أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-7-2016
907
التاريخ: 2023-03-27
1081
التاريخ: 21-7-2016
775
التاريخ: 2023-03-26
1693
|
ان أسباب الحب و مباديها لما كانت متعددة مختلفة فينقسم الحب لاجلها على أقسام : الأول : حب الإنسان وجود نفسه و بقاءه و كماله ، وهو أشد اقسام الحب و اقواها لان المحبة إنما تكون بقدر الملاءمة و المعرفة ، و لا شيء أشد ملاءمة لاحد من نفسه ، و لا هو بشيء أقوى معرفة منه بنفسه ، و لهذا جعلت معرفة نفسه مفتاحا لمعرفة ربه .
وكيف لا يكون حب الشيء لذاته أقوى المراتب ، مع أن الحب كلما صار أشد جعل الاتحاد بين المحب و المحبوب أوكد و أبلغ؟ , و أي اتحاد أشد من الوحدة و رفع الاثنينية بالمرة ، كما بين الشيء و نفسه ، فالمحب و المحبوب واحد ، و سبب الحب غريزة في الطباع بحكم سنة اللّه : {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } [الأحزاب : 62].
ومعنى حبه لنفسه كونه محبا لدوام وجوده ، و مكرها لعدمه و هلاكه ، فالبقاء و دوام الوجود محبوب ، و العدم ممقوت ، و لذا يبغض كل أحد الموت ، لا بمجرد ما يخافه بعده ، أو لمجرد ما يلزمه من سكراته ، بل لظنه أنه يوجب انعدام كله أو بعضه ، و لذا لو اختطف من غير الم و تعب، و اميت من غير ثواب و عقاب ، كان كارها لذلك ، و كما ان دوام الوجود محبوب فكذلك كمال الوجود محبوب ، لأن فاقد الكمال ناقص ، و النقص عدم بالإضافة إلى القدر المفقود فالوجود محبوب في أصل الذات و بقائه و في صفات كماله ، و العدم ممقوت فيها جميعا.
والتحقيق : أن المحبوب ليس إلا الوجود ، و المبغوض ليس إلا العدم ، وجميع الصفات الكمالية راجعة إلى الوجود ، و جميع النقائص راجعة إلى العدم ، إلا أن كل فرد من الموجود لما كان له نحو خاص من الوجود ، و كانت تمامية نحو وجوده بوجود بعض الصفات الكمالية التي هي من مراتب الموجودات ، فكان وجوده مركب من وجودات متعددة ، فإذا فقد بعضها فكأنه فاقد لبعض اجزاء وجوده ، و بذلك يظهر: أن الموجود كلما كان أقوى و كان نحو وجوده أتم ، كان اجمع لمراتب الوجودات في القوة و الشدة و العدة ، و كانت صفاته الكمالية أقوى و أكثر لكونها من مراتب الوجودات ، فالوجود الواجبي الذي هو التام فوق التمام و القائم بنفسه المقوم لغيره ينطوى فيه جميع الوجودات ، و يكون محيطا بالكل، ثم محبة الأولاد من التحقيق يرجع إلى هذا القسم ، لان الرجل إنما يحب ولده و يتحمل المشاق لاجله ، و ان لم يصل منه إليه نفع وحظ ، لعلمه بانه خليفته في الوجود بعد عدمه ، فكأن بقاءه نوع بقاء له ، فلفرط حبه لبقاء نفسه يحب بقاء من هو قائم مقامه و بمنزلة جزء منه ، لما عجز من الطمع في بقاء نفسه ، و لعدم كون بقائه هو بقاؤه بعينه يكون بقاء نفسه أحب إليه من بقاء ولده لو كان طبعه باقيا على اعتداله و كذلك حبه لاقاربه و عشيرته يرجع إلى حبه لكمال نفسه ، فانه يرى نفسه كبيرا قويا لاجلهم متجملا بسببهم ، إذ العشيرة كالجناح المكمل للانسان .
الثاني - حبه لغيره لأجل انه يلتذ منه لذة حيوانية.
كحب كل من الرجل و المرأة للآخر لأجل الجماع ، و حب الإنسان المأكولات و الملبوسات ، و السبب الجامع في هذا القسم هو اللذة ، و هو سريع الحصول و سريع الزوال واضعف المراتب لخساسة سببه و سرعة زواله.
الثالث- حبه للغير لأجل نفعه و إحسانه ، فان الإنسان عبد الإحسان ، و قد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها و بغض من أساء إليها ، و لذا قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): «اللهم لا تجعل لفاجر علىّ يدا فيحبه قلبي».
