة من جهة ترك السورة أو من جهة لزوم القران بل لو بنينا على جواز القران لفسدت الصلاة في الفرض ايضا لان دليل الحرمة قد خصص دليل الجواز بغير الفرد المنهي عنه فيحرم القرآن (53) بالإضافة إليه لا محالة هذا مضافا إلى ان تحريم الجزء يستلزم اخذ العبادة بالإضافة إليه بشرط لا (54) سواء اتى به في محله المناسب له كقراءة العزيمة بعد الحمد ام اتى به في غير محله كقراءتها بين السجدتين ويترتب على ذلك امور كلها موجبة لبطلان العبادة المشتملة عليه (الاول) كون العبادة مقيدة بعدم ذلك المنهي عنه فيكون وجوده مانعا عن صحتها وذلك يستلزم بطلانها عند اقترانها بوجوده (الثاني) كونه زيادة في الفريضة (55) فتبطل الصلاة بسبب الزيادة العمدية المعتبر عدمها في صحتها ولا يعتبر في تحقق الزيادة قصد الجزئية إذا كان المأتى به من جنس احد اجزاء العمل نعم يعتبر قصد الجزئية في صدقها إذا كان المأتى به من غير جنسه (الثالث) خروجه عن ادلة جواز مطلق الذكر في الصلاة فان دليل الحرمة لا محالة يوجب تخصيصها بغير الفرد المحرم فيندرج الفرد المحرم في عموم ادلة بطلان الصلاة بالتكلم العمدي إذ الخارج عن عمومها انما هو الذكر غير المحرم وما ذكرناه هو الوجه في بطلان الصلاة بالذكر المنهي عنه واما ما يتوهم من ان الوجه في ذلك هو دخوله في كلام الادميين فهو فاسد لان المفروض انه ذكر محرم ومن الواضح انه لا يخرج بسبب النهي عنه عن كونه ذكر الدخل في كلام الادميين (واما الثاني) اعني به ما لم يؤخذ فيه عدد خاص فقد اتضح الحال فيه مما تقدم لان جميع الوجوه المذكورة المقتضية لفساد العبادة المشتملة على الجزء المنهي عنه جارية في هذا القسم ايضا وانما يختص القسم الاول بالوجه الاول منها (واما النهي عن شرط العبادة) أو وصفها فان رجع إلى النهي عن نفس العبادة كان حكمه حكمه وذلك مثل النهي عن الاجهار ب القراءة الراجع إلى النهي عن القراءة الجهرية في الحقيقة لان القراءة الجهرية بما انها حصة خاصة من مطلق القراءة كان النهي عن الاجهار بها نهيا عن نفس تلك الحصة الخاصة فهو يندرج في باب النهي عن جزء العبادة إذا كانت القراءة جزئا لها وفي باب به الامر عن نفس العبادة إذا كانت القراءة بنفسها عبادة مستقلة واما في غير ذلك فلا موجب لفساد العبادة بالنهي عن شرطها أو وصفها لعدم سراية النهي عنهما إليها بوجه اصلا وهذا ظاهر في النهي عن الوصف واما في النهي عن الشرط فلان شرط العبادة الذي تعلق به النهي انما هو المعنى المعبر عنه باسم المصدر واما المتعلق للنهى فهو المعنى المعبر عنه بالمصدر (56) فما هو متعلق النهي ليس شرطا للعبادة وما هو شرط لها لم يتعلق به النهي مثلا الصلاة مشروطة بالتستر فلو فرضنا حرمة لبس خاص فان لم يكن النهي عنه نهيا عن الصلاة معه فهو لا يوجب بطلانها لفرض مغايرة متعلقه لها فيكون حاله حال النظر إلى الاجنبية في اثناء الصلاة ومنه ظهر بطلان تقسيم الشرط إلى تعبدي كالطهارات الثلاث وغير تعبدي كالتستر ونحوه لان شرط الصلاة انما هي الطهارة المراد بها معنى اسم المصدر المقارنة معها زمانا واما الافعال الخاصة من الوضوء والتيمم والغسل فهي بنفسها ليست شرطا للصلاة وانما هي محصلة لما هو شرطها (57) فما هو عبادة اعني بها نفس الافعال ليس شرطا قد عرفت فيما تقدم ان المعنى المعبر عنه باسم المصدر لا يغاير المعنى المعبر عنه بالمصدر إلا بالاعتبار وانهما امر واحد وجودا وخارجا وعليه فلا يعقل كون احدهما مأمورا به والاخر منهيا عنه فلا مناص من الالتزام بكون النهي المتعلق بالشرط موجبا لكون التقيد بالشرط المأمور به في ضمن الامر بالمقيد متقيدا بغير الفرد المحرم ضرورة ان المأمور به لابد من ان يكون مغايرا في الوجود للمنهى عنه في الخارج فالعبادة المقترنة بالشرط المنهي عنه لا تكون مما تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها فتقع فاسدة لا محالة ولا يفرق في ذلك بين كون الشرط عباديا وكونه غير عبادي كما هو ظاهر.
للصلاة وما هو شرط لها اعني به نفس الطهارة فهو ليس بعبادة بل حاله حال بقية الشرائط في عدم اعتبار قصد القربة فيها ولذلك يحكم بصحة صلاة من صلى غافلا عن الطهارة فانكشف كونها مقترنة بها فتلخص ان حال الشرائط حال بقية الاوصاف في ان النهي عنها لا يوجب فساد المشروط أو المتصف بها ما لم يكن النهي عنها نهيا عن نفس المشروط أو المتصف بها واما فيما إذا كان كذلك فلا اشكال في فساد العبادة كما عرفت. تنبيه: ذكر جملة من المحققين ان كون شيء مانعا من صحة العبادة واعتبار عدمه فيها يتصور بأحد وجوه (الاول) ان تكون المانعية مستفادة من النهي الغيرى الدال عليها نظير التقييد بالقيود الوجودية المدلول عليه بالأوامر الغيرية (الثاني) ان تكون المانعية مستفادة من النهي النفسي الدال على حرمة العبادة كالنهي عن الصلاة في الحرير بناء على عدم كونه نهيا غيريا والوجه في استفادة المانعية من النهي النفسي وتقييد المأمور به بعدم تحققه في ضمن ما تعلق به النهي هو ما اشرنا إليه مرارا من ان اطلاق متعلق الوجوب لحصة خاصة ينافى الحرمة المتعلقة بها سواء في ذلك كون الاطلاق شموليا وكونه بدليا فإذا قدم دليل الحرمة كما هو المفروض كان موجبا لتقييد اطلاق المأمور به فلا محالة يختص الامر بغير الحصة المنهي عنها (الثالث) ان تكون المانعية ناشئة من التزاحم وعدم قدرة المكلف على امتثال الخطابين معا (اما القسم الاول) فلا اشكال فيه في ان مقتضى اطلاق الدليل الدال على المانعية هي المانعية الواقعية المطلقة فلا ترتفع بالجهل أو النسيان أو الاضطرار إذ حال القيد العدمي على هذا هو حال القيود الوجودية والاصل الاولى فيها يقتضى كون التقييد بها واقعيا ومطلقا لجميع احوال المكلف ولازم ذلك عدم جواز الاكتفاء بغير القيد مطلقا الا إذا قام دليل بالخصوص على الاجزاء واما الشك في المانعية وعدمها في هذا القسم فحكمه يبتنى على اختيار البراءة أو الاحتياط في بحث الاقل والاكثر الارتباطيين (واما القسم الثالث) فلا اشكال في ان الموجب للتقييد فيه هو تنجز خطاب الاهم وكونه موجبا لعجز المكلف عن امتثال خطاب المهم فما لم يتنجز خطاب الاهم لا موجب للتقييد وان كان هناك التكليف بالاهم ثابتا في الواقع كما في موارد الجهل والنسيان فعند الشك في وجود التكليف بالاهم يقطع بعدم وجود المزاحم للتكليف بالمهم إذا كان الشك المزبور موردا لجريان البراءة عقلا أو نقلا فجريان الاصل في هذا القسم يرفع موضوع التقييد واقعا ولا ينافى ذلك وجود التكليف في الواقع لعدم كونه مزاحما للتكليف الفعلي ما لم يكن واصلا إلى المكلف وشاغلا له بامتثاله عن امتثال غيره (واما القسم الثاني) فهو متوسط بين القسمين (توضيحه) ان الموجب للتقييد فيه هي فعلية الحرمة ومضادتها لإطلاق الوجوب فإذا كانت الحرمة موجودة في الواقع ولو مع عدم تنجزها على المكلف كما في موارد الجهل أو النسيان كان التقييد باقيا على حاله لعدم ارتفاع موجبه بالجهل أو النسيان فيكون حال هذا القسم حال القسم الاول من هذه الجهة واما إذا لم تكن الحرمة ثابتة في الواقع بل كانت ساقطة بعروض اضطرار و نحوه فربما يقال فيه بسقوط اعتبار التقييد ايضا لانتفاء موجبه لان المفروض ان الموجب للتقييد انما هي فعلية الحرمة ومضادتها لإطلاق المأمور به فإذا سقطت بالاضطرار ونحوه كان التقييد بلا موجب وعلى ذلك يترتب انه إذا شك في المانعية لأجل الشك في الحرمة النفسية كان الحكم فيه هو الرجوع إلى البراءة ولو بنينا على الاشتغال في الشك في الاقل والاكثر الارتباطيين وذلك لان الشك في المانعية في مفروض الكلام بما انه مسبب عن الشك في الحرمة النفسية فبجريان البراءة عنها يرتفع موضوع الشك في المانعية فلا يبقى مجال الحكم العقل بالاشتغال ومن هنا ذهب جماعة ممن لا يجوز الصلاة فيما يشك في كونه من اجزاء مالا يؤكل لحمه إلى جواز الصلاة في ما يشك في كونه ذهبا أو حريرا و (لكن التحقيق) يقتضى فساد القول المزبور (58) وفساد ما رتبوه عليه اما فساد القول بسقوط اعتبار التقييد عند سقوط الحرمة باضطرار ونحوه فلان المانعية اعني بها تقييد اطلاق المأمور به بغير الحصة المنهي عنها لو كانت في طول الحرمة ومترتبة عليها لتم ما ذكروه من ارتفاعها بارتفاع موجبها اعني به الحرمة لكن الامر ليس كذلك فان اطلاق المأمور به وشموله لحصة خاصة وان كان يضاد حرمتها فلا بد من رفع اليد عنه في فرض كونها محرمة الا انك عرفت فيما تقدم ان وجود احد الضدين لا يكون علة لعدم الضد الاخر وفي مرتبة سابقة عليه بل هما متلازمان فإذا سقط احدهما لموجب يقتضيه من اضطرار ونحوه فلا موجب لسقوط الملازم الاخر وبالجملة إذا كان دليل النهي يقتضى حرمة متعلقه وتقييد متعلق الامر بغير الحصة المنهي عنها في عرض واحد بلا تقدم وتأخر بينهما لم يكن سقوط احدهما لعارض ملازما لسقوط الاخر هذا مضافا إلى انه لا يترتب على الاضطرار ونحوه الا سقوط نفس التكليف واما الملاك المقتضى لجعله لو لم يكن هناك مانع منه فهو بعد على حاله فلا محالة يقع التزاحم بينه وبين ملاك الامر وبما ان المفروض غلبة ملاك النهي وكونه اقوى من ملاك الامر لا يمكن التقرب من المولى بما يشتمل عليه فيبقى التقييد المستفاد من النهي باقيا على حاله كما كان الامر كذلك فيما إذا لم يكن الخطاب ساقطا اللهم الا ان يقال ان سقوط الخطاب ان كان مستندا إلى العجز العقلي وحكم العقل باستحالة طلب غير المقدور فالأمر كما ذكر من ان سقوط الحرمة لا يكون كاشفا عن انتفاء الملاك واما إذا استند ذلك إلى الدليل الشرعي كما في موارد الاضطرار والنسيان فلا محالة يكشف ذلك الدليل عن اختصاص الحكم من اول الامر بغير تلك الموارد فلا كاشف عن وجود الملاك فيها ليكون مزاحما لملاك الامر وعليه يكون ارتفاع الحرمة ملازما لانتفاء اعتبار التقييد ايضا (واما فساد ما رتبوه عليه) فلان الشك في المانعية بناء على تسليم كون المانعية مترتبة على الحرمة وان كان مسببا عن الشك فيها إلا أنه ليس كل اصل يجرى في السبب يكون حاكما على الاصل الجاري في المسبب بل يختص ذلك بما إذا كان المشكوك بالشك المسببي من الاثار الشرعية للمشكوك بالشك السببي وكان الاصل الجاري في السبب ناظرا إلى الغاء الشك في المسبب كما إذا غسل ثوب متنجس بماء مسبوق بالكرية وشك في بقائها فأصالة بقاء الكرية رافعة للشك في نجاسة كل ما غسل به وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لان كون لبس الحرير أو الذهب مانعا عن صحة الصلاة إذا كان مترتبا على حرمته الذاتية التي لا