المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05



إبطال الآراء المنحرفة المتعلقة بعلم الله تعالى  
  
1446   12:55 صباحاً   التاريخ: 24-10-2014
المؤلف : محمّد آصف المحسني
الكتاب أو المصدر : صراط الحق في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية
الجزء والصفحة : ج1- ص157-168
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / العلم و الحكمة /

في إبطال الآراء المنحرفة . وقد نقلوا الخلاف في علمه ، أو عمومه من جماعات من الناس ، فنذكر أقوالهم ووجه بطلانها ... :

الأَوّل : إنّه تعالى لا يعلم نفسه (1) ؛ لأنّ العلم نسبة تقتضي الشيئين المتغايرين بالضرورة ، ولا تعقّل في شيء واحد ، وتضعّفه عينية العلم مع ذاته تعالى ، فهو ليس فيه تعالى بنسبة ، هذا مع أنّ العلم صفة لا تقتضي أزيد من عالم ومعلوم ، واجتماع هذين العنوانين على شيء واحد ممكن ، كما في علمنا بأنفسنا ، فمن حيث إنّا نعلم أنفسنا فنحن عالمون ، ومن حيث إنّ أنفسنا منكشفة لدينا فنحن معلومون ، فكذا في الباري تعالى .

الثاني : إنّه لا يعلم شيئاً أصلاً ؛ وإلاّ أمكن أن يعلم نفسه أيضاً ، وقد مرّ أنّ إمكان علمه بنفسه ممنوع . نُقل هذا القول عن بعض قدماء الفلاسفة ...

الثالث : إنّه لا يعلم غيره وإن كان عالماً بذاته ؛ وذلك لأنّ العلم بالشيء غير العلم بغير ذلك الشيء ، وإلاّ فمَن علم شيئاً علم جميع الأشياء ، فلو كان الله عالماً بالأشياء لكانت له علوم متعدّدة ، فيتحقّق في ذاته كثرة غير متناهية .

وأجيب عنه بمنع تعدّد العلم بتعدّد المعلومات ، فالكثرة في الإضافات والتعلّقات ، وأمّا العلم فهو واحد ، وهي ـ أي كثرة الإضافات ـ غير ممتنعة ، لأنّها أُمور اعتبارية لا وجود لها خارجاً .

أقول : إتمام هذا الجواب موقوف على أنّ علم الواجب ليس بحصولي ولا حضوري ...

الرابع : إنّه لا يعلم غير المتناهي ؛ إذ المعقول متميّز ، وغير المتناهي غير متميّز عن غيره ، وإلاّ لكان له حد ينفصل به عن غيره ، فيكون متناهياً وهو خلف . وفيه أَوّلاً : إنّ كلّ فرد في نفسه متميّز ، فيتعلّق العلم بكل واحد منه .

وثانياً : إنّ التميّز لا يستلزم الحد ، فلا مانع من أن يكون ما لا يتناهى متميّزاً .

الخامس : إنّه لا يعلم الجميع ، بمعنى سلب إيجاب الجميع لا بمعنى السلب الكلي ؛ إذ لو علم كلّ شيء للزم أن يعلم أيضاً علمه به ، وأن يعلم علمه بعلمه ، فيلزم التسلسل في العلوم .

وأجيب عنه بأنّ (2) العلم عندنا من قبيل الإضافات ، وتسلسلها غير باطل .

أقول : علمه تعالى ليس من الإضافات والنِسب بل هو عين ذاته ، والمجيب أيضاً قائل بأنّه موجود قديم تبعاً لشيخه الأشعري ، فحكمه هنا بإضافة العلم واعتباريته تناقض منه في أُصوله .

وأمّا هذه الشبهة فيمكن أن يجاب عنها ، بأنّ انكشاف العلم بنفسه لا بعلم ثانٍ .

لا يقال : إنّه لو صح ذلك لبطل العلم البسيط وهو خلاف الوجدان .

فإنّه يقال : لا علم لمَن غفل عن علمه حقيقةً ، نعم هو عالم بمعنى تمكّنه من حصوله بالالتفات ، وبالجملة : مَن كان له علم بشيء فهو ملتفت إليه ، فإذا بطل التفاته فقد بطل علمه ، ولا معنى لتقسيم العلم إلى البسيط والمركب إذا أُريد بالمقسم الانكشاف الفعلي . فتأمّل فيه .

السادس : إنّه لا يعلم ذاته ولكن يعلم غيره على عكس القول الثالث ، والمصرّح في كلام العلاّمة الحلّي (3) والمحدّث المجلسي (4) ـ على اختلاف جزئي بين الكلاميين ـ أنّ هذا القول بل القول الأَوّل والثاني والثالث والرابع والخامس من قدماء الفلاسفة .

أقول : فساد هذا الوجه ظاهر .

