المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الامطار في الوطن العربي
2024-11-05
ماشية اللحم في استراليا
2024-11-05
اقليم حشائش السافانا
2024-11-05
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05

ابو جعفر المنصور وابو مسلم الخرساني
4-7-2017
جواز إخراج القيمة‌ في الفطرة
26-11-2015
SPATIAL ENERGY DISTRIBUTIONS: TRANSVERSE MODES
17-3-2016
امتداد الخصومة لوفاة المدعى عليه
2024-06-29
خـطوات صـناعة القـرار Steps in Decision Making
31-10-2021
طرائق تشخيص الاواصر الهيدروجينية
2024-07-03


العلم التفصيلي عند الحكماء  
  
1240   09:13 صباحاً   التاريخ: 24-10-2014
المؤلف : محمّد آصف المحسني
الكتاب أو المصدر : صراط الحق في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية
الجزء والصفحة : ج1- ص172-177
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / العلم و الحكمة /

معلومية الشيء إمّا بمجرّد حضور ذاته وعدم غيبتها ، أو بتوسّط صورته ، والأَوّل هو العلم الحضوري ، والثاني هو العلم الحصولي ، وكلا العلمينِ فينا متحقّق ، فإنّا نعلم ذاتنا بنفس ذاتنا ، والصور المرتسمة في أذهاننا بنفس تلك الصور ، ونعلم الأشياء الخارجية بصورها وهذا واضح ، وإنّما الكلام في العلم التفصيلي الثابت للواجب تعالى ، وأنّه حصولي أو حضوري ؟

فيه خلاف شديد ، فذهب أرسطو وغيره وتوابع المشّائين ـ منهم الشيخان : أبو النصر الفارابي وابن سينا ، وتلميذه بهمنيار وكثير من المتأخرين ـ إلى الأَوّل وتخيّل ارتسام صور الممكنات في ذاته تعالى وحصولها فيها ، وسلك السهروردي ( بل في الأسفار : وحكم بصحة هذه الطريقة كل مَن أتى بعده ) الثاني وأنّ الأشياء ـ سواء كانت مجرّدات أو مادّيات ، مركّبات أو بسائط ـ بوجوداتها الخارجية مناط علمه تعالى وعالميته بها ، قال في الأسفار : فعلمه تعالى عنده ـ الشيخ الإشراقي ـ محض إضافة إشراقية ، فواجب الوجود مستغنٍ في علمه تعالى بالأشياء عن الصور ، وله الإشراق والتسلّط المطلق ، فلا يحجبه شيء عن شيء ، وعلمه وبصره واحد ؛ إذ علمه يرجع إلى بصره ، لا أنّ بصره يرجع إلى علمه كما في غير هذه القاعدة ... إلخ .

وأمّا المحقّق الطوسي فلم يوافق السهروردي كلّياً ، فإنّه ـ أي السهروردي ـ أجرى هذه القاعدة في الأجسام والجسمانيات كلّها ، وإنّ حضور ذواتها كافٍ في أن تعلم بالإضافة الاشراقية ، والمحقّق المذكور لم يكتفِ بذلك ، بل جعل مناط علمه بالأجسام والجسمانيات ارتسام صورهما في المبادئ العقلية والنفسية ، فالقاعدة عنده مختصّة بتلك المبادئ ، كما في الأسفار ، لكن السبزواري جعل القولين واحداً فلاحظ .

