المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



مذهب تاس الملطي في كيفية علمه تعالى بالأشياء قبل وجودها وبعده ، ودليل بطلانه  
  
884   02:25 صباحاً   التاريخ: 2-07-2015
المؤلف : مهدي النراقي
الكتاب أو المصدر : جامع الأفكار وناقد الأنظار
الجزء والصفحة : ص114.ج2
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / صفات الله تعالى / الصفات الثبوتية / العلم و الحكمة /

وهو : انّ علمه ـ تعالى ـ بأوّل المعلولات بالحضور ـ أي : بحضور ذاته عنده وانكشافه لديه بالإضافة الاشراقية ـ وبغيره من الأشياء بصورها القائمة في هذا المعلول. فانّه قال : أوّل ما صدر عن واجب الوجود بالذات جوهر فيه جميع صور باقي الممكنات. ونقل صاحب « الملل والنحل » عنه انّه قال : انّ القول الّذي لا مردّ له هو انّه كان المبدع ولا شيء مبدع ، فابدع الّذي ابدع ولا صورة له عنده في الذات ، لانّ قبل الابداع انّما هو فقط وإذا كان هو فقط فليس يقال حينئذ جهة وجهة حتّى يكون هو صورة ، أو حيث وحيث حتّى يكون هو ذا صورة ، والوحدة الخالصة ينافي هذين الوجهين ، هو يؤيّس ما ليس بأيس وإذا كان مؤيّس الاسباب فالتأييس لا من شيء متقادم ، فمؤيّس الأشياء لا يحتاج ان تكون عنده صورة. ثمّ قال : وأيضا فلو كانت الصورة عنده فامّا أن تكون مطابقة للموجود الخارجي أم غير مطابقة ، فان كانت مطابقة فليتعدّد الصورة بتعدّد الموجودات ، وليكن كلّياتها مطابقة للكليات وجزئياتها مطابقة للجزئيات ويتغيّر بتغيّرها ـ كما يتكثّر بتكثّرها ـ ، وكلّ ذلك محال ـ لانّه ينافي الوحدة الخالصةـ. وإن لم يطابق للموجود الخارجي فليست إذا صورة ، إنّما هى شيء آخر ، لكنّه ابدع العنصر الّذي فيه صور الموجودات والمعلولات كلّها وانبعث من كلّ صورة موجود في العالم على المثال الّذي في العنصر الأوّل ، فمحلّ الصورة ومنبع الموجودات هو ذات العنصر وما من موجود في العالم العقلي والعالم الحسّي إلاّ وفي ذات العنصر صورة له. ومن كمال الأوّل الحقّ انّه أبدع مثل هذا العنصر فيما يتصوّره العامّة في ذاته ـ تعالى ـ انّ فيها ـ يعنى صور المعلومات ـ ، فهو في مبدعه ويتعالى بوحدانيته وهويته عن انّ يوصف بما يوصف بما يوصف مبدعه (1) ؛ انتهى.

وهو صريح في انّ علمه بأوّل المبدعات ليس بصورة زائدة ، وبغيره من الأشياء بالصور القائمة به. والحاصل : انّه على هذا المذهب يكون الجوهر الأوّل غير مسبوق بالعلم المغاير لذات الواجب بخلاف المذهب الرابع ، فانّ مبناه على أنّ جميع الموجودات العينية مسبوق بالعلم الزائد ، وهذا هو الفرق بين المذهبين.

ثمّ إنّ المحقّق الطوسي أيضا اختار هذا المذهب ـ أي : المذهب الخامس ـ ، فانّه صرّح بأنّ علمه ـ تعالى ـ بالحضور في المعلولات القريبة ، وأمّا في المعلولات البعيدة فبحصول صورها في القريبة. قال ـ ; ـ في شرحه للإشارات : « العاقل كما لا يفتقر في إدراكه لذاته إلى صورة غير ذاته الّتي هو بها هو ، كذلك لا يفتقر في ادراكه لما يصدر عن ذاته إلى صورة غير صورة ذلك الصادر الّتي بها هو هو. واعتبر من نفسك انّك تعقّل شيئا بصورة تتصوّرها أو تستحضرها ، فهي صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا بل بمشاركة ما من غيرك » (2) ـ لأنّ الصور العقلية فائضة من المبادي العالية وليس للنفس بالنسبة إليها إلاّ القبول فقط ـ ، ومع ذلك فانت تعقّلها بذاتها لا بصورة أخرى ، لامتناع تضاعف الصور إلى غير النهاية فلا تتضاعف فيك الصور أصلا. نعم! ، ربما تتضاعف اعتباراتك المتعلّقة بذاتك أو بتلك الصورة فقط على سبيل التركيب ـ أي : ربما تتضاعف الاعتبارات المتعلّقة بكلّ منهما فقط إذا تركّب بعض هذه الاعتبارات مع بعض اخر ـ ، فانّ العالم بذاته وإن لم يكن المنكشف له إلاّ شيء واحد هو ذاته فقط من غير افتقار إلى شيء آخر إلاّ انّه لمّا كان لنفسه اعتباران : أحدهما : اعتبارها من حيث هي هي ، وهى بهذا الاعتبار معلومة ؛ وثانيهما : اعتبارها من حيث كونها حاضرة ، وهي بهذا الاعتبار علم ، فالعالم بنفسه يعلم نفسه ويعلم أيضا أنّها حاضرة عنده ـ أي : يعلم انّه يعلم ـ. وبالجملة حصل له اعتبار العلم بالنفس واعتبار العلم بالعلم بها وقد يتحصل اعتبار العلم بالعلم بالعلم بها وهكذا ، فاذا تركّبت تلك الاعتبارات تتضاعف إلى غير النهاية. إلاّ انّه لا تحصل بتلك الاعتبارات صور متكثرة في النفس ، لانّه لا يفتقر إلى غير النفس في جميع تلك الاعتبارات ، فانّه قد اعتبر النفس تارة من حيث هي هي وتارة من حيث حضورها وتارة من حيث حضور حضورها ومعلوم انّ النفس لا يتكثّر ولا يتعدّد بتلك الاعتبارات ، بل هي ليست في الخارج إلاّ واحدة والانكشاف لم يتعلّق إلاّ بها ، والتعدّد انّما هو في الاعتبارات. وما يرشدك إلى ذلك انّ الاعتبار الأوّل في نفس الأمر لا ينفكّ من الاعتبار الثاني ومن الثالث وهكذا ، فالنفس من حيث هي مع معلوميتها لا ينفكّ من كونها حاضرة وحضورها لا ينفكّ عن كونه حاضرا وهكذا ، وإن لم يتعلّق العلم بحضورها وحضور حضورها. فكما إذا لم يتحقّق العلم بحضورها لا يفتقر إلى صورة أخرى فكذا إذا تحقّق العلم به ، فالتعدّد إنّما هو في مجرّد الاعتبار.