السابع : إنّه تعالى لا يعلم الجزئيات المتغيّرة بما هي جزئيات متغيّرة ، كما عن الفلاسفة أو جمهورهم ، وبرهنوا عليه بأنّ علمه تعالى إن بقى على حاله حين تغيّر تلك الجزئيات فيلزم الجهل ، وإن تغيّر بتبع تغيرها لزم التغيّر في ذاته ، بل لا يعلم الجزئيات المتشكّلة وإن لم تتغيّر، كأجرام الأفلاك الثابتة على أشكالها ؛ لأنّ إدراكها إنّما يكون بالآلات الجسمانية ، وأمّا الجزئيات الثابتة غير المشكّلة ـ كذاته تعالى والعقول الكلية ـ فهي معلومة له تعالى بأشخاصها بلا محذور، كما أنّ الجزئيات المتغيّرة والمتشكّلة أيضاً ممّا يتعلّق به علمه تعالى على نحو كلّي.

وبيانه ما قرّره ابن سينا في محكي الشفاء (5) حيث قال في بحث إلهياته : ولأنّه مبدأ كل وجود فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له ، وهو مبدأ للموجودات التامة بأعيانها ، والموجودات الكائنة الفاسدة بأنواعها أَوّلاً وبتوسط ذلك بأشخاصها ، ومن وجه آخر لا يجوز أن يكون عاقلاً لهذه المتغيّرات مع تغيّرها ، من حيث هي متغيّرة عقلاً زمانياً مشخّصاً ، بل على نحو آخر منه ، فإنّه لا يجوز أن يكون تارةً يعقل عقلاً زمانياً أنّها موجودة غير معدومة ، وتارةً أنّها معدومة غير موجودة ، فيكون لكلّ واحد من الأمرين صورة عقلية على حدة ، ولا واحدة من الصورتين يبقى مع الثانية ، فيكون واجب الوجود متغيّر الذات ، ثمّ الفاسدات إن عقلت بالماهية المجرّدة بما يتبعها ممّا لا يتشخّص ، لم يعقل بما هي فاسدة، وإن أدركت بما هي مقارنة لمادة ، وعوارض مادة ، ووقت ، وتشخّص ، وتركيب ، لم يكن معقولةً بل هي محسوسة أو متخيّلة .

ونحن قد بيّنا في كتب أُخرى أنّ كلّ صورة لمحسوس ، وكل صورة خيالية فإنّما يدرك من حيث هي محسوسة ومتخيّلة بآلة متجزية ، وكما أنّ إثبات كثير من الأفاعيل للواجب الوجود نقص له ، كذلك إثبات كثير من التعقّلات ، بل الواجب الوجود إنّما يعقل كلّ شيء على نحو كلي ، ومع ذلك فلا يعزب عنه شيء شخصي ، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ، وهذا من العجائب التي يحوج تصوّرها إلى لطف قريحة .

قال في التعليقات (6) في ضمن كلام له : وأمّا أنّه كيف يكون علمه ؟ فهو أن يكون بسبب ، أعني أن يكون يعرف الموجودات كلّها على وجه كلّي ، وإذا كانت الأشياء كلها واجبةً عنده إلى أقصى الوجود فإنّه يعرفها كلّها ؛ إذ كلّها من لوازمه ولوازم لوازمه ، وإذا علم أنّه كلّها كان كذا، أعني جزئياً ، وكلّما كان كذا كان كذا ، أعني جزئياً آخر ، يكون هذه الجزئيات مطابقةً لهذا الحكم ، يكون قد عرف الجزئيات على الوجه الكلّي ، الذي لا يتغيّر الذي يمكن أن يتناول أي جزئي كان ، لا هذا المشار إليه .

ثمّ قال : ومثل هذا أنّ منجّماً يعلم أنّ الكواكب ( هكذا ) الفلاني كان أَوّلاً في الدرجة الفلانية ، فصار إلى الدرجة الفلانية ، ثمّ بعد كذا ساعة قارن الكوكب الفلاني ، ثمّ دخل بعد كذا ساعة في ذلك الكسوف ، ثمّ بقي كذا ساعة في ذلك الكسوف ، ثمّ فارق الشمس وانجلى ، يكون قد عرف كل ذلك بأسبابه ، ولا يكون قد عرف أنّ هذا الكوكب في هذه الساعة في الدرجة الفلانية ، حتى يكون الساعات التي بعدها مستندة إلى هذه المشار إليها، ويتغيّر علمه بتغيّر الأحوال وبحدودها .

