المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ؟  
  
972   01:33 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : حسين البروجردي الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأصول
الجزء والصفحة : ص.190
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

اختلفوا في ان الامر بالشيء يقتضى النهي عن ضده بحيث يصير حراما شرعيا أو لا؟

وقد قسموا الضد إلى العام والخاص، ومرادهم بالضد الخاص احد الاضداد الوجودية على نحو التعيين كالصلاة بالنسبة إلى الازالة، وذكرو للضد العام معنيين:

احدهما (وهو المشهور) الترك، وثانيهما احد الاضداد الوجودية لا بعينه.

(والاقوال) في المسألة كثيرة (فقال بعضهم): ان الامر بالشيء عين النهي عن ضده، (وآخرون) ان دلالته عليه بالتضمن، (ومنهم من قال): ان دلالته عليه بالالتزام، ثم اختلفوا في ان اللازم هنا بين أو غير بين بالمعنى الاخص أو الاعم.

(ثم ان بعض منهم) قد اطلق في مقام طرح النزاع، (وبعضهم قال) : ان النزاع في الضد العام واما الخاص فلا نزاع في عدم اقتضاء الامر للنهي عنه، (وقال آخرون): ان النزاع في الخاص واما العام بمعنى الترك فلا نزاع في دلالة الامر على النهي  عنه.

(ثم ان الظاهر) كون المسألة من المبادئ الاحكامية، وقد كانت القدماء من الاصوليين يذكرون في كتبهم الاصولية نبذا من المبادئ اللغوية، ونبذا من المبادئ العقلية كالبحث عن الحسن والقبح، ونبذا من المبادئ الاحكامية. والمراد بالمبادئ الاحكامية لوازم الاحكام وملزوماتها وملازماتها، وحيث ان الموضوع في علم الاصول عبارة عما هو الحجة على الاحكام الشرعية احتاج الاصولي من جهة زيادة البصيرة إلى البحث عن اقسام الاحكام الشرعية والبحث عن لوازمها وملازماتها وملزوماته.

(واعلم) ان ارباب المعقول قسموا المتغايرين إلى المثلين والخلافين والمتقابلين، ثم قسموا المتقابلين إلى النقيضين والضدين والمتضائفين والعدم والملكة، إذ التقابل اما ان يكون بين وجوديين أو بين وجودي وعدمي، اما الثاني فهو على قسمين : ايجاب وسلب ان كان العدم عدما مطلقا، وعدم وملكة ، ان كان العدم عدم ما من شأنه الوجود، واما الاول فان كان كل من الوجوديين في مقام التعقل محتاجا إلى الاخر فهما متضائفان والا فمتضادان، وقد عرفوا الضدين بانهما امران وجوديان يتعاقبان على موضوع واحد وبينهم غاية الخلاف ويشتركان في جنس قريب. والضد عند الاصوليين اعم مما ذكره اهل المعقول لما عرفت من انهم يطلقون الضد على الترك ايضا. (1)

(إذا اتضح لك هذه الامور) فلنشرع في البحث عن اصل المسألة (فنقول): الظاهر ان القائلين بكون الامر بالشيء عين النهي  عن ضده أو كون النهي  عن الضد جزء له ارادوا بالضد الضد العام والا فادعاء العينية أو الجزئية في الضد الخاص في غاية البعد (اما القائلون بالجزئية) في الضد العام فقد دعاهم إلى هذا القول توهم ان الوجوب (الذي هو مدلول الامر) عبارة عن طلب الشيء مع المنع من الترك بحيث يكون الطلب جنسا والمنع من الترك فصلا له.

(وهذا توهم فاسد) لما عرفت سابقا من ان الوجوب عبارة عن مرتبة أكيدة من الطلب الإنشائي وهو امر بسيط، غاية الامر ان القدماء كانوا يعبرون عنه في مقام التعليم والتفهيم بذلك المركب، فليس هو امرا مركبا من الجنس والفصل.

(واما القائلون بالعينية) في الضد العام فعمدة نظرهم إلى ما زعموه (من كون حقيقة النهي  عبارة عن طلب ترك متعلقه) فإذا كان المتعلق له تركا صار معناه طلب ترك الترك وهو عين طلب الفعل، فان عدم العدم وان كان يغاير الوجود مفهوما ولكنهما متحدان في نفس الامر فكل ما هو مصداق للوجود فهو بعينه مصداق لعدم العدم، (لا نقول) انه مصداق له حقيقة فان الامر الوجودي بما هو كذلك يستحيل ان يكون مصداقا حقيقيا للعدم (بل نقول) انه ان قطعنا النظر عن مفهومي الوجود وعدم العدم وحاولنا لحاظ ما هو الوجود في نفس الامر وما هو عدم العدم في نفس الامر وجدنا نفس أمريتهما واحدة.

(وبالجملة) الامر بالفعل عبارة عن طلب الفعل الذى هو عين طلب ترك الفعل في نفس الامر وهو بعينه مفاد النهي  عن الترك، فان النهي  على زعم هذا القائل بمعنى طلب الترك فإذا تعلق بالترك صار معناه طلب ترك الترك، فالأمر بالشيء على هذا عين النهي عن الترك بحسب نفس الامر وان تغايرا مفهوما، هذا ما ذكروه في المقام.

(اقول): قد عرفت ابتناء ذلك على كون مفاد النهي عبارة عن طلب الترك وسيتحقق لك في محله فساد هذا المبنى وان النهي  ليس من سنخ الطلب الذى هو البعث نحو الشيء بل هو من سنخ الزجر الذى هو عبارة عن منع الشيء، فليس اختلاف الامر والنهي  في المتعلق فقط بان يتوافقا في كونهما بمعنى الطلب ويختلفا في متعلق الطلب، بل المتعلق في كليهما امر واحد وهو الفعل، غاية الامر ان الامر لطلب الفعل والنهي  للزجر عنه.

(ولقائل ان يقول): ان الامر بالشيء ملازم للنهي عن ضده العام وان قلنا بكون النهي  من مقولة الزجر لا الطلب، لا بمعنى ان يكون في كل واقعة تكليفان: وجوب تعلق بالفعل وحرمة شرعية تعلقت بالترك، بل بمعنى ان البعث نحو الفعل هو بعينه عبارة عن الزجر عن تركه بحسب نفس الامر وان اختلفا مفهوما، فان الآمر بالفعل يصح ان يقال في حقه: انه غير راض بالترك وانه زاجر عنه بنحو من المسامحة، كما ان الامر في النهي  بعكس ذلك، فانه كما عرفت حقيقة في الزجر عن متعلقه، ولكنه يمكن ان يقال بملازمته في نفس الامر لطلب ترك متعلقه لا بمعنى ان يكون هنا وجوب شرعي تعلق بالترك في قبال الزجر المتعلق بالفعل، بل بمعنى ان الزجر عن الفعل هو بعينه عبارة عن البعث نحو الترك في نفس الامر لا مفهوما، فمن قال (لا تزن) مثلا وان كان الصادر عنه حقيقة هو الزجر عن الزنا ولكن يمكن ان ينسب إليه انه طالب لترك الزنا وباعث عبده نحوه، وعلي هذا فيمكن ان يقال: ان من فسر النهي  بطلب ترك المتعلق كان ناظرا إلى هذا المعنى لا انه اراد كون النهي  من سنخ الطلب حقيقة فانه واضح البطلان كما عرفت. هذا بعض الكلام في الضد العام اعني النقيض باصطلاح اهل المعقول.