ينافيها عروض الحلية لعارض كاضطرار ونحوه لم تكن اصالة البراءة الجارية لإثبات تعيين الوظيفة العملية متكفلة لارتفاع الحرمة الذاتية لتكون حاكمة على اصالة الاشتغال الجارية عند الشك في المانعية على الفرض وهذا نظير حرمة اكل لحم الحيوان المترتب عليها فساد الصلاة إذا وقعت في شيء من اجزائه فان المراد من تلك الحرمة هي الحرمة الذاتية الثابتة لمعروضها بعنوانه الاولى التي لا ينافيها عروض الحلية بالاضطرار ونحوه فإذا اضطر المكلف إلى اكل لحم الارنب مثلا لم تجز الصلاة في اجزائه لان المانع على الفرض انما هي الحرمة الذاتية وهي لا ترتفع باضطرار ونحوه وانما ترتفع به الحرمة الفعلية وعلى فإذا شككنا في حلية لحم حيوان وحرمته فأصالة الاباحة وان كانت موجبة فعلا للترخيص العملي في اكله وعدم تنجز الحرمة الواقعية على تقدير ثبوتها وترتيب جميع آثار الحلية الواقعية على مادام الشك باقيا إلا انها لا توجب ارتفاع الحرمة الذاتية لترتفع به المانعية المترتبة عليها نعم إذا كانت المانعية مترتبة على الحرمة الفعلية دون الذاتية كان الاصل الرافع للحرمة رافعا للشك في المانعية وحاكما على الاصل الجاري فيها واما المقام الثاني اعني به النهي عن المعاملات فتوضيح الحال فيه بان يقال ان النهي إذا تعلق بمعاملة وكان نهيا غيريا مسوقا لبيان المانعية فلا اشكال في دلا لته على الفساد سواء تعلق بسبب خاص فدل على تقييد السبب الممضى عند الشارع بعدم تلك الخصوصية ام تعلق بالمسبب عن ذلك السبب فدل على عدم ترتبه عليه بالمطابقة وعلى تقييد السبب الممضى عنده بعدم تلك الخصوصية بالالتزام واما إذا كان النهي نهيا تحريميا نفسيا فهو تارة (59) يكون متعلقا بالسبب اعني به ايجاد المعاملة بما هو ايجاد لها من دون ان يكون نفس ما يوجد في الخارج مبغوضا للمولى وهذا كالنهي عن البيع وقت النداء أو حين الاشتغال بالصلاة واخرى يكون متعلقا بالمسبب اعني به نفس ما يوجد في الخارج ويصدر من المكلف وهذا كالنهي عن بيع آلات اللهو والقمار ونحوهما وبعبارة أخرى النهي التحريمي النفسي قد يتعلق بإنشاء معاملة بما هو انشاء بنحو يساوق معنى المصدر وقد يتعلق بنفس المنشاء بنحو يساوق معنى اسم المصدر والحق في المقام هو التفصيل بين النهي المتعلق بالسبب فلا يدل على الفساد و النهي المتعلق بالمسبب فيدل عليه اما عدم دلالة تعلق النهي بالسبب على فساد المعاملة فلان مبغوضية الانشاء في المعاملة بما هو فعل من افعال المكلف لا تستلزم عدم ترتب اثر المعاملة عليها بوجه ضرورة انه لا منافات بين حرمة انشاء البيع وقت النداء مثلا وحكم الشارع بترتب اثره عليه في الخارج فيحتاج اثبات الفساد حينئذ إلى قيام دليل آخر عليه غير النهي وهو مفقود على الفرض واما دلالة تعلق النهي بالمسبب على فساد المعاملة فلان صحة المعاملة تتوقف على ثلاثة امور
(الاول) كون كل من المتعاملين مالكا للعين أو بحكمه ليكون امر النقل بيده ولا يكون اجنبيا عنه (الثاني) ان لا يكون محجورا عن التصرف فيها من جهة تعلق حق الغير بها أو لغير ذلك من اسباب الحجر ليكون له السلطنة الفعلية على التصرف فيها.
(الثالث) ان يكون ايجاد المعاملة بسبب خاص و آلة خاصة وعلى ذلك فإذا فرض تعلق النهي بالمسبب وبنفس الملكية المنشأة مثلا كما في النهي عن بيع المصحف والعبد المسلم من الكافر كان النهي معجزا مولويا للمكلف عن الفعل ورافعا لسلطنته عليه فيختل بذلك الشرط الثاني المعتبر في صحة المعاملة اعني به كون المكلف مسلطا على المعاملة في حكم الشارع ويترتب على ذلك فساد المعاملة لا محالة وعلى ما ذكرناه يترتب تسالم الفقهاء على فساد الاجارة على الواجبات المجانية (60) فان المكلف بعد خروج العمل عن سلطانه لكونه مملوكا له تبارك وتعالى لا يمكنه تمليكه من الغير بإجارة ونحوها وحكمهم ببطلان منذور الصدقة (61) فان المكلف بنذره يكون محجورا عن كل ما ينافى الوفاء بنذره فلا تنفذ تصرفاته المنافية له وحكمهم بفساد معاملة خاصة إذا اشترط في ضمن عقد خارجي عدمها كما إذا باع زيد داره واشترط على المشترى عدم بيعها من عمرو فان الشرط المزبور لوجوب الوفاء به يجعل المشترى محجورا من البيع المزبور فلا يكون نافذا إلى غير ذلك من الموارد المشتركة مع المقام في الملاك اعني به استلزام نهى المولى عن معاملة حجر المكلف عنها المترتب عليه فساد تلك المعاملة وعدم ترتب الاثر عليها شرعا (فان قلت) ان الفاظ المعاملات بما انها اسام للصحيحة لا بد من ان يكون متعلق النهي فيها صحيحا حين وقوعه وايضا تعلق النهي بالمسبب يستلزم كونه مقدورا للمكلف ليتمكن من امتثاله وعصيانه وعلى ذلك ف النهي عن المسبب يدل على صحة المعاملة ونفوذها كما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (قلت) قد عرفت فيما تقدم ان ما يتصف بالصحة والفساد انما هي الاسباب وأما المسببات فهي لا تتصف بهما بل تتصف بالوجود أو العدم وعليه ف النهي المتعلق بالمسبب لو كان متعلقا بما هو مسبب في نظر الشارع وفي اعتباره لتم ما ذكرت من ان النهي عنه يدل على صحة المعاملة لا على فسا دها لكن الامر ليس كذلك ضرورة ان النهي انما يتعلق بالمسبب العرفي (62) المجتمع مع امضاء الشارع وعدم امضائه له ومع النهي عنه وعدمه غاية الامر ان النهي عنه يقتضى حجر المكلف عنه المستلزم لعدم امضاء الشارع له الذي هو عبارة اخرى عن فساد المعاملة ف النهي عنه وهو المسبب العرفي مقدور للمكلف قبل النهي وبعده على حد سواء وفرق واضح بين عدم القدرة على ايجاد الملكية العرفية وعدم كونها ممضاة للشارع وما يكون منافيا للنهى انما هو الاول وما ادعينا استلزام النهي له هو الثاني وبالجملة ما تعلق به النهي وان كان لا بد من الالتزام بكونه مقدورا حين وقو عه ليتمكن المكلف من امتثاله وعصيا نه الا ان صحته العرفية كافية في ذلك وهي لا تنافى فساده شرعا لاستلزام النهي له كما عرفت (ثم ان هناك روايات) ربما استدل بها على عدم دلا لة النهي على الفساد وهى الروايات الواردة في عدم نفوذ نكاح العبد من دون اذن مولاه وان صحته موقوفة على اجازته معللة بان العبد لم يعص الله تبارك وتعالى وانما عصى سيده فإذا اجاز جاز وتقريب الاستدلال بها على ذلك هو ان صريح الروايات هو ان عصيان العبد سيده لا يستلزم بطلان النكاح وانما يوجب توقف صحته على اجازة مولاه وبما ان عصيان السيد يلازم عصيانه تعالى يستفاد من تلك الروايات عدم استلزام عصيانه تعالى لبطلان النكاح واما عصيانه تعالى المستلزم لفساده بمقضتى مفهومه قوله عليه السلام انه لم يعص الله فلا بد من ان يراد به العصيان الوضعي بمعنى ان العبد لم يرتكب ما هو غير مشروع في نفسه كالنكاح في العدة على ما مثل الامام عليه السلام له بذلك لئلا يكون قابلا للصحة بعد وقوعه بل ارتكب امرا مشروعا في نفسه قابلا لتعلق الاجازة به من المولى فيصح عند تعلق الاجازة به واما العصيان التكليفي الذي هو محل الكلام في المقام فهو غير مراد من العصيان المنفى في الرواية قطعا لان عصيان السيد ملازم لعصيانه تبارك وتعالى فلا يصح نفيه مع اثبات عصيانه لسيده (ولكن التحقيق) (63) فساد الاستدلال المذكور لان صحته تتوقف على ان يراد من العصيان في كل من الموردين معنى يغاير ما يراد منه في الاخر وهذا خلاف الظاهر جدا فالظاهر ان المراد من عصيان الله تعالى المستلزم للفساد بمقتضى مفهوم الرواية هو العصيان التكليفي واما ما ذكر من تحقق عصيا نه في المقام لاستلزام عصيان السيد له فهو وان كان صحيحا إلا أن المنفى في الرواية ليس مطلق عصيا نه تعالى بل خصوص عصيا نه المتحقق بمخالفة نهيه الراجع إلى حقه تعالى على عبيده مع قطع النظر عن حقوق الناس بعضهم على بعض فيكون المتحصل من الرواية ان عصيان العبد لسيده بنكاحه من دون اذنه لو كان ناشئا من مخالفة نهى متعلق بذلك النكاح من حيث هو في نفسه لما فيه من المفسدة المقتضية لذلك لا وجب ذلك فساده كما في النهي عن النكاح في العدة لان متعلق هذا النهي مبغوض للشارع حدوثا وبقاء لاستمرار مفسدته المقتضية للنهى عنه واما إذا كان عصيان العبد ناشئا من مخالفة النهي عن التمرد على سيده فهو يدور مدار تمرده عليه حدوثا وبقاء فإذا رضى سيده بما عصاه فيه ارتفع عنه النهي بقاء فلا يكون حينئذ موجب لفساده ولا مانع من صحته فالمستفاد من الروايات هو ان الفساد يدور مدار النهي حدوثا وبقاء ف النهي الإلهي الناشئ من تفويت حق الغير انما يوجب فساد المعاملة فيما إذا كان النهي باقيا ببقاء موضوعه واما إذا ارتفع بإجازة من له الحق تلك المعاملة ارتفع النهي ايضا فالقول الصحيح هو ان الروايات تدل على دلالة النهي على الفساد وعلى ان صحة المعاملة لا تجتمع مع عصيانه تعالى نعم إذا كان العصيان ناشئا من تفويت حق من له الحق توقفت صحة المعاملة على اجازته الموجبة لارتفاع النهي ومن هذا البيان ظهر انه لا يختص الحكم بصحة المعاملة الفضولية الملحوقة بالإجازة بالمعاملة الواقعة على ملك الغير بل يعم المعاملة الواقعة على متعلق حق الغير ايضا ولو صدرت المعاملة من العاقد على ما يملكه خلافا للمحقق القمي (قدس سره) حيث خصه بما إذا وقعت المعاملة على ملك الغير (هذا كله) فيما إذا تعلق النهي بالسبب أو بالمسبب واما إذا تعلق بالأثار كالنهي عن اكل الثمن ونحوه فاستكشاف الفساد عنه بنحو الان في غاية الظهور (تنبيه) لا يخفى ان جميع ما ذكرناه في دلالة النهي على الفساد وعدمها يختص بالنهي الذاتي واما النهي التشريعي المتعلق بمعاملة أو عبادة فتوضيح الحال فيه بأن يقال ان المعاملة التي لا يعلم كونها مشروعة وممضاة عند الشارع إذا اتى بها بقصد ترتب الاثر عليها تشريعا فهي ان بقيت على ما هي عليه من الجهل بكونها مشروعة فلا اشكال في فسادها إلا أنه ليس من جهة دلالة النهي على الفساد بل من جهة اصالة عدم ترتب الاثر عليها عند الشك فيه واما إذا انكشف بعد ذلك كونها مشروعة وممضاة عند الشارع وان كان المكلف من جهة عدم علمه بالحال قد اوقعها على وجه التشريع والمبغوضية فلا وجه للقول بفسادها وذلك لان المنهي عنه حينئذ انما هو عنوان التشريع وايقاع المكلف المعاملة بهذا العنوان المنتفي بالعلم بكونها مشروعة واما نفس المعاملة بذاتها فليس فيها جهة مبغوضية اصلا فلا يكون مثل هذا النهي موجبا للفساد كما عرفت واما العبادات فالحق ان النهي التشريعي فيها يدل على فسادها مطلقا (وبيان ذلك) يحتاج إلى مقدمة وهى ان الاحكام العقلية تفارق الاحكام الشرعية في ان متعلقات الاحكام الشرعية هي ذوات الافعال مع قطع النظر عن علم