أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
797
التاريخ: 24-10-2014
842
التاريخ: 24-10-2014
1145
التاريخ: 2-07-2015
889
|
الدليل على ثبوت العلم لله تعالى أمور :
منها : أنّ كلّ ما حكم العقل بكونه كمالا لموجود ما من حيث هو موجود ، ولا يوجب التجسّم والتغيّر والتركّب ونحوها ، وتحقّق في موجود من الموجودات ، كان ممكن التحقّق في الموجود الحقّ بالإمكان العامّ ، فيجب وجوده له تعالى لا محالة ، وإلاّ لكان فيه جهة إمكانيّة منافية للوجوب الذاتي ، ويلزم نقص الواجب في مرتبة ذاته وذات ذلك الكمال وإن كان أثره مترتّبا على ذاته كما يقول من يذهب إلى كون ذاته تعالى نائبا عن الصفات (1) وهو محال ، وصفة العلم كذلك ، فيجب تحقّقه فيه من غير أن يكون زائدا على ذاته ليلزم تعدّد القدماء ، مضافا إلى ما مرّ وكون العينيّة كمالا بالنسبة إلى الزيادة ، ووجوب حصول كلّ كمال له تعالى.
ومنها : أنّ واجب الوجود واهب الكمال ومفيضه ومعطيه ، والمفيض لا يصلح أن يكون قاصرا عن ذلك الكمال إذا لم يوجب ما ذكر ، كما روي (2) أنّ النمل يقول : إن لله زبانيتين ، فهو تعالى عالم بما كان وما هو كائن وما يكون على وجه هي عليه في نفس الأمر ؛ لكونه علّة تامّة لما سواه على ترتّب ونظام ، وكونه عالما بالعلم التامّ بذاته ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم بمعلولها ؛ إذ لا بدّ في كلّ علّة مستقلّة لمعلول أن يكون المعلول من لوازمه ، فالعلم بالعلّة التامّة يوجب العلم بالمعلول ، فعلمه تعالى بجميع ما عداه لازم لعلمه بذاته ، كما أنّ وجود ما عداه تابع لوجود ذاته.
فإن قلت : نحن عالمون بذواتنا التي هي علل لأفعالنا الآتية مع عدم علمنا بها قبلها.
قلت : ذواتنا ليست علّة مستقلّة لها ، بل محتاجة إلى دواع وأسباب خارجة ، بخلاف واجب الوجود ؛ فإنّه علّة مستقلّة لجميع معلولاته ، والداعي إلى الفعل ـ وهو العلم بالمصالح ـ عين ذاته ، غير مستفاد من خارج ، وغير محتاج إلى الآلات والأسباب ، مضافا إلى عدم علمنا بذواتنا بالكنه ، فلا يصحّ القياس بالناس.
وبيان كيفيّة هذا العلم على وجه لا يلزم منه تكثّر في ذاته ولا في صفاته الحقيقيّة ، ولا كونه فاعلا وقابلا ، ولا يبقى اشتباه بأنّ هذا العلم هل هو قبل الأشياء أو بعدها أو معها بأن لا يعلمها إلاّ حين وجودها ، فيكون لها فيه تأثير ، ويكون بسببها بحال لم يكن قبل على ذلك الحال ، فلا يكون واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الصفات؟ أنّ الواجب تعالى هو المبدأ الفيّاض لجميع الحقائق والماهيّات ، فيجب أن يكون ذاته ـ مع بساطته وأحديّته ـ كلّ الأشياء ، ويكون لكلّ واحد منها وجود إجمالي في مرتبة ذات العلّة ، فتعقّله لذاته تعقّل لجميع ما سواه ، وتعقّله لذاته مقدّم على وجود جميع ما سواه ، فيكون علمه تعالى بجميع الأشياء حاصلا في مرتبة ذاته بذاته قبل وجود ما عداه ، بمعنى أنّه لا بدّ عند ملاحظة ذاته تعالى وتعقّله وإدراكه على وجه واقع من ملاحظة جميع الممكنات المستندة إليه ؛ فإنّ من الوجوه التي لذات الواجب تعالى كونه قادرا على إيجاد الأشياء الممكنة ومؤثّرا فيها على وجه هي عليها ، وعلى أحوال تكون عليها آنا فآنا ، فتعقّله على هذا الوجه مستلزم لتعقّل جميع الأشياء ، فجميعها موجود بالوجود التعقّلي في ضمن تعقّل الذات كوجود الابن بالوجود التعقّلي في ضمن تعقّل الأبوّة ، وليس المراد وجودها في مرتبة الذات بالوجود الخارجيّ الحقيقيّ ، كما يقوله المتصوّفة (3) ؛ فإنّ ذلك مستلزم لإمكان الواجب ، أو وجوب الممكن كما لا يخفى ، بل هو خلاف الضروريّ من المذهب ، بل الدين.
والحاصل : أنّ العلم على قسمين : حصوليّ ، وحضوريّ. والحضوريّ قد يكون بحضور المعلوم عند العالم مع التغاير بينهما.