(واما الضد الخاص) بمعنى احد الاضداد الوجودية بعينه (الذى هو ضد باصطلاح الفلسفي ايضا) فهو العمدة في هذه المسألة وقد اشتهر النزاع فيه بين الاصوليين (ويظهر عندهم ثمرة المسألة) فيما إذا كان الضد الخاص للواجب عبادة، فان الامر بالواجب لو اقتضى النهي عنها كان اللازم بطلانها إذا أتى بها العبد تاركا للواجب، مثال ذلك اداء الدين الواجب من فور وازالة النجاسة عن المسجد فان فعل الصلاة ضد لهما بمعنى انه لا يمكن اجتماعها معهما في الوجود في آن واحد فلو كان الامر بأداء الدين أو ازالة النجاسة عن المسجد مقتضيا للنهي عن ضده كان اللازم بطلان صلاة المكلف ان اتى به حين الامر بهما.

 (ثم ان) القائلين بحرمة الضد الخاص كانوا في الاعصار المتقدمة يستدلون على الحرمة بوجهين:

(الاول) ان اتيان الضد كالصلاة مثلا مستلزم للمحرم، ومستلزم المحرم محرم، (اما الصغرى) فلان اتيان الضد كالصلاة مستلزم لترك الواجب اعني الازالة مثلا، وترك الواجب محرم لكونه ضدا عاما للواجب، والامر بالشيء يدل على حرمة ضده العام قطعا فإتيان الضد مستلزم للمحرم.

(واما الكبرى) فلان المراد بالاستلزام فهيا هو المقدمية للحرام بنحو لا ينفك وجود الحرام من المقدمة، وحرمة المقدمة السببية للحرام مما لا ريب فيها.

(الثاني) ان اتيان الواجب اعني الازالة مثلا متوقف على ترك ضده اعني الصلاة فيجب ترك الصلاة من باب المقدمية للواجب، ولازم ذلك حرمة الصلاة من جهة كونها ضدا عاما لترك الصلاة، إذ الضد العام للترك هو الفعل كما ان الضد العام للفعل هو الترك (وان شئت قلت): ان الضد العام للترك ترك الترك وهو يتحد مع الفعل في نفس الامر وان اختلفا مفهوما. هذا ما ذكروه من الوجهين، وانت ترى توقف الاول منهما على كون الامر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده العام، وكون مقدمة الحرام حراما، كما ان الثاني منهما يتوقف على حرمة الضد العام ايضا، وكون مقدمة الواجب واجبة، وكون ترك احد الضدين مقدمة لوجود الضد الاخر، والفرق بين الوجهين واضح، فان الاول منهما يبتنى على كون فعل الضد مقدمة لترك الواجب المحرم فيكون حراما، والثاني منهما يبتنى على كون ترك الضد مقدمة لفعل الواجب فيكون واجبا من جهة المقدمية للواجب (واعلم) ان التضاد من النسب المتشابهة الاطراف كالأخوة مثلا فأي حكم ثبت لاحد الطرفين من جهة التضاد فلا محالة يثبت للطرف الاخر ايضا، فلو كان فعل احد الضدين مقدمة لترك الاخر كان فعل الاخر ايضا مقدمة لترك هذا، كما ان ترك احدهما لو كان مقدمة لفعل الاخر كان ترك الاخر ايضا مقدمة لفعله.

(على هذا) فمقتضى الجمع بين الدليلين الالتزام بدور واضح، إذ المصرح به في الدليل الاول هو ان فعل الصلاة مثلا مقدمة لترك الازالة، ولازمه (على ما ذكرنا) هو كون فعل الازالة ايضا مقدمة لترك الصلاة، والمصرح به في الدليل الثاني هو كون ترك الصلاة مقدمة لفعل الازالة (التي هي الواجب) ولازمه ايضا كون ترك الازالة مقدمة لفعل الصلاة، و(الحاصل) ان لازم الدليل الاول هو كون فعل الازالة مقدمة لترك الصلاة، والمصرح به في الدليل الثاني هو كون ترك الصلاة مقدمة لفعل الازالة هذا دور واضح.

 وحيث انجر الكلام إلى البحث عن وجود المقدمية بين وجود احد الضدين وعدم الاخر، فالأولى ان نشرع في تحقيق المسألة بنحو التفصيل (فنقول):

اختلفوا في المسألة على اقوال :

(الاول) عدم المقدمية من الطرفين فلا وجود احد الضدين مقدمة لعدم الاخر ولا عدم احدهما مقدمة لوجود الاخر، وهذا القول هو الموافق للتحقيق.

(الثاني) المقدمية من طرف العدم دون الوجود، فعدم كل منهما مقدمة لوجود الاخر من دون عكس، (وبعبارة اخرى) وجود كل منهما يتوقف على عدم الاخر لعدم امكان اجتماع الضدين، واما عدم كل منهما فلا يتوقف على وجود الاخر لجواز ارتفاع الضدين.

(الثالث) تسليم المقدمية من الطرفين فيكون وجود كل منهما مقدمة لعدم الاخر وعدم كل منهما ايضا مقدمة لوجود الاخر، ويستفاد الالتزام بهذا القول من كلام الحاجبي والعضدي حيث اجابا (عن استدلال القائلين بحرمة الضد من جهة توهم مقدمية عدمه للواجب، وعن استدلال الكعبي على انتفاء المباح من جهة توهم توقف ترك المحرمات على اشتغال الانسان بفعل من الافعال فيكون واجبا من باب المقدمية) بما حاصله انكار وجوب المقدمة، فيستفاد من هذا الجواب تسليمهما لأصل المقدمية في كلا الطرفين.

(الرابع) التفصيل المستفاد من المحقق الخوانساري في كون عدم احدهما مقدمة لوجود الاخر فقال ما حاصله:

ان احد الضدين ان كان موجودا فرفعه مقدمة لوجود الاخر بخلاف ما إذا لم يكن واحد منهما موجودا فانه لا مقدمية حينئذ في البين.

(والاقوى) في المسألة كما عرفت هو القول الاول.

(وليعلم اولا) ان النزاع انما هو في ان نفس التضاد بين الشيئين يوجب مقدمية وجود احدهما لعدم الاخر أو مقدمية عدم احدهما لوجود الاخر أو لا يوجب فلا ينافى منع المقدمية من جهة التضاد وجود ملاكها اتفاقا من جهة اخرى في بعض الموارد، فاللازم علينا فيما نحن فيه هو اثبات ان نفس التضاد بما هو تضاد لا يوجب المقدمية لا من طرف الوجود ولا من طرف العدم. وحيث تصورت محل البحث تيسر لك التصديق بما اخترناه وكنت على بينة من ربك على ان التضاد لا يستلزم المقدمية (بيان ذلك) ان مقتضى التضاد بين شيئين هو استحالة اجتماعهما في الوجود وعدم امكان وجود احدهما في ظرف وجود الاخر في موضوع واحد، فهذا الاجتماع من المحالات، وارتفاع هذا المحال انما هو بارتفاع موضوعه اعني الاجتماع، وارتفاعه انما هو بارتفاع كلا الوجودين أو بارتفاع احدهما وانقلاب وجوده إلى العدم، فما هو مقتضى التضاد بين الوجودين انما هو عدم اجتماعهما في الوجود لا تقدم عدم احدهما على وجود الاخر أو تقدم وجود احدهما على عدم الاخر ولو طبعا، فان التقدم يحتاج إلى ملاك آخر غير نفس التضاد.