وهكذا نقول في علم النفس بالصور ، فانّه قد يحصل للنفس العلم بالصورة وقد يحصل لها العلم بتمثل هذه الصورة في ذاتها ، وقد يحصل لها العلم بتمثل هذا التمثل وبالجملة يحصل العلم بالصورة والعلم بالعلم بها وهكذا ، فتتضاعف الاعتبارات ؛ إلاّ أنّه لا تحصل بتلك الاعتبارات صور متكثرة في النفس، بل تارة اعتبر الصورة فقط من حيث هي وتارة الصورة مع تمثّلها وتارة مع تمثل تمثلها، فاذا تركّبت هذه الاعتبارات ـ أي : قيدت الصورة بتمثلها وتمثل تمثلها وهكذا ـ تصير الاعتبارات متكثّرة. إلاّ أنّها لا توجب تعدد الصور وتكثّرها في النفس ، فانّ الصورة من حيث هي هي مع معلوميتها على فرض عدم العلم بمعلوميتها لا ينفكّ عن المعلومية والتمثل في نفس الأمر ، مع انّه لا تحصل للنفس صورة اخرى ، فكذا مع فرض العلم بالمعلومية والتمثّل.

لا يقال : انّ التمثّل حقيقة من الحقائق فالعلم به يوجب ارتسام صورة ، فاذا اعتبر الصورة مع التمثّل يلزم تعدد الصورة ؛ وهو كما ترى!.

وبالجملة قد ثبت انّك إذا تعقّلت صورة فانّما تعقّلها بذاتها لا بصورة اخرى.

وحينئذ نقول : فاذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة الغير هذا الحال فما ظنّك بحال العاقل مع ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة غيره فيه. وليس من شرط كلّ ما يعقل أن يكون المدرك محلاّ للصور المعقولة ، فلا تظنّ انّ كونك محلاّ للصورة العقلية شرط في تعقّلك ايّاها فانّك تعقّل ذاتك مع انّك لست محلاّ لها ، بل انّما محلّيتك لها شرط في حصول تلك الصورة لك وحصولها انّما هو شرط في تعقّلك ايّاها ؛ فان حصلت تلك الصورة لك بوجه آخر غير الحلول فيك حصل التعقّل لك من غير حلول فيك. ومعلوم انّ حصول الشيء لفاعله في كونه حصولا للغير ليس دون حصول الشيء لقابله.

والحاصل : انّه لا ينبغى انّ يظنّ انّ مناط حضور نفس تلك الصورة العقلية وشرطه كون العاقل محلاّ لها وفي المعلولات القائمة بذاتها انّما يتصوّر مجرّد حضور أنفسها دون ارتسام صورها ، فلا يجوز كون وجوداتها العينية عين العلم أو مستلزمة له ، لانّ في الصورة العلمية أمرين :

أحدهما : كونها قائمة بالمحلّ الّذي هو ذات العاقل ؛

والثاني : كونها حاضرة عنده حاصلة له. ولا شك انّ قيامها بالمحلّ لا يكون شرطا في كون الشيء معقولا وإلاّ لزم أن لا يكون شيء عالما بذاته. وليس الأمر كذلك ، فتعين أن يكون مرجع المعلومية ومناطها هو حضور المعلوم وحصوله للعاقل. ومعلوم انّ حصول الشيء لفاعله في كونه حصولا لغيره ليس دون الحصول لقابله ، بل لكون نسبة الاوّل بالوجوب والثاني بالإمكان يكون حصول المعلوم للعلّة اتمّ في باب المعلومية من حصول المقبول للقابل فيها. ففي الصورة المعقولة كما أنّ لها حصولا ووجودا رابطيا للنفس المجرّدة القابلة فكذا لها حصول ووجود رابطي لفاعلها المفيض والحصول الثاني ليس أدون من الاوّل ، فكما انّ الاوّل منشأ للعلم فكذا الثاني بالطريق الاولى. وكذا الحال في الحصولات الّتي لغير الصور المعقولة من الموجودات الجوهرية والعرضية بالنسبة إلى فاعلها المفيض ومبدأها الموجد ، فانّها أشدّ من الحصول للصور المعقولة بالنسبة الى النفوس القابلة. فإذن المعلولات الذاتية للفاعل العاقل لذاته حاصلة له من غير أن يحلّ فيه ، فهو عاقل ايّاها من غير أن تكون هي حالّة فيه.

وإذ ثبت ذلك نقول : انّ الأوّل ـ تعالى ـ عاقل لذاته من غير مغايرة بين ذاته وبين عقله لذاته إلاّ بالاعتبار ، بل عقله لذاته هو نفس ذاته. ولا ريب في أنّ عقله لذاته علّة لعقله للمعلول الأوّل كما أنّ ذاته علّة لذات المعلول الأوّل ، فكما حكمت باتحاد العلّتين ـ أعني : ذاته تعالى وعقله لذاته ـ فاحكم باتحاد المعلولين ـ أعني : المعلول الأوّل وتعقل الواجب له ـ. فإذن وجود المعلول هو نفس تعقّل الواجب ايّاه من غير احتياج إلى صورة مستأنفة تحلّ ذات الأوّل ـ تعالى عن ذلك ـ.