المكلف وجهله بها وانما يكون علم المكلف طريقا محضا إلى الحكم الثابت لمتعلقاتها وهذا بخلاف الاحكام العقلية فانها لا تثبت الا للعناوين المعلومة بما هي كذلك فالعلم مأخوذ فيها على نحو الموضوعية (والسر) في ذلك هو ان الاحكام الشرعية انما تكون تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد من دون دخل في ذلك لعلم المكلف بها واما حكم العقل بالحسن أو القبح فليس هو الا بمعنى ادراكه استحقاق الفاعل للمدح والثواب أو الذم والعقاب ومن الواضح أنه لا بد في استحقاقهما من صدور الفعل عن قصد والتفات فلا يكون الفعل من دون ذلك مورد الحكم العقل قطعا (ثم انه) قد يكون حكم العقل في موارد العلم والجهل بالحكم الشرعي ناشئا من ملاك واحد تشترك فيه جميع تلك الموارد وقد يكون حكمه في موارد العلم بالحكم الشرعي ناشئا من ملاك واقعى وفي موارد الجهل به ناشئا من ملاك اخر طريقي (اما الاول) فهو كحكم العقل بقبح التشريع فان حكمه به انما هو من جهة كون التشريع تصرفا في سلطان المولى بغير اذنه فما لم يحرز كون الحكم مشروعا يكون اسناده إلى المولى تصرفا في سلطانه وافتراء عليه وهو قبيح ولا فرق في ذلك بين ما إذا علم المكلف بعدم كون ذلك الحكم مشروعا وما إذا شك في ذلك لان ملاك القبح في الصورتين امر واحد اعني به التصرف في سلطان المولى بغير اذنه ولا يبعد ان يكون حكم العقل بقبح الكذب من هذا القسم وعليه يكون الاخبار بشيء عند عدم احراز مطابقته الواقع كإسناد شيء إلى المولى مع عدم احراز كونه مشروعا محكوما بالقبح عقلا سواء كان المخبر عالما بعدم المطابقة كان شاكا فيها (واما الثاني) فهو كحكم العقل بقبح فعل ما يترتب عليه هلاك النفس قطعا أو احتمالا فان حكمه بقبح ذلك الفعل في موارد احراز تحقق الهلكة حكم واقعى ناشئ من ملاك واقعى اعني به حفظ النفس وفي موارد الشك فيها حكم طريقي ناشئ من الاهتمام بمراعات الواقع وكحكمه بقبح الاقدام على معصية المولى فان حكمه بذلك في موارد القطع بالمعصية حكم ناشئ من ملاك واقعى اعني به التعدي على المولى وفي موارد الشك فيها كموارد الاقتحام في الشبهة قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الاجمالي حكم طريقي ناشئ من ملاك التحفظ عن الوقوع في المعصية الواقعية (وتظهر الثمرة) بين القسمين في جريان الاصول العملية وعدمه فالقسم الاول لا يجرى فيه الاصل (64) فانه إذا شك في كون عمل مشروعا كان حكم العقل بقبحه حكما واقعيا محرزا بالوجدان لفرض ان موضوعه اعم من العلم بعدم كونه مشروعا ومن الجهل به فلا مجال حينئذ لجريان اصالة عدم كونه مشروعا إذ لا يترتب على جريان الاصل العملي الا كون الحكم المترتب على مجرى الاصل محرزا تعبدا ومع احرازه وجدانا كما هو المفروض في المقام لا يبقى مجال لجريانه إذ لا معنى للتعبد بما هو محرز وجداني فانه تحصيل للحاصل بل هو من اردى انحائه كما هو واضح وعلى ذلك يتفرع عدم جريان اصالة عدم الحجية عند الشك فيها على ما سيجيء بيانه في محله واما القسم الثاني فلا مانع فيه من جريان الاصل واحراز المكلف بسببه موضوع الحكم الواقعي أو عد مه تعبدا كما في موارد استصحاب الضرر أو استصحاب عد مه فيكون استصحاب العدم حينئذ موجبا لا من المكلف من العقاب من مخالفة الواقع فلا يبقى معه موضوع للحكم العقلي الطريقي (إذا عرفت ذلك) فنقول ان العبادة المأتى بها تشريعا بما انها محكومة بالقبح بحكم العقل تكون محرمة بحكم الشرع ايضا لقاعدة الملازمة فتكون مبغوضة واقعا حين وقوعها فلا محالة تقع فاسدة وان انكشف بعد ذلك كونها مشروعة في نفسها (فان قلت) إذا استقل العقل بقبح شيء امتنع ان يتعلق به حكم شرعي مولوي فإذا حكم الشارع في مورده بحكم لزم حمله على الارشاد كما هو الحال في موارد حكم العقل بوجوب الطاعة وحرمة المعصية وعليه يكون نهى الشارع عن التشريع ارشاديا لا مولويا ليقع محرما ومبغوضا ومن الواضح انه إذا لم تقع العبادة محرمة شرعا فلا موجب لبطلانها بعد انكشاف كونها مشروعة (قلت) ليس الميزان في عدم كون فعل قابلا لان يتعلق به الحكم الشرعي المولوي هو استقلال العقل بحكم ذلك الفعل حسنا أو قبحا لان موارد الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع كموارد حكم العقل بقبح الظلم وحسن العدل من هذا القبيل بل الميزان في ذلك هو كون حكم ذلك المورد منجعلا تكوينا وثابتا له بالذات إذ كل ما كان كذلك لا يكون قابلا للجعل التشريعي قطعا وهذا كقبح المعصية وحسن الطاعة وحجية القطع فانا قد بينا سابقا ان وجوب امتثال كل تكليف وحرمة عصيا نه ينتهيان بالآخرة إلى امر ذاتي اعني به الحسن الثابت لنفس الاطاعة والقبح الثابت لنفس المعصية فانهما ثابتان لهما بالذات ضرورة انهما لو كانا منتهيين إلى وجوب اخر لدار أو تسلسل ولأجل ذلك لا تكون الطاعة والمعصية قابليتين لتعلق الحكم المولوي الشرعي بهما وكذلك حجية كل حجة مجعولة تنتهى بالآخرة إلى حجية العلم في ذاته ضرورة انه لو لا العلم باعتبار الشارع اصلا أو امارة حجة وكون العلم حجة في ذاته لما كان ذلك الاصل أو تلك الامارة حجة فما هو حجة تكوينية بالذات انما هو العلم واما غيره فهو ينتهى إليه في سبيل حجته لا محالة ولو انتهى العلم إلى غيره في حجيته لدار أو تسلسل ومما ذكرناه يظهر ان قبح التشريع ليس على حد قبح المعصية ليكون ذاتيا له ومنجعلا تكوينا فهو حينئذ قابل لتعليق الحكم المولوي الشرعي به وإذا كان كذلك فبالملازمة العقلية بين حكم العقل وحكم الشرع تستكشف من قبحه عقلا حرمته شرعا (فان قلت) سلمنا ان التشريع محكوم بالحرمة الشرعية الا ان ما هو قبيح بحكم العقل انما هو نفس التشريع الذي هو من سنخ الاعمال القلبية فالمحرم حينئذ هو البناء القلبي على ثبوت حكم في الشريعة في ظرف عدم العلم به ومن الواضح ان حرمة فعل قلبي لا تستلزم حرمة الفعل الخارجي ليترتب عليها بطلا نه إذا كان عبادة (قلت) ليس الامر كذلك إذ التشريع ليس عبارة عن العمل القلبي المحض لأنه بنفسه لا يكون تصرفا في سلطان المولى وافتراء عليه بل هو داخل في باب العزم على المعصية الذي ورد في اخبار كثيرة العفو عنه كما انه ليس عبارة عن نفس الفعل الخارجي بما هو بالضرورة بل هو عبارة عن الفعل الصادر عن هذا البناء القلبي بالجري على طبقه في الخارج ولو كان ذلك بالإفتاء على طبقه فحقيقة التشريع وان كانت متقومة بالبناء القلبي إلا أنه جهة تعليلية لصدق عنوان التشريع على ما يصدر من المكلف في الخارج من عمل أو افتاء فمصداق التشريع انما هو الفعل الصادر من المكلف وان كان قوام كونه تشريعا هو البناء القلبي وعليه فما هو قبيح عقلا وحرام شرعا انما هو نفس الفعل الخارجي الصادر عن البناء القلبي (فان قلت) سلمنا صدق التشريع على الفعل الخارجي وكون ذلك الفعل محكوما بالحرمة شرعا ولكن مثل هذه الحرمة لا تكون مقيدة لإطلاق المأمور به بغير هذا الفعل لتكون مستلزمة لفساد، كما كان الامر كذلك في الحرمة الذاتية والسر فيه ان حرمة الفعل في موارد التشريع انما تثبت له في مرتبة عدم احراز حكم الفعل في نفسه فتكون هي في مرتبة متأخرة عن مرتبة حكم الفعل في نفسه فلا تنافي الحرمة التشريعية رجحان الفعل في نفسه ليترتب على ثبوت الحرمة تقييد متعلق الرجحان بغير متعلقها (قلت) نعم ان حرمة التشريع وان لم تكن في مرتبة رجحان الفعل الا انك قد عرفت فيما تقدم انه لا يكفى في صحة العبادة وحصول التقرب بها رجحانها في نفسها بل لا بد مع ذلك من كونه غير مزاحم بالقبح الفاعلي (65) وعليه فبما ان الفعل الصادر تشريعا يصدر من المكلف قبيحا ومبغوضا لا يكون قابلا لان يتقرب فاعله به وان كان الفعل راجحا في حد نفسه فاتضح من جميع ماكرناه ان الحرمة التشريعية كالحرمة الذاتية في دلالتها على الفساد في خصوص العبادات الا أن جهة الدلالة فيها مختلفة.
________________
1 - سيأتي تحقيق الحال في ذلك في محله انشاء الله تعالى
2 - المسائل الكلامية وان كانت مسائل عقلية الا أنه ليس كل مسألة عقليه يتكلم فيها عن الاستحالة والامكان مسألة كلامية وذلك ظاهر لا يكاد يخفى.
3 - البحث عن صحة عبادة أو معاملة وان كان من الابحاث الفقهية الا أن البحث في المقام ليس بحثا عن صحة العبادة وفسادها لان البحث في محل الكلام متمحض في لزوم اجتماع الحكمين في فعل واحد وعدم لزومه واما الحكم بصحة العبادة على القول بالجواز فهو ثمرة ثمراته لا انه بنفسه هو محل الكلام في المقام.
4 - لا ينبغى الريب في ان كل حكم من الاحكام الخمسة يستلزم عدم غيره لتضاد الاحكام باسرها وليس ذلك محل الكلام في المقام اصلا بل الكلام متمحض في ما عرفت من لزوم اجتماع الحكمين في فعل واحد وعدم لزومه.
5 - بل التحقيق ان هذه المسألة من المسائل الاصولية لان ترتب صحة العبادة على القول بالجواز كاف في كون المسألة اصولية لان وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط الذي هو ملاك كون المسألة اصولية يكفى فيه كونها كذلك في الجملة ولا يعتبر فيه كون نتيجة المسألة على جميع التقادير واقعة في طريق الاستنباط مثلا مسألة البحث عن حجية الخبر الواحد مسألة تقع نتيجتها في طريق الاستنباط على تقدير القول بحجيته لأنه إذا لم نقل بها لم تقع نتيجتها في طريق الاستنباط ابدا لكن المسألة مع ذلك اصولية بلا اشكال فالقول بعدم الجواز في محل البحث وان لم يترتب عليه القول بفساد العبادة الا ان ترتب القول بالصحة بالإتيان بالجمع على القول بالجواز كاف بنفسه في كون المسألة اصولية.
6 - في التعبير عن المفاهيم المتقيدة باللحاظ بالكليات أو الجزئيات العقلية مسامحة واضحة لا تكاد تخفى على العارف بالاصطلاح .
7 - لا يخفى ان ملاك كون النسبة بين مفهومين هو التساوي انما هو ثبوت الملازمة بين صدقيهما خارجا كما في صدق مفهوم الضاحك وصدق مفهوم الكاتب على الإنسان واما كون جهة الصدق في احد المفهومين متحدة مع جهة الصدق في المفهوم الاخر فهو ملاك ثبوت الترادف بين المفهومين لا ملاك كون النسبة بينهما التساوي كما هو ظاهر .
8 - لا يخفى انه كما يستحيل تحقق النسبة بالعموم من وجه بين جوهرين يستحيل ايضا تحققها بين عرضين وبين جوهر وعرض والسر في جميع ذلك هو ان المقولات بأجناسها العالية وانواعها السافلة متباينة فما يكون مصداقا للجوهر يستحيل كونه مصداقا للعرض كما ان ما يكون مصداقا لجوهر أو عرض يستحيل كونه مصداقا لجوهر أو عرض آخر فالنسبة بالعموم من وجه لا بد أن تكون بين مفهومين عرضيين كالا بيض والحلو أو بين مفهوم عرضي ومفهوم ذاتي كالحيوان والابيض.