(وبالجملة) انقلاب موضوع الاستحالة اعني الاجتماع إلى موضوع الامكان انما هو بارتفاع الضدين أو باجتماع وجود احدهما مع عدم الاخر، لا بوجود الترتب بين وجود احدهما وعدم الاخر، فان هذا خارج مما يقتضيه نفس التضاديين الوجودين، فانقدح بذلك عدم التمانع بين الضدين من جهة الضدية (نعم) يمكن ان يكون وجود العلة التامة لاحد الضدين مانعا عن وجود الاخر كما إذا كان هنا شيء واحد فاراد رجل سكونه والاخر تحريكه - فتأمل.(2)

(ثم ان ما ذكرناه) في وجه عدم التمانع بين الضدين أولى مما ذكره بعض الاعاظم، وحاصل ما ذكره انه يتحقق الترتب بين اجزاء العلة في استناد المعلول إليها وجودا وعدما، فكما ان في طرف الوجود رتبة المقتضى قبل الشرط ورتبة الشرط قبل عدم المانع، فكذلك في طرف العدم فعدم المعلول عند عدم المقتضى لا يستند الا إليه، واستناده إلى عدم الشرط انما هو بعد وجود المقتضى كما ان استناده إلى وجود المانع انما هو بعد وجود المقتضى والشرط كليهما، فمانعية الشيء متوقفة على وجود المقتضى والشرط للمعلول، وعلى هذا فلا تمانع بين الضدين إذ لا يمكن وجود المقتضى لكليهما فان وجد احدهم يكون الاخر معدوما، ولكن لا لوجود المانع بل لعدم المقتضى.

(وبالجملة) لا يكون وجود احد الضدين مقدمة لعدم الاخر ولا عدم احدهما مقدمة لوجود الاخر لابتناء كليهما على مانعية احد الضدين للأخر وقد عرفت عدم المانعية (انتهى).

وفي هذا البيان نظر لان الترتب الثابت بين اجزاء العلة انما هو بالنسبة إلى حال التأثير واما بالنسبة إلى توقف المعلول عليها فهى بأسرها في عرض واحد، فإذا قيل لك: ان وجود الشيء المعهود على أي شيء يبتنى؟ قلت: انه يبتنى ويتوقف على ثلاثة اشياء:

 المقتضي ، والشرط ، وعدم المانع، من دون ان يكون من الترتب اسم في البين وهذا واضح. (3) (ثم انك قد عرفت) ان ثمرة المسألة (اعني حرمة الضد الخاص) هي بطلانه إذا كان امرا عبادي كالصلاة التي هي ضد للإزالة المأمور بها، وقد نقل عن الشيخ البهائي (قدس سره) انكار هذه الثمرة ، (بتقريب) ان الامر بالإزالة التي هي اهم من الصلاة وان لم يكن مقتضيا للنهي عن الصلاة ولكنه يقتضى عدم الامر بها، ويشترط في صحة العبادة كونها مأمورا بها، (والوجه في ذلك) ان الامر انما يصدر عن المولى بداعي البعث والتحريك ولا يوجد في نفسه هذا الداعي الا إذ رأى العبد متمكنا من الانبعاث عن امره، ولما كان انبعاثه نحو الضدين في زمان واحد من المحالات فلا محالة يكون بعث المولى الملتفت نحوهم ايضا من المحالات لعدم انقداح الداعي لهذا البعث في نفسه .

(وبالجملة) الامر بالضدين في زمان واحد بداعي البعث بنفسه محال لا انه تكليف بالمحال، وحينئذ فلو كانت الازالة مأمورا بها في زمان، لم يمكن كون الصلاة مأمورا بها ايضا، وإذا لم تكن مأمورا بها وقعت غير صحيحة سواء كان الامر بالإزالة مقتضيا للنهي عنها أم لا – هذا، (وقد اجابوا) عن هذا الاشكال بوجوه ثلاثة:

(الاول) ان صحة العبادة لا تتوقف على كونها مأمورا بها، بل يكفى فيها وجود الملاك لها وعدم النهي  عنها، والصلاة المزاحمة بالإزالة وان لم تكن مأمورا بها من جهة الاستحالة كما ذكر، ولكن نقطع بعدم تفاوته مع الافراد الغير المزاحمة في الملاك والمصلحة الموجبة لايجابها والامر به.

(الثاني) ان يقال ان الصلاة ايضا مأمور بها بنحو الترتب كما سيجئ تحقيقه.

(الثالث) ان يقال بصحة الامر بأحد الضدين على نحو التضيق، وبالأخر بنحو التوسعة بحيث يكون زمان الاول ايضا جزء من زمان الثاني، وهذا الجواب لا يجرى فيما إذا كان الضدان مضيقين بخلاف الاولين.

(إذا عرفت الاجوبة الثلاثة) بنحو الاجمال فلنشرع في تفصيلها، (فنقول): اما الوجه الثالث فقد اختلف في صحته وسقمه، (واستدل القائلون بعدم الصحة) بأنه لا معنى لا يجاب الفعل في زمان أوسع مما يحتاج إليه عقلا الا كون المكلف مخيرا في ايجاده في أي جزء منه أراد، فمعنى قوله: (صل من الظهر إلى الغروب) مثلا انك مخير في ايجاد الصلاة في أي جزء من هذا الزمان، فهو مساوق لقوله: صل في الان الاول، أو الثاني، أو الثالث، وهكذا، وعلي هذا فلو أمر بالإزالة في اول وقت الظهر مثلا تعيينا وبالصلاة من اوله إلى الغروب تخييرا لزم بالنسبة إلى الان الاول اجتماع بعثين نحو ضدين وان كان احدهما تخييريا وهذا محال لاستلزامه تخيير المكلف بين امر محال وامر ممكن، والامر بالمحال تخييرا كالأمر به تعيينا امر بالمحال بل هو بنفسه محال كما مر بيانه.

(لا يقال): ان التخيير هنا ليس بشرعي بل عقلي، فان الشارع بنفسه لم يخير بين اجزاء الزمان، بل أمر بإيجاد الفعل في ساعة كلية موجودة بين الحدين منطبقة على كل واحدة من الساعات الموجودة بينهما انطباق الكلى على افراده نظير الكلى في المعين.

(فانه يقال): ان اردت بالساعة التي جعلتها ظرفا للفعل مفهوم الساعة، (ففيه) انه وان كانت كلية ولكنه من الواضحات عدم كونها ظرفا للفعل بداهة عدم ايجاب ايجاد الفعل في مفهوم الزمان. (وان اردت بها) الساعة الخارجية التي تكون جزء من مجموع الزمان المجعول ظرفا، (ففيه) ان نسبة الساعة إلى مجموع الزمان المحدود بالحدين نسبة الجزء إلى الكل، لا الكلى إلى افراده، وعلي هذا فيرجع جعله ظرفا للفعل (مع كونه) اوسع مما يحتاج إليه) إلى التخيير الشرعي بين اجزائه: اعني الساعات المتحققة بين الحدين، هذه غاية ما يمكن ان يقال في تقريب المنع. (وتحقيق الجواب) عن ذلك هو ان يقال: ان الزمان المجعول ظرفا للواجب الموسع وان لم يكن كليا بل هو كل ذو اجزاء، ولكن المتعلق للتكليف في الواجبات الموسعة كلى ذو افراد، ولازم ذلك عدم سراية الحكم إلى الخصوصيات الفردية.