وكيف ما كان ، فبيان هذا القول نأخذه من عبارة المحقّق الطوسي ، في محكي شرح رسالة العلم (1) قال قدّس سره : والحق أنّه ليس من شرط كلّ إدراك أن يكون بصورة ذهنية ؛ وذلك لأنّ ذات العاقل إنّما يعقل نفسه بعين صورته التي بها هي هي ، وأيضاً المدرِك للصورة الذهنية إنّما يدركها بعين تلك الصورة لا بصورة أُخرى ، وإلاّ لتسلسل (2)، ولزم مع ذلك أن يجمع في محلّ واحد صوراً متساوية في الماهية مختلفة بالعدد فقط ، وذلك محال ، فإذن ، إنّما يحتاج في الإدراك إلى صورة المدرَك ، أمّا الاحتياج إلى صورة ذهنية فقد يكون لكون المدرَك غير حاضر عند المدرِك ، وعدم الحضور يكون إمّا لكون المدرَك غير موجود أصلاً ، أو لكونه غير موجود عند المدرِك ، أي يكون بحيث لا يصل إليه الإدراك البتة ؛ وذلك إنّما يكون بسبب شيء من الموانع العائدة ، إمّا إلى المدرِك نفسه، أو آلة الإدراك أو إليهما جميعاً .

ثمّ قال : وإدراك الأَوّل تعالى إمّا لذاته فيكون بعين ذاته لا غير ، ويتّحد هناك المدرَك والمدرِك والإدراك ولا يتعدّد إلاّ بالاعتبارات التي تستعملها العقول ؛ وإمّا لمعلولاته القريبة ، فيكون بأعيان ذوات تلك المعلومات ؛ إذ لا يتصور هناك عدم حضور بالمعاني المذكورة أصلاً ، ويتّحد هناك المدركات والإدراكات ولا يتعدّدان إلاّ بالاعتبار ويغايرهما المدرك ، وإمّا لمعلولاته البعيدة كالماديات والمعدومات التي من شأنها إمكان أن يوجد في وقت ، أو أن يتعلّق بموجود ، فيكون بارتسام صورها المعقولة في المعلولات القريبة ، التي هي المدركات لها أَوّلاً وبالذات ، وكذلك إلى أن ينتهي إلى إدراك المحسوسات بارتسامها في آلات مدرِكيها ؛ وذلك لأنّ الموجود في الحاضر حاضر ، والمدرِك للحاضر يدرك لِما يحضر معه ، فإذن لا يعزب عن علمه مثقال ذرة ، في الأرض ، ولا في السماء ، ولا أصغر ، منها ولا أكبر ، فيكون ذوات معلولاته مرتسمة بجميع الصور ؛ وهي التي يعبّر عنها تارة بالكتاب المبين ، وتارة باللوح المحفوظ ويسمّيهما الحكماء بالعقول الفعّالة . انتهى .

وقال في شرح الإشارات ـ في ضمن كلامه ـ : ولا تظننّ أنّ كونك محلاً لتلك الصورة شرط في تعقّلك إيّاها ، فإنّك تعقل ذاتك مع أنّك لست محلاً لها ، بل إنّما كان كونك محلاً لتلك الصورة شرطاً في حصول تلك الصورة ، الذي هو شرط في تعقّلك إيّاها ، فإن حصلت تلك الصورة لك بوجه آخر غير الحلول فيك ، حصل التعقّل من غير حلول فيك... إلخ .

أقول : والإنصاف أنّ هذا الظن لم يظهر دفعه ، فالبيان غير وافٍ لإثبات مذهبه ، وبالجملة : إنّ الحصول الذي يكفي في تحقّق العلم على ما هو المسلّم ، إنّما الحصول المتحقّق في ضمن الاتحاد ، كما في علم ذاتنا بذاتنا ، أو القيام كما في قيام الصور بذهننا قياماً حلولياً ، وأمّا كفاية مطلق الحصول على أيّ نحو كان في ذلك ، فممنوع كما ذكره المحقّق اللاهيجي أيضاً (3) .

أقول : وممّا يزيّف هذا لزومه خلو الواجب عن العلم التفصيلي أبداً ؛ إذ الموجودات بأسرها لا تجتمع في زمان ، فهو لا يعلم جميع الأشياء في وقت من الأوقات ، إلاّ أن يلتزم بتحقّق الأشياء أزلاً في مواطنها الحادثة وقد علمت أنّه أيضاً غير ثابت ، هذا مع أنّ فعل الفاعل المختار لابدّ من مسبوقيّته بالعلم ، وقد مرّ أنّ العلم الإجمالي لا يكفي لذلك .