فإذا عرف على الوجه الذي ذكرنا ـ أعني بالسبب ـ كان حكمه في اليوم وغداً وأمس حكماً واحداً، والعلم لا يتغيّر ، فإنّه صحيح دائماً في هذا الوقت ، وفيما قبله ، وفيما بعده ، أنّ الكوكب الفلاني كذا ساعة يقارن الكوكب الفلاني ، فأمّا إن قال : إنّ الكوكب الفلاني في هذا الوقت الفلاني المشار إليه المستفاد علمه من خارج، متقارن لكوكب الفلاني ( هكذا ) ، وغداً مقارناً لكوكب آخر ، فإنّه إذا جاء الغد بطل الحكم الوقتي والعلم الوقتي ، فإذن الفرق بين العلمينِ ظاهر.

فواجب الوجود علمه على الوجه الكلي علم لا يعزب عنه مثقال ذرة ، وهذا الكسوف الشخصي وإن كان معقولاً على الوجه الكلي ؛ إذ قد علم بأسبابه ، والمعقول منه بحيث يجوز حمله على كسوفات كثيرة ، كلّ واحد منها حاله حال هذا الكسوف ، فإنّ الأَوّل تعالى يعلم أنّه شخص في الوجود وعلمه محيط بوحدانيته ، فإنّه إن لم يعرف وحدانيته لم يعرفه حقّ المعرفة ، وكذلك نظام الموجودات عنه ، وإن عرفه على وجه كلّي بحيث يكون معقولةً يجوز حمله على كثيرين، فإنّه يعلم أنّه واحد ، وعلمه بأنّ هذا الكسوف شخصي ، لا يرفع المعقول الكلي والعلم ما يكون بأسباب ، والمعرفة ما يكون بمشاهدة ، فالعلم لا يتغيّر البتة وإن كان جزئياً ، فإن علمنا بأنّ الكسوف غداً يكون مركّباً من علم ومشاهدة ، ولو كان غداً لم يكن مشار إليه ، بل كان معلوماً بأسبابه لم يكن إلاّ علماً كلّياً .

ولم يكن يجوز أن يتغيّر ، ولم يكن زمانياً ، فإنّ كلّ علم لا يُعرف بالإشارة وبالاستناد إلى شيء مشار إليه كان بسبب ، والعلم بالمسبّب ما دام السبب موجوداً ، لكن العلم الذي يتغيّر هو أن يكون مستفاداً من وجود الشيء ومشاهدته ، فواجب الوجود تعالى منزّه عن ذلك ؛ إذ لا يعرف الشيء من وجوده فيكون علمه زمانياً ومستحيلاً ومتغيّراً . انتهى ما أردنا نقله من كلامه .

واعلم أنّه كما يصحّح العلم بالجزئيات المتغيّرة من هذا الطريق ، كذلك يصحّح العلم بالجزئيات المتشكّلة أيضاً ، فإنّ إدراك المتشكّلات إذا لم يكن من سبيل الجزئية المستندة إلى الإشارة والإحساس ، بل من سبيل التخصيص بصفات مستندة إلى مبدأ نوعه في شخصه ، لا يستدعي الانطباع في آلة جسمانية ، كما قاله اللاهيجي في شوارقه ، وقال أيضاً : إنّ نفي علمه تعالى عن الجزئيات على وجه الجزئية ، عبارة عن نفي الإحساس بها عنه ، كما هو صريح كلام الشيخ ، ولا يلزم من نفي الإحساس بالشيء نفي العلم به (7) .

أقول : وللمتكلّمين في جواب هذه المقالة أقوال :

الأَوّل : ما قيل من أنّ العلم إضافة محضة ، والتغيّر الحاصل فيه لا يستلزم التغيّر في نفس الذات ، بل التغيّر في مفهوم اعتباري وهو جائز ، وإدراك المتشكّل إنّما يحتاج إلى آلة جسمانية إذا كان العلم حصول الصورة ، وأمّا إذا كان إضافةً فلا .

أقول : وهذا المجيب نسي مذهبه في صفاته تعالى ، من أنّها صادرة عنه تعالى أزلاً وقائمة به ، وإلاّ لم يقل : إنّه اعتباري محض ، وأيضاً أَليس الممكن القديم عندهم مستنداً إلى الموجب دون المختار كما مرّ ؟ أَوَ ليس القديم يمتنع عليه العدم والزوال ؛ لاستحالة تخلّف المعلول عن علّته ؟ فكيف سوّغ تغيّر العلم ؟! وأيضاً العلم بزعمه قائم به تعالى قيام العرض بمحله ، فلو تغيّر وتجدّد للزم كونه تعالى محلاًّ للحوادث ، وهو باطل عقلاً واتّفاقاً.