(بيان ذلك) ان الشارع إذا قال مثلا: (صل من الظهر إلى الغروب) بنحو التوسعة في الوقت، فما هو المتعلق للوجوب عبارة عن طبيعة الصلاة الكلية المقيدة بوقوعها في هذا الزمان الوسيع المحدود بالحدين، فالزمان وان لم يكن كليا بل هو كل ذو اجزاء، ولكن المتعلق للوجوب هو طبيعة الصلاة المقيدة بوقوعها بين الحدين، وهذه الطبيعة المقيدة امر كلى قابل للانطباق على كثيرين، فمن افراده الصلاة التي تقع في الان الاول من الزمان الوسيع، ومن افرادها الصلاة الواقعة في الان الثاني منه، وهكذا إلى آخره. وبعبارة اخرى الزمان المجعول ظرفا وان لم يكن كليا، ولكن المظروف الذى هو المتعلق للأمر كلى قابل للانطباق على كل فرد من الصلوات التي توجد بين الحدين، (ونظير ذلك) المكان الوسيع إذا جعل ظرفا للفعل الواجب، فإذ قال المولى: يجب عليك الوقوف بعرفات، فنفس عرفات ليست كلية وانما هي ارض ذات اجزاء خارجية، ولكن الواجب على المكلف عبارة عن طبيعة الوقوف المقيد بعدم خروجه من حدود عرفات، فإذا وقف المكلف في أي جزء من عرفات صدق عليه انه وقوف بعرفات صدق الكلى على افراده، وان كان نسبة نفس عرفات إلى هذا الجزء نسبة الكلي إلى اجزائه، (وحيث) تبين لك حال ظرف المكان فقس عليه ظرف الزمان، فالواجب من الظهر إلى الغروب هو طبيعة الصلاة المقيدة بعدم خروجها من بين الحدين وتصدق هي على كل فرد من الصلوات الواقعة بين الحدين صدق الكلى على افراده وان كان نفس الزمان كلا بالنسبة إلى كل واحد من اجزائه.

إذا عرفت هذا فنقول :

ان الحكم إذا تعلق بطبيعة مهملة قابلة للانطباق على كثيرين فما هو المتعلق للحكم عبارة عن نفس حيثية الطبيعة ولا يسرى إلى واحدة من الخصوصيات الفردية، بداهة عدم دخالتها في الغرض الباعث على الحكم، وبالجملة متعلق الحكم امر وحداني لا تكثر له في ذاته بوجه من الوجوه، غاية الامر ان امتثال المكلف لهذ الحكم انما هو بإتيان فرد من هذه الطبيعة المأمور بها، والفرد عبارة عن الطبيعة المتخصصة بالخصوصيات، ولكن الاتيان به محقق للامتثال لا بما انه اتيان بالفرد المتخصص، بل بما انه اتيان بأصل الطبيعة المأمور بها بحيث لو امكنه (على فرض المحال) اتيانها مجردة من جميع الخصوصيات الفردية لوقعت مصداقا للامتثال. وبعبارة اخرى متعلق الامر نفس حيثية الطبيعة الكلية، ويستحيل سرايته إلى ما لا دخل له في الغرض من الخصوصيات الفردية، وامتثال هذا الامر انما هو بإتيان نفس الطبيعة، غاية الامر ان اتيانها بإتيان واحد من الافراد ولكن الفرد المأتى به لا يقع مصداق للامتثال بجميع خصوصياته بل بجهة اصل حيثية الطبيعة المتحققة به.

ففيما نحن فيه قد تعلق الامر الموسع اعني الامر الصلاتي مثلا بنفس طبيعة الصلاة المقيدة بوجوده بين الحدين من دون ان يلاحظ المولى واحدة من الخصوصيات المفردة (من الوقوع في الآن الاول أو الآن الثاني مثلا) أو يلاحظ اطلاقها بالنسبة إلى جميع الافراد المتصورة لها من جهة سعة وقتها، وان أتى بها العبد في الآن الاول مثلا فقد امتثل أمر المولى ويكون اتيانها اتيانا بالطبيعة المأمور بها، لا بما انه اتيان بالصلاة في هذا الآن، بل بما انه اتيان بما هو المأمور به اعني الصلاة الواقعة بين الحدين، وكذلك ان اتى بها في الآن الثاني أو الثالث إلى آخر الوقت، وليس الامر متعلقا بالصلاة الواقعة في الآن الاول مثلا حتى يقال بمزاحمته للأمر المتعلق في هذا الزمان بالإزالة، بل الامر قد تعلق بنفس الطبيعة الكلية المقيدة بوقوعها بين الحدين اعني من الظهر إلى الغروب، وهذا الامر لا يطارد الامر المتعلق بالإزالة بوجه من الوجوه لقدرة المكلف على امتثال كليهما، ولا يشترط القدرة على اتيان الفرد الاول لانه ليس مأمورا به وانما يشترط القدرة على ما هو المأمور به اعني الطبيعة المقيدة بوقوعها بين الحدين وهى مقدورة بالقدرة على بعض مصاديقه (وبتقرير آخر) الاوامر الشرعية ليست جزا فيه حتى تتعلق بأي شيء، وانما تتعلق هي بم يكون مشتملا على المصالح المنظورة والاغراض الملحوظة، ولا تتعلق ابدا بما لا دخالة له في الغرض الباعث على الامر، و حينئذ فقد يكون المشتمل على المصلحة عبارة عن نفس حيثية الطبيعة فيجب لا محالة ان يتعلق الامر بنفس الطبيعة المطلقة، لا بقيد اطلاقه بحيث يكون الاطلاق ايضا ملحوظا بل بنفس حيثية الطبيعة التي لها اطلاق وسريان ذاتي، وقد يكون المشتمل على المصلحة عبارة عن الطبيعة المقيدة بقيد واحد أو اكثر فحينئذ لا بد من ان يتعلق الامر بهذه الطبيعة المشتملة على المصلحة (اعني المقيدة بالقيد الواحد أو الاكثر)، ولا يجوز في صورة عدم دخالة خصوصية من الخصوصيات في اشتمال الطبيعة على المصلحة ان تعتبر هذه الخصوصية في متعلق الامر للزوم الجزاف. (وعلى هذا) ففي ما نحن فيه ما هو المشتمل على الملاك والمصلحة عبارة عن طبيعة الصلاة المقيدة بوقوعها بين الحدين، فتقييدها عند الامر بها بالوقوع في غير الان الاول مثلا تقييد لها بما لا دخالة له في اشتمالها على المصلحة فلا يجوز للمولى هذ التقييد بل يجب عليه ان لا يلاحظ الا ما له دخل في المصلحة الباعثة على الامر، فالمتعلق للأمر الصلاتي ليس الا طبيعة الصلاة المقيدة بوقوعها بين الحدين، وهذه الطبيعة مقدورة بواسطة القدرة على فرد منها، وإذا أتى المكلف واحدة من افرادها فقد تحقق منه الامتثال سواء كان هو الفرد الاول أو الثاني أو غيرهما، فان ترك المكلف اتيانها في ضمن الفرد الاول صار الفرد الاول غير مقدور من جهة مضى وقته ولكن الطبيعة المأمور بها باقية على مقدوريتها، وكذا ان ترك اتيانها في ضمن الفرد الثاني، وكذلك الفرد الثالث، وهكذا، بل لو ترك اتيانها في ضمن جميع الافراد الطولية المتصورة لها سوى الفرد الاخير فالأفراد كلها سوى الفرد الاخير صارت غير مقدورة، ولكن الطبيعة المأمور بها باقية على المقدورية من جهة القدرة على اتيانها في ضمن الفرد الاخير، وان أتى المكلف بهذا الفرد صار فعله مصداقا للامتثال لا بما انه اتيان بالطبيعة في هذا الزمان القصير، بل بما انه ايجاد لما هو المشتمل على المصلحة اعني الطبيعة الواقعة بين الحدين. (نعم) بعد تضيق وقتها وانحصارها في فرد واحد ليس للمولى الامر المطلق بشيء آخر مضاد له، ولكن لا من جهة ان هذا الفرد يصير غير مقدور على فرض اتيان ضده بل من جهة ان نفس الطبيعة تصير غير مقدورة، ولا يقاس على ذلك ما إذا امر المولى بالضد الاخر في اول الوقت فانه انما يزاحم الفرد الاول لا نفس الطبيعة، والقدرة على نفس الطبيعة موجودة فيصح الامر الفعلي بها، وان اتى بها المكلف في ضمن الفرد الاول ايضا كان ممتثلا من جهة انه أتى بنفس ما هو المأمور به اعني الطبيعة.

