أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2016
1948
التاريخ: 1-9-2016
1633
التاريخ: 29-8-2016
3167
التاريخ: 1-9-2016
1986
|
ينبغي قبل الورود في أصل البحث ذكر تقسيمات وردت في المفهوم، فنقول: إنّه على قسمين: مفهوم الموافقة، وهو ما كان بينه وبين المنطوق توافق في السلب والإيجاب، ومفهوم المخالفة، وهو ما كان بينه وبين المنطوق تخالف في السلب والإيجاب، وأضاف بعض تقسيمين آخرين.
أحدهما: أنّ الموافق تارةً يكون بالأولويّة، ومثاله معروف وهو قوله تعالى: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } [الإسراء: 23] الذي مفهومه النهي عن الضرب بطريق أولى، واُخرى يكون بالمساواة نحو «لا تشرب الخمر لأنّه مسكر» الذي يشمل بالمفهوم سائر أفراد المسكر بالمساواة.
ثانيهما: أنّ كلا من المساواة والأولويّة أيضاً على قسمين، فالمساواة تارةً تكون من قبيل منصوص العلّة، واُخرى تكون من قبيل مستنبط العلّة، والأولويّة تارةً عقليّة فتدخل في المفهوم، واُخرى تكون عرفيّة فتدخل في المنطوق، فالمثال المعروف (فلا تقل لهما اُفّ) حيث إن الأولويّة فيه عرفيّة داخلة في المنطوق لا المفهوم.
لكن يمكن النقاش هنا بوجوه:
الوجه الأوّل: تقسيم مفهوم الموافقة إلى الأولويّة والمساواة لا يكون تامّاً لأنّ منصوص العلّة في المساواة لا ينطبق عليه تعريف المفهوم، لأنّ المفهوم هو حكم غير مذكور، مع أنّ ذكر العلّة في منصوص العلّة نحو «لا تشرب الخمر لأنّه مسكر» يكون بمنزلة الحكم بأنّ كلّ مسكر حرام، ولكنّه حذف وقدّر لوضوحه، فلا يعدّ حكماً غير مذكور. وبعبارة اُخرى: الحكم هنا مركّب من صغرى وكبرى، والصغرى وهو قوله: «لأنّه مسكر» مذكور في الكلام، وأمّا الكبرى وهو قوله: «كلّ مسكر حرام» فحذفت لوضوحها، فهي مقدّره في الكلام، والمقدّر كالمذكور، ولذلك سمّي هذا القسم بمنصوص العلّة، يعني الحكم الذي نصّ بعلّته، وأمّا في مثال «فلا تقل لهما اُفّ» أو «إنّ جاءك زيد فأكرمه» فلم يقل أحد بحذف قضيّة «لا تضرب» أو قضية «إن لم يجئك زيد فلا يجب إكرامه» أو تقديرهما، بل يقال بأنّ القضيتين المنطوقتين تدلاّن عليهما بالمفهوم.
الوجه الثاني: أنّ تقسيم المساواة إلى منصوص العلّة ومستنبط العلّة أيضاً تامّ فيما إذا قلنا بحجّية مستنبط العلّة، مع أنّه ليس بحجّة عند الإماميّة، لعدم إمكان استنباط ملاكات الأحكام وعللها، وما أبعد عقول الرجال عن دين الله كما ورد في الحديث.
إن قلت: فما معنى تنقيح المناط وإلغاء الخصوصيّة في المسائل الفقهيّة كما إذا قيل مثلا: إن سافرت بين مكّة والمدينة ثمانية فراسخ فقصّر، ونحن نعلم بأنّه لا خصوصيّة لمكّة والمدينة، ونلغي خصوصيتهما ونحكم بوجوب القصر في سائر الأمكنة إذا تحقّق مقدار ثمانية فراسخ، فما الفرق بين هذا وقياس مستنبط العلّة؟
قلت: يكون النظر في القياس المستنبط العلّة إلى علّة الحكم، بينما هو في تنقيح المناط يكون إلى موضوع الحكم، والفرق بين الموضوع والعلّة واضح حيث إنّ الموضوع هو عنوان مشتمل على جميع ما له دخل في تنجّز التكليف وفعليّته كعنوان المستطيع في وجوب الحجّ، وأمّا العلّة فإنّها داخلة في سلسلة المباديء والأغراض، مضافاً إلى أنّ إلغاء الخصوصيّة وتنقيح المناط طريق إلى تعيين دائرة المنطوق وتوسعتها ولا ربط له بالمفهوم، فإذا تعدّينا من مورد دليل إلى مورد آخر بالإلغاء أو التنقيح وأثبتنا الحكم الثابت في مورد ذلك الدليل لمورد آخر ـ تعدّ دلالة الدليل حينئذ من قبيل المنطوق لا المفهوم كما لا يخفى.