الثاني : ما عن أكثر الأشاعرة ومشايخ المعتزلة (8) ، من أنّ العلم بأنّه وجد الشيء والعلم بأنّه سيوجد واحد ، فإنّ مَن علم أنّ زيداً سيدخل البلد غداً ، فعند حصول الغد يعلم بهذا العلم أنّه دخل البلد الآن ، إذا كان علمه هذا مستمراً بلا غفلة مزيلة له ، وإنّما يحتاج أحدنا إلى علم آخر متجدّد يعلم به أنّه دخل الآن ؛ لطريان الغفلة عن الأَوّل ، والباري تعالى يمتنع عليه الغفلة ، فكان علمه بأنّه وُجد عين علمه بأنّه سيوجد .

أقول : ويظهر من المحدّث المجلسي قدّس سره أيضاً اختيار هذا المذهب (9) ، وبرهن عليه بأنّ العلم بالقضية ، إنّما يتغيّر بتغيّرها ، وهو إمّا بتغيّر موضوعها أو محمولها ، والمفروض عدمه . نعم يمكن أن يشار إليه إشارة خاصّة بالموجود حين وجوده ولا يمكن في غيره ، وتفاوت الإشارة إلى الموضوع لا يؤثر في تفاوت العلم بالقضية ، بل هو راجع إلى تغيّر المعلوم .

أقول : والحق أنّ العلم بأنّه سيوجد غير العلم بأنّه وُجد ، كما برهن عليه أبو الحسين البصري الاعتزالي (10) ، بل يمكن أن يقال : إنّ هذا الجواب هو عين الالتزام بالإشكال ، فإنّ الحكماء ما نفوا علمه بالجزئيات مطلقاً ، بل على وجه جزئي ، وأمّا على النحو الكلي فهم قائلون به من أجل ؛ أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ... وهذا الجواب لا يُثبت أكثر من العلم الكلي ، فتدبّر .

الثالث : إنّ العلم صفة حقيقية ذات إضافة ، وتغيّر المعلوم لا يؤثر في العلم بل في إضافته ، فالمتغيّر هو إضافة العلم المتعلّقة بالمعلوم لا نفس العلم ، كما ذكره المحقّق الطوسي قدّس سره وغيره ، وشبّهه العلاّمة (11) بالقدرة حيث إنّ تغيّر المقدور وفقدانه لا يوجب تغيّر القدرة ، بل هي على حالها وإنّما المتغيّر به هو نسبة القدرة إلى المقدور المذكور .

أقول : تغيّر العلم تابع لتغيّر المعلوم لا محالة ، فإنّ العلم إمّا حصولي ، وإمّا حضوري ، أمّا الثاني فالعلم والمعلوم شيء واحد ، ولا يعقل الانفكاك بينهما ، وأمّا الأَوّل فإن كانت الصورة بعد تغيّر مطابقها باقيةً فهي كذب ، وإلاّ فقد ثبت المطلوب ، فحديث كونه ذا النسب لا نفس النسب لا يفيد أصلاً .

ثمّ إنّ للمحقّق الطوسي قدّس سره كلاماً حول المسألة لا بأس بذكره ، قال في محكي شرح رسالة العلم (12) : وأمّا علم الباري بالجزئيات ففيه خلاف بين المتكلّمين والفلاسفة ؛ وذلك أنّ المتكلّمين قالوا : إنّ الباري تعالى يعلم الحادث اليومي ، على الوجه الذي يعلم أحدنا أنّه موجود في هذا الوقت ، ولم يكن موجوداً قبله ، ويمكن أن يوجد أو لا يمكن ، ثمّ إذا انتبهوا بوجوب التغيّر للعلم بالمتغيّرات حسب تغيّرها ، التزم بعضهم جواز التغيّر في صفات الله تعالى أو في بعضها ، فقال القائلون بالإضافات فقط : إنّ تغيّر الإضافات في الله جائز عند جميع العقلاء كالخالقية والرازقية الإضافة إلى كلّ شخص .

وقال غيرهم : يجوز أن يكون ذاته محلاًّ للحوادث ، كما جوّز طائفة من الحكماء كونه محلاًّ للحوادث ، قابلاً للصور المعلومات الغير المتغيّرة ، ولم يجوّز (13) التغيّر في صفاته في هذا الوضع ، وأنكر التغيّر أصلاً وقال : العلم بما سيوجد هو العلم بوجوده عين وجوده ، إلى أمثال ذلك من المتمسّكات الواهية .

أمّا الحكماء فالظاهريون المنتسبون إليهم قالوا : إنّه تعالى عالم بالجزئيات على الوجه الكلّي لا على الوجه الجزئي ، فقيل لهم : لا يمكن أن ينكر وجود الجزئيات على وجه الجزئية المتغيّرة ، وكلّ موجود فهو في سلسلة الحاجة إلى الباري تعالى ، الذي هو المبدأ والعلّة الأُولى ، وعندكم أنّ العلم التامّ بالعلّة التامة يستلزم العلم التام بمعلولها ، وأنّ علم الباري تعالى بذاته أتمّ العلوم ، فأنتم بين أن تعترفوا بعلمه تعالى بالجزئيات على وجه الجزئية المتغيّرة ، وبين أن تقرّوا بانثلام إحدى المقدمات المذكورة ؛ إذ من الممتنع أن يُستثنى من الأحكام الكلّية العقلية بعض جهاتها الداخلة فيها ، كما يستثنى في الأحكام النقلية بعضها لتعارضها الأدلة السمعية ، فهذه على المذاهب المشهورة ... إلخ .