ومن هنا يظهر لك ما هو الحق في مسألة الاجتماع اعني جوازه عند تعدد العنوان والجهة. (فان قلت) فرق بين ما نحن فيه وبين مسألة الاجتماع، إذ الافراد في مسألة الاجتماع عرضية فالقدرة على بعضها تكفى في القدرة على أصل الطبيعة، وهذا بخلاف ما نحن فيه، فان الافراد فيه طولية ومن الواضح ان القدرة على بعضها لا تستلزم القدرة على اصل الطبيعة في الزمان الممتد المعين لها، إذ من اجزائه الزمان الاول، ونفس الطبيعة غير مقدورة في الزمان الاول، من جهة كونه ظرفا للضد الاخر المأمور به، (وبالجملة) نحن لا نقول : ان الخصوصية الفردية متعلقة للأمر، بل نسلم ان تعلق الامر هو نفس طبيعة الصلاة المقيدة بوقوعها بين الحدين، ولكن نقول:ان هذه الطبيعة المأمور بها غير مقدورة في الآن الاول من جهة كونه ظرفا للضد المضيق. (قلت) المأمور به عبارة عن الصلاة بين الحدين (اعني الطبيعة الكلية) وهي مقدورة بالقدرة على واحدة من افرادها (4) وليس المأمور به هي الطبيعة المقيدة بالآن الاول حتى يقال: انها غير مقدورة من جهة مزاحمته بالأمر المتعلق بالاهم. وبعبارة اخرى في الآن الاول ايضا انما يأمر المولى بإيجاد الطبيعة المقيدة بوقوعها بين الحدين لا بالطبيعة في هذا الان، والطبيعة المقيدة بالوقوع بين الحدين مقدورة وان انحصر مصداقها في الواحد، من جهة كون غيره غير مقدور. (وبما ذكرنا) انقدح فساد ما في تقريرات بعض اعاظم العصر، حيث قال: ان الآن الاول ظرف للأهم فيجب اشغاله به وحينئذ يصير ايجاد المهم فيه غير مقدور من جهة ان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا.

(وجه الفساد) ان المولى لم يأمر بإيجاد المهم في الظرف الاول، بل امر بإيجاده بين الحدين فلا مزاحمة في البين، (هذا كله) فيما يرجع إلى الوجه الثالث. واما الوجه الثاني اعني تصحيح الامر بالمهم بنحو الترتب على عصيان الاهم فقد صار معركة لآراء المتأخرين، واول من نسب إليه تصحيحه المحقق الثاني، وشيد بنيانه السيد السند الميرزا الشيرازي، وبالغ في تشييده وتوضيحه تلامذته وتلامذة تلامذته سوى المحقق الخراساني فانه يظهر منه انه كان مخالفا لذلك من اول الامر.

(والحق) هو الصحة، ولنذكر لبيان ذلك مقدمة لها كمال المقدمية للمطلب وان غفل عنها ساير من قال بالصحة (فنقول):

 لا اشكال في عدم جواز ان يصدر من قبل المولى طلب واحد بداعي البعث متعلق بالضدين، فان الجمع بين الضدين محال والتكليف بالمحال بنفسه محال، لما مر من ان المولى الملتفت بعد كونه بصدد البعث والتحريك لا تنقدح في نفسه ارادة المحال، فكم ان الارادة التكوينية لا تنقدح في النفس بالنسبة إلى امر محال فكذلك الارادة التشريعية.

وبالجملة إذا رأى المولى ان العبد لا يتمكن من الانبعاث فكيف تنقدح في نفسه ارادة بعثه حقيقة، هذا في التكليف الواحد المتعلق بأمر محال كجمع الضدين مثلا، واما إذا فرض هنا تكليفان تعلق احدهما باحد الضدين والاخر بالضد الاخر فأما ان يكونا في عرض واحد بان يكونا مجتمعين ويكون لهما المعية في رتبة واحدة اولا، اما الاول فلا اشكال ايضا في استحاله سواء كان التكليفان مطلقين، أو مشروطين بشرط واحد، أو كان كل منهما مشروطا بشرط خاص ولكن كان الآمر عالما بوجود الشرطين في عرض واحد، لو كان احدهما مطلقا والاخر مشروطا بشرط يتحقق في عرض التكليف الاخر، وسواء كان الشرط امرا اختياريا للمكلف ام لا، والحاصل ان وجود البعثين المتعلقين بالضدين مع كونهما في عرض واحد ايضا محال بجميع انحائه ولكن الاستحالة هنا ليست من جهة تعلق الطلب بالمحال حتى يقال ان طلب المحال محال، إذ ليس هنا طلب واحد متعلق بأمر محال، بل طلبان تعلق كل منهما بأمر ممكن مقدور، فان هذا الضد بنفسه ممكن وذاك ايضا ممكن، والمحال انما هو اجتماعهما وليس هو متعلقا للطلب، ولا يمكن ان يطلق على الطلبين اللذين تعلق كل منهما بأمر ممكن طلب المحال، بداهة ان الطلبين بما هما طلبان ليسا مصداقا واحدا للطلب، وانما المصداق له هو هذا الطلب بحياله وذاك الطلب ايضا باستقلاله، كما انه يصدق على زيد انه انسان وعلى عمرو ايضا كذلك، ولا يصدق عليهما معا انهما انسان بل انسانان.