ثمّ قد عرفت انّ كلّ مجرّد تعقل ذاته وغيره من المجرّدات ، فالجواهر العقلية الصادرة عنه ـ تعالى ـ أوّلا عاقلة. ولمّا كانت تعقّل ما ليس بمعلول لها بحصول صورة فيها وهي تعقل الواجب أيضا ولا موجود إلاّ وهو معلول للواجب كانت صور جميع الموجودات الكلية والجزئية على ما عليه الوجود حاصلة فيها ، والواجب تعقل تلك الجواهر مع تلك الصور لا بصور غيرها ، بل بأعيان تلك الجواهر والصور. وبهذا الطريق تعقل سلسلة الوجود على ما هو عليه فإذن لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الارض (3) من غير لزوم محال. فهذا اصل إن حقّقته وبسطته ظهرت لك كيفية احاطته ـ تعالى ـ بجميع الموجودات الكلّية والجزئية. و{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } [المائدة: 54] ؛ انتهى ما ذكره مع توضيح وتتميم.

ولا ريب في انطباقه على هذا المذهب ـ

فان قلت : حاصل هذا المذهب انّ الواجب عالم بالجوهر الأوّل وبالصور الّتي مرتسمة فيه بالعلم الحضوري ، وبسائر الأشياء بتلك الصور لا بأعيانها والكلام المنقول من المحقّق يدلّ على الجزء الأوّل ولا يدل على الجزء الثاني ، بل قوله : « وبهذا الطريق نعقل الوجود على ما هو عليه » يدلّ على كون (4) علم الواجب بأعيان الأشياء الّتي صورها حاصلة فى الجواهر العقلية أيضا علما حضوريا ، وهذا ليس في المذهب الخامس ، لأنّ حاصله انّه ـ تعالى ـ لا يعلم سوى المعلول الأوّل إلاّ بالصورة الحاصلة فيه ، كما انّ حاصل المذهب الرابع انّه ـ تعالى ـ لا يعلم شيئا ممّا سوى ذاته من الموجودات العينية الاّ بالصورة الحاصلة في ذاته ـ تعالى ـ ؛

قلت : كلامه في شرح الاشارات وان لم يدلّ على الجزء الثاني لكنّه صرّح في شرح رسالة العلم بأنّ ادراكه لمعلولاته البعيدة والمعدومات الّتي من شأنها امكان أن يوجد في وقت أو يتعلّق بموجود يكون بارتسام صورها المعقولة في المعلولات القريبة الّتي هي مدركاتها أوّلا وبالذات إلى أن ينتهي إلى ادراك المحسوسات بارتسامها في الآلة الّتي يدركها. ثمّ قوله : « وبهذا الطريق يعقل الوجود على ما هو عليه » ليس نصّا في كون علمه بأعيان الأشياء الّتي صورها حاصلة في الجواهر العقلية حضوريا ، لاحتمال أن يكون المراد بهذا الطريق تعقّل الوجود بنفس تلك الصور القائمة بالجواهر العقلية لكونها مطابقة له على ما عليه الوجود. ويؤيّد هذا الاحتمال قوله : « على ما عليه » ، لأنّه لو كان المراد انّ علمه بأعيان الأشياء الّتي صورها حاصلة في الجواهر العقلية حضوريا لكان هذا القول لغوا. ثمّ كلامه الدالّ على اختياره هذا المذهب في شرح رسالة العلم هو قوله : « كما أنّ الكاتب مثلا يطلق على من يتمكّن من الكتابة ـ سواء كان مباشر الكتابة أو لم يكن ـ وعلى من يباشرها باعتبارين ـ فانّ اطلاق الكاتب على الأوّل باعتبار حصول التمكّن وعلى الثاني باعتبار حصول التمكّن منه ـ ، كذلك العالم يطلق على من يتمكّن بأن يعلم ـ سواء كان في حال استحضار المعلوم أو لم يكن ـ وعلى من يكون مستحضرا له حال الاستحضار باعتبارين ، فانّ اطلاق العالم على الاوّل باعتبار حصول التمكّن من العلم وعلى الثاني باعتبار حصول نفس العلم. فوقوع اسم العالم على الأمر الأوّل ـ أعني : من يتمكّن من أن يعلم ـ بالاعتبار الأوّل ـ أي : التمكّن من العلم ـ وعلى الثاني ـ أي : على من يكون مستحضرا ـ بالاعتبار الثاني ـ أي : حصول نفس العلم ـ. والعالم الّذي يكون علمه ذاتيا يكون علمه بالغير بالاعتبار الأوّل ، إذ لا يصحّ العلم بالغير في حدّ ذاته إلاّ بمعنى التمكّن ، بخلاف علمه بذاته فانّه يصحّ بالاعتبار الثاني. وهو ـ أي : العالم الّذي علمه ذاتي ـ بذلك الاعتبار ـ أعني : اعتبار الأوّل ـ لا يحتاج في كونه عالما إلى شيء غير ذاته ؛ والعلم بهذا الاعتبار شيء واحد ذاتا. وأمّا بالاعتبار الثاني فهو محتاج إلى اعتبار صورة المعلوم ، والعلم بذلك الاعتبار متكثّر بتكثّر المعلومات ، إذ لا يصحّ استحضار الغير دون صورته الذهنية أو الخارجية. ولا يكون هذا العلم ذاتيا للعالم ـ أي : ثابتا في ذات العالم بدون اعتبار الغير وحصوله ـ ، وادراك الأوّل ـ تعالى ـ بالاعتبار الثاني إمّا لذاته ـ فيكون بعين ذاته لا غير ويتحد هناك المدرك والمدرك والادراك ، ولا يتعدد إلاّ بالاعتبار ـ ؛ وإمّا لمعلولاته القريبة منه ـ فيكون باعتبار ذوات تلك المعلومات ويتحد هناك المدركات والادراكات ، ولا يتعدّدان الاّ بالاعتبار وتغايرها المدرك ـ.