9 - تقدم تحقيق الحال في ذلك في بحث المشتق فراجع.
10 - لا يخفى ان ما افاده شيخنا الاستاد قدس سره في هذه المقدمة من لزوم كون مبدأ الاشتقاق اعني به الفعل الصادر من الفاعل محفوظا في جميع انحاء وجوده هو الاساس لما اختاره من جواز اجتماع الامر والنهي ولإثبات ان التركيب بين متعلقي الوجوب والحرمة انضمامي لا اتحادى (والتحقيق) في هذا المقام ان يقال ان الفعل الصادر من المكلف إذا كان من سنخ الماهيات المتأصلة فالأمر كما افاده (قدس سره) ضرورة انه لا تختلف ماهية الشيء باختلاف وجوده في الخارج واما إذا كان الفعل الصادر من سنخ المفاهيم الانتزاعية التي لا يحاذيها شيء في الخارج كما هو الحال في الغصب فالأمر ليس كما افاده (قدس سره) ضرورة انه لا مانع من انتزاع مفهوم واحد جامع لمصاديقه من افعال متعددة مختلفة الماهيات فالغصب الجامع لكل تصرف في مال الغير بغير اذنه قد ينتزع من مقولة الاين كما في التصرف في دار الغير بالكون فيها وقد ينتزع من مقولة اخرى كما في لبس ثوب الغير أو اكل خبزه بغير اذنه فالغصب المتحقق في ضمن التصرف في الدار مغاير بحسب ماهية منشأ انتزاعه للغصب المتحقق في ضمن لبس ثوب الغير أو أكل خبزه بغير اذنه فمرجع النزاع في جواز اجتماع الامر والنهي في مثل الصلاة في المكان المغصوب إلى النزاع في كون الصلاة بنفسها مصداق الغصب وعدمه وسيجيئ تحقيق ذلك بعيد ذلك انشاء الله تعالى
11 - قد عرفت ان الغصب ليس من الماهيات المتأصلة ليستحيل اتحاده مع الصلاة خارجا وانه من المفاهيم الانتزاعية قابلة الانطباق على ماهيات متعددة وعليه فلا مانع من انطباقه على الصلاة ولو باعتبار بعض اجزائها فالشأن انما هو في اثبات مغايرة الغصب للصلاة خارجا وكون وجود كل ماهية مغاير الوجود ماهية اخرى اجنبي عن ذلك بالكلية (والتحقيق في المقام) ان يقال ان الصلاة مركبة من ماهيات متعددة ولا ينبغى الشك في عدم صدق الغصب على بعضها كالأذكار ضرورة ان التكلم في الدار المغصوبة لا يصدق عليه التصرف في الدار قطعا انما الشك في صحة صدق الغصب على الافعال المعتبرة في الصلاة كالقيام والجلوس والركوع والسجود والصحيح انها من مقولة الوضع اعني بها الهيئة الحاصلة للجسم باعتبار اضافة بعض اجزائه إلى بعضها الاخر واما الغصب فهو منتزع من الكون في الدار الذي هو من مقولة الاين فلا يصدق الغصب على شيء منها وتوهم انها من مقولة الفعل ناشئ من عدم التفرقة بينما يكون من قبيل الفعل العرفي الصادر بالإرادة والاختيار ومقولة الفعل المعهودة من المقولات التسع العرضية وبيان الفرق بينهما موكول إلى محله واما الهوى إلى الركوع والسجود أو النهوض منهما إلى القيام فيصدق عليهما الغصب قطعا لانهما من اظهر افراد التصرف في ملك الغير المفروض عدم رضاء مالكه به فان قلنا بانهما من اجزاء الصلاة كان المأمور به متحد المنهي عنه وجودا فلا مناص عن القبول بعدم جواز الاجتماع واما إذا قلنا بانهما من المقدمات كما هو الظاهر فالغصب بالهوى أو النهوض يكون مقدمة لا يجاد المأمور به وبما ان حرمة المقدمة لا تنافى ايجاب ذى المقدمة وحصول الامتثال بإتيانه إذا لم تكن منحصرة لا بد من القول بجواز الاجتماع وحصول الامتثال والعصيان بجهة اخرى (هذا) ولكن الظاهر ان السجود الواجب لا يكفى فيه مماسة الجبهة الارض بل لا بد فيه من اعتمادها عليها ليصح معه صدق وضع الجبهة على الارض ومن الواضح ان الاعتماد على الارض المغصوبة تصرف فيها فيتحد المأمور به و المنهي عنه وجودا وعليه فالقول بالامتناع لا يتوقف على كون الهوى والنهوض من اجزاء الصلاة بل لا بد منه ولو بنينا على كونهما مقدمة للركوع أو السجود أو القيام فتحصل مما ذكرناه ان ما افاده شيخنا الاستاد قدس سره في بيان ضابط كون التركيب اتحاديا وكونه انضماميا لا اساس له وانما المتبع في كل مورد هي ملاحظة حال ذلك المورد بخصوصه فان كان التركيب بين المأمور به و المنهي عنه فيه انضماميا فلابد من القول بالجواز والا فلابد من القول بالامتناع.
12 - لا يخفى وضوح ان الحركة الصادرة من المصلى في الدار المغصوبة حركة واحدة واقعة في الاين وان تلك الحركة الواحدة ينطبق عليها عنوان الغصب لكونها تصرفا في ملك الغير بغير اذنه فلو كانت الحركة من اجزاء الصلاة كما انها كذلك بناء على كون الهوى والنهوض من اجزاء الصلاة لا من مقدماتها لما كان مناص عن القول باتحاد الصلاة والغصب خارجا وقد عرفت آنفا ان الغصب بنفسه ليس من المقولات الحقيقية ليستلزم اتحاده مع الصلاة اتحاد المقولات بعضها مع بعض كما ذهب إليه شيخنا الاستاد قدس سره ومن الغريب في المقام ما افاده (قدس سره) من صدور حركتين من المصلى المزبور في الخارج و كون احديهما غصبا والاخرى صلاة لأنه مع وضوح بطلانه في نفسه لبداهة عدم صدور حركتين من المصلى في آن واحد يرد عليه ان كلا من الحركتين بما انها واقعة في الدار المغصوبة تكون غصبا لأنها تصرف في مال الغير بغير إذ نه فكيف يعقل ان تكون احديهما غصبا والاخرى لا تكون كذلك مع انهما مشتركتان في ملاك الغصب ومما ذكرناه يظهر مواقع النظر في بقية ما افاده قدس سره في المقام فلا حاجة إلى اطالة الكلام.
13 - ما افاده قدس الله نفسه من كون الشرب مصداقا للغصب في المثال وان كان متينا جدا فلا يعقل تعلق الامر به بعد كونه منهيا عنه إلا أنه يناقض ما افاده قدس سره فيما تقدم من استحالة اتحاد المبادئ بعضها مع بعض بدعوى انه يستلزم اتحاد مقولتين متباينتين ضرورة انه لا فرق بين الصلاة والشرب من هذه الجهة اصلا فإذا امتنع اتحاد الصلاة مع الغصب بدعوى ان لكل منهما ماهية محفوظة في مورد الافتراق والاجتماع فيستحيل اتحاد هما امتنع اتحاد الشرب والغصب ايضا (ثم لا يخفى) عليك انه بناء على خروج اجتماع الشرب والغصب في المثال عن محل الكلام كما هو الصحيح لابد ايضا من خروج الوضوء بالماء المغصوب عن محل الكلام فيتقيد الامر بالوضوء بغير الماء المغصوب واقعا وعليه يترتب انه لا بد من الالتزام بفساد الوضوء بالماء المغصوب ولو كان ذلك حال الجهل بالغصب إذ التخصيص حينئذ واقعى والجهل بالغصب لا يوجب كون المنهي عنه في الواقع مأمورا به بسبب الجهل بالنهي وسيأتى ان تصحيح العبادة بإتيان المجمع حال الجهل يختص بما إذا كان المورد من موارد اجتماع الامر والنهي ولا يعم موارد النهي عن العبادة وعليه فحكم شيخنا الاستاد قدس سره بصحة الوضوء المزبور ناشئ من الغفلة عما افاده في المقام أو انه استند فيه إلى دعوى بعضهم الاجماع على صحته.
14 - سيجيئ انه على القول بالجواز وتعدد متعلقي الامر والنهي وجودا في الخارج لابد من تعدد الايجاد ايضا لاستحالة صدورا لوجودين بإيجاد واحد لما تحقق من ان الوجود والايجاد متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فلا يعقل وحدة احدهما وتعدد الاخر.
15 - قد عرفت في محله ان القدرة على ذي المقدمة لا تتوقف على ايجاد مقدمته بل تتوقف على القدرة على مقدمته وانه لا موجب لاتصاف المقدمة بالوجوب المقدمي اصلا نعم ما افاده قدس سره من عدم استلزام القول بوجوب المقدمة للقول بوجوب المشخصات متين جدا ولا سيما إذا اريد من من المشخص ما هو مقارن للواجب اتفاقا وموجود آخر منضم إليه كما هو الحال في الغصب والصلاة.
16 - وستعرف في محله ان تعارض الدليلين الموجب لرفع اليد عن احد هما تعيينا أو تخييرا قد يكون بالذات وقد يكون بالعرض والعلم الاجمالي بكذب احدهما يوجب تحقق التعارض بينهما بالعرض ضرورة ان كلا منهما حينئذ يكون بمدلوله الإلتزامي منافيا للآخر ولا فرق في تنافى الدليلين بين تنافيهما في مدلوليهما المطابقين وتنافيهما باعتبار المد لول الإلتزامي في أحدها والمدلول المطابقي في الاخر واما اشتباه الحجة باللاحجة فهو انما يكون فيما كان احد الدليلين بخصوصه حجة والاخر غير حجة ثم اشتبه احدهما بالأخر في الخارج ومن الواضح ان محل الكلام اجنبي عن ذلك رأسا.
17 - قد ظهر مما تقدم ان القول بجواز اجتماع الامر والنهي يتوقف على اثبات تعدد وجود المأمور به و المنهي عنه خارجا ليكون التركيب بينهما انضماميا وعليه فبما ان التصرف في الانيه المغصوبة أو المتخذة من الذهب أو الفضة لا وجود له الا بوجود فعل من الافعال كالاكل والشرب والوضوء ونحوها يكون النهي عنه نهيا عن الفعل المحقق له فالتركيب بينهما يكون اتحاديا فلا يمكن القول فيه بالجواز.
18 - وقد مر انه لا يمكن الالتزام بالترتب في امثال ذلك فراجع .
19 - قد ظهر مما ذكرناه ان امتناع صدق العامين من وجه على شيء واحد من جهة واحدة ولزوم كونه من جهتين لا ينافى كون المصدوق الخارجي واحدا وجودا و ذلك لما تبين من ان نسبة العموم من وجه لا تتحقق الا بين عنوانين عرضيين أو بين عنوان ذاتي وعرضي ومن الضروري انه يمكن صدق عنوانين عرضيين على شيء واحد كما يمكن صدق العنوان العرضي على ما يصدق عليه العنوان الذاتي فمجرد تعدد العنوان لا يجدى في جواز اجتماع الامر و النهي بدعوى انه يستلزم كون التركيب انضماميا كما ذهب إليه شيخنا الاستاد (قدس سره )نعم لا يلزم ان يكون متعلق الامر والنهي في جميع موارد اجتماع الامر و النهي من قبيل العنوانين العرضيين المنطبقين على شيء واحد أو يكون احدهما من قبيل العناوين الذاتية والاخر عنوانا عرضيا منطبقا عليه فلابد من ملاحظة كل مورد بخصوصه ثم الحكم فيه بجواز الاجتماع أو امتناعه.