فالسبب الجامع في هذا القسم هو النفع و الإحسان ، و هذان القسمان عند التحقيق يرجعان إلى القسم الأول ، لان المحسن من أمد بالمال والمعونة وسائر الأسباب الموصولة إلى دوام الوجود وكمال الوجود ، و سبب اللذة باعث لحصول الحظوظ التي بها يتهيأ الوجود.
والفرق أن الأعضاء ، و الصحة ، و العلم ، و الطعام ، و الشراب ، و الجماع محبوبة لان بها كمال وجوده و هي عين الكمال ، و أما الطبيب الذي هو سبب الصحة ، و العالم الذي هو سبب العلم ، و معطى الطعام و الشراب ، و المرأة التي هي آلة الوقاع : محبوبة لا لذواتها ، بل من حيث انها وسائل إلى ما هو محبوب لذاته ، فاذن يرجع الفرق إلى تفاوت الرتبة ، و الكل يرجع إلى محبة الإنسان نفسه، فمن أحب المحسن لاحسانه فما أحب ذاته تحقيقا ، بل أحب إحسانه ، و لو زال إحسانه زال حبه مع بقاء ذاته ، و لو نقص نقص الحب ، و لو زاد زاد.
وبالجملة : يتطرق إلى حبه الزيادة و النقصان بحسب زيادة الإحسان و نقصانه.
الرابع- أن يحب الشيء لذاته ، لا لحظ يناله منه وراء ذاته ، بل تكون ذاته عين حظه ، و هذا هو الحب الحقيقي البالغ الذي يوثق به ، و ذلك كحب الجمال و الحسن ، فان كل جمال محبوب عند مدركه ، و ذلك لعين الجمال ، لأن ادراك الجمال عن اللذة ، و اللذة محبوبة لذاتها لا لغيرها.
ولا تظنن أن حب الصورة الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة ، فان قضاء الشهوة لذة حيوانية قد يحب الإنسان الصور الجميلة لأجلها ، و أدراك نفس الجمال لذة أخرى روحانية يكون محبوبا لذاتها.
ولا ريب في أن حب الصور الجميلة بالجهة الأولى مذموم ، و بالجهة الثانية ممدوح ، و العشق الذي يقع لبعض الناس من استحسان الصور الجميلة يكون مذموما إن كان سببه اللذة الشهوية الحيوانية ، و يكون ممدوحا إن كان سببه الابتهاج بمجرد ادراك الجمال ، و لأجل التباس السبب في هذا العشق اختلف العقلاء في مدحه و ذمه ، و كيف ينكر حب الصور الجميلة لنفس جمالها من دون قصد حظ آخر، مع أن الخضرة و الماء الجاري محبوبان لا لتؤكل الخضرة و يشرب الماء، أو ينال منهما حظ سوى نفس الرؤية، و قد كان رسول اللّه (صلى الله عليه واله) تعجبه الخضرة و الماء الجاري.
والطباع الصافية السليمة قاضية باستلذاذ النظر إلى الأنوار و الازهار و الأطيار المليحة الألوان الحسنة النفس المناسبة الشكل ، حتى الإنسان لتنفرج عنه الغموم بمجرد النظر إليها من دون قصد حظ آخر منها.
وبما ذكرناه ظهر ضعف ظن بعض ضعفاء العقول ، حيث زعموا أنه لا يتصور أن يحب الإنسان غيره لذاته ، ما لم يرجع منه حظ الى المحب سوى ادراك ذاته ، و لم يعلموا أن الحسن والجمال ليس مقصورا على مدركات البصر، و لا على تناسب الخلقة ، إذ يقال : هذا صوت حسن ، و هذا طعم حسن ، و هذا ريح طيب ، و ليس شيء من هذه الصفات مدركة بالبصر، و كذا ليس الحسن و الجمال مقصورا على مدركات الحواس ، لوجودهما في غيرها ، فان أكثر خصال الخير يدرك بالعقل بنور البصيرة الباطنة ، إذ يقال : هذا خلق حسن ، و هذا علم حسن ، و هذه سيرة حسنة ، و لا يدرك شيء من هذه الصفات بالحواس ، بل يدرك بالبصيرة الباطنة وكل هذه الخصال المدركة حسنها بالعقل محبوبة بالطبع ، و الموصوف بها أيضا محبوب عند من عرف صفاته.