ثمّ قال : وادراكه لمعلولاته البعيدة بارتسام صورها في معلولاته القريبة الّتي يعبّر عنها تارة بالكتاب المبين وتارة باللوح المحفوظ ويسمّيها الحكماء بالعقول الفعّالة وهي مرتسمة بجميع الصور الكونية » (5) ؛ هذا.

ولو لا تصريحه هذا في شرح الرسالة لم يبعد أن يدّعى انّ مختاره في العلم مذهب الشيخ الاشراقي من كون علمه بالجميع حضوريا وعدم كونه بالصور في موجود أصلا ، لما عرفت من انّ كلامه في شرح الاشارات لا يأبا عن حمله على ذلك.

ثمّ الحقّ انّ مذهب الشيخ الرئيس في العلم هو المذهب الرابع ـ أعنى : كون علمه تعالى بجميع الأشياء بالصور المرتسمة في ذاته تعالى ـ ، لا المذهب الخامس ـ أي : كون علمه تعالى بما عدا المعلول الأوّل بالصور المرتسمة في هذا المعلول ـ. وقد صرّح جماعة بأنّ مختاره هو المذهب الخامس في جميع كتبه. وقيل هو متحيّر بين المذهبين في الشفا ولكنّه اختار المذهب الرابع في الاشارات.

ولا بدّ لنا من نقل عباراته حتّى يظهر جلية الحال. قال في الشفا : « انّ المعقول قد يؤخذ من الشيء الموجود كما اخذنا من الفلك بالرصد والحس صورته المعقولة ، وقد يكون الصور المعقولة غير مأخوذة عن الموجود بل بالعكس ، كما انّا نعقل صورة بنائية نخترعها تكون تلك الصورة المعقولة محرّكة لأعضائنا إلى أن نوجدها ، فلا يكون وجدت فعقلناه ولكن عقلناه فوجدت. ونسبة الكلّ إلى العقل الأوّل الواجب الوجود هو هذا ، فانّه يعقل ذاته وما يوجبه ذاته المعقولة من صورة الموجودات على النظام المعقول عنده لا على أنها تابعة اتباع الضوء للمضيء والاسخان للنار ، بل هو عالم بكيفية نظام الخير في الوجود وانّه ـ تعالى ـ بان هذه العالمية يفيض عنها الوجود على الترتيب الّذي يعقله خيرا ونظاما » (6) ؛ انتهى.

 

ولا ريب انّ هذه العبارة تدلّ على أنّ مختاره المذهب الرابع ، فان قوله : « فان تعقل ذاته وما يوجبه ذاته المعقولة من صور الموجودات » تدلّ على تقدّم معقولية صور جميع الموجودات على ذواتها ومنشئية تعقّل صورها لإيجادها في الخارج. وعلى المذهب الخامس لا يكون تعقّل الجوهر الأوّل بصورته ، بل بحضوره عنده.

ثمّ قال بعد ذلك : « فبقى لك النظر في حال وجودها معقولة أنّها تكون موجودة في ذات الأوّل كاللوازم الّتي تلحقه ، أو يكون وجودها مفارقا لذاته ـ تعالى ـ وذات غيره أيضا كصور مفارقة على ترتيب موضوعة في صقع الربوبية ـ وهي المثل الأفلاطونية ـ ، أو يكون موجودة في عقل أو نفس إذا عقل الأوّل هذه الصور ارتسمت في ايّها كان ، فيكون ذلك العقل أو النفس كالموضوعة لتلك الصور المعقولة ، وتكون معقولة له على انّها فيه ومعقولة للاول على أنّها عنه (7).

ثمّ قال : وإن جعلت هذه المعقولات اجزاء ذاته عرض تكثر ، وإن جعلتها لواحق ذاته عرض لذاته أن لا يكون من جهتها واجب الوجود لملاصقته ممكن الوجود ، وإن جعلتها أمورا مفارقة لكلّ ذات عرضت الصور الافلاطونية ، وإن جعلتها موجودة في عقل ما عرض أيضا ما ذكرناه قبل هذا من المحال (8).

وما ذكره قبل هذا هو انّه لو كانت تلك الصور المعقولة مرتسمة في عقل او نفس لدخلت في جملة ما تعقل الاول ذاته مبدأ له فيجب ان يكون صدورها عنه على سبيل الخير ـ أي : على سبيل ما اذا عقله خيرا اوجده وننقل الكلام إلى ذلك التعقّل ويتسلسل.

ثمّ قال : « فينبغي أن تجتهد جهدك في التخلّص عن هذه الشبهة وتتحفّظ أن لا تتكثّر ذاته ولا تبالي بان تكون ذاته مأخوذة مع اضافة ما ممكنة الوجود ، فانّها من حيث هي علّة لوجود زيد ليست بواجبة الوجود ، بل من حيث ذاتها. وتعلم انّ العالم الربوبي عظيم جدا » (9) ؛ انتهى.

 

 

وأنت تعلم انّ قوله : « ولا تبالى بان تكون ذاته ـ ... إلى آخره ـ » صريح في اختياره المذهب الأوّل ، لانه قال أوّلا : « إن جعلت تلك الصور القائمة به اجزاء ذاته لزم التكثر وان جعلت لواحق ذاته لزم عدم كونه واجب الوجود من جهتها » ، وبعد ذلك صرّح بلزوم الاجتناب عن القول بما يوجب التكثّر ـ أعني : جعل تلك الصور اجزاء ذاته ـ وعدم المبالات بما يوجب عدم كونه واجب الوجود من جهته ـ أي : جهة تلك الصور لواحق ذاته ـ. وأورد ذلك مثالا. ولا ريب في انّ ذلك ـ أي : كون تلك الصور لواحق ذاته ـ إنّما يتأتّى على تقدير كونها مرتسمة في ذاته ، لا على تقدير المثل ، ولا على تقدير قيامها بالعقل أو النفس ، فاذا ضمّت هذه العبارة مع ما نقلناه أوّلا حصل الجزم بأنّ مذهبه في الشفا هو المذهب الرابع ؛ وحينئذ فلا حيرة في كلامه. وترديده بين الشقوق لا يدلّ على تحيره ، بل هو دأبه وعادته ـ كما لا يخفى على من له أدنى تتبّع بكلامه ـ.