(وبالجملة) استحالة البعثين اللذين تعلق كل منهما بأحد الضدين ليست من جهة كونهم طلبا للمحال وتكليفا بما لا يطاق كما قد يتراءى من بعض عبائر المنكرين للترتب، بل الوجه في استحالتهما ان طلب المولى لما كان بداعي انبعاث المكلف نحو المكلف به وكان انبعاثه نحو هذا الضد مستقلا وذاك الضد ايضا مستقلا في رتبة واحدة وعرض واحد من المحالات، فلا محالة كان تحقق هذا النحو من الطلبين مستحيلا، وذلك لبداهة امتناع ان ينقدح في نفس الطالب الملتفت (في عرض واحد) ارادتان تشريعيتان تعلق كل واحد منهم بأحد الضدين، كما يمتنع ان ينقدح في نفسه ارادتان تكوينيتان كذلك (والحاصل) ان طلب المحال كجمع الضدين مثلا محال ولكن ما نحن فيه ليس من باب طلب المحال فان البعثين تعلق كل منهما بأمر ممكن، وليس لنا بعث متعلق بجمع الضدين، (غاية الامر) ان العقل بالتعمل والتدقيق يحكم بامتناع هذا النحو من البعثين والطلبين ايضا، (هذا كله) فيم إذا كان البعثان في عرض واحد بحيث كان كل منهما باعثا ومحركا في رتبة تحريك الاخر ولو في بعض الاحوال، واما إذا لم يكن الارادتان والطلبان في عرض واحد بل كان احدهم موجودا في رتبة عدم تأثير الاخر وعدم تحريكه نحو ما تعلق به كان وجود الاخر في هذه الرتبة والظرف بلا مزاحم إذ الفرض ان هذه الرتبة رتبة عدم تأثير الاول ورتبة خيبته عما قصد منه اعني داعويته للمكلف وانبعاثه بذلك نحو العمل، وفي هذه الرتبة يكون المكلف فارغا قادرا على ايجاد متعلق الامر الثاني كما يقدر على غيره من الافعال فل محالة ينقدح في نفس المولى في هذه الرتبة ارادة البعث بالنسبة إلى متعلق الامر الثاني إذا كان امرا ذا مصلحة ليشتغل العبد به دون غيره من الافعال الغير المفيدة (والحاصل) ان استحالة تحقق الطلبين في عرض واحد مع ثبوت القدرة على متعلق كل منهم قد نشأت من جهة عدم امكان تأثيرهما في عرض واحد في نفس العبد و حينئذ فلو فرض اشتراط أحدهما بصورة عدم تأثير الاخر في نفس العبد وصورة خيبته وعدم وصوله إلى هدفه كصورة العصيان مثلا ارتفع وجه الاستحالة وخرجا من كونهما في عرض واحد .

(إذا عرفت هذه المقدمة فنقول) : صحة الترتب المصطلح (على هذا البيان) من أو ضح الواضحات، فان الامر بالاهم وان كان مطلقا غير مشروط بشيء ولكن الامر ليس علة تامة لوجود متعلقه، وانما هو لإيجاد الداعي في نفس المكلف وتحريكه نحو المأمور به حتى يوجده باختياره، وحينئذ فإذا توجه الآمر (بعد ان صدر عنه الامر بالاهم) إلى ان المكلف يمكن ان يمتثله ويمكن ان يعصيه، وان ظرف الفعل في رتبة عصيانه للأهم يكون فارغ خاليا عن الفعل، بحيث لو لم يشغله المهم لكان خاليا من الاهم والمهم كليهما، فل محالة ينقدح في نفسه ارادة البعث نحو المهم في هذه الرتبة حتى لا يكون الظرف خالي عن الواجب المشتمل على المصلحة، ولا مانع من انقداح هذه الارادة (في هذه الرتبة) في نفسه، لان هذه الرتبة رتبة خيبة الامر بالاهم ورتبة عدم وصوله إلى هدفه، وفي هذه الرتبة لا مانع من تأثير الامر بالمهم بأن يوجد الداعي في نفس المكان نحو ما تعلق به، وقد عرفت ان استحالة البعث ليست الا من جهة استحالة الانبعاث، فإذا فرض امكان الانبعاث انقدح في نفس المولى ارادة البعث قهرا، (مثلا) لو القى ابن المولى واخوه في البحر ولم يكن العبد قادرا على انقاذ كليهما، فحينئذ يستحيل ان يصدر عن المولى طلبان بداعي البعث (في عرض واحد) يتعلق احدهما بإنقاذ الابن، والاخر بإنقاذ الاخ، بل الذى يصدر عنه أو لا انما هو الامر بإنقاذ الابن مطلقا غير مشروط بشيء بحيث لا يزاحمه (في رتبته) شيء، ثم ان المولى بعد ان صدر عنه هذا الامر ربما يتوجه إلى ان أمره ليس علة تامة لانبعاث المكلف بل المكلف يمكن ان ينبعث من قبل هذا الامر، ويمكن ان لا ينبعث، وينظر إلى ان ظرف الاهم (اعني انقاذ الابن) عند عدم تأثير أمره وعدم انبعاث المكلف من قبله خال من الفعل، بحيث لو لم يشغله المهم (اعني انقاذ الاخ) لكان خاليا من الاهم والمهم كليهما، فحينئذ ينقدح في نفسه ارادة الامر بإنقاذ الاخ في هذه الرتبة التي هي رتبة عدم تأثير الامر بإنقاذ الابن وعدم وصوله إلى هدفه.

(والحاصل) ان كلا من الاهم والمهم فعل مقدور للمكلف فيمكن ان ينقدح في نفس المولى ارادة اتيانه، وانقداح كلتا الارادتين في نفسه ليس انقداحا لإرادة واحدة متعلقة بالجمع بينهما، فكان اللازم (بالنظر البدوي) جواز انقداحهما في نفسه، ولكن العقل بالتحليل والتعمل يحكم باستحالة انقداحهما في عرض واحد، من جهة انه يرى ان العبد لا يقدر على الانبعاث نحو الفعلين في عرض واحد، فاستحالتهما انما نشأت من استحالة انبعاث العبد منهما معا واستحالة تأثير هما في عرض واحد في نفسه، فإذا علق أحدهما بصورة عدم تأثير الاخر وصورة عصيان العبد له كان وجودهما بهذا الترتيب ممكنا، إذ الزمان في هذا الفرض فارغ من الفعل فيمكن للعبد اشغاله بالفعل الاخر الذى هو ضد له.

(وبالجملة) وجود البعثين المتعلق كل واحد منهما بواحد من الضدين في عرض واحد من المحالات، واما وجودهما لا في عرض واحد فلا استحالة فيه، لعدم المزاحمة في مقام التأثير، وهذا مثل الامر بالاهم مطلقا والامر بالمهم في رتبة عصيان الاهم وعدم تأثيره في نفس المكلف، إذ الامر بالاهم لا اطلاق له بالنسبة إلى حال عصيانه لتأخر رتبة العصيان عن رتبة الامر، فالأمر بالاهم رتبته قبل العصيان، والامر بالمهم رتبته متأخرة عنه لكونه موضوعا له، ورتبة الحكم متأخرة عن رتبة الموضوع بالضرورة، و حينئذ فلا يوجد بينهما مزاحمة اصلا كما هو واضح لا سترة عليه (5)

(فان قلت): كما ان رتبة العصيان متأخرة عن رتبة الامر فكذلك رتبة الاطاعة و حينئذ فلو كان اختلاف الرتبة كافيا في رفع المزاحمة لكان اللازم جواز الامر بالاهم بنحو الاطلاق والامر بالمهم مشروطا بإطاعة الاهم ايضا بحيث يكون المهم مبعوثا إليه في رتبة اطاعة الاهم مع كون زمان الفعلين واحدا كما هو المفروض في الترتب.

