أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2016
661
التاريخ: 2-9-2016
444
التاريخ: 2-9-2016
688
التاريخ: 5-9-2016
826
|
اعلم أنّ لفظ « اصول الفقه » لمّا كان مركّبا إضافيّا من « الاصول » و« الفقه » ، ولكلّ واحد من جُزْئَيه معنى لغوي واصطلاحي ، ثمّ صارا علما لعلم خاصّ ؛ فحصل له تعريفان باعتبارين:
أحدهما : باعتبار التركيب. وتعريفه بهذا الاعتبار إنّما يحصل بتعريف كلّ واحد من جزءيه ؛ لأنّ تعريف المركّب إنّما يحصل بتعريف أجزائه.
وثانيهما : باعتبار العلميّة. وبهذا الاعتبار لا يلتفت إلى الأجزاء من حيث دلالتها على معانيها اللغويّة أو العرفيّة ، بل يلتفت إليها من حيث إنّها صارت علما لعلم مخصوص ، ولذا ترى الاصوليّين (1) يعرّفون أوّلا كلّ واحد من لفظي : « الاصول » و« الفقه » ؛ ليحصل التعريف بالاعتبار الأوّل. ثمّ يعرّفون علم الاصول باعتبار العلميّة.
وغير خفيّ أنّ ما هو من المبادئ إنّما تعريفه بالاعتبار الثاني لا الأوّل. نعم ، فيه زيادة بصيرة، فنحن أيضا نقتدي بهم لذلك ، فنقول في تعريفه بالاعتبار الأوّل :
الاصول لغة : ما يبنى عليه غيره (2).
وعرفا : عبارة عن الأدلّة ؛ لابتناء المدلولات عليها.
والفقه لغة : الفهم (3) وهو جودة الذهن من حيث استعداده لتحصيل المطالب ، لا العلم على الأصحّ.
واصطلاحا: قد عرّف بتعريفات كثيرة أكثرها لا يخلو من اختلال إمّا في العكس ، أو الطرد.
والصحيح منها هو : أنّه العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة.
وفائدة كلّ واحد من القيود الثلاثة ظاهرة.
وفائدة القيد الرابع إخراج علم الله والملائكة والأنبياء. والقيد الخامس لإخراج علم المقلّد ؛ فإنّه ليس مكتسبا من الأدلّة التفصيليّة ، بل من دليل إجمالي مطّرد في جميع ما يعلمه ، وهو أنّ هذا ما أفتى به المفتي ، وكلّ ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي ؛ فهذا حكم الله في حقّي.
وأمّا خروج ما علم كونه من الدين ضرورة ـ كوجوب الصلاة والزكاة والصوم ، وحرمة الخمر والميتة ـ فيمكن بكلّ واحد من القيدين الأخيرين. فتأمّل.
وهذا التعريف للفقه إنّما هو بحسب اصطلاح المتشرّعة ، والفقيه على هذا هو من حصّل الأحكام بالنحو المذكور ، وهو المعبّر عنه بالمجتهد.
وأمّا العرف العامّ ، فقد يطلق الفقه على العلم بجملة من الأحكام ولو كان عن تقليد ، والفقيه ـ على هذا ـ من حصّل جملة من الأحكام ولو تقليدا.
فحينئذ لو أوصى أحد بمال للفقهاء فهل يحمل « الفقهاء » على المعنى الأوّل أو الثاني (4)؟ الظاهر الثاني ؛ لأنّ العرف العامّ مقدّم على الاصطلاح ، كذا رجّح الشهيد الثاني (5) وهو كذلك؛ لأنّ المعنى الاصطلاحي ليس من اصطلاح ( الشرع ، بل من اصطلاح ) (6) المتشرّعة، وكذا الحكم في الأوقاف ، والأيمان ، والنذور ، والتعليقات.
ثمّ إنّه أورد على التعريف المذكور إيرادان (7) :
أحدهما : أنّ « الأحكام » جمع معرّف باللام وهو يفيد العموم ، فيلزم منه أن لا يصدق «المجتهد » إلاّ على من كان عالما بجميع الأحكام ، وهذا لا يتمّ في حقّ أكثر المجتهدين ، بل جميعهم.
وأصحّ الأجوبة عنه أنّ المراد بالعلم بالأحكام هو التهيّؤ القريب له ، وإطلاق العلم عليه شائع ، سيّما في مباحث الفقه.