أقول : ما ذكره ابن سينا ونُقل عن أكثر الحكماء ، من نفي علمه بالجزئيات على وجه جزئي ، مبني على كون علمه تعالى حصولياً وبارتسام الصور ، وعلى هذا يلزم التكثير في علمه أيضاً، وما أجيب عنه يشكل الاعتماد عليه ، ولكن أسلفنا أنّ المستفاد من الأدلة ، أنّ الله عالم أزلاً بجمع الأشياء إلى الأبد فقط ، وأمّا كيفية هذا العلم فقد ذكرنا أنّها غير معلومة لنا ، ولا يمكن إدراكها للممكن المحدود ، فإنّ الإحاطة بعلمه عين الإحاطة بذاته المقدّسة ، وهي مستحيل اتّفاقاً وبرهاناً .

... ولعلّ ما ورد في الكتاب والسُنة من اتّصافه تعالى بالسميع والبصير يدفع هذا القول صريحاً فتأمل .

وخلاصة المقال : أنّ علمه تعالى ليس بحصولي ولا بحضوري ، بل إنّه عالم بالأشياء قاطبةً ، وعلمه عين ذاته ، فلابدّ حينئذٍ من أن لا يوجب تغيّر المعلوم ، إلاّ تغيّراً في ناحية الإضافة والنسبة لا في العلم نفسه ، كما في الجواب الثالث ، فالجواب المذكور صحيح ، لكن بعد إنكار انحصار العلم في الحصولي والحضوري، وإقامة البرهان على عموم علمه .

الثامن : إنّه لا يعلم الأشياء قبل وجودها ، نسبه الشهرستاني في المِلل والنِحل (14) إلى هشام بن عمرو الغوطي القدري ، والأصم من أصحابه ، وأنّهما اتّفقا على أنّ الله تعالى يستحيل أن يكون عالماً بالأشياء قبل كونها ، ومنعا كون المعدوم شيئاً . ونسبه إلى هشام بن الحكم وزرارة أيضاً .

أقول : لا يجوز للمسلم المحقّق وللباحث المدقّق الاعتماد على كتاب الشهرستاني ، فإنّه مشحون بالافتراءات والاشتباهات التي لا يمكن المسامحة فيها ، وقد غلب عليه التعصّب فنسب إلى مخالفيه في مذهبه ما نسب ، ونحن لا نحتمل أنّ زرارة قال بهذه المقالة الرديئة، ولا هشام بن الحكم بعد انقطاعه إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، كيف وهو الذي يروي لنا عن الصيقل، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، عن عيسى بن منصور ، عن جابر الجعفي ، عن الباقر (عليه السلام ) : ( أنّ الله علم لا جهل فيه، وحياة لا موت فيه ، ونور لا ظلمة فيه ) (15) ؟!

فإذا علم من إمامه أنّ العلم عين ذات الباري تعالى ، فكيف يعتقد حدوث علمه ؟ وأيضاً قد مرّ روايته عن الصادق ( عليه السلام ) ، بأنّ الله يعلم الحوادث قبل وجودها ، لكن الشهرستاني لا يلتفت إلى ذلك ، بل يريد أن يخترع مذهباً باسم الهشامية ، ومذهباً باسم الزرارية وهكذا تكثيراً لفِرق الشيعة ؛ لأغراض غير خافية على المتأمّلين ، وإلاّ فهشام وزرارة ويونس ومؤمن الطاق وأمثالهم من الأجلاّء والأعيان ، ليسوا إلاّ من الفِرقة الإمامية المعتقدين بإمامة الاثني عشر إماماً من آل محمد ( صلى الله عليه وعليهم ) ، ولا وجود للهشامية والزرارية وأمثالهما من المذاهب المتخيّلة في خيال الشهرستاني ، ومَن قلّده من متكلّمي الأشاعرة وغيرها.