وقال أيضا في الشفا : « ولا تظننّ انّه لو كانت المعقولات عنده كثيرة كانت كثرة الصور التي تعقلها اجزاء لذاته كيف وهى تكون ما بعد ذاته لانّ عقله لذاته ومنه يعقل كلّ ما بعده فعقله لذاته علّة عقله ما بعد ذاته وعقله ما بعد ذاته معلول عقله لذاته على انّ المعقولات والصور الّتي بعد ذاته انما هي معقولة على نحو المعقول الفعلي لا النفساني وانما له إليها اضافة المبدأ الّتي تكون عنه لا فيه بل اضافات على الترتيب بعضها قبل بعض » (10) ؛ انتهى.

وهذه العبارة أيضا كسابقها تدلّ على العلم الحصولي ، فانّ غرضه انّ تعقّله لصور الأشياء المتكثّرة معلول لتعقّله لذاته. وهذه الصور المعقولة له ـ تعالى ـ وان كانت متكثّرة إلاّ أنّها لا توجب تكثّرا في ذاته ـ تعالى ـ ، لأنّها متأخّرة عن ذاته لا حقة له وليست داخلة في قوام ذاته ولا معدودة اجزاء لحقيقته ، لانّ ذاته من حيث تعقّله لذاته علّة لها. فهي من المعقولات العقلية الّتي له ـ تعالى ـ إليها اضافة المبدئية ـ أي : معقولة له على أنّها عنه  لا فيه ـ ، بل له إليها اضافات على الترتيب بعضها قبل بعض ، فانّه ـ تعالى ـ إذا تعقّل ذاته وذاته علّة للعقل الأوّل مثلا فيعقل العقل الأوّل ـ أي : يعقله على انّه صادر عنه ـ ، وإذا عقل العقل الأوّل وهو علّة للعقل الثاني فيعقل العقل الثاني أيضا ... وهكذا إلى ان ينتهى إلى اخر مراتب الوجود.

والحاصل : انّه لمّا كانت مفاسد العلم الحصولي المشهورة بينهم أربعة اشار الشيخ في هذه العبارة إلى دفع ثلاثة منها :

الأوّلى : لزوم كون ذاته ـ تعالى ـ محلاّ للكثرة ، فأشار إلى دفعه بقوله : « بان له إليها اضافات على الترتيب بعضها قبل بعض ». أي : حصول هذه الصور في ذاته انّما هو على الترتيب لا دفعة ، وكما انّ صدور الكثرة منه في الخارج يمتنع دفعة ويجوز على الترتيب السببي والمسببي فكذا محلّيته للصور الكثيرة يمتنع دفعة ويجوز على الترتيب السببي والمسببي.

الثانية : لزوم كون الواحد من حيث انّه واحد فاعلا وقابلا ، وهو يستلزم التركيب ، إذ جهة القوّة غير جهة الفعل ، فيجتمع فيه جهتان وهو معنى التركيب ؛ فأشار الشيخ إلى دفعه بقوله : « على أنّ المعقولات والصور الّتي بعد ذاته انّما هي معقولة على النحو المعقول الفعلي لا النفساني » ؛ وبقوله : « يكون عنه لا فيه ».

وحاصله : انّ محلّية ذات الواحد الحقّ للوازمه ـ أعني : تلك الصور ـ من باب مطلق الموصوفية لا من باب القابلية والمحلّية الّتي من باب مطلق الموصوفية دون القابلية لا يستلزم التركيب ، إذ استلزام جهة القوّة للتركيب لإيجابها كون الفاعل فاقدا لشيء وكون هذا الشيء ممكن الحصول له مع أنّ هذا الفاعل له جهة الفعلية والوجود أيضا ، فيلزم التركيب. وأمّا مطلق الموصوفية فلا يعتبر فيه الفقدان ، فانّ الشيء إذا كان محلاّ لمعلوله كان موصوفا به البتة ولا يكون فاقدا له في حدّ ذاته ، لانّ المعلول من حيث انّه فائض من علّته وإن لم يكن موجودا في مرتبته ولكن لا يمكن أن  يقال : انّ العلّة في هذه المرتبة فاقدة لمعلولاتها ، لانّ ما يفيض عن شيء كيف يكون المفيض فاقدا له؟! ، وكيف يكون المفقود عن الشيء فائضا وصادرا عنه؟!. كيف ولو لم يجز أن يتصف علّة الشيء به لزم أن لا يتصف به مهيته البسيطة بلوازمها ـ لكون لوازمها معلولة لها ـ مع أنّ جميع المهيات البسيطة متصفة بلوازمها. فالماهيات البسيطة مع بساطتها وعلّيتها موصوفة بلوازمها أيضا ، فلو كان مطلق الموصوفية موجبا للتركيب لزم كون تلك المهيات مركّبة ، وهو خلاف الواقع. فغرض الشيخ انّ محلّية الواجب لتلك انّما هو من حيث حصولها عنه وكونه علّة لها ، لا من حيث كونه قابلا لها ؛ فلا يتحقّق التركيب.