ولدفع هذا الإيراد زاد بعضهم في التعريف « فعلا أو قوّة قريبة » (8).
والحقّ عدم الاحتياج إليه ؛ لما ذكر (9).
وثانيهما : أنّ الفقه غالبا من باب الظنّ ؛ لابتنائه على أخبار الآحاد ، والإجماعات المنقولة ، والأدلّة الاصوليّة المفيدة للظنّ ، فكيف اطلق عليه العلم؟!
وأصحّ الأجوبة عنه أنّ المراد بالعلم معناه الأعمّ ، وهو ترجيح أحد الطرفين وإن لم يمنع من النقيض ، وهذا الإطلاق في المباحث الفقهيّة شائع.
فائدة:
اعلم أنّ الاصوليّين أجمعوا على جواز العمل بظنّ المجتهد في نفس الأحكام وموضوعاتها ، وبعض الأخباريّين على عدم جواز العمل به في الأوّل دون الثاني (10) ، وبعضهم عليه مطلقا (11).
واستدلّ الأخباريّون بالعمومات والإطلاقات الدالّة على المنع من الظنّ (12).
ثمّ إنّهم لمّا قالوا بعدم جواز العمل بالظنّ اضطرّوا إلى القول بوجوب تحصيل اليقين في الأحكام الشرعيّة (13) ؛ فأعرضوا عن الأدلّة الاصوليّة لظنّيّتها ، ولم يمكن لهم إنكار حجّيّة أخبار الآحاد ؛ لانسداد باب الفقه حينئذ ؛ فقالوا : إنّها تفيد العلم (14).
وبما ذكرنا ظهر أنّ مناط الفرق بين المجتهد والأخباريّ أنّ الأوّل يجوّز العمل بالظنّ في الأحكام ، بخلاف الثاني ؛ فإنّه يشترط اليقين.
ولا يخفى أنّ حقّيّة مذهب المجتهدين في غاية الظهور ؛ فإنّ الإجماع منعقد على جواز العمل بظنّ المجتهد ، كما ادّعاه جمع كثير (15).
وليس هذا الإجماع من الشيعة فقط ، بل من جميع المسلمين ، فخلاف طائفة قليلة من الأخباريّين لا اعتداد به ، سيّما مع كونهم من المتأخّرين ؛ لأنّ هذا الخلاف نشأ منهم.
والجواب عمّا استدلّوا به : أنّ الحكم المستنبط من اجتهاد المجتهد ليس من باب الظنون ، بل الظنّ في طريقه. وأمّا نفس الحكم فهو معلوم ؛ لكونه حكم الله يقينا في حقّه ، فإذا غلب على ظنّ المجتهد حكم شرعيّ بطريق شرعي ، يحصل عنده قياس يقينيّ منتج لمطلوبه ، وهو أنّ هذا الحكم مظنون الثبوت عندي بالطريق الشرعيّ ، وكلّ مظنون الثبوت عندي بالطريق الشرعيّ حكم الله يقينا في حقّي ، ينتج ، هذا حكم الله يقينا في حقّي.
والصغرى يقينيّة وجدانيّة ، والكبرى ثابتة بالإجماع ، فالحكم المستنبط من الاجتهاد وإن لم يكن معلوما يقينا أنّه حكم الله الواقعيّ ، إلاّ أنّه يعلم أنّه حكم الله في حقّ المجتهد يقينا ، فهو خارج عن باب الظنون الممنوع عنها ؛ لأنّ المراد منها الظنون التي لم يكن العمل بها واجبا في حقّ الظانّ. والمخرج هو الإجماع.
ثمّ إنّك إن تأمّلت في حديث الإجماع ، فاستمع حتّى يثبت لك المطلوب بطريق برهاني قطعيّ لا ينكر عليه.
فنقول : أدلّة الفقه منحصرة بالكتاب ، والأخبار ، والأدلّة العقليّة الاصوليّة.
والأدلّة العقليّة ، كالاستصحاب ، وأصل العدم ، والقياس وغيرها لا تفيد إلاّ الظنّ ، وكذا
أكثر الإجماعات. والقطعيّة منها قليلة ، مع أنّ الأخباريّين قالوا بعدم حجّيّة هذه الأدلّة جميعا.
والكتاب وإن كان قطعيّ المتن إلاّ أنّه ظنّي الدلالة.
والأخبار متواترها قليلة جدّا ، حتّى اعترف بعض بعدم وجودها في أخبارنا رأسا (16).
