ظهرت الحاجة الى استعمال الخط بظهور الاسلام ، واحتياج المسلمين اليه في كتابة الوحي ، والرسائل التي كان يبعثها الرسول (ص) الى الملوك والامراء يدعوهم فيها الى الاسلام. وقد كان الرسول (ص) محباً لتعليم الكتابة ، يظهر ذلك

ص144

خلال طلبه الى أسرى واقعة بدر أن يعلم كل كاتب منهم عشرة من صبية أهل المدينة . (وقد نهج أصحاب الرسول (ص) وخلفاؤه من بعده هذا المنهج ، فكان أكثر النشئ الذي نشأ في عهدهم يعرف الكتابة ، فخرج منه كتاب الدواوين ، وكتاب الرسائل ، وكتاب القرآن ، أما الخلفاء أنفسهم فكانوا يعرفون الكتابة ، وقد كتبوا للرسول (ص) )⁽¹⁾ .

قال محمد بن اسحاق : (أول الخطوط العربية الخط المكي ، وبعده المدني ، ثم الكوفي)⁽²⁾.

أما اول من كتب المصاحف في المصدر الأول ، ويوصف بحسن الخط فخالد بن أبي الهياج ... ومالك بن دينار ، وكان يكتب المصاحف بأجرة)⁽³⁾.

واتخذ الرسول (ص) كتاباً يكتبون رسالة الى الملوك والأمراء (وقد بلغ عدد كتاب الرسول (ص) اثنين واربعين كاتباً ، وأول من كتب له أبي بن ابي كعب ، وهو أول من كتب في آخر الكتاب : وكتب فلان)⁽⁴⁾ .

ومن اشهر كتاب الرسول (ص) علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وعمرو بن العاص ، وزيد بن ثابت ، وشرجيل بن حسنة ، وغيرهم .

وقد عثر على نصوص من رسائل الرسول (ص) التي وجهها الى بعض الملوك والأمراء ، منها رسالة الى المنذر بن ساوى أمير البحرين ، وكتابه الى المقوقس الحاكم والاسكندرية ، والنجاشي ملك الحبشة⁽⁵⁾ .

أما أقدم نص عربي إسلامي عثر عليه منقوشاً على حجر (فهو حجر كشف في مصر ومحفوظ الآن بدار الاثار العربية ، وتدل عباراته على أنه كان نصباً على قبر رجل يدعى عبد الرحمن بن خير أو جبر أو جابر أو جبير الحجري أو الحجازي ، ويرجع تاريخه الى سنة 31 هـ .. وهذا نصه :

1- بسم  الله الرحمن الرحيم ، هذا قبر .

2- العبد الرحمن بن خير الحجري ، اللهم اغفر له .

ص145

3- وادخله في رحمة منك ، واننا معه .

4- استغفر له اذا قرأ هذا الكتاب .

5- وقل آمين وكتبه هذا .

6- لكتب (الكتاب) في جمدى (جمادى) الا .

7- خر (الآخرة) من سنت (سنة) احدى و .

8- ثلثين (ثلاثين)⁽⁶⁾ .

وقد تصمن هذا النقش بعض المظاهر الاصلاحية التي أدخلت على الخط العربي خلال المراحل الأولى قبل مرحلة الاعجام . والاشارة الى أصوات المد الطويلة .

ثم أخذ الخط العربي بالتحسن والتطور على أيدي الخطاطين الذين جودوه ، وعرفوا به. وقد انتشر بعد أن اتسعت رقعة الدولة الاسلامية ، وكتبت به المصاحف الاسلامية  واشهرها المصحف الامام مصحف الخليفة عثمان الذي حافظ على الرسم القرآني حتى يومنا هذا .

واشتهرت الكوفة ، ومكة ، والمدينة ، والبصرة بصورة خاصة بوصفها ، مراكز لانتشار الخط بين مدن العالم الاسلامي ، ومنها امتد مع امتداد رقعة الاسلام الى سائر بلدان الخلافة الاسلامية .

ولسنا هنا في معرض الحديث عن التطورات التي رافقت الخط العربي ، وكيف تكونت الاقلام العربية ، ومن هم أشهر الخطاطين الذين جهدوا في سبيل تطويره، والتفنن في اظهار أشكال حروفه كالذي عرفناه عن الوزير أبي علي محمد بن مقلة المتوفى سنة 238 هـ وعلي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفي سنة 413 هـ ، وياقوت بن عبد الملك بن عبد الله الرومي المستعصمي المتوفى 698هـ ، فالحديث عن ذلك معروف ومشهور .

ثم اصبحت الاقلام المهمة في العالم الاسلامي كثيرة غير أن شهرتها (تعد في اثنين هما الخط الكوفي ، والنسخي ، تفرعت منهما أقلام كثيرة بلغت في القرن السابع للهجرة ، وما بعده ستة أقلام هي : الثلث ، النسخ ، والتعليق ، والريحاني ، والمحقق، والرقاع)⁽⁷⁾ . ثم جاء الديواني ، الفارسي ، والدشتي .

ص156

وباختلاف الأزمان والعصور تعاقبت على تطوير الخط العربي أقلام كثيرة هيأة للكاتب أسباب الرسم وللرسم أسباب الثبوت والاستقرار بعد أن تم الإعجام، والتنقيط، والشكل، والترقيم، ووصل الخط الى مرحلة لا يحتاج بعدها الى تطوير أو دعوة الى التطوير بالرغم من الدعوات المضللة.

_____________________

(1) انتشار الخط العربي في العالم الشرقي والعالم الغربي 12 .

(2) الفهرست 9 .

(3) المصدر نفسه .

(4) الخط العربي سهيلة الجبوري 29 .

(5) يراجع نص كتاب رسول الله (ص) الى المنذر بن ساوى في (الخط العربي ص30) .

(6) فقه اللغة د. وافي 251-253 .

(7) انتشار الخط العربي في العالم الشرقي والعالم الغربي 16 .