الوجه الثالث: إنّ ما ذكره من الفرق بين الأولويّة القطعيّة والعرفيّة أيضاً غير تامّ، لأنّ الأولويّة سواء كانت عقليّة أو عرفيّة داخلة في المفهوم، وفهم العرف لا ينافي ذلك، لوجود ملاك المفهوم في كلتيهما، حيث إن الملاك هو كون الحكم غير مذكور وهو موجود في مثل قوله تعالى: { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } [الإسراء: 23] بالنسبة إلى قضية «لا تضرب» مثلا كما لا يخفى، نعم إلاّ إذا كان المنطوق مجرّد طريق وإشارة إلى المفهوم، فلا يكون القول بالاُفِّ في الآية مثلا حراماً بنفسه بل يكون نحو كناية عن مثل الضرب، ففي مثل هذه الموارد تدخل الأولويّة العرفيّة في المنطوق بلا إشكال.
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى أصل البحث فنقول: هل يجوز تخصيص العام بالمفهوم أو لا؟ لا إشكال ولا خلاف في جواز تخصيص العام بالمفهوم إذا كان موافقاً كما إذا قال: «لا تكرم الفسّاق» ثمّ قال: «أكرم الضيف ولو كان كافراً» فمفهومه وجوب إكرام الضيف إذا كان مسلماً فاسقاً بطريق أولى، وهذا المفهوم موافق للمنطوق في الإيجاب ويكون خاصّاً بالنسبة إلى عموم «لا تكرم الفسّاق».
وأمّا إذا كان المفهوم مخالفاً ففيه خمسة أقوال:
الأوّل: عدم جواز التخصيص مطلقاً.
الثاني: جوازه مطلقاً.
الثالث: التفصيل بين موارد المفهوم فيختلف باختلاف الموارد والمقامات، فإن كان الدالّ على المفهوم مثل كلمة «إنّما» فيقدّم على العام ويخصّص العام به وإلاّ فالعام يقدّم.
الرابع: تفصيل المحقّق الخراساني (رحمه الله) وهو التفصيل بين الكلام الواحد وبين الكلامين المنفصلين، والتفصيل بين ما إذا فهمنا العموم من الوضع وما إذا فهمناه من مقدّمات الحكمة، فتارةً يكون العام والمفهوم في كلام واحد واستفدنا العموم والمفهوم كليهما من مقدّمات الحكمة أو استفدنا كليهما من الوضع، فلا عموم حينئذ ولا مفهوم لعدم تماميّة المقدّمات بالنسبة إلى شيء منهما في الأوّل، ولمزاحمة ظهور كلّ منهما مع الآخر في الثاني، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إلى الاُصول العمليّة في مورد الشكّ، واُخرى يكونان في كلامين بينهما فصل طويل وكان كلّ منهما بمقدّمات الحكمة أو بالوضع، فالظهور لا محالة وإن كان ينعقد لكلّ منهما ولكن لابدّ حينئذ من أن يعامل معهما معاملة المجمل لتكافؤهما في الظهور إن لم يكن أحدهما أظهر، وإلاّ فيكون هو القرينة على التصرّف في الآخر.
الخامس: تفصيل المحقّق النائيني (رحمه الله)، فإنّه فصّل في المفهوم المخالف بين ما إذا كانت النسبة بين العام والمفهوم ـ العموم والخصوص مطلقاً، وبين ما إذا كانت من العام يقدّم على العام سواء كان بين المنطوق والعام العموم المطلق أو العموم من وجه، ومهما كان بين المفهوم والعام ـ العموم من وجه يعامل معهما معاملة العموم من وجه فربّما يقدّم العام وربّما يقدّم المفهوم في مورد التعارض من غير فرق في ذلك أيضاً بين أن يكون بين المنطوق والعام ـ العموم المطلق أو العموم من وجه»(1) (انتهى).