ومما يدل على تحقق الجمال المدرك بالعقل و كونه محبوبا : أن الطباع السليمة مجبولة على حب الأنبياء و الأئمة (عليهم السّلام) مع أنهم لم يشاهدوهم ، حتى أن الرجل قد تجاوز حبه لصاحب مذهبه حد العشق ، فيحمله ذلك على أن ينفق جميع امواله في نصرة مذهبه و الذب عنه ، و يخاطر بروحه في قتال من يطعن في إمامه أو متبوعه ، مع أنه لم يشاهد قط صورته ولم يسمع كلامه ، فما حمله على الحب هو استحسانه بصفاته الباطنة : من الورع ، و التقوى و التوكل ، و الرضا ، و غزارة العلم ، و الإحاطة لمدارك الدين ، وانتهاضه لافاضة علم الشرع ونشره هذه الخيرات في العالم ، و جملتها ترجع الى العلم و القدرة ، اذ جميع الفضائل لا تخرج عن معرفة حقائق الأمور و القدرة على حمل نفسه عليها بقهر الشهوات ، و هما - اعني العلم و القدرة - غير مدركين بالحواس ، مع أنهما محبوبان بالطبع , و من الشواهد على المطلوب : أن الناس لما و صفوا (حاتما) بالسخاء و (انو شيروان) بالعدالة ، أحبهما القلوب حبا ضروريا من دون نظرهم إلى صورهما المحسوسة ، و من غير حظ ينالونه منهما ، بل كل من حكى عنه بعض خصال الخير و صفات الكمال غلب على القلوب حبه ، مع عدم مشاهدته و يأس المحبين من انتشار خيره و إحسانه إليهم ، و من كانت بصيرته الباطنة أقوى من حواسه الظاهرة ، و نور العقل اغلب عليه من آثار الحواس الحيوانية ، كان حبه للمعاني الباطنة أكثر من حبه للمعاني الظاهرة ، فشتان بين من يحب نقشا على الحائط لجمال صورته الظاهرة ، وبين من يحب سيد الرسل (صلى الله عليه واله) لجمال صورته الباطنة.
الخامس- محبته لمن بينه و بينه مناسبة خفية ، أو مجانسة معنوية ، فرب شخصين تتأكد المحبة بينهما عن غير ملاحظة جمال ، و لا طمع في جاه و مال ، بل بمجرد تناسب الأرواح ، كما قال النبي (صلى الله عليه واله) : «الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف».
السادس - محبته لمن حصل بينه و بينه الألف و الاجتماع في بعض المواضع ، لا سيما إذا كان من المواضع الغريبة ، كالسفن و الاسفار البعيدة.
والسبب فيه : كون افراد الإنسان مجبولة على المؤانسة مع التلاقي و الاجتماع ، ولكون المؤانسة مركوزة في طبيعة الإنسان سمي إنسانا ، فهو مشتق من الانس دون النسيان - كما ظن- ، و المؤانسة لا تنفك عن المحبة ، و ربما كان حصول المؤانسة و الحب بين أهل البلد أو بينهم و بين أهل القرى ، أو بين أهل البلاد المتباعدة و المواضع المختلفة ، من جملة أسرار الأمر بالجمعة و الجماعة و صلاة العيدين ، و الحج الباعث لاجتماع عموم الخلائق في موقف واحد.
السابع - محبته لمن يشاركه في وصف ظاهر،
كميل الصبي إلى الصبي لصباه ، و الشيخ إلى الشيخ لشيخوخته ، و التاجر إلى التاجر لتجارته وهكذا ... فان كل شخص مائل إلى من يشاركه في وصفه و صنعته و شغله و حرفته ، و السبب الجامع فيه هو الاشتراك في الوصف و الصنعة.
الثامن- حب كل سبب و علة لمسببه و معلوله و بالعكس ، فان المعلول لما كان مثالا من العلة ومترشحا عنها و منبجسا منها ، و مناسبا لها لكونه من سنخها ، فالعلة تحبه لأنه فرعها و بمنزلة بعض اجزائها التي كانت منطوية فيها ، و المعلول يحبها لأنها أصله و بمنزلة كله الذي كان محتويا عليه ، فكان كلا منهما في حبه للآخر يحب نفسه.
ثم السبب ان كان علة حقيقية موجدة ، تكون سببية أقوى في حصول المحبة و الاتحاد مما إذا كان علة معدة.