20 - قد عرفت ان المبدء إذا كان من العناوين الانتزاعية كما هو الحال في عنوان الغصب امكن انطباقه خارجا على ماهية ما من الماهيات المتأصلة واتحاده معها في الخارج من دون ان يستلزم ذلك تفصل الجنس الواحد بفصلين أو اتحاد المقولتين في الخارج أو عروض العرض لعرض آخر وعليه فإذا كان العنوان الانتزاعي متعلقا للنهى مثلا وكان منشأ انتزاعه متعلق الامر لم يكن مناص عن القول بامتناع اجتماع الامر و النهي في مورده نعم إذا كان منشأ العنوان الانتزاعي المتعلق لحكم مغايرا في الوجود لما تعلق به الحكم الاخر أو كان كل من متعلقي الامر و النهي من الماهيات المتأصلة فلا بد من القول بالجواز بناء على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من متعلقه إلى مقارناته الخارجية المعبر عنها بالمشخصات الوجودية على ضرب من المسامحة والتجوز
21- قد عرفت فيما تقدم ان مفهوم الغصب انما ينتزع من التصرف في مال الغير بغير اذنه فلا بد من ان يكون مصداقه الخارجي فعلا من الافعال الخارجية وعليه فلا ملازمة بين عدم صدق مفهوم الغصب على زيد عند كونه في الدار المغصوبة وعدم صدقه على الصلاة الواقعة فيها وان شئت قلت ان المكان لا يكون ظرفا للجوهر بنفسه وانما يكون ظرفا له باعتبار العرض القائم به المعبر عنه بمقولة الاين فقولنا زيد في الدار عبارة أخرى عن قولنا استقر زيد في الدار فالظرف في الحقيقة ظرف لاستقراره لا لنفسه ومن ثم يسمى هذا الظرف بالظرف المستقر وعليه فيكون مصداق الغصب في الخارج هو الاستقرار المزبور لأنه تصرف في مال الغير بغير اذنه
22- قد ظهر مما ذكرناه انه لا يختص صدق مفهوم الغصب بمقولة الابن بل يصدق ذلك على كل ما يكون تصرفا في مال الغير بغير اذنه وعليه فلو قلنا بان مقدمات الركوع أو السجود أو القيام من الهوى أو النهوض انما هي من افعال الصلاة واجزائها للزم القول بعدم جواز اجتماع الامر و النهي فيما إذا وقعت الصلاة في الدار المغصوبة لان ما يكون مصداقا للمأمور به يكون هو بنفسه متعلقا للنهى فيتحد المأمور به و المنهي عنه في الخارج فلابد من الالتزام بعدم الامر أو بعدم النهي بل قد عرفت فيما تقدم ان السجود المعتبر فيه الاعتماد على الارض بما انه بنفسه مصداق لمفهوم الغصب لا يعقل كونه مصداقا للمأمور به فلا بد من القول بالامتناع ولو على القول بخروج المقدمات المزبورة عن حقيقة الصلاة نعم إذا قلنا بذلك وكانت الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة غير مشتملة على السجود اتجه القول بجواز الاجتماع لعدم اتحاد المأمور به مع المنهي عنه حينئذ بوجه اصلا فاللازم كما عرفت هي ملاحظة كل مورد بخصوصه ثم الحكم فيه بجواز الاجتماع أو امتناعه .
23- لا يخفى انه إذا دل دليل على وجوب شيء والاخر على حرمة ذلك الشيء بعينه فالدليلان وان لم يكونا متعارضين في اشتمال ذلك الشيء على ملاك الوجوب والحرمة الا انه يكفى في دخولهما في باب التعارض تعارضهما في نفس مدلوليهما وتنافيهما في الكشف عن اتصاف ذلك الشيء بالوجوب أو الحرمة واقعا فإذا قدم احدهما على الاخر تعيينا أو تخييرا تعين ذلك في الحجة الفعلية وفي ثبوت مدلوله بالفعل فلا يكون هناك ما يكشف عن كون الفعل واجدا لملاك الحكم الاخر اصلا وعليه فلا وجه لاعتراض شيخنا الاستاد (قدس سره )على ما افاده صاحب الكفاية (قدس سره) في المقام في ملاك التفرقة بين التزاحم والتعارض بانه يستلزم ان لا يبقى مورد للمعارضة اصلا نعم ما اورده عليه اولا من ان النزاع في مبحث اجتماع الامر و النهي لا يدور مدار القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد متين جدا وعليه فلا يبقى مجال لما ذكره صاحب الكفاية في المقام .
24- اشتباه الحجة باللاحجة انما يتحقق في ما إذا كان أحد الخبرين مثلا بخصوصه حجة و الاخر غير حجة واشتبها في الخارج ولم يتميز احدهما عن الاخر كما إذا فرض ان راوي احد الخبرين ثقة والاخر غير ثقة لكنه اختلط احدهما بالأخر فلم يتميز عنه في الخارج لموجب اقتضى ذلك واما في امثال المقام مما كان كل من الدليلين حجة في نفسه لولا العلم الاجمالي بكذب احدهما فالدليلان يكونان متعارضين لا محالة لان كلا منهما بمد لوله الإلتزامي ينفى ثبوت مدلول الاخر فتقع المنافاة بين المدلول المطابقي لكل منهما والمدلول الإلتزامي للأخر ومن هذا القبيل وقوع المعارضة بين الاخبار الدالة على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة والاخبار الدالة على وجوب صلاة الجمعة فانه لو لا العلم بعدم وجوب صلاتين في يوم واحد لما وقعت المعارضة بينهما اصلا ومن هذ القبيل ايضا ما إذا علم نجاسة احد شيئين لا بعينه وقد قامت بينة على طهارة احدهما وبينة اخرى على طهارة الاخر فان التعارض بين البينتين انما نشأ من العلم بكذب احدهما واما مع قطع النظر عن العلم الاجمالي فلا معارضة بينهما كما هو ظاهر وسيجيئ لذلك مزيد توضيح في بحث التعادل والترجيح انشاء الله تعالى.
25-وقد عرفت في بحث الواجب المشروط ان مجرد كون اطلاق احد الدليلين شموليا لا يوجب تقدمه على ما يكون اطلاقه بدليا بل لا بد في الحكم بتقدم احدهما على الاخر من التماس دليل آخر فراجع .
26- ما افاده شيخنا الاستاذ (قدس سره) من ان القول بامتناع اجتماع الامر و النهي وتقديم جانب النهي يستلزم خروج المجمع عن حيز الامر واقعا فلا يصح الاجتزاء به و لو كان الاتي به جاهلا بحرمته حكما أو موضوعا وان كان متينا جدا الا أن تسالم الاصحاب على صحة الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة حال الجهل بالحرمة إذا كان الجهل عذرا لا يمكن ان يكون مبنيا على اختيارهم القول بجواز اجتماع الامر و النهي من الجهة الاولى لان كثيرا من القائلين بالامتناع ذهبوا إلى صحة الصلاة في الفرض المزبور معللين ذلك بان تخصيص دليل الامر بغير مورد الاجتماع بما انه تخصيص عقلي ناشئ من استحالة اجتماع الحكمين يكون مختصا بموارد فعلية الحرمة وتنجزها فإذا فرض عدم فعلية الحرمة أو عدم تنجزها للجهل بها لم يكن مانع من شمول دليل الامر له في هذا الحال وهذا الوجه وان لم يكن صحيحا بناء على ما حققه شيخنا الاستاد (قدس سره )الا أنه هو الذي اعتمد عليه كثير من القائلين بعدم جواز اجتماع الامر و النهي في القول بصحة الصلاة في الفرض المتقدم كما يظهر ذلك لمن راجع كلماتهم واما اعتبارهم المندوحة في محل البحث فإنما هو باعتبار ان القول بالجواز فعلا يستدعى اعتبار وجود المندوحة فلا يكون ذلك كاشفا عن ان محل كلامهم في المقام هو الجواز أو الامتناع من الجهة الثانية بعد الفراغ عن القول بالجواز من الجهة الاولى كما افيد في المتن كيف وان كلمات جمهور الباحثين في محل الكلام من الخاصة والعامة صريحة في أن ما هو محط الانظار بينهم انما هو الجواز أو الامتناع من الجهة الاولى وعليه فالقول بالامتناع يستلزم القول بفساد المجمع وعدم سقوط الامر بالإتيان به ولو كان الاتيان به حال الجهل بحرمته قصورا فيكون ذهاب من ذهب إلى كون صحة الصلاة في الدار المغصوبة في الفرض المزبور على طبق القاعدة ناشئا من الغفلة عما يقتضيه القول بالامتناع فتدبر جيدا .
27- لا يخفى عليك ان اشتمال كل من الفعل والترك على المصلحة وان كان لا يوجب تعلق الامر بهما تعيينا أو تخييرا لاستحالة طلب النقيضين تعيينا أو تخييرا الا أن ذلك فيما إذا كانت المصلحة مترتبة على مطلق وجود الفعل والترك واما فيما إذا كانت مترتبة على حصة خاصة من الفعل كما هو الحال في موارد العبادات المكروهة في محل الكلام إذ المصلحة فيها مترتبة على الفعل المأتى به عبادة فلا محالة يكون المورد داخلا في صغرى تزاحم المستحبين لان المكلف حينئذ قادر على تركهما والاتيان بالفعل المجرد عن قصد القربة وغير قادر على الجمع بينهما وعليه فإذا كانت مصلحة الترك اهم من مصلحة الفعل لم يكن مانع من النهي عن الفعل ارشادا إلى ما في الترك من المصلحة فالكراهة في هذه الموارد لم تنشأ من حزازة ومنقصة في الفعل لتنافى كونه عبادة بل انما نشأت من كون الترك ارجح من الفعل كما يظهر ذلك من مداومة الائمة سلام الله عليها على الترك وامرهم اصحابهم به وهذا لا ينافى صحة الفعل إذا اتى به عبادة وهذا الوجه هو الذي افاده العلامة الأنصاري (قدس سره )في تصوير الكراهة في العبادة في هذا القسم وهو الصحيح واما ما افاده شيخنا الاستاد (قدس سره )في تصويرها فسيظهر لك ما فيه بعيد ذلك انشاء الله تعالى.
28- التحقيق انه لا فرق بين موارد الاجارة على العبادة المأتى بها نيابة عن الغير و موارد تعلق النذر بها توضيح ذلك ان الاوامر المتصورة في موارد الاجارة اربعة الاول الامر المعلق بالمنوب عنه الساقط في بعض الموارد بموت ونحوه وهذا الامر اجنبي عن النائب بالكلية ولا معنى لاتحاده مع الامر الناشئ من قبل الاجارة وعدم اتحاده معه لاختلاف موضوعهما على الفرض الثاني الامر الإستحبابي المتوجه إلى النائب المتعلق بإتيان العبادة من قبل نفسه وهذا الامر لا معنى ايضا لاتحاده مع الامر الناشئ من قبل الاجارة وعدم اتحاده معه لاختلاف متعلقهما كما هو ظاهر الثالث الامر الإستحبابي المتوجه إلى النائب المتعلق بإتيان العمل نيابة عن الغير الرابع الامر الوجوبي المتوجه إليه المتعلق بما تعلق به الامر الاستحبابي بعينه وهذان الامران بما انهما متعلقان بشيء واحد لا مناص عن اندكاك احدهما في الاخر فتكون النتيجة امرا واحدا وجوبيا متعلقا بإتيان العمل عن الغير فلا فرق بين موارد تعلق الاجارة بالعبادة وموارد تعلق النذر بها اصلا واما ما افاده شيخنا الاستاد (قدس سره )من ان الامر الإستحبابي في موارد الاجارة متعلق بذات العبادة والامر الوجوبي متعلق بإتيانها بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه فيظهر فساده مما ذكرناه وذلك لان الامر الإستحبابي المتوجه إلى النائب كما عرفت امران احدهما متعلق بإتيان العمل من قبل نفسه وثانيتهما متعلق بإتيان العمل عن الغير ونيابة عنه وعلى كل حال فهو غير متعلق بذات العبادة نفسها واما الامر الوجوبي الناشئ من قبل الاجارة فهو وان كان متعلقا بإتيان العمل نيابة عن الغير الا أنه غير متعلق بإتيان العمل بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه ضرورة انه يستحل ان يكون الامر المتوجه إلى شخص داعيا لشخص آخر إلى الاتيان بمتعلقه بل الداعي لكل مكلف انما هو الامر المتوجه إلى شخصه لا محالة غاية الامر ان متعلقه ربما يكون هو الاتيان بالفعل من قبل نفسه وربما يكون هو الاتيان به من قبل الغير ونيابة عنه وتمام الكلام في محله .
29- لا يخفى ان ما افيد في المتن من دعوى تعلق الكراهة بالتعبد بالعبادة المتعلق بها الامر الإستحبابي مع انه خلاف ظواهر الادلة الدالة على النهي عن نفس العبادة كصوم يوم عاشوراء لا يدفع به اشكال اجتماع الامر و النهي في شيء واحد ضرورة ان الامر الإستحبابي كما تعلق بذات العبادة تعلق بالتعبد بها ايضا كما عرفت ذلك في بحث التعبدي والتوصلي غاية الامر ان تعلقه بما انما هو بالأمر الثاني الموجب لتقييد الامر الاول بنتيجة التقييد على ما ذهب إليه شيخنا الاستاد (قدس سره )وعليه فإذا كان التعبد بعبادة ما متعلقا للنهى التنزيهي ايضا لزم اجتماع حكمين متضادين في شيء واحد وهو مستحيل .