(قلت): رتبة العصيان رتبة عدم تأثير الامر بالاهم ورتبة خيبته وعدم وصوله إلى هدفه، وفى هذه الرتبة يكون ظرف الفعل خاليا بحيث يمكن اشغاله بالمهم بلا مزاحم فلا محالة ينقدح في نفس المولى ارادة البعث نحوه في هذه الرتبة، وهذا بخلاف رتبة الاطاعة فأنها رتبة تأثير الامر بالاهم ورتبة اشغال الاهم للزمان فلا يقدر المكلف في هذه الرتبة على اتيان المهم فكيف يمكن ان ينقدح في نفس المولى ارادة البعث والتحريك نحو المهم في هذه الرتبة فتدبر جيدا.

(ثم ان) المناسب في المقام ان نذكر ما قاله شيخنا الاستاذ المحقق الخراساني في وجه الامتناع مع الاشارة إلى جوابه (قال قدس سره) ما حاصله: ان ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد آت في طلبهما بنحو الترتب ايضا، فانه وان لم يكن في مرتبة طلب الاهم اجتماع الطلبين الا انه في مرتبة طلب المهم يثبت طلب الاهم ايضا فيجتمعان (لا يقال) (نعم) ولكنه بسوء اختيار المكلف فلو لا سوء اختياره لما كان متوجها إليه الا طلب الاهم.

(فانه يقال) استحالة طلب الضدين انما هي من جهة استحالة طلب المحال وهى لا تختص بحال دون حال، فان الحكيم الملتفت إلى محاليته لا ينقدح في نفسه ارادته بل اشكال والا لصح فيما علق على امر اختياري في عرض واحد بلا احتياج في تصحيحه إلى الترتب مع انه محال.

(ان قلت): فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع بنحو الترتب فان كلا من الطلبين في الاول يطارد الاخر، بخلاف الثاني فان المطاردة فيه انما هي من جانب الاهم فقط.

(قلت: اما اولا) فان المطاردة في الثاني ايضا من الطرفين، فان المهم بعد وجود شرطه يصير فعليا، والمفروض فعلية الاهم ايضا في هذه الرتبة، فيطاردان، (واما ثانيا) فلانا وان سلمنا عدم طرد المهم للأهم ولكن الاهم يطارد المهم لوجوده في رتبته .

(فان قلت): فما الحيلة فيما وقع في العرفيات من طلب الضدين على نحو الترتب.

(قلت): لا يخلو اما ان يكون الامر بالمهم بعد التجاوز عن الاهم حقيقة واما ان يكون الامر به للإرشاد إلى بقائه على ما هو عليه (من المصلحة والمحبوبية لولا المزاحمة) (ثم انه) يستشكل على القائلين بالترتب بلزوم استحقاق المكلف لعقابين على فرض مخالفة الامرين، مع بداهة بطلانه ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه المكلف (انتهى).

(اقول) اما ما يظهر من كلامه (قدس سره) من كون مسألة الترتب من باب طلب الضدين فقد عرفت فساده، فان الطلبين (الذين تعلق كل منهما بواحد من الضدين) لا يصدق عليهما طلب الضدين كما عرفت تفصيله، (واما ما ذكره) من ان ما وقع في العرفيات من طلب المهم بشرط عصيان الاهم انما يكون بعد التجاوز عن الاهم (ففيه) انه ان كان المراد بالتجاوز عن الاهم اعراضه عنه بالكلية بحيث لا يكون له بعث إليه حقيقة ويكون وجوبه منسوخا فهو بديهي البطلان فانه لا معنى للأعراض عما هو تام المصلحة مع كونه اهم مما زاحمه وان كان المراد بالتجاوز عن الاهم تجاوزه عنه من جهة أنه يرى الامر به خائبا غير مؤثر، لا بمعنى نسخه للوجوب بل بمعنى قطع الرجاء عنه من جهة عدم وصوله إلى هدفه فهذا ما ذكرناه من أن رتبة العصيان رتبة عدم تأثير الامر، ولا مانع في هذه الرتبة من وجود الامر بالمهم فانه يمكن ان ينقدح في نفس الآمر ارادة البعث نحوه في هذه الرتبة التي لا تأثير فيها للأمر بالاهم.

(واما ما ذكره اخيرا) من لزوم تعدد العقاب، فنحن نلتزم به من جهة ان المفروض فيما نحن فيه (كما عرفت) وجود أمرين مستقلين تعلق كل واحد منهما بأمر ممكن مقدور للمكلف، ومخالفة كل منهما توجب العقاب بلا شك وارتياب، اما مقدورية الاهم فواضحة، واما مقدورية المهم فمن جهة فرضه في رتبة عدم اشغال الاهم للظرف وكون الزمان خاليا منه، وفي هذه الرتبة يكون المهم مقدورا بالوجدان.

(تذنيب) قال الشيخ (قدس سره) ما حاصله: انه لو قيل بالسببية في باب حجية الخبر لكان الخبران المتعارضان من قبيل المتزاحمين، ولازم ذلك عدم سقوطهم رأس، بل يتقيد اطلاق كل منهما بعدم الاخر. (وأورد عليه) بعض اعاظم العصر (على ما في تقريرات بحثه) بان هذا التزام بترتبين مع أن الشيخ ممن ينكر الترتب.

(اقول): ليس مراد الشيخ تقييد كل من الخطابين بعصيان الاخر بما هو عصيان حتى يلزم الترتب، (6) بل مراده ان التعارض في المقام يرجع إلى التزاحم، ولازمه ثبوت كل منهما على فرض عدم اتيان الاخر، وهو عبارة اخرى عن التخيير العقلي، فمحصل كلامه (قدس سره) ان الحكم في المتزاحمين هو التخيير لا التساقط.

(وبالجملة) مراده تعين كل منهما في ظرف عدم الاخر بما انه عدم، لافي ظرف عصيان الاخر بما انه عصيان فلا ربط لكلامه (قدس سره) بباب الترتب أصلا فتدبر.

__________

(1) بل الصلاة والازالة ايضا مع كونهما وجوديتين ليستا بضدين عند ارباب المعقول كم يظهر وجهه بمراجعة تعريف الضدين.

(2) ولا يتوهم ان عدم احدهما عند وجود العلة التامة للأخر يكون مستندا إلى وجود الاخر لا إلى وجود علته، ضرورة بطلان ذلك من جهة انه يكفى في هذا العدم وجود العلة للضد الاخر سواء وجد نفس الضد ام لم يوجد بان صارت علته مزاحمة بعلة الاخر وكانت متكافئتين.

(3) وان شئت قلت: ان الترتب انما هو في طرف الوجود، واما في طرف العدم فلا تأثير ولا تأثر حتى يتحقق الترتب في الاستناد. ح - ع

(4) وببيان اخصر الامر قد تعلق بنفس الطبيعة الجامعة، والجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور لإمكان ايجاده في الفرد المقدور.