فأقوى اقسام المحبة ما يكون للواجب - سبحانه- بالنسبة إلى عباده ، و بعد ذلك لا محبة أقوى من محبة العباد العارفين بالنسبة إليه - سبحانه- ، فان محبتهم له من حيث كونه موجدا مخرجا لهم من العدم الصرف إلى الوجود ، و معطيا لهم ما احتاجوا إليه في النشأتين ، و من حيث إنه تعالى تام فوق التمام في الذات و الصفات الكمالية ، و النفس بذاتها مشتاقة إلى الكمال المطلق وهذا المحبة فرع المحبة و لا تحصل بدونها ، ولذا قال سيد الرسل (صلى الله عليه واله): «ما اتخذ اللّه وليا جاهلا قط».
وحب الأب لابنه و بالعكس نسبة هذا القسم ، من حيث إن الأب سبب ظاهر لوجود الابن ، و إن لم يكن سببا حقيقيا ، بل علة معدة له ، فيحبه لأنه يراه بمنزلة نفسه ، و يظنه مثالا من ذاته ، و نسخة نقلتها الطبيعة من صورته ، و يعد وجوده بمنزلة البقاء الثاني لنفسه ، فيظنه أنه جزؤه و في الخلق و الخلق مثله ، و كذا كل ما يريد لنفسه من الكمالات يريد أفضله له ، ويفرح بترجيحه عليه ، و تفضيله عليه عنده بمثابة أن يقال : انه في الآن أفضل من السابق ، و مما يؤكد محبته له : أنه يرجو منه انجاح مقاصده و مطالبه في حياته و مماته ، و ليست محبة الابن للأب كمحبة الأب للابن ، بل هو أضعف، لفقد بعض الأسباب الباعثة له ، و لذا أمر الاولاد في الشريعة بحب الآباء دون العكس ، و كذا المحبة التي بين المعلم و المتعلم من هذا القسم ، لأن المعلم كالسبب القريب للحياة الروحاني للمتعلم و إفاضة الصورة الإنسانية عليه ، كما أن الأب كالسبب لحياته الجسمانية و رتبته الصورية ، فهو والد روحانى له ، و بقدر شرافة الروح على الجسم يكون المعلم أشرف من الأب ، و على هذا ينبغي أن تكون محبة المعلم أدون من محبة الموجود الحقيقي و أكثر من محبة الأب ، و قد ورد في الحديث : «ان آباءك ثلاثة : من ولدك ومن علمك ، و من زوجك ، و خير الاباء من علمك».
وسئل من ذي القرنين : أن أباك أحب إليك أم معلمك؟ , قال : «معلمي أحب الي ، لأنه سبب لحياتي الباقية ، و أبي سبب لحياتي الفانية».
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من علمني حرفا فقد صيرني عبدا».
وعلى هذا ينبغي ان يكون حب النبي (صلى الله عليه واله) و اوصيائه الراشدين ( عليهم السّلام) اوكد من جميع اقسام الحب بعد محبة اللّه - سبحانه-، لأنه المعلم الحقيقي و المكمل الأول ، و لذا قال (صلى الله عليه واله):
«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه و أهله و ولده».
التاسع - محبة المتشاركين في سبب واحد بعضهم لبعض ، كمحبة الاخوان و الأقارب , و كلما كان السبب أقرب كانت المحبة اوكد ، و لذا تكون محبة الاخوين أشد من محبة أبناء الاعمام مثلا ، و من عرف اللّه و انتساب الكل إليه ، و بلغ مقام التوحيد ، و عرف النسبة و الربط الخاص الذي بين اللّه و بين مخلوقاته ، يحب جميع الموجودات من حيث اشتراكه معها في الموجد الحقيقي.
ثم قد يجتمع بعض أسباب المحبة أكثرها في شخص واحد ، فيتضاعف الحب ، كما لو كان لرجل ولد جميل الصورة ، حسن الخلق ، كامل العلم ، حسن التدبير، محسن إلى والده و إلى الخلق ، كان حب والده له في غاية الشدة ، لاجتماع أكثر أسباب الحب فيه ، و ربما أحب شخصا آخر لوجود بعض أسباب الحب فيه من دون عكس ، لعدم تحقق سبب من أسباب الحب فيه ، و قد تختلف فيهما أسباب الحب ، فيحب كل منهما الآخر من جهة ، و تكون قوة الحب بقدر قوة السبب ، فكلما كان السبب أكثر و أقوى كان الحب أشد و اوكد.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|