الثالثة : لزوم كون ذات الواجب متصفا بصفات زائدة غير اضافية وغير سلبية ، فأشار الشيخ إلى دفعه بقوله : « وانّما له إليها اضافة المبدأ » ، أي : تلك الصور العلمية ليست إلاّ صفات اضافية وليست هي صفات حقيقية ، إذ في الصور العلمية من حيث هي صور علمية يعتبر فيها الاضافة إلى المعلومات النسبية ، وإذا كانت لها صفات اضافية فلا ضير في كونها زائدة ، إذ امتناع اتصاف الواجب بصفات زائدة إنّما هو للزوم كونه فاقدا لصفة الكمال في مرتبة ذاته ، والصفات الاضافية ليست بأنفسها كمالات له ـ تعالى ـ ، بل كماله ـ تعالى ـ إنّما هو أن يكون بحيث يفيض عنه تلك الصفات ـ أي : الصور العلمية فيما نحن فيه ـ ، لا نفس هذه الصورة.

الرابعة : لزوم كون المعلول الأوّل للواجب غير مباين عنه بل قائما بذاته ، لانّ المعلول الأوّل هو تلك الصور العلمية لا الأعيان الخارجية ، وتلك الصور قائمة بذاته ـ تعالى ـ.

والشيخ لم يتعرّض لدفع هذه المفسدة الرابعة ، وأجاب عنه آخرون : بأنّ لزوم مباينة المعلول عن العلّة انّما هو إذا كان المعلول أمرا خارجيا بأن يكون المعلول بعد صدوره عن العلّة مباينا عنه ، لا إذا كان صورا علميا ، فان المباينة غير لازمة.

وأنت خبير بأنّ التعرّض لهذه المفاسد وأجوبتها هنا انّما هو لتحقيق مذهب الشيخ ، والاّ فالتعرّض لها هنا غير مناسب ، لكوننا بصدد تحرير المذاهب لا تحقيقها. وستعلم حقيقة الحال في صحّة هذه الأجوبة وعدمها.

ثمّ عبارات الشيخ في التعليقات أيضا تنطبق على ما ذكر ، فانّه قال فيه : « تعقّل الاول ـ تعالى ـ تعقّل بسيط لذاته وللوازم عنها وللموجودات كلّها ـ حاصلها وممكنها ، أبديّها وكائنها ، وفاسدها، وكلّيها وجزئيها إلى أقصى الوجود معا لا بقياس وفكر وتعقّل في المعقولات ، فانّه يعقلها كلّها على الترتيب السببي والمسببي. وهو يعقلها من ذاته ، لأنّها فائضة عنه وذاته مجرّدة، فهو عاقل ذاته وذاته معقولة ، فهو عاقل ومعقول والموجودات كلها معقولة. على أنّها عنه لا فيه ». وقال في تعليق بعده : « هو يعقل الأشياء لا على أنّها تحصل في ذاته كما نعقلها نحن ، بل على أنّها تصدر عن ذاته ، فانّ ذاته سبب لها ». وقال في موضع آخر : « وجوده ـ تعالى ـ مباين لسائر الموجودات وتعقّله مباين لسائر التعقّلات ، فانّ تعقّله على انّه عنه ـ أي : على أنّه مبدأ فاعلي له ـ ، وتعقّل غيره على انّه فيه ـ أي على : انّه مبدأ قابل له ـ » ؛ انتهى.

وأنت بعد التأمّل في تلك العبارات تجدها مطابقة لعبارات الشفا ، ويتضح كونها منطبقة على المذهب الرابع.

والعجب انّ بعض الأفاضل بعد أن نقل بعض العبارات المذكورة من الشفا والتعليقات قال : «وفي كلام الشيخ تنصيصات وتصريحات على أنّ التحقيق عنده في مسئلة العلم هو العلم الحضوري. وظنّي انّ من رأى في كلام الشيخ مثل هذه التنصيصات والتصريحات لم يبق له مجال أن يتوهّم أنّ مذهبه في علم الواجب بالأشياء بحصول الصور في الذات » ؛ انتهى.

وأنت بعد الاحاطة بما ذكرناه تعلم انّه ليس في كلام الشيخ موضع تنصيص ، بل ايماء وتلويح إلى ما ذكره بوجه. وكان عليه أن يعيّن الموضع وينصّ على كيفية الدلالة حتّى ينظر فيه ، ثمّ يبادر إلى الردّ والقبول.

وهذا الفاضل قد حمل عبارة الاشارات الّتي حملها الشارح المحقّق على العلم الحصولي على العلم الحضوري أيضا ، واستبعد ـ غاية الاستبعاد ـ من حمل المحقّق ؛ فلنذكر عبارة الشيخ ثمّ عبارة المحقّق ثمّ عبارة هذا الفاضل ثمّ نشير إلى موضع اشتباهه.

قال الشيخ : « وهم وتنبيه. ولعلّك تقول : إن كانت المعقولات لا تتحد بالعاقل ولا بعضها مع بعض ـ كما ذكرت ـ ثمّ سلّمت انّ واجب الوجود يعقل كلّ شيء فليس واحدا حقّا ، بل هناك كثرة ؛ فنقول : انّه لمّا كان يعقل ذاته بذاته ثمّ يلزم قيوميّته عقلا بذاته لذاته أن يعقل الكثرة جاءت الكثرة لازمة متأخّرة لا داخلة في الذات مقوّمة. والغرض انّ القيوم لمّا كان هو القائم بذاته المقيم بغيره والقائم بذاته ليس إلاّ المجرّد فهو يعقل ذاته ، والمقيم لغيره هو مفيض الكلّ وعلّته ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ، فمن لوازم القيوم وخواصّه بسبب تعقّل ذاته لذاته أن تعقل الكثرة ». ثمّ قال : « وجاءت الكثرة أيضا على ترتيب وكثرة اللوازم من الذات مباينة أو غير مباينة لا يتسلّم الوحدة والأوّل يعرض له كثرة لوازم اضافية او غير اضافية وكثرة سلوب وسبب ذلك كثرة الأسماء لكن لا تأثير لذلك في وحدانية ذاته ـ تعالى ـ » (11) ؛ انتهى.