وأمّا ما أورده صاحب الأسفار على هذا القول من الإيرادات الثمانية ، فهو لا يخلو عن كلام ، فإنّه بين ما يتوجه على نفس السهروردي لا على القول نفسه ، وبين ما هو غير وارد ، وبين ما هو غير ظاهر في نفسه ؛ ولذا لم يعتنِ بها السبزواري ، فاختار هذا القول في المنظومة زائداً على ما اختاره من مذهب هذا المورد ، لكن الحقّ بطلان المذهبين معاً كما عرفت ، والله الهادي.

 

نقل ونقد :

استدلّ الشيخ الإشراقي على هذا القول بقاعدة الملازمة حيث قال ـ على ما في الأسفار ـ : إنّ كلّ ما هو كمال مطلق للموجود من حيث هو موجود ، فيجب له ، وإذا تحقّق شيء منه في معلومه فتحقّقه له أَولى ، وكلّ ما هو أَولى فهو واجب له بالضرورة ، وإذا صحّ العلم الإشراقي للنفس ففي الواجب الوجود أَولى ، فيدرك ذاته لا بأمر زائد عليها ، ويدرك ما سواه بمجرّد إضافة الإشراق عليها ... إلخ .

وأمّا المحقّق الطوسي فله دليل آخر ، ومحصّله : أنّ ذاته تعالى علّة لِما سواه ، وعلمه بذاته عين ذاته ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ، وحيث إنّ العلّة ـ أي ذاته تعالى وعلمه بها ـ واحدة ، فالمعلول ـ هو ما عداه والعلم به ـ أيضاً واحد ؛ ضرورة عدم صدور الكثير عن الواحد .

أقول : وهذا أحسن من الوجه الأَوّل كما لا يخفى ، لكنّ الوجهين ضعيفان : أمّا الأَوّل فبعد ما عرفت منافي عموم علمه ، لا يبقى له مجال بالضرورة . وأمّا الثاني ففيه :

أَوّلاً : منع جريان قاعدة استلزام العلم بالعلّة العلم بالمعلول ...

وثانياً : منع قاعدة عدم صدور الكثير عن الواحد ...

وأَمّا القول الأَوّل ـ أعني تفسير علمه التفصيلي بالعلم الحصولي ـ فمجمله : أنّ العلم إمّا فعلي وإمّا انفعالي ، والأَوّل ما يكون سبباً لوجود المعلوم في الخارج ، سواء كان سبباً ناقصاً ـ كعلم البنّاء ، حيث إنّه يصوّر في ذهنه لقوةٍ خيالية صورة البيت ، ثمّ تصير تلك الصورة محرّكةً لأعضائه حتى يوجد البيت في الخارج ، فإنّ علمه هذا يفتقر في إيجاد البيت إلى آلة وزمان خاصّ وشرائط أُخرى ـ أو سبباً تامّاً كعلم الباري بالعالم ، فإنّ مجرّد علمه به كافٍ لوجوده ، فصدور الأشياء عن الباري جلّ اسمه في الخارج بأنّها عُقلت أَوّلاً فصدرت ، وتعقّله تعالى إيّاها ليست بأنّها وجدت أَوّلاً فعقلت ؛ لأنّ صدورها عن عقله لا عقله من صدورها ، فالواجب يعلم ذاته فيفيض صور الأشياء عنه معقولةً ؛ لأنّها من لوازم ذاته ، فعلمه بما سواه من جهة هذه الصور وهي علمه العنائي الموجب للنظام ، وهذه الصور صادرة عنه تعالى مرتسمة في ذاته الواجبة .

