أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-28
663
التاريخ: 24-3-2021
2447
التاريخ: 7-5-2022
1543
التاريخ: 2024-02-14
705
|
قال (عليه السلام) : وقد سئل : أيهما أفضل العدل أو الجود :
العدل يضع الامور مواضعها ، والجود(1) يخرجها من جهتها .
والعدل سائس عام ، والجود عارض خاص. فالعدل أشرفهما وأفضلهما.
قد يتصور البعض انه قادر على إدارة الامور من خلال إمكانيته المالية ، فيصل إلى القلوب ، ويحوز على الثقة عندما ينفق امواله ، ليستر عيوبه ، ويغطي نقائصه ، وهو غافل عن كون طريق الوصول لذلك هو الانصاف والتوازن الذي يضمن معادلة تصلح لتكوين علاقة سليمة مع بقية الافراد ، من شأنها ان تمد جسور الثقة وروابط الاطمئنان النفسي بصلاحه لما يطمح إليه.
وهذا عام ينطبق على علاقة الإنسان داخليا وخارجيا ، فإذا هدف إلى شيء فعليه تعبيد طريقه بوضع الشيء في محله المناسب ، دون التعدي على احد مهما كان ، حيث يضر ذلك به ولا ينفعه ما ينفقه من مال بعد ان تجاوز او جار على احد ، لأنه من الواضح عدم احتياج كل احد لماله ، لكن لا احد يستغني عن عدله ، لما يمثله من الإنصاف وحسن السيرة ، ليأمن إليه الناس ، فيثقوا به ، ويعتمدوا عليه ، ويتعاملوا معه وفقا لما دلهم عليهم عدله ، من حكمه وتعقل وتدبير ، وهي روابط وثوق قد لا تعدلها غيرها ، إلا إذا تحلى الإنسان بالإيمان ، فعندها يمنعه التزامه الإيماني عن الفتك والاعتداء والاساءة ، وعندها ربما يطمئن إليه البعض.
فالدعوة إلى وضع الامور في نصابها الصحيح ، كونه الضامن الامين للدلالة على مؤهلات الشخص ، فتناط به مهمات عديدة ، تجعل منه عنصرا ناجحا اجتماعيا ، وأما سوى ذلك من طرق يتوصل بها آخرون كاستثمار المال لأغراض دعائية ، فهي غير ناجحة ، ولو نفعت مؤقتا فهي غير مضمونة دائما.
فالحكمة :
أ- ترشد إلى اتباع أفضل السبل واقصرها ، للوصول للغرض المنشود ، والعدل يمثل البرنامج العام الذي لا يتأثر بالمؤثرات المتغيرة ، في مقابل المال المتأرجح والعارض الزائل.
ب- كما يستفاد منها النقد لحالات التعدي والتجاوز ، مما يقوم به اجواد من الناس ، فإن المجتمع بحاجة إلى العدل ، أكثر من كونه محتاجا إلى الجود، فإن رغب احد بالجود والسخاء ، فتلك مكرمة قد تحلى بها، لكنه لو لم يفعل لما لأمه أحد ، واما لو لم يعدل فسيرفضه من في السماء ومن في الارض ، لذا ليست المشكلة في الجود ، بل في اساءة استخدامه كأداة للوصول ، إذا ما قورن بالعدل ، فهو أوسع قاعدة وأشمل تغطية جماهيرية.
ج- كما تصحح مفهوم (من جاد ساد) ، وانه لا سيادة ولا زعامة صالحة دائمة ، إذا ما ظلم الإنسان اخاه الإنسان ، او تجاوز على حقوقه ، او بغى عليه ، بل يتحقق ذلك للضعيف الفقير إذا ما أعطى من نفسه الحق ووضع الامور في مواضعها ، فإنه يسود ويتزعم جماعته ، بعد ان وثقوا بعدله وكياسته وطريقة تدبيره الامور ، وبهذا نكون قد امنا جميع حالات التعدي ، وضمنا عدالة اجتماعية شاملة ، بينما إذا جاد وجار ، فلا يهنأ المجود عليه به ، لاقترانه بالجور ، فضلا عن بقية الافراد ممن لم يصلهم سوى الظلم والجور.
فكان (عليه السلام) بصدد المصارحة الواضحة مع الطبقات القيادية في المجتمع : ان لا معدل عن العدل ، وإلا لكثرت الانقلابات والاغتيالات وسائر ما يزعزع الأمن ويهدد الاستقرار ، وعندها لا ينفع شراء الاصوات ، وفرص الهيمنة بالوسائل المختلفة ، ترغيبا او ترهيبا ، بل ستذهب الجهود بلا مقابل ، بدلا من ان تفك حصارا اجتماعيا على هذا المهيمن بماله ، في الوقت الذي تتظافر جميع الجهود من اجل تذليل الصعوبات المالية ان وجدت ، لذا كان العدل اشرف وأفضل ، بعد كونه قد رسم للإنسان سياسة تعامله مع غيره ، لتحترق الحقوق ، وتؤدي الاستحقاقات ، فيؤمن الغضب والثورة والهياج والبطش ، في وقت لا يدري ذو المال كيف يحمي نفسه من بعض ذلك ، وهذا ما لم يكن بسبب سلبية صفة الجود بقدر ما كان بسبب غياب العدل ، فينبغي لنا ان نتفاعل مع هذه الحكمة بفهم يحتم عليهم التروي ومزيد التفكير ، وعدم الاستبداد ، أو رفض النصح ، لما يكلفهم ذلك دنيويا واخرويا، لننطلق في قضاياه ضمن محور العدل ، فنصل للمراد في وقت لا نضمن فيه الوصول بمحاور اخرى ومنها الجود بالمال وتوظيفه لأغراض الدعاية ، حيث لا يصدق الناس به عندما اتضحت مديات قدرته على معالجته المشكلات ، فاستعان بالجور ، عندما ضاق به العدل ، مع انه (من ضاق عليه العدل ، فالجور عليه أضيق)(2)، وهو بهذا لم يعالج المشكلة ، وانما اضاف اخرى ، ولذلك نرى ان انهيارات دولية وغيرها تحصل بسبب فقدان العدل ، كطريقة للتعامل ، ووسيلة للتغلب على ما يعترض الطريق الطويل ، فإن المنكوب يتطامن عندما يأمل باسترداد حقه ، لكنه لا يسكت لو اشتري سكوته بالمال ، والفارق شعوره بكرامته الإنسانية في ظل العدل ، وإشعاره بهوانها حتى لو احيط بالمال ، فهو ليس بعوض دائما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجود : كثرة العطاء من غير سؤال.
(1) نهج البلاغة 1/46.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|