أقول: الإنصاف أنّ البحث انحرف عن مسيره الأصلي في كلمات المتأخّرين كالمحقّق الخراساني والنائيني(رحمهما الله) وبعض آخر (قدّس الله أسرارهم) فقد تكلّموا عن اُمور أربع لا ربط لها بمحلّ النزاع.
أحدها: أنّه هل يستفاد العموم أو المفهوم من مقدّمات الحكمة أو من الوضع؟
ثانيها: هل الكلام يكون من قبيل المحفوف بالقرينة أو لا؟
ثالثها: هل العام لسانه آب عن التخصيص أو لا؟
رابعها: هل النسبة بين العام والخاصّ العموم والخصوص مطلقاً أو من وجه؟
مع أنّ الحقّ في المقام أن يتكلّم عن التفاوت بين المفهوم والمنطوق فقط وأنّه إذا كان العام قابلا للتخصيص بالمنطوق فهل يخصّص بالمفهوم أيضاً أو لا؟
وبعبارة اُخرى: هل يكون للمفهوم من حيث هو مفهوم نقص في التخصيص بالقياس إلى المنطوق؟ وذلك لأنّه لا فرق في هذه النكات الأربع بين المنطوق والمفهوم، فإنّ المنطوق أيضاً لا يقدّر لتخصيص العام الآبي عن التخصيص، ولا يخصّصه أيضاً إذا كان هو بمقدّمات الحكمة وكان العام دالا على العموم بالوضع، وكذلك إذا كانت النسبة بينه وبين العام العموم من وجه أو كان العام لأقوائيته وأظهريته قرينة على التصرّف في الخاصّ.
إذن فلا بدّ من ارجاع البحث إلى محوره الأصلي، وهو أن نفرض الكلام أوّلا في مورد كان العام فيه يخصّص بالخاصّ على تقدير كونه منطوقاً، ثمّ نبحث في أنّه هل يخصّص بالمفهوم أيضاً في هذا الفرض أو لا؟ وأنّ المفهوميّة هل توجب ضعفاً للخاصّ أو لا؟ وحينئذ نقول: ربّما يتوهّم أنّ الدلالة المفهوميّة أضعف من الدلالة المنطوقيّة فلا يكون الخاصّ إذا كان مفهوماً مخصّصاً للعام، لكن الإنصاف أنّ مجرّد كون الخاصّ مفهوماً لا يوجب ضعفاً، بل ربّما يكون المفهوم أقوى من المنطوق، بل ربّما يكون المقصود الأصلي للمتكلّم هو المفهوم فقط.
وبالجملة لا المنطوق بما هو منطوق يوجب قوّة للخاص ولا المفهوم بما هو مفهوم يوجب ضعفاً له، فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّه يجوز تخصيص العام بالمفهوم كما يجوز تخصيصه بالمنطوق، نعم كما أشرنا آنفاً قد يكون العام أقوى من الخاص فلا يخصّص العام به كما إذا كا العام آبياً عن التخصيص، لكنّه لا يختصّ بالمفهوم بل المنطوق أيضاً لا يخصّص العام إذا كان العام كذلك، نحو قوله (عليه السلام): «ما خالف كتاب الله فهو زخرف» فإنّ هذا عام لا يمكن تخصيصه
بشيء، أو كان المورد من المستحبّات، فيحمل الخاصّ حينئذ على تعدّد المطلوب كما إذا دلّ دليل على أنّ صلاة الليل مستحبّ من نصف الليل إلى آخره، ونهى دليل آخر عن إتيانها فيما بعد النصف بلا فصل، أو أمر دليل آخر بإتيانها في آخر الليل، فبهذين الدليلين لا يخصّص عموم الدليل الأوّل بل كلّ منهما دالّ على مرتبة من المطلوبيّة.
بقي هنا شيء:
وهو التفصيل بين مفهوم كلمة إنّما وغيرها، فقال بعض: إذا كان الدالّ على المفهوم كلمة إنّما وشبهها فيقدّم على العام وإلاّ فلا، لكنّه غير تامّ ولا يعدّ تفصيلا لمحلّ النزاع لأنّ مدلول كلمة إنّما منطوق لا مفهوم كما لا يخفى.
_______________
1. فوائد الاُصول، ج1، و2 ص559 ـ 560، طبع جماعة المدرسين.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|