ومن هنا لا جزم لنا ولا ظن ، بأنّ هشام بن عمرو الغوطي والأصم قالا بنفي علمه تعالى، غير أنّ الشيخ الأعظم المفيد قدّس سره نقل هذا القول عن الغوطي المذكور ... ، بل إنّ العلاّمة الحلي قدّس سره نقل (16) عن جمع من قدماء المتكلّمين ، أنّه تعالى لا يعلم الموجود الزماني إلاّ عند وجوده ، وهذا هو الذي اختاره السهروردي المقتول رئيس الفلاسفة الإشراقيين ، قال اللاهيجي في شوارقه (17) : نفى صاحب الإشراق العلم المقدّم على الإيجادات كلّها مطلقاً ، وأبطل العناية رأساً زعماً أنّ قبل كون الموجودات ووجودها ذهناً وخارجاً ، كيف يتصوّر تحقّق العلم بها ؟ فإنّ العلم بها لا يتصوّر بدون وجودها ذهناً أو خارجاً ؛ ضرورة عدم تمايز المعدومات الصرفة ، ولا يمكن وجود الموجودات قبل وجودها ، أمّا خارجاً فظاهر ، وأمّا ذهناً فللزم الكثرة في ذاته تعالى ، فليس للواجب علم فعلي أصلاً . انتهى .

وقال أيضاً : إنّه ـ يعني صاحب الإشراق ـ بعد إبطال العناية ، جعل النظام المشاهد في عالَم الأجسام لازماً عن النظام الواقع فيما بين المفارقات العقلية الطولية والعرضية ، وأضوائها المنعكسة عن بعضها إلى بعض ، وجعل ذلك بدلاً عن العناية في سببية النظام، صرّح بذلك في حكمة الإشراق .

أقول : وعلى قول هذا الإشراقي يبطل فاعليته تعالى الاختيارية ، فإنّ المختار عند الفلاسفة هو الذي يسبق علمه فعله ، وهذا الرجل ينكر سبق علمه ، فيكون الله موجباً لا مختاراً ، هذا مع أنّ هذا القول ينافي ما تسالم عليه الفلاسفة من عينية علمه لذاته تعالى .

وأمّا مَن حاول أن يصلح هذا القول ويدفع عنه الشناعة ، فما أتى بشيء غير أن فضح نفسه ، نعم ذكر السبزواري في حاشيته على الأسفار وفي شرح منظومته ، أنّ هذا الإشراقي غير منكر للعلم الإجمالي ، فإنّه متّفق عليه بين الإشراقيين والمشّائيين ، وإنّما المنفي عنده العلم التفصيلي ، لكن هذا شيء ذكره من جهة حسن ظنّه بهذا القائل ، وإلاّ فهو صرّح في مطارحاته بإنكار العلم الإجمالي أيضاً ، كما نقله صاحب الأسفار اعترف به ، وكذا اللاهيجي في شوارقه ، وأمّا ما ذكره هذا الموجّه ـ أي السبزواري في حاشية الأسفار ـ من أنّ مراده بالعلم الإجمالي الذي أنكره غير الإجمالي الكمالي ، بل شيء آخر فهو أعرف بتوجيهه ، بل في الأسفار في بحث مراتب علمه تعالى : نسبة إنكار العناية إلى أتباع الإشراقيين عموماً .

أقول : وكأنّ الله سبحانه وتعالى طبع على قلب هذا الظلماني ، حيث ما التفت إلى أنّ صدور العقول الطولية والعرضية التي تدبّر نظام العالم المتقن ، أقوى دليل على علمه تعالى قبل صدورها .

وأنت إذا علمت مقالة هذا الرجل الذي يتّبعه الفلاسفة الإشراقيون ، ومسلك ابن سينا الذي يقلّده المشّاؤون ... ، وقول صاحب الأسفار ، الذي اقتدى به أرباب الفلسفة المتعالية حول بسيط الحقيقة ، وحول جسميته تعالى ... تعلم أنّ ما يقولون حول فلسفتهم من إتقان مسائلها، ووصول أربابها إلى الكشف والشهود قعقعة .

ثمّ إنّ مسألة تحقّق علمه أزلاً ، وعدم تحقّق المعلوم خارجاً وذهناً مع امتناع انفكاكهما ، قد مرّ حلّها بوجه قطعي عقلي إجمالي ، ونقلي تفصيلي ، والإنصاف أنّ مسألة علمه تعالى مطلقاً ذات مصاعب كثيرة ، قلَّ مَن يمكنه الوصول إليها .

وممّن نُسب إليه هذا القول جهم بن صفوان وأصحابه ، قالوا : إنّ الله لا يعلم الشيء قبل وقوعه، وعلمه حادث لا في محل (18) ، وكذا أبو الحسن البصري على ما استفيد من كلامه (19) ، وممّن قال بهذا القول الشيخ أحمد الأحسائي على ما يظهر من كلماته في شرح العرشية وشرح المشاعر ، وبعض كلماته صريح في ذلك ، وكذا من كلامه في محكي شرح رسالة الكاشاني (20) ، وحاصل ما استفدناه من كلامه من الدليل تصحيح دعواه وجوه :

الأَوّل : إنّ العلم في الواجب والممكن عين المعلوم ، فلا يعقل تقدّم العلم على معلومه ، وحيث لا معلوم موجَد في الأزل فلا علم به أيضاً .