وقال الشارح المحقّق : « تقرير الوهم أن يقال : انّك ذكرت انّ المعقولات لا تتحد بالعاقل ولا بعضها ببعض ، بل هي صور متباينة متقررة في ذاته ويلزمك على ذلك ان لا يكون ذات الأوّل الواجب واحدا حقّا بل تكون مشتملة على كثرة. وتقرير التنبيه ان يقال : انّ الأوّل لمّا عقل ذاته بذاته وكان ذاته علّة للكثرة لزمه تعقل الكثرة بسبب تعقل ذاته لذاته فتعقله للكثرة لازم معلول له فصور الكثرة الّتي هي معقولاته أي معلوماته ولوازمه مترتبة ترتب المعلولات فهي متأخرة عن حقيقة ذاته تأخر المعلول عن العلة وذاته ليست بمتقومة بها ولا بغيرها بل هي واحدة وتكثر اللوازم والمعلولات لا ينافي وحدة عليتها الملزومة اياها سواء كانت تلك اللوازم متقررة في ذات العلّة او مباينة له فإذن تقرر الكثرة المعلولة في ذات الواحد القائم بذاته المتقدم عليها بالعلية والوجود لا يقتضي تكثر والحاصل انّ الواجب واحد ووحدته لا يزول بكثرة الصور المعقولة المتقررة فيه » (12) ؛ انتهى.

ولا ريب في انطباق ما ذكره على كلام الشيخ ، وليس لكلام الشيخ محمل سوى ما ذكره. وهو بعينه مضمون ما نقلناه من الشفا والتعليقات ؛ وهو ظاهر.

وقال الفاضل المذكور : « توضيح الوهم : انّ العالم والمعلوم إذا لم يكونا متحدين ولم يكن بعض المعلومات متحدة مع بعض بل يكون المعلومات أمورا متباينة يلزم الكثرة ، لانّ العلم يتكثّر بتكثّر المعلومات ، لانّ العلم بأحد المتباينين ليس العلم بالمباين الآخر وإلاّ يلزم أن يكون العلم بالانسان عين العلم بالفرس ؛ وهو باطل بالضرورة. فيجب أن يكون مغايرا ، إذ الممكنات حقائق متباينة والواجب موجد الكلّ. ولا ايجاد إلاّ بالعلم ، فيلزم التكثّر في علمه.

وحاصل دفع الوهم : انّ تكثر العلم بتكثّر المعلومات إذا كان مناط العلم حصول صورة الأشياء في ذات العالم ويكون العلم صفة زائدة على ذاته ، أمّا إذا لم يكن كذلك بل كان العلم عين ذات العالم بمعنى انّ ما يترتّب على الصور العلمية يترتّب على ذات العالم ـ كما في علم الواجب سبحانه ـ فلا يلزم التكثّر في العلم ، بل التكثّر إنّما يكون حينئذ في المعلومات الّتي تكون متأخّرة عن ذات العلم ولوازم له ، وتكثّرها لا يوجب التكثّر في ذات الواجب ولا في صفة العلم. فذاته ـ تعالى ـ عقل ذاته ومعقول ذاته ، وكذلك عقل بالنسبة إلى جميع معلوماته قبل الوجود ، وحين الوجود فترتّب على ذاته ـ تعالى ـ كثرة لازمة متأخّرة على الترتيب السببي والمسببي. وليست تلك الكثرة مقدّمة لذاته حتّى يلزم الكثرة في ذاته ـ تعالى ـ. بل تلك الكثرة ـ الّتي هي النظام الجملي ، سواء كانت لازمة مباينة أو غير مباينة ـ لا توجب الكثرة في الملزوم اصلا. نعم! ، يعرض له ـ تعالى ـ بسبب السلوب والاضافات كثرة الأسماء ـ كالخالقية والرازقية والصانعية وأمثالها ـ ، ولا يلزم من هذا التكثّر في ذاته ـ تعالى ـ أصلا ولا في علمه أيضا » ؛ انتهى.

وحاصل كلام هذا الفاضل : انّه لمّا أورد انّ الواجب تعقل الأشياء الكثيرة فيلزم الكثرة في علمه، فأجاب الشيخ بأنّ الكثرة إنّما هو في الأشياء الخارجية لا في العلم ، فكون علمه حضوريا لا حصوليا يوجب ارتسامه ـ تعالى ـ بصور الأشياء المتكثّرة ، فحمل الكثرة الّتي وقعت في جواب الشيخ ـ وقال : « لازمة متأخرة لا داخلة في الذات » ـ على كثرة الأعيان الخارجية ، لا كثرة الصور العلمية.

وأنت خبير بأنّ هذا لا يلائم كلام الشيخ أصلا! ، كيف ولو كان مراد الشيخ ذلك لكفى له أن يقول في دفع الوهم : « انّ العلم الانكشافي ليس فيه تكثّر » ، وأيّ مدخلية للقول بأنّ الكثرة في الاعيان الخارجية لا توجب التكثّر في الذات في الجواب عن الدفع المذكور؟! ، وأيّ مناسبة حينئذ للقول بأنّ الكثرة الخارجية لازمة متأخّرة وعلى

 

ترتيب السببي والمسببي؟! ، فانّ بعد كون العلم بالأشياء حضوريا انكشافيا لا يلزم تكثّرا في العلم ـ سواء كانت الأشياء المعلومة متأخرة أم لا ، وسواء كانت على الترتيب السببي والمسببي أم لا ـ ، وأيّ فرق بين تأخّر الكثرة وترتيبها وعدمها في عدم لزوم التكثّر في الذات ولزومه بعد فرض كون العلم حضوريا؟!. وبالجملة حمل عبارة الشيخ على ما ذكره هذا الفاضل يجعل عبارته مختلّة فاسدة. فالصحيح حمله على العلم الحصولي كما فعله الشارح المحقّق.