30- قد عرفت فيما تقدم ان حقيقة الوجوب ليست الا عبارة عن اعتبار كون فعل ما على ذمة المكلف وهذا المعنى في نفسه لا يقتضى اعتبار القدرة على ذلك الفعل وانما تكون القدرة معتبرة بحكم العقل في مقام الامتثال دون مرحلة التكليف الا في موارد تلزم اللغوية من الاعتبار المزبور وعليه يترتب ان الحق في المقام هو القول بالجواز من الجهة الثانية فيصح الاتيان بالمجمع بداعي امتثال الامر بالطبيعة ولو كان ذلك حال العلم والعمد ايضا بل التحقيق جواز ذلك حتى على القول باقتضاء طلب شيء اعتبار القدرة عليه لان حرمة ما يكون مقارنا لفرد المأمور به لا تجعل ذلك الفرد غير مقدور عليه ليخرج بذلك عن حيز الامر ضرورة ان عدم القدرة على شيء اما ان يتحقق بالعجز عنه تكوينا واما بالنهي عن نفس ذلك الشيء أو عن مقد ماته المتوقفة عليه عقلا لان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا واما في غير ذلك فلا موجب لدعوى كون فعل ما غير مقدور عليه اصلا ومن الواضح ان الاتيان بفرد المأمور به في ضمن المجمع بما انه مقدور عليه تكوينا وغير منهى عنه شرعا إذا لمفروض عدم سراية النهي عن ملازمه إليه لا موجب لكونه خارجا عن حيز الامر فلا وجه لدعوى اختصاص الطلب بغير الفرد المجتمع مع المنهي عنه خارجا وعليه فلا مانع من صحة الامتثال بإتيان المأمور به في ضمن المجمع ولو كان ذلك في حال العلم والعمد.
31 الانصاف صحة الاعتراض المزبور على الاصحاب لما عرفت مما بيناه ان الامر دائر بين الحكم بالصحة مطلقا والحكم بالفساد كذلك ولا وجه للتفصيل بين صورتي العلم والجهل اصلا واما ما افاده شيخنا الاستاذ (قدس سره )في توجيه ذلك فسيظهر لك ما فيه بعيد ذلك انشاء الله تعالى
32- التحقيق صحة ذلك اما اولا فلما عرفت من ان الصحيح هو القول بالجواز من الجهة الثانية فلا مانع من تحقق الامتثال بالإتيان بفرد المأمور به المجتمع مع الفرد المنهي عنه واما ثانيا فلما عرفت من صحة القول بالترتب في موارد اجتماع الامر و النهي بناء على القول بالجواز من الجهة الاولى كما مر بيان ذلك في بحث الترتب واما ثالثا فلصحة التقرب بالملاك الموجود في المجمع ولو سلم عدم تعلق الامر به فعلا واما ما افيد في المتن من دعوى عدم صلوح الملاك المزاحم بالقبح الفاعلي المتحقق عند الاتيان بالمجمع لان الامتزاج بين المأمور به و المنهي عنه في الخارج بحيث لا تمكن الاشارة إلى احدهما دون الاخر اوجب اتحادهما في الخارج في مقام الايجاد والتأثير وذلك مانع من صحة التقرب بالإتيان بالمجمع فهو مدفوع بان القول بالجواز من الجهة الاولى كما هو المفروض في المقام يبتنى على القول بتعدد وجود المأمور به و المنهي عنه في الخارج كما مر بيان ذلك فيما تقدم ومن الواضح ان تعدد الوجود في الخارج يستلزم تعدد الايجاد والتأثير لان الايجاد والوجود متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فالفرد المأمور به كما أنه مغاير للمنهى عنه وجودا مغاير له ايجادا فليس هناك قبح فعلى أو فاعلي الا فيما هو مقارن للمأمور به في الخارج ولا يسرى منه القبح إلى فرد المأمور به بوجه اصلا فتحصل ان القول بالجواز من الجهة الاولى يستلزم القول بصحة العبادة المجتمعة مع المنهي عنه سواء اتى بها حال الجهل بالحرمة ام اتى بها حال العلم والعمد فالتفصيل بالقول بالصحة حال الجهل وبالقول بالفساد حال العلم لا وجه له اصلا.
33- التحقيق صحة ما ذهب إليه المشهور لا لأجل ان وجود احد الضدين في مرتبة سابقة على عدم الضد الاخر ليرد عليه ما تقدم من عدم توقف احد الضدين على عدم الاخر و بالعكس بل لأجل ان دلالة النهي على عدم وجوب متعلقه بالد لالة الالتزامية انما هي بتبع دلا لته على حرمته بالمطابقة وقد تقدم ان الد لالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية وجودا وحجية فإذا سقطت الد لالة المطابقية سقطت الدلالة الالتزامية ايضا وعليه فلا مانع من التمسك بأطلاق دليل الامر فيما إذا سقطت الحرمة باضطرار ونحوه كما هو الحال فيما إذا ورد التخصيص على دليل النهي من اول الامر (فان قلت) فرق بين ورود التخصيص على دليل النهي وارتفاع حرمة شيء باضطرار ونحوه لان دليل التخصيص الوارد على دليل النهي يكشف عن اختصاص الحرمة بغير مورد التخصيص من اول الامر فلا يبقى مانع من التمسك بأطلاق دليل الوجوب بالإضافة إلى مورد التخصيص وهذا بخلاف دليل رفع الحكم باضطرار ونحوه لان غاية ما يستفاد من ذلك الدليل انما هو ارتفاع الحرمة الفعلية لأجل عروض ما يوجب ارتفاعها واما ارتفاع ملاك التحريم فلا يكون دليل رفع الحكم دليلا عليه قطعا وعليه فالفعل الصادر حال الاضطرار بما انه مشتمل على ملاك التحريم لا يكون قابلا للتقرب به ولان يؤمر به بالفعل فلا يصح التمسك بأطلاق دليل الوجوب بالإضافة إليه (قلت) الفعل المضطر إليه مثلا وان لم يرتفع ملاك حرمته الا أن ذلك الملاك بما أنه غير مؤثر في المبغوضية الفعلية ولذلك يكون الفعل موردا للترخيص شرعا لا يكون مانعا عن ايجاب ذلك الفعل والالزام به بعد فرض اشتماله في نفسه على الملاك الملزم وعليه فلا مانع من التمسك بأطلاق دليل الوجوب بالإضافة إليه وبذلك يثبت جواز امتثال الامر المتعلق بالطبيعة بذلك الفرد فيكون مصداقا للواجب في الخارج ومن هذا القبيل ما لو اضطر المكلف على التصرف في الماء المغصوب فانه مع جواز التصرف فيه بالاضطرار ونحوه لا مانع من جواز الوضوء أو الغسل به من دون فرق بين ما إذا كان الماء منحصرا به وما إذا لم يكن منحصرا به .
34- الظاهر ان المكلف إذا كان مضطرا إلى المكث في المكان المغصوب لا يفرق الحال بين ان يكون راكعا أو ساجدا فيه وان يكون قائما فيه فكما ان الرجوع أو السجود تصرف فيه كذلك القيام تصرف فيه ايضا فلا وجه حينئذ للقول بلزوم الاقتصار على الايماء بدلا عن الركوع والسجود واما دعوى انهما يعدان بنظر العرف من التصرف الزائد فهي دعوى بلا بينة وبرهان ومن ذلك يظهر حكم الركوع والسجود في الصلاة الواقعة حال الخروج إذا تمكن المكلف من التخلص من الغصب نعم فيما إذا استلزم الركوع أو السجود التوقف في المكان المغصوب زائدا على ما يقتضيه الخروج في نفسه انتقل الامر إلى الايماء والفرق بين هذه الصورة وما هو محل الكلام ظاهر لا يكاد يخفى .
35- بل الصحيح هو الوجه الثالث وسيظهر وجهه بعيد ذلك انشاء الله تعالى .
36- لا يخفى ان ما افاده صاحب الكفاية (قدس سره )في تعليقته على المكاسب لا يشارك في وجه الاستحالة ما افاده صاحب الفصول (قدس سره) في المقام وذلك لان الحكم التكليفي انما يكون تابعا لما في متعلقه من الملاك فالفعل الواحد الواقع في زمان واحد إذا كان محبوبا للمولى امتنع النهي عنه كما انه كان مبغوضا له امتنع الامر به فتعدد زمان الامر و النهي لا يجدى في صحتهما إذا كان زمان ما تعلقا به واحدا وهذا بخلاف الحكم الوضعي فانه يتبع ما في نفسه من الملاك المقتضى لجعله فلا مانع من اعتبار الملكية مثلا قبل حصول الاجازة لمن انتقل عنه المال لمصلحة مقتضية له ومن اعتبار ملكية ذلك المال في ذلك الزمان بعينه بعد حصول الاجازة لمن انتقل إليه المال لمصلحة مقتضية له ايضا بل قد ذكرنا في محله انه لا مناص عن الالتزام بذلك وانه هو الصحيح من وجوه القول بالكشف وتمام الكلام في محله .
37- التحقيق ان الخروج عن الدار المغصوبة وان كان مقدورا تكوينا للمكلف فعلا و تركا الا أنه لا مناص له من اختياره خارجا ضرورة ان حرمة التصرف فعلا بغير الخروج تستلزم لزوم الخروج بحكم العقل دفعا للمحذور الاهم فالإنزجار عن الخروج حسب ما كان يقتضيه النهي السابق يمتنع بالفعل على المكلف بمقتضى حكم العقل بلزوم اختياره لكن الامتناع المزبور بما انه منته إلى الاختيار لا يكون منافيا للاختيار عقابا وان كان منافيا له خطابا وبالجملة موارد الاضطرار إلى ترك الواجب وموارد الاضطرار إلى فعل الحرام وان كانتا تفترقان في ان فعل ما يفضى إلى ترك الواجب يوجب امتناع فعل الواجب كما إذا ترك المسير إلى الحج فان الحج يمتنع وجوده في الخارج بعد ترك مقدمته ولو كان ذلك بالاختيار بخلاف فعل ما يفضى إلى الوقوع في الحرام فانه لا يوجب امتناع الفعل في الخارج بل يوجب امتناع ترك الحرام والإنزجار عنه الا انهما تشتركان في ان مخالفة المولى ونقض غرضه الملزم في جميع تلك الموارد إذا كان منتهيا إلى اختيار المكلف وارادته لا ينافى العقاب ولا فرق في ذلك بين كون الامتناع الناشئ من الاضطرار تكوينيا أو تشريعيا ناشئا من الزام الشارع بفعل شيء أو تركه والجامع بين جميع الموارد هو كون اضطرار المكلف إلى مخالفة المولى منتهيا إلى ارادته واختياره .
38- لا يخفى ان ما ذكره شيخنا الاستاذ (قدس سره )في هذا الوجه ملا كالدخول شيء في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار انما يختص بموارد التكاليف الوجوبية واما التكاليف التحريمية فامتناع الموافقة فيها انما يتحقق بارتكاب ما به يضطر المكلف إلى ارتكاب الحرام تكوينا أو من جهة حكم الشارع والزامه بعدم ارتكاب غيره ومن الواضح ان الخروج في محل الكلام كذلك ضرورة انه إذا كان التصرف في الدار المغصوبة بغير الخروج محكوما عليه بالحرمة فعلا اضطر المكلف إلى اختيار الخروج المفروض كونه اقل محذورا من غيره وعليه فالتكليف التحريمي المتعلق بالخروج وان كان ساقطا بالاضطرار إليه الا انه لا ينافى العقاب عليه إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار لان الاختيار بالاختيار لا ينافى الاختيار ومما بيناه يظهر الحال في ما افاده (قدس سره )في الوجه الثالث لأنه ايضا يختص بموارد الاضطرار إلى ترك الواجب واما الاضطرار إلى ارتكاب الحرام فهو انما يتحقق بارتكاب ما يفضى إلى امتناع الانزجار عن الحرام كما عرفت .
39- لا يخفى ان كون الخروج واجبا بحكم العقل وان كان لا بد فيه من كونه مقدورا تكوينا الا انه مع ذلك غير قابل لتعلق التكليف التحريمي به بعد تحقق الدخول ضرورة ان تحريمه الفعلي مساوق للعجز عنه تشريعا ومن الواضح انه لا يجتمع مع كون التصرف بغير الخروج حراما بالفعل كما هو المفروض لاستلزامه التكليف بما لا يطلق وهو غير معقول نعم لو كان الخروج في نفسه محكوما عليه بالوجوب لما سقط حكمه بالدخول الا ان المفروض ان حكمه في نفسه ومع قطع النظر عن الاضطرار إليه هي الحرمة فلا مناص حينئذ من الالتزام بسقوط حكمه وان صح العقاب على ارتكابه لان الاضطرار إليه بسوء الاختيار على الفرض وعليه فلا وجه لما افيد في المتن من دعوى الملازمة بين الالتزام بكون الخروج واجبا عقلا والالتزام بعدم سقوط حكمه الثابت له شرعا وبالجملة ان جميع ما افاده شيخنا الاستاد (قدس سره )في هذه الوجوه الاربعة لإثبات ما اختاره من عدم دخول الخروج في محل الكلام في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار ناشئ من خلط الاضطرار في موارد التكاليف التحريمية بالاضطرار في موارد التكاليف الوجوبية وقد تحصل مما ذكرناه بطلان تلك الوجوه وصحة دخول المقام تحت القاعدة المزبورة فالخروج بما انه تصرف في ملك الغير بدون إذ نه ورضاه مبغوض في نفسه وبما انه مضطر إليه يسقط حرمته لكنه يصح العقاب عليه لكون الاضطرار إليه بسوء الاختيار كما هو الحال في غير المقام من موارد الاضطرار إلى الحرام إذا كان الاضطرار مستندا إلى سوء الاختيار .