الثاني : إنّ علمه عين ذاته ، فكما أنّ تحقّق الممكنات في ذاته في الأزل محال فكذا العلم بها محال ؛ لِما مرّ من وحدة العلم والمعلوم .

الثالث : شرط العلم المطابقة مع المعلوم وتطبيقه عليه ، وبما أنّ علمه عين ذاته ، لا يعقل تطبيقه على المعلوم الممكن ، بل بينهما مباينة صرفة .

الرابع : إنّ علمه بالأشياء أزلاً يستلزم أزلية الحوادث ، وبطلان التالي يكفي لبطلان المقدّم.

الخامس : إنّه تعالى غير محدود ، فإذا كان عالماً بما سواه أزلاً ، يلزم أن يعلم تحديد نفسه كي يمتاز عن غيره ، وفساد الثاني يكشف عن بطلان الأَوّل .

السادس : قوله تعالى : {مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ... } [يونس: 18] ، وقوله تعالى : {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد: 33] ، قال : فأخبر أنّه تعالى لا يعلم له شريكاً ، ووجود شيء من كلّ ما سواه في الأزل محال ، كوجود الشريك للباري ، فكما جاز أنّه لا يعلم له في الأزل شريكاً ، جاز أنّه لا يعلم في الأزل غيره .

أقول : ومثلهما قوله تعالى : {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ... } [الأنفال: 23].

السابع : رواية أبي بصير عن الصادق ( عليه السلام ) (21) قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : ( لم يزل الله ـ عزّ وجلّ ربّنا ـ والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته لا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصَر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم ، وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصَر ، والقدرة على المقدور... إلخ ) .

ورواية حمّاد بن عيسى (22) قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) فقلت : لم يزل يعلم ؟ قال: ( أنّى يكون ذلك ولا معلوم ، قال : قلت : فلم يزل الله يسمع ؟ قال أنّى يكون ذلك ولا مسموع. قال : قلت : فلم يزل الله يبصر ؟ قال : أنّى يكون ذلك ولا مبصَر . ثمّ قال : ولم يزل الله عليماً سميعاً بصيراً ذات علامة سميعة بصيرة ) .

أقول : هذه الوجوه واضحة البطلان لائحة الفساد ، بل لا ينبغي صدورها عن أصاغر أهل العلم، ولمزيد الوضوح نقول :

أمّا الوجه الأَوّل ، ففيه ما مرّ من أنّ علمه عين ذاته ، ولكن له نسبة إلى المعلومات، فما ذكره من اتّحاده مع المعلوم غير صحيح ، بل لا نسلّمه في العلم الممكن فضلاً عن العلم الواجب ، وأمّا أنّه كيف يعلم الشيء قبل وجوده ؟ فقد تقدّم بيانه .

وأمّا الوجه الثاني ، فقد اتّضح بطلانه من إبطال الوجه الأَوّل ، مع أنّ لازمه هو نفي علمه مطلقاً حتى فيما لا يزال ، فإنّ تحقّق الكثرة فيه تعالى محال أبداً وأزلاً ، والاعتذار بأنّ انكشاف الحادث بالعلم الذاتي مردود بأنّ هذا يؤدّي إلى بطلان فاعليّته الاختيارية ، بل مآله إلى قول المادين ، وأنّ مَن لا علم سابق له على فعله بفعله كيف يوجد مثل هذا النظام المحكم المتقن ؟

وهذا الكلام جارٍ على الوجه الثالث أيضاً ، مع أنّه مزيّف بأنّ معنى المطابقة والوقوع هو انكشاف الشيء عند العالم ، لا المطابقة والوقوع الخارجيين ، كوقوع شيء مادي على شيء مادي آخر ، فإنّه ممّا لم يتوهّمه إلاّ جاهل .

وأمّا الوجه الرابع ، فقد ظهر ضعفه ممّا مرّ أيضاً .

وأمّا الوجه الخامس ، فالملازمة بين المقدّم والتالي فاسدة جداً ، مع أنّها لو تمّت لعمّت حتى في ما لا يزال .

وأمّا الوجه السادس ، فعدم العلم في الآيات الكريمة كناية عن عدم الوجود ، فإنّ عدم علمه تعالى بشيء يكشف عن عدم وجوده ، وهذه التعابير بمنزلة أن يقال بأنّ الله يعلم عدم شريك له ، ويعلم أنّه لا خير فيهم ، كيف وقد نفى الله الشريك عنه ، وأنّه واحد لا شريك له ؟ فلو كان غير عالم به لَما نفاه بل سكت عنه .