وبالجملة لا ريب في أنّ جميع عبارات الشيخ في جميع كتبه متطابقة متفقة صريحة في العلم الحصولي ، والمنكر مكابر.

ودليل بطلانه :

انّ ايجاد أوّل المعلولات وكذا ايجاد صور باقي الممكنات المرتسمة فيه إمّا يكون مسبوقا بالعلم الحضوري الإشراقي أو لا ؛ فعلى الأوّل يلزم صحّة العلم الحضوري بالشيء قبل حضوره ، واذا صحّ ذلك فليجوّز ذلك في غير الجوهر الأوّل أيضا من الممكنات ، والفرق تحكّم ؛ مع انّه يلزم افتقار الواجب في علمه بغير المعلول الأوّل إلى غيره ، ويلزم جهله ـ سبحانه ـ بالنسبة إلى سائر المعلولات في مرتبة ذاته ؛

وعلى الثاني : يلزم أن لا يكون ايجاد بعض معلولاته مسبوقا بالعلم مع أنّ الفاعل المختار يجب أن يكون فعله مسبوقا بالعلم ، فيلزم نفي الاختيار بالنسبة إلى الجوهر العيني الأوّل ، بل بالنسبة إلى صورته في باقي المعلولات القائمة به ، لانّ الاختيار لا يوجد بدون العلم. والشيخ الرئيس قد أبطل هذا المذهب ـ على ما أشير إليه سابقا ـ بأنّ الصور المعقولة لو كانت مرتسمة في عقل ونفس لكانت من أجزاء النظام الّذي يعقل الأوّل ـ تعالى ـ ذاته مبدأ له ، فيجب أن يكون صدورها عنه على سبيل الخير ـ أي : على سبيل ما إذا عقله خيرا أوجده ـ ، وننقل الكلام إلى ذلك التعقّل ويلزم التسلسل.

قال بعض المشاهير : ولعلّ الشيخ لم يختر هذا المذهب واختار العلم الحصولي لاعتقاده انّ فيه نفي الاختيار بالنسبة إلى الجوهر العيني الأوّل بناء على انّ الاختيار لا يوجد بدون العلم المتقدّم المحض مع المعلوم نحوا من الاتحاد. وهذا النحو من العلم لا يمكن القول به ، لأنّه لا يكون عين ذات الواجب عند أهل التنزيه ؛ وهو كما ترى.

ثمّ انّا قد أشرنا إلى انّ المحقّق الطوسى اختار هذا المذهب إلاّ انّه صرّح بكونه ـ تعالى ـ عالما بمعلولاته القريبة ـ أعني : العقول ـ وبصور سائر الممكنات المرتسمة فيها بالعلم الحضوري الانكشافي ، وبمعلولاته البعيدة بصورها القائمة بالقريبة ؛ فلا يرد عليه لزوم كون ايجاد المعلولات القريبة غير مسبوق بالعلم ، بل يرد عليه : انّه إذا جاز انكشاف المعلولات القريبة عنده ـ تعالى ـ قبل وجودها فلم لا يجوز ذلك في البعيدة أيضا؟! ، وأيّ داع إلى القول بالعلم الصوري فيها ليلزم افتقار الواجب إلى غيره في الصفة الكمالية وعدم كونه عالما في مرتبة ذاته؟!.

قال بعض الاعاظم موردا عليه : والتعجّب من هذا العلاّمة مع تفطّنه لذلك الاصل المتين ـ أعني: جواز تعقّل الأشياء بأعيانها لا بصورها ـ كيف لم يتمّ اعماله في انكشاف جميع الأشياء الصادرة عنه بذواتها بل اقتصر فيه على انكشاف العقول والصور العقلية للأشياء الكلية والجزئية عليه ـ تعالى ـ وجعل الصور القائمة بالجواهر العقلية مناطا لعلم الله ـ تعالى ـ بالمادّيات. وهو غير مرضيّ ، بل الحقّ اطراد الحكم بالانكشاف الشهودي على جميع الأشياء المبدعة الكائنة المعقولة والمحسوسة.

ثمّ إنّه على هذا المذهب كما يلزم كون الصورة المرتسمة في الجواهر العقلية مناطا لعلم الواجب بالأشخاص المادّية والحوادث الكونية كذلك يلزم كون الصور مناطا لعلم تلك الجواهر العقلية ، فيكون علم ما سوى الواجب من المجرّدات بالأشياء بحصول صورها فيه.

وعلى مذهب شيخ الاشراق ـ كما تقدّم ويأتي ـ انّ الواجب لذاته كما يدرك المجرّدات العقلية بالإشراق الحضوري كذلك يدرك الأمور المادّية أيضا بالحضور الانكشافي من غير أن يدركها بالصور الحاصلة في المبادي العقلية ، بل ارتسام الموجودات الكلّية في العقول الفعّالة والقوى العالية باطل عنده وكذلك الجواهر العقلية يعرف كلّ واحد منها ذاتها بذاتها ويدرك جميع الموجودات الباقية الّتي دونها بالإضافة الاشراقية من غير احتياج إلى أن تكون فيه صورة.

__________________

(1) راجع : الملل والنحل ، ج 2 ص 66.

(2) راجع : شرح الطوسي على الاشارات والتنبيهات ، ج 3 ص 304.

(3) إشارة إلى الآية الكريمة 3 ، سبأ.

(4) الاصل : + الواجب.

(5) راجع : شرح رسالة مسئلة العلم ، ص 28.

(6) راجع : الشفا / الالهيات ، ص 363.

(7) راجع : نفس المصدر ، ص 364.

(8) راجع : نفس التعليقة السالفة.

(9) راجع : نفس التعليقة السالفة أيضا.

(10) راجع : الشفا / الالهيات ، ص 364.

(11) راجع : شرح الطوسي على الاشارات والتنبيهات ، ج 3 ص 302.

(12) راجع : نفس التعليقة السالفة.

 

 

 

 

 

 

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.