وآحادها لا تفيد إلاّ الظنّ ؛ لأنّها ظنّيّة السند ، بل أكثرها ظنّي الدلالة أيضا ، وقد وقع فيها تحريفات وتصحيفات وتقطيعات ، وخرج كثير منها مخرج التقيّة ، مع أنّه قد كثر عليهم عليهمالسلام الكذّابة.
وورد في الاحتجاج أنّ من أسباب اختلاف الأحاديث افتراء أهل الكذب عليهم (17).
وورد النصّ الصحيح بأنّ المغيرة بن سعيد يدسّ (18) في كتب أصحاب الأئمّة عليهم السلام أحاديث لم يرووها (19) ، وكذا أبو الخطّاب (20).
ومع ذلك أخبارنا متعارضة ، ولا بدّ لنا من الجمع أو الترجيح وهما موقوفان على الظنون الاجتهاديّة. والترجيح بالمرجّحات المنصوصة ـ كما هو دأب الأخباريّين ـ أيضا ظنّي ؛ لأنّها أخبار آحاد ، مع أنّها أيضا متعارضة ؛ فإنّ بعضها يدلّ على وجوب أخذ الأوفق بالقرآن أوّلا (21) ، وبعضها يدلّ على وجوب أخذ المخالف لمذهب العامّة أوّلا (22) ، وبعضها على وجوب أخذ الأصحّ سندا أوّلا (23) ، وبعضها على وجوب أخذ المجمع عليه أوّلا (24).
وكذا وقع التعارض فيها في وجوب الأخذ ثانيا وثالثا ورابعا ، فهذه المرجّحات المنصوصة أيضا محتاجة في الترجيح إلى الظنون الاجتهاديّة.
فظهر أنّ جميع أدلّة الفقه ـ إلاّ قليلها ـ لا يفيد إلاّ الظنّ ، فلو لم يعمل بالظنّ يلزم انسداد باب الفقه مع كون التكليف باقيا ، وهذا محال.
هذا ؛ وأمّا تعريف أصول الفقه بالاعتبار الثاني أي العلميّة : فالعلم بالقواعد التي يتوصّل بها إلى استنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة.
_____________
(1) راجع : المحصول 1 : 78 ، ونهاية السؤل 1 : 5 و 6 ، ومعارج الاصول : 47.
(2) المصباح المنير : 16 ، « أ ص ل ».
(3) الصحاح 4 : 2243 ، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 465 ، « ف ق ه ».
(4) في « ب » : « الأوّل فقط ، أو عليه وعلى الثاني ».
(5) تمهيد القواعد : 34 ، ذيل القاعدة 1.
(6) ما بين القوسين لم يرد في « ب ».
(7 و 8) راجع تمهيد القواعد : 33 ، القاعدة 1.
(9) أي التهيّؤ القريب له.
(10) منهم الاسترآبادي في الفوائد المدنيّة : 181.
(11) لم نقف عليه من الأخباريّين. ونسبه البهبهاني إلى غير الأخباريّين في الفوائد الحائريّة : 117 ، الفائدة 6.
(12) هي الآيات العامّة أو المطلقة الناهية عن العمل بالظنّ : منها قوله تعالى : {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36]وفي الآية (28) من سورة النجم . راجع الفوائد المدنيّة : 185 و 186.
(13) الفوائد المدنيّة : 104.
(14) المصدر : 144 ـ 145.
(15) منهم ابن الحاجب في منتهى الوصول : 220 ، وعضد الدين في مختصر المنتهى : 481، والشيخ حسن في معالم الدين : 239.
(16) قاله كاشف الغطاء في كشف الغطاء 1 : 218.
(17) الاحتجاج 1 : 626 ، ح 146 ، والفوائد الحائريّة : 123 ، الفائدة 6.
(18) في هامش « أ » : « يقال : دسّه دسّا : إذا أدخله في شيء بقهر وغلبة وعنف ومكر ، والدسيس : إخفاء المكر ». راجع لسان العرب 6 : 82 ، « د س س ».
(19 و 20) راجع اختيار معرفة الرجال : 223 ، ح 401.
(21 و 22) راجع وسائل الشيعة 27 : 118 ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، ح 29 و 31.
(23) راجع الكافي 1 : 67 و 68 ، باب اختلاف الحديث ، ح 10.
(24) راجع عوالي اللآلئ 4 : 133 ، ح 229.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|