أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-14
705
التاريخ: 29-7-2016
1549
التاريخ: 24-3-2021
2446
التاريخ: 2024-01-10
796
|
العدالة أشرف الفضائل وأفضلها ، إذ قد عرفت أنها كل الفضائل أو ما يلزمها ، كما أن الجور كل الرذائل أو ما يوجبها ، لأنها هيئة نفسانية يقتدر بها على تعديل جميع الصفات والأفعال ، و رد الزائد و الناقص إلى الوسط ، و انكسار سورة التخالف بين القوى المتعادية ، بحيث يمتزج الكل و تتحقق بينها مناسبة و اتحاد تحدث في النفس فضيلة واحدة تقتضى حصول فعل متوسط بين أفعالها المتخالفة ، و ذلك كما تحصل من حصول الامتزاج والوحدة بين الأشياء المتخالفة صورة وحدانية يصدر عنها فعل متوسط بين أفعالها المتخالفة ، فجميع الفضائل مترتبة على العدالة ، و لذا قال أفلاطونالإلهي : (العدالة إذا حصلت للإنسان أشرق بها كل واحد من أجزاء نفسه و يستضيء بعضها من بعض ، فتنتهض النفس حينئذ لفعلها الخاص على أفضل ما يكون فيحصل لها غاية القرب إلى مبدعها سبحانه).
ومن خواص العدالة و فضيلتها أنها أقرب الصفات إلى الوحدة ، و شأنها إخراج الواحد من الكثرات ، و التأليف بين المتباينات ، و التسوية بين المختلفات ، و رد الأشياء من القلة و الكثرة و النقصان و الزيادة إلى التوسط الذي هو الوحدة ، فتصير المتخالفات في هذه المرتبة متحدة نوع اتحاد ، و في غيرها توجد أطراف متخالفة متكاثرة ، و لا ريب في أن الوحدة أشرف من الكثرة ، و كلما كان الشيء أقرب إليها يكون أفضل و أكمل و أبقى و أدوم و من تطرق البطلان و الفساد أبعد ، فالمتخالفات إذا حصل بينها مناسبة و اتحاد و حصلت منها هيئة وحدانية صارت أكمل مما كان ، و لذا قيل : كمال كل صفة أن يقارب ضدها ، و كمال كل شخص أن يتصف بالصفات المتقابلة بجعلها متناسبة متسالمة ، و تأثير الأشعار الموزونة و النغمات و الإيقاعات المتناسبة ، و جذب الصور الجميلة للنفوس ، إنما هو لوحدة التناسب ، و نسبة المساواة في صناعة الموسيقى أو غيرها أشرف النسب لقربها إلى الوحدة وغيرها من النسب يرجع إليها.
وبالجملة : اختلاف الأشياء في الكمال و النقص بحسب اختلافها في الوحدة و الكثرة ، فأشرف الموجودات هو الواحد الحقيقي الذي هو موجد الكل و مبدؤه ، و يفيض نور الوحدة على كل موجود بقدر استعداده كما يفيض عليه نور الوجود كذلك ، فكل وحدة من الوحدات جوهرية كانت أو خلقية أو فعلية أو عددية أو مزاجية ، فهو ظل من وحدته الحقة ، و كلما كان أقرب إليها يكون أشرف وجودا ، و لو لا الاعتدال و الوحدة العرضية التي هي ظل الوحدة الحقيقية لم تتم دائرة الوجود ، لأن تولد المواليد من العناصر الأربعة يتوقف على حصول الاتحاد و الاعتدال ، و تعلق النفس الربانية بالبدن إنما هو لحصول نسبة الاعتدال ، و لذا يزول تعلقها به بزوالها بل النفس عاشقة لتلك النسبة الشريفة أين ما وجدت.
والتحقيق أنها معنى وحداني يختلف باختلاف محالها ، فهي في الأجزاء العنصرية الممتزجة اعتدال مزاجي ، و في الأعضاء حسن ظاهري ، وفي الكلام فصاحة ، و في الملكات النفسية عدالة ، و في الحركات غنج و دلال ، وفي المنغمات أبعاد شريفة لذيذة و النفس عاشقة لهذا المعنى في أي مظهر ظهر، و بأي صورة تجلى ، و بأي لباس تلبس.