(5) اقول: ليس المصحح للأمر بالمهم في ظرف عصيان الاهم ما ذكروه من اختلاف لرتبة، فان الامر بالاهم وان لم يكن له اطلاق لحاظي بالنسبة إلى حال عصيانه (كما لا اطلاق له بالنسبة إلى حال اطاعته)، ولكن الاطلاق الذاتي موجود بمعنى ان الامر بالاهم موجود للمكلف سواء كان مطيعا أو عاصيا في متن الواقع، بداهة عدم تعقل الاهمال الثبوتي، كيف! ولو كان ما ذكروه من اختلاف الرتبة كافيا في تصحيح الامر بالمهم (مشروطا بعصيان الاهم) لكان اللازم جواز الامر بالمهم مشروطا بإطاعة الاهم ايضا، ضرورة اشتراك العصيان والاطاعة في ان الامر ليس له اطلاق لحاظي بالنسبة اليهما، وله اطلاق ذاتي بالنسبة إلى كليهما. (فان قلت): الامر ثابت للمكلف بما هو انسان اجتمع فيه شرائط التكليف لا بما هو مطيع أو عاص أو بما هو مطيع وعاص، (وبعبارة اخرى) الامر وان كان ثابتا للمكلف سواء كان مطيعا أو عاصيا ولكنه ليس بما هو مطيع أو عاص و حينئذ فليس للأمر بالنسبة إلى عنواني الاطاعة والعصيان اطلاق ولا تقييد.

(قلت): ليس معنى اطلاق الحكم بالنسبة إلى عنوان، سراية الحكم إلى هذا العنوان بحيث يصير هذ العنوان جزء لموضوع الحكم والا فلا نجد نحن مثالا للمطلق ضرورة ان قوله (اعتق رقبة) مثلا من امثلة المطلقات من جهة اطلاق الرقبة بالنسبة إلى المؤمنة والكافرة مع انه ليس معنى الاطلاق فيها ان عنوان الكفر أو الايمان له دخالة في الحكم بحيث يصير المؤمنة بما هي مؤمنة، أو الكافرة بما هي كافرة موضوعا للحكم، بل معنى الاطلاق فيه هو ان الرقبة بما هي رقبة تمام الموضوع، ولازم ذلك سريان الحكم بسريانها الذاتي، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث المطلق والمقيد (وبالجملة) ليس الملاك في تصحيح الامر بالمهم ما ذكروه من اختلاف الرتبة، بل الملاك فيه هو وجود الامرين  بنحو لا يتزاحمان في مقام التأثير، وبيان ذلك هو ما ذكره سيدنا العلامة الاستاذ الاكبر مد ظله العالي وقد صرح بما ذكرنا هو (مد ظله) في مبحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري (ثم ان) الانسب ان نعيد ما ذكره مد ظله في تصحيح الترتب ببيان آخر لعلك تطلع على ما هو الحق (فنقول): لا اشكال في ان التكليف بالمحال بنفسه محال، فان التكليف الحقيقي انما يصدر عن المولى بداعي انبعاث المكلف وتحركه نحو متعلقه، فإذا كان المتعلق امرا محالا لا يتمكن المكلف من ايجاده فكيف ينقدح في نفس المولى الملتفت ارادة البعث والتحريك نحوه، والمراد من التكليف بالمحال هو ان يكون المتعلق للتكليف امرا يستحيل صدوره عن المكلف، وذلك مثل ان يأمر المولى عبده بالطيران إلى السماء بلا وسيلة أو بالجمع بين الضدين مثلا، (هذا إذا كان) نفس ما تعلق به التكليف من المحالات. (واما) إذا كان لنا امران مستقلان تعلق أحدهما بأحد الضدين والاخر بالضد الاخر مع عدم سعة الزمان المقدر لهما الا لاحدهما فصدور هذين التكلفين عن المولى ايضا من المحالات ولكن لا من جهة لزوم التكليف بالمحال إذ المتعلق لكل واحد من التكليفين امر ممكن، والجمع بين المتعلقين وان كان محالا ولكن التكليف لم يتعلق به، ومجموع التكليفين ليس مصداقا للتكليف حتى يقال بتعلقه بالجمع بين الضدين إذ كل فرد مصداق للطبيعة مستقلا وليس الفردان بما هما فردان مصداقا واحدا (وبالجملة) استحالة هذين التكليفين ليست من هذه الجهة، بل من جهة تزاحمهما في مقام التأثير ومقام ايجاد الداعي في نفس المكلف، فان كل واحد من الضدين وان كان بحياله امر ممكنا يمكن ان ينبعث المكلف نحوه ولكن انبعاثه نحو هذا الضد مستقلا ونحو ذلك الضد ايضا مستقلا في زمان لا يسع الا واحدا منهما لما كان من المحالات، كان صدور الطلب من قبل المولى متعلقا بهذا الضد بداعي الانبعاث ومتعلقا بذاك الضد ايضا بداعي الانبعاث من المحالات، وذلك من جهة امتناع ان ينقدح في نفسه الارادة بالنسبة إلى كلا البعثين مع التفاته إلى ان العبد لا يتمكن الا من الانبعاث من واحد منهم (والحاصل) أن استحالة صدور هذين البعثين، انما هي من جهة انهما يصدران بداعي الانبعاث، ولما كان الانبعاث من كليهما محالا كان وجودهما أيضا من قبل المولى محالا، (هذا) إذا فرض البعثان متزاحمين في مقام التأثير والداعوية، وأما إذا لم يكونا متزاحمين في مقام التأثير بان لم يكونا في عرض واحد بل كان احدهما ثابتا في رتبة عدم تأثير الاخر ورتبة خلو الظرف عن المزاحم، فلا وجه  حينئذ لاستحالتهما، فان المكلف في رتبة عصيانه للأمر المتعلق بالاهم ورتبة عدم تأثيره في نفسه يكون متمكنا من ايجاد المهم فلا محالة ينقدح في نفس المولى في هذه الرتبة ارادة البعث نحوه، إذ الفعل مقدور للمكلف، والزمان ايضا في هذه الرتبة خال من الفعل، بحيث لو لم يشغله المهم لكان خاليا من الاهم والمهم كليهما، و حينئذ فأي مانع من انقداح الارادة في نفس المولى في هذه الرتبة؟ لا والله لا مانع في البين، والمقتضى ايضا موجود من جهة تمامية الملاك في المهم فتدبر. ولعمري صحة الترتب (بالبيان الذى ذكره سيدنا الاستاذ مد ظله العالي وقررناه ثانيا بهذا البيان) في غاية الوضوح والبداهة فاغتنم ولا تكن من الجاهلين. (هذا كله) بناء على كون القدرة شرطا للفعلية واما بناء على كونها شرطا للتنجز فقط فكلا التكليفين فعليان في عرض واحد بلا ترتب في البين غاية الامر ان تنجز المهم عقلا مترتب على عصيان الاهم، وهذ هو الاقوى، وعليه فيكون الترتب بين التكليفين في مرحلة التنجز، وبيانه يحتاج إلى تفصيل لا يسعه المقام.

(6) اقول: ولا يخفى ان ترتب كل منهما على عصيان الاخر بما هو عصيان مستلزم للدور المضمر من الطرفين، فان عنوان العصيان يتوقف على ثبوت الامر فثبوت الامر ب‍ مثلا يتوقف (على هذا الفرض) على عصيان ب المتوقف على الامر به المتوقف على عصيان الامر ب‍ المتوقف على ثبوته، وكذا العكس، وهذا بخلاف العدم بما انه عدم لعدم توقفه على الامر حتى يدور فافهم .




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.