والإنصاف أنّ هذا منه تجاهل لأغراض هو أعلم بها منّا ، وليس بجهالة ، فإنّ المسألة واضحة جدّاً ، وأيضاً قد مرّ أنّ القرآن ينادي ، بأنّ الله يعلم الحوادث قبل وقوعها.

وأمّا الوجه السابع ، فبعد ضعف الخبرين سنداً ، ودلالة الأخبار المتواترة على تعلّق علمه بالأشياء أزلاً قبل وجوداتها ، يُحمل الأَوّل منهما على الوقوع الشهودي المسبوق بالتعلّق الأزلي لا المسبوق بالجهل ، كما يدلّ عليه قوله ( عليه السلام ) والقدرة على المقدور ؛ إذ لا شكّ في لزوم اعتبار القدرة قبل الشيء ، وضرورة بطلان وجودها بعد وجود المقدور ، فافهم واغتنم ، وكأنّ الرواية ناظرة إلى بطلان قول مَن نفى علمه تعالى بالأشياء الجزئية بما هي جزئية ، فإنّه اكتفى بالعلم الكلّي دون الجزئي ... والثاني منهما على نفي العلم المستلزم لوجود المعلوم، لا على نفي مطلق العلم ؛ ولذا صرّح الإمام ( عليه السلام ) ـ على تقدير صحّة الرواية ـ بأنّه تعالى ذات علامة ، وأنّ العلم ذاته .

فقد تلخّص أنّ الله تعالى عالم أزلاً بجميع الأشياء وأحوالها وخصوصياتها . نعم ، إنّه تعالى غير عالم بالأشياء أزلاً على نحو ظرفية الأزل للأشياء ، وهذا من قبيل القضية السالبة بانتفاء الموضوع ، بل هو عالم بعدمها أزلاً وبوجودها في أوقاتها ، فالأزلي هو العلم دون المعلوم ، فإن كان مراد الأحسائي هذا المعنى ـ كما ربّما يظهر من بعض كلماته ـ فهو ممّا لا شك فيه عندنا ...

التاسع : إنّه لا يعلم الأُمور الحاضرة ، وشبّهوه بكونه تعالى قادراً قالوا : كما إنّه لا يقدر على الموجود فكذلك ، لا يعلم الموجود . نسبه ابن الراوندي إلى معمّر بن عبّاد أحد شيوخ الأشاعرة، كما نقله الأحسائي في شرح العرشية (23) ، وقد دريت أنّ الممكن حدوثاً وبقاءً محتاج إلى فيض ربّه والتفات خالقه ، فكيف لا يعلم مَن خلق ؟ فهذه الآراء الخبيثة والأنظار السخيفة ، كلّها مخالفة للعقل والشرع ، والصحيح ما عرفت منّا وله الحمد .

واعلم أنّ أكثر هذه الأقوال المنحرفة عن الحق ، إنّما نشأت من قياس علمه تعالى بعلمنا ، وعلى هذا لا جواب مقنع لها ، وهؤلاء القائلون الذين ضلوا وأضلوا ، نسوا وغفلوا عن استحالة الإحاطة بكنه الواجب اللامحدود لإنسان محدود وجوده وعلمه .

________________________

 

(1) نُسب هذا القول إلى الدهرية ، مع أنّهم ينكرون قدرته وحياته وحكمته وتجرّده أيضاً ، فإنّهم يرون أنّ مبدأ العالم أجسام صغار ... ، فتخصيص نفي العلم به وحده بلا مخصّص ، فتأمّل .

(2) ذكره في المواقف وشرحها 3 / 64.

(3) شرح قواعد العقائد / 45.

(4) البحار 4 / 87.

(5) الشوارق 2 / 252.

(6) الشوارق 2 / 254.

(7) وكأنّ هذا القول مصادم لكونه تعالى بصيراً وسميعاً .

(8) شرح المواقف 3 / 62.

(9) البحار 4 / 72.

(10) لاحظ شرح المواقف 3 / 63، وغيره .

(11) شرح التجريد / 176.

(12) الشوارق 2 / 256.

(13) في العبارة سقط قطعاً واشتباه لفظي أيضاً ، ولم يحضرني المصدر نفسه .

(14) الفصل لا بن حزم ( الهامش ) 1 / 35.

(15) بحار الأنوار 4 / 84 نقلاً عن توحيد الصدوق .

(16) شرح قواعد العقائد / 45.

(17) الشوارق 2 / 224.

(18) الأنوار النعمانية وشرح المشاعر ...

(19) لاحظ شرح المواقف 3 / 64.

(20) الحاكي هو صاحب كفاية الموحّدين في المجلّد الأَوّل منها .

(4) يونس 10 / 18.

(5) الرعد 13 / 33.

(6) الأنفال 8 / 23.

(21) أُصول الكافي 1 / 107.

(22) البحار 4 / 72.

(23) شرح العرشية / 62.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.