وقد يكون بحضور علّة المعلوم عنده كذلك.
وقد يكون على الوجه الأوّل من غير تغاير ، بمعنى عدم غيبوبة المعلوم عن العالم كما في العلم بالذات.
وقد يكون على الوجه الثاني من غير تغاير بين العالم وعلّة المعلوم ، بمعنى عدم غيبوبة علّة المعلوم عن العالم ، وكون انكشاف علّة المعلوم بالكنه على وجه الحضور المذكور علّة انكشاف المعلوم في تلك المرتبة على وجه سيكون عليه من الأحوال والكيفيّات والتشخّص والتفاصيل الخارجيّة أو الذهنيّة.
وعلم الله تعالى بما عداه قبل الإيجاد من هذا القبيل ، فيكون الإجمال فيه عين التفصيل. وهذا هو العلم الكماليّ التفصيليّ من وجه والإجماليّ من وجه ، وذلك لأنّ المعلومات ـ على كثرتها وتفصيلها ـ موجودة بوجود في اتّصافه بوجوده [ لا يحتاج ] إلى شيء آخر ، حتّى يلزم أن يكون معلولا.
وبالجملة ، فادّعاء المخلوق لنفسه الإحاطة العلميّة بجلائل الملك ودقائق الملكوت ، وتسميته لنفسه فيلسوفا حكيما ، وسلب العلم عن خالقه الحكيم العليم ـ الذي أفاض ذوات العلماء ونوّر قلوبهم بمعرفة الأشياء ـ من أقبح القبائح وأفحش الأغلاط.
ومنها : أنّه تعالى فاعل فعلا محكما متقنا ، وكلّ من كان كذلك ، فهو عالم.
أمّا الكبرى ، فبالضرورة ، وينبّه عليه أنّ من رأى خطوطا مليحة أو سمع ألفاظا فصيحة تنبئ عن معان دقيقة وأغراض صحيحة ، علم أنّ فاعلها عالم.
وأمّا الصغرى ، فلما ثبت من أنّه تعالى خالق للأفلاك والعناصر وما فيها من الأعراض والجواهر وأنواع المعادن والنباتات وأصناف الحيوانات على إتقان وإحكام تحيّرت فيه العقول والأفهام ، ولا تفي بتفاصيلها الدفاتر والأقلام على ما يشهد بذلك علم الهيئة والتشريح ونحوهما مع أنّ الإنسان لم يؤت من العلم إلاّ قليلا ، ولم يجد إلى الكثير سبيلا. والمراد اشتمال الأفعال على لطائف الصنع وبدائع الترتيب وحسن الملاءمة للمنافع والمطابقة للمصالح على وجه الكمال ، فلا يقدح الاشتمال على نوع من الخلل والشرور بالعرض.
ومنها : أنّ الله تعالى فاعل بالقصد والاختيار ، ولا يتصوّر ذلك إلاّ مع العلم بالمقصد.
ومنها : أنّ البارئ تعالى مجرّد ، وكلّ مجرّد عاقل ؛ لأنّ التعقّل والتجرّد متلازمان ، بمعنى أنّ كلّ عاقل مجرّد ، وكلّ مجرّد عاقل.
بيانه : أنّ التعقّل عبارة عن إدراك شيء لم يعرضه العوارض الجزئيّة التي تلحق بسبب المادّة في الوجود الخارجيّ من الكمّ والكيف والأين والوضع إلى غير ذلك.
والتجرّد عبارة عن كون الشيء بحيث لا يكون مادّة ولا مقارنا لها مقارنة الصورة والأعراض.
فنقول : وجه كون كلّ عاقل مجرّدا أنّ التعقّل إنّما يكون بارتسام صورة المعقول في العاقل ، ومحلّ الصورة يجب أن يكون مجرّدا ؛ إذ لو كان مادّيّا ، لكان منقسما ، ويلزم من انقسامه انقسام الحالّ فيه ؛ إذ لم يكن الحلول من حيث لحوق طبيعة أخرى به ، كما في النقطة الحالّة في الخطّ لا من حيث ذاتها ، بل من حيث إنّها طبيعة أخرى وهي كونها نهاية الخطّ ، والصورة المعقولة ليست كذلك ، فيلزم انقسامها ، وذلك الانقسام إمّا إلى الأجزاء المتشابهة في الحقيقة ، فيلزم أن تكون الصورة المعقولة المجرّدة عن اللواحق المادّيّة من المقدار والوضع معروضة لها، أو إلى أجزاء متخالفة ، فيلزم تركّب تلك الصورة من أجزاء غير متناهية بالفعل ، وهو محال ؛ لبرهان التطبيق.
ووجه اللزوم : أنّ المحلّ لكونه مادّيّا يقبل القسمة إلى غير النهاية ، فيكون الحالّ أيضا كذلك ، والفرض أنّ الأجزاء متخالفة في الحقيقة ، فلا بدّ أن تكون حاصلة بالفعل في المركّب ، فيلزم تركّب الشيء من أجزاء غير متناهية.