واستدلّ له بأنّه تعالى يعلم ذاته وذاته سبب للأشياء ، والعلم بالسبب التامّ للشيء يوجب العلم بذلك الشيء ، فذاته تعلم جميع الأشياء في الأزل ، لكنّ الأشياء كلّها غير موجودة في الأزل بوجود أصيل ، فلو لم تكن موجودةً بوجود علمي لم يتحقّق العلم ضرورة استدعائه المعلوم ، ولا يعقل تعلّقه بالمعدوم الصرف ، فظهر كون الأشياء موجودةً بالوجود العقلي الصوري عند الباري قبل وجودها الخارجي .

ثمّ إنّ هذه الصور إمّا منفصلة عن الباري فيلزم المُثُل الأفلاطونية ، وإمّا بأن تكون أجزاء لذاته فيلزم التركيب في ذاته ، وكلاهما محالان ؛ أو بأن تكون زائدةً على ذاته لكنّها متّصلة بها مرتسمة فيها ، وهو المطلوب .

أقول : قد تقدّم أنّ الله عالم بالأشياء أزلاً بالعلم الذي هو ذاته كما برهنّا عليه ، وأمّا أنّه تعلّق بالصور أو بالذوات الموجودة في مواطنها ، فهذا ممّا لا سبيل لنا إلى تعقّله ... فنقول حينئذٍ : إنّ هذا الدليل مدخول ، فإنّ علمه بالأشياء عين ذاته لا الصور الفائضة عنه ، وأيضاً نُقض بالقدرة الواجبة الأزلية ؛ لأنّها مثل العلم صفةٌ ذات إضافة تتعلّق بالمقدورات ، ولا شك أنّ قدرته تعالى شاملة لجميع الممكنات أزلاً مع عدم وجودها في الأزل ، ولا يمكن دفعه بالصور الأزلية ، فإنّ ذوات الأشياء الخارجية مقدورة بأنفسها كصورها ، فلابدّ من تحقّق نفس هذه الموجودات أزلاً وإلاّ لم يتحقّق القدرة .

وأمّا ما أجاب عنه الحكيم الشيرازي في أسفاره ، بأنّ القدرة وإن سُلّم جريان الدليل فيها، وأنّ حكمها حكم العلم في اقتضاء الطرفين ، لكن لا نسلّم تخلّف الحكم في القدرة ؛ إذ كما في العلم لا يلزم وجود المعلوم بعينه الخارجي ، بل يكفي وجوده بصورته ، فكذلك لا يلزم وجود المقدور بعينه الخارجي بل وجوده بصورته ، وذلك الوجود الصوري كما أنّه معلوم له كذلك مقدور صادر عنه ، فواضح البطلان ؛ لِما صرّح المورد من أنّ المقدور بوجوده الخارجي مقدور ، فحضور صورته لا يكفي لمقدورية ذاته الخارجية ، وهذا واضح جداً . لكن الإنصاف أنّ هذا النقض غير متين ، فإنّ القدرة ـ على ما عرفت منّا تفسيرها ـ لا تقضي وجود المقدور ولو بصورته كما نشاهد ذلك في أنفسنا ، فإنّا قادرون على أُمور غير موجودة خارجاً ، من غير أن تقوم قدرتنا بصور تلك الأُمور .

وأمّا العلم فلابدّ له من شيء يتعلّق به ، سواء كان عيناً خارجياً أو صورةً ذهنية ، فإنّه يستلزم الانكشاف عن العالم ، والمعدوم الصرف لا انكشاف له ، وأمّا ما أورده عليه في الأسفار ، فهو لا يرجع إلى أساس صحيح ، فلاحظ ولا نطوّل المقام بذكره وردّه .