40- لا يذهب عليك ان وجوب التخلية بين المال ومالكه لا يستلزم وجوب الحركات الخروجية المتوقف عليها الكون في خارج الدار لأنها ليست معنونة بعنوان التخلية قطعا ضرورة انها تصرف في مال الغير بدون اذنه ومصداق للغصب كما عرفت فكيف يعقل كونها مصداقا لعنوان التخلية المقابل لعنوان الاشغال غاية الامران العقل يرشد إلى اختيارها حذرا من الوقوع في الغصب الدائمي ودفعا للأفسد بالفاسد واما دعوى انها و ان لم تكن بأنفسها مصداقا لعنوان التخلية الا انها مقدمة للكون في خارج المكان المغصوب المنطبق عليه عنوان التخلية فتكون هي واجبة بالوجوب المقدمي فلا يعقل ان تتصف بالمبغوضية والحرمة فهي مدفوعة بان تلك الحركات وان كانت مقدمة للكون في خارج المكان المغصوب الا أن الكون في خارج المكان المغصوب غير متصف بالوجوب شرعا لتجب مقد مته على القول بثبوت الملازمة لان عنوان التخلية عبارة عن ايجاد خلاء المكان المغصوب من التصرف فيه وهذا العنوان عنوان ملازم للكون في خارج ذلك المكان لا انه منطبق عليه كما هو ظاهر فتحصل انه لا وجه للقول بوجوب تلك الحركات التي هي مقدمة للكون في الخارج بالوجوب النفسي أو الغيرى فهو باقية على ما كانت عليه من المبغوضية فيعاقب عليها فيما إذا كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار وان سقطت حرمتها بالاضطرار .
41- قد عرفت ان الحركات الخروجية غير متصفة بالوجوب النفسي أو الغيرى واما شرب الخمر المتوقف عليه حفظ النفس الواجب شرعا فهو وان كان متصفا بالوجوب الغيرى على القول بثبوت الملازمة الا ان اتصافه بهذا الوجوب الناشئ من وجود مصلحة في غيره لا ينافى مبغوضيته الذاتية فيصح العقاب عليه إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار نعم لو كانت في نفس الشرب مصلحة داعية إلى ايجابه غالبة على ملاك مبغوضيته لما صح العقاب عليه لكنه خلاف الواقع والمفروض.
42- بل قد عرفت ان الحركات الخروجية خارجة عن كل من البابين وانها تقع لا محالة على ما كانت عليه من المبغوضية من دون ان يعرض لها جهة وجوب نفسي أو غيرى على انه لو سلم عروض الوجوب الغيرى لها لما كان ذلك منافيا لمبغوضيتها النفسية فيصح العقاب عليها إذا كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار كما كان الحال ذلك عند الاضطرار إلى شرب الخمر المتوقف عليه حفظ النفس ومن جميع ما ذكرناه في المقام تظهر صحة ما اختاره صاحب الكفاية (قدس سره) في المقام .
43- وقد عرفت ان الحركات الخروجية في محل الكلام لا تكون معنونة بعنوان التخلية ورد المال إلى مالكه وانما هي معنونة بعنوان الغصب وان كان العقل يلزم باختيارها خارجا ارشادا إلى اخف القبيحين واقل المحذورين واما حكمه بلزومها إذا لم يكن التوسط في المكان المغصوب باختيار المكلف وبإرادته فانما هو من جهة عدم كون تلك الحركات مبغوضة منه حينئذ إذ المفروض اضطرار المكلف إلى التصرف في ذلك المكان باقل زمان يتحقق فيه الخروج وعدم كون الاضطرار بسوء الاختيار فهذا المقدار من التصرف مما لا بد منه وغير مبغوض للمولى واما غير ذلك من التصرفات فهو باق على مبغوضيته وحرمته - فكم فرق بين ان يكون الاضطرار بسوء الاختيار وان يكون بغير سواء الاختيار فلا تغفل .
44- هذا انما يختص بضيق الوقت واما في غيره مما كان المكلف مأمورا بإتيان مثل ما يأتي به حال الخروج من اجزاء الصلاة وشرائطها فيجرى فيه الكلام الجاري في الصلاة الواقعة في غير حال الخروج حرفا بحرف لكنك قد عرفت فيما تقدم انه لا اساس لدعوى القبح الفاعلي في امثال المقام فلا مانع من التقرب بما يأتي به حال الخروج إذا كان المأمور به منطبقا عليه من غير نقصان
45- لا يخفى ان ما دل على ان الصلاة لا تسقط بحال كما انه يستفاد منه بالدلالة الالتزامية ان القبح الفاعلي المفروض كونه مانعا من التقرب في سعة الوقت لا يكون مانعا منه في ضيق الوقت كذلك يستفاد منه بتلك الدلالة عدم كون الخروج مبغوضا للمولى عند تضيق وقت الصلاة فتصح الصلاة حال الخروج في ضيق الوقت ولو على القول بالامتناع فلا ثمرة بين القول بالجواز والقول بالامتناع من هذه الجهة اصلا.
46- بل عرفت ان نتيجة تلك المسألة ايضا تقع في طريق الاستنباط بلا واسطة فتكون هي ايضا من المسائل الاصولية .
47- لا يخفى انه لا يوجد مورد تكون فيه دلالة النهي على الفساد هي الموجبة لوقوع المعارضة بين دليلي الامر و النهي ولتقييد متعلق الامر بغير ما تعلق به النهي وذلك لان الامر و النهي بأنفسهما متنافيان ولا يعقل ان يكون متعلق احدهما متعلقا للآخر وكذلك الحال في بقية الاحكام فلا يكون لدلالة النهي على الفساد مساس بوقوع المعارضة بين دليلي الامر و النهي اصلا وعليه فلا فرق بين النهي التحريمي و النهي التنزيهي الا فيما ذكر من ان النهي التنزيهي عن فرد ما بما انه متضمن للترخيص في فعله لا ينافي اطلاق الامر بالطبيعة بالإضافة إلى ذلك الفرد بخلاف النهي التحريمي فانه ينافى الاطلاق المزبور فيوجب تقييد المأمور به بغير الفرد المنهي عنه لا محالة واما كون التعارض بين دليلي الامر و النهي متوقفا على دلالة النهي على الفساد فلا مورد له اصلا .
48- قد تقدم في بحث الصحيح والاعم انه ليس انشاء الملكية مثلا عبارة عن ايجادها خارجا لما مر من ان الملكية الشرعية غير قابلة لتعلق الايجاد بها من غير الشارع مع ان المتبايعين ربما لا يلتفتان إليها اصلا واما الملكية الاعتبارية القائمة بهما بالمباشرة فاعتبارها منهما لا يحتاج إلى سبب أو آلة فكما ان نسبة العقد الصادر في الخارج إلى الملكية ليست نسبة الاسباب إلى مسبباتها كذلك ليست نسبته إليها نسبة الالة إلى ذي الالة ولا نسبة الايجاد إلى الوجود هذا مع انك عرفت سابقا ان الايجاد والوجود متحد ان بالذات ومختلفان بالاعتبار فكيف يعقل ان يكون وجود اللفظ ايجادا للملكية مثلا ومع ذلك تكون الملكية مترتبة على وجود اللفظ و مغايرة في الخارج والتحقيق ان اتصاف العقود والايقاعات بالصحة أو الفساد انما هو لأجل ان الامضاء الشرعي انما تعلق في عالم التشريع بنحو القضية الحقيقية بالاعتبار الصادر من شخص خاص مع تحقق قيود مخصوصة ومن جملتها وجود مظهر خاص في مقام ابراز الاعتبار و انشائه فان كان ما وقع في الخارج مصداقا لذلك المعنى الكلى المتعلق به الامضاء الشرعي فهو يتصف بالصحة والا فبالفساد وفيما ذكرناه في تحقيق معنى الانشاء وما به يمتاز الاخبار عن الانشاء ما ينفعك في المقام فراجع.
49- لا يخفى انه لا يتوقف اتصاف العبادة بالصحة أو الفساد على كون الاحكام تابعة لما في متعلقاتها من المصالح أو المفاسد ليكون مناط اتصاف العبادة بالصحة ترتب الاثر الاعدادي على وجودها في الخارج ومناط اتصافها بالفساد عدم ترتب ذلك الاثر على وجودها فيه فالصحيح ان المناط في اتصافها بالصحة والفساد انما هو وجدان الفرد الموجود في الخارج لتمام الاجزاء والشرائط وفقدانه لشيء ما منها على ما يعترف به شيخنا الاستاد (قدس سره)فيما سيأتي .
50 - لا يخفى ان ما افاده شيخنا الاستاد (قدس سره )من التفرقة بين العبادات وغيرها ومن التفرقة بين موارد الشبهة الموضوعية وغيرها وان كان صحيحا في نفسه في الجملة الا انه اجنبي عما هو محل البحث في المقام لان محل الكلام انما هو فيما إذا شك في صحة عبادة أو معاملة بعد الفراغ عن كونها منهيا عنها ولا ينبغى الريب في ان مقتضى الاصل فيه هو الفساد فيما إذا كان المنهي عنه عبادة لان صحة العبادة كما عرفت تتوقف على وجود الامر بها أو اشتمالها على ملاك المحبوبية غير مزاحم بملاك المبغوضية وشيء منهما لا يكون بمتحقق في فرض كون العبادة منهيا عنها كما هو ظاهر واما إذا كان المنهي عنه غير عبادة فان كان هناك ما يقتضى صحته من اطلاق أو عموم والا فالأصل يقتضى عدم ترتب الاثر عليه فيحكم عليه بالفساد.
51- - هذا انما يصح فيما إذا كان الشك في صحة العبادة وفسادها ناشئا من الشك في اعتبار شيء فيها جزء أو شرطا واما إذا كان الشك المزبور ناشئا من الشك في اصل مشروعية العبادة مع عدم دليل على مشروعيتها فمقتضى الاصل فيه ايضا هو الفساد والوجه فيه ظاهر .
52-- بل الصحيح ان النهي في هذا القسم قد يتعلق بالخصوصية المقارنة للمأمور به لمفسدة في نفس تلك الخصوصية وقد يتعلق بالفعل المقترن بتلك الخصوصية لمفسدة في نفس ذلك الفعل فيكون اقتران الفعل بتلك الخصوصية من قبيل الواسطة في الثبوت لتعلق النهي بنفس الفعل نعم ربما تقوم قرينة متصلة أو منفصلة على ان النهي المتعلق في ظاهر الدليل بالفعل المتخصص دون نفس الخصوصية نهى عرضي وانه متعلق في الحقيقة بالخصوصية المقترن بها الفعل فالخصوصية تكون من قبيل الواسطة في العروض دون الثبوت وكيف كان فكل من القسمين ممكن في نفسه فلابد في الحكم بتعينه من دلالة دليل عليه .
53- - دعوى اعتبار عدم القبح الفاعلي في صحة التقرب بالعبادة وان كانت قد عرفت ما فيها الا ان الصحيح في المقام هو عدم صحة العبادة المنهي عنها لاستحالة التقرب بالمبغوض وما يصدر قبيحا في الخارج فالعبادة المنهي عنها بما انها بنفسها قبيحة ومبغوضة للمولى غير قابلة لان يتقرب بها من المولى بالضرورة فتقع فاسدة لا محالة .
54- حرمة القرآن في العبادة عبارة عن اعتبار عدم اقتران جزء بمثله في صحة تلك العبادة كما قيل باعتبار عدم اقتران سورة بمثلها في صحة الصلاة ومن الواضح انه إذا بنينا على جواز و عدم اعتبار عدم الاقتران المزبور في صحة العبادة لم تكن حرمة الجزء في نفسها مقتضية لبطلان العبادة ما لم يكن هناك موجب آخر للبطلان ضرورة انه غاية ما يترتب على كون جزء العبادة محرما ومبغوضا هو بطلان نفسه وعدم جواز الاكتفاء به في مقام الامتثال واما بطلان اصل العبادة فلا يترتب على حرمة الجزء المأتى به بوجه الا ان يكون هناك موجب آخر للبطلان على ما يتضح الحال فيه انشاء الله تعالى.