وأورد عليه بأنّ كلّ تعقّل ليس بالارتسام ـ كما في تعقّل الواجب ـ إلاّ أن يخصّص بالعلم الحصوليّ ، وأنّه يمكن أن يكون ذو الصورة بريئا عن عوارض الجسم ، ولا يكون الصورة كذلك.
ووجه كون كلّ مجرّد عاقلا أنّ كلّ مجرّد يصحّ أن يكون معقولا لبراءته عن الشوائب المادّيّة ، فلا يحتاج إلى عمل يعمل به ليعقل ؛ فإن لم يعقل كان ذلك من جهة العاقلة ، وكلّ ما يصحّ أن يكون معقولا ، يصحّ أن يكون معقولا مع غيره ؛ لصحّة الحكم عليه بالوجود ونحوه من الأمور العامّة المعقولة ، الموقوف على تصوّرهما معا ، فكلّ ما يصحّ أن يكون معقولا مع غيره ، يصحّ أن يكون مقارنا لمعقول آخر ، وكلّ ما هو كذلك ، يصحّ أن يكون عاقلا إذا كان مجرّدا قائما بذاته ؛ لجواز مقارنتهما في الخارج ؛ لأنّ صحّة المقارنة المطلقة مقدّمة عليها ، وهي مقدّمة على المقارنة في العقل ؛ فالصحّة مقدّمة عليها ، فلا تتوقّف عليها ، وإلاّ يلزم الدور ، فإذا وجد في الخارج مجرّد قائم بذاته ، يكون صحّة مقارنته المطلقة ـ التي لا تتوقّف على المقارنة في العقل ـ بأن يحصل فيه المعقول حصول الحالّ في المحلّ ، وذلك لأنّه إذا كان قائما بذاته ، امتنع أن تكون مقارنته للغير بحلوله فيه ، أو حلولهما في ثالث.
والمقارنة المطلقة تنحصر في هذه الثلاث ، فإذا امتنع اثنتان منها ، تعيّن الثالثة وهي أن تكون مقارنته للمعقول مقارنة المحلّ للحالّ ، ولا نعني بالتعقّل إلاّ مقارنة المعقول للموجود المجرّد القائم بذاته مقارنة الحالّ لمحلّه ، فكلّ مجرّد يصحّ أن يكون عاقلا لغيره ، وكلّ ما هو كذلك ، يصحّ أن يكون عاقلا لذاته ؛ لاستلزام تعقّله الغير إمكان تعقّل أنّه تعقّله ، وذلك يستلزم إمكان تعقّل ذاته ؛ لأنّ تعقّل القضيّة يستلزم تعقّل المحكوم عليه ، فكلّ مجرّد يصحّ أن يكون عاقلا لذاته ، فيجب أن يكون عاقلا لذاته دائما ؛ لأنّ تعقّله لذاته إمّا بحصول نفسه ، أو بحصول مثاله. والثاني باطل ؛ لاستلزامه اجتماع المثلين ، فتعيّن أن يكون تعقّله بحصول نفسه ، ونفسه دائما حاصلة لا تغيب أصلا ، فيكون التعقّل دائما حاصلا ، فثبت أنّ كلّ مجرّد عاقل.
وأورد عليه بأنّه لا يتمّ في علم الواجب تعالى إلاّ أن يقال : إنّه مخصوص بالعلم الحصوليّ ، وغيره يقاس عليه.
وبأنّ تقدّم المقارنة المطلقة على المقارنة الخاصّة إنّما يصحّ إذا كانت المقارنة المطلقة ذاتية لها وهو ممنوع.
وبأنّه يجوز أن يصحّ لذات المجرّد المقارنة المطلقة المتحقّقة في ضمن الفرد الخاصّ ـ أعني المقارنة العقليّة ـ لا لتوقّف المطلقة عليها ، بل لعدم قبول ذات المجرّد إلاّ هذه المقارنة الخاصّة، مع أنّ ما ذكر يدلّ على امتناع توقّف المقارنة المطلقة بالنسبة إلى القسم الثالث أيضا من جهة لزوم الدور فيه أيضا على الوجه المذكور.
وبأنّه يجوز أن يكون من خاصيّة بعض المجرّدات أن يعقل المعقولات ، ويمتنع عليه أن يعقل أنّه تعقّلها.
والقياس على ما يجده الإنسان من نفسه لا يفيد حكما كلّيّا يقينيّا.
__________________
(1) قالت به المعتزلة كما في « شرح الأصول الخمسة » : 182 وما بعدها. ونقل عنهم في « مقالات الإسلاميّين » 1 : 244 وما بعدها ؛ « المحصّل » : 421 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 69 ـ 71.
(2) « الأربعون حديثا » البهائي : 81.
(3) انظر « الأسفار الأربعة » 6 : 182 ـ 187 ؛ « شرح المنظومة » 2 : 574 ـ 575.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|