فاني أحب الحسن حيث وجدته و للحسن في وجه الملاح مواقع
والكثرة و القلة و النقصان و الزيادة تفسد الأشياء إذا لم تكن بينها مناسبة تحفظ عليها الاعتدال و الوحدة بوجه ما ، و في هذا المقام تفوح نفحات قدسية تهتز بها نفوس أهل الجذبة و الشوق ، و يتعطر منها مشام أصحاب التأله و الذوق ، فتعرض لها إن كنت أهلا لذلك.
وإذا عرفت شرف العدالة و إيجابها للعمل بالمساواة ، و رد كل ناقص وزائد إلى الوسط فاعلم : أنها إما متعلقة بالأخلاق و الأفعال , أو بالكرامات و قسمة الأموال , أو بالمعاملات و المعاوضات , أو بالأحكام والسياسات.
والعادل في كل واحد من هذه الأمور ما يحدث التساوي فيه برد الإفراط و التفريط إلى الوسط. ولا ريب في أنه مشروط بالعلم بطبيعة الوسط , حتى يمكن رد الطرفين إليه , و هذا العلم في غاية الصعوبة , و لا يتيسر إلا بالرجوع إلى ميزان معرف للأوساط في ، جميع الأشياء , و ما هو إلا ميزان الشريعة الإلهية الصادرة عن منبع الوحدة الحقة الحقيقية , فإنها هي المعرفة للأوساط في جميع الأشياء على ما ينبغي , و المتضمنة لبيان تفاصيل جميع مراتب الحكمة العملية , فالعادل بالحقيقة يجب أن يكون حكيما عالما بالنواميس الإلهية الصادرة من عند اللّه سبحانه لحفظ المساواة.
وقد ذكر علماء الأخلاق أن العدول ثلاثة : «الأول» العادل الأكبر وهو الشريعة الإلهية الصادرة من عند اللّه سبحانه لحفظ المساواة . «الثاني» العادل الأوسط , و هو الحاكم العادل التابع للنواميس الإلهية و الشريعة النبوية فإنه خليفة الشريعة في حفظ المساواة.
«الثالث» العادل الصامت و هو الدينار لأنه يحفظ المساواة في المعاملات و المعاوضات.
بيان ذلك : أن الإنسان مدني بالطبع فيحتاج بعض أفراده إلى بعض آخر , و لا يتم عيشهم إلا بالتعاون , فيحتاج الزارع إلى عمل التاجر و بالعكس و النجار إلى عمل الصباغ و بالعكس , و هكذا فتقع بينهم معاوضات , فلا بد من حفظ المساواة بينها دفعا للتنازع و التشاجر , و لا يمكن حفظها بالأعمال لاختلافها بالزيادة و النقصان و القلة و الكثرة و غير ذلك , و ربما كان أدنى عمل مساويا لعمل كثير كنظر المهندس , و تدبير صاحب الجيش , فإن نظرهما في لحظة واحدة ربما ساوى عملا كثيرا لمن يعمل و يحارب , فحفظ المساواة بينها بالدينار والدرهم بأن تقوم بهما الأعمال و الأشياء المختلفة ، ليحصل الاعتدال و الاستواء ، و يتبين وجه الأخذ و الإعطاء ، و تصح المشاركات و المعاملات على نهج لا يتضمن إفراطا و لا تفريطا قيل : و قد أشير إلى العدول الثلاثة في الكتاب الإلهي بقوله سبحانه : {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد : 25].
فإن الكتاب إشارة إلى الشريعة ، و الميزان إلى آلة معرفة النسبة بين المختلفات و منها الدينار و الحديد إلى سيف الحاكم العادل المقوم للناس على الوسط.
هذا و المقابل للعادل - أعني الجائر المبطل للتساوي أيضا - إما جائر أعظم - و هو الخارج عن حكم الشريعة - و يسمى كافرا - أو جائر أوسط - و هو من لا يطيع عدول الحكام في الأحكام و يسمى طاغيا و باغيا - أو جائر أصغر- و هو من لا يقوم على حكم الدينار، فيأخذ لنفسه أكثر من حقه و يعطي غيره أقل من حقه - و يسمى سارقا و خائنا.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
البحرين تفوز بجائزة أفضل وجهة للمعارض والمؤتمرات
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|