55- لا يخفى ان حرمة جزء العبادة لو كانت موجبة لاعتبار العبادة بالإضافة إليه بشرط لا لكانت حرمة كل شيء موجبة لذلك ايضا إذ لا فرق في هذه الجهة بين كون المنهي عنه من سنخ اجزاء العبادة وعدم كونه من سنخها فلا بد من الالتزام ببطلان كل عبادة اتى في ضمنها بفعل محرم خارجي كالنظر إلى الاجنبية في الصلاة مع انه واضح البطلان فالتحقيق ان حرمة شيء ما تكليفا لا تقتضي اعتبار أي عبادة بالإضافة إلى ذلك الشيء بشرط لا ضرورة انه لا منافاة اصلا بين صحة العبادة وحرمة ذلك الشيء الواقع في اثنائها وعليه فحال الجزء المنهي عنه حال غيره من المحرمات في انه لا يوجب فساد العبادة إذا وقع في اثنائها ما لم يكن هناك موجب آخر للبطلان.
56- لا يذهب عليك ان هذا الوجه كالوجه الثالث لو تم لاختص بالصلاة ولا يجرى في غيرها من العبادات مع ان الكلام في المقام لا يختص بالنهي عن جزء من اجزاء خصوص الصلاة كما هو ظاهر على انه لا يتم شيء من الوجهين المذكورين اما الوجه الثاني فلان صدق عنوان الزيادة على ما حقق في محله يتوقف على قصد الجزئية بما يؤتى به في الخارج من دون فرق بين كون المأتى به من سنخ اجزاء العمل وكونه من غير سنخها نعم في خصوص السجود و الركوع لا يتوقف صدق العنوان المزبور على القصد المذكور لورود النص بذلك في السجود والقطع بعدم الفرق بينه وبين الركوع من هذه الجهة وعليه فالجزء المحرم ما لم يقصد به جزئيته للصلاة لا يتحقق به عنوان الزيادة المترتب عليه بطلانها واما الوجه الثالث فلانه لا دليل على بطلان الصلاة بالذكر المحرم وانما الدليل قد دل على بطلانها بكلام الادميين والذكر المحرم ليس منه على الفرض فالتحقيق انه لا تبطل الصلاة بإتيان الجزء المحرم الا فيما ورد النهي عنه في خصوص الصلاة المستفاد منه مانعيته عن صحتها وفيما اتى به بقصد كونه جزء من الصلاة الموجب لتحقق عنوان الزيادة فيها كما عرفت .
57- هذا هو المعروف بين الاصحاب ولكن لا يبعد ان تكون الطهارة عنوانا منطبقا على نفس الغسل والوضوء والتيمم ويكون اشتراط الصلاة بها مثلا من قبيل اشتراط العبادة بالشرط المتقدم وتحقيق الحال في ذلك موكول إلى محله .
58- تقدم الكلام في صحة هذا القول عن قريب وبينا هناك انها لا تتوقف على كون وجود احد الضدين في مرتبة سابقة على عدم الاخر كما ذكرنا ان الملاك الذي لا يكون مؤثرا في مبغوضية فعل في نظر المولى لا يمنع من التقرب بذلك الفعل إذا كان مشتملا على ملاك المحبوبية بالفعل .
59- قد عرفت فيما تقدم انه لا سببية في باب انشاء العقود والايقاعات اصلا كما عرفت انه لا معنى لا يكون النهي متعلقا بالمعنى المعبر عنه بالمصدر تارة وبالمعنى المعبر عنه باسم المصدر اخرى فالتحقيق في هذا المقام ان يقال ان هناك ثلاثة امور احدها اعتبار الملكية مثلا القائم بمن بيده الاعتبار اعني به الشارع وثانيها اعتبار الملكية القائم بالمتبايعين مثلا مع قطع النظر عن امضاء الشارع له وعدم امضائه له وثالثها اظهار المبايعين في مفروض المثال اعتبارهما النفساني بمظهر خارجي من لفظ أو غيره اما الاعتبار القائم بالشارع فهو غير قابل لتعلق النهي به ليقع الكلام في دلالته على الفساد وعدم دلالته عليه ضرورة ان الاعتبار القائم بالشارع خارج عن تحت قدرة المكلف واختياره فكيف يعقل تعلق النهي به فإذا فرض في مورد ان الاعتبار المزبور مبغوض له لم يصح نهى المكلف عن بل الشارع بنفسه لا يوجد مبغوضه وهذا ظاهر لا يكاد يخفى واما الاعتبار القائم بالمتبايعين مثلا فهو وان كان قابلا لتعلق النهي به الا انه لا يدل على عدم امضاء الشارع له لان سلب القدرة عن المكلف في مقام التكليف لا يستلزم حجر المالك وعدم امضاء اعتباره على تقدير تحققه في الخارج لان النهي انما يتكفل بإظهار الزجر عن تحقق متعلقه في الخارج من دون تعرض لإمضائه على تقدير تحققه وعدم امضائه فإذا كان لدليل الامضاء اطلاق بالإضافة إلى الفرد المنهي عنه لم يكن مانع من الاخذ به اصلا ومن هنا يظهر انه لا وجه لقياس شيخنا الاستاذ (قدس سره )تعلق النهي بمعاملة بموارد ثبوت الحجر عنها شرعا لأجل تعلق حق الغير بالمال الواقع عليه المعاملة أو لغير ذلك من اسباب الحجر واما النهي المتعلق بذات ما يكون به اظهار الاعتبار من المتبايعين كالنهي عن البيع المنشأ باللفظ اثناء الاشتغال بصلاة الفريضة أو النهي المتعلق بمظهر الاعتبار المزبور بما هو مظهر فعدم دلالتهما على عدم كون الاعتبار النفساني القائم بالمتبايعين ممضي عند الشارع ظاهر لا سترة عليه فالصحيح ان حرمة المعاملة لا تدل على فسادها مطلقا نعم إذا كان النهي عن معاملة ما ظاهرا في كونه في مقام الردع عنها وعدم امضائها كان دالا على فسادها مطلقا الا ان ذلك خارج عما هو محل الكلام بين الاعلام و بما ذكرناه في تحقيق الحال في المقام يظهر ما في كلمات الاعاظم من الخلط والاضطراب والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
60- بطلان الاجارة في هذه الموارد مستند إلى العلم الخارجي بلزوم الاتيان بالواجب في هذه الموارد مجانا وبلا عوض والا فكون العمل مملوكا لله تعالى نحو ملك يغاير نحو الملك الاعتباري لا يستلزم بطلان الاجارة ولا لزم بطلانها فيما كان متعلقها متصفا بالوجوب شرعا في جميع الموارد مع انه واضح البطلان.
61- لا يخفى ان بيع منذور الصدقة إذا لم يكن النذر من نذر النتيجة ليس مما تسالم الفقهاء على بطلانه بل هو محل الخلاف بينهم نعم إذا كان النذر من نذر النتيجة مع كون النذر مطلقا وغير مشروط بشيء أو مع فرض حصول المعلق عليه في الخارج بطل البيع لانتقال المال معه إلى المنذور له على الفرض فيكون بيع الناذر له بيعا لغير ملكه فيلحقه حكمه والتحقيق ان وجوب الوفاء بالنذر لا ينافى امضاء البيع وصحته إذ لا منافاة بين لزوم المال بمقتضى التزام الناذر به بالدلالة الالتزامية وصحة البيع على تقدير تحققه في الخارج غاية الامر انه يترتب على البيع المزبور استحقاق العقاب ولزوم الكفارة وشيء منهما لا يستلزم بطلان البيع بل ان البايع إذا كان مطمئنا بانتقال المال إليه بعد بيعه وبعدم ترتب مخالفة النذر على بيعه لم يلزم الحنث ايضا ببيعه وكيف كان فوجوب الوفاء بالنذر تكليفا لا يستلزم بطلان البيع المزبور ابدا وعليه فلا وجه لما افاده شيخنا الاستاد (قدس سره )من ان الناذر بنذره يكون محجورا عن التصرف في المال المزبور ومما ذكرناه يظهر الحال فيما إذا اشترط ترك معاملة ما في ضمن عقد خارجي لان غاية ما يترتب على الشرط المزبور هو وجوب الوفاء بالشرط بترك تلك المعاملة واما فسادها على تقدير تحققها فهو لا يترتب على الشرط المزبور فلا بد في الحكم به من التماس دليل آخر والا فيحكم بصحتها ان هناك ما يقتضى صحتها من اطلاق أو غيره .
62- بل الصحيح كما عرفت ان النهي المتعلق بمعاملة مالا بد من ان يتعلق بالاعتبار القائم بالمتبايعين أو بما يكون مظهرا له في الخارج وعلى كل من التقديرين لا يكون النهي دليلا على الصحة كما لا يكون دليلا على الفساد واما الاعتبار القائم بالعقلاء المعبر عنه بالمسبب العرفي اعني به امضاء العقلاء الاعتبار القائم بالمتعاملين فحاله حال الاعتبار القائم بالشارع في انه غير قابل لتعلق النهي به وزجر المتعاملين عنه ومن ذلك يظهر ما في كلام شيخنا الاستاد (قدس سره )في المقام فتدبر جيدا.
63- بل التحقيق ان يقال ان المراد من لفظ العصيان الوارد في هذه الروايات هو العصيان الوضعي في كل من الموردين بتقريب ان النكاح المزبور بما انه كان مشروعا في نفسه في الشريعة المقدسة لا يكون مانع من صحته ونفوذه الا عدم رضاء السيد به وعدم اجازته له فإذا ارتفع المانع بحصول الاجازة جاز النكاح والوجه في ذلك ان نكاح العبد بغير اذن سيده ليس من التصرفات المحرمة شرعا ولذا لو عقد العبد لغير نفسه لما احتاج نفوذه إلى اجازة سيده قطعا كما ان غير العبد لو عقد للعبد لاحتاج نفوذه إلى اجازة السيد بلا اشكال مع انه لم يتحقق في الفرض عصيان تكليفي من العبد ولا من غيره بالضرورة فيتعين ان يكون المراد من العصيان في الروايات هو العصيان الوضعي فيكون المتحصل من الروايات والله العالم ان النكاح لو كان غير مشروع في نفسه كما إذا كان واقعا في العدة ونحو ذلك لكان ذلك باطلا وغير قابل للصحة واما إذا كان في نفسه مشروعا غاية الامر انه اعتبر في صحته ونفوذه رضاء سيده به كان فساده دائرا مدار عدم رضاء السيد حدوثا وبقاء ويؤيد ما ذكرناه انه لو كان العقد محرما لعارض كما إذا قصد به اضرار مسلم ونحو ذلك لما حكم بفساد العقد قطعا مع ان حرمة هذا العقد حرمة لا تقبل الارتفاع ابدا فيكشف ذلك عمن ان الحرمة التكليفية لا تستلزم فساد العقد ابدا فتحصل مما ذكرناه انه كما لا تدل الروايات على دلالة النهي على الصحة كذلك لا تدل على دلالته على الفساد فهي ساكتة من هذه الجهة وقد عرفت انه لا دليل آخر على دلالة النهي على الفساد فالصحيح هو القول بعدم دلالته عليه في غير العبادات .
64 التحقيق انه لا مانع من جريان الاصل في كل مورد كان مجرى الاصل فيه قابلا للوضع والرفع فيحرز بجريانه وجود ذلك الامر القابل للوضع والرفع أو عدمه فإذا جرت اصالة عدم مشروعية شيء احرز بها عدم مشروعيته شرعا فيكون حرمة التشريع حينئذ لأجل احراز عدم المشروعية لا لأجل الشك في المشروعية ليكون ذلك من تحصيل الحاصل بل من اردء انحائه واما دعوى لزوم اللغوية من التعبد المزبور بتوهم ان الاثر المرغوب المترتب على جريان الاصل حاصل في الخارج ولو لم يكن هناك تعبد شرعي فيكون التعبد بعدم المشروعية لأجل ترتب ذلك الاثر عليه لغوا فهي مدفوعة بان حصول الاثر في الخارج بسبب آخر غير التعبد الشرعي على تقدير عدمه لا يوجب كون التعبد الموجب لارتفاع ذلك السبب في الخارج لغوا والا كان التعبد الشرعي بالإباحة الظاهرية لغوا لان العقل يحكم في فرض عد مه بالترخيص لقبح العقاب بلا بيان وسيجيئ لذلك مزيد توضيح عند التكلم في جريان اصالة عدم الحجية عند الشك فيها في محله انشاء الله تعالى .
65- قد عرفت ما في دعوى اعتبار عدم القبح الفاعلي في صحة العبادة وحصول التقرب بها و التحقيق في الجواب ان يقال ان رجحان الفعل في نفسه ومع قطع النظر عن قبح التشريع وان كان ثابتا حال التشريع ايضا في مفروض الكلام إلا أنه لا يكفى في صحة العبادة وحصول التقرب بها بل لا بد في ذلك من كون العبادة متصفة بالرجحان الفعلي حال صدوره فلو كان الفعل حال صدوره مبغوضا للمولى ولو لأجل العوارض الخارجية لما امكن التقرب به من المولى كما هو ظاهر فلا فرق في استلزام حرمة عبادة لفسادها بين كون حرمتها ذاتية وكونها تشريعية ومن ذلك يظهر ما في كلام شيخنا الاستاد (قدس سره )في المقام .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|