هذا ما يرجع إلى الدليل ، وأمّا الدعوى نفسها فهي مزيّفة من وجوه :

الأَوّل : ما أفاده المحقّق الطوسي قدّس سره في محكي شرح الإشارات ، من أنّ ارتسام الصور الممكنة في ذاته تعالى يوجب تكثّره وهذا باطل ، وأمّا ما أجاب عنه المحقّق الشيرازي في أسفاره ، والمحقّق اللاهيجي في شوارقه و ( گوهر مراد ) ، وصرّح الشيخ ابن سينا نفسه ، بأنّ حصول الكثرة بالترتيب السببي والمسبّبي ، فلا ينثلم بها الوحدة ، كما في الفعل حيث إنّه تعالى يوجد الكثير بالترتيب ، مع أنّه لا يصدر الكثير عن الواحد ، فهو عجيب من هؤلاء الباحثين ، فإنّ الترتيب وإن كان يمنع الكثرة في مسألة الإيجاد ، ولا يصادم القاعدة القائلة بعدم صدور الكثير عن الواحد ، إلاّ أنّه لا يرتبط بالمقام ؛ إذ بعد الالتزام بارتسام الصور المطابقة للأشياء الخارجية في ذاته تعالى ، لابدّ من فرض تكثّر الذات حسب تكثّر الصور ، سواء كان حصولها بالترتيب أو بغير الترتيب ، وهذا قريب من البداهة ، ولمّا كان تجزّي الباري وتركّبه محالاً كان هذا القول أيضاً محالاً .

الثاني : إنّه يلزم كونه تعالى موصوفاً بصفات زائدة على ذاته غير إضافية ولا سلبية، مع أنّه باطل باتّفاق من الإمامية والفلاسفة ، فإنّهم يعتقدون العينية ، وهذا أيضاً ممّا أورده المحقّق الطوسي قدّس سره على هذا المدّعى ، وأنت بعد ما عرفت بطلان العلم الإجمالي المزعوم المتقدّم ، تعلم أنّ جواب هؤلاء المتقدّمين عن هذا الاعتراف لا يرجع إلى محصّل.

الثالث : إنّ هذه الدعوى ترجع عند التحقيق إلى قول الأشاعرة القائلين بزيادة الصفات القديمة القائمة بذاته تعالى ، فيبطله ما يبطلها ، والأُصول المتقدّمة تفسد ما يمكن أن يجاب عن هذا الرجوع .

الرابع : إنّ مدار هذا القول على العلم الفعلي ، وإنّ علم الواجب بذاته يوجب فيضان هذه الصور عنه ... وإنّ علمه تعالى ليس بفعلي بأن يكون علةً لفعله ، ولا بانفعالي بأن يكون صورةً حاصلة من المعلوم ، فإنّ علمه عين ذاته ... والصور لا تكون ذات الواجب الوجود فإنّها مخلوقة له ؛ ولأنّها عَرض فلا يمكن اتّحادها مع الواجب ، فإذن ، عُلم أنّ علمه تابع للأشياء في التعلّق والإضافة ، لا في أصل تحقّقه ، وبالجملة : علمه تعالى ليس بحضوري ، ولا بحصولي ، ولا بفعلي ، ولا بانفعالي ، ولا بإجمالي ، ولا بتفصيلي ، ممّا اصطلحوا عليه .

ثمّ إنّ لصاحب الأسفار وجوهاً من الإيراد على قول المشّائين القائلين بارتسام الصور في ذاته ، لكنّها غير واردة عليهم إلاّ الواحد منها بناءً على أصالة الوجود فراجع .

هذا تمام كلامنا حول الأقوال المهمّة الدائرة على علمه تعالى ، وبيان ما هو الحق في المقام ، والحمد لله ، وقد عرفت إلى هذه الأقاويل نَشَأت من قياس علم الواجب بعلمنا أملاً، ومن عدم الالتفات إلى استحالة فهمنا بحقيقته ، فإنّه تعالى وصفاته الذاتية .

_______________

 (1) الشوارق 2 / 226.

(2) أقول : والتسلسل المذكور ممنوع ؛ لانقطاع السلسلة بانقطاع الالتفات في غيره تعالى .

(3) الشوارق 2 / 228.

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.